|
المرأة السودانية وتجربتها مع السلطة السياسية ///للكاتب احمد ضحية
|
المرأة السودانية وتجربتها مع السلطة السياسية
أحمد ضحية " لقد شاهدت النساء وعلمت من أسرارهن ما لا يكاد يعلمه غيري , لاني ربيت في حجورهن , ونشأت بين ايديهن , ولم أعرف غيرهن , ولا جالست الرجال الا وانا في حدّ الشباب وحين تبقل وجهي , وهن علمنني القرآن وروّينني كثيرا من الاشعار ودربنني في الخط , ولم يكن وكدي واعمال ذهني مذ اول فهمي وانا في سن الطفولة جدا الا تعرّف اسبابهن , والبحث عن أخبارهن وتحصيل ذلك ".. ابن حزم الاندلسي – طوق الحمامة .
أن المرء لا يولد امرأة , وأنما يصبح امرأة .. سيمون دي بوفوار .
** مقدمة
كانت فكرة هذه الورقة موجودة في الذهن , دون ان تجد لدي الوقت او الاهتمام الكاف لإنجازها ,فقد ظلت حبيسة الخواطر لوقت طويل . وكان إنشغالي بضرورة انجازها – المؤجل - بسبب ان قضية المرأة أحدى القضايا المحورية الكبرى, التي تقع في صلب كل من التحرر والديموقراطية والاصلاح الديني , خاصة بعد ان اندفعت المرأة الى سوق العمل المنظم , وهي التي عملت دائما خارجه .
ويطيب لي هنا استهلال هذه الورقة بمجتزأ لحركة الأخوان الجمهوريين حول : تطوير قانون الاحوال الشخصية, على خلفية افكار الاستاذ محمود محمد طه , اذ يقول هذا المجتزأ :".. من هذه المواقف المختلطة، ومن مشاعر غيرها، تدخل في بابها، جاءت معاملة المرأة، وضرب عليها الحجاب، وعوملت معاملة القاصر، المتهم .. ونزع أمرها من يدها، وجعل إلى أبيها، أو أخيها، أو وليها من أقاربها الأدنين، أو قد يجعل لمطلق رجل من العشيرة، أو للحاكم، أو لزوجها .. ولا يكاد يختلف حظ المرأة في بلد، دون بلد، إلا إختلافا طفيفا .. وعندنا في الجزيرة العربية، عندما أشرقت عليها شمس الإسلام، كانت الأنثى تعامل شر معاملة .. وكان التخلص منها يعتبر مكرمة من المكارم، وكانت، من أجل ذلك، تدفن حية .. ولقد جاء الإسلام بتقريعهم على هذا الصنيع الشنيع .. قال تعالى: ((وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداًوهو كظيم * يتوارى من القوم من سوء ما بشر به .. أيمسكه على هون؟؟ أم يدسه في التراب؟؟ ألا ساء ما يحكمون!!)) .. وقال تعالى، في موضع آخر: ((وإذا الموءودة سئلت * بأي ذنب قتلت؟؟)) وهي إنما كانت توأد حية لأمر من أمرين، أو لكليهما معا: إما خوف المضايقة في الرزق الضيق، أو خوف العار .. فقد كان المجتمع الجاهلي، في الجزيرة العربية، يعيش في ضنك شديد، وفي جوع عضوض( .. )ولا تزال صور بشعة، من هذا الاسترقاق عن طريق الزواج، تمارس في المجتمعات المتخلفة المعاصرة .. ونحن، في بعض أجزاء بلادنا(السودان)، نعرفها( .. )ولكن هناك كثيرا من التسلط عليها، ممن لا يهتمون بصونها، ولا بعفتها .. فيرجع الأمر إلى الملكية، والاسترقاق .. ومهما يكن من الأمر، فإن الاعتدال في معاملة النساء أمر نادر .. فالحجاب الذي يضربه المسلمون اليوم على نسائهم، في بعض البلاد الإسلامية، فيه شطط يمليه سوء الظن، والغيرة المتهمة، وحب تسلط القوي على الضعيف (..) ثم إن الإسلام ورث هذه الأوضاع البشعة التي كانت تجري في مجتمع الجاهلية .. فحسم المشتط منها حسما .. ولكنه لم يكن ليتخلص من سائرها، فينهض بالمرأة إلى المستوى الذي يريده لها في أصوله، وما ينبغي له أن يتخلص، وما يستطيع .. ذلك بأن حكمة التشريع تقتضي التدريج .. فإن الناس لا يعيشون في الفراغ .. والمجتمعات لا تقفز عبر الفضاء، وإنما هي تتطور تطورا وئيدا، وعلى مكث .. فوجب على التشريع إذن أن يأخذ في اعتباره طاقة المجتمع على التطور، وحاجته الراهنة فيجدد قديمه، ويرسم خط تطوره، ويحفزه على السير في المراقي .. وهذا ما فعله التشريع الإسلامي .. فإنه قد احتفظ بتعدد الزوجات، ولكنه حصره في أربع، مراعيا، في ذلك، أمرين حكيمين. هما إعزاز المرأة، وحكم الوقت .. فأما حكم الوقت فإنه قد كانت المرأة تعيش في المستوى الذي أسلفنا ذكره، وما كانت إذن لتستطيع أن تمارس حقها في المساواة، بين عشية وضحاها .. وإنما كانت لا بد لها من فترة انتقال، تتهيأ خلالها لتنزل منزلة عزتها، وكرامتها، كاملة، غير منقوصة .. ومن حكم الوقت أيضا أن كان عدد النساء أكبر من عدد الرجال، وذلك لما تأكل الحروب منهم، فرأى الشارع الحكيم: أنه أن يكن للمرأة ربع رجل، يعفها، ويصونها، ويغذوها، خير من أن تكون متعنسة، بغير رجل .. وكذلك سمح بالتعدد إلى أربع .. فقال: ((فانكحوا ما طاب لكم من النساء، مثنى، وثلاث، ورباع .. فإن خفتم ألا تعدلوا، فواحدة)) وقال، في موضع آخر: ((وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا، أو إعراضا، فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا .. والصلح خير .. وأحضرت الأنفس الشح .. وإن تحسنوا، وتتقوا، فإن ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء، ولو حرصتم .. فلاالله كان بما تعملون خبيرا تميلوا، كل الميل، فتذروها كالمعلقة .. وإن تصلحوا، وتتقوا، فإن الله كان غفورا رحيما)) .. فهو ليصل إلى شريعته هذه المتمشية مع حكم الوقت، تنزل عن أصله، وتجاوز عن العدل التام، وسمح ببعض الميل، فقال: ((فلا تميلوا، كل الميل ..)) مع أنه، لولا حكم الوقت، لم يكن ليسمح إلا بالعدل التام .. وهو، في أصول الدين لا يتجاوز عن بعض الميل .. وفي أمر المال فإنه أشرك الأنثى في الميراث، ولكنه جعلها على النصف من الرجل، فقال،: ((للذكر مثل حظ الأنثيين)) .. وأدخلها في عدالة الشهادة، ولكنه جعلها على النصف من الرجل أيضا، فقال: ((واستشهدوا شهيدين من رجالكم .. فإن لم يكونا رجلين، فرجل، وامرأتان ممن ترضون من الشهداء، أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى)) .. إن هذه الشريعة السلفية عادلة، وحكيمة، إذا اعتبر حكم الوقت .. ولكن، يجب أن يكون واضحا، فإنها ليست الكلمة الأخيرة للدين .. وإنما هي تنظيم للمرحلة، يتهيأ بها، وخلال وقتها، المجتمع، برجاله ونسائه، لدخول عهد شريعة الإنسان، ويتخلص من عقابيل شريعة الغابة، خلاصا يكاد يكون تاماً .. ويومئذ تعامل المرأة، في المجتمع، كإنسان .. لا كأنثى .. ذلك هو يوم عزها المدخر لها في أصول الدين (1)" ولا شك ان الاستاذ محمود محمد طه احد اهم المفكرين الاسلاميين ومجددي الفكر الديني ليتلاءم مع روح العصر فضلا عن اهتمامه الفائق بقضية المرأة , وارأءه غير المسبوقة في هذا الشأن , ولاهمية خطابه في دحض خطاب الحركات الاسلاموية التي تعمل على تكريس وضعية متخلفة للمرأة في مجتمعاتنا السودانية قصدنا الاستعانة بهذا المجتزأ كمفتتح لورقتنا .
استطاعت المرأة السودانية من خلال تراكمات نضالية بمستويات متفاوتة ووفقا لبعض العوامل المجتمعية المساندة ان تحصل على مكاسب هامة وكبيرة .. ففي مجال التعليم نجد أنه ومنذ افتتاح اول مدرسة لتعليم البنات في سنة 1907 على يد الشيخ بابكر بدري تواصلت نسبة تعليم البنات باضطراد مستمر الى ان كادت تختفي الفجوة فيما يتعلق بالتحاق البنات مقارنة بالاولاد . الامر الذي كانت له انعكاساته على مجمل قضية المرأة .
ظل مجال العمل السياسي في عرف المجتمع السوداني ولفترات طويلة قاصرا على الرجال دون النساء . وحتى عندما اشتركت المرأة في الحركة الوطنية والنضال ضد الاستعمار كان ذلك بمساعدة الجو العام وبتشجيع من بعض الرجال . وهنا ايضا حاولت حكومة الاستعمار وضع لوائح لتقييد النساء والحد من مشاركتهن في النقابات مع الرجال , فكونت المعلمات نقابة خاصة بهن وناضلت الممرضات حتى نلن شرف التمثيل في نقابة الممرضين . وشهد المجتمع المدني منذ نهاية الاربعينيات قيام العديد من التنظيمات النسائية , كان اهمها الاتحاد النسائي الذي كونته الرائدات المتعلمات وانضمت النساء الى الاحزاب السياسية .
وبعد ان خاضت البلاد الانتخابات مرتين بعد الاستقلال لم يكن للنساء اى حقوق سياسية بل لقد وجدت مقاومة ومعارضة من بعض الفئات . لكن بعد نضال الحركة النسائية نالت المرأة حق الانتخاب وحق الترشيح في عام 1965 . ومارست بعض النساء هذه الحقوق في فترات الديموقراطية القصيرة . فشاركت النساء في عملية التعبئة السياسية وكن ينتمين الى عدة احزاب سياسية , وتم انتخاب اول امرأة في الجمعية التاسيسية عام 1965 ودخلت ضمن دوائر الخريجين امراتان في انتخاب 1968 كما تم تعيين نساء في الاتحاد الاشتراكي في السبعينيات وفي المجلس الوطني في التسعينيات . وشهد تاريخ السودان تعيين عدة وزيرات وفي فترة التسعينيات منح قانون الحكم الشعبي 25% من عضوية المجالس للنساء وقانون مجالس الحكم الشعبي لعام 1992 (المادة 4 الفقرة 2) يتطلب الا تقل نسبة النساء عن (25%) من عضوية اللجان . ولكن ما تجدر ملاحظته هو ان نسبة تمثيل النساء هذه في البرلمانات في الفترات التاريخية المختلفة لم يتعد 9% من عدد النواب وكانت اعلا نسبة للوزيرات هي (3%) كما انهن كن يشغلن وزارات معينة . وفي كثير من القرى نجد ان المراة ليس لديها تمثيل في اللجنة الشعبية ولذلك فان مشاركة النساء في عملية اتخاذ القرار ووضع القوانين ظلت غير فاعلة .
اذن تأتي هذه الورقة هي على خلفية افكار شائعة وقوية لكتاب ومفكرين وشيوخ نساء ورجالا قاوموا – وما يزالون – العملية التاريخية الموضوعية لتحرير المرأة , التي بدأت في نهاية القرن التاسع عشر , وما تزال جارية تستهدف الوصول بالمرأة الى وضع المواطن الكامل , وتحريرها من الاستغلال . ومما تقدم من مجتزأ للاستاذ محمود محمد طه , نستشف طبيعة تلك الافكار الشائعة التي حاول الاستاذ محمود دحضها .. وهي الافكار ذاتها التي تقف اليوم حجر عثرة ازاء تحقيق اي تقدم في وضعية المرأة في السودان .
فاصحاب هذه الافكار الشائعة لم يكونوا يعبرون عن انفسهم فحسب , بل كانوا غالبا تعبيرا متخلفا عن قوى اجتماعية وسياسية فعالة لها مشروعاتها وبرامجها - وهي ذات القوى التي تآمرت وتواطأت مع قوى أخرى عديدة لاغتيال الاستاذ محمود محمد طه , لاستشعارها خطورته البالغة على تكسبها من توظيف الدين في قضايا المجتمع - وتكتسب هذه القوى شرعية متزايدة واضافية , لكونها تكسب الى صف افكارها ملايين النساء , اللاتي يندفعن بوعي او بدون وعي الى ارتداء الحجاب , الذي يتجاوز في هذه الحالة كونه زيا بين ازياء وليصبح (شاءت النساء أم أبين ) رمزا سياسيا متحركا لهذه القوى . بل ان انجذاب النساء لهذا المشروع السياسي , مجرد ارتداء الحجاب الى تبني المرأة ذاتها لصورة عن ذاتها تستجيب للاسس العامة لهذا المشروع الذي تنهض تصوراته للمجتمع الفاضل المنشود على تراتبية صارمة تضع المرأة في مكانة ادنى , منسوبة دائما الى رجل , محرومة من المواطنة مسجونة في صورة الانثى التي لا ترقى الى مستوى الانسان بحكم ما لجسدها من وظائف مختلفة .
أدت عوامل كثيرة لحرمان قضية تحرير المرأة من حليف رئيسي لها هو جماعة المثقفين كجماعة , وان لم تعدم مساندة افراد قلائل استطاعوا ان يتجاوزوا بجهد بالغ الحالة الشائعة في السودان , وسمتها ازدواجية المثقف وبخاصة المثقف التقدمي وتناقضاته , صحيح ان هذا المثقف هو ابن المجتمع الذي يصطرع فيه التقليدي والحديث والوعي الزائف والوعي النقدي , لكنه بحكم تكوينه الذي يتيح له الوقوف على مسافة نقدية من حال المجتمع ككل لابد ان يكون اكثر تقدما الا انه في نظرته للمرأة وعلاقته بها غالبا ما يسفر عن وجه الاستبداد الابوي (2) كما ان النسوية المعادية للرجل هي في واقع الامر احد وجوه الهيمنة الابوية تقول الباحثة السودانية خديجة صفوت في كتابها " النسو قراط ووأد البنات .. نسونة التاريخ وسوق العمل " يلاحظ ان نشؤ النسوية الراديكالية وقيادتها وطروحاتها المغالية في المطالبة بمساواة المراة بالرجل وصولا الى احلال النساء مكان الرجال في كافة المراكز والادوار وتحييد الفوارق الجنسية او النوعية مع التعامي عن العلاقة الجدلية بين امتياز المتمايزين واستلاب اغلبية النساء والرجال , انما يتصل باقلية من النساء اللواتي يدعين تمثيل جميع النساء ويتحدثن باسم كافة النساء ونيابة عنهن ممن اسميهن بالنسوقراطFeminocrats كما تأخذ النسوقراطية على عاتقها اعلاء اولويات النساء الممتازات والمطالبات بمزيد من الامتيازات للنساء مكونات الزعامة من فوق المنابر بطروحات وأجندة تجعل من جنس المراة طبقة غير معرفة وتنصبها في حرب جميع النساء ضد جميع الرجال . وقد أخذت النسوقراطية تتألف تباعا ومنذ منتصف السبعينيات من اقليات لنساء ممتازات مكوننة (معولمة) امتيازاتهن , وتشارك تلك الاقلية الممتازة مع الجماعات في العالم فائض عمل الاغلبية من المنتجات والمنتجين لكل من القطاع الاهلي والعاملين في اسواق العمل المكوننة (المعولمة) اذ تتبادل مسارات صعود النسوقراط الى قيادة المرأة الاعتماد مع مسارات كل من السلطة والثروة واسلوب الحياة والانفاق والاستهلاك لاقلية من النساء والرجال (3).
