|
محمد اشرف مرة اخري (العلمانية .. مأزق اليمين أم اليسار؟)
|
المساهمة التالية من الاخ/ محمد اشرف ...
قد تكون أطروحة العلمانية و الدولة الدينية ليست موضوعا جديدا في الأوساط السياسية و الفكرية بالسودان. فالنقاشات حول مدى تحقيق العلمانية في أوصال الحياة السياسية و الاجتماعية موضوعا قديما. فالفكر العلماني كثيرا ما تم تجاهله عمدا أو من غير عمد من قبل النخب السياسية و الأحزاب اليسارية على وجه الخصوص. على الرغم من أن اليسار يعتمد النهج العلماني سبيل إلى تحقيق أوصال برنامجه السياسي. لصالح من و ماذا تم تجاهل العلمانية؟ هل لتحقيق انتشار نسبى وسط الجماهير التي تعتبر العلمانية انزلاق إلى مهاوى الكفر و الزندقة كما تم تصويرها من قبل اليمين؟ هل أن برنامج اليسار و تحديدا الحزب الشيوعي السوداني يتطلب تحقيقه التراجع عن العلمانية فترة من الوقت حتى يستعيد المجتمع توازنه الفكري و يقبلها؟ كل هذه الأسئلة و غيرها جعلت العلمانية تبدو وكأنها مأزقا لليسار بدلا عن اليمين. فلطالما ظلت هذه الأسئلة مشروعة تستمد مشروعيتها من عدم توفر إجابات شافية. فتبنى العلمانية أمر يتطلب الكثير من الشجاعة و الجرأة و القليل من تهيب النتائج السالبة. من غير المنصف نسيان الويلات التي تحمل عبئها الحزب الشيوعي دون غيره من الأحزاب جراء الطرح الخاطئ للمشروع العلماني و محاولات الابتزاز العاطفي التي مارسها اليمين على الجماهير بدءا بحادثة معهد المعلمين وصولا إلى محاولة تكفير الطالب شهاب على يوسف بالجامعة الأهلية. و التي دفع ثمنها غاليا من تشريد لكوادره و ملاحقة متواصلة لهم و حل لهيئاته و لكن كل ذلك يجب آلا يتحول الى عقبة تثنى اليسار عن مواصلة تصحيح المفاهيم التى يطلقها اليمين لتفويت المكتسبات المتوقع ان يجنيها المجتمع من العلمانية مثل التعايش السلمي و الهوية و الاختلاف ومؤسسات المجتمع المدنى و حقوق المرآة فى التفاعل السياسى و الاجتماعى. فالعلمانية تفصل السلطات السياسية و التنفيذية عن رجال الدين و هيمنتهم باسم الاله و تغول السلطة الدينية الروحية و نهبها للخيرات بحق الوصايا على اموال العباد و توزيعها كيفما اتفق. اذن العلمانية تحمل اليسار عبء التواصل مع الجماهير وتلزمها بالدور الفاعل الذى يفترض ان تتسم به. و ينبغى التأكيد على ان العلمانية هى المأزق الفعلى لليمين العاجز عن تحقيق تطلعات الجماهير المادية و السياسية و حتى الروحية. فالاسئلة العلمانية المحرجة لليمين مثل : لصالح من تقبع المرأة بالبيت و تحرم من دورها فى التواصل الاجتماعىو التنموى و الفكرى؟ ما هو وضع الاقليات الدينية و العرقية فى ظل دولة تحكم باسم الحق الالهى؟ كيف تحل ازمة الهوية و الاختلاف؟ كيف يمكن اعادة توزيع الثروة و على اى اساس فئوى ام اقليمى ام اثنى يتم؟ تلك الاسئلة من المؤكد انها فرضت اجوبتها فرضا بقوة السلاح و بمنطق الخاسر و الرابح, الضاغط سياسيا و ميدانيا والمتراجع دوليا و دبلوماسيا . بدلا من ان تدار فى اروقة الاحزاب و مؤتمراتها و تقام حولها السمنارات حتى يستوعب الشارع السودانى سمات هذا التحول فى بنائه السياسى الاجتماعى. وهى كغيرها من القضايا المصيرية التى تولت البندقية حسمها. لا تعفى الاحزاب الوسطية و يسار الوسط من الاجوبة المحتملة لهذه الاسئلة. الاعلان عن موقف صريح تجاه العلمانية بدلا من التستر و اعطاء تفسيرات مبهمة تخفف من حدة المصطلح و تبعاته علما بأن برامج هذه الاحزاب تقر العلمانية كمنهجية سياسية ولكن بصورة مستبطنة. فمثلا حزب الامة او الاتحادى الديمقراطى لا ينكر العضو غير المسلم حقه فى نيل العضوية و دخول هيئات الحزب بالاضافة الى الموقف من تقرير المصير و الستور المدنى العلمانى الذى يسقط العرق و الدين كمرجع لاساس المواطنة , توزيع الثروة , اقتسام السلطة,قضية المراة , كل هذه الاطروحات اصبحت سمة تجديدية فى برامج معظم الاحزاب . كل هذه القضايا لا تحتمل المناورة الفكرية و الفذلكة السياسية بتبنى موقف مائع يصرح به الزعيم الفلانى و العلانى. لا يمكن للعلمانية ان تنتصر الا برسم خط واضح بيننا وبين اليمين السياسى. للعلمانية ان تصبح شعار و تجسيد برامجى. صحيح ان هذا الشعار استمات اليمين فى وصمه ووضعه فى مصاف الزندقة و الكفر – و اعتقد انه نجح فى ذلك لحد ما – حتى اصبح المفكرين و المثقفين يتجنبون هذا الشعار عملا بمنطق الباب البجيب الريح و لكى لا يوصموا به.و لكن العمل الفكرى و السياسى الجاد كفيل بازاحة الستارة السوداء التى وضعها اليمين السياسى حول العلمانية ولا مانع من ان توضع القضايا فى سلة تسمى بمسمى اخر طالما انها تفضى الى نفس النتائج و تجنب الحرج السياسى و الفكرى. محمد اشرف
|
|
|
|
|
|