|
معركة كل يوم .. الرقابة والمضايقات بحق الصحفيين والمدافعين في السودان (تقرير هيومن رايتس ووتش)
|
....
Quote: معركة كل يوم
الرقابة والمضايقات بحق الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان في السودان
تقرير صادر عن : هيومن رايتس ووتش
ملخص :
تقمع حكومة السودان نشطاء حقوق الإنسان الذين ينشطون بمجال حقوق الإنسان أو يجاهرون بالتحدث عنها وعن العدل الدولي في السودان. وعلى مدار الشهور القليلة الماضية قام جهاز المخابرات والأمن الوطني باحتجاز وإساءة معاملة ثلاثة من النشطاء البارزين الذين جاهروا بالحديث دعماً لجهود العدل الدولي. واثنان منهما تعرضا للضرب المبرح أثناء الاحتجاز، وتمت مضايقة وتهديد ناشط آخر. وفي الوقت نفسه، فقد استخدم جهاز الأمن الوطني سلطاته الموسعة الممنوحة إياه بموجب قانون قوات الأمن الوطني لعام 1999 للتحكم فيما تبثه وسائل الإعلام في السودان، وقام بمزاولة رقابة مشددة على الإعلام المطبوع قبل النشر. وبالاقتران مع مضايقة الصحفيين ورؤساء تحرير الصحف، يقيد هذا كثيراً من قدرة الصحفيين على تغطية الموضوعات الحساسة سياسياً، ومنها نشاط المحكمة الجنائية الدولية ونزاع دارفور وحقوق الإنسان. ولا ينتهك قمع الحكومة السودانية للصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان الحقوق الإنسانية لمن يُساء إليهم بشكل مباشر فحسب، بل يعرقل كثيراً ايضاً من إتاحة حرية التعبير وإتاحة المعلومات في شتى أرجاء السودان. وهذا القمع خطير بصفة خاصة على ضوء الانتخابات الوطنية المقرر عقدها أواسط عام 2009، وهي أول انتخابات وطنية في السودان منذ أكثر من عشرين عاماً، وعلى ضوء تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية الحالية في الجرائم المُرتكبة في دارفور. والتقييد المشدد على حرية التعبير وقمع للإعلام والمدافعين عن حقوق الإنسان، يُعد عائقاً هائلاً في طريق عقد الانتخابات الحرة والنزيهة. وهيومن رايتس ووتش تعرب عن عميق قلقها إزاء احتمال تعرض الانتخابات والمحكمة الجنائية الدولية لاستغلال الحكومة السودانية لهما كذريعة لتشديد القمع. وحزب المؤتمر الوطني صاحب الأغلبية في السودان له باع طويل في محاولة إسكات من ينتقدونه. وفيما تعرضت وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، ومنها الإذاعة والتلفزيون، للرقابة الحكومية على الدوام، فإن اتفاق السلام الشامل لعام 2005 الذي أنهى حرباً أهلية دامت في السودان لمدة 21 عاماً، أدى لزيادة في حرية وسائل الإعلام المطبوعة السودانية. إلا أن الحكومة السودانية في عام 2006 عادت إلى سياستها السابقة قبيل عام 2005 الخاصة بالتدخل في المناقشات العامة في الصحف المطبوعة بشأن موضوعات تراها "حساسة" كما فرضت المزيد من القيود على حرية التعبير ووسائل الإعلام. وقد تدهور حال هذا القمع كثيراً في فبراير/شباط 2008، حين اتهمت الكثير من الصحف السودانية الحكومة بدعم محاولة فاشلة للانقلاب في تشاد المجاورة. وردت الحكومة السودانية باستئناف الرقابة المباشرة على الصحف باستخدام جملة من الإجراءات. ومن أبرزها بدء وحدة الإعلام في الأمن الوطني في مراجعة محتوى الصحف واستبعاد المقالات الحساسة والانتقادية قبل سماح الجهاز الأمني للصحيفة بالنشر. كما تم استدعاء بعض الصحفيين إلى مقار جهاز الأمن الوطني وتعرضوا للمضايقات. وتم تجميد مجموعة من الصحف. كما تم التشديد في الراقبة إثر هجوم 10 مايو/أيار 2008 على العاصمة السودانية الخرطوم، من قبل حركة العدالة والمساواة، وهي مجموعة متمردين من دارفور. وبدأ مراقبو الإعلام في جهاز الأمن في تشديد الرقابة على الصحف التي تكتب عن الهجوم وعن الحملة الحكومية إبانه على متمردي دارفور المشتبهين والمؤيدين للمتمردين. وبالمثل قمع جهاز الأمن الوطني الكتابة عن نزاع دارفور، وعن مصادمات مايو/أيار 2008 بين القوات المسلحة السودانية والميليشيات المتحالفة ضد الجيش الشعبي لتحرير السودان في بلدة آبيي الحدودية المتنازع عليها، وبشأن التشريد القسري في موقع سد مروى شمالي السودان. كما فرض جهاز الأمن الوطني رقابة مشددة على الكتابة عن طلب مدعي المحكمة الجنائية الدولية في يوليو/تموز 2008 لمذكرة توقيف بحق الرئيس البشير بناء على اتهامات بجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية. وقد انتهت أبحاث هيومن رايتس ووتش إلى أنه ما بين يناير/كانون الثاني ونوفمبر/تشرين الثاني 2008 زار مسؤولو جهاز الأمن الوطني صحف يومية معينة لمراجعة النسخ النهائية من الصحيفة الماثلة للطبع، واستبعدوا كلياً أو جزئياً مقالات وتعليقات تراها الحكومة حساسة أو انتقادية. وإذا لم تستبعد الصحيفة المقالات، لا يسمح مراقبو وسائل الإعلام للصحيفة بالطبع. وكنوع من الاحتجاج تركت الصحف في البداية مواضع المقالات المحذوفة بيضاء خالية، لكن لم يعد من المسموح لهم فعل هذا. ويُجبر المحررين الآن على استبدال المقال المحذوف بمقال "مقبول" بديل. وكثيراً ما زار مراقبو الصحف في جهاز الأمن الوطني مكاتب الصحف أقل من ساعة قبل ذهاب الصحيفة للمطبعة، ولدى هذه النقطة لا يمكن لناشري الصحيفة، إذا حذف منها شيئاً، أن ينقذوا عدد اليوم التالي من الصحيفة، مما يؤدي إلى خسائر مالية. كما ضايقت السلطات السودانية الصحفيين، وفي بعض الأحيان اعتقلت من كتبوا أو نشروا مقالات انتقادية. ومنذ فبراير/شباط 2008 اعتقل جهاز الأمن الوطني واحتجز