يقول تعريف منظمة حقوق الانسان 1993 أن كل النساء اللائي يعانين ويعايشن اساليب حياتية مليئة بالذل , الحرمان , الاستضعاف ,الفقر ,التفرقة ,وعدم المقدرة على المشاركة في التنمية .هن نساء مستضعفات وهذه الصفة تشمل النساء : الفقيرات غير العاملات أو اللائي يعملن في قطاعات غير نظامية أو عاملات موسميات في المصانع والمشاريع الزراعية او اى فئة من النساء ينلن اجرا ضئيلا لا يغطي احتياجاتهن الاساسية من مأكل وملبس وعلاج .
النساء النازحات من مناطقهن أثر ظروف بيئية (الجفاف , التصحر,الفيضانات والزلالزل) واللاجئات لظروف سياسية او بسبب الحروب والنزاعات العرقية . المعوقات جسمانيا وعقليا .
النساء في السجون نتيجة لاحكام قضائية او لقرارات صادرة عن السلطة الحاكمة , وهذا يؤدي الى حرمانهن من المشاركة في المجتمع .
النساء من الاقليات في المجتمع , وهن اللائي يعانين من تفرقة عنصرية اثر تباين عرقي او ديني او طبقي او نتيجة لكل الاسباب المذكورة .
النساء الوحيدات والمطلقات والارامل خاصة اللائي يقمن برعاية اطفالهن دون الحصول على مساعدة مادية او اجتماعية .
النساء اللائي يتعرضن لممارسات العنف داخل المنزل بصورة مستمرة دون ان يلجأن للقانون والعدالة ولغياب من يقدم لهن الدعم والمساندة من افراد الاسرة الممتدة .
اهم ما تم التركيز عليه مؤخرا هو دور القانون السلبي في التمييز ضد المرأة او دوره في القضاء على اللامساواة ودعم المساواة والتنمية واستدعى اهمية ربط التنمية بقضية حقوق الانسان , واصبحت اتفاقية القضاء على كل اشكال التمييز ضد المراة مرجع اساسي لتقييم وضع المرأة في كثير من الدول , كما اصبحت اتفاقية حقوق الطفل ذات اهمية في برامج الامم المتحدة وفي البرامج التي تنفذها بالتعاون مع الحكومات . وفي هذه الاتفاقية كانت حقوق البنت هدفا اساسيا , وركزت كل المؤتمرات واللقاءات العالمية مثل مؤتمر التعليم في جمتين 1990 ومؤتمر المرأة في بكين 1995 ومؤتمر التنمية الاجتماعية 1995 على قضية حقوق المراة وضرورة متابعة تنفيذ الدول للمساواة في الحقوق وعدم التمييز وتنوير النساء بحقوقهن وتأكيد ممارستهن لها .
كانت اتفاقية الغاء كل اشكال التمييز ضد المرأة , هي أهم انجازات العقد العالمي للمرأة 1975 – 1985 اذ جمعت في وثيقة شاملة كل حقوق المرأة التي مرت عبر رحلة دولية طويلة منذ الاعلان العالمي للقضاء على التمييز ضد المرأة في 1967 وصولا الى بلورة الاتفاقية ذاتها واعلانها سنة 1979 ولما كان الامر كذلك فسوف نحتكم الى الاتفاقية باعتبارها بلورة عالمية متكاملة لما هو قانوني بالكامل ولمعنى المساواة التي سوف يستحيل تحقيقها الا بصورة شاملة لكل الجوانب , والتشريع هو واحد من جوانب كثيرة يقتضي الامر تغييرها , بالاضافة الى تغيير الواقع الاقتصادي/اللا أجتماعي القائم على الاستغلال والظلم او كما نتطلع الى ذلك في ظل سودان جديد حتى يكون بوسعنا القول ان المسافة قد تلاشت فعلا بين النصوص القانونية التي تدعوا للمساواة والعدل وبين الواقع الفعلي للنساء .
ادت الازمة الوطنية الشاكلة في السودان الى اتساع نفوذ المؤسسات الدينية المحافظة والنصية(النمو المريب للوهابيين وجماعات الاسلام السياسي المتخلفة الاخرى في اطراف المدن السودانية ) التي تخاصم التاريخ , وذلك رغم التآكل الذي كان قد اصابها على طريق تقدم المجتمع في السودان الى التنوير و الحداثة والديموقراطية واصبح هذا النفوذ الذي كان مرشحا للزوال في صيرورة التطور يعبر عن نفسه في شكل ما يسمى : الصحوة الاسلامية , التي تعادي غالبية فصائلها قضية تحرير المرأة ومساواتها بالرجل وتقف حجر عثرة في طريق تغيير الدستور والقوانين (كما راينا الخلاف في نيفاشا حول قومية العاصمة واسلامية الشمال وفصل الدين عن الدولة ) الى جانب الاصرار التاريخي على ان الاسلام هو مصدر التشريع لبلادنا . على الرغم من المضامين الثورية لكثير من الاحزاب والقوى والحركات السياسية في السودان من حيث القضاء على الاستعمار الداخلي , ومحاربة كافة أنواع الاستغلال , خاصة استغلال الرجل للمرأة ( والتي لم تصبح انسانا بعد) , نجد ان الشعارات التقدمية في هذا السياق لهذه الاحزاب والقوى والحركات لا تزال بعيدة عن الفكر والممارسة داخل ساحة النضال الاساسية .
فالنساء لا يزلن في الساحة السياسية عبارة عن افراد ضعيفات متفرقات وخاضعات , كل منهن محكومة بالرجل في كل مكان ابتداء من البيت مرورا بداخل التنظيم(ان وجد) وانتهاء بالحياة العامة وينحصر دورهن في كثير من اللحظات التاريخية الحرجة كادوات يستخدمها الرجل في الثورة والنضال العسكري او السياسي , وما ان ينتصر الرجل, حتى تعود المرأة مرة اخرى الي البيت او المكتب الخ .. لتكون اداة من نوع اخر .. حسب الحاجة الاقتصادية او الاجتماعية للرجل .
نجد تنظيمات نسائية , تلعب دور التابع للتنظيمات السياسية والسلطات الرسمية والتنفيذية . على الرغم من المسيرة النضالية الطويلة للمرأة سواء من خلال التنظيمات السياسية او من خلال تنظيمات خاصة بها . وديموقراطية التنظيم النسائي هي الحماية الوحيدة له سواء من استغلال الرجل او استغلال مجموعة من النساء . فالاتجاه لممارسة القيادة او السلطة على المنظمات النسوية يفرغها من مضمونها ويحولها الى مجرد ادوات . ولذلك على التنظيم النسوي ,ان يتعلم من تجارب التنظيمات النسوية وان يدرك ان الديموقراطية هي الشرط الاساسي لقوته النابعة من قوة الجماهير النسائية المنظمة وهذه القوة هي التي تحقق للمرأة استقلالها ونموها , الذي يعتبر خطوة في طريق تحالفات القوى النسوية في سبيل تحقيق الحركة النسوية لاهدافها كاملة .
الحركة النسوية هي احتياج أصيل واقعي وضروري ناتج عن حقيقة أن ملايين النساء تعلمن وانخرطن في العمل وحصلن على حق المشاركة السياسية وأصطدمن بأوضاعهن المتدنية في المجتمع بحكم الثقافة السائدة , وفي الاسرة بحكم قانون بال للاحوال الشخصية قائم على التمييز ضد المرأة وفرض الوصاية عليها حيث يفوض النظام السياسي الابوي الاسرة لقهر وضبط نصف المجتمع نيابة عنه .
التاريخ السياسي في السودان يفيدنا بان ما من قوة اجتماعية او فئة تقوم بانجاز مهمة او الدفاع حتى النهاية عن قضية تخص فئة او قوة اجتماعية اخرى وتكسبها بالنيابة عنها . رغم ان الاخرين يمكن ان يقدموا العون دائما كما فعل الرجال المستنيرون والديموقراطيون في مساندة النساء في السودان منذ 1907 (الشيخ بابكر بدري)وباختصار لا تحرر النساء الا النساء انفسهن كما ان مقايضة حق بحق اخر كأن نرضى ببرنامج للاصلاح الاجتماعي مثلا مقابل التضييق على الحريات السياسية دون الحقوق المدنية او العكس , قد ادى غالبا الى نتائج سلبية بل وكارثية في بعض الاحيان .
ولكي نتعرف بصورة واضحة تكفي لكي نفهم الوضعية التي تعيشها المرأة في السودان , لابد لنا أولا من الغوص بعيدا في التجربة الانسانية للمرأة والسلطة عبر التاريخ , منذ كانت تستمد سلطتها من كونها الهة - قبل الديانات السماوية - او منتجة لاداة من ادوات السلطة : كالحكمة او المعرفة (الهة الحكمة , الهة المعرفة , الهة الكتابة , الخ ) - كما سنتعرض الى ذلك لاحقا مع تركيز خاص على النحو الذي صيغت به في الفضاء الاسلامي العربي , ومن ثم موضوعنا الاساس (المرأة في السودان ) .
** المرأة عبر التاريخ
تقول الاستاذة فريدة النقاش , في كتابها (حدائق النساء – في نقد الاصولية): رغم ان العلم قد أثبت منذ زمن بعيد أن الفروق البيولوجية بين الرجل والمرأة لا ترتب اي فروق ذهنية أو عقلية , وهي ليست ولا يجوز أن تكون ادأة لطمس امكانات المرأة وقدراتها فقد بقيت الاساطير القديمة حيّة لا فحسب حول طبيعة المرأة وانما – وهو الاهم – حول ارتباط جسدها بالخطيئة فهو جسد نجس , وهي كجنس مسئولة عن اخراج ادم من الجنة , لانها اغوته باكل التفاحة المحرمة , وفتحت له ابواب الجحيم , وتأسيسا على هذه الحكايات التي نسجتها البشرية في ليلها الطويل , قبل ان يبدأ التاريخ , تراكمت حكايات شر المرأة وقدرتها على الايذاء , بل وعرف الادب العالمي حكاية الموت عن طريق المرأة , وهلاك الذكر بالانثى . سنحاول لاحقا دحض هذه الاساطير التي لا اساس من الصحة لها(4) .. وفي بحثها حول الاسباب التاريخية التي جعلت الرجل مسيطرا على المرأة, تشير دكتورة نوال السعداوي( عن المرأة) الى عدد من الاسباب . الاول : ان الذين حاولو الاجابة على هذا السؤال من الباحثين انقسموا الى ثلاثة اقسام : 1- القسم المثالي : وينقسم الى فريقين :
أ/ فريق يرى ان خضوع المرأة قديم وأزلي : أصحاب الفكر الديني وهم الذين يعتبرون خضوع المرأة قانونا آلهيا ازليا وثابتا لا يتغير ابدا. لان قوانين الاله نصوص ثابتة مكتوبة واضحة المعنى . واذا كان هناك من النصوص ما هو غامض فالتفسير مهمة رجال الدين (ليس هناك شيء اسمه نساء الدين ) والاجتهاد في التفسير يقوم به رجال الدين من علماء و وفقهاء . ب/ فريق يرى أن خضوع المرأة قديم وأزلي . وهم اصحاب الفكر الفلسفي المثالي الذين يفصلون بين المادة والفكر , ويضعون العقل في تناقض مع الجسد ,ويجعلون العقل أسمى من الجسد . او الفكر هو الاصل وهو الحقيقة, والوجود المادي هو الفرع او اللا حقيقة. والرجل في نظرهم هو العقل والفكر والاصل. والمرأة هي النقيض . هي الجسد والمادة والفرع .
(2) القسم المثالي المادي :
هذاالفريق يرى ان خضوع المرأة قديم وأزلي ولكنهم لا يفسرون هذا الخضوع تفسيرا دينيا أو ميتافيزيقيا بل يرجعونه الى الازلية البيولوجية , معتقدين ان طبيعة المراة البيولوجية هي التي تحتم هذا الخضوع .
(3) القسم المادي الجدلي : يرجح هذا الفريق خضوع المرأة لأسباب اجتماعية وتاريخية , لكنه رغم هذه الرؤية التاريخية المادية الجدلية يعجز عن قراءة تاريخ المراة أو تاريخ الصراع بين الجنسين ولا يرى الا الصراع بين الطبقات .
وقد أوضحت الحقائق الجديدة في علم الانثربولوجي, أن المراة في الحضارات القديمة كانت آلهة السماء وليس الارض . فقد أكتشفت الهات الشمس في بلاد كنعان (فلسطين القديمة) وفي الاناضول والجزيرة العربية واستراليا , بل اكتشف ايضا الهات الشمس في الاسكيمو واليابان والهند اللائي كان الى جوارهن اخوة ذكور يرمزون للقمر . وفي مصر كانت الالهة نوت nut الهة السماء واخوها وزوجها جيب geb يرمز الى الارض وفي سوريا كانت الالهة اثار Tthar واستريت عند الفينقيين .
والهة السماء في سومر جنوب العراق كانت امرأة او ملكة السماء معبدها في ايرك وجد فيه اول دلائل على اللغة المكتوبة منذ خمسة الاف عام وفي الهند الالهة سراسفاتي Sarasvati كانت خالقة اسس الحروف الابجدية , وفي ايرلندة القديمة كانت الالهة بريجيت Brigit هي الهة اللغة .
اكتشفت ايضا ان الالهة نيدابا Nidaba في سومر هي التي خلقت فن الكتابة قبل اي اله اخر . وفي اليونان كانت الالهة ديمتر Demeter ترمز الى المعرفة والقانون والعدل , والالهة المصرية ماعت Maat كانت الهة النظام والعدل . والالهة اشتورا Ashtoreth في كنعان الهة السماء التي قالوا انها ذكر وليست انثى . وانتشرت عقيدتها الاف السنوات قبل ظهور ابراهيم مؤسس النظام الابوي , وابو الانبياء في الاديان السماوية .
ويشرح بعض العلماء كيف تم تغيير اسماء النساء الالهات الى اسماء رجال . يقول البروفيسور والتر ايميري Walter Emery أن مريت نيت هي الحاكم الثالث للاسرة الاولى في مصر القديمة خليفة زير وكتب السير فليدرز بيتري Sir flinders Petri يقول : كان يعتقد ان مريت نيت Meryet,nit ملكا رجلا ولكن البحوث أوضحت انها امرأة او ملكة حسب ثراء المدفن , ويقول ايضا ام هور أها Hor,Aha اول ملك للأسرة الاولى كانت نيت حوتب وهي امراة ام هور أها والملك نارمر , كشفت بعض اثار سقارة انه امرأة . قبل المسيحية في ايرلندة كانت الهة سيلتيك Celtic Ceieridween هي الهة الحكمة والمعرفة والذكاء .
ويؤكد بعض العلماء ان الالهة الانثى عبدت منذ 7000 سنة قبل الميلاد في العصر الحجري الحديث , وترجع بعض ديانات المرأة الى العصر الحجري القديم منذ 25 الف سنة قبل الميلاد .
وما زلنا نجهل الكثير عن تلك الحضارات القديمة (5).
وتدل الدراسات الجديدة ان عملية اخضاع النساء وتدمير الحضارة القديمة, استنفدت عدة الاف من السنين , وان قيام حضارة العبودية الابوية, لم يكن سهلا بسبب مقاومة المرأة لسلطة الرجل الجديدة, وبعد معركة كبيرة بين الجنسين هزمت المرأة ,وسقطت من فوق عرشها .واندثرت لغتها. ويقول فرويد ان العالم اصبح منسوبا الى اله ذكر , رغم الاشارة الى الهات اناث, وان الاله الذكر قد انتصر على قوة انثوية شبيهة بالوحش .
ويورد فرانسيس دينق في كتابه (الدينكا) : يعتقد الدينكا ان المرأة خلقت من ضلع الرجل , وان الحية هي التي اغرت المرأة بان تأكل الفاكهة المحرمة , فالمرأة هي المسئولة عن اصل الخطيئة التي جلبت الموت والشقاء للانسان ومن هنا كان قلب المرأة صغيرا , تنفعل بسهولة ومزاجها متبدل , والمرأة هي التي سألت الاله ان يموت الناس ولا يرجعون من موتهم ابدا فالمراة بطبيعتها غاضبة وتقوم بافعال لا حكمة فيها ولا احساس(*).
