ثلاث سنوات بعد الانهيار المالي ... صانعو الأزمة لا يمكن إزاحتهم

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-14-2024, 02:26 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2011م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-10-2011, 01:57 PM

esam gabralla

تاريخ التسجيل: 05-03-2003
مجموع المشاركات: 6116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
ثلاث سنوات بعد الانهيار المالي ... صانعو الأزمة لا يمكن إزاحتهم

    عن لوموند ديبلوماتيك

    ابراهيم ورده
    صانعو الأزمة لا يمكن إزاحتهم
    ثلاث سنوات بعد الانهيار المالي
    حتّى تباطؤ النموّ الاقتصادي في الصين وفي ألمانيا، لا يوقف تشديد سياسات التقشّف. وفي حين ينوي الاشتراكيون الأسبان ترسيخ خفض عجز الميزانية في الدستور، يواصل اليمين الفرنسي خفض الإنفاق الحكومي، وإن كان قد اضطرّ إلى رفعٍ شكليّ لبعض الإعفاءات الضريبية على الأكثر ثراءاً. لكن من يتذكّر أنّ قبل ذلك بثلاث سنوات كان هناك من يقول أن كاينز قد عاد...

    كان ذلك قبل ثلاث سنوات، لحظة من لحظات تزعزع الثقة، حيث كان الكلّ يرتجف، وكلّ شيء يهتزّ وحيث لم يعد أحد يشكّ في أن كلّ شيء سوق يغرق. في 7 أيلول/سبتمبر 2008، أعلنت الحكومة الأميركية فرض وصايتها على مؤسستي "فاني ماي" و"فريدي ماك"، وهما شركتان عملاقتان في مجال الرهونات العقاريّة. وفي 15 أيلول/سبتمبر، أعلن مصرف الأعمال "ليمان براذرز" المحترم إفلاسه. وفي 16 منه اشترت واشنطن، بعد نداء من صحيفة " وول ستريت جورنال" للمساعدة، مجموعة "أميركان انترناشيونال غروب"، وهي شركة التأمين الأولى في البلاد. ساد المشهد الصاعق، فانهارت البورصات. وأمّمت السلطات الرسمية الأميركية قسماً كبيراً من قطاع صناعة السيارات، وضخّت مئات المليارات من الدولارات لدعم الاقتصاد. وعاد الاعتبار مجدّداً إلى أسماء مثل كاينز، وإلى سياسات مثل الــ"نيو ديل"، وإلى الدولة التي تخطّط.

    وفي مبادرة تنمّ عن الأسى العام أقسمت بورجوازية عالم الأعمال عندها أنّ "لا شيء سيعود كما كان من قبل". ووصف رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا فيون الوضع على أنّه "عالم على شفير الهاوية". وفي حالة من الرعب تقريباً، صدرت مجلة نيوزويك الاسبوعية وعلى غلافها "نحن كلّنا حاليّاً اشتراكيّون". ودعت منافستها مجلة تايم ماغازين إلى إعادة "الاعتبار لماركس" من أجل "إيجاد الوسائل الكفيلة بإنقاذ الرأسماليّة"، وهو مخرج (سعيدٌ) لم يبد مقبولاً لصحيفة واشنطن بوست التي تساءلت في مقالةٍ افتتاحية سوداويّة أكثر منها بهيجة: "هل ماتت الرأسمالية؟" [1].

    وإذ بالأمور تعود إلى نصابها.

    بالطبع مرّت فترة انتقالية قصيرة، عرفت خلالها النخب السياسيّة، التي كانت من قبل تُكلّل بالغار والتي قادت الاقتصاد العالمي إلى شفير الهاوية، مرحلة خزي واجتياز للصحراء (وهذا ما جعلها تقول لاحقاً إنها قد اضطُهدت)؛ إلاّ أنها ستستعيد قوّتها. هكذا صدرت تصريحات كثيرة، وأقيمت احتفالات غنيّة بالوعود، من دون أن تتحقق أبداً. ثم كان هناك قوانين تمّت المصادقة عليها، لكن تبيّن أنّ تطبيقها العمليّ - سواء أتعلّق الأمر بالهندسة الجديدة لأشكال الإشراف على القطاع المالي، أو بتعزيز القواعد الائتمانية، أو بتقليص مبالغ المكافآت لمشتغلي عالم المال، أو بحماية المستهلك - ظلّ كليّاً دون المستوى [2].

    النتيجة أنّ الاقتصاد العالمي وجد نفسه مجدّداً على حافة الهاوية. فصيف العام 2011 يذكّر في الكثير من وجوهه بخريف العام 2008. بدأ ببعض الأخبار الجيّدة، بالنسبة الأسواق وحدها. ثم أصدرت "السلطة المصرفية الأوروبيّة" (ABE)، المكلفة تقييم صلابة القطاع المالي في حال الأزمات، حكماً مطمئناً: فمن أصل تسعين مؤسّسة أوروبيّة أخضعت لاختبار مقاومة الضغط، نجحت أربع وثمانين منها بشكلٍ جليّ. وبعد أيام، أُنقذت اليونان من الإفلاس عبر خطّة جمعت ما بين التضحيات من قبل السكان، والدعم المالي من دافعي الضرائب الأوروبيّين. لم يدفع الاتفاق إلى تسوية عقود التغطية ضدّ العجز عن الدفع، أي صكوك " Credit Default Swaps " (CDS) الشهيرة؛ وهو ما كان من شأنه أن يتسبّب بكارثة للمصارف. وللمستقبل، أعطي وعدٌ آخر بالتقشّف، و"قاعدة ذهبية" تطبّق على الموازنات العامّة في سبع عشرة دولة في منطقة اليورو. وفي الولايات المتحدة، جرت تسوية حول سقف الدين العام، تمّ توقيعها في اللحظة الأخيرة قبل انتهاء المهلة في 2 آب/أغسطس، ما بين الرئيس باراك أوباما والمعارضة الجمهوريّة، ونصّت على التخفيف من الإنفاق من دون زيادة الضرائب.

    شعور بالندم جاء قصيراً ولم يُنتج شيئاً

    لكن لا شيء ينفع. فوكالة التصنيف "ستاندرد اند بورز" قرّرت أن تُسقط تصنيف الديون الأميركية، التي تراجعت من AAA إلى AA+. وحتّى وإن كان هذا القرار استند على أرقام مختلقة (إذ أضافت الوكالة عن طريق الخطأ 000 2 مليار دولار، أي 1389 مليار يورو، على العجز في الموازنة على مدى عشر سنوات)، فإن القرار قد ولّد موجة جديدة من الهلع في الأسواق. وفي حقل الرماية، أتت المصارف الأوروبيّة الرئيسة التي قيل قبل شهر إنّها معصومة... وهذا ما لا يمكن فهمه.