في مداهمات ليلية ثلاثة صحفيين على الأقل جراء نشر مقالات انتقادية. وتم اعتقال الصحفيين جراء الاحتجاج على القمع الحكومي لحرية التعبير، وفي 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2008 اعتقلت الشرطة السودانية واحتجزت أكثر من 60 صحفياً بعد أن نظموا احتجاجاً سلمياً على الرقابة أمام مقر البرلمان. بل وقام الأمن الوطني بتجميد وإغلاق بعض الصحف. فمنذ فبراير/شباط 2008 تم تجميد صحف "ذا سيتزن" وأجراس الحرية والميدان ورأي الشعب – ذا سيتزن وأجراس الحرية أكثر من مرة – بعد نشر مقالات رؤيت على أنها حساسة أو تنتقد الحكومة. وتم إغلاق صحيفة الألوان تماماً منذ نشرت مقالاً رأى الأمن الوطني أنه خطر على الأمن القومي في مايو/أيار 2008. كما أساءت حكومة جنوب السودان إلى الصحفيين وقامت بمضايقتهم. واعتقل مسؤولو حكومة جنوب السودان نهيال بول مرتين، وهو رئيس تحرير صحيفة ذا سيتزن، بعد أن نشر مقالين انتقد فيهما رواتب حكومة جنوب السودان. وقال صحفي آخر لـ هيومن رايتس ووتش إنه في يوليو/تموز 2008 تعرض لمضايقات والضرب من قبل السلطات جراء الكتابة عن قضايا حساسة. وتعتمد الحكومة السودانية على مواد في القانون تبرر بها هذه الرقابة، ومنها قانون الصحافة والمطبوعات لعام 2004 الذي يشمل إجراءات منح التصاريح والتسجيل للصحفيين والصحف. وتسيطر الحكومة السودانية على هذه الإجراءات عبر المجلس الوطني للصحافة، الذي تشرف عليه وزارة المعلومات والاتصالات. واستخدام هذه القوانين، ليس لتنظيم الإعلام، بل للرقابة والتضييق على من يكتبون وعلى ما يكتبونه، فإن السودان ينتهك التزاماته بصفته دولة طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي يحمي حرية الصحافة والتعبير. بل إن الدستور الوطني المؤقت الصادر في عام 2005 يشمل أيضاً أحكاماً تحمي حرية التعبير. فضلاً عن أنه على الحكومة السودانية أن تراجع بصورة عاجلة بنية المجلس الوطني للصحافة، الذي تهيمن عليه الحكومة عبر إشراف وزارة المعلومات والاتصالات. ويُعد المجلس حالياً أداة تسيطر بها الحكومة على وسائل الإعلام، بما أنه يحظى بحق ترخيص الصحف المحلية والأجنبية وتسجيل الصحفيين. ويجب بدلاً من هذا إعادة هيكلة المجلس ليصبح جهة مستقلة يمكنها حماية الإعلام والصحفيين من التدخل الحكومي غير القانوني، وهذا من شأنه أن يعزز من التنوع في الإعلام والمزيد من إتاحة وسائل الإعلام. ولم يتخذ المجتمع الدولي أية تحركات للتصدي لانتهاكات حرية التعبير في السودان. والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وغيرهما من الحكومات والهيئات الإقليمية ذات التأثير، عليهم أثناء التحضير لانتخابات عام 2009 فرض الضغوط على الحكومة السودانية كي تضمن تنفيذ بنود الدستور الوطني المؤقت لعام 2005 بالكامل وتعديل قانون الصحافة والمطبوعات وقانون قوات الأمن من أجل حماية حرية الصحافة. وهذه الهيئات والحكومات عليها أن تتحرك أيضاً بقوة ضد أي انتهاكات من الحكومة السودانية في المستقبل لحقوق الإنسان، بما يشمل الاعتقالات والاحتجازات التعسفية والتعذيب لنشطاء حقوق الإنسان الذين يجاهرون بدعم حقوق الإنسان أو العدالة في السودان
. التوصـيــــات :
إلى حكومة السودان :
• ينبغي وضع حد للرقابة المباشرة السابقة على النشر للصحف والسماح بالتغطية الحرة والكاملة للقضايا الهامة للمصلحة العامة مثل الشؤون السياسية في السودان. • يجب وضع حد للمضايقات والإساءات، ومنها الاعتقال والاحتجاز التعسفيين وإساءة معاملة نشطاء حقوق الإنسان أو الأشخاص الذين ينخرطون في المناقشات العامة أو يجاهرون بالتحدث عن قضايا حقوق الإنسان وسيادة القانون أو العدالة في السودان، وأن تلتزم الحكومة علناً باحترام حق هؤلاء الأفراد في المجاهرة بالحديث وبحرية. • يجب إصدار أوامر علنية واضحة بأن المسؤولين الحكوميين وقوات الأمن وعملاء الأمن سيكفوا عن إعاقة ومضايقة واحتجاز الصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان تعسفاً وغير ذلك من أشكال إساءة المعاملة بحقهم، وإعلان إجراء تحقيق مستفيض في وقائع المضايقات والاحتجاز وغيرها من أشكال المعاملة السيئة بحق الصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان التي وقعت في الماضي. • يجب إلغاء مواضع اللبس والأحكام غير الواضحة الواردة في قانون 2004 للصحافة والمطبوعات والتي تهدد حرية الصحفيين، ومنها الحظر على تغطية الموضوعات التي تُرى حساسة أو انتقادية للحكومة، والعمل على أن تتسق جميع القوانين مع المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والدستور الوطني المؤقت لعام 2005. • يجب وضع حد لاستخدام القانون الجنائي لعام 1991 وقانون قوات الأمن الوطني لعام 1999 في استهداف الإعلام المطبوع والسماح بكامل حرية التعبير بما يتفق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان. • يجب مراجعة بنية المجلس الوطني للصحافة لصالح تشكيله كجهة مستقلة يمكنها حماية الإعلام والصحفيين من التدخل الحكومي غير القانوني، وفي تعزيز التنوع في الإعلام وزيادة إتاحته. إلى حكومة جنوب السودان :
• يجب إصدار الأوامر لكل السلطات في جوبا على مستوى الولاية من أجل الكف عن المضايقات والإساءات بحق الصحفيين. • يجب التفعيل الفوري لقانون الحق في المعلومات، وقانون سلطة البث المستقلة، وقانون شركة بث جنوب السودان، وقانون وزارة المعلومات والبث التنظيمي.
