|
السودان بين صراع الثقافات وثقافة الصراعات
|
السودان بين صراع الثقافات وثقافة الصراعات
أمين زكريا اسماعيل/واشنطون
حينما كتب علماء نظرية الصراع فى علم الاجتماع امثال رالف دهرندروف واميتاى اتزيونى وألفن قولدنر, مؤكدين ان الصراع يقود الى التوازن, هاجمهم بشده اتباع النظريه البنائيه الوظيفيه فى علم الاجتماع الذين يؤكدون على التساند الوظيفى ولعب الادوار, على الرغم من ان رائد هذه المدرسه العالم الفرنسى أميل دوركايم قد قسم الظواهر الاجتماعيه الى الاستاتيكا الاجتماعيه وهى تعنى بدراسة المجتمعات فى حالة السكون, والدناميكا الاجتماعيه وهى تهتم بدراسة المجتمعات فى حالة الحركه, وقد ثارت العديد من المدارس بعد ظهور نظرية النشوء والارتقاء المؤكده البقاء للاصلح للعالم تشارلز داروين. على كل هذه المدارس الفكريه والتى كان آخرها مدرسة الحداثه انطلقت من منطلقات ارتبطت بظروفها الموضوعيه الانيه وتنبؤاتها المستقبليه, وبالتالى لعبت ادوارا عديده ومتنوعه فى تحليل الصراع وشكلت اثراءا للمعرفه العلميه بالاضافه الى المدارس الفكريه الاخرى سواء كانت الماركسيه او الدينيه.
ولقد درجنا دائما فى ابحاثنا ومحاضراتنا وندواتنا الى وصف معظم ما يدعون بساسة السودان بسطحية المعرفه الانثروبولوجيه والتاريخيه والسياسيه والاقتصاديه والجغرافيه بالسودان, وان كثيرا منهم مارس ويمارس السياسه كجزء من موروثاته الاسريه او مظهرا مكملا لشخصيته, لذلك انقسمت ضروب ممارسة السياسه السودانيه الى قسمين: ممارسة السياسه من اجل السياسه وحماية المصالح سواء كانت وراثيه او اقتصاديه او اجتماعيه او غيرها, وممارسة السياسه من اجل التغيير الجزرى وحل العقبات واحلال التنميه ومشاركة الجميع وصون حقوق الانسان. والنوع الاول هو النوع الذى غلب على سيطرة الحكم من قبل وبعد استقلال السودان, لذلك فانه يعتمد على الشعارات والوعود الكاذبه ونقض العهود بصوره اكثر من التنفيذ والتطبيق, خاصة فيما يتعلق بوحدة السودان وتنوعه وضرورة بناء الدوله الديمقراطيه, وهى تدور فى حلقات مفرغه كما انها تدور فى فلك السلطه بمسرحيات هذيله اشبه بدورة الصفوه التى وصفها عالم الاجتماع السياسى الايطالى فلفريدو باريتو فى نظريته عن دورة الصفوه.
ورغما من امتلاء مكتبات السودان المختلفه بالاضافه للمكتبات الاخرى حول العالم بالدراسات والبحوث والمراجع التى ستعين هؤلاء الساسه الا اننا لم نسمع احد منهم استشهد ببحث, كما ان النخبه السياسيه لاسباب كثيره تحاول دائما ابعاد المتخصصين عن ممارسة الحكم بمبررات واهيه على الرغم من جدارتهم فى حل كثير من القضايا لمعرفتهم العلميه والعمليه بها.
ولقد كتب استاذنا البروفسير عبد الغفار محمد احمد كتاب قيم بعنوان الوحده فى التنوع كمؤشر لفهم التنوع السودانى بكل انواعه والتعامل مع معطياته فى اوجه الحياة المختلفه, وتلاه زملاؤه وتلاميذه فى اعداد عدد من البحوث والدراسات القيمه عن الثقافه والصراع ...الخ. ولكن كل هذه الابحاث اصبحت اسيرة المكتبات واروقة البحث العلمى ولم يستفيد منها الساسه فى فهم قضايا التنوع والذى يتفجر بين الحين والاخر فى شكل صراعات وحروبات.
وعنوان مقالنا هذا ليس موضوعا جدليا كما يترائ للبعض وليس شبيها بجدلية البيضه والدجاجه ايهما سابق للاخر, بل يمكن ان نسميه مدخلا نظريا يتناول التنوع الثقافى وتاثيراته الايجابيه والسلبيه فى استقرار وبقاء الشعوب, كمحاوله لاعطاء البعد الثقافى اهميته فى فهم القضايا الحياتيه المختلفه كما يصنفها الدارسون والباحثون الى سياسيه واقتصاديه واجتماعيه. كما يتلمس هذا المقال رؤوس مواضيع اساسيه نامل ان يثريها النقاش البناء الهادف فى تناول البعد الثقافى لفهم اوجه الصراع وكيفية معالجته فى المجتمعات المتنوعه ثقافيا.
