ما بعد الامبراطورية الأمريكية... مولد عالم متعدد الأقطاب...

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-26-2024, 08:55 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2011م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-04-2011, 10:46 PM

سيف الدين عبد الجبار
<aسيف الدين عبد الجبار
تاريخ التسجيل: 06-17-2011
مجموع المشاركات: 113

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
ما بعد الامبراطورية الأمريكية... مولد عالم متعدد الأقطاب...

    مولد عالم متعدد الأقطاب ..ما بعد الامبراطورية الأمريكية...
    أكتوبر 2010م.


    تأليف: ديليب هيرو - إعداد وترجمة: محمد إبراهيم فقير


    أدى الانتصار - المعنوي - الذي حققته الولايات المتحدة في الحرب الباردة في بداية التسعينات، إلى بروز إدعاءات مفادها بأن الإنسانية بلغت “نهاية التاريخ”، وأن واشنطن ستنعم بسيادة وسؤدد يدومان إلى الأبد . وبعد سنوات عدة، وصفت وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت، الولايات المتحدة بأنها: “دولة لا نظير لها ولا غنى عنها” . وصاح مسؤول رفيع في إدارة الرئيس جورج بوش: “لقد أصبحت الولايات المتحدة، إمبراطورية” .

    بيد أن بوش أوهن مصداقية الولايات المتحدة في العالم، بغزوه المدمر للعراق . ولجوء إدارته لممارسة التعذيب في معتقلات العراق وأفغانستان وغوانتنامو . وازدادت أحوال الولايات المتحدة سوءاً، بعد الأزمة الاقتصادية التي عصفت بها في 2008-2009 . وقد كشفت هذه الأزمة الاقتصادية، حقيقة صارخة، وهي أن الولايات المتحدة الغارقة في الديون، لم تعد تلعب دور العملاق المالي الذي كانت تجسده منذ الحرب العالمية الثانية .

    الولايات المتحدة تتدحرج بسرعة من القمة إلى القاع

    هذا الكتاب: “عصر ما بعد الامبراطورية” يسعى لتتبع وترسيم أطر النظام العالمي المعقد الذي برز إبان الحقبة الأخيرة من الامبريالية الأمريكية .

    ويمحص الأحداث التي مهدت الطريق للعالم كي ينتقل من ظل ووصاية قوة عظمى منفردة “أمريكا”، لنظام، ما بعد الإمبريالية، الذي يتسم بتعددية قطبية، والكتاب يتناول هذه المسائل من منظور غير غربي . وعلى النقيض من باحثين كثر، لا يقدم مؤلف الكتاب، ديليب هيرو، الذي يعتبر من أبرز الخبراء العالميين في شؤون الشرق الأوسط وجنوب ووسط آسيا - أطروحة مريحة، مفادها بأن الولايات المتحدة تستطيع وبسهولة احتواء القوى العالمية الصاعدة “مثل الصين، وروسيا والهند، والاتحاد الأوروبي”، وفي الوقت ذاته تحتفظ ب “أو تستعيد” دورها كقوة مهيمنة ومسيطرة .

    في الفصل الأول من كتابه - المكون من 10 فصول - يجادل هيرو بأن الولايات المتحدة، وبعد خروجها منتصرة من الحرب الباردة، حازت على لقب: “القوة العظمى الوحيدة” . وبحلول حرب العراق في ،2003 كان تعداد سكان الولايات المتحدة يمثل 5% فقط من إجمالي سكان العالم، ومع ذلك، تنتج أمريكا بمفردها ربع الناتج الإجمالي العالمي . ولديها 250 ألف جندي منتشرين حول العالم، في أكثر من 700 قاعدة عسكرية موزعة على 130 دولة . “كانت تلك قمة ما يعرف ب “الباكس أمريكانا”، أو أوج القوة الأمريكية” .

    مع الانتشاء بتفوق قوى السوق - الرأسمالي الحر - على النمط الماركسي، أخذ غالبية المفكرين والمثقفين الغربيين، يتنبأون بأن تصبح الديمقراطية الرأسمالية هي الشكل الأساسي والمفضل للحكم والسلطة، وباتوا يعتبرونها المنتج النهائي لعملية تطور طويلة، وفي نظام عالمي كهذا - تسيطر عليه الرأسمالية الغربية - تكون الهيمنة الأمريكية، بلا منازع وتصبح الإمبريالية الأمريكية مؤمنة في المستقبل المنظور .

    بيد أن الأحداث التي وقعت خارج الولايات المتحدة وأوروبا - عجلت بوضع نهاية لتصورات “نهاية التاريخ”، وهيمنة واشنطن الأبدية .

    والتحديات المتباينة التي أصبحت تهدد سطوة أمريكا على العالم، نبعت من عوامل عدة، أبرزها الصراعات الحادة والمتصاعدة حول الموارد الطبيعية، خاصة النفط والغاز، والتساؤلات والانتقادات الايديولوجية التي باتت تثار، حول قضايا الديمقراطية الغربية وحقوق الانسان التي يروج لها ويضع تصوراتها المتحيزة صناع السياسة الأمريكية .

    والنتيجة النهائية - للتحديات التي باتت تهدد الولايات المتحدة - تمثلت في انبعاث نموذج أشبه بالذي كان سائداً قبل وأثناء الحرب الباردة، بمعنى نموذج قوي بأقطاب مختلفة، تتزاحم على إيجاد مواقع - رئيسية أو ثانوية - في هرم السلطة، والنفوذ العالمي .

    روسيا والصين

    ويلاحظ أن الصين لا تبدو متعجلة لإزاحة الولايات المتحدة عن مقعد القيادة، ولا تكابد من أجل هذه الغاية، وكذلك تفعل روسيا، لكنهما لم يعودا يتملقان للبيت الأبيض، كما كان الكرملين يفعل في التسعينات “في عهد الرئيس بوريس يلتسين” .

    وبدلاً من سياسة المداهنة والتزلف، انخرط البلدان “روسيا والصين” في لعبة صدام واحتواء ماكرة مع الولايات المتحدة، وأصبحتا تتعاونان معها في قضايا بعينها وينافسانها في قضايا أخرى .

    وفي ذات الوقت الذي عززت فيه الصين علاقاتها وارتباطاتها التجارية مع واشنطن، وراكمت سندات الخزانة الأمريكية بكميات مهولة، برزت بكين أيضا باعتبارها الينبوع الاقتصادي لمنطقة شرق آسيا التي تضم ثلث سكان العالم .

    وعلى الرغم من تعاونه مع الولايات المتحدة، لاحتواء المتطرفين في أفغانستان، عمل الكرملين بنجاح على تقليص نفوذ واشنطن في منطقة وسط آسيا الاستراتيجية الغنية بالموارد .