    إن حجم تضخّم عالم المال على الاقتصاد كبير لدرجة يجعل من المستحيل القيام بأيّ عملية لعكس التوجّهات. فمن ناحية، يبدو ميزان القوى بين الدول والأسواق في غير مصلحة الدول أكثر من أيّ وقتٍ مضى. ومن ناحية أخرى، يظهر أنه لا يمكن كسر المفاهيم التي أرسيت خلال أكثر من ثلاثة عقود من رفع القيود المالية. فكلّ أشكال التدخّل الرسميّة تقريباً تسعى أوّلاً إلى طمأنة الأسواق وإلى حماية القطاع المالي، الذي يسيء بدروه معاملة الدول وديونها. ولم يمنع فشل هذه الاستراتيجيّات العودة إليها كما كان يجري دائماً. ذاك أنّ هذه الأفكار بدلاً من أن تفسح المجال لأفكارٍ أخرى ملائمة أكثر، تتمكّن من أن تُعطَّل أذاها، تعود وتنبعث باستمرار كما الأشباح في أفلام الرعب، يوجّهها المبالغون في الانحياز إليها من أجل التسبّب بأعمال خراب جديدة [3].

    وما يزال الذين تولّوا الأمور في العام 2008 يشرفون على النظام، متسلّحين بترسانتهم الإيديولوجية نفسها. فعمالقة عالم المال، الذين تمّ إنقاذهم "لأنّهم كبار جدّاً على السقوط too big to fail" صاروا عمالقة أكثر من أيّ وقتٍ مضى، وأكثر هشاشةً. هذا ما شدّد عليه عالم الاقتصاد بول كروغمان: "بسرعة قصوى، تمّ تناسي دروس الأزمة الماليّة التي وقعت في العام 2008، والأفكار نفسها التي كانت أساس الأزمة - مثل القول إن كلّ تقييد يأتي بأضرار، وأنّ كل ما يفيد المصارف يفيد أميركا، وأنّ خفض الضرائب هي الترياق - هذه الأفكار هيمنت على النقاش مجدّداً" [4].

    في هذا المجال، يبدو مسار أبطال ما قبل الأزمة معبّراً. فالسادة آلان غرينسبان وروبرت روبين ولاري سامرز، وهم على التوالي رئيس الاحتياطي الأميركي وسكرتير وزير الخزانة الأميركية ومساعده في العام 1999، عندما قامت مجلة تايم وعلى غلافها الذي ما يزال مشهوراً، بتكريس الثلاثي على أنّه "لجنة إنقاذ العالم"، هؤلاء عرفوا مرحلة انكفاءٍ قصيرة. كان الأوّل جمهورياً، فيما الاثنان الآخران ديموقراطيّان. وكانوا، ثلاثتهم، رمز التفوّق الموثوق للدائرة المالية على العالم السياسيّ.

    في العام 1992، اضطرّ السيد وليم كلينتون، بعد فترةٍ وجيزةٍ من انتخابه، أن ينصاع في الواقع لإملاءات سوق السندات. الفورة التي لا سابق لها التي أعقبت ذلك أكّدت فضائل هيمنة عالم المال، ما حمل الحزبين الأمريكيين على الدخول في مزايدات انفلتت من عقالها: كان الرهان فيها على من يحصد أكبر مساهمات في الحملات الانتخابية من المؤسّسات المالية الكبرى، ومن الذي يقدّم لها أكثر من الهدايا. هكذا أقرّت في ظلّ إدارة ديموقراطية في العامين 1999 و2000 الإصلاحات الكبيرة التي فتحت الطريق أمام خلق المنتجات "المسمومة" التي كانت أساس الانهيار المالي [5]. أمّا إدارة الرئيس جورج والكر بوش الجمهورية، الأقرب إلى وول ستريت، فقد استعجلت تدمير ما كان قد تبقّى من أشكال الرقابة والضبط، عبر تعيينها مؤيّدي "رفع القيود" المتحمّسين في المراكز الحساسة. في هذا الإطار جرى ربط سياسات الحكومات بقرارات وكالات التصنيف [6].

    بعد هلع خريف العام 2008، تمّ توجيه أصابع الاتّهام بالتأكيد إلى النخب الماليّة؛ إلا أنّ ذلك لم يمسّ سلطتها الفعلية. وفي تشرين الأوّل/أكتوبر العام 2008، اعترف السيد غرينسبان وقد بدا مرهقاً، في حين كان البطل الأكيد للفورة الاقتصادية، اعترف أمام لجنة لمجلس الشيوخ بأنّه اكتشف بأنّ معتقداته الاقتصادية كانت مؤسّسة على "خطأ". لكنّ هذا الشعور بالندم جاء قصيراً ولم يُنتج شيئاً. إذ بعد سنتين، عاد إلى تألّقه مصوّباً سهامه إلى قانون "دود فرانك" الذي كان يسعى، وإن بشيءٍ من الفتور إلى إعادة ضبط النظام [7]. ). أما السيد روبين فقد احتفظ بعلاقات وثيقة ومربحة مع الدوائر المالية، وهذا لم يمنعه من من توزيع النصائح الاقتصادية إلى مواطنيه عبر صحيفة الفاينانشل تايمز [8]. فيما السيد لم يغادر سامرز قطّ الصفّ الأمامي من المشهد. إذ خلال الانتخابات الرئاسيّة في العام 2008، كان أحد المستشارين الرئيسيّين للمرشّح أوباما، وعندما بدأ هذا الأخير ممارسة مهامه، رأس المجلس الاقتصادي في البيت الأبيض. ومنذ استقالته في نهاية العام 2010، عاد إلى كرسي أستاذ الاقتصاد في جامعة هارفرد. وحتّى بعد الانهيار المالي، أوضح الصحافي مايكل هيرش أنّ "النظام السابق وبنياته الفكرية، وهي خليط ما بين السياسات الفريدمانيّة (نسبة للاقتصادي الليبرالي ميلتون فريدمان) والغرينسبانية والروبينية، قد بقوا هم المهيمنون، إذ لم يتواجد شيء غيرهم" [9].