وفي ماضي السودان شغلت المرأة السودانية مركزا لا يقل عن مركز الرجال , ان لم يفقه في بعض الاحيان . وعلى سبيل المثال لدى وصول بعنخي طيبة بجيوشه ارسل نملوت امرأته لترجو نساء الملك بعنخي وجواريه وبناته وأخواته العفو عنهن . وهذا يدلل على مدى اعزاز بعنخي للمرأة .
ومن بين النساء عموما خصت الممالك السودانية القديمة الام بقداسة ومكانة لا تدانيها مكانة فانتصارات الملك تفرح اول ما تفرح امه . ونجد ان الملك تهارقا أمر باحضار أمه من السودان الى مصر لتحضر تتويجه وتراه جالسا على العرش . وقد نالت الامهات اشرف الالقاب واعلاها فلم يقتصر وصف زوجات الملوك الرئيسات بانهن سيدات كوش على فترة مملكة نبتة وانما استمر ذلك في الفترة المروية كما ان الشخص في النقوش الجنائزية المروية ينسب اولا الى امه ثم الى ابيه ثم خاله ولم يقتصر وصف امهات الملوك بانهن سيدات كوش على الفترة النبتية وانما استمر ذلك في الفترة المروية ايضا والملك تهراقا دعا أمه حين دخل مصر ولقبها بحاكمة الوجه البحري والقبلي وسيدة الامم .
والى اواخر عصر الممالك المسيحية كان الملوك يولون أهمية قصوى لامهاتهم . وكما انعكس دور الام في الممالك القديمة , فان دور الام سواء كانت حرة ام أمة ينعكس بصورة جلية على قيام كل الممالك العربية الاسلامية في السودان . ولم يتوان ملوك السودان حين حكموا مصر عن تقليد الليبيين سابقيهم في الحكم بان يجعلوا بناتهم يشغلن منصب زوجة امون المقدسة ذلك المنصب الديني الرفيع في طيبة والمقابل في اهميته الدينية لمنصب رئيس كهنة امون رع في الكرنك , اعلى المناصب الدينية كلها في مصر آنذاك . فشغلته ثلاث من الاميرات السودانيات بالتتالي في ثلاثة عهود متتالية (هن بنات كل من : كوشتو "كاشتا" بعنخي وتهراقا ) فكل واحدة منهن كانت ابنة ملك واختا لملك . وعلى كل حال فان مكانة المرأة سواء كانت اما او زوجة او ابنة او اختا او حماة لا تقل عن مكانة الرجال ان لم تفقها , ومثلما تولى الرجال الملك تولته النساء , فقد حكم مروي خمسة واربعون ملكا وملكة , ولكن كان اكثرهم من الملكات(كما أورد عجوبة في كتابه المرأة السودانية ..) . واذا كان الرومان من مصر قد قادو حملات ضد النوبة , فان هناك حملات مضادة قادتها الكنداكة واحتلت الحامية الرومانية في اسوان , ففي العصور المروية حدث ان حكمت ملكات السودان وادي النيل كله بداية بسوبا ونهاية بالدلتا .
وطوال عصور الممالك النبتية والمروية والمسيحية والى ما بعد دخول الاسلام ظلت المرأة محاربة الى حد بعيد . واذا كانت النساء يلعبن دورا اساسيا في القتال فانهن ايضا وخاصة الامهات يشجعن ابنائهن على مواجهة الصعاب ومواجهة الموت بصدق وثبات . القول الحاسم للمرأة لا يتمثل في التشجيع على القتال او مواجهة الصعاب فحسب , ولكنها ايضا قد تلعب دورا في فض المنازعات وخاصة بين افراد القبيلة او العشيرة الواحدة فقد كان السودانيون منذ القدم يحترمون النساء . لكل ما سبق فانه ليس من المستغرب ان يكون بين الهة قدماء السودانيين الاهات يعبدن , فعندما دخل الملك نوات ميامون منف عنوة زار معبد سوخت الهة المحبة , وانشرح فؤاده من مساعدة المعبودات له اكراما لمعبوده آمن ساكن نبتة ولذلك فانه لم يكن من المستغرب ان يستمر هذا الاتجاه في تقديس الالهات خلال الممالك المسيحية .
ويبدو ان مكانة المرأة تدنت كثيرا تحت وطأة ضغوط الحملات العسكرية التأديبية التي كان يشنها سلاطين مصر من الايوبيين والفاطميين والمماليك , وان كانت بعض امهات سلاطين مصر قد كن سودانيات .
لقد اهتزت القيم العائلية التقليدية المتوارثة داخل بيوت الملك نفسها وتمزق نسيج النسق العائلي فاخذ افراد العائلة المالكة الواحدة يطاردون بعضهم بعضا واثر ذلك بالطبع على وضعية المرأة (6) .
لقد شكل ظهور الاقتصاد السياسي انقلابا جذريا على صعيد انتاج وتجديد انتاج الحياة المباشرة , مع كامل العلاقات التي تحكم انتاج الانسان ( علاقات الجنسين , وضع المرأة , علاقات الاباء والابناء , روابط القربى والمصاهرة .. ) (7) فمع التغيير الجذري في وضع القوى المنتجة الانسانية استجدت مجمل تغييرات اساسية تناولت جدل العلاقة بين انتاج الانسان وانتاج وسائل الحياة من جهة وطبيعة منظومة القيم الابوية وقواعد ارتكازها من جهة ثانية .. رسم دخول الحضارة صورة جديدة لعلاقات انتاج الانسان سواء في تعبيرها القبلي وجملة اشكال علاقات القربى الواسعة , او في البنية الاولية لعلاقة الجنسين " الاسرة الابوية" ووضع المرأة .. ففي المجتمع المكي بقيمه البدوية المتخلفة , الذي اعتمد التجارة اساسا لمعيشته , تأثرت علاقته بالمرأة - كمجتمع بدوي صاعد تجاريا – وفقا لمفهوم التسليع وتعامل مع المرأة على هذا الاساس كشيء ولذلك نجد المراة قد عانت من اضطهاد كبير في علاقتها مع زوجها , على عكس المرأة في المدينة المنورة التي تكونت من مهاجرين بالاساس ما اعطى الفرصة لجدل تلاحم ثقافي , كما اعتمدت المدينة على الزراعة في حياتها , هذا الخلاف بين مدينتين في الحجاز وبهذا الشكل الواضح يجعل من الضروري رفض كل التصورات العامة التي تقوم على تقديم الجزيرة العربية كوحدة متجانسة ومتشابهة . وان كان من خصائص للعرب في الاسلام فمن اهمها توحيد اللهجات بهيمنة اللهجة الشمالية المكية وتوحيد المعتقدات بأسلمة ما هو موجود وضرب كل ما يتعارض بقوة مع الدين الجديد وتوحيد قوانين الاسرة في الجزيرة العربية بعد ان فشل تشابه التركيب القبلي في هذا التوحيد لتفاوت انماط المعيشة والمعتقدات واختلاف المنظومة السياسية – الاجتماعية السائدة .
يعود مفهوم الانسان في الاسلام الى قصة ادم وحواء في القرآن (سورة البقرة الايات : 30 – 34) ففي هذه القصة ثلاثة معطيات مركزية . الاول : القرار الالهي باعتبار الانسان خليفة الله في الارض . والمعطى الثاني اعطاء الانسان المعرفة الكافية ليتفوق على الملائكة والثالث الطلب الى الملائكة الذين يسجدون لله وحده ان يسجدوا للانسان تكريما وتحت طائلة الخروج من رحمة الله .
يتوقف حسين العودات عند نقطة جوهرية في التصور الاسلامي الاول لعلاقة الجنسين , وهو ينطلق فيها مما سمي بالخطيئة الاولى التي ترد في القران مرات ثلاث : ففي سورة البقرة (1) " وقلنا يا ادم اسكن انت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين فازلهما الشيطان عنها فاخرجهما مما كانا فيه – البقرة : 35 – 37). (2) " ويا ادم اسكن انت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين . فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سؤاتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة الا ان تكونا ملكين او تكونا من الخالدين , وقاسمهما اني لكما من الناصحين , فدلهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما الم انهكما عن تلكما الشجرة واقل لكما ان الشيطان لكما عدو مبين , قالا ربنا ظلمنا انفسنا ان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين – الاعراف : 19 – 23).
(3) " فوسوس اليه الشيطان قال يا آدم هل ادلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى , فاكلا منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربه فغوى – طه : ) ويلاحظ هنا ان مسئولية الخطيئة تقع على الذكر والانثى معا في الايتين (آدم وزوجه) وتقع على آدم وحده في الاية الثالثة .
اذن لا يساوي النبي محمد والقرآن فقط بين المرأة والرجل في الخلق والطبيعة والمسئولية (الميثولوجية والواقعية) وانما ايضا في تبادل الحاجة والتساوي في صفة التفضيل الوحيدة في الاسلام : التقوى . ورغم هيمنة التصور الابوي على مكة وجدت النساء في الدين الجديد حليفا في وجه الصلافة الرجالية التي عاشتها مكة ابان الاسلام . فلا غرابة ان تكون خديجة اول من اعتنق الاسلام واول من استشهد من اجل الدين الجديد كان سمية بنت عمار . ان ولادة الاسلام في مكة لم يكن بالامكان ان تجعل من المسلمين الاوائل انصارا للمساواة بين الجنسين . مع الهجرة الى يثرب عرف مسلمو مكة تقاليد أكثر ليبرالية في علاقات الجنسين . يروي مسلم في صحيحه عن عمر ( كنا معشر قريش , قوما نغلب النساء , فلما قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم . فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم ) وهناك عشرات الروايات حول عمل المراة ومشاركتها النقاش والحياة العامة . الجو المتوتر الذي خلقه المكيون في المدينة مع ذلك لم يؤثر على الحياة العامة للنساء كثيرا ولو أن كثرة المعارك والسرايا كانت تنقص موضوعيا من قيمة قوى الانتاج في المجتمع , والمرأة بشكل خاص , وتخلق مفهوما لا علاقة له بغض النظر وزنا العين واللسان , الخ من الروايات المتأخرة التي تعطي انطباعا بالستر والاخفاء والطهرانية . نستنتج ان النقطة المركزية في حبكة الحجاب لم تكن رهبنة الحياة العامة بقدر ما كانت في اعتبار اللباس احد مقومات التمييز النسائي ( التفاوت بين الحرة والأمة والذميمة , الخ ) هذا التمييز الذي تنامى مع العملية المتدرجة لأدلجة الدين الاسلامي الامر الذي تصر عليه كل الر وايات بشأن الاماء اللاتي كن على عهد الصحابة " يمشين في الطرقات متكشفات الرؤوس ويخدمن الرجال مع سلامة القلوب" يروي البيهقي عن أنس( كان اماء عمر رضي الله عنه يخدمننا كاشفات عن شعورهن تضطرب ثديهن ) ولا يتورع الالباني عن القول ( كان من شروط المسلمين الاولين على أهل الذمة ان تكشف نساؤهن عن سوقهن وارجلهن لكي لا يتشبهن بالمسلمات ) وكلها روايات تتناقض مع مفهوم الخوف من الفتنة وضرورة الستر العام . اليست المراة هي المرأة والعورة هي العورة ؟!.. (
وعندما نغوص في الفضاء العربي الاسلامي في مراحل تلت فجر الرسالة نستطيع التعرف على المرأة في ادوار هامة لعبتها على الرغم من الوضعية التي اريدت لها والعوامل التي نسجت لتشكيل حياتها وتجربتها ومسيرتها . وهنا نحيل بصورة اساسية لفاطمة المرنيسى في سفرها (نساء رئيسات دولة في الاسلام أو السلطانات المنسيات ), الذي تشير فيه الى دور الاسلام السياسي – الاسلام كممارسة للسلطة , ممارسة ترتبط بالاهواء والمصالح الشخصية – بمعنى الاسلام الموظف ايديولوجيا وهو قطعا يختلف عن الاسلام الرسالة الالهية الذي حمله القرآن الكريم .
تتوقف المرنيسي في مقدمة هذا الكتاب عند لحظة مهمة في التجربة السياسية للمرأة , هي اللحظة التي نجحت فيها بنازير بوتو في الانتخابات العامة التي جرت في الباكستان " رفع كل اولئك الذين يعتبرون انفسهم متحدثين باسم الاسلام وبخاصة نواز شريف , رئيس حزب الاتحاد الديموقراطي الاسلامي , عقائرهم بالاستنكار والرفض , لأن تتولى امورهم امرأة , رغم انها جاءت عبر صناديق الاقتراع , وفي هذا الاطار أثاروا عددا من المشكلات الفقهية الغريبة , التي لم يثيروها الا بعد فشلهم في الوصول الى السلطة عبر صناديق الاقتراع , وأشر هذا الحدث على أزمة تاريخية , تدفعنا الان الى محاولة تقصيها لاستعادة جذورها في الماضي , والتساؤل حول كيف نجحت نساء الازمنة القديمة , اللواتي يفترض فيهن انهن أقل تأهيلا منا , في حين فشلنا نحن المثقفات العصريات , على الرغم من استنادنا الى تنظيمات سياسية او اشكال اجتماعية منظمة .
صحيح أنه لم تحمل أى امرأة مارست السلطة لقب خليفة أو امام – هذان التعبيران المفتاحيان للسلطة في الاسلام – لكن لم ينفي ذلك وصول عدد من النسوة في الاسلام الى هرم السلطة , وهو ما يطرح الان السؤال حول النسوية : لماذا كان ظهورها في السياسة بالضرورة مغزى للنزاع على المسرح السياسي الاسلامي , الذي ينبغي ان يكون في العادة خاضعا دائما لاشراف الخليفة , حتى لو كان هذا الاشراف اسميا ؟!..
من السلطانات الأكثر شهرة اللواتي تشير اليهن المرنيسي , السلطانة راضية , التي تولت السلطة في دلهي لسنوات عديدة 634ه / 1236م . وهنالك ملكة أخرى حملت لقب السلطانة هي شجرة الدر حاكمة مصر , التي تولت السلطة في القاهرة سنة 648ه / 1250 م . والتي فرضت نفسها كأي قائد عسكري , بحسها الستراتيجي , لانها في أوج الحملة الصليبية , حملت للمسلمين نصرا مؤزرا , يتذكره الفرنسيون جيدا , لأنها دمرت جيشهم وأسرت ملكهم لويس التاسع عشر . مع ذلك فان الملكات العربيات نادرا ما حملن لقب سلطانة الذي يستمد من السلطة , ويعطيهن المؤرخين لقب ملكة , وتجدر الملاحظة أن راضية هي كشجرة الدر التركية وقد تولت السلطة في اسر المماليك الذين حكموا في الهند وفي مصر وفي اليمن .. واذا كانت الملكة أسماء في اليمن لم تحكم الا لفترة قصيرة (نهاية القرن الحادي عشر) فان الملكة أروى قد أحتفظت بالسلطة في اليمن خلال ما يقرب من نصف قرن , وأدارت شئوون الدولة وخططت استراتيجيات الحرب حتى موتها في 484ه / 1090م.
كما حصلت نساء البربر على لقب ملكة وأشهرهن زينب النفزاوية التي شاركت زوجها يوسف بن تاشفين في السلطة وقد حكمت هذه الملكة من 453ه / 1061م – 500ه / 1107 م .