    وعلى أي حال، لا يمكن أن تكون الهيمنة الأمريكية استثناء من المسار التاريخي والقدري للامبراطوريات، التي اتسمت دائماً بالصعود للقمة ومن ثم التدهور . . . وهذا كان السياق التاريخي للامبراطوريات منذ العهود الغابرة .

    والفضل في تسريع انحطاط الولايات المتحدة، يعزى للرئيس جورج بوش الابن، الذي كانت ردود أفعاله على هجمات 11/9/،2001 مبالغاً فيها .

    إذ شن حربين كبيرتين في آن واحد تقريباً، وفي ذات الوقت، خَفض الضرائب في أمريكا، وبذلك ألحق بوش دماراً هائلاً على الولايات المتحدة، أكثر بكثير مما كان يحلم به بن لادن . وقد أدت سياسات بوش المالية الخرقاء إلى إحداث “تسونامي” القرن الاقتصادي الذي تضرر منه العالم بأسره، والأمر الأكثر أهمية، هو أن سياسات بوش الاقتصادية أدت لإحداث تشوهات بالغة بالنموذج الرأسمالي، وكشفت عوراته بعد أن أوصله الرئيس الأسبق رونالد ريغان إلى أوج تألقه في بداية الثمانينات .

    وفي الفصلين الثاني والثالث من الكتاب، يعرض هيرو موجزاً لخطايا بوش، ويتناول الانجازات الدولية التي حققها الرئيس بيل كلينتون في الفترة التي كانت فيها الولايات المتحدة، تتبوأ مكانتها الريادية، وتمارس سطوتها القيادية على حساب روسيا المهزومة، ويقول هيرو إن الرئيس كلينتون حقق نجاحات لافتة على صعيد السياسة الخارجية .

    وقد أسهم انحطاط روسيا في عهد يلتسين، في صعود نجم أمريكا وانفرادها بزعامة العالم .

    يلتسين أقحم روسيا في لجة انهيار اقتصادي بتهوره في إحلال النموذج الرأسمالي وتطبيقه برعونة على الاقتصاد الروسي . وتضعضع روسيا الاقتصادي، نجم عنه اضمحلال دورها السياسي، وبدا ذلك جلياً عندما انفجر الصراع البوسني - الصربي، وحاولت روسيا الوقوف إلى جانب صربيا - التي ترتبط معها بعلاقات دينية وثقافية - بيد أن البيت الأبيض لم يأبه بموقف روسيا، وقابل محاولاتها بازدراء .

    ومع ذلك، وعلى الرغم من خروجها مهزومة في الحرب الباردة، أدركت روسيا أن امتلاكها ترسانة أسلحة نووية قد يمكنها من لعب دور فاعل في الساحة الدولية . وبالفعل تصدى وزير الخارجية الروسي في منتصف التسعينات، يفغيني بريماكوف - بدعم من الصين - لمحاولات الولايات المتحدة إملاء شروطها على مجلس الأمن، في قضية أسلحة الدمار الشامل العراقية، وكانت وقفة روسيا والصين الصلبة في الأمم المتحدة، ومواجهتهما للولايات المتحدة، بمثابة رسالة للمجتمع الدولي تنذر بتحول العالم من سيادة القطب الواحد، وبروز أقطاب متعددة .

    وبقدوم فلاديمير بوتين، وتسلمه زمام السلطة، استعادت روسيا ثقتها وثقلها بفضل قوة شخصية بوتين، والزيادة المطردة في أسعار النفط، حيث بلغ سعر البرميل منه 147 دولاراً في يوليو/تموز ،2008 وحينذاك كانت الخزينة الروسية تتلقى مليار دولار يومياً من عائدات النفط الروسي .

    إيران وفنزويلا

    بحضارتهم التي تمتد لستة آلاف عام، يشعر الإيرانيون باعتزاز كبير بأنفسهم وبتاريخهم، وقديماً كانت الامبراطورية الفارسية تربض فوق مساحات شاسعة من الشرق الأوسط ووسط آسيا، وفي الحقبة المعاصرة، تفردت إيران - التي تمثل قلب الامبراطورية الفارسية - بكونها إحدى دولتين مسلمتين لم تتعرضا لاحتلال سواء من الامبراطورية العثمانية أو من أي دولة أوروبية .

    لذلك لم يكن مستغرباً، عدم تقبل القومية الإيرانية للإمبريالية الاقتصادية التي مارستها عليها لندن، عن طريق شركة النفط البريطانية (أنجلو بيرسيان أويل كومباني) التي كانت تعرف اختصاراً ب “APOC”، هذه الشركة اكتشتفت أول حقل نفط تجاري في الشرق الأوسط - في منطقة مسجد سليمان في إيران - في العام 1908 . وكان هذا الحقل نعمة كبيرة على شركة النفط البريطانية “APOC”، ومكن ونستون تشرشل من إنشاء أسطول من السفن الحربية التي تسير بالنفط، ولعبت تلك السفن دوراً بارزاً في انتصار بريطانيا في الحرب العالمية الأولى .

    وإلى جانب بريطانيا الامبريالية، كان لروسيا أثر بالغ الأهمية في تاريخ إيران، ففي الفترة التي سبقت الثورة البلشفية، كان حكام إيران، الذي يحملون لقب “الشاه” يقترضون بإسراف من قياصرة روسيا للمحافظة على نمط حياتهم الماجن، ولذلك كان لروسيا، نفوذ كبير في إيران . بيد أن تزايد أهمية نفط إيران، جعل بريطانيا تنفرد بلعب دور الأخ الأكبر لشاه إيران .

    وبعد الحرب العالمية الثانية، وفي ظل مناخ الحرية والاستقلالية الذي ساد العالم آنذاك، تصاعدت نبرة القومية الإيرانية، وأدت لتأميم شركات النفط الأجنبية - في 1951 - وتوطين صناعة وإنتاج البترول الإيراني . وقد خلقت تلك التطورات أزمة حادة، انتهت بانقلاب دبرته وكالة الاستخبارات الأمريكية “السي . آي . إيه” للسيطرة على الحكم في إيران، وبعد أن تحقق للولايات المتحدة ما كانت تسعى له، أصبح البترول الإيراني يدار من قبل “كونسورتيوم” شركات غربية أغلبها أمريكية .

    بيد أن إيران التي كانت ضمن الدول المؤسسة للأوبك في ،1960 أتبعت توجهات المنظمة الاستقلالية، وتولت عبر مؤسستها (شركة النفط الوطنية الإيرانية) إدارة وتشغيل منشآتها البترولية، بالاستحواذ على ملكية كونسورتيوم الشركات الغربية، وكان ذلك في يوليو/تموز 1973 .