    هكذا إذن وفيما كانت الحكومات والشركات حول العالم تلغي (كما جرى مؤخّراً في اليونان، وكذلك في الولايات المتّحدة في صناعات السيارات) من دون رفّة جفن العقد الاجتماعي الذي يربطها مع شعوبها أو مع موظّفيها، أوضح السيّد سامرز، حين كان مستشاراً للسيد أوباما، أنّ المكافآت الباهظة التي يحصل عليها المدراء في شركة التأمين AIG (التي عوّمتها وأمّمتها الدولة) لن تُمسّ: "نحن في دولة قانون. وتلك هي عقود. ولا يحقّ للحكومة أن تلغي هذه العقود بكلّ بساطة" [10].

    وفي كتابٍ يوضح "لماذا سقطت الأسوق المالية؟"، رأى جون كاسيدي، الصحافي الاقتصادي في مجلة نيويوركر أنّ هذه الإيديولوجية ليست إنجازاً لقمّة الليبراليّة الاقتصادية الكلاسيكية، بل هي علامة فسادها. وذكّر بأنّ "مبدأ الأسواق الماليّة العقلانية التي تصوّب ذاتياً مسارها هو اختراع للأعوام الأربعين الأخيرة" [11]. وإذا كانت مهنة المال تسعى إلى التموضع في سياق فكر آدم سميث، وهو كاتبٌ يُراد تبجيله من دون أن يُقرأ، فإنّها تنتهك بكلّ خفة كلّ المبادئ التي وضعها في مجال ضبط قطاع المال.

    قبل سنوات من ظهور كتابه "بحث في طبيعة ثروات الأمم وأسبابها" (1776)، كان أبو الاقتصاد الكلاسيكي قد شهد انفجار فقّاعةٍ ماليّة قضت على سبعة وعشرين مصرفاً من المصارف الثلاثين في إدنبرغ. كان سميث إذن يعرف أن عالم المال، إذا ما تُرك لقوى السوق وحدها، فسوف يفضي إلى أخطارٍ كبيرة على المجتمع. وبالرغم من كونه من مؤيّدي مبدأ "اليد الخفيّة"، فقد حدّد بدقّة أنّ منطق السوق الحرّة والتنافسيّة لا يجب أن يمتدّ إلى الدائرة المالية. ومن هنا الاستثناء المصرفي في مبدأ حريّة الاستثمار والمتاجرة، وضرورة وجود إطار مقيّد صارم: "يمكن لهذه القواعد أن تبدو وكأنّها انتهاك للحرية الطبيعية عند بعض الأفراد، إلاّ أنّ حرية البعض هذه يمكن أن تفسد أمن المجتمع بأكمله. وكما هناك ضرورة لبناء جدران من أجل منع انتشار الحرائق، فإنّ الحكومات في الدول الحرّة كما في الدول الاستبدادية، مطلوب منها أن تقونن وتضبط تجارة الخدمات المصرفيّة" [12].

    مرجعيّة فكريّة للأصولية

    إذا كانت هناك مرجعيّة فكريّة للأصولية المجرّدة من أيّ أساس تجريبي والمهيمنة حالياً، فيمكن التفتيش عنها وإيجادها لدى آين راند (1905-1982) [13]. فهذه الناشرة والروائيّة الأميركية من أصل روسيّ، العقائدية والمعتصّبة الداعية إلى الأنانية كفضيلة عليا، والمندّدة بكلّ أشكال تدخّل السلطات العامّة، تحسب من بين مريديها رجلاً يدعى آلان غرينسبان. هذا الرجل كان في العام 1963 قد رفض أساساً الفكرة التي اعتبرها "وهماً شيوعيّاً"، القائلة بأنّ رجال الأعمال إذا تركوا على هواهم سيبيعون أغذية أو أدوية فاسدة، وصكوكاً مزوّرة أو مساكن سيّئة النوعيّة. "على العكس، إنّ من مصلحة كلّ رجل أعمال أن يتحلّى بسمعة النزاهة، وألاّ يبيع إلاّ منتجات ذات نوعية جيّدة". وفي آيار/مايو العام 2005، وقبيل انتهاء مدّة مهمّته في الاحتياطي الفيدرالي، لم يكن قد غيّر رأيه بعد: "إن التقييد الاحترازي للإقراض يتمّ تأمينه بشكلٍ أفضل من قبل القطاع الخاص، وذلك عبر تقييم وضبط الأصول الضامنة، من أن تقوم الحكومة بالأمر، لأنّ تدخّلها يدمّر الأخلاقية الرفيعة للمنظومة. إذ تحت كومة المعاملات التي يجب تعبئتها، هناك دوماً الخشية من سلاح موجّه إليك" [14]. وما يزال اللغو الفكري الذي يتبع هذه الأفكار يفعل فعله: إذا كان السوق لا يشتغل بالشكل الصحيح، فذاك لأنه ليس هناك أسواق كافية.

    الخطابات النارية التي تُسمع حاليّاً ضد "انحرافات وتطرّف" عالم المال تمنح السياسيين وسيلةً سهلة للاصطفاف مع غضب المواطنين؛ بل هي تعطي انطباعاً عن ما آل إليه العجز. ففي 17 آب/أغسطس الماضي، وبعد القمة المصغّرة بينهما التي خصّصت لبحث أزمة الديون، أعلن السيد نيكولا ساركوزي والسيدة أنجيلا ميركل بعبارات يكتنفها الغموض إقرار ضريبة على العمليات المالية، ضريبة توبين هذه التي تخيف عالم المال [15]. إلاّ أنّ هذا القرار، الذي يجب أن تقرّه أوّلاً سائر الدول الأعضاء في الاتّحاد الأوروبي، هو أقلّ قوّة وتأثيراً ممّا يبدو عليه. فهو لا يرمي لا إلى وضع حبّة رمل في محرّكات المضاربات المالية، ولا إلى استيلاد صناديق مالية للمساعدة على التنمية، بل في أفضل الاحتمالات إلى جعل المصارف تدفع ولو قسماً زهيداً من الأموال الذي سيتحتّم استخدامها لإنقاذها.

    ونحن نعرف منذ الآن أنّ الكثير من المال سيلزم لهذا...

    * أستاذ مساعد في جامعة "تافتز" (مدفورد، ماساتشوستس، الولايات المتحدة). من مؤلفاته: Propagande impériale & guerre financière contre le terrorisme, Agone - Le Monde diplomatique, Marseille-Paris, 2007. Islamic Finance in the Global Economy", Edinburgh University Press 2010 The Financial War on Terror, I.B. Tauris, Londres, 2005.