وهنالك لقب آخر غالبا ما كان يعطى للنساء اللواتي يمارسن السلطة السياسية , هو لقب " الحرة" , وأشهر من حملت هذا اللقب هي عائشة الحرة , المعروفة عند الاسبان باسم السلطانة مادري بوعبديل Madrede boabdil وهو تحريف لاسم ابنها محمد ابو عبد الله . فعائشة الحرة التي كانت قد قررت وعملت بالتالي على نقل السلطة من يد زوجها العجوز علي ابي الحسن الذي كان تولاها في 866ه / 1461م . الى أحد ابناءها الذي كانت تميل اليه(محمد ابو عبد الله) آخر ملوك غرناطة والذي تولى السلطة متبعا حرفيا توجيهات عائشة الحرة , التي كانت قد تدخلت في العملية السياسية واستلمت السلطة لفساد زوجها الحاكم , ولذلك قررت ازاحة الاب الخائن لشعبه , وتولي الامور واحلال ابنه محله . ولقد دفع سقوط غرناطة ب" حرات " آخريات من نساء علية القوم اللواتي كن يعشن حياة مسترخية في الحريم الى المسرح السياسي وقد وضعتهن الهزائم ضمن المعترك واجبرتهن على الاهتمام والمساهمة في الاحداث الخطيرة التي تتعرض لها الجماعة . وهكذا شاركن في اللعبة السياسية والدبلوماسية ومن هذه النماذج , (الحرة حاكمة تطوان ) والتي كانت رئيسة القراصنة , وكان أحد حلفائها القرصان التركي خير الدين (بارباروس) الذي كان يعمل لصالحها انطلاقا من الجزائر , واتسع دورها السياسي بزواجها من ملك المغرب .. هنالك لقب اخر دائم عند العرب , هو لقب " الست" الذي يعني حرفيا " السيدة " حملت هذا اللقب احدى ملكات الاسرة الفاطمية في مصر 359 ه / 980م . تولت "الست" السلطة بعد ان ازاحت شقيقها الحاكم بأمر الله الخليفة السادس من الاسرة , نتيجة لفساده وتصرفاته الشاذة .
وهناك نساء آخريات كثيرات مارسن السلطة بفرض وجودهن كخبيرات في العلوم الدينية ك(ست العرب بنت محمد بن فخر الدين ) وهي مسندة مكثرة سمع منها بعض مشهوري الحفاظ وانتشر عنها حديث كثير . كانت اقامتها في صالحية دمشق . ولا يمكننا اغلاق قائمة الالقاب المعطاة للنساء اللواتي مارسن السلطة السياسية عند العرب , دون ان نشير الى الحالات النادرة , بالتاكيد, التي تولين فيها السلطة اما بصفة رئيسة عسكرية ودينية مثل الملكة اليمنية ابنة الامام الزيدي الناصر لدين الله , التي استولت بقوة السلاح على صنعاء بصفتها رئيسة الزيدية (القرن الخامس عشر) وحملت لقب الشريفة فاطمة وكذلك نجد غالية الوهابية , وهي حنبلية من طربا قرب الطائف فقد قادت في العربية السعودية حركة مقاومة مسلحة , كي تدافع عن مكة بصورة خاصة في بداية القرن الثامن عشر ضد الاحتلال الاجنبي , وقد أعطيت لقب أميرة . والامير هو لقب رئيس الجيوش , واذا كانت كلمات ملكة وسلطانة وحرة وست هي القاب اطلقت على النساء اللواتي كن يدرن شئوون الدولة ,أو يشاركن في ادارتها في الوطن العربي , فان لقب خاتون هو ما يصادف غالبا في الاسلام الاسيوي , وخاصة في الاسر الحاكمة المغوليةو التركية وقد لعبت دوقوز خاتون الزوجة المفضلة لهولاكو ابن جنكيز خان دورا هاما في موقف الفاتحين الجدد تجاه المسيحية , وبانتمائها شخصيا الى المذهب النسطوري حاولت ان تضمن لهم وضعا مفضلا , وان تضعهم في وظائف ذات مسئولية . والشيء الذي صدم الرحالة العربي ابن بطوطة في ارض الامبراطورية المغولية هو ذلك الحضور الدائم للنساء في السياسة .
الخليفة مع فقدانه لسلطته الارضية , عندما استولى المغول على بغداد , وضعفه كرئيس عسكري , وتبعثر امبراطوريته وتجزئتها وتكوين حكومات محلية , كل ذلك فتح الطريق امام النساء الى السياسة الملكية , بيد أنهن ما ان نجحن في اقامة سلطتهن محليا حتى توجب عليهن التماس مباركة الخليفة . وازاء رفضه كن يقتلن بشكل مأساوي او يتم اسقاطهن بالتآمر عليهن .
ان احدى اوائل النساء التي حلمت بالسلطنة لنفسها هي تركان خاتون , زوجة ملك شاه السلطان السلجوقي , الذي أرعب بغداد وخليفتها 465 ه / 1072 م – 485ه/ 1092م فبعد موته حاولت تولي السلطة بتواطؤ مع الخليفة العباسي المقتدر 467ه/م1070 – 487ه/1094م كذلك نجد ان خليفة عباسي اخر عارض بشدة وصول امرأة الى عرش مصر هي السلطانة شجرة الدر زوجة الملك الصالح نجم الدين ايوب ثامن حاكم من الاسرة الايوبية في مصر . وقد قررت ان تخلف زوجها بعد موته 648ه/1250م . واحرزت شجرة الدر انتصارا كبيرا ضد الصليبيين وحصلت على لقب رئيسة الدولة المصرية , ولم يرض ذلك الخليفة , فعمل على تقويض سلطتها وأنهى حياتها بصورة مأساوية .
وربما شكلت راضية في توليها السلطة في دلهي قبل شجرة الدر بعشر سنوات حالة استثنائية بفضل والدها السلطان قطب الدين ايبك العبد أصلا الذي وصل الى السلطة بأهليته وجدارته ورغم أن لديه ثلاثة ابناء , أصر على أن يدفع بأبنته راضية دونهم الى السلطة . واذا كان موقف الخوارج برفضهم لشرط قرشية الخليفة قد مثلت دفعة متقدمة للعقلية العربية الاسلامية , فان ثورة الزنج على عهد العباسيين 255ه / 869م هي أول ثورة عرفها الاسلام , وهي في أحد وجوهها ثورة للجواري اللواتي انطلقن قبل هذا التاريخ للهجوم على الخلفاء والتحكم فيهم والتأثير على قراراتهم . وهنا نلاحظ مدى تأثير حبابة الجارية على يزيد ابن عبد الملك 101ه / 720م وتأثير الخيزران على المهدي الخليفة العباسي الثالث 158ه/ 775م التي شاركت زوجها المهدي السلطة , وأستمر نفوذها بعد موته من خلال نفوذها على حكم ولديه الهادي ثم هارون الرشيد من بعده .
ان سلطة الاماء على الخلفاء اجرت تحولات لم تنص عليها الشريعة الاسلامية , حتى في صميم النظام ذاته , في علاقة النساء مع "ممثل الله على الارض" . وخلافا للزنج الذين حاولوا الاستيلاء على السلطة , فان الجواري كن يعملن داخل قصر الخلافة نفسه . كانت ثورة الجواري عميقة ومستمرة لانها عزفت على الوتر العاطفي والجنسي والغرامي والشهواني . فالنساء لم يعلن الحرب على اسيادهن بل غمرنهم بالحب . ما جعل خطوط الدفاع تنهار , وأهملت الحدود ز وفي هذا السياق تم تصوير علاقة يزيد بحبابة المغنية والشاعرة , التي ماتحزنا لموتها تم تصويرها كجارية اضلت الخليفة عن مهمته (المسعودي , الطبري) وفي واقع الامر ووفقا للاصفهاني أن حبابة بين الفنانات اللواتي ساهمن في انطلاقة الشعر والغناء ,
وليست هي شريرة او عدوة الله ودينه كما يرى المسعودي والطبري .كما أن يزيد ابن عبد الملك لم يتم تناوله من قبل المؤرخين بموضوعية , فقد ارسى الرجل دعائم الحوار مع المعارضة على عكس اسلافه الذين كانوا يعاقبون المعارضين بقسوة , ويقومون بتصفيتهم .
ثمة حاكم آخر وصف كحاكم كبير ومتميز , دفع به واجبه كحاكم مسلم جيد الى قتل الجارية التي احبها , بحجة ان شغفه بها كان منافيا بشكل فاضح لمهمته السياسية هذا الحاكم هو عضد الدولة 338ه/949م – 372ه/982م ثاني حاكم من الاسرة البويهية الشيعية التي كانت تحكم بغداد في القرن الرابع الهجري .
ثمة جارية اخرى ظهرت على المسرح السياسي في عهد الاسرة العباسية , هي الجارية شغف أم الخليفة الثامن عشر المقتدر الذي مات في 321ه/933م وقد نجحت في توجيه وتحريك كل النخبة البيروقراطية الدينية والعسكرية للاعتراف بابنها كخليفة , وذلك بالرغم من أنه لم يكن له من العمر سوى 13 سنة لقد كان للسيدة ام المقتدر مفهوم سياسي يمكن توصيفه في ايامنا هذه بالنسوي جدا . وبرأيها أن شئوون الأمة وبخاصة العدالة تدار بصورة افضل فيما لو تولتها امرأة , ولذلك عينت تومال , احدى مساعداتها مسئولية المظالم وهي وظيفة تعادل وزير العدل . وقد ادت تومال واجباتها على اكمل وجه .
الحالة الاكثر شهرة هي حالة الجارية صبح جارية الخليفة الحكم احد اكابر امويي الامبراطورية الاسلامية في اسبانيا . كان الطموح يتملك صبح والتي كانت اجنبية مسيحية اعتاد المؤرخين على تسميتها بصبيحة ملكة قرطبة واسمها الاسباني اورورا Aurora كانت زوجة الحكم المنتصر الخليفة الاموي التاسع نجحت صبح في التحكم في الخليفة . وتتعرض صبح من المؤرخين لكل ما يحط من قدرها (9).
** المرأة السودانية : الماضي – الحاضر
منذ دخل العرب السودان اصبح في الغالب تاريخه يصنعه الرجال (كما يؤكد دكتور عجوبة في بحثه القيم المرأة السودانية : ظلمات الماضي وأشراقاته ) , ومن ثم اعطيت المرأة اهمية دنيا وخاصة من قبل المؤرخين المحدثين , على الرغم من ان اعتناق الاسلام بطرقه الصوفية كان ابعد مدى بين النساء كما يدل على ذلك كتاب طبقات ود ضيف الله . ومن الغريب أن هولت Holt الذي يمثل مدرسة قائمة بذاتها في تاريخ السودان الحديث قد ذكر ان حرمان المراة في التعليم الرسمي (في النصف الاول من القرن العشرين ) لم يحرمها من ان يكون لها تأثير قوي وسيطرة كاملة على الحياة المنزلية والاجتماعية .
ارتبط تدني وضعية المرأة في السودان بدخول العرب لما جاءو به من عقلية سلب ونهب وغزو بالتالي الاسترقاق , فاستيلاء العرب على السلطة في السودان كان مدخله الاساسي المرأة ففي منطقة جبل مرة مثلا كانت الجماعات وثنية الديانة او لا دينية ولكن كما فعلت العناصر الاسلامية في تغلغلها عبر مؤسسات السلطة في ممالك البجا والنوبة في شرق السودان وشماله وبالاستفادة من النظام الامومي في وراثة الحكم , استطاعت ايضا اسلمة ممالك التنجر والفور عن طريق التزوج من بنات الطبقات الارستقراطية الحاكمة .
في اطار مجتمع يمر بمرحلة تمازج حضاري ومخاض ثقافي صعب , كان لابد ان يكون هناك اكثر من بعد واحد لاي ظاهرة من الظواهر الاجتماعية فالانساب على سبيل المثال لم تعتدل على الصيغة المتعارف عليها في البلدان العربية الاخرى الا بعد الاحتلال التركي المصري في اوائل القرن التاسع عشر . ففي طبقات ودضيف الله كان المؤلف حريصا على انحدار النسب ثنائيا : أبويا وأمويا . وقد ظلت الام تمثل مركزا محوريا للانساب حتى الربع الاول من القرن التاسع عشر .
وفي المجتمع الامومي الذي عرفه السودان القديم , ربما ضعف دور الذكر في الحمل الى الدرجة التي يمكن فيها للمرأة من ان تحمل من اي رجل وتظل مكانتها محفوظة . وفي السودان بعد دخول الاسلام ظل النسب المزدوج يظهر ويختفي في جميع المراحل الانتقالية الى العصر التركي والثنائي وما بعد الاستقلال حيث ساد النسب الاحادي الابوي في المدارس الحكومية النظامية الداخلية وفي علاقات العمل الحديث حيث اصبح ذكر اسم الام أو الاخت قد يجلب العار على صاحبه .
عانت المرأة في السودان من العديد من الظواهر المدمرة لكيانها مثل ظاهرة السبي كما حدث في فترة التركية والمهدية , واسترقاق القبائل لبعضها البعض كما بين المساليت والقبائل الاخرى والفور والشايقية والدينكا والفونج والمجموعات العربية ضد بعضها , الخ ..الى جانب السبي الفردي الذي يقوم به الافراد ويقول دكتور مختار عجوبة " في نهاية التركية وخلال عصر المهدية , اخذ السبي منحا منظما اوجدت له المبررات الدينية من قبل المهدي نفسه , وتمادى فيه الخليفة عبد الله من بعده .وصفوة القول ان السبي والاسترقاق مثلا اكثر التجارب مرارة للمراة في السودان .
المرأة خلافا للرجل كانت لها وضعية اجتماعية ميزتها عن تاريخ الرجل في مجرى الحياة العامة السودانية وبما ان السلطة والنفوذ الظاهرين كانا في ايدي الرجال خاصة بعد دخول العرب الى السودان , فان السلطة سواء كانت دينية او اجتماعية او اقتصادية او ثقافية هي التي حددت اخلاقيات المرأة بما يتلاءم وكل مرحلة من مراحل التغيرات والتقلبات السياسية , وبما ان المجتمع كان مجتمعا تلعب فيه مؤسسة الاسترقاق دورا اساسيا سواء على مستوى الحياة الاسرية او مستوى الاحوال الشخصية , او الانشطة الاقتصادية , فان اخلاقيات المرأة قد اختلفت باختلاف مكانتها في البنية الاجتماعية وانساقها الدينية والاقتصادية والسياسية . في فترة الاستعمار نجد ثلاثة انظمة اجتماعية مختلفة شملت نظام الفونج ودولة المهدية ثم الاستعمار التركي – المصري . ففي عهد الفونج (1505- 1851) اتسم النظام الاجتماعي بسيطرة قوى دينية – تجارية اقترنت بملامح نظام شبه اقطاعي وبرزت فيه سطوة النفوذ الابوي . هذا النفوذ حدد مجالين فقط للمرأة : أن ان تكون جارية تباع وتشترى او ان تلعب دور الزوجة الموفرة لاسعاد زوجها وتربية اطفالها داخل اسوار البيت .
وعندما خضعت البلاد للاستعمار التركي المصري (1821 – 1885) تحول اقتصاد المناطق الوسطية النيلية والمناطق الهامشية لخدمة الاحتياجات العسكرية والصناعية على محدوديتها للدولة المصرية وكان للمشاريع التحديثية على قلتها وانتشار تجارة الرقيق اثر بالغ على التركيبة الاجتماعية في البلاد . ونتيجة للارتباط بمصر تم نقل مفهوم( مؤسسة الحريم ) بكل ما تحمله هذه المؤسسة من دلالات على مكانة المرأة .
وبمجيء الاستعمار البريطاني(1898 – 1956) نجده تبنى سياسة ازدواجية اذ عمل على احداث تغيير اقتصادي يخدم مصالحه وفي ذات الوقت عمل على تحديد وتيرة التغيير حتى لا يشمل البنياات الاجتماعية والثقافية ويؤثؤر على الاستقرار السياسي . ومع ذلم شاركت المراة في الحركة الوطنية (10)
وعندما نالت البلاد استقلالها في 1956 انفتح الباب امام الحركة النسائية لتعمل على تحقيق مطالب المرأة في المجالات السياسية الاجتماعية الاقتصادية والقانونية .. واستطاعت المرأة بالفعل تحقيق بعض المطالب القانونية مثل زيادة فرص التعليم للبنات في شتى مراحله وانواعه وبعض المطالب الاخرى , لكن بقى وضع المرأة محاطا بعدد من القيود والعوامل المرتبطة بالواقع الجديد الذي خلفه الاستعمار .