    وفي 1978 أفضى إضراب العاملين في منشآت النفط الإيرانية، لحرمان حكومة الشاه الموالية للغرب من معظم عائداتها، وعجل بنهايتها . وهذا ما مهد الطريق لتأسيس جمهورية إسلامية بقيادة آية الله الخميني، الذي نجح في إدغام ومزج القومية الإيرانية بالإسلام . وفي أكتوبر/تشرين الأول ،1979 قرر الرئيس جيمي كارتر استضافة شاه إيران المنفي في الولايات المتحدة، وأدى ذلك لتصاعد حدة غضب ######ط الشعب الإيراني على أمريكا .

    وبعد ذلك، عمل نظام الخميني على تصعيد حملات العداء للولايات المتحدة، فاحتلت مجموعة طلابية السفارة الأمريكية في طهران، ورد كارتر بقطع العلاقات الدبلوماسية وفرض عقوبات اقتصادية على طهران . وبذلك فقدت الولايات المتحدة إيران التي كانت تعتبر من أقوى حلفائها في منطقة الشرق الأوسط إلى جانب “إسرائيل” بالطبع .

    وبعد تحولها لجمهورية إسلامية، أظهرت إيران مقدرة كبيرة في الدفاع عن نفسها بمواردها الذاتية - فخاضت حربها الطويلة مع العراق من دون أن تقترض فلساً من الخارج - والآن أصبحت إيران تشكل تهديداً فعلياً لهيمنة واشنطن على منطقة الشرق الأوسط التي تتميز بأهميتها الاستراتيجية الهائلة.

    وثمة دولة أخرى أظهرت براعة في استغلال عائداتها النفطية، وشكلت تحدياً حقيقياً لسطوة ونفوذ الولايات المتحدة في النصف الغربي للكرة الأرضية، وهذه الدولة هي فنزويلا “في ظل قيادة الرئيس هوغوشافيز” .

    إيران وفنزويلا، كانتا الرواد في منطقتيهما في ما يتعلق باستخراج النفط وإنتاجه تجارياً، ففي فنزويلا على سبيل المثال، بدأ إنتاج النفط في 1913 بواسطة شركة “شل” الهولندية البريطانية وباعتبارهما عضوتين في أوبك، تدافع إيران وفنزويلا بشراسة عن بعض السياسات المتشددة التي تتبناها المنظمة، التي تشمل العمل على إحلال اليورو مكان الدولار في التجارة الدولية للنفط، وفي 2006 وقع البلدان (إيران وفنزويلا) اتفاقيات عدة لتمتين علاقاتهما المشتركة المزدهرة .

    وفي ما يتعلق بفنزويلا، يقول هيرو إن الجنرالات ببذلاتهم العسكرية المنشأة التي ترصعها الميداليات والأوسمة، كانوا دائماً الشخصيات الأبرز في سجلات أحداث أمريكا اللاتينية عامة، وفنزويلا على وجه الخصوص . ومن أشهر جنرالات أمريكا اللاتينية، سيمون بوليفار - محرر فنزويلا وخمس دول من أمريكا الجنوبية - من نير الاستعمار الإسباني .

    ومثل هذه الخلفية التاريخية تبين لنا كيف صعد هوغو شافيز، ضابط الجيش السابق الذي يتميز بسخرية لاذعة، منفرة للسياسيين الأمريكيين، وجاذبة لفقراء فنزويلا .

    وظاهرة شافيز تدل على تزايد الوعي السياسي للشعوب ذات الأصول الإفريقية والأمريكي لاتينية “معظم شعوب أمريكا اللاتينية المنحدرة من أصول هندية أمريكية”، ففي الآونة الأخيرة، أخذت هذه الشعوب والأثنيات تعتاد على تسلم السلطة في بلادها عبر الانتخابات وصناديق الاقتراع، وهي تحقق النصر في الانتخابات على حساب السكان البيض الذين تفضلهم واشنطن، وثمة خطر مشابه آخر لواشنطن، يتمثل في فاعلية وحيوية جمهورية إيران الإسلامية، التي باتت معتادة على اختيار الرئيس والبرلمان عبر الانتخابات، وبذلك أظهر النظام الإيراني لبقية العالم “وخاصة الأنظمة الدكتاتورية” - أن العلاقة بين الإسلام والتمثيل الحكومي، علاقة تكافلية .

    وثمة تحدٍ أكبر وأكثر أهمية لمفهوم وممارسات الديمقراطية الغربية مصدره جمهورية الصين الشعبية أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، وثالث أقوى اقتصاد بعد الولايات المتحدة واليابان.

    في الفصلين الخامس والسادس، يستعرض هيرو صعود الصين، ونضال الهند من أجل البروز والتقدم . ويقول هيرو إن الصين بحلول العام 2049 “الذي سيصادف احتفالها بمئوية جمهوريتها” ستحتفل أيضاً بتَبوء ناتجها المحلي الإجمالي المرتبة الأولى على مستوى العالم .

    حالياً لدى الصين 1،9 تريليون دولار احتياطي نقدي “أي ما يعادل ثلاثة أضعاف احتياطيات دول الاتحاد الأوروبي مجتمعة” .

    والأمر الذي يثير غيظ الأمريكيين وكل من يدافع عن اقتصاديات السوق الحر، هو أن الصين استطاعت تحقيق معجزة اقتصادية في ظل اقتصاد موجة .

    (معظم الشركات الكبرى في بورصة شنغهاي، إما مملوكة بالكامل أو جزئياً للحكومة الصينية) .

    وخلال ربع القرن الأخير، بلغ معدل النمو الاقتصادي 9%، وازداد معدل دخل الفرد ستة أضعاف، وانتشل 400 مليون صيني من وهدة الفقر .

    ويصف قادة الصين التقدم الاقتصادي الهائل الذي حققته بلادهم، بأنه “نموذج للصعود السلمي في الأزمنة المعاصرة” .

    وفي تناقض صارخ مع التدهور المريع الذي أحاق بصورة أمريكا في العالم، يتزايد نفوذ الصين وتأثيرها الخارجي، ويعتبر في كثير من مناطق العالم خاصة في إفريقيا تأثيراً إيجابياً مفيداً .

    الصين تقتحم والهند تجتهد للتقدم

    أسهم النمو الاقتصادي والصناعي الذي حققته الصين وواظبت عليه منذ الثمانينيات في تحولها عام 1993 إلى دولة مستورة للنفط، وتزايدت وارداتها من المعادن، ومن 1993 أصبحت الصين تضاعف وارداتها النفطية كل ثلاث سنوات، وقد جعلها ذلك عرضة لنزوات أسواق النفط العالمية، وهذا بدوره دفع الحكومات الصينية لإدخال “تأمين النفط” في سياستها الخارجية .