    [1] هي على التوالي:Newsweek, New York, 16/2/2009 ; Time, 2/2/2009 ; The Washington Post National Weekly Edition, 27/10/2008.

    [2] « A Year Later, Dodd-Frank Delays Are Piling Up » et « Wall Street Continues to Spend Big on Lobbying », The New York Times, 22/7/2011 et 1/8/ 2011.

    [3] إقرأ: سيرد حليمي: "بعد أربع سنوات..."، لوموند ديبلوماتيك النشرة العربية، آيار/مايو 2011، http://www.mondiploar.com/article34... وJohn Quiggin, Zombie Economics : How Dead Ideas Still Walk Among Us, Princeton Economic Press, 2010.

    [4] Paul Krugman, « Corporate Cash Con », The New York Times, 3/7/2011.

    [5] وبنوع خاص إلغاء قانون "غلاس ستيغال" في العام 1999 الذي كان قد أقام حدوداً بين المصارف التجارية ومصارف الاستثمار، واعتماد قانون Commodity Futures Modernization Act الذي سمح لأكثر لمنتجات المشتقّة مجازفة بالإفلات من أي قيود.

    [6] « Ces puissantes officines qui notent les Etats », Le Monde diplomatique, février 1997.

    [7] Alan Greenspan, « Dodd-Frank fails to meet test of our times », Financial Times, Londres, 30/3/2011.

    [8] Robert Rubin, « America’s dangerous budget track », Financial Times, 29/7/2011.

    [9] Michael Hirsh, How Washington’s wise men turned America’s future over to Wall Street, Wiley, New York, 2010.

    [10] Alan Beattie & Julie Macintosh: « Summers “outrage” at AIG bonuses », Financial Times, 15/3/2009.

    [11] John Cassidy, How Markets Fail : The Logic of Economic Calamities, Farrar, Straus and Giroux, New York, 2010.

    [12] Adam Smith, Recherche sur la nature et les causes de la richesse des nations, livre 2, chapitre 2.

    [13] فرانسوا فلاهو: "لا إلاه لا سيد ولا أولاد" لوموند ديبلوماتيك النشرة العربية، آب/أغسطس 2008 http://www.mondiploar.com/article22...

    [14] David Corn: “Alan Shrugged”, Mother Jones, San Fransisco, 24/10/2008.

    [15] « Le projet de taxe Tobin, bête noire des spéculateurs, cible des censeurs », Le Monde diplomatique, février 1997
                  

10-10-2011, 02:24 PM

بدر الدين اسحاق احمد
<aبدر الدين اسحاق احمد
تاريخ التسجيل: 03-29-2008
مجموع المشاركات: 17127

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ثلاث سنوات بعد الانهيار المالي ... صانعو الأزمة لا يمكن إزاحتهم (Re: esam gabralla)

    Quote: وما يزال الذين تولّوا الأمور في العام 2008 يشرفون على النظام، متسلّحين بترسانتهم الإيديولوجية نفسها. فعمالقة عالم المال، الذين تمّ إنقاذهم "لأنّهم كبار جدّاً على السقوط too big to fail" صاروا عمالقة أكثر من أيّ وقتٍ مضى



    too big to fail" ..

    الغريبة انو الكلام لا يمكن ان يكون داخل بيت ( ادم اسميث ) ابداً ...
                  

10-10-2011, 03:06 PM

Mahjob Abdalla
<aMahjob Abdalla
تاريخ التسجيل: 10-05-2006
مجموع المشاركات: 8953

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ثلاث سنوات بعد الانهيار المالي ... صانعو الأزمة لا يمكن إزاحتهم (Re: بدر الدين اسحاق احمد)

    سلامات يا عصام
    بس شوف الكلام ده بقروهو كم و بوست بريمة بقروهو كم.
    انا غايتو قريتهم الاثنين
                  

10-10-2011, 03:31 PM

قيقراوي
<aقيقراوي
تاريخ التسجيل: 02-22-2008
مجموع المشاركات: 10380

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ثلاث سنوات بعد الانهيار المالي ... صانعو الأزمة لا يمكن إزاحتهم (Re: Mahjob Abdalla)

    Quote:
    وفي مبادرة تنمّ عن الأسى العام أقسمت بورجوازية عالم الأعمال عندها أنّ "لا شيء سيعود كما كان من قبل". ووصف رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا فيون الوضع على أنّه "عالم على شفير الهاوية". وفي حالة من الرعب تقريباً، صدرت مجلة نيوزويك الاسبوعية وعلى غلافها "نحن كلّنا حاليّاً اشتراكيّون". ودعت منافستها مجلة تايم ماغازين إلى إعادة "الاعتبار لماركس" من أجل "إيجاد الوسائل الكفيلة بإنقاذ الرأسماليّة"، وهو مخرج (سعيدٌ) لم يبد مقبولاً لصحيفة واشنطن بوست التي تساءلت في مقالةٍ افتتاحية سوداويّة أكثر منها بهيجة: "هل ماتت الرأسمالية؟"

    ولاد ام زقدة!!

















    ------

    او كما قال البروف .... ليكم يا عصام
                  

10-10-2011, 03:46 PM

الامين محمد علي
<aالامين محمد علي
تاريخ التسجيل: 10-11-2009
مجموع المشاركات: 1676

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ثلاث سنوات بعد الانهيار المالي ... صانعو الأزمة لا يمكن إزاحتهم (Re: esam gabralla)

    Quote: كان أبو الاقتصاد الكلاسيكي قد شهد انفجار فقّاعةٍ ماليّة قضت على سبعة وعشرين مصرفاً من المصارف الثلاثين في إدنبرغ. كان سميث إذن يعرف أن عالم المال، إذا ما تُرك لقوى السوق وحدها، فسوف يفضي إلى أخطارٍ كبيرة على المجتمع. وبالرغم من كونه من مؤيّدي مبدأ "اليد الخفيّة"، فقد حدّد بدقّة أنّ منطق السوق الحرّة والتنافسيّة لا يجب أن يمتدّ إلى الدائرة المالية. ومن هنا الاستثناء المصرفي في مبدأ حريّة الاستثمار والمتاجرة، وضرورة وجود إطار مقيّد صارم: "يمكن لهذه القواعد أن تبدو وكأنّها انتهاك للحرية الطبيعية عند بعض الأفراد، إلاّ أنّ حرية البعض هذه يمكن أن تفسد أمن المجتمع بأكمله. وكما هناك ضرورة لبناء جدران من أجل منع انتشار الحرائق، فإنّ الحكومات في الدول الحرّة كما في الدول الاستبدادية، مطلوب منها أن تقونن وتضبط تجارة الخدمات المصرفيّة"





    يبدو ان الجميع على وشك الكفر بالبقره المقدسه ..((الاقتصاد الحر)) لن يمر زمان كثير والازمات الماليه تحاصر كبرى اقتصادات العالم ..الا وتصير النظريه الراسماليه في الاقتصاد (اثمالاً باليه)
    من كثرة الترقيع.....حينها قد يحيا من ظن الجميع انه قد مات..


