|
ممارسات النظام العام انتهاك لكرامه الانسان
|
حين أيدنا مشروع الجمهورية الإتحادية بديموقراطيتها الليبرالية واقتصادها الرأسمالى الحر ودستورها الذى يحمى الحقوق والحريات الأساسية والتعدد العرقى والثقافى والدينى (أو ما يسمّى بـ "المشروع الحضارى" من منظور المؤتمر الوطنى المنطلق من آيديولوجية إسلاموية، أو "السودان الجديد" من منظور الحركة الشعبية وبعض حركات الهامش الواعية والمنطلقة من آيديولوجيات علمانية وحداثية) فقد أيدناه ميلاً وانحيازاً لمصلحة المواطن السودانى ... لم نحدّ رؤيتنا لهذه المصلحة على مواطن الحضر دون مواطن الريف - كما يخطئ الكثير من الساسة فى التقدير - ولا انحزنا لمن يعبّرون عن الذهنية المركزية لتعريف المواطن السودانى أو لمن يدعون لهيمنة الهامش وقلب الموازين. لم نستثنى طبقة - بما فيها الأثرياء وورثة السلطات الرسمية والعشائرية الى المشردين والمتسولين وضحايا المجاعات - فى بحثنا عن الأرضيات المشتركة التى تجمع المواطنين السودانيين فى مصالح ومكتسبات مشتركة يمكنها أن تخرج بالسودان من النفق المظلم الذى يشارك فى غياهبه اغلبية ضحايا الفقر والتخلف من دول العالم الثالث ...
لم نقبل بقانون النظام العام كفكرة، ولا بشرطته كمؤسسة، ولكن رضينا التعامل معه كواقع كئيب أتى داخل حملة الكيزان لبناء جبهة جماهيرية بطرق ملتوية وتتناسب مع الواقع الذى انتجهم ويعالجونه بمشروعهم الحضارى ذاك (مشابهاً العنصرية والشمولية التى ابدتها الحركة الشعبية ولم نقبلها ولكن رضينا التعامل معها كشروط واقع موضوعية فى سياقها) ....
جاء السلام باتفاق يصب فى المصلحة العامة للمواطن (رغم أن الشريكين لم ينسيا نصيبهما من الدنيا) وجاء السلام بدستور لا يعيبه سوى صياغات "الإنتقالى" و "المؤقت" وبعض الهنات الطفيفة هنا وهناك ولكن ككل كان دستوراً كأفضل ما يمكن أن يتمنى المواطن الذى يريد بناء دولة مؤسسية حديثة تحميه وتحمى حقوقه وحرياته ومكتسباته وتساعده على التنمية ومحاربة الفقر والإنعتاق الإقتصادى والسياسى والإزدهار الثقافى والإجتماعى ... فكان تأييدنا لهذا الدستور مطلقاً وغير مشروط ... وكان الواقع الكئيب لا زال يلازمنا كأن على رؤوسنا "النظام العام" ...
نص الدستور على كيفية سنّ القوانين وإجازتها لتكون دستورية ... فرفضنا إلغاء القانون الجنائى لسنة 91 المعدّل والأوامر المحلية المرفقة به (أو ما يعرف بـ "قانون النظام العام") رغم أن مجهوداتنا التى أثمرت عن حلّ شرطة النظام العام سنة 2000 بالضغط الدبلوماسى على الحكومة لتبييض صحائف سجلّها فى اختراقات حقوق الإنسان، فكان أن أنشئت "شرطة أمن المجتمع" بديلاً لسابقتها ... فلم نتزحزح عن الإسم فإنها "شرطة النظام العام" وإنه "قانون النظام العام". وكانت حجّتنا فى رفض الإلغاء هى احترام الدستور الذى نصّ على طرق سنّ وتشريع القوانين فقلنا أن لابد من انتخابات ولابد من هيئة تشريعية (مجلس وطنى ومجلس ولايات) منتخبة لتحلّ محل الهيئة التشريعية المعيّنة بناءاً على اتفاقية نيفاشا، ثم بعد ذلك لابد من اتباع الدستور فى سنّ قانون جنائى دستورى بديل، وفى تلك الفترة نصحنا بأن يستخدم الرئيس صلاحياته الممنوحة بالدستور الإنتقالى بتعليق مواد فى القانون الجنائى لحين خروج القانون الجنائى الدستورى الجديد للنور ... وذهبت نصيحتنا أدراج الريح ...
الآن ... وقد وصلنا نهاية المطاف فى هذا الأمر ... فلن نقبل بأىّ حلول توفيقية أو أىّ مماطلات والحلّ الوحيد الذى يجب أن يتم فوراً هو:
- إلغاء مجموعة القوانين الجنائية المخالفة للدستور بكل أشكالها (أو ما يسمى بالنظام العام) وإجازة قانون جنائى إتحادى دستورى فوراً .. - حلّ وتصفية مؤسسة "شرطة أمن المجتمع" المشبوهة وعدم إعادة صياغتها فى مؤسسة شبيهة (ولو اضطر الأمر لتسريح أفرادها) ... - مع اعتبار أن قانون النظام العام هو السارى الآن، محاسبة كل من خالف القانون أو استخدمه لابتزاز المواطنين أو أساء استخدام السلطات الممنوحة بموجبه ....
(دا القسط الأول من مشاركتى فى صرفة "طارق الأمين" ... باقى لىّ فى القسط التانى اكتب عن عيوب قانون النظام العام)
... المهم ....
|
|
|
|
|
|