إلى الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية والدول الأعضاء :
• يجب الضغط علناً على حكومة السودان لكي تكف عن الرقابة المباشرة السابقة على الطبع ولكي تصلح القوانين والمؤسسات على نحو عاجل في سبيل الالتزام بالتزامات السودان بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والدستور الوطني المؤقت فيما يتعلق بحرية التعبير، مع توفير المساعدات التقنية والدعم لمثل هذه الجهود. • يجب الدعوة علناً لأن تكف حكومة السودان عن كل المضايقات والإساءات التي تنال نشطاء حقوق الإنسان وغيرهم من الأفراد الذين يجاهرون بالحديث دعماً لحقوق الإنسان أو سيادة القانون أو العدالة في السودان. • يجب مراقبة والرد الفوري على أية تهديدات أو إساءات مستقبلية من قبل السلطات السودانية بحق الصحفيين والنشطاء. وحين يستدعي المسؤولون السودانيون أو يحتجزوا مثل هؤلاء الافراد، يجب دعوة الحكومة السودانية إلى توفير أسباب لهذه الاستدعاءات والاحتجازات، والكشف في كل الأوقات عن أماكن وأحوال المحتجزين، وتوجيه الاتهامات إليهم أو إخلاء سبيلهم أثناء فترة زمنية معقولة.
إلى اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، ومجلس حقوق الإنسان، ومقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحرية الرأي والتعبير :
• يجب طلب دعوة من الحكومة السودانية لزيارة السودان وتقييم قوانين الإعلام وحرية التعبير قبيل الانتخابات الوطنية عام 2009 المضايقات والاحتجاز والتعذيب بحق نشطاء حقوق الإنسان : منذ أواخر عام 2008 قامت الحكومة السودانية، باستخدام الاحتجاز والمعاملة السيئة ومنها التعذيب، بتصعيد مضايقاتها وتهديداتها لنشطاء حقوق الإنسان السودانيين الذين جاهروا بالتحدث عن إساءات حقوق الإنسان أو دعماً للعدل لأجل ضحايا دارفور. وعلى الأخص يبدو أن الحكومة استهدفت الأشخاص الذين تشتبه في مجاهرتهم بالحديث عن نشاط المحكمة الجنائية الدولية. وفي نوفمبر/تشرين الثاني اعتقلت الحكومة واحتجزت وعذبت نشطاء حقوقيين سودانيين معروفين في الخرطوم. وفي 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2008 استدعى جهاز الأمن الوطني في الخرطوم ثلاثة رجال إلى مقر الوحدة السياسية بالجهاز في شمال الخرطوم، وهم أمير سليمان رئيس مركز الخرطوم لحقوق الإنسان والتنمية البيئية، وعثمان حميدة وعبد المنعم الجاك، وكلاهما من المدافعين عن حقوق الإنسان ويعملان كمستشارين للمنظمات المجتمع المدني. وقد شارك الثلاثة في حملات توعية بشأن العدالة والمساءلة، وتحدثوا ضد انتهاكات حقوق الإنسان الجارية في السودان. وقد تم احتجاز الثلاثة فيما سبق جراء انشغالهم بأنشطة حقوق الإنسان. وأفرج الأمن عن أمير سليمان في اليوم نفسه في الساعة العاشرة والنصف مساءً، لكن تم استدعاءه مجدداً واحتجازه لفترة موجزة المساء التالي. وأفرجوا عن عبد المنعم الجاك صباح يوم 25 نوفمبر/تشرين الثاني ثم عاودوا اعتقاله في 26 نوفمبر/تشرين الثاني، وأخيراً أفرج عنه في وقت لاحق من نفس الليلة. وتحفظوا على عثمان حميدة رهن الاحتجاز حتى 27 نوفمبر/تشرين الثاني، رغم أنه تلقى العلاج مرتين في المستشفى أثناء هذه الفترة لعلاجه من مشكلة صحية يعاني منها. [1] ولم ينسب جهاز الأمن أية اتهامات إلى الرجال. إلا أنه تم استجواب الرجال الثلاثة تكراراً بشأن نشاطهم بمجال حقوق الإنسان ودعمهم للعدالة لأجل ضحايا دارفور. وأثناء هذه الفترة داخل الاحتجاز عذب ضباط الأمن الوطني كلاً من الجاك وحميدة. ووصف عبد المنعم الجاك، في رسالة مفتوحة إلى صلاح قوش، المدير العام لجهاز الأمن والمخابرات السوداني – كيف ضربه ضباط الأمن أثناء الاستجواب. وذكر كيف أعطى أحد الضباط الأوامر لأربعة آخرين بضربه: كان يوجه أوامره لجنده الأربع في تلك الغرفة الضيقة، بالطابق الثالث، محدداً مناطق جسدي للتعذيب ووسيلة ضربهم لي، وسكبه للماء على رأسي، بل حتي ركله لوجهي بحذائه وتوجيه سيجارته نحو عيني مهددا بثقبها... وهددني حينما أمر جنده باغتصابي. [2] ووصف عثمان حميدة لـ هيومن رايتس ووتش كيف عذب ضباط الأمن الجاك أمام ناظريه، ثم كيف ضربوا حميدة نفسه. وفي 26 نوفمبر/تشرين الثاني، في اليوم الثالث لاحتجاز حميدة، تم اصطحابه إلى حجرة يطلق عليها المحققون اسم "الحجرة المظلمة" وتم جلب عبد المنعم الجاك: اصطحبوني إلى [مكتب الوحدة السياسية في الأمن الوطني] وهناك رأيت عبد المنعم. كان مسجى على الأرض وكانوا يضربونه بالأنابيب. وبدا أنه فاقد الوعي. وركله [ضابط أمن] في وجهه ورأيت الدماء تتدفق من فمه... حسبته ميتاً. [وفيما بعد] أعادوني إلى الحجرة المظلمة التي رأيت فيها عبد المنعم لأول مرة. أمروني بالجلوس على الأرض وراحوا يضربوني على قدمي