    الله اعلم!!

    سلام يا استاذ عصام وشكراً على هذه الوجبه الدسمه..
                  

10-10-2011, 06:08 PM

smart_ana2001
<asmart_ana2001
تاريخ التسجيل: 04-17-2002
مجموع المشاركات: 5695

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ثلاث سنوات بعد الانهيار المالي ... صانعو الأزمة لا يمكن إزاحتهم (Re: الامين محمد علي)
                  

10-11-2011, 00:31 AM

esam gabralla

تاريخ التسجيل: 05-03-2003
مجموع المشاركات: 6116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ثلاث سنوات بعد الانهيار المالي ... صانعو الأزمة لا يمكن إزاحتهم (Re: smart_ana2001)

    سلام للجميع شكرآ على المشاركات ... نجي برواقه نتفاهم

    smart thanks for the book tip, I will check it

    محجوب انت جلابي و لا شنو؟ :-)

    لى بكره كان الله حيانا
                  

10-11-2011, 11:15 AM

قيقراوي
<aقيقراوي
تاريخ التسجيل: 02-22-2008
مجموع المشاركات: 10380

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ثلاث سنوات بعد الانهيار المالي ... صانعو الأزمة لا يمكن إزاحتهم (Re: esam gabralla)

    UpShir

    يا عمك ماركس ..













    --------

    امكن اختلاجات التور الرأسمالي، في الخريف الامريكي العليو دا، بداية ترنحو الاخير ..
    المافي شنو!؟

    و لّ ح يمرق منها المرة دي برضو؟ .. و ياكل ليو كم خريف تاني!؟
                  

10-13-2011, 02:44 PM

esam gabralla

تاريخ التسجيل: 05-03-2003
مجموع المشاركات: 6116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ثلاث سنوات بعد الانهيار المالي ... صانعو الأزمة لا يمكن إزاحتهم (Re: قيقراوي)

    Quote: ولاد ام زقدة!!


    قيقا
    ولاد أم زقده ديل نحنا , فقراء العالم الأول و التانى و التالت, و الله الناس الفوق ديل ما تجيهم أى عوجه ... ياكلو في الشعيريه سااااكت , حتى كلام زى العناوين الفوق هى جزء من وسائل امتصاص الصدمه أو تفريغ لشحنات الغضب و الخوف العظيمات
    من ناحية حيمرقو منها دى مؤكده, بس بخسائر عظيمه جدآ و الأزمه القادمه أصلآ جاهزه لسبب بسيط أن لا حلول لجذور الأزمه مطروحه و لن تطرح من قبل الشرائح الاجتماعيه المهيمنه و حتى إذا تجرأ أحد و حاول فرض حلول فستتم ازاحته فورآ. حتى أوباما بلع كل وعوده الانتخابيه الناعمه و كل ما قدمه من حلول ابان الأزمه حتى بعد أن تبنى عمليآ مقترحات الجمهوريين ... لعب مافي
                  

10-13-2011, 02:57 PM

esam gabralla

تاريخ التسجيل: 05-03-2003
مجموع المشاركات: 6116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ثلاث سنوات بعد الانهيار المالي ... صانعو الأزمة لا يمكن إزاحتهم (Re: esam gabralla)

    Quote: يبدو ان الجميع على وشك الكفر بالبقره المقدسه ..((الاقتصاد الحر)) لن يمر زمان كثير والازمات الماليه تحاصر كبرى اقتصادات العالم ..الا وتصير النظريه الراسماليه في الاقتصاد (اثمالاً باليه)
    من كثرة الترقيع.....حينها قد يحيا من ظن الجميع انه قد مات..
    الله اعلم!!


    سلام الأمين
    الأزمه عميقه جدآ, و من يطالب الآن بالسيطره على رأس المال المالى ليس اليسار أو الماركسيين بل مليارديرات و رأسماليون مثل المستثمر وارين بوفيه , العالم أصبح رهينه لرأس المال المالى الجامح و المتوحش الذي هدد بقاء الرأسماليات الأخرى (صناعيه,زراعيه, عقاريه و حتى مصرفيه تقليديه) و أفضي ببعضها للأفلاس.
    بالمقابل لا توجد حتى اللحظه قوى سياسيه أو اجتماعيه قادره أن تفرض حلولآ تكبح جماح رأس المال المالى , ما تقوم به حكومات أوروبا و أمريكا هى مجرد محاولات لأنقاذ مركب يغرق ... لأن قبطانه يثقب في قاع المركب
    تحياتى
                  

10-13-2011, 03:08 PM

esam gabralla

تاريخ التسجيل: 05-03-2003
مجموع المشاركات: 6116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
أين نبدأ للخروج من الأزمة؟ (Re: esam gabralla)

    أين نبدأ للخروج من الأزمة؟

    مآزق الحلول الوطنيّة لمشكلة العولمة

    جان ماري هاريباي




    في الوقت الذي تهدّد فيه أزمة الدين العام الاتحاد الأوروبي بالانفجار، وتهتاج الولايات المتحدة كي تتفادى ركوداً اقتصادياً يلوح في الأفق، وتخشى آسيا من أن يلهث نموّها أنفاسه، لم تبقَ أصوات كثيرة تثني على نظام العولمة. مع ذلك فإنّ فكرة "إلغاء العولمة" تثير اعتراضات عميقة يفصّلها النصّ أدناه.

    إنّ الوهن الذي أصاب المجتمعات تحت ضغط قوارع المال قد بلغ ذروته: ترتجف البنى الاقتصادية، وتمزّق الغشاء الإيديولوجي الذي كان يشوّش تصاويرها. واضطرّ مدّاحو العولمة إلى التخفيف من أشعارهم لمصلحة فعاليّة الأسواق، ونشأ سجالٌ حول الطرح المضاد: إلغاء العولمة démondialisation. يتميّز هذا السجال بكونه لا يواجه بين مؤيّدي الأورثودوكسية و"المعارضين" لها فحسب، بل يعبر صفوف علماء الاقتصاد والسياسة الذين انتفضوا ضدّ ديكتاتورية الأسواق الماليّة، خصوصاً لحظة المعركة ضدّ مشروع معاهدة الدستور الأوروبية.