    وبإدراكها لتقلبات الأوضاع في الشرق الأوسط، اتجهت الصين نحو إفريقيا وأستراليا وأمريكا اللاتينية، وفي سباق التنافس الدبلوماسي والبحث عن النفط والموارد في إفريقيا، تفوقت بكين وتركت واشنطن تلهث خلفها والصين كانت، ولا تزال، متلهفة للاستفادة من الموارد الطبيعية والمعدنية التي تزخر بها إفريقيا، لكي تتمكن من تغذية قطاعها الصناعي الشره، والذي يواصل النمو بمتواليات هندسية، وبالنسبة للنفط، ركزت الصين على أنغولا، والغابون، ونيجيريا، والسودان، وتعتمد في وارداتها من النحاس على زامبيا وتستجلب خام الحديد من جنوب إفريقيا، والبلاتينوم من زيمبابوي، ولذلك لا يبدو مستغرباً ارتفاع معدلات التجارة بين الصين وإفريقيا بحوالي ثلاثة أضعاف خلال الفترة من 2000 إلى 2006 .

    ومقابل بترول ومعادن إفريقيا، تبيع الصين بضائع بأسعار منخفضة للأفارقة، وتساعد الدول الإفريقية في تشييد أو تطوير طرق، وسكك حديدية، ومطارات، ومحطات كهرباء، وسدود، ونظم اتصالات، ومدارس . وبخلاف الولايات المتحدة والبنك الدولي، لا تفرض الصين روشتات أو نماذج اقتصادية أو سياسية للدول الإفريقية التي تقوم بمساعدتها، ومؤخراً أصبحت المساعدات التي تقدمها بكين للدول الإفريقية أكثر بكثير من مساعدات البنك الدولي . وقد أسهم تضعضع البنك الدولي وصندوق النقد في أعقاب الأزمة المالية التي حدثت في 2008 - 2009 في مساعدة الصين على تحقيق أهداف سياستها الخارجية، التي ترنو لرؤية الدول النامية متحررة من أهواء وشهوات الرأسمالية الغربية وهيمنة واشنطن، وهذه هي الخطوة الأولى في سيناريو سياسة بكين الدولية، والتي تتجسد في احترام سيادة الدول الأجنبية، ومراعاة سياساتها الداخلية التي تعكس تاريخها وثقافتها المحلية . وبالنسبة لسياسات الصين المستقبلية، هنالك توجه أو رؤية لا يتم الافصاح عنها تقضي بالعمل على تسكين أعداد كبيرة من العمال والمتعهدين الصينيين “المهرة” في بعض الدول الإفريقية ذات الكثافة السكانية المنخفضة، والغنية بمواردها الطبيعية، وهكذا يمكن تنشيط الاقتصاد المحلي، وفي الوقت نفسه تخفيض الضغط السكاني في الصين .

    وتجدر الاشارة إلى أن الصين كانت تعمل منذ الستينيات على مساعدة حركات التحرر الإفريقية على الانعتاق من نير الاستعمار، وكانت تفعل ذلك عبر أجهزتها وكوادرها الشيوعية . وفي ظل التغيرات المتزايدة في العالم سعت شركة البترول الوطنية الصينية، وبذلت جهداً هائلاً لإيجاد موطئ قدم في إفريقيا، وصبرت حتى تمكنت أخيراً من الفوز بعقد استكشاف نفطي في العام 1995 في السودان، وبعد عامين حققت اختراقاً آخر، عندما قررت واشنطن حظر التجارة بين الولايات المتحدة والسودان، وأدخلت السودان في لائحة الدول التي ترعى الإرهاب، وهذا أدى لسجن شركة “أوكسيدنتال بتروليوم” لعقودها النفطية مع السودان، فاستغلت الشركات الصينية الفرصة، وهرعت لسد الفجوة، وبعد مرور ثلاثة أشهر فقط، أبحرت أول ناقلة تحمل نفطاً سودانياً من بورتسودان للصين .

    وبحلول العام ،2005 أصبح السودان الذي كان يستورد البترول قبل مجيء شركة النفط الوطنية الصينية “C .N .P .C” يحقق عائدات سنوية تقدر بملياري دولار من صادرات النفط .

    والأمر الذي جعل شركة النفط الوطنية الصينية تروق لقادة السودان ودول إفريقية أخرى، هو استعداد بكين ومقدرتها على توفير غطاء أو حماية سياسية دبلوماسية، لشركائها الاقتصاديين، عندما تقتضي الضرورة ذلك، وهذا الفهم غير المعلن أصبح جلياً في العام ،2004 فعندما أثيرت قضية النزاع في إقليم دارفور ونوقشت في مجلس الأمن، كانت واشنطن ترغب في إنزال عقوبات اقتصادية على السودان بيد أ بكين هددت باستخدام “الفيتو” لمنع أي قرار يوافق هوى واشنطن، ولذلك مرر مجلس الأمن قراراً ليناً بشأن دارفور .

    بحث الصين المحموم عن النفط والمعادن، قادها للتنقيب عنها في كل أرجاء العالم، وبحلول ،2007 كانت الشركات الصينية تعمل في أستراليا، وأمريكا اللاتينية، وأذربيجان، وبنغلاديش، وإندونيسيا، وتايلاند، وفيتنام .

    وفي 2007 نفسه، باتت الصين أكبر مستورد في العالم لخام الحديد، والمنغنيز واليورانيوم والغاز الطبيعي. وبالطبع حققت الصين فوائد دبلوماسية وسياسية من علاقاتها الاقتصادية، فقد أعلنت أستراليا التي كانت في طليعة القوات المقاتلة إلى جانب الولايات المتحدة عندما غزت العراق في ،2003 أن على واشنطن ألا تفترض أنها ستدعمها إذا قامت الولايات المتحدة بأي عمل مناوئ لتدخل الصين في شؤون تايوان .

    مؤخراً، بدأ واضعو السياسات في بكين، يدركون أن مصالح الصين الاقتصادية باتت تمضي بمعدلات أسرع من الاستطاعة العسكرية اللازمة لحماية هذه المصالح، ولذلك قرروا العمل على تجسير الفجوة بين النمو والمصالح الاقتصادية، المقدرة العسكرية . وفي هذا السياق أعطيت الأولوية لحماية الخطوط والطرق البحرية لناقلات النفط، وعملت الصين على تقديم تمويلات ومساعدات تقنية ولوجيستية، لتشييد موانئ وخطوط أنابيب بترولية في باكستان، وبنغلاديش، وبورما، وبمجرد الفراغ من إكمال هذه المنشآت، ستوجه الصين مخططاتها وقواتها البحرية نحو الشرق الأوسط والمحيط الهندي، اللذين لا تزال البنتاغون تهيمن عليهما حتى الآن .

    القوة العسكرية

    يلاحظ هيرو أن منهجية القادة الصينيين العسكرية، تمزج بين الفعل وعدم الفعل، فهم لا يريدون تكرار الخطأ الفادح الذي وقع فيه الاتحاد السوفييتي عندما انهمك في سباق تسلح خطوة بخطوة مع الولايات المتحدة، أدى به في النهاية للإفلاس، ومنذ التجربة النووية التي أجرتها في ،1964 ازدادت ترسانة الصين النووية ببطء، ووصلت إلى240 سلاحاً نووياً بنهاية 2007 .