وعلى ركبتي ورجلي بالأنابيب ويقولون: ستصبح مثل صديقك بعد قليل. [3] وتستمر السلطات السودانية في مضايقة من يُعتقد في كونهم يدعمون المحكمة الجنائية الدولية. وفي 29 ديسمبر/كانون الأول 2008، اعتقلت قوات الأمن في الخرطوم علي محمود حسنين، نائب رئيس الحزب الديمقراطي الوحدوي المعارض. ولم ينسبوا اتهامات إلى حسنين بأية جريمة، بل استجوبوه لفترة طويلة وذكروا دعمه للمحكمة الجنائية الدولية، وهددوه بالقتل إذا تحدث علناً عنها ثانية. [4] كما هددت السلطات أشخاص مشردين وغيرهم من الأشخاص في دارفور كي لا يتحدثوا علناً عن دعمهم للمحكمة الجنائية الدولية. ففي 19 يناير/كانون الثاني 2009 حذر رئيس الأمن التابع للحكومة السودانية غرب دارفور زعماء المجتمعات المحلية والأشخاص المشردين في المخيمات من أن أي تظاهر من الجماعة لدعم مذكرة توقيف الرئيس البشير سوف "يُواجه بالذخيرة الحية".
قمع وسائل الإعلام في السودان
واجهت وسائل الإعلام بدورها مضايقات وقمع متزايدان فيما يتصل بالتعليق والكتابة على نشاط المحكمة الجنائية الدولية، وأيضاً فيما يخص تغطية جملة من الموضوعات التي تراها الحكومة قضايا حساسة. ويوجد لدى باعة الصحف في السودان الآن أكثر من 30 صحيفة سودانية محلية. إلا أن على الرغم من عدد الصحف الكبير المتوفرة، فإن المعلومات المُتاحة للناس في السودان يتزايد التضييق عليها في ظل تعرض الحديث أو الكتابة عن التطورات السياسية وغيرها من الأمور الهامة للجمهور للتضييق الصارم. وتتخذ الرقابة واحد من عدة أشكال. فجهاز الأمن والمخابرات الوطني ينخرط بشكل نشط في مراجعة المقالات والأخبار، وقام بتجميد وإغلاق بعض الصحف. كما يقوم الجهاز باستدعاء الصحفيين للاستجواب ويقوم باحتجازهم. [6] الرقابة قبل الطباعة في الفترة بين مايو/أيار ونوفمبر/تشرين الثاني 2008 استبعد مراقبو وسائل الإعلام التابعون لجهاز الأمن الوطني أو حذفوا أجزاء من أكثر من 200 مقال وخبر من مختلف الصحف وكانت تخص موضوعات تراها الحكومة السودانية حساسة أو انتقادية الطابع. [7] وقال صحفي لـ هيومن رايتس ووتش عن التحديات التي يواجهها الإعلام السوداني بصفة يومية: يُرسل جهاز الأمن الوطني بضباط مختلفين بالتبادل كل ليلة حتى لا نوثق علاقاتنا بهم. ويأتون عادة حوالي الساعة التاسعة أو العاشرة ليلاً وأحياناً بعد ذلك... وفي بعض الأحيان يحضرون [إلى مقر الصحيفة] في وقت متأخر جداً، وإذا حذفوا أي شيء من المقالات الأساسية، أو حتى مقالات بأكملها، لا يمكننا إصدار الحصيفة لأن الوقت يصبح متأخراً للغاية لإتيان أي شيء آخر. وقبل أن يحضروا [إلى الصحيفة] علينا إعداد نسخة من الصحيفة لكي يراجعوها، ويستغرق فحص هذه النسخة ساعة إلى ساعتين. ونحاول التفاوض على السماح بنشر بعض المقالات، لا سيما إذا كان هذا يعني مواجهة صعوبة في إصدار العدد الجديد. ولتفادي هذا المأزق نقوم بإعداد مقالات إضافية في حالة حذفهم لعدد كبير من الأخبار والمقالات. على سبيل المثال يُحضر الكثير من الصحفيين مقالاً ثانياً لهم في حالة اعتبار المُراقبين المقال [الأساسي] المُقدم غير ملائم. إنها معركة كل يوم. [8] والزيادة في الرقابة السابقة على الطباعة بدأت في فبراير/شباط 2008. ففي 14 فبراير/شباط 2008 أوقف جهاز الأمن الوطني نشر عدد صحيفة رأي الشعب بعد أن حاولت الصحيفة نشر مقال يتهم الحكومة السودانية بدعم المتمردين التشاديين الذين نظموا محاولة انقلاب فاشلة في أنجمينا العاصمة التشادية، يومي 2 و3 فبراير/شباط 2008. [9] وإثر هجوم المتمردين في 10 مايو/أيار 2008 على الخرطوم وما تلى هذا من مداهمة لمؤيدي المتمردين المُتصورين، تم إجبار عدة صحف على حذف مقالات مثيرة للقلق بشأن تقارير عن الاختفاءات القسرية والتعذيب من قبل الحكومة السودانية إبان وقوع الهجوم. [10] كما منعت السلطات عدة صحف من التغطية الكاملة لمؤتمر صحفي في 23 مايو/أيار 2008 من تنظيم الحركة الشعبية لتحرير السودان بشأن المصادمات المميتة في منطقة آبيي الحدودية المتنازع عليها في مايو/أيار 2008. ولم يُسمح لصحف كثيرة منها أجراس الحرية والصحافة والأيام بنشر تفاصيل المؤتمر الصحفي. [11] كما فرض جهاز الأمن الوطني الرقابة على التغطية في أربع صحف على الأقل أثناء مؤتمر صحفي عُقد في 25 مايو/أيار 2008 من تنظيم بعثة الأمم المتحدة في السودان، بشأن الوضع الأمني والإنساني في أبيي. [12] وفي 24 مايو/أيار 2008 عقدت مجموعة من المحامين والنشطاء الذين يمثلون أشخاصاً تأثروا بهجوم 10 مايو/أيار، ومنهم أسر من "اختفوا"، مؤتمراً صحفياً. ومنع مراقبو جهاز الأمن الوطني نشر أي مقالات تغطي المؤتمر الصحفي من أربع صحف على الأقل، ومنها مقال لأجراس الحرية، الجهة المستضيفة للمؤتمر