كان لمشاركة المرأة في النضال ضد الاستعمار حافز لمناهضتها للنظام العسكري في 1958 (نظام عبود) , ترتب على ذلك عدد من المكاسب بعد ثورة 1964 (ثورة اكتوبر المجيدة ) . هذا الارتباط الوثيق لحركة المرأة بالحركة الوطنية والحركة السياسية بعد الاستقلال كان مبعثه الارتباط السياسي والتانظيمي بالحركة الراديكالية السودانية فقد تبنى الراديكاليون اكثر من غيرهم قضية المرأة.
منذ منتصف السبعينيات ونتيجة للتحولات في المجتمع السوداني حدثت تحولات فقي نظرة المجتمع السياسي لقضية المرأة حيث بدأت النخب السياسية المحافظة والدينية الالتفات لقضية المرأة والالتفاف حولها في نفس الوقت .لاسباب سياسية تتعلق بمصالحهم الحزبية . بما أن المجموعة التي سيطرت على مقاليد الحكم عام 1983 وبعد عام 1989 كانت ملتزمة بتفسير للشريعة الاسلامية قائم على التمييز والقهر ضد المرأة , فات تأثير وصولهم الى السلطة كانت له تداعيات واضحة على وضع النساء في السودان , اما كنساء او كمواطنات .
فالقوانين سيئة السمعة (سبتمبر 1983) سمحت بسيادة وجهة نظر الجبهة الاسلامية وتفسيرها للشريعة على ما عداها من التفاسير بالاضافة الى سيادة موقف المؤسسات الدينية الذي يتطابق معها , وقد سادت هاتان الرؤيتان على العادات والتقاليد والقوانين المدنية التي كان معمولا بها من قبل والتي كانت قد ادت الى وضع افضل للمرأة وتصحيح اوضاعها في مختلف الامور العائلية .
باختراع مصطلح الشروع في الزنا فان الشريعة اصبحت تستخدم بواسطة الاصوليين لتحجيم وضع المرأة في المججالات العامة . بالرغم من صعوبة اثبات جريمة الزنا فان قانون الشروع في الزنا جعل مجرد ظهور المرأة مع رجل غير متزوج منها أوليس من الاقارب من الدرجة الاولى في مكان عام او في سيارة جريمة شروع في زنا .
وقد كان هذا القانون مؤثرا جدا في تحجيم ظهور المرأة لتجنب المشاكل التي قد تنجم عن الانشطة العامة . وايضا فان مصانع الخمور قد هوجمت جميعا وتم الاعتداء عليها (11) المرأة السودانية في ظل حكم الانقاذ (1989- 2005): اتخذت حكومة البشير خطوات عديدة بالنسبة للعلاقات بين الجنسين وقد عقدت الحكومة مؤتمرا بعنوان :" دور المرأة في الانقاذ الوطني" في يناير 1990 وفي هذا المؤتمر فان الرئيس عرف وجهة نظره في المرأة السودانية المثالية كالاتي :" المرأة التي تراعي سمعتها وتعتني بنفسها وأولادها وزوجها وتقوم بواجبات المنزل وتكون مسلمة ملتزمة " .
وقد أقترحت احدى التقارير المقدمة للمؤتمر أنت تكون سياساته الحكومية موجهة الى ان يقتصر عمل المرأة على مجالين خارج العمل الخاص أو الاسري التمريضي والتدريبي في المدارس الابتدائية (Africa watt1995) ويؤكد تقرير اخر دور النساء كأمهات وربات بيوت .. كل هذه التغييرات تؤكد وتدعم ايديولوجية المجموعة المسيطرة على السلطة . . وهذه الايديولوجية التي تعرف ادوارا للرجل و اخرى للمرأة يتم التعبير عنها مثلا في المادة 52من الدستور " قانون الاحوال الشخصية للمسلمين " والذي تم تمريره في يوليو 1991 والذي يعد واحدا من اهم التنشريعات في هذا الشان . وتنص المادة المزكورة أن من حقوق الرجل أن " زوجته ترعى البيت وترعاه وتحافظ على شرفه مع حسن التصرف في ماله " اما عن حقوق المرأة كما ذكرت في المادة 51 فتضمن المهر , المعاملة الحسنة , والدفاع عنها والنفقة , الحق في زيارة والديها واقربائها من المحارم , والحق في المعاملة المتساوية مع الزوجات الاخريات لزوجها اذا كان متزوجا من اخريات وليس للزوجة حق النفقة , اذا كانت تعمل خارج المنزل بدون اذن زوجها .
وهناك مادة اخرى في الدستور تتطرق الى فكرة مساواة الرجل بالمرأة والتي تعد مثار جدل دائم بين الخطابين الاسلامي والليبرالي من جهة وايضا جدل دائم بين الخطاب الاسلامي المحافظ والخطاب التقدمي العلماني المتعلق بالعلاقات بين الجنسين من ناحية اخرى . فالمادة الخامسة من قانون الاحوال الشخصية تنص على : " حضور شخصين للشهادة على عقد الزواج , كشرط لاتمام العقد وتنص المادة 16 من نفس القانون على " ان يشهد الزواج رجلان او رجل واحد وامرأتان يكونان مسلمين بالغين جديرين بالثقة وعلى فهم ووعي أن التاكيد والقبول يعني الزواج " .. بالنظر الى ما سبق على رؤية الحكومة بالنسبة لدور وقدرات المرأة فقد تعمدت عمليات فصل منظمة للنساء من المناصب الحكومية العامة والخدمة العامة ولكن على الرغم من ذلك فان هذا الاجراء لم يتم اعلانه رسميا وقد عمدت الحكومة دائما الى التغطية على ذلك بفصل النساء خلال عمليات الاقالة الجماعية او الزعم بان هذا الاجراء ما هو الا اجراء اقتصادي وتحديدا فان النساء قد فصلن من مناصب استراتيجية مثل الخارجية وفي النيابة العامة فانه من بين 60 مفصولا كانت دائما نسبة النساء 6% وعدد منهن كان في مناصب عليا وكان التبرير ان النساء المتزوجات كثيرات التغيب من العمل . وقد اصرت الحكومة كذلك ان النسياء المحاميات يجب ان يكن مؤمنات مما يستبعد العلمانيات والاقليالت الدينية في النساء عن المحاماة , وتحت التدهور الاقتصادي المتزايد فان الوظائف اصبحت اساسية في حياة النساء وقد استخدمت الحكومة هذه الحجة لفرض الزي الاسلامي على العاملات وتحديد السلوك الواجب اتباعه تعد منظمة الاتحاد العام للنساء السودانيات هي المنظمة الوحيدة المسموح بها رسميا في السودان , بينما حظرت جميع المنظمات السابقة على عام 1989 من العمل داخل البلاد .وقد تم فرض سياسات ورؤى على الحركة النسائية لكي تتوافق مع رؤية النظام عن وضع المرأة المناسب وحمايتها من ذلك مثلا قضية فرض المحرم او الشخص الذي يجب ان يصاحب المرأة في السفر . وليثبت كذلك ان السفر له مبرر . وفي هذا الاطار ايضا فان قانون " الظهور في المنتديات العامة " والذي صدر عام 1991 والذي يعكس تطبيقه موقف الحكومة الرسمي من مسألة سلوك المرأة في الاماكن العغامة فتاثيرات هذا القانون انحصرت في المرأة فقط (المادة 152)كذلك بعد 1989 عملت مختلف الاجهزة الرسمية على فرض الحجاب الى ان صدر في ديسمبر 1991 امر رئاسي بواسطة محافظ الخرطوم في صحيفة السودان الحديث يطالب النساء بارتداء الرداء الشرعي (12).
اصدرت ولاية الخرطوم في 1996 مرسوما مؤقتا لقانون النظام العام الذي بدأ العمل به منذ (28/3/1996) . واستهدف هذا القانون النساء بصفة خاصة من حيث مظهرهن العام (المادة 1 واحتفالاتهن (المادة 15) , الخ .. ومثل هذا القانون اسوأ اداة ارهاب للنساء والتضييق عليهن .
الدستور الساري في السودان هو دستور 1998 ويطلق عليه البعض اسم الدستور الشامل وهو دستور يكتنف الغموض معظم نصوصه الحيوية , فاذا تخيرنا منها المواد المتعلقة بالحقوق والحريات التي تهم المرأة فانه يمكننا ابراز الملاحظات الاتية :
(1) نص هذا الدستور على حق التساوي بان :" جميع الناس متساوون امام القضاء والسودانيون متساوون في الحقوق والواجبات في وظائف الحياة العامة ولا يجوز التمييز فقط بسبب العنصر او الجنس او الملة الدينية وهم متساوون في الاهلية للوظيفة والولاية العامة ولا يتمايزون بالمال (المادة 21) . ولا اخالني بحاجة الى تبيان اوجه الغموض في هذه المادة التي جاءت لفا ودورانا للمادة 26 من مشروع الدستور الذي اعدته اللجنة القومية للدستور فاستبدلت المساواة امام القانون الواردة في ذلك المشروع بالمساواة امام القضاء , وجعلت التساوي في الحقوق والواجبات مقرونة بوظائف الحياة العامة , وربطت عدم التمييز في الوظيفة والولاية العامة بالمال دون غيره , ولا عجب والامر كذلك ان توصد ابواب ولاية القضاء امام المراة منذ فجر الانقاذ وحتى هذه اللحظة . ولقد كانت للرئيس السابق للقضاء خطة لم تر النور كان من المقرر بموجبها عزل القاضيات اللاتي التحقن بالقضاء قبل قيام نظام الانقاذ في نظام قضائي خاص يقتصر عليهن وحدهن .
(2) رغم ان الحقوق والحريات وردت مقررة للكافة دون تمييز بسبب الجنس فان هذا الدستور قد اختزلها بينما جاءت هذه الحقوق والحريات واضحة ومفصلة في مشروع اللجنة القومية .
(3) واخطر ما في هذا الدستور انه اخضع هذه الحقوق والحريات للقانون دون اى قيد على المشرع في ذلك . وعلى ذلك فانه لا عجب ان تغول مشرع – قوميا كان او ولائيا على اي حق خاصة والمباديء الموجهة قد صيغت في نصوص فضفاضة تطلق يد المشرع دون رقابة قضائية عليه لاصدار تشريعات تحقق اهدافا غامضة (راجع على سبيل المثال نص المادة 18 من الدستور وراجع نص المادة 19 منه في حق المشرع في التشريع وفقا للمباديء الموجهة دون ان تكون عليه رقابة قضائية في ذلك ).
(4) اوردت اللجنة القومية الحق في الرعاية الصحية والعلاج والضمان الاجتماعي (كحق مكفول للكافة ) وكذا حق الامهات في الرعاية وحق المرأة العاملة في الضمانات الكافية وحق الاطفال في باب الحقوق والحريات المواد 47 – 50 – 51 ) على التوالي من مشروع دستور اللجنة ) بينما وردت هذه الحقوق مبتسرة وغامضة في باب المباديء الموجهة من الدستور .
ان اخضاع الحقوق والحريات للقانون يسلب هذه الحقوق والحريات صفتها الدستورية ان شعار الحاكمية لله الذي تبناه الدستور (المادة 4) لا يحتمل ان يكون هناك تشريع فيما هو خارج عن اطار القيم الدينية ومن ثم فيما يتعلق بالمرأة لا يمكن للدستور ان يتبنى شيئا من الحقوق الاساسية التي تقررها اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة . ان دخول عنصر الدين في معركة كفالة جميع حقوق المرأة سيظل سببا لا لاشتداد اوار المعركة فحسب , وانما ايضا لتصدع الجبهة الداخلية التي تحارب من اجل تلك الحقوق .
** النسوية .. وقضايا المرأة السودانية
يعتبر العنف الذي تجابهه المرأة في الاسرة او المجتمع احد القضايا الاساسية التي تشغل النسوية , واشكال العنف ضد المرأة كثيرة ومتعددة داخل الاسرة وخارج اطار الاسرة في المجال العام . درجت الدراسات والمعلومات الخاصة بمفهوم العنف على تعلايف العنف وتحديد مجالاته على النحو التالي :
(1) ان ممارسات العنف ضد المرأة ليست قاصرة على الممارسات الضارة مثل :تالضرب , الاغتصاب والتعذيب فقط . وانما يعتبر العنف جزء من سلوك اجتماعي متوارث مبني على دوافع عديدة تهدف الى تقييد المرأة في دورها التقليدي كأم فقط وعدم اعطاء ذلك الدور قيمة كبيرة وعدم اتاحة الفرصة للمرأة لان تلعبه بقدر من الحرية والقدرة على اتخاذ القرارات المرتبطة به .
(2) العنف عبارة عن اي ممارسة ينتج عنها اذى جسماني ونفسي , فيشمل التهديد او الفعل المتمثل في الضرب او القتل والعنف يعني الحرمان ويشمل المنع من المشاركة وحق السيطرة والتملك واتخاذ القرار الفردي في القضايا الخاصة والعامة .
(3) ان العنف ضد المرأة ممارسة بشعة تعني هضم حقوق المرأة الاتنسانية والاجتماعية والتنموية وهو يتخذ العديد من الاساليب منها الضرب المباشر.الذل , الاحتقار,. الحرمان , الهجر, والاساليب الخاطئة لعلاقات الجنس بالاضافة الى كل ما يسيئ ويجرح المشاعر . عليه يعتبر تعدد الزوجات نوع من العنف كما يعتبر الارغام على الزواج من جانب الوالدين نوع من العنف او الحرمان من الدراسة او العمل .
(4) ان العنف ضد المراة ممارسة قديمة ومتوارثة بين الاجيال , توجد في جميع المجتمعات وعلى جميع المستويات الاجتماعية رغم تباين واختلاف الديانات والثقافات .
وقد خرجت التوصيات المنبثقة من مؤتمر المرأة العالمي ببكين 1995 بان مفهوم العنف ضد المرأة ليس مقصورا فقط على ما ورد ذكره بل ان العنف ضد المرأة له مفهوم شامل تحت اطار حقوق الانسان , وان مكافحة العنف ضد المرأة تهدف الى تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة لدفع عجلة المشاركة في التنمية ولمعالجة القوانين المدنية الخاصة بالعمل , والطلاق وقوانين الجريمة التي قد تحقق التمييز ضد المرأة .
هناك عنف اخر هو التشويه تقول الدراسات التي اجريت عن العادات الاجتماعية الخاطئة ان النتائج الصحية المباشرة وغير المباشرة التي تعاني منها الفتاة والناتجة عن هذه الممارسات غير قابلة للعلاج . فقد اثبتت بعض البحوث أن 82 % من الفتيات اقل من عمر 10 سنوات يتعرضن لعمليات الخفاض في بلاد الساحل الصحراوي الافريقي , وان 30 % منهن يمتن ضحية هذه العملية وذ0% يصبن بامراض العقم , والبقية تكون معرضة لامراض عضوية تناسلية والاخريات يكن فريسة لحياة مليئة بالخوف والصدمات النفسية .
من خلال استعراض الدساتير النمتعاقبة على حكم السودان نجد أن الدستور المؤقت لسنة 1956(دستور الاستقلال ) مثل محاولة سريعة لسد الفراغ الذي تركه الانتقال المفاجيء للاستقلال الوطني . ومن ثم فانه كان مجرد خطوط عامة لقانون اساسي تحكم به البلاد ريثما يتم وضع دستور متكامل ومع ذلك فان المادة (4) منه جاءت صريحة في اشارتها للمساواة بين "الاشخاص" دون تخصيص النوع كما كفلت حق تقلد المناصب العامة والاستخدام الخاص في اى وظيفة او حرفة او عمل او مهنة . كما نحت المادة (46) من ذلك الدستور نفس المنحى فيما يتعلق بمؤهلات عضوية البرلمان وتبنى دستور السودان المؤقت (المعدل لسنة 1964 ) نفس النهج في المساواة وفي كفالة الحقوق والحريات . ولو ان المجتمع كان جادا في تقبل هذا النهج فان مثل هذه النصوص العامة كانت تكفي لاقرار حقوق المرأة دونما حاجة للاشارة اليها باي قدر من التخصيص ولهذا فان مشروع الدستور لسنة 1968 يعتبر شاملا ومتكاملا عند كفالته للحقوق المختلفة على أساس المواطنة والانتماء للجنس البشري اذ كان يشير ل " المواطنين" و "الناس" بمساواة تامة بين الرجل والمرأة .
