|
أراضى المناصير حول البحيرة - لا تزال قنبلة موقوتة ونار تحت رماد ...بقلم : محمد عبدالله سيداحمد
|
من الصعب أن يصدق أحد أن الحكومة خدعت المناصير وللمرة الثانية فى اتفاقها الأخير الذى أبرمته معهم وقبل أن يجف مداده . ومن الصعب أكثر أن يصدق أن محور المشكلة كلها هو أن غالبية المناصير يرغبون فى إعادة توطينهم بأراضيهم حول بحيرتهم ولكن الحكومة لا تريد لهم ذلك ، لأنها تريد إجلاءهم جميعا منها وإعادة توطينهم بعيدا عنها ، لأنها تريد تلك الأراضى خالية منهم لغرض أو أغراض لم تفصح عنها ، ويتهمها المناصير وغيرهم بأن لديها أجندة خفية فى هذه الأرض .
ولكن مع إصرار المناصير وتمسكهم بالبقاء بأراضيهم تأزمت مشكلة المناصير واستعصت عن الحل حتى يومنا هذا . ولقد تصاعدت هذه المشكلة فى بعض المرات حتى أوشكت أن تعرض المناصير لمجازر دموية ، كما حدث لأول مرة فى ديسمبر عام 2005م عندما عقد المناصير مؤتمرهم السنوى بواحة سانى وأحاطت بهم تجريدات عسكرية تصوب نحوهم مدافع الدوشكا . وكما حدث مؤخرا بالكربكان عندما احتجز المناصير عددا من العربات المسلحة . وقد دفع التصعيد الأول فى عام 2005م بالحكومة لكي تصرح بأنها نقلت ملف المناصير من إدارة السدود الى والى ولاية نهر النيل ، وأنها قد ابعدت إدارة السدود عن كل شأن مباشر متعلق بالمناصير من تعويض وإعادة توطين أو هكذا إدعت ، لأنه حتى بعد أن عقدت الحكومة اتفاقها الأول مع المناصير فى 1/6/2006م وادعت فيه انها قد استجابت لمعظم مطالبهم وأهمها تنفيذ خيار غالبيتهم بإعادة توطينهم فى مواقع حول بحيرتهم ، سخر الوزير أسامة عبد الله – المدير التنفيذى لوحدة السدود من ذلك الإتفاق فى أجهزة الإعلام ووصفه بأنه عملية تبادل أدوار بينه وبين والى ولاية نهر النيل ، وأن ملف المناصير لم ولن ينتقل من عنده . وقد اثبتت الأيام والأحداث صدق ما صرح به ، وأتضح أن الإتفاق لم يكن فى حقيقته إلا خديعة صدقها المناصير – والمؤمن صديق-- وظلوا لعام كامل يلهثون خلف سراب ، بينما مضى الوزير / أسامة عبد الله فى تنفيذ مخططه لإخلاء الأراضى حول البحيرة منهم لتكون لغيرهم .
وقد نجح والى ولاية نهر النيل أيما نجاح فى لعب الدور المرسوم له بعدم تنفيذ الإتفاق خاصة فيما يتعلق بالخيارات المحلية حول البحيرة وإلهاء المناصير وطمأنتهم بمعسول الكلام وكثرة الإشادة بهم وأيضا بالإكثار من القسم المغلظ بتنفيذه للخيارات المحلية . ولكن عندما اكتشف المناصيرخديعة ذلك الإتفاق الأول قاموا بمظاهرة سلمية فى أبى حمد للتعبير عن عدم رضاهم لخرق الإتفاق من جانب إدارة السدود وعدم جدية تنفيذه من جانب والى ولاية نهر النيل . ولقد تصاعدت المشكلة بسبب تلك المظاهرة واخذت منحى خطيرا آخر عندما خطب أحد المتظاهرين الغاضبين وادعى أن المناصيريملكون سلاحا سيقاومون به تهجيرهم القسرى وأن لديهم معسكر تدريب كذلك . ولقد كان من المتوقع والمفترض ألا تأخذ الحكومة قوله هذا مأخذ الجد ، لأن قوله هذا كان واضحا انه لم يكن أكثر من تهديد فارغ وتهويش صدر من متظاهر غاضب يغمره احساس بالظلم ، وكما هو مألوف فإن المتظاهرين الغاضبين يفرغون ما بجوفهم من هواء ساخن ويكيلون لحكوماتهم ما شاء لهم من سباب دون أن تؤاخذهم حكوماتهم على إساءتهم لها . بل إن الحق عز وجل قد أجاز لمثل هؤلاء الغاضبين المظلومين أن يجهروا بالسوء من القول ولم يبح ذلك لغيرهم . لقوله تعالى : ( لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم ) .
ثم إن ذلك المتظاهرالغاضب لم يهدد الحكومة بشن حرب عليها ، وإنما ذكر أنهم كمناصير سيدافعون عن انفسهم ، ويقاومون تهجير الحكومة القسرى لهم إن هي اقدمت عليه . فإن كانت الحكومة لم تكن راغبة فى تهجير المناصير قسريا فما الذى كان يضيرها من مثل هكذا تهديد وتشويش ؟! ثم متى كانت مقاومة التهجير القسرى حتى وإن جاء من قبل الحكومة تشكل جريمة فى أي دين أوعرف ؟ -- وهاهو رئيس الجمهورية قد أعلن مرارا بأنه لا يسمح بتهجير أي مواطن قسرا . ثم إن المناصير جميعهم كانوا يعلمون أن الحكومة وغيرها على علم بأن منطقتهم من آمن مناطق السودان وخالية من أي سلاح .
ولذا فقد كان من المستغرب بدلا من أن تقوم الحكومة بطمأنة المناصير بأنها لا تنوى تهجيرهم قسريا فإنها إتخذت من الإجراءات الأمنية ما أكد للمناصير أنها عازمة على ذلك التهجير القسرى . فبذريعة البحث عن السلاح المزعوم ومعسكر التدريب جابت قوات كبيرة من الأمن منطقة المناصير من أقصاها الى أقصاها فى تفتيش دقيق فلم تجد غير عدد محدود من قطع السلاح المرخص فاحتجزتها . وأصبح واضحا للمناصير أن إدارة السدود قد قصدت إرهاب المناصير وإذلالهم . وأنها قصدت كذلك أن تعطيهم إشارة واضحة تؤكد لهم أن تهجيرها القسرى هو بالفعل فى طريقه اليهم ، وأنهم ما لم يمتثلوا لمخططها ويغادروا لها أراضيهم حول البحيرة فإن تلك التجريدات العسكرية التى جابت منطقتهم ورابطت فى مدخلها تفتش كل داخل وخارج منها تفتيشا دقيقا ومذلا ستكون كفيلة بتهجيرهم قسرا عندما يأتى موعدهم .