ولعل الفهم الخاطئ للمفاهيم يعد احد اسباب قصور الفهم والنقاش العلمى فى كثير من المنتديات السياسيه والثقافيه ..الخ والذى بدوره يقود الى تطبيق شائه حتى على المستوى التنموى, ولكى يتسنى لنا فهم هذا الموضوع جيدا راينا ان نعرف بعض المفاهيم حتى نسهل مهمة القارئ فى متابعة هذا الامر:
1- الثقافه: عرفت عدد من التعريفات اشهرها تعريف العالم الامريكى تايلور والذى عرفها بانها الكل المركب الذى يحتوى على العادات والتقاليد والاعراف والمعتقدات والفن والقانون ..الخ وكل ما انتجته اليد البشريه. وهى بالتالى من حيث المحتوى تنقسم الى قسمين:أ- ثقافه ماديه وتشمل الجوانب الماديه الملموسه كالتكنولوجيا مثلا. ب- ثقافه غير ماديه وتشمل الجوانب غير المحسوسه كالقيم والمعتقدات..الخ. كما ان الثقافه قسمت من حيث الممارسه الى: أ- عمومية الثقافه وهو القاسم المشترك الذى يجمع مجموعه من الافراد او الجماعات او الامم او الشعوب. ب- خصوصية الثقافه وهى اللونيه الثقافيه المميزه لمجموعة محدده داخل الجماعه او الامه كاللغه الخاصه والمعتقد الخاص والادب والفلكلور الخاص والطقوس ..الخ.
وبالتالى فان الثقافه لا تنشا من فراغ بل هى نتاج خبرات انسانيه تراكميه متفق عليها نسبيا ومع مرور الزمن تصبح المرجع الاساسى للعقل الجمعى للمجتمعات وتتحكم فى تصرفاتهم وسلوكهم, وتتنقح وتتطور وفقا للتطور التاريخى للحياة ويتم ذلك فى ظل قناعات الجماعه الثقافيه المعينه, لذلك فان اى محاوله للمسخ الثقافى او التعالى الثقافى او التهميش قد تؤدى الى نشوء الصراعات. وتلعب مؤثرات تاريخيه, وجغرافيه بيئيه(كالمناخ) واجتماعيه (كالتنشئه الاجتماعيه) واقتصاديه (كالزراعه, الرعى, الصناعه, التجاره) وسياسيه (نوع الحكم والمشاركه والعداله..الخ), دورا كبيرا فى تشكيل السلوك الثقافى المتنوع, وينعكس فى كيفية تعبير الثقافه الماديه وغير الماديه فى خصوصياتها وعمومياتها.
فالثقافه لسيت مفهوما معقدا كالحريه والديمقراطيه والعداله ...الخ بل هى نسبيه والفهم الجيد لها بتنوعها يسهل من مهمة ممارسة الحياة فى اطارها الاجتماعى والاقتصادى والسياسى.
2- التنوع: هو نتاج طبيعى للحياة ولا يعنى الاختلاف كما يفسره البعض, لذلك اعتبره العالم داروين كأصل للاشياء فى تحليلاته لنظرية النشوء والارتقاء, رغم انها وجدت كثيرا من الانتقاد, الا انه يمكن الاستفاده منها فى ان التنوع يعتبر سر بقاء ووجود الاشياء اذا تم فهمه والتعامل معه بطريقه موضوعيه (مثلا تنوع البيئات والمنتوجات الاقتصاديه الذى يستفيد منها الانسان فى بيئاته المختلفه, تنوع الفن, الذكور والاناث...الخ), فمن الطبيعى ان يتنوع البشر فى معتقداتهم ولغاتهم والوانهم وافكارهم وتخصصاتهم وانتماءاتهم ...الخ, ويمكن ان يكون التنوع مدخلا للوحده اذا ما تم فهمه والتعامل معه بطريقه سليمه, فالقصور السياسى فى فهم التنوع الثقافى والتعامل معه غالبا ما يكون سببا فىالصراع.
3- الصراع: يفسر الصراع بانه يحدث بسبب تضارب المصالح والاهتمامات واختلاف وجهات النظر, وقد ياخذ الصراع اشكالا متعدده قد تصل فى اعلى درجاتها الى مرحلة الاقتتال, وغالبا ما يوصف الصراع بانه ياخذ الجانب السلبى, الا ان الصراع قد يكون ايجابيا ويقود الى وحدة الجماعات اذا ما عولج بطريقه علميه صحيحه كما اشار الى ذلك علماء نظرية الصراع. واحيانا يخلط البعض بين مفهومى الصراع والمنافسه, فالاخير يتم فى ظروف اقرب للتكافؤ بين المتنافسين.
4- السلم او السلام: هو الاصل فى الحياه الانسانيه وهو مرتبط باشباع الحاجات الاساسيه للانسان وطمأنينته, ولعل مفهوم حقوق الانسان قد نبع مع تطور المجتمعات وتطور الحاجات الاساسيه من الماكل والمشرب والملبس والمسكن الى مفاهيم تحقق للانسان كرامته وتزيد من وعيه ومستوى مشاركته فى مختلف اوجه الحياة سواء كانت اقتصاديه او سياسيه او اجتماعيه, كحق الانسان فى التعليم والصحه والتعبير والممارسه السياسيه وحرية المعتقد وحق الطفل والمراه ...الخ.