اما دستور مايو (الدستور الدائم لسنة 1973 ) فلم يكتف بكفالة الحقوق على اساس المواطنة (مساويا بذلك بين الرجل والمرأة ) ولا باشارة عابرة في باب المباديء الموجهة للامومة والطفولة كما فعل مشروع دستور 1968 وانما ذهب الى ابعد من ذلك بالزام الدولة بموجب المادة 55 منه بالعناية بالامهات والاطفال وبتوفير الضمانات الكافية للمرأة العاملة . وعلى الرغم من عيوب مايو العديدة الا انها شهدت نشاطا واضحا في مجال الاقرار بحقوق المرأة واصدار التشريعات التي تنظم تلك الحقوق واشراك المراة في العمل العام بصورة ملموسة وفيما يتعلق بحق العمل والمعاملة المناسبة للمرأة في هذا الصدد اصدر نظام مايو في 1981 قانون علاقات العمل الفردية الذي راعى كافة مقتضيات طبيعة المرأة ومنحها الاجر المتساوي للعمل المتساوي واقر بحقها في فترات راحة اثناء العمل كما اقر بحقوق الحامل والمرضع .
ثم جاء الدستور الانتقالي لسنة 1985 فامن بالمادة 17 منه على مبدأ المساواة دون تمييز باسباب عددها من بينها الجنس واشار هذا الدستور في كفالته للحقوق والحريات الاساسية (من بينها حق الملكية وحق المشاركة في الشئوون العامة) الى المواطنة كأساس للتمتع بهذه الحقوق مما ضمن المساواة بين الجميع بما فيهم بطبيعة الحال النساء (13).
** المرأة والتحول الديموقراطي
اطلق اتفاق نيفاشا 2005(اتفاق السلام الشامل) العنان للعديد من اجندة عمل المجتمع المدني, التي تأسست على قاعدة السودان الجديد – أعادة بناء الدولة السودانية على أسس تختلف عما هي عليه منذ الاستقلال – اهم هذه الاجندة هو جند " التحول الديموقراطي" كقضية اساسية , نهضت على اساسها المعارضة السودانية للنظام الاسلاموي الحاكم في الخرطوم منذ 1989 .التحول الديموقراطي هو الانتقال الكامل من نظام شمولي الى نظام ديموقراطي تعددي يختلف نوعيا عن النظام الشمولي من خلال مؤسسات وقوانين وتوجهات ثقافيا وعرقيا للوصول الى نظزام ديموقراطي عادل يوفر المساواة لجميع مكونات المجتمع . كما يشمل التجحول من ايديولوجية الاحادية الى التعددية الفكرية والثقافية والسياسية والعرقية والدينية لتحقيق وبناء وطن متجانس متوازن في التنمية الاقتصادية وبناء الدولة الوطنية العصرية بمؤسساتها الفاعلة في السودان الجديد الذي نتطلع اليه .
انطلاقا من هذا المفهوم والمشاركة والتمثيل النوعي للمرأة في كل مناحي الحياة استنادا على الاهلية والخبرات والمؤهل الاكاديمي والمهني والتعامل مع المرأة كمواطن له الحقوفق الكاملة للمواطن .
آخيرا , هذه الورقة هي جهد متواضع لملامسة الوضعية التي مرت بها المرأة تاريخيا في السودان , وارتباط هذه الوضعية في فترات لاحقة بالمجال الثقافي الاسلامي العربي , وتأثيرات هذا المجال في تكريسه وضعية متخلفة للمرأة سلبتها ما تمتعت به من ميزات في المجتمعات السابقة لدخول العرب السودان .
من جهة أخرى حاولت هذه الورقة أن تقول في جوهرها أن المرأة – استنادا الى التاريخ العربي الاسلامي – استطاعت ان تفصح عن قدرات قيادية عالية , عندما أتيحت لها الفرصة ., وهذا ما عنيناه باستلافنا لسيمون دي بو فوار عن كون الانسان لا يولد امرأة ولكن المجتمع هو الذي يعيد انتاجه داخل نظمه المعرفية والدلالية والثقافية ليصوغه : امرأة . كما يريد هو للمرأة ان تكون . ولذلك ركزت الورقة على ضرورة اضفاء طابع النوع الاجتماعي على المواطنة السودانية من خلال تتبع مسيرة بعض المواد الخاصة بوضع المرأة كما جاءت في عدد من دساتير السودان المؤقتة والسارية . , وكذلك اضفاء هذا الطابع على (طابع النوع على المواطنة) بالنسبة للحركات الفكرية والشعبية التي تستهدف مواجهة اقصاء النوع , خاصة ان قضية النوع في السودان هي قضية معقدة بحكم التعدد الثقافي والتباين الحضاري والاثني , ما يجعل تهميش المرأة مركبا نتيجة الاثني من جهة والثقافة السائدة تجاه بعض الاثنيات من جهة اخرى .. و وبعض الاثنيات المختلفة تجاه بعضها البعض من جهة ثالثة .. حيث قامت هذه الورقة برصد القوانين ذات التاثير المباشر على وضعية المرأة منذ 1956 لتتوقف عند قوانين سبتمبر 1983 وامتداداتها وتحولها على نحو اكثر راديكالية تجاه قضية المرأة بدء من الانقلاب الاسلاموي في 1989 وحتى 2005 , هذا العام الذي يعتبر مدخلا مغايرا لسودان جديد نأمل ان تتحسن فيه وضعية المرأة وتتحقق فيه اهدافها في ظل التحولات الديموقراطية المتوقعة . فالفترة من من 1983 حتى 2005 تعتبر من اسوأ المراحل التي انتكست فيها وضعية المرأة على نحو بالغ بسبب الخطاب الاسلاموي الذي سعى لتكريس وضعية متخلفة متخطيا ما اكتسبته المرأة خلال نضالها منذ الاربعينيات من القرن الماضي , وما حاولت القوانين السابقة لسبتمبر 1983 التأكيد عليه . حيث ان اثننة السياسة وتسييس الدين منذ 1983 اثرا على وضعية المرأة بصورة تكاد تكون جذرية .
والتحول الديموقراطي كجند مطلوب بشدة , ليست هذه هي المرة الاولى التي يكون فيها جندا أساسيا, بين الاجندة المختلفة للحركة السياسية, والمجتمع المدني.. فمنذ 1956 حتى الان عاشت الدولة السودانية حوالي 11 عاما - هي عمر الفترات الديموقراطية التعددية - وخلال هذه الاعوام ال11 لم يتحقق على صعيد قضية المرأة – في فترات الديموقراطية – اى تقدم ملموس على صعيد القوانين , فقوانين سبتمبر 1983 الاسلاموية سيئة السمعة , لم يتم القائها في الفترة الانتقالية اوفي فترة الحكومة الديموقراطية (85 – 1989) , مما افقد التحول الديموقراطي مضمونه طوال الفترة الديموقراطية المذكورة . باعتبارها اخر فترة ديموقراطية مرت على السودان قبل انقلاب 30 يونيو1989 الاسلاموي .
ولذلك عندما تطرح قضية التحول الديموقراطي الان , كأحد اجندة اعادة بناء الدولة السودانية , على خلفية اتفاق نيفاشا , مقرونة بآمال بشائر ميلاد الجمهورية الثانية للسودان , نجد اننا مضطرين للتركيزعلى بعض الامور المهمة, التي تحملهاالمرأة على عاتقها كهموم ذات طابع مزدوج , واعني هنا :الاسهامات المتوقعة من المرأة في عملية التحول الديموقراطي , واسهام هذا التحول في تحرير المرأة وتدعيم قضيتها في آن ومن ثم نستطيع القول بأن مشاركة المرأة في العمل السياسي, والتحول الديمقراطي في الفترة الانتقالية , ينهض على تصعيد دورها في منظمات المجتمع المدني , والعمل على التصدى لحماية حقوقها الاجتماعية والسياسية 00 ومن خلال تحركها في منظمات المجتمع المدني تستطيع العمل من أجل توعية النساء بحقوقهن وحقوق المواطنة والمشاركة في عملية التحول الديمقراطي بالعمل العلمي والبحثي من خلال الندوات والمحاضرات الى جانب العمل على انشاء مشاريع اقتصادية اهلية صغيرة .. كذلك يجب الخروج من حالة القضية النخبوية بتجذير قضية المرأة في الواقع الجماهيري, بحيث تشمل كافة نساء السودان من خلال منظمات وجمعيات وروابط أهلية , تعطي قضية المرأة السند الجماهيري ,فالمنظمات النسوية يقع على عاتقها - غير دورها الاساسي - , دور تعليمي و تنويري وتحديثي تجاه النساء الريفيات والمحليات, في مختلف اقاليم السودان , خاصة تلك المناطق التي عانت من حروب ونزوح ولجؤ.. اذ يصبح للمنظمات النسوية فيها دورا اكبر , كيما تتمكن تلكن النساء من تجاوز مرارات الحرب وما خلفته من تراكمات نفسية بسبب الاغتصابات والقتل والاذلال الذي تم في عهد الانقاذ. تقول دكتورة آمنة الصادق بدري :"تفعيل مشاركة المرأة في العمل السياسي والتحول الديمقراطي تبدأ بمحو أمية النساء ورفع الوعي السياسي للرجال والنساء، تفعيل ودعم جهود منظمات المجتمع المدني، سن القوانين التي تضمن الحقوق وحرية التعبير للجميع وتوحيد جهود النساء من مختلف التيارات السياسية في مختلف المجالات خصوصاً صنع السلام)14) على ضؤ هذه الخلفية المختصرة حول الاجندة العامة للتحول الديموقراطي فيما يخص قضية المراة , نحاول الدخول في صميم ورقتنا هذه التي تحاول تجسير وضعية المرأة بين مواثيق حقوق الانسان , وخطاب التجديد الديني . وذلك لأن الخطاب الديني المحافظ - والناشط في السودان, بسبب المناخ الذي خلفته تجربة الجبهة الاسلامية (83 – 1985),(89 – 2005) - لايزال يحاول مصادرة ما حققته المرأة السودانية ,من مكتسبات ويجيء هذا التجسير - بين الخطاب التجديدي الدينى ومواثيق حقوق الانسان , فيما يخص وضعية المرأة - الذي نحاول اقامته , لاعتقادنا ان هذه المواثيق كونية , وهذه الكونية لمواثيق حقوق الانسان , هي ما تعطي محاولتنا مشروعيتها .. وحول كونية حقوق الانسان يقول دكتور الباقر العفيف" كونية حقوق الانسان مستمدة من أسباب ذاتية وداخلية تتعلق بجوهر المفهوم , وكونه يمثل افضل او اقرب صور تحقيق الكرامة البشرية , وكذلك مستمدة من اسباب موضوعية , وخارجية تتعلق باتفاق الدول الموقعة ,على نصوص الاعلان العالمي لحقوق الانسان بقبولها كمعيار . اما دليل صحتها فهو في نظرهم : البداهة والفطرة السليمة , ومن هذه الامور البديهية مثلا : أن يكون الناس متساويين في القيمة الانسانية , وامام القانون والا يتفاضلون بسبب الوانهم أو اديانهم , او انواعهم من ذكر وأنثي. ومن الامور البديهية الا يملك الانسان اخاه الانسان , ومنها الا تكون هناك رقابة على ضمائر الناس , وأن يتركوا أحرارا ليعتنقوا ما يشاءون من اديان , فاذا أتضح هذا يتضح ايضا, ان هذا هو عينه ما جعلها كونية الطابع , فهي تخاطب الانسان بما هو انسان, متجاوزة الفوارق الاجتماعية والسياسية والجغرافية, ومتعلقة بما هو مشترك بين الناس" اى الفطرة السليمة" التي تأبى الظلم وتنفر من التفرقة وتنشد العدل والمساواة(15) نلاحظ أن المواثيق الدولية بدء بالاعلان العالمي لحقوق الانسان, والعهود الدولية التالية له , أولت المرأة اهتماما كبيرا , وذلك بسبب الظلم التاريخي الذي وقع على المرأة .. وفي حالة السودان بشكل خاص, نجدها باستمرار- المرأة - هي اول ضحايا الانظمة المتعاقبة, سواء كان ذلك في فترة الاستعمار التركي المصري, او الاستعمار المحلي ممثلا في المهدية, او فترة الاستعمار الانجليزي المصري , والاستعمار المحلي ممثلا في الحكومات السودانية المتعاقبة منذ 1956 , اذ مارست بدورها نوعا من الظلم والتعسف تجاه المرأة .. لتكشف هذه الورقة عن اغراضها , نستعرض أولا وضعية المرأة في عدد من المواثيق الدولية .
** المرأة في خطاب حقوق الإنسان
أكد مؤتمر فينا العالمي لحقوق الانسان في برنامج عمله (1993) على عالمية حقوق الانسان , وترابطها وعدم تجزءتها " ان حقوق الانسان للمرأة والطفل هي جزء غير قابل للتصرف من حقوق الانسان العالمية , وجزء لا يتجزأ من هذه الحقوق ولا ينفصل عنها . ان مشاركة المرأة مشاركة كاملة وعلى قدم المساواة, في الحياة السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية, على الصعيد الوطني والاقليمي والدولي . واستئصال جميع أشكال التمييز على اساس الجنس, هما من اهداف المجتمع الدولي ذات الاولوية (16) تركيز مؤتمر فينا على ضرورة تصحيح الوضعية الخاطئة, التي تعاني منها المرأة بالتأكيد على المساواة , جاء من الادراك العميق للمؤتمرين, ان المساواة وعدم التمييز هما القاعدة التي تنهض عليها الحقوق الانسانية , واحد مظاهر الديموقراطية في المجتمع " واذا كانت هناك اسبابا للتمييز تختلف من بلد الى اخر, ومن مجتمع الى اخر , الا ان استمراره يعني وجود كوابح ثقافية واجتماعية وتاريخية ودينية, فضلا عن سكونية المجتمع والتي لا تميل الى التجديد والتغيير, والخروج على العادات والتقاليد, وان كان بعضها باليا, ويضر ايما ضرر بالمرأة (17) وفي اطار تسليط الضوء على حقيقة وضع التمييز الذي تعاني منه المرأة , نشرت صحيفة وقائع التي تصدر عن مركز جنيف التابع للامم المتحدة "ان النساء يشكلن اغلبية فقراء العالم , وقد زاد عدد النساء, اللواتي يعشن في فقر في الارياف بنسبة 50%منذ 1975 وتشكل النساء اغلبية الاميين في العالم .. وعلى نطاق العالم تكسب النساء من 30 – 40 % اقل من أجور الرجال للقيام بعمل متساو وتشغل النساء بين 10 – 20 % من الوظائف التنظيمية والادارية وأقل من 20 % من الوظائف في الصناعة (1 وتعكس هذه الارقام مدى التمييز الذي تعانيه الوضعية القانونية للمرأة, اقتصاديا واجتماعيا .. تصف اتفاقية (القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة) جملة من التدابير لتمكين المرأة من التمتع بحقوقها على اساس القاعدة الاساسية, التي نهضت فيها هذه الاتفاقية: (حظر التمييز ضد المرأة).. كما ان ديباجة ميثاق الامم المتحدة كانت قد حددت مبدأ المساواة, باعتباره هدفا اساسيا. حين نصت على الايمان من جديد بحقوق الانسان الاساسية ,وبكرامة الانسان وقيمته وبالحقوق المتساوية للرجال والنساء (19) كما أكدت المادة الاولى من الميثاق, على أن احد مقاصد الامم المتحدة هو : تحقيق التعاون الدولي في تعزيز احترام حقوق الانسان والحريات الاساسية للناس جميعا ,والتشجيع على ذلك بلا تمييز, بسبب الجنس او اللغة او الدين ." ويتعزز توجه الامم المتحدة بتأكيد المساواة في الشرعية الدولية لحقوق الانسان بالصكوك الثلاثة : الاعلان العالمي لحقوق الانسان 1948 – والعهدان الدوليان الخاصان بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية, والثقافية والحقوق المدنية والسياسية الصادران عن الجمعية العامة للامم المتحدة 1966 والداخلان حيز التنفيذ عام 1976 ويمكن اضافة البروتكولان الاضافيان الملحقان بهما حسب وجهات النظر (20) وتشكل هذه الصكوك الاساس الاخلاقي والقانوني لكل عمل الامم المتحدة فيما يتعلق بحقوق الانسان , كما توفر القاعدة التي استند اليها النظام الدولي, لحماية حقوق الانسان .