ثم اعقبت اجراءاتها هذه بإعتقال ستة من قيادات المناصيرلأجل غير مسمى ، لا لسبب إلا لأنها تعتقد أنهم وراء تحريض أهلهم للبقاء بأراضيهم حول البحيرة بينما هي تريد تلك الأراضى خالية منهم . ولكن المناصير برهنوا عمليا أنهم جميعا قيادات بديلة عندما قرروا تنفيذ خطة طوارئ اسعافية لبناء قريتين بالنفير والجهد الذاتى وحددوا يوم 1/6 الماضى موعدا لضربة البداية يتم فى إحتفال كبيرا يدعون له كافة وسائل الإعلام . ولكن الحكومة بذلت جهودا مضنية كي لا يتم هذا النفير حتى لا يضعها المناصير أمام الأمر الواقع ببقائهم بأراضيهم حول البحيرة ، بما تعتبره خطا أحمر لا تسمح به كما سبق أن صرح وأعلن ذلك صراحة أحد كبار المسئولين لبعض قيادات المناصير .
وقد خيل للحكومة بأنها قد نجحت بالفعل فى مسعاها هذا بإيجادها لوسيلة سلمية توقف بها عمل هذا النفير وذلك بإعدادها لإتفاق خديعة جديد قالت للمناصير إنه اتفاق أكثر جدية من سابقه وتضمن لهم به بناء مساكنهم حول البحيرة . وقد قبل المناصير بالتوقيع على ذلك الإتفاق الجديد ، لأنه ليس لديهم ما يخسرونه . فإن أوفت لهم الحكومة بما وعدت فإن ذاك هو المرام ، وإن لم تف لهم بما تعهدت به فى الإتفاق ، عادوا الى نفيرهم مرة أخرى وفى أيديهم وثيقة تضمن لهم المزيد من الحقوق بما يزيد من ورطة الحكومة – فمن ياترى يخدع من ؟ ومن ياترى سيحقق أهدافه فى نهاية المطاف ؟ -- فهذا ما ستكشف عنه مقبل الأيام – ولننتظر والنشوف آخرتا كما يقول أستاذ / سعدالدين إبراهيم . عقب توقيع الإتفاق الجديد بين الحكومة والمناصير ، أصر المناصير على المضى قدما لتنفيذ خطة نفيرهم التى اقترب موعد الإحتفال بضرب بدايتها فى ( 1/6/ 2007م ) وفرحوا كثيرا عندما أعلن لهم البروف/ إبراهيم أحمد عمر – راعى الإتفاق – عن عزمه لحضور إحتفال ضربة البداية للنفير . ورأوا فى مقدمه فأل خير ، لأن حضوره سيؤكد لهم جدية الحكومة فى تنفيذ الإتفاق بخياراته المحلية حول البحيرة و توقعوا منه دعم نفيرهم ماديا وعينيا أو حتى أن يتبنى إكماله . ولكن خاب فألهم عندما اتضح لهم بأنه ما جاء لموقع الإحتفال إلا لوأد مشروع النفير فى مهده كما خططت لذلك الحكومة عن طريق اتفاقها الجديد بدليل رفضه القاطع للمناصير لوضع حجر الأساس لهذا المشروع ، حتى لا يعنى وضعه لحجر الأساس إقرارا من الحكومة بحق المناصير الفعلى فى أراضيهم حول البحيرة وبناء مساكنهم بها ، بينما مخطط الحكومة فى حقيقته لا يقر لهم بهذا الحق . إضافة الى أنه لم يقدم لهم أي عون مادى أو عينى مما جعل المناصير يتساءلون عن مغزى وجدوى تكبده المشاق والوقت والمال وفى معيته ذلك الحشد الكبير الذى وصل بثلاثة طائرات وأرتال من العربات دون أن يكون لهم شأن بعمل النفير وإنما ليجعلوا من يوم النفير هذا مهرجانا للخطابة . وهي خطابة ليس بها جديد ، وإنما تكرار لما سبق أن قيل فى قاعة الصداقة عند توقيع الإتفاق ، ولم يكن هناك من جديد أتى به الإتفاق . وحتى الإستبيان الذى قامت به الحكومة بواسطة جهاز إحصائها المركزى لمعرفة خيارات المناصير الحقيقية للمواقع التى يرغبون فى إعادة توطينهم بها بما يمكن اعتباره إنجازا كبيرا كأول خطوة عملية وضرورية أعقبت الإتفاق لتمهد لتنفيذ الخيارات المحلية حول البحيرة ، فإن كثيرا من المراقبين لا زالوا يتشككون فى جدواها ويعتبرونها إجراء صحيحا ولكن مع إصرار الحكومة وتمسكها بأجندها الخفية ومخططها فى أراضى المناصير حول البحيرة فمن المؤكد أنها سوف لن تلتزم للمناصير بتنفيذ خياراتهم المحلية حول البحيرة . ويؤكد أولئك المراقبون أن الحكومة فى حقيقة أمرها لم تكن راضية عن نتيجة ذلك الإستبيان الذى أوضح لها أن أكثر من 70 % من أسر المناصير البالغ تعدادها أكثر من عشرين ألف أسرة يرغبون فى إعادة توطينهم فى مواقع حول البحيرة بينما الحكومة ممثلة فى إدارة السدود كانت تتوقع نتيجة عكس ذلك ، حيث كانت تعتقد اعتقادا جازما بأن الخيارات المحلية حول البحيرة لا يرغب فيها إلا عدد محدود للغاية يمكنها تجاوزه دون حرج لقلته ولتمضى بعد ذلك مطمئنة فى تنفيذ مخططها . ويؤكد أولئك المراقبون كذلك أن إدارة السدود ، التى هى رأس الرمح فى تنفيذ هذا المخطط ، لو كانت تعلم مسبقا أن هذا الإستبيان الذى استعجلت إجراءه كان سيأتيها بمثل هذه النتيجة لما سمحت بقيامه . ويبدو أن الحكومة وإدارة سدودها قد وقعتا فى خطإ قاتل (بالنسبة لهما ) بإجراء هذا الإستبيان إعتمادا على المعلومات الخاطئة أو الخادعة بقلة الراغبين فى الخيار المحلى التى أمدتهم بها العناصر الموالية لمخطط إدارة السدود من المناصير (كرزايات) والذين لا زالت إدارة السدود تعتمد عليهم كمرجعية ومصدر موثوق فى حصولها على أي معلومات تتعلق بحقيقة ما يجرى داخل منطقة المناصير . و لا زالت تراهن عليهم كآلية ضرورية ومطلوبة لإختراق وحدة المناصير ولتنفيذ مخططها – ضعف الطالب والمطلوب . ولذا فإن أولئك المراقبون يؤكدون من منظورهم بأن الحكومة حتى وإن اعترفت بنتيجة هذا الإستبيان فإنها لن تعمل بنتيجته لتنفيذ الخيارات المحلية حول البحيرة لأنه يتعارض مع مخططها الذى يعتبر أن بقاء المناصير بأراضيهم حول البحيرة خطا أحمر كما صرح ذلك المسئول الكبير ، ولن تسمح بتجاوزه . لكل ذلك لم يكن مستغربا أن تقوم إدارة السدود بخرق الإتفاق الجديد قبل أن يحف مداه .