الصحفي. [13] وفي 18 يونيو/حزيران 2008 بدأت محاكمات المحاكم الخاصة لمكافحة الإرهاب في الخرطوم وشمال الخرطوم وأم درمان، لمحاكمة الأشخاص المتهمين بالمشاركة في هجوم حركة العدالة والمساواة في 10 مايو/أيار. [14] وانتهت المحاكمات بالحُكم على 50 شخصاً بالإعدام، ولم يتم النظر في طعنهم في الأحكام بعد. وكانت الرقابة الحكومية على تغطية هذه المحاكمات مشددة للغاية، فبين 20 يونيو/حزيران و30 يوليو/تموز، حذف مراقبو جهاز الأمن الوطني 18 مقالاً انتقدت كيفية إجراء المحاكمات. [15] كما فرضت الحكومة الرقابة على ما كُتب عن الإصلاح القانوني. ففي 26 مايو/أيار 2008 منع مراقبو جهاز الأمن الوطني مقالات تغطي بيان لأحد كتل المعارضة، وهو التحالف الوطني الديمقراطي، وكان يطالب بتعديلات في كافة القوانين التي تتعارض مع الدستور المؤقت لعام 2005. [16] وقام مراقبو جهاز الأمن الوطني أيضاً وإلى حد كبير بإسكات كل نقاش يُرى على أنه يؤيد المحكمة الجنائية الدولية. وقال صحفي لـ هيومن رايتس ووتش: نحن لا نجرؤ على كتابة المقالات تأييداً للمحكمة الجنائية الدولية، فالحكومة حساسة جداً إزاء هذا الأمر. وحتى إذا حاولنا وضع [جملة] عن المحكمة الجنائية الدولية، فسوف يحذفها المراقب. [17] والموضوعات ومقالات الرأي الخاصة بقضايا حقوق الإنسان، ومنها التي تغطيها المنظمات الدولية لحقوق الإنسان، هي بدورها عرضة للرقابة. ففي 26 يوليو/تموز 2008 تم حذف مقال لعبد المنعم الجاك في أجراس الحرية يناقش فيها تقرير هيومن رايتس ووتش: "منذ سنوات خمس: لا عدالة لضحايا العنف الجنسي في دارفور" على يد المراقبين. [18] كما فرض جهاز الأمن الوطني أيضاً الرقابة على تغطية بيان صحفي لـ هيومن رايتس ووتش، عن هجمات الميليشيات التي تدعمها الحكومة في أكثر من 12 قرية في عمليات ضد قوات المتمردين بالقرب من المهاجرية جنوبي دارفور، في الفترة بين 5 و17 أكتوبر/تشرين الأول 2008، وقُتل فيها أكثر من 40 مدنياً، وتم حذف الخبر من صحيفتين يوميتين سودانيتين على الأقل في 27 أكتوبر/تشرين الأول. [19] في الساعات الأولى من صباح 25 أغسطس/آب 2008، أجرت الشرطة السودانية وقوات الأمن الوطني ما وصفوه بأنه عملية تفتيش ومصادرة للأسلحة في مخيم كالما للمشردين داخلياً جنوب دارفور. وأثناء العملية قُتل أكثر من 30 شخصاً ولحقت الإصابات بالكثيرين غيرهم، وأغلبهم من النساء والأطفال. وتمت تغطية تفاصيل هجوم مخيم كالما للمشردين داخلياً في الصحف الدولية على نطاق موسع، لكن واجهت المعوقات في السودان. إذ أنه في 27 أغسطس/آب 2008 حذف مراقبو جهاز الأمن الوطني أكثر من سبعة مقالات عن الهجوم. [20] وفي 16 أكتوبر/تشرين الأول 2008 أطلق الرئيس البشير "مبادرة الشعب السوداني". وكان من المقرر أن تجمع مختلف الجماعات والفرق السودانية على التشاور حول أساليب لتحقيق السلام في دارفور. [21] وتشارك في المبادرة بعض أحزاب المعارضة السياسية، لكن قاطعها جماعات المتمردين وأغلب أحزاب المعارضة السودانية. والكثير من الصحف السودانية اختارت اللجوء لمنهج انتقادي للمبادرة، وفي يوم إطلاق المبادرة حذف المراقبون أكثر من 16 مقالاً انتقادياً. [22] وفي عام 2008 في شمال السودان، تحركت الحكومة على مسار بناء سدين كبيرين في مروى (تُعرف أيضاً بحماداب) وكجبر. ومع توقع أن يشرد سد مروى أكثر من 50 ألف شخص، وكجبر أكثر من 10 آلاف شخص، فقد أثار المشروعان الكثير من الجدل واستفزاز الاحتجاجات من المجتمعات المحلية والحملات البيئية والحقوقية. ومنذ يوليو/تموز 2008 تناقلت التقارير أن العديد من المناطق قد أغرقت، مما أدى لتشريد المجتمعات المحلية في منطقة سد مروى. إلا أن جهاز الأمن الوطني حذف أي أخبار عن الوضع في سد مروى ومنع دخول وسائل الإعلام إلى المنطقة. وفي 30 أكتوبر/تشرين الأول 2008 ذهب ثلاثة مسؤولين من بعثة الأمم المتحدة في السودان للتحقيق في التقارير الخاصة بالمشردين من بعض القرى قرب منطقة سد مروى. ولدى وصولهم أُمروا بمغادرة المنطقة وصاحبهم عناصر من الشرطة إلى خارجها. [23] وقد امتد قمع الإعلام إلى الإنترنت. فبين 22 يوليو/تموز إلى وسط أكتوبر/تشرين الأول 2008، حظرت السلطات الدخول إلى موقع YouTube . [24] ومن المواقع المحظورة الأخرى موقع فيه روايات وقصص للكاتب السوداني محسن خالد، الذي ترى الحكومة كتاباته انتقادية. التجميد والإغلاق وأشكال انتقام أخرى يمكن أن يؤدي انتقاد الرئيس السوداني عمر البشير أو الكتابة عن موضوعات حساسة أخرى إلى فرض عقوبات مشددة على الصحف. والصحف التي تعبر "الخط الأحمر" [25] يُرجح أن تواجه الانتقام الحكومي. وفي 7 يناير/كانون الثاني 2008 تم تجميد ذا سيتزن – صحيفة إنجليزية يومية – من قبل جهاز الأمن