لذلك اصبح مفهوم السلم ينصب فى دلالات التنميه الشامله سواء كانت اجتماعيه او اقتصاديه او سياسيه, لذلك فان انتقاص هذه الحقوق او جزء منها او عدم الموازنه فيها يعد احد الانتهاكات لحقوق الانسان الاساسيه ومدخلا وارضا خصبه لتاجيج الصراع.
فالسلم او السلام ليس مدلولات تقف عكس الحرب فحسب كما يفسرها كثير من الساسه وبعض المثقفين, بل هى مفاهيم مرتبطه بالحقوق الانسانيه بصورتها العامه.
نماذج للتنوع الثقافى السودانى:
ما سنذكره هنا من نماذج هو جزء من خبراتنا المتواضعه وخبرات بعض الزملاء, وهو عباره عن تذكير لمجتمعنا السودانى الزاخر بخبراته لاجترار ذكريات ماضيه الايجابى والسلبى فى التعامل مع التنوع الثقافى فى مواقف كثيره.
النموذج الاول: الاسماء والفن واللغات:
للاسماء مدلولات وكذلك الفن وهى خصوصيات ثقافيه حيث نجد ادروب واوهاج واوشيك وهاساى فى شرق السودان ولهم ادبهم وفلكورهم ولا تغريهم اسماء الثقافات الاخرى, وفنجان جبنه بشمالو يسوى الدنيا بحالو والخنفس والخلال والسيف ولغتهم جزء من موروثاتهم الثقافيه الاصيله, فى شمال السودان ووسطه نجد محمد و صالح وعبدالله وغيرها والساقيه والشادوف والطمبور والنخيل لها مدلولاتها الثقافيه, وفى جبال النوبه نجد كوكو وكاكا وكافى وكنى وكودى وارشين وغيرها ونجد الكمبلا والكرنق والسبر والكجور ولغتهم الخاصه فهى خصوصيات ثقافيه ايضا, كما نجد فى جنوب السودان شول ودينج وشويل بجانب اللاوى والحربه والدرقه والوشم وغيرها, وفى الغرب نجد ادماى واسحق وابكر ونجد لغاتهم المتنوعه ورقصاتهم من مردوم وجرارى وهزيز وغيرها, فكل ماذكر هى خصوصيات ثقافيه فى منظمومة عموميات الثقافه ولها مدلولاتها, لذلك فان استهجان اى منها او عدم الاعتراف بها او تحقيره قد يجد رد فعل معاكس من ذات الثقافه فكوكو لن يقبل ان يغير اسمه الى هيثم وبالعكس وبهذه المناسبه يحكى ان مجموعه من الاطفال كانوا يلعبون وضرب احدهم وذهب الى المنزل واشتكى لوالدته بان احد الاطفال ضربه فطلبت منه امه ان يذكر اسماء هؤلاء الاطفال فبدأ بهيثم وبهاء وعلاء ثم ختم بكوكو فما كانت من الام ان قالت بس ده هو كوكو فالام هنا ربطت نشاذ الاسم فى ثقافتها بنشاذ الفعل وقد يكون كوكو هذا هو اكثر الاطفال ادبا, كما ان صاحب الليلى والليلك لا يرضى ان تفرض له جباك الدينكاويه وبالعكس, ولكن اذا ما حدث اعتراف ثقافى وتبادل ثقافى فقد يقبل الكل الاخر بصوره تحفظ له خصوصياته وتكون مدخلا اكبر فى تلاقى العموميات الثقافيه. وأذكر ان احد اصدقائى من ابناء دنقلا قد حكى لى انهم كانوا يضربون من الاساتذه العرب فى المدارس حينما كانوا يتحدثون لغة الدناقله بل كانت تسلم علامه يسلمها الطفل للاخر الذى تحدث بلغة الدناقله ولقد حدث ذلك فى جبال النوبه الا ان المتحدث بلغة النوبه كانت تعلق له علامه كبيره فى صدره كتب عليها حمار؟ كما ان الاسماء كانت تغير فى المدارس والمستشفيات والمساجد ومراكز الاحصاء ونقاط الشرطه والمحاكم والتجار المنتمى للثقافه الاسلاموعربيه دون مراعاة لخصوصيتها.