    وتركز الصين برنامجها لتحديث الجيش الذي بدأ متأخراً على تطوير ونشر أسلحة قديمة، فهي تعمل، مثلاً، على تطوير ونشر صواريخ 31 FD و31 DF التي تستطيع الوصول لأي مكان في الولايات المتحدة، وتستهدف في الصين وضع حوالي 100 صاروخ FD31 وDF31A وتزويدها بأسلحة نووية، وتوجيهها نحو الولايات المتحدة لكي تكون بمثابة رادع لواشنطن .

    وعلى الرغم من أن برنامج تحديث الجيش الصيني يمضي وفق ما هو مخطط له، إلا أن وسائله وأدواته اللازمة لجعله يخوض حرباً أو يقاتل خارج حدود الصين لا تزال محدودة .

    ويبدو أن مخططي استراتيجيات الصين العسكرية، يستلهمون سياساتهم من كتاب “فن الحرب”، الذي وضعه أحد جنرالات الصين القدامى “سن زي”، وفي كتابه يقول سن زي: “إن أفضل نموذج للمهارة الحربية يتجسد في “أن تهزم عدوك من دون قتال” .

    وتتمحور رسالة سن زي إجمالاً في مقولته المأثورة: “أضرب استراتيجية العدو أولاً قبل أن تضرب قواته” .

    ويتتبع هيرو تطور الحزب الشيوعي الصيني من حزب ثوري يمثل مصالح الجموع والطبقات الكادحة، لحزب حاكم يمثل أغلبية الشعب، بما في ذلك الرأسماليون، بيد أن الحزب احتفظ خلال مراحل تطوره بأساسه وبنيته اللينينية، وأبقى كذلك على احتكاره للسلطة .

    ومن خلال استعراض نماذج وأمثلة سابقة تبين تحولات الصين، يظهر هيرو تفردها وتبنيها لمسار تطور خاص بها .

    ويستعرض هيرو حكومات الصين منذ الحرب العالمية الثانية، ويغطي سرده حقبة حكم ماو تسي تونغ ثم هو جينتاو، إلى أن يصل لدينغ شياو بينغ وجيانغ زيمين .

    ويقول هيرو، إن ماو عمل على تحويل الفلاحين في الصين التي كانت دولة زراعية إلى جيش ثوري لتهشيم النظام الطبقي التقليدي .

    وبتعميق الاشتراكية، خاض ماو نضالاً مسلحاً ضد الإمبريالية اليابانية التي احتلت أجزاء من الصين، ويرى هيرو أن ماو كان رائد النضال ضد الإمبريالية .

    وبعد التحولات الاقتصادية الكبيرة التي شهدها العالم، اضطرت الصين لقبول الانضمام لمنظمة التجارة العالمية “W .T .O” في ،2001 وتلك كانت نقطة تحول مهمة، لأن هذه الخطوة عجلت بدمج الصين في النظام الرأسمالي العالمي .

    ولأن الصين أصبحت عضواً طليعياً في منظمة التجارة العالمية، وتجاوزت صادراتها أكثر من ثلث ناتجها المحلي الإجمالي، لم تستطع الإفلات من عواقب الأزمة الاقتصادية التي ألمّت بالولايات المتحدة في العام 2008 وانتشرت في كل أرجاء العالم، بيد أن قبضة الصين القوية على قطاعها المصرفي الحيوي، حمتها من الانزلاق عميقاً في لجة المستنقع المالي، وهذا الوضع مشابه لوضع الهند . فالسبب الذي جعل الهند تستشعر سخونة ولهيب الأزمة الاقتصادية العالمية ولا تحترق بنارها، هو الذي أنقذ الصين:

    الإشراف الحكومي على النظام المصرفي “ثلاثة أرباع البنوك في الهند، بنوك حكومية” .

    الهند تجتهد

    في هذا الفصل، يستعرض هيرو أبرز ملامح التاريخ الاقتصادي والسياسي للهند، ويتتبع الاحتلال التدريجي للهند من قبل البريطانيين، بداية من منتصف القرن الثامن عشر، الذي شهد تفكك الإمبراطورية المغولية، وغزو شركة الهند الشرقية التابعة لبريطانيا لشبه القارة الهندية، “شركة الهند الشرقية، وكانت تملك جيشاً وقوات بحرية خاصة بها” .

    في 1857 1858 حاول الشعب الهندي عبر ثورات مدنية وعسكرية، التخلص من نير الاستعمار البريطاني الذي كانت تمثله حينذاك شركة الهند الشرقية، بيد أن محاولاته باءت بالفشل، وبعد ذلك فككت الحكومة البريطانية شركة الهند الشرقية، واستعمرت الهند استعماراً مباشراً .

    واستقلال الهند الذي تحقق في العام ،1947 وجاء متزامناً مع انقسام شبه القارة الهندية لدولتين (الهند وباكستان) كان نتيجة نضال سلمي طويل قاده حزب المؤتمر الهندي .

    الاستعمار البريطاني أنهك الاقتصاد الهندي، واستنزف موارد البلاد، وفاقم مشكلات التعليم الصحة، وخلال ال6 عقود التي تلت الاستقلال، نجحت الهند في قلب الركود الاقتصادي الذي عانت منه تحت حكم البريطانيين، واستطاعت كذلك أن تطور صناعاتها، وحققت تقدماً كبيراً في مجالات الصحة والتعليم، وزادت من كفاءة جيشها، وتوجت ذلك بالانضمام لنخبة الدول التي تملك سلاحاً نووياً .

    والآن بات الهند دولة رائدة في مجالات الكمبيوتر وتقنية المعلومات، واستحقت لقب: “أكبر ديمقراطيات العالم” بأحزابها الكثيرة، ونظامها القضائي المستقل، وأجهزتها الإعلامية الحيوية والفاعلة، وبالرغم من ذلك لا تزال الهند تعاني من سلبيات ونقاط ضعف كبيرة أبرزها، غياب حكومة مركزية قوية، وتفشي البيروقراطية، والروتين والفساد، وكذلك الانحراف الفاضح لتوزيع الثروة “سبعة من كل عشرة هنود يعيشون بأقل من دولارين في اليوم” .

    ويرى هيرو أن الهند ليست لديها الفرصة للحاق بدولة مثل الصين، ومع ذلك يؤهلها امتلاكها أسلحة نووية وصواريخ متقدمة، وبرامج فضاء، لأن أسلحة تعتبر ضمن القوى الكبرى في العصر الحديث .

    والتطور المتواصل الذي تشهده الهند المتعددة الإثنيات واللغات كان بمثابة إلهام استوحى منه مهندسو الوحدة الأوروبية، مع ملاحظة أن ثمة اختلافاً بيَّناً بين الحالتين .