الوطني لمدة يومين إثر نشرها لموضوع ينتقد الرئيس السوداني. [26] وفي 14 مايو/أيار 2008 داهم عناصر جهاز الأمن الوطني مقر صحيفة الألوان، وأغلقوا المقر وصادروا المعدات. وتم هذا إثر نشر الصحيفة لموضوع زعم الأمن الوطني أنه حساس ويمثل خطراً داهماً على الأمن القومي. والمقال متعلق باختفاء طائرة مقاتلة طراز ميغ 29 ومعها طيارها الروسي أثناء هجوم حركة العدالة والمساواة في 10 مايو/أيار على الخرطوم. [27] وما زالت صحيفة الألوان مُغلقة. أما صحيفة أجراس الحرية اليومية الصادرة باللغة العربية فقد مُنعت من النشر في خمس مرات على الأقل منذ مايو/أيار 2008. ففي 16 مايو/أيار أجبر جهاز الأمن الوطني الصحيفة على تجميد النشر لمدة يوم. وفي 19 يونيو/حزيران بادر محررو أجراس الحرية بالإضراب عن النشر لمدة 4 أيام احتجاجاً على الرقابة المباشرة من جهاز الأمن الوطني قبل الطبع، واستأنفت النشر في 24 يونيو/حزيران. وتم تجميد صحيفة ذا سيتزن مؤقتاً مرة أخرى في أغسطس/آب حين لم يوافق المجلس الوطني للصحافة على تجديد رخصتها لأكثر من شهر. ثم في 1 سبتمبر/أيلول 2008 جمد المجلس الوطني للصحافة كل من صحيفتي سودان تريبيون وذا سيتزن لعدة أيام. وطبقاً للمجلس، فإن التجميد كان بسبب إخفاق الصحيفتين في إرسال نسخ من الأعداد إلى المجلس (الذي تهيمن عليه الحكومة) كل يوم قبل مثول الصحيفة للطبع. [28] واحتجاجاً على الرقابة القائمة حالياً من قبل السلطات السودانية، فقد بادر أكثر من 150 صحفياً بالإضراب عن الطعام لمدة 24 ساعة في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2008 وقامت ثلاث صحف – أجراس الحرية والميدان ورأي الشعب – بتجميد النشر لثلاثة أيام. [29] ورداً على الإضراب منع جهاز الأمن الوطني أجراس الحرية ورأي الشعب من النشر في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني 2008. [30]
اعتقال واحتجاز ومضايقة الصحفيين
تم أيضاً استدعاء الصحفيين للتحقيق وتم احتجازهم جراء كتابة مقالات انتقادية. وفي 18 فبراير/شباط 2008 احتجز جهاز الأمن الوطني سيد أحمد خليفة، رئيس تحرير صحيفة الوطن، ومعه رئيس تحرير الأحداث؛ عادل الباز، وقاموا باستجواب الاثنين بشأن مقالات منشورة في صحيفتيهما بشأن التغييرات في صفوف كبار المسؤولين في قوات الشرطة. وتم إخلاء سبيلهما في اليوم التالي. [31] وفي 18 مايو/أيار احتجز جهاز الأمن الوطني صحفياً بعد نشره مقال لصحيفة أجراس الحرية بشأن موقع سوداني يُدعى Sudanese Online . [32] وكان مراقبو الصحف في جهاز الأمن الوطني قد حذفوا مقالات من نفس الصحيفة، ومنها ما كُتب عن حملة 10 مايو/أيار، والوضع في دارفور وموضوعات أخرى عبرت "الخط الأحمر". واستجوب مسؤولو الأمن بشكل موسع الصحفي وتم إجباره على توقيع أوراق عديدة يذكر فيها أنه لن ينتهج مثل هذه الأنشطة مجدداً. وتم إخلاء سبيله في اليوم التالي دون نسب اتهامات إليه. [33] كما اعتقلت السلطات صحفيين سودانيين جراء احتجاجهم على هجمات الحكومة على حرية الصحافة. وفي 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2008 احتجزت الشرطة السودانية أكثر من 60 صحفياً غثر احتجاج سلمي نظموه ضد الرقابة أمام مبنى البرلمان. وحين رفضوا تفريق الحشد أمرتهم الشرطة باستقلال شاحنة ونقلتهم إلى مركز الشرطة في أم درمان. وتم إخلاء سبيلهم بعد ثلاث ساعات لكن أُمروا بالمثول أمام المحكمة في اليوم التالي. [34]
الاعتقالات والاحتجاز والمضايقات من قبل حكومة جنوب السودان
ليست السلطات في الخرطوم هي الجهة الوحيدة المسؤولة عن مثل هذه الانتهاكات. فلم يتم بعد تفعيل التشريعات الجديدة في جنوب السودان، وتلجأ حكومة جنوب السودان التي تتمتع بنوع من الحكم الذاتي إلى قوانين مُطبقة حالياً في الشمال، حتى رغم أنها لا تتفق مع الدستور الوطني المؤقت. وقد طبقت حكومة جنوب السودان قانون الصحافة والمطبوعات لعام 2004 واستخدمت القانون الجنائي لمعاقبة صحفيين نشروا مقالات عن موضوعات حساسة مثل الفساد. واعتقلت سلطات حكومة جنوب السودان نهيال بول، رئيس تحرير صحيفة ذا سيتزن، في يوليو/تموز ثم في أكتوبر/تشرين الأول 2008، بعد أن نشر موضوعين ينتقد فيهما معدلات الرواتب في وزارة الشؤون القانونية والدستورية التابعة لحكومة جنوب السودان. [35] وفي واقعة أخرى تم اتهام بول بـ "نشر أنباء كاذبة" وتم احتجازه ليومين قبل إخلاء سبيله في 12 أكتوبر/تشرين الأول. وتم إسقاط الاتهامات المنسوبة إليه. ومانيوانغ مايوم يشتغل صحفياً في صحيفة غورتونغ وسودان تريبيون الصادرتان من جنوب السودان، وقال بدوره لـ هيومن رايتس ووتش إنه تعرض لمضايقات من السلطات جراء الكتابة عن موضوعات حساسة. وفي 20 يوليو/تموز 2008 أثناء تحقيقه في زعم