النموذج الثانى: الابحاث:
ساذكر نماذج بحثيه من بعض المواقع التى زرتها او زارها بعض الزملاء:
1- الاطفال تحت الظروف الصعبه: كنا فى رحله بحثيه مع احدى المنظمات العالميه واذكر اننا وجدنا ظروفا غذائيه صعبه للاطفال فى مدن وقرى جبال النوبه لدرجة انهم يأكلون المشك بالملح (المشك بضم الميم هو اخر مخلفات المريسه الذى يذهب للغمامه) فطلبنا من المسئولين مدهم بالغذاء فثار المسؤل مشك معناة هنالك مريسه ويجب على النظام العام ان يتحرك, فذكرت له اولا انك ليس من هذه المنطقه ولم تعرف ثقافتها والمريسه التى تتحدث عنها هى فى ثقافة النوبه ليس مشروبا مسكرا ولو وجدها هؤلاء الصغار لما حضرنا لنجدتهم, ولان الرجل من الثقافه الاسلاموعربيه المتطرفه سألنى هل انت جاد يا استاذ فاجبته بالايجاب, فكان مثار لدهشته لانه نظر للمنطقه بعين ثقافته المتطرفه . وأذكر انه فى نفس السنة انضم عدد من ابناء جبال النوبه الى الحركه الشعبيه لتحرير السودان لان قوات النظام العام لم تسمح بصناعة المريسه اثناء فترة السبر (طقس نوبى خاص بالزراعه والحصاد والصيد وغيره) وان مراسيم السبر وعمل الكجور سيكون ناقصا بدون المريسه. والسبر بجانب انه طقس فله ابعاده النفسيه, فلا ياكل شخص من المحصول قبل السبر واذا تجاوز الشخص طقوس السبر قد تحدث له بعض الامراض الغريبه وهى امور لها تجاربها ان اتفق معنا الناس ام اختلفوا, وهى خصوصيه ثقافيه قاد عدم احترامها ان يحمل بعض الناس السلاح للمدافعه عنها. وقصة المريسه هذه اشبه بقصة الحمرى الذى استوقف الخواجه اثناء مروره على نفير وقدموا له مريسه فى كاس نظيف فما كان من الخواجه الا وان احتسى المريسه كلها فالتفت الحمرى الى اخيه مستغربا خاف الخواجه مسلم؟ وفى رايه ان المريسه هى شراب المسلمين ولا تستخدم للاسكار, وهى خصوصيه مهما كان تفسيرنا لها.
كما ان عادة العراء التى كانت موجوده بجبال النوبه كان يصفها الوافدين من الثقافه الاسلاموعربيه بالسفور وقلة الحياء والادب, ولكنها كانت عكس ذلك لدى خصوصية النوبه الثقافيه بل كانت احد الضوابط الاجتماعيه اذ كان للمجتمع معايير وضوابط تحترم تلقائيا وكان المجتمع يتعرف على الشاب الممارس للجنس وكذلك الشابه, ولاحترام المجتمع لهذه القيمه الاخلاقيه يندر جدا ان تحدث حالة زنا واحده وان حدثت تذبح الذبائح ويقام سبر الدم ويطرد الشاب من المنطقه وينبذ من القبيله نهائيا, وحتى معاكسة البنات كان جزاؤها قاسيا, وهذه الخصوصيه تظل غريبه لاصحاب الثقافات الاخرى وقد يحسبونها سلبيه ولكنها كانت ايجابيه بخصوصية النوبه.
2- مجتمع ود حسونه: ويقع شرق النيل وتابع لولاية الخرطوم الا انه مجتمع يتميز بخصوصيه متفرده, اذكر اننى رافقت طالباتى بالسنه الرابعه بكليات التنظيم الادارى وعلم النفس والطب والعلوم الاسريه والتنميه الريفيه بجامعة الاحفاد للبنات التى كنت اعمل فيها محاضرا بجانب جامعة الخرطوم, فى رحله ميدانيه لمنطقة الشيخ حسن ود حسونه المتدينه فى دراسه ميدانيه عن محاربة عادة الختان الفرعونى والذى يعتبر الحديث عن هذا الموضوع عرضا رذيله, عموما اعتذرن كل زميلاتى فى مرافقة الطالبات وقبلت ان اذهب مع الطالبات لمعرفتى الاجتماعيه بمجتمع الدراسه ولعلاقتى المتميزه مع طالباتى اذ اننى كنت ادرس فى كليات الجامعه الخمس, عموما كان الوضع صعب لطالبات الاحفاد رغم وعيهم , فوجهتهن فى محاضرات الارشاد فى كيفية احترام خصوصية هذا المجتمع ابتداءا من اللبس المحتشم واحترام القيم الدينيه ..الخ. كانت مهمتنا صعبه فتحركنا ببص فورد دقه قديمه وفارقنا شارع الزلط من الحاج يوسف وكن قد تذودن بالمياه الصحيه خوفا من ماء الحفير. وما ان وصلنا ورغم حشمة البنات الا ان الكل كان يتساءل البنات جايات بدون اهلن, وبالله شوف البنات المطاليق ديل؟ عموما خطبت فى الجميع وشرحت لهم اهميه العلم ومعناه وان كل البنات لهن اسر كما للجميع, وانا متاكد ان اغلبيتهم لم يقتنعوا بذلك لان الحرمه لن تذهب للخرطوم لوحدها ولا تدخل السوق ولكن تدخل المسجد وتمدح مع الرجال. عموما احضرت ماء الحفير الصفراء واستلمتها بجكها وشربت منها خوفا من ان تجد بنت شيخ المسجد حرجا من الطالبات رغم كرمهم واستضافتهم السخيه لنا. عموما كانت اول خطوه للطالبات هى زيارة قبة الشيخ حسن ود حسونه ودفع الزياره بسخاء (مال يدفع حسب مقدرة الشخص ورغبته) وجد هذا الامر قبولا كبيرا وبعد صلاة المغرب قدمنى شيخ المسجد الذى كان متفهما لاقناع اعمدة ومفاتيح المجتمع بالبحث والخدمات التى سيجنيها المجتمع من ذلك ومساعدتنا فى اقناع النساء اللائى لا يتصرفن الا باذن الرجال عن موضوع الختان الفرعونى كعاده ضاره وبعد مناقشات طويله وفقنا فى اقناع الجميع. ثم طلبنا من فرقة المديح لزيارة مقرنا بعد صلاة العشاء, فكانت كل القريه تمدح نساءا ورجالا واطفالا, وبعد خمسه دقائق استفاد طالبات الاحفاد من حصص الموسيقى والمسرح وكورال الاحفاد فحفظن مقاطع المديح وبدأن يرددن (قوم فوق سو لا تخشى السو البطران ابو خيرا بو) والبطران هو لقب الشيخ حسن ود حسونه وقد اشار المديح الى بركاته الكبيره بما فيها كيف ان راس القبه قد ركب تلقائيا وكيف انه حارب الشيطان وترك اثر رجله الى يومنا هذا على الصخر, وكيف ان المحاكم الشعبيه تستعين ببركاته وكيف ان احدهم كذب فى حليفته وسقط من حماره ومات ...الخ. كل هذا يتم فى اطار الخصوصيه الثقافيه التى يجب احترامها حتى اذا لم يتفق معها احد ولا يجب استحقارها او استهجانها ولا ممارسة القوه فى تغييرها وان المس بها قد يقود الى صراعات. عموما كانت مقدرات بنات الاحفاد الكبيره فى احترام خصوصيات المجتمع والاندماج بالمديح والمسرح والفن والبوستر والزيارات ..الخ كان ذلك مدخلا فى ان تكون زيارتنا و بحثنا من انجح البحوث, وتجاذبت اطراف القريه دعواتنا واضطررننا لتاخير عودتنا يوم لارضاء اهل المنطقه, ولقد اجتمعت القريه لوداعنا وبكن النساء مع الطالبات فى مشهد يروى معرفتهن لبعض من سنين وطالب اهل القريه باستمرار هذه الزيارات والبحوث, ولقد خلقنا فرصا تدريبيه للقابلات والمرشدات وكذلك فرص من الدراسه لعدد من طالبات ونساء ودحسونه وظل رجال المنطقه وشبابها فى زيارات مستمره للجامعه. كما كانت اضافة بالنسبة لى فى تدريسى للتنوع الثقافى واثره على التعايش السلمى بتقسيم الطلاب والطالبات الى مجموعات تعكس اهم ملامح الخصوصيات الثقافيه مستخدمين المسرح والفن والقصص والرقصات الشعبيه...الخ. وتعليقنا هنا ان الخفاض الفرعونى الذى اثبت العلم مضاره اصبح عاده ثقافيه فى معظم انحاء السودان وتغييره مرتبط بتغيير عقلية المجتمع وزيادة مستوى الوعى, فى حين ان هذه العاده معدومه تماما فى المناطق الريفيه فى جبال النوبه والانقسنا وجنوب السودان, اذ ان الوعى الشعبى فى هذه المناطق تجاه هذه الظاهره متطورة بصورة اكبر من مجتمع الخرطوم العاصمه ومدن السودان الاخرى.
3- فى احدى مجتمعات الجنوب كان الناس يتبرزون حول المنازل, حاولت السلطات المحليه محاربتهم بكل الوسائل وكان افراد السلطه ينتمون الى الثقافه الاسلاموعربيه وينظرون الى ذاك المجتمع بعين ثقافتهم وهذا ما درجنا على تسميته بالقصور الذاتى, وعلى الرغم من ان اليونسيف قد اعد بعض المراحيض الا ان هذه الممارسه استمرت, فاضطر اليونسيف الى اللجوء الى اخصائيين اجتماعيين, وكانت الفرضيه ان هذه الظاهره نابعه من قيمه اجتماعيه وكان مثار دهشة عدد من الناس وخاصة ثقافة الوسط التى تعلم القيم الاجتماعيه المباشره كالصدق والامانه والكرم فكيف يكون التبرز فىالعراء قيمه اجتماعيه؟ عموما وصل فريق البحث وطلب مقابلة السلطه الاصليه (السلطان بدلا من السلطات الحكوميه) وبالفعل كانت هذه الخطوه هى مفتاح نجاح الدراسه وبعد ان حكى السلطان كيف ظهرت هذه العاده تاريخيا واصبحت جزء من الموروث الثقافى . حيث ذكر انه عندما كانت تاتى الغارات من مناطق اخرى كانت عيونها تتحس مكامن الضعف والقوه فى المجموعه المغاره وحينها كان النزال فرديا وباسلحه تقلديا فكان كثرة التبزر دليل على الشبع وبالتالى رساله نفسيه للعدو هو اننا جاهزون للنزال, تم احترام هذه القيمه الثقافيه التاريخيه ولكن تمت الاستعانه باعمدة المجتمع بما فيهم السلطان فى اقناعهم بان هذه الظاهره كان لها اثرها التاريخى الفاعل ولكنها الان قد تؤدى الى تسبيب الامراض وربما الموت لعدد كبير من سكان القريه, ولم يطلب منهم ايقافها مباشرة بل تم رجاءهم على الابتعاد النسبى من المنطقه الماهوله بالسكان وتدريجيا وبعد ستة اشهر تكونت قناعات ذاتيه بمساعدة اعمدة ومفاتيح المجتمع فى القضاء على هذه الظاهره نهائيا واصبح الجميع يتوافدون الى اليونسيف لبناء المراحيض. لهذا ان سيطرة المؤسسات العامة بواسطة افراد لا يدرون الخصوصيه الثقافيه قد يكون سببا فى تاجيج الصراع.