    في الأشهر الأخيرة، طرحت المنابر الصحافية والمقالات والكتب على الرأي العام مسائل الحمائيّة، والخروج من العملة الموّحدة اليورو وإبطال العولمة [1]. وترتبط الحجج التي يتمّ تبادلها في غالب الأحيان بطبيعة الأزمة التي تشهدها الرأسمالية، وبإطار التنظيم الضروري، وبمسألة السيادة الديموقراطية.

    منذ بداية الثمانيات، تمّ بناء تركيبات رأس المال بطريقةٍ تجعلها تنتج أقصى حدٍّ ممكنٍ من الربح بالنسبة للاستثمارات المالية - "خلق القيمة لصالح حملة الأسهم" - في حين كان يتمّ، بصورةٍ منهجية، تنظيم عملية تخفيض قيمة قوّة العمل. الأولى تسمح بالثانية، كون حرية تداول رؤوس الأموال قد جعلت ممكناً خلق منافسة بين الأنظمة الاجتماعية والضريبيّة. هذا ما تشير إليه تورية "العولمة": إعادة انتشار الرأسمالية على الصعيد العالمي من أجل استدراك أزمة معدّل الأرباح التي كانت تنتشر في الفترة الفاصلة بين الستينات والسبعينات، وفوز الطبقات المهيمنة التي تتفوّق أصولها المالية على الأجور، وضرورة التزام التركيبات التنظيمية من الآن فصاعداً بمتطلّبات الأسواق.

    إلاّ أنّ عقدين من الزمن كانا كافيين لإسقاط هذه المنظومة: إذ توقّف معدّل الأرباح عن الارتفاع في الولايات المتّحدة منذ منتصف العام 2000، ولم تعُد القروض الممنوحة للفقراء للتعويض عن قصور أجورهم كافية لامتصاص فائض الإنتاج الصناعي. هكذا انتشرت الصدمة بالسرعة التي انتشرت بها الرساميل.

    ليست الأزمة تراكماً لصعوبات وطنية (يونانية، ايرلندية، برتغالية، إسبانية، إلخ.)، قد تندلع لمجرّد وجود مشاكل داخلية خاصّة بكلٍّ من تلك البلدان، ثمّ نتساءل بأيّة مصادفة ظهرت كلّها في الوقت نفسه. إنّها أساساً أزمة الرأسمالية التي بلغت "نضوجها" العالمي، والتي دُفع بمنطقها القائم على خلق القيمة لصالح حملة الأسهم إلى ذروته، لأن كلّ شيء كان مقدّراً له لأنّ يصبح بضاعة للبيع، من إنتاج السلع والخدمات الأساسية، وصولاً إلى قطاعات الصحّة والتربية والتعليم والثقافة والموارد الطبيعية، ومجمل ما هو حيّ.

    لا تقتصر العولمة إذن فقط على التبادل الحرّ للبضائع، أي حركة تداول هذه الأخيرة. إذ لحق قانون القيمة بعالم المال الخارج عن الحدود، أي بشرطين ملزمين مزدوجين لا يمكن فسخهما: إعادة تقييم العمل الذي لا يمكن ضغطه إلى ما لا نهاية، من جهة؛ وإجراء ذلك على أساس ماديّ يتداعى أو يصبح نادراً [2]. تحمل إذن الأزمة المالية في طيّاتها أسس فائض الإنتاج الرأسمالي، والطريق المسدود التي وصل إليها هذا النموذج التنموي.

    إحدى الحجج الأساسية للمؤيّدين اليساريين لإلغاء العولمة تقضي بنَسبِ تدمير فرص العمل ونزع الطابع الصناعي عن الدول الغنيّة إلى العولمة. هكذا يعتبر جاك سابير أنّه "وصولاً إلى منتصف التسعينات، لم تكن أرباح الإنتاجية في الدول الناهضة قادرة على تبديل موازين القوى مع الدول المهيمنة. وفي المقابل، نلاحظ منذ منتصف التسعينات، أرباحاً مهمّة جداً تحقّقها الإنتاجية في بعض الدول على غرار الصين أو أوروبا الشرقية. منذ ذلك الحين، غادرت أقسامٌ كاملة من النشاطات الدول الصناعيّة" [3]. هذا أفضل ما يمكن قوله للإشارة إلى أن انقلاب ميزان القوى بين الطبقة المسيطرة والأجراء في الدول الصناعية قد سبق بخمس عشر سنة على الأقلّ النهوض الاقتصادي للصين.

    وإذا ما اقتصرنا على المثل الفرنسي، جرت عمليّة تداعي حصّة الأجور في القيمة المضافة (حوالي خمس نقاط من القيمة المضافة الخام للشركات غير المالية مقارنة مع 1973، وحوالي الضعف مقارنة مع العام 1982 [4]) وارتفاع البطالة بشكل كبير، خلال الثمانينات. ولن يتمّ فيما بعد إجراء أيّ تعديلٍ فعليّ للمستويات التي تمّ بلوغها منذ حينها (المنخفضة جداً بالنسبة لحصّة الأجور والمرتفعة جداً بالنسبة للبطالة)، إلاّ خلال الفترة القصيرة التي امتدّت بين العامين 2001 و2007. إذاً هناك شيء من الدقة عندما يقال أنّ المنافسة بين قوى العمل، التي تفاقمت خلال الأعوام الأخيرة، قد عزّزت المواقع التي اكتسبها المالكون؛ لكنّه من غير الدقيق إسناد المسؤولية الأولى للتداعي الأجور في الدول الرأسمالية المتقدّمة إلى الدول الناهضة.

    في النهاية، يُترجم العنف الطبقي الخاصّ بالنيوليبرالية ضمن الدول الغنية ذاتها، بتقاسمٍ بين الرأسمال والعمل ملائمٍ للأوّل وبتعديل للتوزيع الداخلي لكتلة الأجور (إذ شهدت الرواتب العالية ارتفاعاً قويّاً جداً، خصوصاً كونها تدمج عناصر مكافآت على رأس المال، من نوع خيارات الأسهم stock-options). ولهذا المنحى الثاني علاقة بالموقع الاجتماعي الذي يشغله الموظّفون الرفيعو المستوى في الشركات، بفضل كفاءتهم التقنية، توازي على الأقلّ علاقته بالشروط المخفّضة في الخارج بسبب رخص اليد العاملة، الذي يقع ضحيته الأجراء الذين يشغلون أدنى مراتب السلّم الاجتماعي.