ينص الاعلان العالمي لحقوق الانسان في مادته الثانية, على مبدأ المساواة في الكرامة والحقوق الاساسية دون تمييز من اى نوع , ولا سيما التمييز بسبب العنصر او اللون او الجنس, او اللغة او الدين او الرأى سياسيا او غير سياسي, او الاصل الوطني او الاجتماعي او الثروة او المولد او اي وضع اخر .
كما ينص العهدان الدوليان بوضوح على انطباق جميع الحقوق الواردة فيهما على جميع الاشخاص دون تمييز من اى نوع مثل : العنصر او اللون او الجنس او اللغة او الدين ..الخ رغم صدور عدد من المواثيق والاعلانات الدولية بخصوص مساواة المرأة , الا أن استمرار التمييز وعدم المسأواة دفعا بالمجتمع الدولي, الى صياغة نصوص جديدة تضمنتها اتفاقية( القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة) خصوصا ما يتعلق
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: المرأة السودانية وتجربتها مع السلطة السياسية ///للكاتب احمد ضحية (Re: Sabri Elshareef)
|
التحول الديموقراطي ووضعية المرأة في السودان بين مواثيق حقوق الانسان وخطابات التجديد الديني
احمد ضحية " لقد شاهدت النساء وعلمت من أسرارهن ما لا يكاد يعلمه غيري , لاني ربيت في حجورهن , ونشأت بين ايديهن , ولم أعرف غيرهن , ولا جالست الرجال الا وانا في حدّ الشباب وحين تبقل وجهي , وهن علمنني القرآن وروّينني كثيرا من الاشعار ودربنني في الخط , ولم يكن وكدي واعمال ذهني مذ اول فهمي وانا في سن الطفولة جدا الا تعرّف اسبابهن , والبحث عن أخبارهن وتحصيل ذلك ".. ابن حزم الاندلسي – طوق الحمامة .
أن المرء لا يولد امرأة , وأنما يصبح امرأة .. سيمون دي بوفوار .
** المرأة والتحول الديموقراطي :
اطلق اتفاق نيفاشا 2005(اتفاق السلام الشامل) العنان للعديد من اجندة عمل المجتمع المدني, التي تأسست على قاعدة السودان الجديد – أعادة بناء الدولة السودانية على أسس تختلف عما هي عليه منذ الاستقلال – اهم هذه الاجندة هو جند " التحول الديموقراطي" كقضية اساسية , نهضت على اساسها المعارضة السودانية للنظام الاسلاموي, الحاكم في الخرطوم منذ 1989 , واذا حاولنا ان نجد تعريفا مركزا وبسيطا للتحول الديموقراطي كمفهوم , نجد أن التحول الديموقراطي هو الانتقال الكامل من نظام شمولي, الى نظام ديموقراطي تعددي يختلف نوعيا عن النظام الشمولي ,من خلال مؤسسات وقوانين وتوجهات : ثقافيا وعرقيا وفكريا وحضاريا , للوصول الى نظام ديموقراطي عادل يوفر المساواة لجميع المجتمعات في السودان . وبالطبع يشمل ذلك التحول من ايديولوجية الاحادية الى التعددية الفكرية والسياسية والثقافية والسياسية والأثنية والدينية لتحقيق وبناء وطن متجانس, و متوازن في التنمية الاقتصادية, وبناء الدولة الوطنية العصرية بمؤسساتها الفاعلة, في السودان الجديد الذي نتطلع اليه .
انطلاقا من هذا المفهوم الذي ينهض في توسيع قاعدة المشاركة والتمثيل النوعي للمرأة في كل مناحي الحياة ,استنادا على الاهلية والخبرات والمؤهل الاكاديمي والمهني والتعامل مع المرأة كمواطن له الحقوق الكاملة للمواطن .
من هذا المنطلق تجيء هذه الورقة كجهد متواضع لملامسة الوضعية, التي مرت بها المرأة تاريخيا في السودان , وارتباط هذه الوضعية في فترات لاحقة بالمجال الثقافي الاسلامي العربي , وتأثيرات هذا المجال في تكريسه وضعية متخلفة للمرأة ,سلبتها ما تمتعت به من ميزات في المجتمعات السابقة لدخول العرب السودان .
من جهة أخرى تحاول هذه الورقة أن تفصح في المقولات التي تنطلق منها عن أن المرأة – استنادا الى التاريخ العربي الاسلامي – استطاعت ان تكشف عن قدرات قيادية عالية , عندما أتيحت لها الفرصة ., وهذا ما عنيناه باستلافنا لسيمون دي بو فوار عن كون الانسان لا يولد امرأة, ولكن المجتمع هو الذي يعيد انتاجه, داخل نظمه المعرفية والدلالية والثقافية ليصوغه : امرأة . كما يريد هو للمرأة ان تكون . ولذلك ركزت الورقة على ضرورة اضفاء طابع النوع الاجتماعي على المواطنة السودانية ,من خلال تتبع مسيرة بعض المواد الخاصة بوضع المرأة كما جاءت في عدد من دساتير السودان المؤقتة والسارية . , وكذلك ضرورة اضفاء هذا الطابع (طابع النوع على المواطنة) على الحركات الفكرية والشعبية ,التي تستهدف مواجهة اقصاء النوع , خاصة ان قضية النوع في السودان, هي من القضايا المعقدة ,بحكم التعدد الثقافي والتباين الحضاري والاثني , ما يجعل تهميش المرأة مركبا ,نتيجة الاثني من جهة والثقافة السائدة تجاه بعض الاثنيات من جهة اخرى .. وبعض الاثنيات المختلفة تجاه بعضها البعض من جهة ثالثة .. حيث قامت هذه الورقة برصد القوانين ذات التاثير المباشر, على وضعية المرأة منذ 1956 لتتوقف عند قوانين سبتمبر 1983 وامتداداتها وتحولها على نحو اكثر راديكالية تجاه قضية المرأة بدء من الانقلاب الاسلاموي في 1989 وحتى 2005 , هذا العام الذي يعتبر مدخلا مغايرا لسودان جديد نأمل ان تتحسن فيه وضعية المرأة وتتحقق فيه اهدافها في ظل التحولات الديموقراطية المتوقعة . فالفترة من من 1983 حتى 2005 تعتبر من اسوأ المراحل التي انتكست فيها وضعية المرأة ,على نحو بالغ بسبب الخطاب الاسلاموي ,الذي سعى لتكريس وضعية متخلفة ,متخطيا ما اكتسبته المرأة خلال نضالها الطويل, منذ الاربعينيات من القرن الماضي , وما حاولت القوانين السابقة لسبتمبر 1983 التأكيد عليه . حيث ان اثننة السياسة وتسييس الدين منذ 1983 اثرا على وضعية المرأة بصورة تكاد تكون مباشرة و جذرية .
والتحول الديموقراطي كجند مطلوب بشدة , ليست هذه هي المرة الاولى التي يكون فيها جندا أساسيا, بين الاجندة المختلفة للحركة السياسية, والمجتمع المدني.. فمنذ 1956 حتى الان عاشت الدولة السودانية حوالي 11 عاما - هي عمر الفترات الديموقراطية التعددية - وخلال هذه الاعوام ال11 لم يتحقق على صعيد قضية المرأة – في فترات الديموقراطية – اى تقدم ملموس على صعيد القوانين , فقوانين سبتمبر 1983 الاسلاموية سيئة السمعة , لم يتم الغائها في الفترة الانتقالية اوفي فترة الحكومة الديموقراطية (85 – 1989) , مما افقد التحول الديموقراطي مضمونه طوال الفترة الديموقراطية المذكورة . باعتبارها اخر فترة ديموقراطية مرت على السودان قبل انقلاب 30 يونيو1989 الاسلاموي .
ولذلك عندما تطرح قضية التحول الديموقراطي الان , كأحد اجندة اعادة بناء الدولة السودانية , على خلفية اتفاق نيفاشا , مقرونة بآمال بشائر ميلاد الجمهورية الثانية للسودان , نجد اننا مضطرين للتركيزعلى بعض الامور المهمة, التي تحملهاالمرأة على عاتقها كهموم ذات طابع مزدوج , واعني هنا :الاسهامات المتوقعة من المرأة في عملية التحول الديموقراطي , واسهام هذا التحول في تحرير المرأة وتدعيم قضيتها في آن ومن ثم نستطيع القول بأن مشاركة المرأة في العمل السياسي, والتحول الديمقراطي في الفترة الانتقالية , ينهض في تصعيد دورها في منظمات المجتمع المدني , والعمل على التصدى لحماية حقوقها الاجتماعية والسياسية 00 ومن خلال تحركها النشط والفاعل في منظمات المجتمع المدني, تستطيع العمل من أجل توعية النساء بحقوقهن, وحقوق المواطنة والمشاركة في عملية التحول الديمقراطي ,بالعمل العلمي والبحثي من خلال الندوات والمحاضرات ,الى جانب العمل على انشاء مشاريع اقتصادية اهلية صغيرة .. كذلك يجب الخروج من حالة( القضية النخبوية) بتجذير قضية المرأة في الواقع الجماهيري, بحيث تشمل كافة نساء السودان ,من خلال منظمات وجمعيات وروابط أهلية , تعطي قضية المرأة السند الجماهيري المطلوب ,فالمنظمات النسوية يقع على عاتقها - غير دورها الاساسي - , دور تعليمي و تنويري وتحديثي تجاه النساء الريفيات والمحليات, في مختلف اقاليم السودان , خاصة تلك المناطق التي عانت من حروب ونزوح ولجؤ.. اذ يصبح للمنظمات النسوية فيها دورا اكبر , كيما تتمكن تلكن النساء من تجاوز مرارات الحرب, وما خلفته من تراكمات نفسية بسبب الاغتصابات والقتل والاذلال والنهب والسلب الذي تم في عهد الانقاذ.
تقول دكتورة آمنة الصادق بدري : أن "تفعيل مشاركة المرأة في العمل السياسي والتحول الديمقراطي, تبدأ بمحو أمية النساء ورفع الوعي السياسي للرجال والنساء، وتفعيل ودعم جهود منظمات المجتمع المدني،و سن القوانين التي تضمن الحقوق وحرية التعبير للجميع ,وتوحيد جهود النساء من مختلف التيارات السياسية, في مختلف المجالات خصوصاً صنع السلام)1) على ضؤ هذه الخلفية المختصرة حول الاجندة العامة للتحول الديموقراطي فيما يخص قضية المراة , نحاول الدخول في صميم ورقتنا ,هذه التي تحاول تجسير وضعية المرأة بين مواثيق حقوق الانسان , وخطاب التجديد الديني . وذلك لأن الخطاب الديني المحافظ - والناشط في السودان, بسبب المناخ الذي خلفته تجربة الجبهة الاسلامية (83 – 1985),(89 – 2005) - لايزال يحاول مصادرة ما حققته المرأة السودانية ,من مكتسبات ويجيء هذا التجسير - بين الخطاب التجديدي الدينى ومواثيق حقوق الانسان , فيما يخص وضعية المرأة - الذي نحاول اقامته , لاعتقادنا ان هذه المواثيق كونية , وهذه الكونية لمواثيق حقوق الانسان , هي ما تعطي محاولتنا مشروعيتها .. وحول كونية حقوق الانسان يقول دكتور الباقر العفيف" كونية حقوق الانسان, مستمدة من أسباب ذاتية وداخلية تتعلق بجوهر المفهوم , وكونه يمثل افضل او اقرب صور تحقيق الكرامة البشرية , وكذلك مستمدة من اسباب موضوعية , وخارجية تتعلق باتفاق الدول الموقعة ,على نصوص الاعلان العالمي لحقوق الانسان بقبولها كمعيار . اما دليل صحتها فهو في نظرهم : البداهة والفطرة السليمة , ومن هذه الامور البديهية مثلا : أن يكون الناس متساويين في القيمة الانسانية , وامام القانون والا يتفاضلون بسبب الوانهم أو اديانهم , او انواعهم من ذكر وأنثي. ومن الامور البديهية الا يملك الانسان اخاه الانسان , ومنها الا تكون هناك رقابة على ضمائر الناس , وأن يتركوا أحرارا ليعتنقوا ما يشاءون من اديان , فاذا أتضح هذا يتضح ايضا, ان هذا هو عينه ما جعلها كونية الطابع , فهي تخاطب الانسان بما هو انسان, متجاوزة الفوارق الاجتماعية والسياسية والجغرافية, ومتعلقة بما هو مشترك بين الناس" اى الفطرة السليمة" التي تأبى الظلم وتنفر من التفرقة وتنشد العدل والمساواة(2) نلاحظ أن المواثيق الدولية بدء بالاعلان العالمي لحقوق الانسان, والعهود الدولية التالية له , أولت المرأة اهتماما كبيرا , وذلك بسبب الظلم التاريخي الذي وقع على المرأة .. وفي حالة السودان بشكل خاص, نجدها باستمرار- المرأة - هي اول ضحايا الانظمة المتعاقبة, سواء كان ذلك في فترة الاستعمار التركي المصري, او الاستعمار المحلي ممثلا في المهدية, او فترة الاستعمار الانجليزي المصري , والاستعمار المحلي ممثلا في الحكومات السودانية المتعاقبة منذ 1956 , اذ مارست بدورها نوعا من الظلم والتعسف تجاه المرأة .. لتكشف هذه الورقة عن اغراضها , نستعرض أولا وضعية المرأة في عدد من المواثيق الدولية.