بأن حاكم الولاية يبيع الأسلحة التي يتم جمعها في حملات نزع الأسلحة، قبض جنود من الجيش الشعبي لتحرير السودان على مايوم وكانوا في أربع شاحنات صغيرة. وضربه اثنان من الجنود ضرباً مبرحاً ببنادقهم مما استدعى نقله إلى الخرطوم لتلقي العلاج في المستشفى. كما ذكر أنه تعرض للتهديد والمضايقات إثر موضوعات كتبها عن الشرطة والجيش الشعبي لتحرير السودان إثر مداهمة لحقت بالنساء اللاتي يرتدين السراويل أو يركبن الدراجات في رومبك، وعن اعتقال وتعذيب الشباب في السجن العسكري. وتوجد حالياً مشروعات قوانين مُلزمة ينظر فيها المجلس التشريعي لحكومة جنوب السودان، ومن شأنها أن تساعد على تنظيم حرية الإعلام وحماية حرية التعبير، ومنها مشروع قانون الحق في المعلومات، ومشروع قانون سلطة البث الإذاعي والتلفزيوني المستقلة، ومشروع قانون شركة جنوب السودان للبث الإذاعي والتلفزيوني، ومشروع قانون تنظيم وزارة المعلومات والبث الإذاعي والتلفزيوني، وتسعى هذه القوانين لتطبيق البنود الخاصة بحكومة جنوب السودان ضمن الدستور المؤقت، وفيما يتعلق بحرية التعبير. [36] والحركة الشعبية لتحرير السودان، وهي حزب الأغلبية في حكومة جنوب السودان، طرف في حكومة الوحدة الوطنية لكنها قررت إبعاد مسؤوليها من وحدة الإعلام في جهاز الأمن الوطني، وتناقلت التقارير أن السبب وراء هذا هو رؤيتها أنشطة الوحدة غير متسقة مع الدستور الوطني المؤقت
القانون الدولي والسوداني المعني بحرية التعبير
السودان مُلزم باحترام الحق في حرية التعبير وضمانه لكافة المواطنين بموجب القانون الدولي وبموجب الدستور الوطني المؤقت. إلا أن بعض القوانين المحلية لا تتفق مع هذه الالتزامات. وتستمر الحكومة السودانية في استخدام قوانين تفرض الرقابة وغيرها من أشكال القمع على حرية التعبير والإعلام. القانون الدولي والدستور الوطني المؤقت
السودان دولة طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، [38] وبموجب المادة 19 من العهد فثمة التزامات قانونية على الدول تتلخص في صيانة حرية التعبير والمعلومات: لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها. . [39] ويسمح العهد الدولي للحكومات بفرض قيود معينة على حرية التعبير، إذا كانت هذه القيود بموجب القانون وضرورية: (أ) لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم، (ب) لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة. [40] إلا أنه بموجب "مبادئ جوهانسبرغ" [41] فلكي يصبح القيد مشروعاً وفي صالح الأمن القومي: أن يكون الغرض الحقيقي منه حماية الدولة أو وحدة أراضيها ضد استخدام القوة أو التهديد بها، أو قدرة الدولة على الرد على مثل هذا التهديد باستخدام القوة، سواء من مصدر خارجي، كتهديد عسكري، أو مصدر داخلي، كتحريض على العنف لقلب نظام الحكم... وعلى الأخص فإن القيد الواجب المُبرر بناء على أسانيد الأمن القومي لا يصبح مشروعاً إذا كان غرضه الأساسي هو حماية مصالح لا علاقة لها بالأمن القومي، ومنها على سبيل المثال حماية الحكومة من الإحراج أو فضح الأخطاء. [42] والأعمال التي تتخذها السلطات السودانية، لا سيما جهاز الأمن الوطني، لا تستقيم مع المحاذير على القيود الواردة في القانون الدولي لحقوق الإنسان. كما أن السودان دولة طرف في الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، [43] وورد في المادة 9 منه: 1 - من حق كل فرد أن يحصل على المعلومات . 2 - يحق لكل إنسان أن يعبر عن أفكاره وينشرها في إطار القوانين واللوائح . [44] وفي أكتوبر/تشرين الأول 2002 تبنت اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب إعلان مبادئ حرية التعبير في أفريقيا، ووردت فيه التزامات إيجابية على الدول الأطراف بالميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب فيما يتعلق بحرية التعبير، ومنها ضرورة عدم احتكار الدولة لنظام البث التلفزيوني والإذاعي. [45] كما ورد في الدستور الوطني المؤقت لعام 2005 التزامات دولية تحمي حرية التعبير ووردت في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وفي الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب. والمادة 39 من الدستور المؤقت أكدت على: (1) لكل مواطن حق لا يُقيد في حرية التعبير وتلقي ونشر المعلومات والمطبوعات والوصول إلى الصحافة دون مساس بالنظام والسلامة والأخلاق العامة، وذلك وفقاً لما يحدده القانون. (2) تكفل الدولة حرية الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى وفقاً لما ينظمه القانون في مجتمع ديمقراطي. (3) تلتزم كافة وسائل الإعلام بأخلاق المهنة وبعدم إثارة الكراهية الدينية أو العرقية أو العنصرية أو الثقافية أو الدعوة للعنف أو الحرب.