    من هنا ضرورة اتّخاذ الحذر النظري لتفادي تحوّل الصراع الطبقي إلى صراعٍ بين الأمم، وهو حذرٌ يتخوّف فريدريك لوردن أن يكون مصيره "العقم"، لأنّه بحسب قوله، "إن تركيبات العولمة الاقتصادية تضع أيضاً مجموعة الأجراء الصينيين والفرنسيين بشكلٍ موضوعيّ في علاقة تعارض متبادل، لا يمكن لأيّ إنكار مواجهتها" [5]. وبهذا سيولي الحلّ الحمائيّ الأولوية للتعارض بين الأمم على التعارض بين الطبقات. إلاّ أن الطبيعة المنظوميّة للأزمة الرأسمالية العالمية ترتبط بالعلاقات الاجتماعية الأساسية للرأسمالية، وتثير الشكوك حول قدرة الشعوب على الخروج منها عبر طرقٍ وطنية.

    عدا بعض الاستثناءات (كالإيكوادور مثلاً في مسألة ديونها العامّة)، تتكفّل الدول بجعل شعوبها تدفع ثمن الأزمة؛ وهذا هو الرهان الأساسي الموحِّد للطبقات المهيمنة. وليس في نيّة أو قدرة أيّة حكومة المخاطرة بتحمّل عواقب تخلّفٍ عن سداد الديون الوطنية، من الممكن أن يمتدّ ما أن تنفكّ العقدة الأولى. لكنّها تحكم جميعها بذلك على أنظمتها الاقتصادية بالانحسار. من ناحية أخرى، العولمة ليست فقط تجارية ومالية، بل هي إنتاجية أيضاً، لدرجة أنّ المجموعات الكبيرة للشركات المتعدّدة الجنسيات قلّما تكترث للمسارات الاقتصادية الوطنية [6]. إذاً إن مسألة الحيّزات الملائمة لتنظيم ومحاربة الأزمة هي قضيّة مصيرية.

    السيادة والتعاون

    هل يجب بالتالي لعن "سراب" [7] مؤسّسات دوليّة قويّة؟ نعم، يقضي الأمر برفض الفكرة المبسّطة عن "الحوكمة العالمية" أو إدانة تردّد وإخفاقات مجموعة الدول الصناعية الكبرى الثمانية G8، والعشرين G20 وسواها من الاجتماعات التشاوريّة للحكّام المسيطرين. لكنّ هنالك مشكلة يجب تخطّيها: وهي مشكلة إنشاء هيئة ضبط عالمية. والمرحلة التي يضرب بها المثل مؤيدو إبطال العولمة اليساريون هي في الواقع مرحلة ما بعد الحرب، التي تميّزت بتنظيمٍ من النوع الكينيزي بدأته اتفاقيات "بريتون وودز".

    أمران حاسمان يُظهران ضرورة وضع أطر تنظيميّة دون انتظار تقويض الرأسمالية أو مجرد عزلها. الأول يتعلّق بالزراعة التي تتميّز اليوم بتخفيف القيود التنظيميّة على المبادلات الزراعية على كافّة الأصعدة، وما يترتّب على ذلك من عواقب، كالاستحصال في دول الجنوب على أفضل الأراضي من أجل زراعات تصديرية على حساب الزراعات المعيشيّة، وانخفاض الطلب القادر على الدفع، والنزعة الشديدة لتذبذب الأسعار الأساسية العالمية. كيف نتخيّل إذاً أن يتمكّن كلّ بلدٍ من إيجاد استقلالية نسبية، وأن يشهد بالتالي على إرساء سيادة غذائية، إن لم يتمّ وضع أطر صارمة للأسواق الزراعية على المستوى العالمي لإخراج السلع الزراعية، وأبعد من ذلك، كافّة المواد الأولية، من براثن المضاربات ومجازفات الأسواق؟ [8]. .

    الأمر الثاني يتعلّق بمحاربة التسخّن الحراري، وعلى المستوى العالمي بالضرورة. لكن حتّى الآن، يعود فشل المفاوضات حول مرحلة ما بعد كيوتو، في كوبنهاغن في العام 2009 وكانكون في العام 2010، يعود بشكلٍ أساسي إلى نزاعات المصالح بين أكثر الدول نفوذاً، التي تبقى أسيرة ولائها لمتطلّبات اللوبيات والشركات المتعدّدة الجنسيات. إنّ تبلور وعي مواطنيّ من أجل المحافظة على الممتلكات العامّة، مزوّد برؤية شاملة، قد يمارس ضغطاً على هذه المساومات، مثلاً من خلال المؤتمر العالمي للشعوب حول التغيير المناخي الذي نظّم بمبادرة من الحكومة البوليفية في نيسان/إبريل 2010.

    في المقابل، تكشف مسألتا الزراعة والمناخ عن الضرورة القصوى لإحداث ثورةٍ جذرية في نموذج التنميّة القائم في خلفيّة العولمة الرأسمالية. يتمّ أحياناً تجاهل هذا المنحى من قبل مؤيّدي إبطال العولمة، الذين يستندون بصورةٍ أساسية إلى النموذج الفورديّ الوطني كمرجعيّة؛ وهو طبعاً منظّمٌ بشكلٍ أفضل من النموذج النيوليبرالي، لكنّه كان قد ولّد إنتاجية مدمّرة. هكذا نحن نواجه قضيّة تحديد الحيّز الذي تُمارس فيه السيادة الديموقراطية.

    كيف تُطرح المسألة من قبل مؤيّدي إلغاء العولمة؟ كتب فريديريك لوردن: "بغضّ النظر عن كلّ شيء، يفرض حلّ إعادة التأسيس الوطني للسيادة نفسه بشكلٍ بديهي، لأنّه يتفوّق على كافة الحلول الأخرى بالميزة العملية الضخمة لوجوده هنا، وتوفّره الفوري؛ طبعاً إذا ما حصلت التحوّلات البنيوية التي تجعله قابلاً للحياة إقتصادياً: حمائية إنتقائية، وتحكّم بالرساميل، وتقييد سياسي للمصارف، وجميعها أمور قابلة تماماً للتحقيق شرط وجود النيّة لذلك" [9]. هذه المستويات الثلاث للتحوّلات البنيوية فعّالة تماماً. إلاّ أنّ المشكلة تأتي من "البداهة" و"التوفّر الفوري" و"وجودها هنا" المفترضين، في حين كانت النتيجة الأساسية لآلية العولمة هي إفراغ الديموقراطية من محتواها، لتسليم مفاتيح المنزل المشترك إلى الأسواق المالية.