نموذج اخر فى مجموعه قبليه سودانيه يذهب اهلها كما خلقهم الله كجزء من خصوصيتهم الثقافيه ولا يقبلون الا الاشخاص العراه. ذهب احد ابناء ثقافة الوسط مع زميله الذى ينتمى لتلك القبيله فى مهمه اغاثيه عالميه, على كل بعد حوارات طويله استطاع زميله اقناعه ان يخلع ملابسه حتى يكون مقبولا لهذا المجتمع, وفعلا استقبله المجتمع وبعد قليل تجمع القوم حوله وبدأوا يتهامزون ويفرون ويضحكون فاستغرب الزائر وسال صديقه ماذا يحدث بعد ان خلعت ملابسى؟ فاجابه زميله انهم مستغربين من الختان ويتسألون (اين البيت الذى وهبه الله لك), فتلك ايضا خصوصيه ثقافيه وعدم احترامها فى هذا المجتمع وهو ما قامت به حكومة الجبهه الاسلاميه من ختان حتى العجزه مما قاد عدد كبير للدخول فى الحركه الشعبيه مدافعا عن قيمهم وموروثاتهم. كل هذه الاشياء تتم عن جهل حقيقى او مقصود من الساسه بمكونات السودان الثقافيه.
لذلك يدعى الناس الوحده باوسع مفاهيمها وهم يجهلون كل المداخل الاجتماعيه والسياسيه والاقتصاديه لها.
4- غناء البنات: اذكر عندما كنا طلابا فى قسم الدراسات العليا, كان لدينا مكتب خصص للسمنارات وكنا نتسابق فى دراسة ظواهر متنوعه حيث قامت احدى زميلاتنا بتقديم بحث قيم عن المدلولات والمؤثرات الاجتماعيه والاقتصاديه والسياسيه فى تطور اغانى البنات وبدات من عائشه الفلاتيه وغيرها مرورا بالماشى لباريس جيب لى معاك عريس شرطا يكون لبيس من هيئة التدريس, وصولا الى المدرسين المفلسين برى منهم وختاما البنات اللائى تغينن لسائق المرسيدس والكرسيدا والما مغترب يبقى تاجر غرب وتازم الوضع فغنوا لصاحب عربة الكارو وابو شرا ان شاء الله راجل مره.
وتكمن هنا نوع من الخصوصيه العلميه فالباحثه ربطت المتغيرات الاجتماعيه بالمتغيرات الاقتصاديه ودور السياسه فى تازم الوضع. ولكن قد ياتى شيخ لا يمتلك الا لحية يمدها من اجل النقد بدون ان يعى انه احد اسباب الازمه ويبدأ يسب ويلعن الانحطاط الاخلاقى وتدهور الاغنيه, وهو لا يملك حتى ذوق الاغنيه. ولكن اى دارس اجتماعى يربط مباشرة تطور الظواهر الاجتماعيه بمتغيرات اخرى وبالتطور الذى واكب صيرورة حركة المجتمع سلبا وايجابا.
كيف يحدث الصراع الثقافى:
يحدث الصراع الثقافى غالبا عندما يتكون المجتمع من تركيبه ثقافيه متعددة السمات والخصائص الثقافيه, فاذا اخذنا السودان فهو بلد متعدد الثقافات ويضم فى تركيبته السكانيه عشرات المجموعات العرقيه الرئيسيه ومئات المجموعات الفرعيه ويتحدثون اكثر من خمسمائة لغه ولهجه ويدينون باكثر من ديانه ومعتقد ويسكنون فى بيئات جغرافيه ومناخيه مختلفه داخل مليون ميل مربع.
ففى بلد كالسودان عندما تحاول المجموعه الثقافيه الاسلاموعربيه اقصاء الاخر واظهار وفرض ثقافتها وتعاليها الثقافى على المجموعات الاخرى, حيث يحدث نوع من الاعلاء والاظهار والتباهى الثقافى مقابل التهميش والاستهجان, وهذا بالطبع يقابل بالرفض عند المجموعات والخصوصيات الثقافيه الاخرى , فبينما المجموعه الثقافيه الاولى تحاول فرض ثقافتها عبر الوسائل المتاحه سواء كانت اعلاميه او تربويه او عسكريه او دينيه ..الخ, تعبر المجموعه الثقافيه الاخرى عن رفضها لهذه الهيمنه الثقافيه بتعبيرات تبدأ بالتمسك بالموروث الثقافى ثم السخط والغبن والكره وعدم الثقه وقد تصل الى درجة الصراع الذى يصل الى مرحلة الحرب وهو واحد من الاسباب الرئيسه للصراع الدائر فى السودان فى جنوبه وجبال النوبه والانقسنا وشرق السودان ودارفور وقد يتفجر فى مواقع اخرى.