    والاختلاف الأبرز هو أن شبه القارة الهندية كانت مدمجة في وحدة إدارية سياسية مفردة فرضها الاستعمار البريطاني، والمهمة التي ألقيت على عاتق ورثة البريطانيين الراحلين عشية الاستقلال وتقسيم شبه القارة الهندية كانت تتمثل في الاستمرار في إدارة كيان قائم لديه تاريخ طويل وممتد، ولكن دمج أكثر من عشرين دولة أوروبية لدى كل منها تاريخ ورؤى وتطلعات مختلفة، وصهرها في بوتقة واحدة، يعد مهمة ضخمة وصعبة للغاية، لا يستطيع أمهر السياسيين ورجال الدولة تحمل عبء إنجازها .

    الاتحاد الأوروبي

    وفي الفصل السابع يستعرض هيرو بإسهاب مراحل تكوين الاتحاد الأوروبي والظروف والمسوغات التي صاحبت انشاءه، والصعوبات التي تعترض طريقه .

    ويقول هيرو، إن التفكير في التعاون الأوروبي بدأ في أعقاب الحرب العالمية الثانية، التي كانت أوروبا أكثر قارة عانت من ويلاتها، فبعد أن ذاق الأوروبيون آلام ومرارات الحرب، أدركوا الحاجة للاستقرار، والتعاون، والتنمية .

    وفي مطلع الخمسينيات، بدأت تبرز بوادر حقبة من التصالح والوئام، وانطلقت نواة التعاون الأوروبي بمقترح دمج وتوحيد إدارة صناعات الفحم والحديد في فرنسا وألمانيا الغربية .

    وخلال العقود الستة التي تلت ذلك، نمت تلك النواة وترعرت إلى أن تحولت لشجرة ضخمة ومتشابكة، ومعقدة تدعى الاتحاد الأوربي، تضم 27 فرعاً تتفاوت في مساحتها تفاوتاً كبيراً من مالطا التي تبلغ مساحتها 320 كلم وسكانها 403،000 إلى ألمانيا بمساحتها البالغة 357،20 وتضم 82،5 مليون نسمة، ويشرف الاتحاد الأوروبي على الوحدة النقدية الأوروبية، والسياسة الزراعية والمواثيق الاجتماعية لدول الاتحاد .

    ويتميز الاتحاد بنظام سلطة معقد وفريد يربطه بالحكومات المحلية وبمؤسسات مهمة أبرزها المفوضية الأوروبية، والبرلمان الأوروبي، ومحكمة العدل الأوروبية، والبنك المركزي الأوروبي، ويشرف الاتحاد الأوروبي أيضاً على السياسة الدفاعية لبلدانه وإن كان بدرجة أقل من إشرافه على الوحدة النقدية الأوروبية والسياسة الزراعية المواثيق الاجتماعية وخلافه .

    وسيناريو إنشاء وتكوين الولايات المتحدة الأوروبية، يبدو لكثير من الساسة الأوروبيين منطقياً وجذاباً، ولكنه لا يأسر خيال أغلبية المقترعين الأوروبيين .

    واتفاقية لشبونة ،2007 التي تنظم عمل مؤسسات الاتحاد الأوروبي لا تزال تنتظر مصادقة كل دول الاتحاد عليها .

    وعلى أية حال، تتلخص الأهداف الكبرى للاتحاد الأوروبي في الآتي:

    * ترقية المنافع الاقتصادية في أوروبا

    * المشاركة بفعالية وحيوية في التجارة العالمية

    * الضغط “أو اللوبي” من أجل حماية وتنمية المصالح والمنافع الأوروبية في الساحة الدولية


    “القوة الناعمة” الأمريكية تواجه تحديات عالمية

    في العام 1999 دشن الاتحاد الأوروبي بدء العمل بوحدته النقدية الخاصة به “اليورو” . وبذلك أسس لعملية منافسة للدولار .

    وبعد مرور أكثر من عشر سنوات على تدشين التعامل به، أصبح اليورو العملة المفضلة للدول النفطية الراديكالية (إيران وفنزويلا)، وباتت روسيا تقيّم عملتها “الروبل” ب 55% يورو، 45% دولار .

    وبعد تفكك الاتحاد السوفييتي ومنظومة دول أوروبا الشرقية (الشيوعية)، حدثت قفزة في عددية الدول المنضمة للاتحاد الأوروبي، وأصبحت عدة دول مؤهلة لاكتساب عضوية الاتحاد إذا استوفت الشروط، “التي يأتي على رأسها أن تأتي حكوماتها للسلطة عبر انتخابات حرة ونزيهة” . وهذا يظل الحد الأدنى لتعريف الديمقراطية، ويضاف إليه مفهوم فصل الهيئات التنفيذية، والقانونية والتشريعية للدولة .

    وفي الفصل الثامن يستعرض هيرو عدة أشكال مختلفة للديمقراطية .

    ويقول هيرو إن نسخة الديمقراطية الأمريكية تحدد فروقات قوية وفواصل حادة بين الهيئات التنفيذية والتشريعية والقضائية للدولة، بينما في النموذج البريطاني، تكون الأذرع التنفيذية والتشريعية متحدة ومتشابكة، وفي بريطانيا يكون رئيس أكبر حزب أو أكبر ائتلاف أحزاب في البرلمان، رئيساً لمجلس الوزراء، ومجلس الوزراء هو أعلى سلطة تنفيذية . والملك “أو الملكة” هو رأس الدولة .

    الهند أتبعت النموذج البريطاني، بوجود استثناء وهو أن الرئيس المنتخب بطريقة غير مباشرة، يكون رئيس الدولة . وثمة اختلاف آخر كبير بين النظامين، ففي الولايات المتحدة تعقد الانتخابات في أوقات ثابتة معلومة (كل أربع سنوات بالنسبة للانتخابات الرئاسية مثلاً)، بينما في النماذج البريطانية والهندية يمكن الدعوة لانتخابات مبكرة في أوقات غير محددة .

    ويقول هيرو إن الإسلام، وبعكس ما يدعي الغرب، يحض على ممارسة الديمقراطية أو الشورى وفي القرآن الكريم توجد آيات تأمر وتحث على الشورى “وشاورهم في الأمر”، “وأمرهم شورى بينهم” .

    ثم ينتقل هيرو لوصف الكيفية التي يؤطر بها قادة الصين الديمقراطية، إذ يرى قادة الصين أن بلادهم حققت تقدماً في هذا المجال . وهنالك مفاهيم أصبحت لا تقل أهمية عن الديمقراطية، وهي مفاهيم الحرية وحقوق الإنسان: فبينما يشدد القادة الغربيون على الحقوق السياسية، يولي قادة الدول غير الغربية، أهمية أكبر للحقوق الاقتصادية، والثقافية، والاجتماعية، والصينيون هم أبرز المنادين بتلك الحقوق .