فقبل أن تشرع الحكومة فى فى عمل الإستبيان لمعرفة حقيقة خيارات المناصير فى المواقع التى يرغبون فى إعادة توطينهم بها ، بادرت إدارة السدود بعمل إعلان لحصر ممتلكات المناصير بغية تعويضهم وتهجيرهم الى كل من مشروعي المكابراب والفدا الصحراوى شمال أبوحمد وهما المشروعان الوحيدان الذان تعترف بهما كخيارين وحيدين للمتأثرين المناصير – ولا تعترف بأي خيارات أخرى للمناصير حول البحيرة . وقد أوردت فى إعلانها أنها قد نسقت مع الجهات الراعية والمنفذة للإتفاق على عملها هذا دون أن تنفى تلك الجهات ماذكرته أو تعترض عليه . وهذا ما أكد للمراقبين ان الحكومة جميعها بما فيها الراعين للإتفاق والمنفذين له جميعهم ضالعون فى ذلك المخطط . وإلا فمن يصدق أن جهازين أو جهتين فى حكومة واحدة يمكن أن يعمل كل منهما على شاكلته وبأجندة متعارضة ، ثم لا تقوم أي مؤسسة رئاسية بفك الإشتباك بينهما ؟! أو كيف يمكن أن تبرم الحكومة بيمينها إتفاقا وتنقضه بشمالها فى نفس الوقت وتعمل ضده؟ . ولما كانت إدارة السدود تدرك تماما أنه لن يكون بمقدورها الدخول الى منطقة المناصير لإجراء مهمة الحصر التى أعلنت عنها ، فإنها قررت إدارة هذه العملية من بعد ، وذلك بفتحها لثلاثة مكاتب فى كل من مروى والدامر وأبوحمد وأعلنت المناصير كي يصلوا بأنفسهم الى تلك المكاتب لإصطحاب فرق الأحصاء لمناطقهم شريطة توفير الحماية لهم لكي ينجزوا لهم مهمة الحصر. ولم يعترض والى ولاية نهر النيل على فتح المكتبين بولايته بمثلما لم يعترض قبل ذلك على شروع إدارة السدود فى تنفيذ مشروع الفدا فى الإتفاق الأول . ولقد استجاب كل المناصير للبيان الذى أصدرته لهم لجنتهم التنفيذية وأوضحت لهم فيه بأن ذلك الإعلان مخالف للإتفاق ولا يعنيهم فى شئ .
فانقضت الفترة الزمنية التى حددتها إدارة السدود لعمل الحصر ولم يتقدم لها أي فرد من المناصير طالبا منها الحصر . فكانت تجربة فاشلة ومفضوحة وكان ينبغى أن تكون درسا وعبرة للحكومة وإدارة سدودها وللجهات الراعية للإتفاق والمنفذة له بأن المناصير جادون فى التمسك بإتفاقهم ، وأنهم قد ملوا تكرار تلك المسرحيات العبثية وقادرون على افشالها . وأن الإتفاق الأخير قد انكشفت لهم عدم جديته وخدعته لأن من يعجز عن حماية اتفاقه من الإختراق سيكون عاجزا عن تنفيذه كذلك . وتوقعوا أن إدارة السدود سوف لن تجرؤ على تكرار مثل تجربتها هذه الفاشلة . ولكن من يصدق أنها رغم ذلك كررتها ، ليتكرر لها نفس الفشل وليصدق فيها قول المتنبئ : ومن البلية عذل من لا يرعوى -- عن جهله وخطاب من لا يفهم فلقد توقع المراقبون أن وزير وحدة تنفيذ السدود بعد أن مني بالفشل الذريع فى إعلانه عن الحصر سوف يفقد الأمل ويوقف برنامج عمله ويكف عن إصدار مثل تلك الإعلانات ، ويبحث عن وسيلة أو حيلة أخرى لتنفيذ مخططه الذى ما زال مصرا على تنفيذه . ولكن مكابرته وعدم تقبله للهزيمة جعلاه يكرر نفس الخطأ والفشل .
فقد نفاجأ المناصير فى يوم 15/7 الماضى وبعض الأيام التى تلته بصدور إعلان من إدارة السدود فى عديد من الصحف تعلن فيها عن برنامج زمنى لتعويض وإعادة توطين المناصير مؤكدة كذلك فى اعلانها انها قد قامت بالتنسيق التام مع الجهات الراعية للإتفاق والمنفذة له . وانها قد راعت فى برنامجها ، برنامج غمر البحيرة حسب مراحل الإنشاءات المختلفة بجسم السد ، وأن نشر كشوفة المستحقين سيكون فى يوم 12 يوليو2007م وحدد الإعلان كذلك بداية ونهاية الإستئنافات واستخراج الأوراق الثبوتية وصرف التعويض والترحيل لكل من قرى وحدتي شرى والكاب بمنطقة المناصير وهي تمتد من 21 يوليو 2007م الى 30/5/2008م . وقد أوضح الإعلان أنهم كإدارة سدود سيخلون مسئوليتهم تجاه المواطنين وممتلكاتهم بعد يوم 30/5/2008م والذى قالت انه سيكون اليوم النهائى لإخلاء المنطقة المتأثرة بالغمر . ولقد أشار الإعلان الى أن كشوفة المستحقين ستنشر برئاسة محليات كل من أبى حمد والدامر ومروى . ولكن الإعلان تحاشى أن يوضح أن تلك الكشوفة التى سينشرها للمستحقين هى كشوفة إحصاء عام 1999م . كما لم يوضح عما إذا كانت كل الإجراءات ستتم برئاسات تلك المحليات أم أن بعضها سيكون ميدانيا داخل منطقة المناصير . هذا ولم تقم الجهات الراعية والمنفذة للإتفاق بالإعتراض على هذا الإعلان لمخالفته للإتفاق كما سمح والى نهر النيل كذلك بنشره فى رئاستى محليتيه ، بينما اعترضت عليه اللجنة التنفيذية للمناصير واعلنت لقواعدها بأن ذلك الإعلان كسابقه مخالف للإتفاق ولا يعنيهم أمره فى شئ . وكل ذلك زاد من تأكد المراقبين لخديعة الأتفاق ، ولم يعد ينطلى على أحد قيام الحكومة بلعب هذا الدور المزدوج . ويحاورنى بعض من قومى قائلين لى : إنا لنراك من المتشائمين . قلت لهم : وما الذى جعلكم أنتم متفائلون ؟ قالوا لى : لأننا نرى أن هناك حراكا جادا فى ولاية نهر النيل مع الدار الإستشارية لإنشاء قريتين حول البحيرة سعة كل منهما الفي أسرة وهما نفس القريتان اللتان كان المناصير يزمعون انشاؤهما بالنفير لكي تفى بحاجة المتأثرين الأوائل . وأن إجراءات تنفيذهما بواسطة شركات مؤهلة وعن طريق العطاءات تجرى على خير وجه . وأن بداية سبتمبر القادم ستشهد مصداقية البدء الفعلى لتنفيذ هذا المشروع كبداية ، و سوف يتوالى العمل ويتتابع . قلت لهم إنى أرى كل ذلك أفك قديم وخداع جديد ، ولن يتم فعل شئ . وأن ما يجرى الآن شبيه بما كان يجرى فى دراسة شركة يام ومستنسخ منه ، فشركة يام قد تعاقدوا معها بالفعل ، ولكن اتضح أنه كانت خديعة كبرى ، وأسوأ مسرحية يتم إخراجها وعرضها . وهل نسيتم كيف تم وأدها بتلك الصورة الدرامية ؟ --- فهذه الإجراءات التى تذكرونها ليست أكثر من ملهاة لكسب الوقت وسيأتونكم فى مرة بعذر ومبرر جديد للتأخير . ثم إذا كنتم تثقون فى ان كل ما ذكرتموه صحيح فكيف تفسرون قيام إدارة السدود بخرق الإتفاق بإعلان برنامج عملها المتعارض مع الإتفاق وبما يتعارض مع هذا العمل الذى تذكرونه ، بل وإدعائها أن ذلك قد تم بتنسيق تام مع جهات الأتفاق دون أن تنفى جهات الإتفاق هذا الإدعاء أو تعترض على برنامج عمل إدارة السد هذا ؟ ثم إن كانت بداية سبتمبر القادم ستشهد بالفعل البداية الفعلية لتنفيذ بناء المساكن حول البحيرة وهو موعد قريب فلماذا لم يتم التنسيق مع إدارة السدود كما ادعت كى تؤجل اعلانها هذا ليتسق موعد الحصر مع برنامج مراحل تشييد البناء ؟ ثم هل نسيتم ما تتمتع به إدارة السدود من نفود طاغ ويد عليا و لا تستطيع جهة حكومية أو غير حكومية أن تقف ضد تنفيذها لأجندتها ؟ قالوا لى : إن الأمر هذه المرة مختلف ، لأن هناك صراعا بين قوى نافذة فى الحكومة ومنها من يقف ضد إدارة السدود وأجندتها فى تلك الأراضى ، وأن هناك تضاربا فى المصالح وتقاطعات . وأن مايحدث فى تنفيذ الخيارات المحلية حول البحيرة من اختلاف ما هو إلا انعكاس لهذا الصراع وتضارب المصالح . قلت لهم إن عقلى لا يستوعب فهم تلك الألغاز . فإن كنتم على ثقة بأن بداية سبتمبر القادم ستشهد التنفيذ الفعلى لبناء مساكن المتأثرين المناصير حول البحيرة كما تؤكدون فانتظروا إنى معكم من المنتظرين . وليت هندا انجزتنا ما تعد . ونعود مرة أخرى الى ما ورد فى اعلان إدارة السدود . وأول ما نلاحظه أن الإعلان تعمد أن يتحاشى إيراد إسم المناصير واستبدله بعبارة ( المتأثرون بولاية نهر النيل ) رغم أنه لا يوجد فى ولاية نهر النيل متأثرون آخرون بقيام السد غير المناصير ورغم أن إدارة السدود كانت قبل ذلك تورد إسمهم . ويفسر البعض هذا التبديل بأن إدارة السدود قصدت استبعاد هذا الإسم لأن ذكره اقترن بلفت الإنتباه لمشكلتهم . ثم مما ورد فى ذلك الإعلان يتأكد للمرء بحلاء أن مشكلة المناصير قد عادت الى إدارة السدود -- الى مربعها الأول . وأن الإتفاق الأخير كسابقه خديعة ثانية واستخفاف بعقول المناصير بدليل الحقائق التالية المستخلصة من ذلك الإعلان نفسه. وهي بالتحديد ما يلى : -- أولا : تغولت إدارة السدود على اختصاصات مفوضية التوطين بولاية نهر النيل التى أنشأت منذ الإتفاق الأول لتقوم بمهمة التعويض وإعادة التوطين للمتأثرين المناصير أو على أسوأ تقدير أن تكون شريكا أصيلا وعلى رأس أي آلية يتم الإتفاق عليها للقيام بهذه المهمة . ثانيا : إن موعد الحصر المتفق على شروطه فى الإتفاق لم يحن بعد . وقبل ذلك لم يتم إجازة القانون واللائحة التى سوف يطبق بموجبها الحصر ثم التعويض وإعادة التوطين . وإن سكوت الجهة الراعية والمنفذة للإتفاق عن كل تلك التجاوزات تعنى رضاهم وضلوعهم ومشاركتهم في ذلك المخطط. ثالتا : أكد ذلك الإعلان أن إدارة السدود قد عادت بكامل عدتها وقضها وقضيضها لمباشرة عمل التعويض وإعادة التوطين بقوانيها ولوائحها . ولئن كانت إدارة السدود قد سمحت من قبل بإن ينتقل ملف المناصيرمنها إسميا حسب متطلبات خديعة الإتفاق إلى غيرها ، فها هي ذى بضاعتها قد ردت اليها أو هي بالأصح لم تبارحها . فمفوضية توطين المناصير بولاية نهر النيل قد قصد منذ انشائها فى الإتفاق الأول أن تكون مجرد خواء بلا مقر وبلا هيكل وظيفى وبلا ميزانية وبلا قانون ولا لوائح تعمل بمقتضاهما أو بمعنى أوضح أن تكون هيكلا فارغا كخيال المآتة لخداع المناصير ( الطيور ) . لأن إدارة السدود كما خططت لنفسها ستقوم فى النهاية بهذه المهمة عندما تأتى ساعة الصفر ويسقط قناع خداع المناصير وتنتهى مسرحيات ملهاتهم . وها قد جاءت ساعة الصفر هذه كما حددت ميقاتها إدارة السدود . ويرى المراقبون أن الحكومة وإدارة سدودها لو كانا جادان فى الإتفاق الأخير وفى إعادة توطين غالبية المناصير فى أراضيهم حول البحيرة وأنهما قد تخليا بالفعل من أجندتهما الخفية فى أراضى المناصير حول البحيرة لما عدمت الحكومة حيلة لإقناع المناصير بوجوب دخول إدارة السدود كعنصر أساسى وشريك فى الإتفاق كي تقوم هي أي إدارة السدود فى النهاية بتنفيذ الخيارات المحلية والتعويض وفق المكاسب التى أقر بها الإتفاق للمناصير . فما يهم المناصير فى النهاية هو تنفيذ الإتفاق . ولكن وكما هو واضح فإن ضلوع الخكومة وإدارة سدودها واصرارهما على تنفيذ ذلك المخطط هو الذى حال ولا زال يحول دون ذلك . رابعا : خطأ إدارة السدود المركب فى نشرها لكشوفة حصر عام 1999م للمستحقين لاحظ الجميع أن إعلان إدارة السدود قد قصد على ألا يشير إلى أن كشوفات المستحقين التى سينشرها فى 21 يوليو هي كشوفة إحصاء عام 1999م وأن إدارة السدود قد إضطرت لذلك بعد أن فشلت فى إجراء حصر جديد . وأيضا لإعتقادها أن حصر عام 1999م سوف يحبط حتى القلة من عناصرها الموالية لها . ولكنها لم تفكر الى متى يمكنها إخفاء هذه الحقيقة . وحتى إن صح تفسير البعض بأن إدارة السدود تعتقد أن كشوفاتها تلك ستغرى البعض للإستئناف ليحصلوا على المزيد ، فلا يدرى أحد كيف ستتمكن إدارة السدود بعد ذلك الى دخول منطقة المناصير لنظر الإستنافات وقد فشلت من قبل فى إجراء الحصر ؟ أم يا ترى أنها بهذا الإعلان تتوقع أن يحدث انقسام بين المناصير ويكون ذلك سببا فى بذر الخلاف بينهم فتجد فى ذلك ثغرة تنفذ بها أو تستغلها لتنفيذ مخططها بمثل ما فعلت بأهالى أمرى؟ فإن كان ذلك هو مبتغاها بالفعل ، فإن حالها يدعو للشفقة والرثاء لأن هذا الإعلان كما يبدو قد زاد من توحد المناصير. ؟
ثم إذا تركنا فشلها فى هذا المضمار جانبا ، فإن لديها جانب فشل آخر أكبر وأخطر يتمثل فى العشوائية وعدم العدالة فى النهج الذى تتبعه فى نظم واسس الحصر للتعويض و إعادة التوطين . ومن البداية نقول بأنه ليس هناك ثمة مبرر أو مايدعو لإجراء حصر لممتلكات المتأثرين لغرض تعويضهم وإعادة توطينهم على فترتين زمنيتين مختلفتين ومتباعدتين .