فالتعالى والهيمنه الثقافيه الاسلاموعربيه كانت مدخلا للتحيز الثقافى فى السودان والنظر بعين واحده لبقية الثقافات ذات الخصوصيات الاخرى, وقد يصل التحيز الثقافى الى مرحلة الاقناع الذاتى والاعتقاد ان مرجعية الشخص او الجماعه الثقافيه المعينه هى التى ينبغى ان تسود, وهذا ما تطرق اليه علماء الاجتماع فى نظرية القصور الذاتى التى تبرر ان المرتكز الثقافى او غيره لمجوعة ما هو الاسمى و والافضل, وبالتالى ينحصر التفكير فى القضايا السياسيه والاقتصاديه والاجتماعيه فى اطار المجموعات المنتميه او المواليه او المؤيده للبعد الثقافى المعنى, دون مراعاة الثقافات الاخرى, مما يجد الصد الداخلى والخارجى للمجموعات الاخرى والذى يصل مرحلة الصراع الذى تتفاوت درجاته. وهنا تظل المجموعات المتعاليه ثقافيا (سواء كان تعالي بسبب الدين او اللغه او العرق او المهنه ...الخ) تعمل على تثبيت ما اصبح مصدقا لديها على انه الافضل, ومن ثم تتدخل نظرية القوى واستخدام الوسائل المتاحه لقهر المجموعات التى توصف بالتمرد والعنصره على ما هو قائم, وترى المجموعات الاخرى المهمشه ثقافيا انه فى سبيل البقاء ومقاومه المسخ الثقافى وتحقيق بعض المكتسبات الاقتصاديه والسياسيه والاجتماعيه لا بد من المقاومه, وقد تصل درجة الصراع الى الاقتتال. وهنا تحاول المجموعات المسيطره ثقافيا وبالتالى سياسيا واقتصاديا واعلاميا لتقليل حدة الصراع عليها ضغط او ترغيب بعض العناصر او المجموعات النفعيه من الثقافات المهمشه بالتبرير الايجابى لتصرفاتها وهذا ما يفسره علماء الاجتماع فى نظرية المصالح والاهتمامات, بانه عندما تغلب المصلحه الشخصيه على المصلحه الجمعيه فانه من السهل ضرب المجموعات المهمشه بعضهم ببعض ( وهذا ما درجت حكومة الجبهه الاسلاميه بتطبيقه فى جنوب السودان وجبال النوبه والانقسنا والبجه ودارفور), وهذا بالطبع يقلل من قوة المجموعات الثقافيه المهمشه ويقوى اعلاميا من قوة المجموعه الثقافيه المتعاليه. فتكون المجموعات الثقافيه المهمشه اقرب الى الصراع الداخلى فيما بينها, وبالتالى يتاح المجال للمجموعات الثقافيه المتعاليه التعبير عن ذاتها القاصره بصوره اكثر تطرفا, ويكون مبررها فى ذلك ان المجموعات الثقافيه الاخرى لم تصل مرحلة النضوج الفكرى لحل صراعاتها وقضاياها الداخليه وبالتالى هى غير جديره بتبنى الرؤى الجماعيه والمشاركه فى القضايا الحياتيه المختلفه وبالتالى يتم تصدير الحكام والموظفين باسم القوميه والوطن لتمكين السيطره حتى على ثقافة وموارد المناطق المهمشه, ومن ثم تستطيع الثقافه المسيطره تحريك خيوط اللعبه فى زمانها ومكانها المناسبين, وهذا يجعل الجماعات الثقافيه المهمشه تدور فى حلقه مفرغه, وبالتالى تتيح المجال للمجموعات ذات الثقافات المسيطره للهيمنه الكليه وتضطر المجموعات الثقافيه المهمشه الى التآكل فى ظل التشتت الداخلى والمنفعه الشخصيه, وقد يحدث لبعضها نوع من الامتصاص الثقافى وقد يقود للمسخ الثقافى وليس التبادل الثقافى, وتظل هذه المجموعه متشربه بالثقافه المسيطره مكانا ولكن ليس لها وجود مؤثر فعلا وهذا يقود الى مايسمى بالمواطنه من الدرجه الاولى والثانيه ..الخ, وتشهد المراحل اللاحقه بعد الركود تطور الوعى الفكرى والثقافى للمجموعات المهمشه فتثور مره اخرى على المجموعات المتعاليه ثقافيا وفى هذه المرحله فان الصراع يكون اكثر شده وعنف عما ذى قبل.
كيفية تحويل الصراعات الى حوارت ثقافيه:
ان جهل وتجاهل وخوف النخب السياسيه التى حكمت السودان من اعطاء التنوع الثقافى فرصا متكافئه للتعبير عن ذاتها كان واحد من اسباب تعقيد الصراع فى السودان. كما ان اصرار هذه النخب بان الثقافه السودانيه واحده اعلاميا دون مراعاة الخصوصيات والتعامل مع ذلك محليا واقليميا ودوليا, منعكسا بصوره واضحه فى سيطرة الثقافه الاسلاموعربيه اعلاما ومنهجا تربويا ولغة ودينا ..الخ على حساب الثقافات الاخرى, جعل الثقافه السودانيه بهذا الفهم ثقافة صراع لانها فرضت على المجموعات الاخرى قهرا, وبالتالى فان المجموعات الثقافيه الاخرى قاومت وستقاوم بكل السبل وقد يقود ذلك الى تجزئة السودان.