    وبتحريض من قادة الصين، توغل باحثو الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية “CASS”، وتعمقوا في تمحيص مفهوم السلطة بكل أنماطها وتجلياتها . وخرجت الأكاديمية بمعادلة لقياس وتحديد ما بات يعرف ب”السلطة” أو القوة “الوطنية الجامعة” .

    وهي تتكون من 64 مؤشراً، وكل هذه المؤشرات تأخذ في حسبانها وتتضمن “القوة الناعمة” كما حددها وعرفها المفكر الليبرالي المعروف وأستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفرد جوزيف ناي .

    القوة الناعمة

    في الفصل التاسع الذي خصصه ديليب هيرو لاستعراض ومناقشة مفهوم القوة الناعمة، الحديث نسبياً.

    يقول هيرو إنه بالرغم من أن جوزيف ناي هو الذي ابتكر مصطلح القوة الناعمة، في بداية التسعينات، إلا أن أصول هذا المفهوم تعود لحقبة الولاية الثانية لفرانكلين روزفلت (1941 1937) . فقد أدرك روزفلت أن الولايات المتحدة لا يمكنها أن تشعر بأمان تام إلا عبر التواصل مع شعوب الدول الأجنبية وكسب تأييدها.

    وهذا أدى لتأسيس وكالة المعلومات الأمريكية وإذاعة صوت أمريكا، ولاحقاً مؤسسات السلام في عهد جون كينيدي (1962) .

    في بداياتها، قدمت القوة الناعمة الأمريكية نفسها في شكل سلع وخدمات (كوكاكولا، كاديلاتك هوفرز، وأفلام هوليوود)، وهذه السلع والخدمات سلطت الضوء، ببراعة ونجاعة، على فضائل الشركات والثقافة الأمريكية . وفي أزمات أقرب، باتت موسيقا الروك، ووجبات ماكدونالدز السريعة، وبناطيل ليفيز الجينز، ومقاهي ستاربكس، وقنوات ال”سي .إن .إن”، تحمل رسالة مماثلة للعالم خارج حدود الولايات المتحدة .

    ووفقاً لناي تعرف القوة الناعمة بأنها المَقْدِرة على التأثير وعلى تشكيل خيارات “أو أفضليات” الآخرين، والقوة الناعمة مشتقة من ثقافة، وقيم، وإنجازات الدولة “أو الأمة” .

    وقد ظل تعريف جوزيف ناي لمفهوم القوة الناعمة سارياً لمدة تزيد على عقد من الزمن، حتى قدمت أكاديمية الدراسات الاجتماعية الصينية تفسيرها الأوسع لهذا المصطلح .

    الأكاديمية الصينية قدمت لائحة مشكلة من 64 مؤشراً، تكون ما يعرف ب”القوة الوطنية الشاملة” . أبرزها: المقدرة الدفاعية، القوة الاقتصادية، المقدرات العلمية والتكنولوجية، السكان، التنمية الإنسانية، الإعلام (الميديا)، والثقافة والآداب والفنون . وفي كل عام تجري الأكاديمية الصينية عمليات حسابية دقيقة لمؤشرات كل دولة على حدة، وتخرج بتقييم رقمي للقوة الوطنية الشاملة لكل دولة .

    ففي 2006 على سبيل المثال، كانت النتيجة التي أحرزتها الولايات المتحدة في القوة الوطنية 90،62 من مئة . والصين “59،10”، وبتلك النتيجة وضعت الصين في نفس الفئة التي حلت فيها روسيا التي أحرزت “63،03”، وفرنسا “62،0” وألمانيا “61،93” .

    ولئن كانت الصين متخلفة بفارق كبير عن الولايات المتحدة، في تقييم الأكاديمية، إلا أن واضعي سياساتها يبدون مجتهدين ومتحمسين لتضييق الفجوة .

    ويقول هيرو إن استضافة بكين للألعاب الأولمبية، كانت بمثابة فرصة ذهبية للصين لإظهار وتقديم ذاتها وقوتها الناعمة، وتعمل الصين على تقديم نفسها باعتبارها دولة عصرية نشطة ومنظمة وقوية اقتصادياً . ولذلك عملت الصين بجد وأنفقت بسخاء على الأولمبياد لكي تعكس للعالم صورة مبهرة عن تقدمها وتفوقها .

    كذلك يسعى قادة الصين لفتح أبوابها ونوافذها للعالم الخارجي، مع الحرص على عدم خدش الهوية الصينية . ويجتهد قادة الصين لنشر اللغة والثقافة الصينية في العالم الخارجي . ومؤخراً ضاعفت الحكومة الصينية ثلاث مرات فروع معاهد كونفوشيوس التي أسست في العام 2004 لترويج ونشر اللغة والثقافة الصينية (على غرار المجلس الثقافي البريطاني و مركز فريدريك كايو الفرنسي ومعهد غوته الألماني) .

    دور الإعلام

    وتواجه القوة الناعمة الأمريكية تحديات هائلة جراء الانتشار الهائل للقنوات التلفزيونية الفضائية وبروز صناعة سينما على المستويات الإقليمية والمحلية “مثل سينما بوليود الهندية” .

    ويقول هيرو إن نمو وانتشار القنوات الفضائية عالمياً، لم يزد كثيراً من فرص إنهاء الاحتكار والهيمنة الأنجلو أمريكية على الأخبار التلفزيونية، بيد أن ذلك لم يتحقق كما كان مفترضاً بسبب التكلفة الباهظة لإنتاج وتحرير الأخبار التلفزيونية ولكن هذا الأمر تغير مع تدشين عمل “قناة الجزيرة” في ،1996 فالتمويل السخي الذي تقدمه قطر للقناة التي تتخذ الدوحة مقراً لها، مكنها من منافسة القنوات الإخبارية العالمية مثل ال”سي .إن .إن” و”فوكس نيوز”، وسياسة قناة الجزيرة المعلنة هي: تقديم رؤية للعالم من منظور عربي وإسلامي .

    وقد حاولت عدة قنوات عربية منافسة الجزيرة لكنها وفقاً لهيرو لم تتمكن من اللحاق بها .

    تأثير العولمة والمنافسة المستمرة غير العنيفة في مجال القوة الناعمة، لم يمنعا انفجار النقاط الساخنة في العالم وتحولها إلى كتل ملتهبة .

    صراعات مستقبلية

    وفي الفصل العاشر، والأخير، يقول هيرو إن بؤر الصراعات المستقبلية الساخنة بين القوى الكبرى، (أمريكا، الصين، روسيا)، ستدور حول إحدى الفئات الآتية:

    أ الاحساس بتهديد جدي للأمن القومي .

    ب السيطرة على أراضٍ متنازع عليها .

    ج التنافس على موارد حيوية مثل النفط والغاز والذهب.

    د التنافس التجاري والمالي .