فالحصر الشامل الذى سبق لإدارة السدود أن قامت به فى عام 1999م والذى شمل الأراضى والمنازل والمغروسات فى كافة مناطق المتأثرين وتم من دون اعلانات ولا استئنافات ولم يشترط حضور المتأثرين لا يمكن أن يفهم منه بأي حال بأنه سيكون المرجعية الأساسية للتعويض فى أي وقت من الأوقات ، لأن المقصود به هو معرفة التقدير الأولى لممتلكات المتأثرين لكي تنبنى عليه التقديرات الصحيحة لميزانية التعويض و إعادة التوطين عندما يحين موعدها ، إذ لا بد أن يجد المتأثرون ميزانية كافية لمستحقاتهم عندما يتم إجراء الحصر الثانى والأخير قبيل تهجيرهم والذى بموجب نتائجه يتم صرف استحقاقاتهم بلا ضوضاء ولا ضجيج ، وبلا مرجعية لإحصاء عام 1999م .
فالإحصاء الأول الذى تم عام 1999م تتمثل أهميته ومرجعيته فى وضع الأساس لميزانية التعويض وإعادة التوطين لتتطابق مع نتائج الحصر الثانى والأخير قبيل التهجير ، حيث تقتضى النظم الحسابية عند وضع ميزانية التعويض وإعادة التوطين أن تحسب الزيادات المتوقعة فى عدد السكان وفى زيادة منازلهم ومغروساتهم --الخ – فى الفترة التى تلى إحصاء عام 1999م وحتى يحين موعد التهجير لكل مجموعة حسب يرنامجها الزمنى المحدد لتهجيرها وأن تكون تقديرات الزيادة بهامش زيادة أكبر من المتوقع لكي تكون تلك الزيادات متطابقة عند إجراء الحصر الثانى قبيل تهجير كل مجموعة وحتى لا يكون هناك إحتمال لحدوث أي عجز فى ميزانية التعويض وإعادة التوطين وبحيث يجد كل متأثر حقه كاملا من غير نقضان أو تقتير وبلا من أو أذى . ولا ينبغى أن تكون لتعويضاته فى الحصر الثانى والأخير أي رابط يربطها بإحصاء عام 1999م . --- ولكن الذى يحدث الآن غريب وعجيب . فإدارة السدود جاءت ببدعة غريبة وظالمة وما سبقها عليها أحد من العالمين . حيث اعتمدت إحصاء عام 1999م مرجعية اساسية للتعويض رغم العشوائية التى أجري بها من دون اعلان أو اشتراط حضور أو استئنافات . نعم اعتمدته كمرجعية ونص عليه قانون التعويض كذلك . فهذا القانون الذى تم تشريعه بموافقة إدارة السدود ينص صراحة بأنه لايسمح بتعويض أي منزل بني أو غرس غرس بعد احصاء عام 1999م . وكأن إدارة السدود بتشريعا لهذا القانون تريد لحياة المتأثرين أن تتوقف بعد ذلك العام . وكان من المفترض طالما أن إدارة السدود قد شرعت هذا القانون ورضيت العمل به بدليل أنها لم تسع لتعديله ، كان من المفترض أن تعمل به رغم ظلمه و أن تعوض المتأثرين بموجبه ولا تقوم بإجراء حصر جديد لا يسنده قانون ونتائجه غير ملزمة لها . وأن تقول لمن يحتج : هذا ما أعطاه لكم إحصاء عام 1999م و ما نص عليه القانون رضيتم أم أبيتم وليس لكم بعد حصر عام 1999م استحقاق ، ولا كيل لكم عندى ولا تقربون . وتكون فى ذلك محقة حسب تطبيق القانون . ولكن إدارة السدود كانت تعلم أن مثل ذلك القول لن يكون مقنعا للمتأثرين وهي فى نفس الوقت ليس لديها الميزانية الكافية لمقابلة الزيادات بعد عام 1999م لأنها لم تضعها فى تقديرات ميزانيتها .
ولكي تخرج من هذا المأزق أدخلت نفسها فى مأزق أكبر حيث صارت تقوم بعمل حصر ثانى جديد قبيل تهجيرها لكل فوج جديد من المتأثرين ، وتحاول أن تجد لها موازنة بين الأحصاءين وبإعتبار أن الحصر الثانى هو كرم زائد منها وفضل خير وليس هناك من قانون يلزمها بنتائجه . ولذا فإنها قد تستجيب لنتائج الزيادات التى يأتى بها الحصر الجديد ، وقد لا تستجيب . وهي فى استجابتها أو عدم استجابتها لا تحتكم لضوابط معينة ولا تهتدى بنظم أو معايير أوموازين .
وهي فى الغالب لا تستجيب ، لأنها لم تضع حسابا للزيادات ولأنها تسعى دوما لخفض هذه التكلفة فتوقع بذلك أكبر الظلم على المتأثرين كما حدث لأهالى الحامداب ولأهالى أمرى على وجه الخصوص حيث لم تكف المنازل والحواشات حتى لمن تم حصرهم فى عام 1999م مما إضطر متأثرو أمرى للتكدس فى منازل بعضهم البعض وأن يبقى من يبقى منهم فى العراء وأن يرفض الهجرة منهم من يرفض ، ولم تحل مشكلة أي منهم حتى الآن .