القوانين المحلية
هناك بعض القوانين المحلية السودانية التي تسمح بأعمال لا تستقيم والتزامات السودان بموجب القانون الدولي فيما يتعلق بحرية التعبير. ويستخدم المسؤولون هذه القوانين للسيطرة على أنشطة الصحفيين والرقابة على الإعلام المطبوع. والقانون الجنائي السوداني لعام 1991 يُجرم بعض أنشطة الصحفيين، ومنها "نشر الأخبار كاذبة" [46] وإشانة السمعة، [47] وتُستخدمان بكثرة من قبل السلطات السودانية لاتهام الصحفيين والمحررين بهذه الجرائم الخاصة بنشر معلومات تُرى على أنها تنتقد السلطات. مثلاً في نوفمبر/تشرين الثاني 2007، تم الحُكم على كل من الفاتح محجوب عروة، رئيس تحرير الصحيفة اليومية العربية السوداني، ونائبه والكاتب نور الدين مديني، بالحبس شهرين بعد رفض دفع غرامة 10 آلاف جنيه سوداني لكل منهما (5000 دولار أميركي) بتهمة إشانة السمعة. ووجه جهاز الأمن الوطني الاتهامات بعد أن نشرت الصحيفة مقالاً ينتقد قوات الأمن على اعتقالها أربعة صحفيين كانوا يحاولون تغطية موضوع عن مقتل متظاهرين في موقع سد كجبر في الولاية الشمالية وقامت الشرطة في المظاهرة بفتح النار على المتظاهرين. [48] وهناك أحكام قانونية أخرى لا علاقة مباشرة لها بالإعلام، لكن تستخدمها السلطات لعرقلة الكتابة المستقلة عبر التهديد بتبعات قانونية جسيمة وعقوبات مالية. وفيما لا يمنح القانون الجنائي سلطات مباشرة لجهاز الأمن الوطني فيما يتعلق بالإعلام، فإن قانون قوات الأمن الوطني لعام 1999 يمنح الجهاز سلطات موسعة في مجالات الرقابة والتقصي والتفتيش واحتجاز الأشخاص ومصادرة الممتلكات، واستدعاء الأشخاص واستجوابهم ومطالبتهم بالمعلومات والبيانات والوثائق [49] أثناء أداء الجهاز لعمله (ومهامه فضفاضة التعريف لكنها تشمل الحفاظ على الأمن الوطني في السودان وحفظ تماسك الأراضي وأي مهام أخرى يكلف الجهاز بها رئيس مجلس الأمن الوطني). [50] ويسمح قانون قوات الأمن الوطني لجهاز الأمن الوطني بإجراء الاعتقالات التعسفية والتحفظ على الأفراد في الحبس الانفرادي بمعزل عن العالم الخارجي وتمديد الاحتجاز دون مراجعة قضائية [51] وتنفيذ عمليات تفتيش تعسفية. بالإضافة إلى أن القانون يمنح جهاز الأمن الوطني الحصانة من المقاضاة، بموجب المادة 33 (ب): لا يجوز اتخاذ أي إجراءات مدنية أو جنائية ضد العضو أو المتعاون في أي فعل متصل بعمل العضو الرسمي إلا بموافقة المدير، ويجب على المدير إعطاء هذه الموافقة متى ما اتضح أن موضوع المساءلة غير متصل بذلك . [52] ويفسر مراقبو جهاز الأمن الوطني قانون قوات الأمن الوطني بصفته يهيئ لهم الرقابة على الإعلام عبر جملة من الإجراءات، منها الرقابة قبل النشر المباشرة، وتجميد أو حتى إغلاق الصحف جراء نشر معلومات تُرى على أنها حساسة أو تنتقد الحكومة، وتهديد الصحفيين والمحررين بالاعتقال والاحتجاز. كما تسمح القوانين السودانية للحكومة بالرقابة المباشرة وغير المباشرة على الإعلام. وقانون الصحافة والمطبوعات لعام 2004 يهيئ الاختصاص والسلطات لمجلس الصحافة الوطني، وهو الجهة المسؤولة عن منح التراخيص للمؤسسات الصحفية المحلية والأجنبية، وتسجيل الصحفيين، والنظر في الشكاوى، وهذا عبر التحذيرات وفرض العقوبات والتأديب. والمادة 25 من القانون (ترخيص الصحف والدوريات والمطبوعات الإعلامية) تطالب جميع الصحف والمطبوعات بتجديد رخصتها سنوياً وكافة الصحفيين بالتسجيل لدى المجلس لكي يتمكنوا من مزاولة مهنة الصحافة. إلا أن المجلس ليس هيئة مستقلة، وتشرف عليه وزارة المعلومات والاتصالات ويحق للبرلمان التدخل فيه، الذي يهيمن أيضاً على موارده المالية. [53] وهذه القوانين تسمح للأمن الوطني وتُستخدم من قبله من أجل تبرير أي مسلك يخالف منهج العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ومبادئ جوهانسبرغ والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب. وإلى جانب وضع حد للممارسات الخاصة بالرقابة على الصحف والمضايقات والإساءات بحق الصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان، فعلى الحكومة السودانية أيضاً أن تصلح فوراً هذه القوانين بحيث تصبح متفقة مع التزامات السودان بموجب القانون الدولي ومبادئ حرية التعبير المذكورة في الدستور الوطني المؤقت |
...
|
|
|
|
|
|