    ويرى هيرو أن إصرار واشنطن على نصب منظومات دفاعية مضادة للصواريخ في أوروبا الشرقية، يعتبر مرشحاً رئيسياً للتسبب في مواجهة بين الولايات المتحدة وروسيا . وعلى صعيد متكافئ، قد تقود خشية النظام الإيراني من إطاحة الولايات المتحدة به، لعواقب وخيمة .

    وتحتل تايوان مقدمة الفئة “ب” (النزاع على الأراضي)، فمن الممكن أن تصبح الولايات المتحدة، التي تدعم تايوان، الخصم اللدود للصين . كذلك قد يتصاعد التنافس التجاري العادي بين أمريكا والصين على النفط، ويصل لمرحلة نشر قوات للسيطرة على حقوق نفط وغاز وذهب. وهذا كان منشأ وجذر الصراع بين الولايات المتحدة واليابان، وأدى للهجوم الياباني على بيرل هاربور في 1941 .

    ثمة تشاحن آخر أقل إثارة بين واشنطن وبكين يدور حول التجارة والنقود . فكثير من الساسة الأمريكيين وبعض المسؤولين في إدارة أوباما، يتهمون الصين بالمناورة في عملتها اليوان لدفع وزيادة صادراتها وجمع وتكديس الدولارات الأمريكية لاستغلالها كأداة سياسية في المستقبل . وإذا أعلنت الإدارة الأمريكية رسمياً أن الصين تتلاعب باليوان، واتخذت إجراءات تعويضية، مثل فرض رسوم على الواردات الصينية، ففي هذه الحالة قد تعمد بكين للرد بتفريغ محفظتها الضخمة المكتنزة بسندات الخزينة الأمريكية . وهذا من شأنه أن يحدث هزة شديدة في الأسواق المالية حول العالم .

    عالم متعدد

    وفي الختام، يخصص هيرو فصلاً لاستعراض الكيفية التي سترتسم بها معالم العالم المتعدد الأقطاب في حقبة ما بعد الامبراطورية .

    ويقول هيرو إن ملامح التغيير من عالم أحادي القطبية، هيمنت عليه الولايات المتحدة بمفردها، بعد سقوط جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفييتي، بدأت تلوح بعد انزلاق القوات الأمريكية الغازية في مستنقع العراق . والاهتزاز العنيف الذي تعرضت له صورة الجيش الأمريكي . وقد عبر الرئيس الروسي بوتين عن ذلك بإصداره وثيقة ذكر فيها “الأسطورة المتعلقة بعالم القطب الواحد حسمت وانهارت للأبد في العراق” .

    وعلى أثر ذلك، ولدت منهجية توازن القوى، التي أصبحت المبدأ الموجه للعلاقات الدولية . وبرز معها مفهوم “المنافسة في ظل العيش المشترك” . الذي يعني إدراك القوى الكبرى الحاجة للتعايش السلمي في ما بينها، في الوقت نفسه الذي تتنافس فيه مع بعضها تجارياً وسياسياً .

    ويتكون العالم المتعددة الأقطاب من عدة لاعبين رئيسيين هم، الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، الصين، روسيا، والهند .

    السيناريو الأكثر ترجيحاً للمستقبل

    يرى هيرو أنه وعلى النقيض من تنبؤات كثير من الباحثين الأمريكيين القائلة إن العولمة وحرية السوق سيحولان الدول لأسواق، سيحدث بعث قوي للحصانة والسيادة الوطنية، وقد بدا ذلك جلياً عندما رفض حكام بورما العسكريين وازدروا عروض المساعدات الأجنبية عشية إعصار 2008 .

    والفوضى المالية العالمية، التي تسببت بها سياسات واشنطن الخرقاء، وترافقت مع انهيار قيمة الأصول والعقارات في أمريكا والاتحاد الأوروبي، جعلت دولاً كثيرة تنفر من نموذج الاقتصاد الرأسمالي الحر، وتتطلع بإعجاب لنموذج التنمية الاقتصادية المدارة من قبل الدولة الذي تطبقه الصين.

    وفي العقود القليلة المقبلة، ومع تناقص احتياطيات البترول والغاز، ستتزايد أهمية النفط بصورة درامية. وبالتالي سوف تزداد أهمية منطقة الخليج الاستراتيجية “أكثر من نصف احتياطيات النفط موجودة في الخليج” .

    ويرى هيرو، أن ثمة إيجابيات عديدة ستنجم من تعدد أقطاب العالم، ومن هذه الايجابيات، تحفيز وتنشيط المنظمات الإقليمية، التي بدأت تركز على تمتين أواصر الدفاع المشترك إلى جانب اهتمامها بالتعاون الاقتصادي .

    وفي المجال الاقتصادي، يوفر النمو الهائل للناتج المحلي الإجمالي لدول مثل الهند، فرص عمل مغرية وآفاقاً واعدة لمواطنيها، خاصة من تلقوا تعليماً عالياً .

    وتوفر فرص عمل جيدة داخل البلاد، قلل بشكل كبير، هجرة العمال المهرة لأمريكا وأوروبا . ففي بداية الثمانينات كان 75% من خريجي معاهد التكنولوجيا المتقدمة في الهند يهاجرون للولايات المتحدة. وقد تقلصت هذه النسبة حالياً لتصل إلى 5% فقط . والمعروف أن اجتذاب أفضل العقول من العالم الثالث كان يشكل إضافة إيجابية للولايات المتحدة . ولكن مع نمو الاقتصاديات، وتحسن أنظمة التعليم، وتوافر فرص عمل محلية جيدة، سيتقلص تسرب العلماء والباحثين من الدول غير الغربية . ومثال الهند يؤشر لفقدان الولايات المتحدة لهذه الميزة الإيجابية في العقود المقبلة .

    إجمالاً، تتزايد أعداد المتعلمين في أمريكا اللاتينية، وإفريقيا، وآسيا، كما عدد المتعلمين غير الغربيين يتزايد بسرعة . وينمو أيضاً عدد من يشكلون ويوجهون الرأي العام في تلك القارات . ومع الانتشار الواسع للتلفزيون وتواجده في كل مكان تقريباً، أصبحت أغلبية شعوب العالم تطلع وتعلم بالأحداث في بلدانها وفي الخارج من خلال قنواتها التلفزيونية في بلادها وبلغتها، وباتت تستنير بالأحداث والأخبار عبر منظورها ورؤيتها الخاصة بها، وليس من خلال منظور أمريكي أو بريطاني .

    كل هذه التطورات ستعمل مؤتلفة على تقليص سطوة وتأثير الولايات المتحدة، التي تمتعت بمكانة القوة العظمى الوحيدة طوال عقدين تقريباً، وستعمل هذه التطورات أيضاً، على تسوية وتهيئة الملعب للصين والاتحاد الأوروبي، وروسيا، والهند، والبرازيل .
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de