ثم ها هي إدارة السدود بإعلانها الإخير هذا ودون أن تستحى بما فعلته فى أهالى أمرى من أفاعيل تود أن تكرر نفس المآسى وبحجم أكبر وبصورة أكثر تعقيدا فى المناصير الذين تضاعف عدد أسرهم الى الضعف فى الفارق الزمنى الذى يقارب العشرة سنوات ، كما أبان الإستبيان .ومن المؤكد أن يتضاعف لديهم كذلك عدد المنازل والمغروسات . -- هذا إذا افترضنا جدلا أن إدارة السدود قد قدر لها أن تقوم بهذه المهمة ولم يتم العمل بموجب الإتفاق الذى يشترط آلية للحصر والتعويض واعادة التوطين تشارك فيها بصفة رئيسية مفوضية التوطين بالدامر و أن يتم الحصر والتعويض وفق قانون ولوائح جديدة يتم اقرارهما والعمل بمقتضاهما . وإذا أن كل ذلك لن يتم فيبقى السؤال هو : هل بإستطاعة إدارة السدود التى درجت على غمط حقوق المتأثرين أن توفى للمتأثرين المناصير بموجب اعلانها هذا بكامل حقوقهم من تعويضات مالية وإعادة توطين حسب نتائج اللإستبيان والحصر الجديد إن تمت جميع إجراءاتها بسلام ؟ -- ( أنعم وبارك ) خامسا : كشف البرنامج الزمنى الذى أعلنته إدارة السدود لتعويض وإعادة توطين المناصير والذى ذكرت أنه قد راعى برنامج مراحل الإنشاءات المختلفة بجسم السد – والذى حددت لنهايته يوم 1يناير 2008م للجزء الشمالى من منطقة المناصير المتأثر أولا ببرنامج الغمر – كشف بأنه سوف لن يكون هناك غرق لأي جزء من منطقة المناصير لهذا العام ، وفى ذلك تناقض وعدم مصداقية مع ما سبق أن حذر منه البروفسور/ إبراهيم أحمد عمر بعض أعضاء لجنة المناصير داعيا لهم لإستعجال القبول بإجراء الحصر فى تجاوز لنصوص الإتفاق دون مبرر لأنه لا يزال هناك متسع من الوقت يكفى لبناء مساكن الخيارات المحلية حول البحيرة قبل أن يأتى الغمر وأن يتم الحصر فى أعقاب ذلك . هذا ، إن كانت الحكومة جادة فى تنفيذ تلك الخيارات المحلية ، ولكنها بالتأكيد غير جادة .
ولقد أوردت إدارة السدود فى ذيل إعلانها أنها كإدارة سدود ستخلى مسئوليتها تجاه المواطنين وممتلكاتهم بعد يوم 30 /5 / 2008 م وأن ذلك اليوم هو اليوم النهائى لإخلاء المنطقة المتأثرة بالغمر بما يفسر بالواضح بأنه تهديد للمناصير بالغرق إن لم يمتثلوا بما جاء فى ذلك الإعلان . وبصرف النظر عما إذا كان الغرق يشكل عنصر تهديد للمناصير أم لا ، فهل مسئولية الغرق فى نهاية الأمر هي مسئولية إدارة السدود أم مسئولية الحكومة الإتحادية التى وقعت اتفاقين مع المناصير ولم تف بأي منهما بل وستظل هي مسئوليتها حتى وإن لم تكن قد وقعت معهم أي إتفاق ؟؟ أم أن إدارة السدود تعتقد أنها دولة قائمة بذاتها ؟ -- ثم من يهدد من ؟ -- أ ولا يعتبر هذا الإعلان التهديدى و المخالف للإتفاق – فى حد ذاته – مستندا يمكن أن يتقدم به المناصير الى المحكمة الدستورية كدليل لخرق الحكومة لإتفاقها ومطالبتهم بالتعويض وجبر الضرر وهلم جرا من مطالب ؟ -- بل إن هناك من يرى أن هذا الإعلان التهديدى يمكن أيضا تقديمه كمستد الى محكمة باريس التجارية ضد الصناديق التى تقوم بتميويل السد والشركات العاملة به وعلى رأسها شركة لا مير الإستشارية ---سيئة السمعة بإدانتها فى عدة محاكم --- بإتهامهم بأنهم جميعا وراء برنامج تنفيذ هذا التهديد -- و—و— ومهما يكن من أمر ، فمن المفترض أن تتعامل الحكومة بجدية وشفافية لتنفيذ اتفاقها الجديد ، ولكن وكما هو مشاهد فإن الحكومة لا زالت تمارس خداعها وتركت الحبل على القارب لإدارة السدود لتمضى فى تنفيذ مخططها بمباركة منها ، بينما إختارت الحكومة أن تواصل مسلسل خداعها للمناصير رغم علمها أن حبل الكذب قصير وأن الخداع لن يصل بالطرفين الى بر سلام . وقد بدا لى أن أجندة الحكومة الخفية فى الأراضى حول البحيرة هي من السرية والخطورة بمكان . وأن الإعتقاد الذى كان سائدا بأن إدارة السدود قد باعت أو تصرفت فى جميع الأراضى حول البحيرة لممولين أو مستثمرين من أجل حفنة دولارات لتمويل بناء السد أو لأي غرض آخر فى صفقة سرية هو اعتقاد غير صحيح .
لأن الحكومة التى استطاعت أن تشرع فى بناء مطار دولى جديد تبلغ تكلفته ملياري دولار وهى تكلفة تفوق تكلفة بناء سد مروى نفسه ، لن تكون فى حاجة لبيع مثل هذه الأراضى ولن تعجز عن رد قيمتها إن هي كانت قد تورطت فى بيعها كما يعتقد البعض . لأن هذا الثمن مهما بلغ حجمه لا يستحق أن يكون سببا فى كل هذه الأزمة بين الحكومة والمناصير بما بات يشكل مهددا لأمن الوطن واستقراره و يجعل الحكومة فى مأزق حقيقى لا تدرى كيف تخرخ منه .، فالمشكلة كما تبدو لى الآن هي أن الحكومة قد تورطت فى إلتزام أخطر من ذلك لدرجة أنها لا تستطيع كشفه والإفصاح عنه ، بل وتجد نفسها مكرهة ورغم عنها أن تمضى فى تنفيذ هذا المخطط حتى نهاياته لبلوغ غاياتهم بإخراج المناصير من أراضيهم مهما جر تنفيذ هذا المخطط للبلاد والعباد من أزمات و بلاء .
وإدارة السدود فى اعتقادى لا تزال تراهن على نجاح مخططها هذا تطبيقا لنظرية أن فيضان البحيرة كفيل بإخراج المناصير كالجرذان وهم مستسلمون للهجرة الى مشروعيها الذان تدعى جاهزيتهما فى كل من المكابراب والفدا الصحراوى ثم لن تبالى إن هم تكدسوا فى المنازل تكديسا ، وإن بقى أكثرهم فى العراء بلا مأوى ، وبأسوإ مما حدث بأمرى الجديدة – فالمهم أن يخلوا لها جميع أراضيهم حول البحيرة .
وإن لم يكن الأمر كذلك وأن هذا هو المخطط بالفعل للتنفيذ كما أوضح برنامج الإعلان الذى نشرته إدارة السدود فأين ياترى سيتم إيواء أكثر من أحدى عشر ألف أسرة من المناصير بينما مشروعى المكابراب والفدا لا يسعان لأكثر تسعة ألف أسرة بينما جملة عددية أسر المناصير قد وصلت الى أكثر من عشرين ألف أسرة . هذا إذا افترضنا جدلا أن جميع المناصير قد امتثلوا لما جاء فى إعلان إدارة السدود وقبلوا بالهجرة الى مواقعها تلك التى قالت إنها جاهزة لإيوائهم و لا يوجد غيرها أي خيارات محلية حتى لا يتعرضوا لتهديدها بأنها ستخلى مسئوليتها عنهم وعن ممتلكاتهم بعد يوم 31 /5 /2008 م ولكي يخلوا لها جميع أراضيهم ؟ .