    أضف أن الصعوبة الكبيرة التي يجب على الشعوب تخطّيها هي بالضبط إعادة بناء سيادتها بالكامل، وليس فقط إعادة إحيائها. يجب إتمام هذه المهمّة على الصعيد الوطني وعلى حدّ سواء، بالنسبة للأوروبيين، على الصعيد الإقليمي؛ لأنّ المواجهة مع قوى رأس المال لم تعد فقط محصورة بالمستوى الوطني، ولا حتّى بصورة رئيسية. إذ أنّ التناقض الذي يجب تخطّيه هو أنّه في حال ما تزال الديموقراطية تعبّر عن نفسها على المستوى الوطني خصوصاً، فإنّ التنظيمات والتحوّلات التي يجب إجراءها، والبيئيةّ منها على وجه الخصوص، تتخطّى إطار الأوطان؛ ومن هنا أهميّة الإنشاء التدريجي لحيّز ديموقراطي أوروبي. وبما أن الأزمة ليست تراكماً لأزمات وطنية، لن يكون هناك من حلّ وطني للأزمة.

    يبقى إذاً أن نعرف من أين يبدأ عمل تفكيك الرأسمالية النيوليبرالية. على المدى القصير، من الضروري الإعلان عن لاشرعية غالبية الديون العامّة، والإعلان بأنّه لن يتم تسديدها، وتحديد الدول ذات الأولوية على الصعيد الأوروبي، من خلال أخذ مشاكلها بعين الاعتبار. ويجب إسناد هذه القرارات على مراجعة عاّمة (Audit) للديون العامّة؛ والمبادرة إلى تأميم (socialisation) مجمل القطاع المصرفي الأوروبي؛ وإعادة إرساء طابع تصاعدي قويّ للسياسات الضريبية. ما من وجود هنا لأيّة استحالة عمليّة، تنقص فقط الإرادة السياسية "للقتل الرحيم للريع" (كينز) من خلال إلغائه [10].

    أمّا المسار الذي يجب اتّباعه على المديين المتوسّط والبعيد، فهو مسار التحويل الراديكالي للنموذج التنمويّ وفق توجّه غير رأسمالي. إن تقويض البنى الحالية للقطاع المالي هو الخطوة الأولى التي قد يؤسس لها منع الصفقات التي تتم بالتراضي، والمنتوجات المشتقّة، وفرض الرسوم على الصفقات المالية المتبقية. لكن إذا ما نظرنا أبعد من ذلك، نجد بأن تحديد أطر صارمة للحيّز التجاري الذي يسيطر عليه السعي لتحقيق الربح هو أمر ضروري لكي يصبح من الممكن تطوير نشاطات غير اتجارية أو موجّهة نحو تلبية حاجات الشعوب مع الحفاظ على التوازنات البيئية.

    أي إسم يجب إعطاءه لكلّ هذا؟ إن الحمايات الضرورية (لقانون العمل، والضمان الاجتماعي، والطبيعة...) لا تخلق بالضرورة نظاماً حمائياً. لا شكّ أن فكرة الانتقائية بين مجالات يجب "نزع طابعها العولمي"، أو، على العكس، منحها طابعاً عالمياً، تتطلّب دقّة أكبر في التنفيذ، لكنّها تتميّز بأنّها تعرض الأهداف الفعلية التي يجب بلوغها، وترسم منعطفاً إجتماعياً-بيئياً للمجتمعات، والبناء التدريجي لتعاونٍ دولي جدير بهذا الإسم. إنّها رسالة العولمة البديلة، التي لا تتخلّى قيد أنملة عن انتقاد العولمة، لكن دون اعتماد نقيضتها الظاهرية.
    *

    استاذ محاضر في جامعة بوردو الرابعة ومؤلف

    La Démence sénile du capital, Fragments d’économie critique, Le Passant, Bègles, 2002. Le Développement en question(s) (avec Eric Berr), Presses universitaires de Bordeaux, Pessac, 2006. منسّق كتاب Attac: Le Développement a-t-il un avenir ? Pour une société solidaire et économe, Mille et une nuits, Paris, 2004, et auteur de La Démence sénile du capital, fragments d’économie critique, Le Passant, Bègles, 2002.

    [1] « Démondialisation ou altermondialisme ? », http://alternatives-economiques.fr/... et « La démondialisation heureuse? Éléments de débat et de réponse à Frédéric Lordon et à quelques autres collègues », http://alternatives-economiques.fr/... ; Frédéric Lordon, http://www.fredericlordon.fr/tripty, Bernard Cassen et Jacques Sapir, http://www.medelu.org.

    [2] J.M. Harribey, « Crise globale, développement soutenable et conceptions de la valeur, de la richesse et de la monnaie », Forum de la Régulation, Paris, 1er et 2/12/2009, http://harribey.u-bordeaux4.fr/trav... .

    [3] J. Sapir, « La mondialisation est-elle coupable ? », Débat entre Daniel Cohen et Jacques Sapir, Alternatives économiques, n° 303, juin 2011

    [4] INSEE, Rapport J.P. Cotis, « Partage de la valeur ajoutée, partage des profits et écarts de rémunérations en France », 2009.

    [5] فريدريك لوردون: "إسقاط نظام العولمة وأعدائه"، لوموند ديبلوماتيك النشرة العربية، آب/أغسطس 2011، http://www.mondiploar.com/article35...

    [6] M. Husson, « Une crise sans fond », 28/7/2011, http://hussonet.free.fr/sansfond.pdf.

    [7] فريدريك لوردون، مرجع مذكور.

    [8] أوريلي تروفيه وجان كريستوف كرول: "إفراغ السياسات الزراعية المشتركة الأوروبية من مضمونها، لوموند ديبلوماتيك النشرة العربية، كانون الثاني/يناير 2009، http://www.mondiploar.com/article24...

    [9] F. Lordon, « Qui a peur de la démondialisation ? », 13 juin 2011, http://blog.mondediplo.net/2011-06... .

    [10] François Chesnais, Les dettes illégitimes, Quand les banques font main basse sur les politiques publiques, Paris, Raisons d’agir, 2011.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de