ولتفادى اخطاء الساسه المتكرره والتى هزت البناء الاجتماعى السودانى بأكمله فلا بد من الاتى:
اولا: اعتراف النخب السياسيه والتنفيذيه والاداريه التى حمكت السودان وما زالت تتطلع لحكمه بهذه الاخطاء, وعلى الشعب ان يدرك بان النخب التى ادمنت الفشل لا يمكن ان تقود تصحيحا جزريا يضمن استقرار السودان مستقبلا, كما ان هذه النخب ينبغى لها ان تثقف نفسها بالتنوع الموجود فى السودان وكيفية التعامل معه.
ثانيا: يجب ان يعلم الشعب السودانى وخاصة المنتمى للثقافه الاسلاموعربيه ان هنالك اخطاء كبيره ارتكبها الساسه وهزت البناء والنسيج الاجتماعى واهملت الاثراء الثقافى والتنوع ووضعته موضع التناحر والصراع بدلا من التحاور والتعايش.
ثالثا: يجب ان يكون هنالك اعتراف ضمنى رسمى وعملى وليس اعلامى بكل الثقافات الاخرى, واتاحة فرص متكافئه اعلاميا ونمهجا تربويا ولغة وفلكلورا ودينا وفنا ..الخ .
رابعا: يجب الاهتمام الرسمى بمؤتمرات وورش عمل وبحوث وغيرها بموضوع الحوارات الثقافيه. ويجب الابتعاد عن المعالجات الشكليه والجزئيه والانيه كما فعلت حكومة الجبهه الاسلاميه فى مؤتمراتها الشكليه والجزئيه كمؤتمرات حوار الاديان وغيرها.
خامسا: يأتى الاهتمام الفعلى بنقل الصراع الى حوار ثقافى من خلال حكم عادل ديمقراطى.
سادسا: كما ذكر فان الثقافه تنشا من تراكمات تاريخيه وتغييرها لا يتم بالقانون بل بالقناعات الجماعيه التى تتبلور بزياده الوعى العلمى والتنميه المتكامله بصورة عامه, لذلك فان التعليم والطرق والخدمات والاعلام المتوازن ...الخ هى مداخل للتبادل الثقافى وليس السيطره او التعالى الثقافى وفرض القوانين.
مقومات حدوث التعايش الثقافى السلمى:
رغم اننا سنفرد لهذا الموضوع مقالا متكاملا الا انه يمكن ايجاز اهم الخطوط العريضه التى تقود لخلق مداخل تساهم فى كيفية حدوث التعايش السلمى فى الاتى:
1- محاولة بناء دولة المؤسسات وتفكيك الاجهزه القائمه لانها امتداد للصراعات وقد تكون سببا فى تقسيم السودان الى دويلات.
2- احترام الخصوصيات الثقافيه المتنوعه واعطاءها فرصا متكافئه للتعبير عن ذاتها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا واعلاميا.
3- خلق تنميه تعلميه وصحيه وخدميه ..الخ فى المناطق الاكثر تهميشا والتعجيل برفع الكفاءة الاقتصاديه لساكنيها.
4- البعد عن النظره الثقافيه المتعاليه واستهجان الثقافات الاخرى ومحاولة مسخها.
5- التأكيد على اهمية دور التنشئه الاجتماعيه المنزليه والمدرسيه وغيرها فى عكس التنوع الثقافى وقبول الاخر.
6- تضمين التنوع الثقافى كماده تدرس فى المناهج التربويه على ان تضع على يد متخصصين فى هذا المجال مع اهمية ترسيخ مفهوم ومعانى التبادل الثقافى.
7- أن يحكم ابناء الثقافات المختلفه مناطقهم لانهم ادرى فى التعامل مع خصوصياتها, وهم الاكثر اقناعا لاهلهم للابتعاد عن المظاهر الثقافيه السالبه وتطوير الايجابيه منها كما يجب ان يشاركوا بفعاليه فى اجهزة الحكم المركزى المختلفه.
8- أهمية الاعتراف بالتنوع الثقافى وتمثيله داخل المؤسسات السياسيه والنقابيه والتنفيذيه والاداريه ..الخ.
9- تضمين التنوع الثقافى فعلا فى الدستور الدائم.
خاتمه:
يعد هذا المقال مدخلا و مساهمة فكريه لاعطاء البعد الثقافى اهميته الخاصه فى فهم الصراع فى السودان باعتبار الثقافه تعنى الحياة, و بالتالى محاولة فصل المجتمع عن ثقافته لا تعنى فقط مسخ الثقافه بل تعنى اقصائه عن الحياة, لذلك تزداد حدة الصراعات فى المجتمعات المتعدده الثقافات, حيث تبدأ هذه الصراعات خفيه ثم تظهر باشكال مختلفه قد تصل مرحلة الاقتتال. ولكن الحوارات الثقافيه البناءه والحديث والكتابه عن المسكوت والمعالجات الهادفه لهو مدخل حقيقى لبناء هوية سودانيه موحده. ولكن اذا تمادت النخب الحاكمه فى اعادة سيطرة الثقافه الاحاديه واقصاء الاخر, فان السودان لن يشهد سلاما وقد يتقسم الى دويلات, وتبدأ دورة الصراعات بصوره اعنف عما ذى قبل.
امين زكريا اسماعيل
باحث واخصائى اجتماعى وانثروبولوجى
محاضر جامعى سابق
واشنطون- 1/8/2003م
|
|
|
|
|
|