ومع اصرار الحكومة وادارة السدود ومضيهم قدما لتنفيذ هذا المخطط فإن بعض المراقبين يتوقعون أن تفتعل الحكومة أو إدارة السدود المشاكل مع المناصير حتى تجد مبررا لإستخدام العنف ضدهم ابتداء من الإعتقالات الجماعية وانتهاء بسفك دمائهم ليستسلموا لتهجيرها القسرى وقد سبق أن ظهرت بالفعل إرهاصات لمثل هذا السيناريو . بل أشيع أن هناك بعضا من صقور الإنقاذ ممن يروا أنه لا بد من سفك دماء فى منطقة المناصير بمثل ما حدث فى أمرى وفى كجبار حتى يستسلم المناصير لمغادرة أراضيهم بأعجل ما يكون بينما يرى آخرون أن العنف بدلا من أن يحل مشكلة سيولد ألف مشكلة كما حدث بدارفور ولذا فإن الحكومة ما انفكت تخادع ولو الى حين .
ولقد شاءت إرادة المولى ولطفه ألا تراق نقطة دم واحدة من المناصير بسبب هذه المشكلة حتى الآن رغم المواجهات التى حدثت . وبرغم ما عرف عن المناصير من تسامح وتضحيات ، عرف عنهم كذلك بصفة عامة أنهم حمقى ومغالين فى ردود أفعالهم وانفعالاتهم – وقد سبق لإذاعة لندن أن وصفتهم بأنهم من أشرس القبائل فى السودان ، ربما لأن المناصير قتلوا من الإنجليز جنرالين من جملة خمسة جنرالات قتلوا فى السودان.
لقد آن للحكومة أن تتخلى عن اجندتها ومخططها فى أراضى المناصير حول البحيرة مهما كلفها ذلك من تبعات وجره عليها من أزمات . فتلك الأجندة الخفية التى لم تستطع أن تفصح عنها استحياء من خطورتها – لا بد أن تكون خطيئة كبيرة ، ومن الخير لها ألا تتورط فيها . وترك الذنب أيسر من طلب التوبة والغفران كما يقال. ثم إن تنفيذ هذا المخطط – كما أراه—قد بات فى حكم المستحيل ولن يتم تنفيذه حتى ولو أبادت الحكومة الآلاف من المناصير وذلك للإسباب الآتية :-- أولا : إن الحكومة قد أعطت المناصير وثيقة إتفاق ووثائق عديدة تثبت لهم فيها أحقيتهم فى أراضيهم حول البحيرة وإعادة توطينهم بها. ودعمت كل ذلك بقرارات جمهورية وبإحصاء مركزى . فإن كانت الحكومة تعتقد بأنها قد خدعتهم بكل تلك الوثائق ولن تنفذ لهم خياراتهم حول البحيرة .، فإن المناصير قد تمسكوا بتلك الوثائق رغم خديعتها حرصا وحفاظا منهم على المكاسب التى تحققت لهم منها . وهم بتلك الوثائق يمكنهم محاججة الحكومة وحتى مقاضاتها إن هي أخلت بالإتفاق أو مضت فى تنفيذ مخططها لإجلائهم من أرضهم . وبموجب ذلك الإتفاق سيكون لزاما عليها حتى وإن لم تنفذ لهم مساكن الخيارات المحلية فى أراضيهم حول البحيرة ألا تعرضهم للغرق ولا تهجرهم قسريا الى حيث لا يرغبون . وحتى إن كان هناك برنامج غرق سيحدث بسبب تنفيذ برنامج مراحل تشييد السد ، ولم يسبقه إنشاء منازل للراغبين فى الخيارات المحلية حول البحيرة ، فإما أن تقوم بتأجيل برنامج الغمر ، وإما أن تتفق مع المناصير على إيجاد إيواء مؤقت لهم تضمن لهم فيه اعاشتهم وماء شربهم النقى وكافة خدماتهم الى حين اكمال بناء مساكنهم حول البحيرة ومباشرتهم لحياتهم المعيشية الجديدة بها .
ثانيا : ما عادت المشكلة الهامة بالنسبة لغالبية المناصير مشكلة تعويضات قلت أم كثرت ولكنها مشكلة بقائهم بأراضيهم حول البحيرة تكون أو لا تكون . و قد صمموا أن يجعلوا من أمر بقائهم بأراضيهم أمرا واقعا وحقيقة معاشة شاءت الحكومة أم أبت . ولذلك فإنهم بعد أن فشلت الحكومة فى اتفاقها الأول معهم ولم تنفذ لهم خياراتهم المحلية عقدوا عزمهم على بناء قريتين بالنفير والجهد الذاتى للمتأثرين الأوائل منهم . ولن يكن من الصعب عليهم استئناف هذا المشروع مرة أخرى .
ثالثا : أوصحت الدراسة التى أعدتها شركة لامير أن ما سوف تغمره مياه البحيرة من أراض المناصير سوف لن يتجاوز الستين كيلو مترا بمعنى أن هناك ما لايقل عن المائة وثلاثون كيلو مترا سوف لن تغرق إلا جزئيا ، وأن تأثير الغرق يقل كلما امتدت البحيرة جنوبا الى نهاياتها . وهذا يعنى أيضا أن منازل قرى المتأثرين المناصير فى هذه الأجزاء سوف لن تغرق خاصة وأنها مبنية على المرتفعات الجبلية . وقد أشارت الدراسة الى إمكانية توطين هؤلاء المتأثرين جزئيا فى أماكنهم لأن الموارد والفوائد التى سيجنونها فى أماكنهم ستكون أفضل مما كانوا يحصلون عليه قبل تكوين البحيرة . وهؤلاء أصبحوا على علم بهذه الحقائق ووطنوا أنفسهم على البقاء بمنازلهم التى لن تتأثر بالغرق وهؤلاء لا يرون أن هناك قوة غير خالقهم يمكنها أن تقتلعهم من أرضهم وديارهم . وهؤلاء ما عادت تهمهم تعويضات بقدر ما أهمهم البقاء بأرضهم ، و حتى الذين اختارجوا منهم الهجرة الى مشروع المكابراب أو الفدا ما فعلوا ذلك إلا لإعتقادهم بأن ذلك لن يفقدهم منازلهم وممتلكاتهم التى لن تتأثر بالغرق وأن ما سوف ينالوه من منزل ومشروع زراعى فى المكابراب سيكون زيادة خير و رزق جديد ساقه الله اليهم وبعبارة أخرى ( أكلة فوق شبعة ) ويقال أن هناك من هم محسوبون على إدارة السدود قد أفهموهم إمكانية ذلك .فهل تتوقع الحكومة من مثل هؤلاء أن يخلوا لها أراضيهم ؟ رابعا : هناك أفراد بدأوا بالفعل وبجهدهم الذاتى بناء منازل جديدة لهم فى أرضهم القصاد بعد حد آخر كنتور يصل إليه أعلى منسوب للبحيرة – وما أيسر بناء المنازل عند المناصير -- واستصلح هؤلاء أراضى زراعية كذلك خارج أعلى منسوب تصل اليه البحيرة وأوصلوا اليها الري مباشرة من النيل عن طريق رافعين . وشرعوا فى زراعتها وغرسوا فيها نخيلا وثمارا ، ونجح زرعهم وغرسهم ، بما يعنى أنهم قد حلوا مشكلتهم حلا ذاتيا ، فما لهم ولإنتظار الحكومة تبنى لهم مساكنهم حول البخيرة أو تخدعهم ، وما لهم وللخط المعلق . ولقد صارت مبادرتهم هذه نموذجا ناجحا أخذ يحتذى به الآخرون . وأخذ يعم وينتشر فى مختلف مناطق المناصير .
وكلما تأخرت الحكومة عن تنفيذ الخيارات المحلية حول البحيرة ، كلما ازاداد عدد من يلجأؤون لهذا الخيار وهم مطمئنون على أنهم سينالون تعويضاتهم طال الوقت أم قصر . بل إنهم فكروا فى نقل نخيلهم بآليات يستأجرونها أو يشتركون فى شرائها سويا إذا هددها الغرق . فهؤلاء كما أراهم قد وضعوا الحكومة أمام الأمر الواقع بالفعل . وكأنى بكل واحد من هؤلاء يمد لسانه ساخرا للمسئولين بالحكومة ولسان حاله يقول لهم : ها أنذا قد تجاوزت خطكم الأحمر – فافعلوا ما شئتم ، وإن كان لكم كيد فكيدونى .
فهل يا ترى ستقتنع الحكومة بعد كل ذلك بفشل مخططها وتصرف النظر عنه كلية ، أم أن الحكومة فى مخطط تهجيرها القسرى للمناصير تعتقد بأنها ستتعامل مع المناصير كقطع من الصخور أو قطيع من الأغنام وأنه ستبلغ بها الحماقة منتهاها فتقوم بتدمير ما أنشأه هؤلاء بإعتباره خطا أحمر تجاوزه أولئك المناصير الحمقى مما يستوجب تأديبهم .؟ و عندئذ يقوم المناصير بمقاومة العدوان فتنفجر القنبلة الموقوتة وتشتعل النار من تحت الرماد وتنشأ بذلك بؤرة توتر فى الشمال و ( تتم الناقصة ) !! . ويرى البعض أن خلق مثل هذه البؤر الناقصة يعتبر هدفا فى حد ذاته لا من قبل أعداء الحكومة ولكن من قبل بعض النافذين فى الإنقاذ من أهل الولاء لها وأصدقاءها الجهلة الذين يخربون بيوتهم بأيديهم ويدمرون أوطانهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا . ثم إنا إذا صرفنا النظر عن هذا المخطط واعتبرنا أن الحكومة قد اقتنعت بفشل تنفيذه ، فإنى أرى على هدي ظاهرة بناء المناصير لمنازلهم البديلة واستصلاحهم لمزارع خارج حدود أعلى منسوب سوف تصل اليه البحيرة--- ومع عجز الحكومة أوعدم رغبتها فى بناء مساكن حول البحيرة أو إنشاء مشاريع زراعية ، فقد لاح لى بأن ظاهرة بناء المناصير لمنازلهم البديلة واستصلاحهم لأراضى زراعية ، يمكن أن تكون إحدى البدائل العملية والمرغوبة لأصحاب الخيارات المحلية حول البحيرة لحل المشكلة ، بحيث يمكن للحكومة بعد التشاور مع المناصير أن يتفقوا على تبنى هذا الحل الواقعى والعملى بأن تعطى الحكومة كل رب منزل التعويض المالى الكافى لبناء منزله مضافا اليه التعويض النقدى المناسب عن نصيبه فى المشروع الزراعى -- المؤكد أن الحكومة لن تنشئه -- مع تعهد الحكومة بتوصيل الطرق وخدمات الكهرباء والمياه والإتصالات وبقية الخدمات . وعلى أن تتم معالجات ما يمكن أن ينشأ من تطبيق هذا الخيار من مشاكل إن وجدت . ولكن ، هل يا ترى ستتخلى الحكومة عن مخططها ، أم ستصر إدارة السدود على تنفيذ مخططها هذا معتقدة بفضل قصور إداراكها أنها ستبلغ به غاياتها وما هي ببالغتها حتى وإن خضبت تلك الأراضى بدم أهلها أو جعلت من المنطقة دارفورا أخرى .
الذين يعرفون العقلية التى تدير بها قيادة إدارة السدود شئون المتأثرين بعلمون كيف تصنع بنفسها الأزمات وكيف تؤجج نيرانها وكيف تتركها مشتعلة . وكان الله فى عون المناصير من أيام عصيبة قادمات .إن لم تتخلى الحكومة من هذا المخطط . ويبقى السؤال هو : الى متى تظل وحدة تنفيذ السدود هكذا دولة داخل الدولة وذات أجندة خفية وليس بها شفافية وهى فوق المساءلة وفوق كل قانون – وأي كارثة هذه التى رمت بها الأقدار المناصير؟! ويتمنى كثيرون لو أن أن إدارة السدود بدلا من انشائها لهذا الخزان كانت قد انشأت العديد من السدود فى الأودية والخيران خاصة فى المناطق الصحراوية وشبه الصحراوية . إذن لكانت هذه السدود وفى مثل خريف هذا العام قد عادت بالخير الوفير والعاجل على حميع أهالى السودان .
وهو خير يصعب حصره ولا سبيل للحديث عن تفاصيله الكثيرة فى هذا المجال . ويعتقد البعض أن مثل تلك السدود على الأودية والخيران ربما كانت ذات عائد أسرع وأفضل وأكثر جدوى فى اسبقيتها من هذا السد الذى مضى عليه الآن ومنذ مراحله الأولى ما يقارب العقدين من الزمان ولا تزال إجراءات تنفيذه يكتنفها الغموض والتعتيم الكثيف . و لا يعرف له كثيرون مبتدأ أو خبر ولا رأس من ذنب له . ولا يعرف أحد على وجه التحديد متى يبدأ انتاجه من الكهرباء ويتشكك علماء فى مقدار ما سوف ينتجه من كهرباء وفى جدوى عائده واسبقيته كمشروع تنموى وعن أخطاء فنية خطيرة بمثل ما أوردها البروفسور / جعفر أحمد الزرقانى فى مقال له نشر فى صحيفة الأيام بتاريخ 16 مايو 2007م . وكل ذلك يجعل من الصعب التكهن بمستقبله . و المناصير من أجل ذلك يتمنون للسد السلامة ودوام العافية . وكأنى بلسان حالهم يقول للسد : ( أريتك إنت بس تبقى طيب أنا العلي كله هين ) على إغنية المرحوم النعام آدم .
محمد عبدالله سيد احمد
عضو مجلس المتاثرين يسد (مروى) - منطقة المناصير
|
|
|
|
|
|