** المرأة في خطاب حقوق الانسان :
أكد مؤتمر فينا العالمي لحقوق الانسان في برنامج عمله (1993) على عالمية حقوق الانسان , وترابطها وعدم تجزءتها " ان حقوق الانسان للمرأة والطفل هي جزء غير قابل للتصرف من حقوق الانسان العالمية , وجزء لا يتجزأ من هذه الحقوق ولا ينفصل عنها . ان مشاركة المرأة مشاركة كاملة وعلى قدم المساواة, في الحياة السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية, على الصعيد الوطني والاقليمي والدولي . واستئصال جميع أشكال التمييز على اساس الجنس, هما من اهداف المجتمع الدولي ذات الاولوية (3) تركيز مؤتمر فينا على ضرورة تصحيح الوضعية الخاطئة, التي تعاني منها المرأة بالتأكيد على المساواة , جاء من الادراك العميق للمؤتمرين, ان المساواة وعدم التمييز ,هما القاعدة التي تنهض عليها الحقوق الانسانية , واحد مظاهر الديموقراطية في المجتمع " واذا كانت هناك اسبابا للتمييز تختلف من بلد الى اخر, ومن مجتمع الى اخر , الا ان استمراره يعني: وجود كوابح ثقافية واجتماعية وتاريخية ودينية, فضلا عن سكونية المجتمع ,والتي لا تميل الى التجديد والتغيير, والخروج على العادات والتقاليد, وان كان بعضها باليا, ويضر ايما ضرر بالمرأة (4) وفي اطار تسليط الضوء على حقيقة وضع التمييز الذي تعاني منه المرأة , نشرت صحيفة وقائع التي تصدر عن مركز جنيف التابع للامم المتحدة "ان النساء يشكلن اغلبية فقراء العالم , وقد زاد عدد النساء, اللواتي يعشن في فقر في الارياف بنسبة 50%منذ 1975 وتشكل النساء اغلبية الاميين في العالم .. وعلى نطاق العالم تكسب النساء من 30 – 40 % اقل من أجور الرجال للقيام بعمل متساو وتشغل النساء بين 10 – 20 % من الوظائف التنظيمية والادارية وأقل من 20 % من الوظائف في الصناعة (5) وتعكس هذه الارقام مدى التمييز الذي تعانيه الوضعية القانونية للمرأة, اقتصاديا واجتماعيا .. تصف اتفاقية (القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة) جملة من التدابير لتمكين المرأة من التمتع بحقوقها على اساس القاعدة الاساسية, التي نهضت فيها هذه الاتفاقية: (حظر التمييز ضد المرأة).. كما ان ديباجة ميثاق الامم المتحدة ,كانت قد حددت مبدأ المساواة, باعتباره هدفا اساسيا. حين نصت على الايمان من جديد ,بحقوق الانسان الاساسية ,وبكرامة الانسان وقيمته, وبالحقوق المتساوية للرجال والنساء (6) كما أكدت المادة الاولى من الميثاق, على أن احد مقاصد الامم المتحدة هو : تحقيق التعاون الدولي في تعزيز احترام حقوق الانسان والحريات الاساسية للناس جميعا ,والتشجيع على ذلك بلا تمييز, بسبب الجنس او اللغة او الدين ." ويتعزز توجه الامم المتحدة بتأكيد المساواة في الشرعية الدولية لحقوق الانسان بالصكوك الثلاثة : الاعلان العالمي لحقوق الانسان 1948 – والعهدان الدوليان الخاصان بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية, والثقافية والحقوق المدنية والسياسية ,الصادران عن الجمعية العامة للامم المتحدة 1966 والداخلان حيز التنفيذ عام 1976, ويمكن اضافة البروتكولان الاضافيان الملحقان بهما, حسب وجهات النظر (7) وتشكل هذه الصكوك الاساس الاخلاقي والقانوني, لكل عمل الامم المتحدة فيما يتعلق بحقوق الانسان , كما توفر القاعدة التي استند اليها النظام الدولي, لحماية حقوق الانسان .
ينص الاعلان العالمي لحقوق الانسان في مادته الثانية, على مبدأ المساواة في الكرامة والحقوق الاساسية دون تمييز من اى نوع , ولا سيما التمييز بسبب العنصر او اللون او الجنس, او اللغة او الدين او الرأى سياسيا او غير سياسي, او الاصل الوطني او الاجتماعي او الثروة او المولد او اي وضع اخر . كما ينص العهدان الدوليان بوضوح, على انطباق جميع الحقوق الواردة فيهما, على جميع الاشخاص دون تمييز من اى نوع مثل : العنصر او اللون او الجنس او اللغة او الدين ..الخ رغم صدور عدد من المواثيق والاعلانات الدولية بخصوص مساواة المرأة , الا أن استمرار التمييز وعدم المسأواة, دفعا بالمجتمع الدولي, الى صياغة نصوص جديدة تضمنتها اتفاقية( القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة) خصوصا ما يتعلق بالحقوق السياسية, والزواج والاسرة والعمل . كما دعت الاتفاقية, الى تفعيل مساهمة المرأة, في الميدان الاقتصادي, والاجتماعي. وضرورة احداث تطور, في رفع وعي النساء والرجال, من اجل قبول مبدأ المساواة, مشددة على المساواة الفعلية , اضافة الى المساواة القانونية , تلك التي تتطلب اتخاذ تدابير خاصة .
في 18 كانون الاول ديسمبر ) 1979, اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة( اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة) وعرضتها للتوقيع والتصديق والانضمام بقرارها المرقم 34/180 وابتداء من 3 ايلول (سبتمبر ) 1981 دخلت الاتفاقية حيز التنفيذ طبقا لأحكام المادة 27 .
وكان( اعلان القضاء على التمييز ضد المرأة )الذي صدر في تشرين الثاني (نوفمبر ) 1967هو الخلفية التي استندت اليها, الجمعية العامة للامم المتحدة في اصدار, الاتفاقية المذكورة . وبعدها بخمس سنوات (1972 ) طلب الامين العام من اللجنة المعنية بمركز المرأة ان تستطلع اراء الدول الاعضاء فيما يتعلق بتشريع اتفاقية دولية حول حقوق المرأة .
وفي عام 1974 ,بدأت اللجنة المعنية بمركز المرأة ,بصياغة الاتفاقية المذكورة , ووجد عمل اللجنة تشجيعا ,بفضل نتائج المؤتمر العالمي للسنة الدولية للمرأة ,الذي انعقد في 1975 . واستمرت عملية الاعداد حتى اوكلت الجمعية العامة ,الى فريق عمل خاص لاتمام مشروع الاتفاقية الذي انجز عام 1979 ( ابدت الدول العربية التي وقعت على الاتفاقية ,بعض التحفظات ,اهمها تحفظاتها على: المساواة امام القانون (المادة الثانية)- المساواة بخصوص الحقوق السياسية والعامة (المادة السابعة) – قوانين الجنسية ( المادة التاسعة ) – المساواة في الاهلية القانونية والمدنية (المادة 15) – الزواج والعلاقات الاسرية (المادة 16) – مبدأ التحكيم ( المادة 29) (9) ونجد أن العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية , قد ركز على حقوق المرأة على قاعدة المساواة وعدم التمييز ايضا , حيث نصت المادة 3 من هذا العهد ,على المساواة في الحقوق بين الاناث والذكور, كما نصت المادة 10 على حماية الاسرة والامهات والاطفال , و شملت هذه الحماية النساء المعوقات " ينبغي الا يحرم المعوقون من فرصة خوض التجربة الجنسية, واقامة علاقات جنسية وخوض تجربة تكوين الاسرة (10) ووفقا للمادة 3 من هذا العهد , تتعهد الدول الاطراف, بضمان مساواة الذكور والاناث في حق التمتع, بجميع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية , وتم ايلاء اهتمام خاص بالنساء المسنات (11) ونصت المادة 13 من هذا العهد ,على عدم التمييز والمساواة في المعاملة " لا يخضع عدم التمييز الذي كرسته المادة 2(2) من العهد لا لتنفيذ تدريجي ولا لتوافر الموارد , بل ينطبق كلية وفورا على كل جوانب التعليم , ويشمل كل اسس التمييز المحظورة دوليا, وتفسر اللجنة المادتين 2(2) و 3 على ضؤ( اتفاقية اليونسكو لمكافحة التمييز في التعليم ), والاحكام ذات الصلة في( القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة ), والاتفاقية( الدولية للقضاء على جميع اشكال التمييز العنصري) , واتفاقية حقوق الطفل , واتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن الشعوب الاصلية والقبلية 1989 , الاتفاقية رقم 159 (12) كما اكدت المادة 12 من العهد على عدم التمييز والمساواة في المعاملة ,بحظرها بموجب الفقرة 2 من المادة 2 والمادة 3, اي تمييز في الوصول للرعاية الصحية, والمقومات الاساسية للصحة, وفي الوصول الى وسائل وحقوق الحصول عليها ,بسبب العرق او الجنس او اللون او اللغة او الدين, او الرأي سياسيا او غير سياسي او الاصل القومي, او الاجتماعي او الثروة او النسب ,او العجز البدني او العقلي او الحالة الصحية (بما في ذلك فيروس نقص المناعة البشرية /الايدز) او الميول الجنسية, او المركز المدني او السياسي او الاجتماعي, او مركز اخر يرمي الى انتقاص او ابطال الحق في الصحة ,او ممارسته على قدم المساواة, او قد يترتب عليه ذلك الاثر (13) كما تمت التوصية ,بان تدمج الدول منظورا جنسانيا في سياساتها, وخططها وبرامجها وبحوثها, المرتبطة بالصحة, بغية العمل على تحسين صحة الرجال والنساء على السواء, الى جانب التاكيد على حق المرأة في الصحة ,على اساس القضاء على التمييز ضدها, بوضع وتنفيذ استراتيجية وطنية شاملة, لتعزيز حقها في الصحة طوال فترة حياتها (14).
** المرأة في خطاب التجديد الديني :
قبل أن نتناول الجانب الاخر من موضوع هذه الورقة (المرأة في خطاب التجديد الديني) اورد هنا فكرتين أساسيتين لدكتور الباقر عفيف تتصلان بموضوعنا .. الاولى هي حول الخصوصية الثقافية حيث يشير دكتور العفيف الى أن الحديث عن الخصوصية الثقافية " او نسبية حقوق الانسان , فيه كثير من الحق الذي يراد به باطل . فقد استخدم هذا المنطق ليبرر انتهاكات كثيرة لحقوق الانسان , وليعطيها شرعية ثقافية تساعد على استمراريتها . وفي عالمنا الاسلامي ,كثيرا ما استخدم هذا المنطق لتبرير التمييز ضد المرأة , خاصة في أمر تعدد الزوجات , وميراث الاناث , وشهادة المرأة , وتوليها للمناصب العامة , وكذلك استخدم لتبرير كبت الشعوب وسلبها حرياتها الاساسية (15) وقبل ان نستعرض بعض الافكار التجديدية الخاصة بوضع المرأة في السودان , لابد لنا من استعراض نقيضها والدافع الى التوصل اليها .
أفرزت سنوات حكم الجبهة الاسلامية في السودان منذ (83- 1985) و(89 – 2005) جماعات متطرفة , استطاعت عبر خطاباتها العاطفية التجييشية ,استقطاب مئات النساء في الاحياء الفقيرة , على اطراف الخرطوم ومدن الاقاليم السودانية الاخرى . ابرز هذه المجموعات (جماعة انصار السنة المحمدية ) وهي اسم الوهابيين في السودان , اذ تتمثل جماعة انصار السنة كل المرجعيات الوهابية , وتحاول التحول الى حركة راديكالية جماهيرية , وحققت هذه الحركة بعض النجاحات في المعارك الطلابية النقابية, في فترات مختلفة منذ العام 1995 (جامعة كردفان – جامعة الخرطوم – جامعة النيلين ) الامر الذي له آثار كبيرة على قضية المرأة, و دلالات بالغة على المشهد السياسي والفكري والثقافي في السودان .
يشير صلاح الدين الجورشي الى ان اللافت للنظر في الخطاب الديني الحركي "طغيان النزعة الدفاعية في قضايا اهمها موضوع المرأة , فرغم بعض التطورات الايجابية, التي حصلت لدى بعض الشخصيات, والفصائل المتبنية والمنتجة لهذا الخطاب , الا ان الطرح الغالب بقى مسكونا بهاجس الخوف ,من الوتيرة المتسارعة, لاندماج المراة المسلمة في حركة المجتمع المنفتح على عالم متغير . كما لا يزال عدد كبير من اصحاب هذا الفكر, يواصلون محاولاتهم , لوضع مزيد من الضوابط الفقهية والايديولوجية, لتقييد حركة المرأة خارج البيت , ويستمرون ايضا في التركيز على واجبات المرأة تجاه زوجها ,واسرتها اكثر من مطالبتهم باحترام وتدعيم حقوقها . لهذا كلما حدث تحرك نسائي او سياسي في بلد مسلم , يهدف اصحابه الى تعديل التشريعات المحلية المتعلقة بالنساء , تصدى له الكثير من اصحاب هذا الخطاب , وبذلوا قصارى جهدهم للحد من سقف هذه المطالب, والقدح في نوايا اصحابها . ولم يسجل في تاريخ هذه الحركات , ان بادر بعضها في بلد من البلدان الاسلامية , وشن حملة قوية , من اجل ادخال اصلاحات على قوانين الاحوال الشخصية , وتعزيز حضور المرأة في المجتمع (16).ملاحظة الجورشي تنطبق على الوضع في السودان , بخاصة الجماعات التكفيرية و الاخوان المسلمين وانصار السنة , الناشطات .. ولكن للنشاط المتزايد لجماعة انصار السنة , اكثر من الجماعات الراديكالية او المحافظة الاخرى , نتخذها نموذجا فكيف ترى هذه الجماعة الوهابية (جماعة انصار السنة)المرأة ؟.. تعتمد هذه الجماعة على التعبئة الوجدانية باستدرار المشاعر من خلال آليتي الترهيب والترغيب , اللتان تنهضان في الثواب والعقاب .. فهي تنظر لكل شئون الدنيا وفقا لمنظار ثنائي (حلال حرام .. كفر ايمان , مسلم كافر .. وطني خائن , الخ ويلخص ابن عثيمين علاقة النحن بالاخر بالقول " انكر كل شيء يؤدي الى ان ينتقل المجتمع الى عادات متلقاة من غير المسلمين (17) .. وهذه الجماعة من الجماعات الثرية جدا التي استطاعت مثل سابقتها – الجبهة الاسلامية – استقطاب التمويل السعودي – الوهابية السعودية - ويلاحظ ان هذه الجماعة في السنوات الاخيرة ,اصبح لديها منافذ لبيع اشرطة الكاسيت الدينية والاخرى الخاصة بالخطب في عدد من الاماكن في الانحاء المختلفة للعاصمة ,الى جانب خطبائهم الذين يخطبون في الاسواق ,ونشاطهم في الاحياء والجامعات عبرالجمعيات والروابط , كما هيمنوا منذ وقت مبكر في مناطق اخرى مثل شرق السودان على عدد كبير جدا من الاستثمارات ,المتخصصة في بيع الاطعمة, وما الى ذلك من حاجات اساسية , يعكس كل ذلك مدى النشاط الذي اعترى هذه الجماعة, في سنوات الجبهة الاسلامية .
تحاول هذه الجماعة عبر مناشيرها وخطبها ان تقول ان الاسلام الذي طبقته الجبهة الاسلامية في السودان, ليس هو الاسلام الصحيح وانها هي (جماعة انصار السنة ) التي تعرف الاسلام الصحيح فهي الفرقة الناجية دونا عن الفرق الاخرى .. وتعتبر مسألة الفرقة الناجية هذه احد ابرز اليات الاشعار بالخطر المحدق على امة محمد , فخطاب انصار السنة يعتمد على لغة الخطر الدائم والمبالغة الهذيانية, والتهويل والتخويف فيما يشبه الحرب النفسية واسعة النطاق تختزل الزمن والتاريخ عبر اكثر من 14 قرن لتسقطه على واقع السودان المتنوع ثقافيا والمتعدد اثنيا والمتباين حضاريا , ليصبح السودان في غمضة عين لدى خطباء انصار السنة احدى امارات الجزيرة العربية ؟! .. " يقول ابن باز عن خطر مشاركة المرأة للرجل في ميدان عمله: ان الدعوة الى نزول المرأة للعمل في ميدان الرجال ,المؤدي الى الاختلاط ,سواء كان ذلك على جهة التصريح ,او التلويح بحجة ان ذلك من مقتضيات العصر, ومتطلبات الحضارة. امر خطير جدا له تبعاته الخطيرة ,وثمراته المرة وعواقبه الوخيمة . رغم مصادمته للنصوص الشرعية, التي تأمر المرأة بالقرار في بيتها ,والقيام بالاعمال التي تخصها في بيتها ونحوه .. الدعوة الى نزول المرأة في الميادين التي تخص الرجال, امر خطير جدا على المجتمع الاسلامي, ومن اعظم اثاره الاختلاط الذي يعتبر من اعظم وسائل الزنا ,الذي يفتك بالمجتمع ويهدم قيمه واخلاقه .. امر الله سبحانه المرأة بقرارها في بيتها, ونهيها عن التبرج معناه النهي عن الاختلاط, وهو اجتماع الرجال بالنساء الاجنبيات, في مكان واحد بحكم العمل ,او البيع او الشراء او النزهة او السفر, او نحو ذلك. لان اقتحام المرأة هذا الميدان. يؤدي بها الى الوقوع في المنهي عنه .. ولا شك ان اطلاق البصر واختلاط النساء بالرجال, والرجال بالنساء, في ميادين العمل وغيرها من اعظم وسائل وقوع الفاحشة .. ولاختلاط المرأة مع الرجل في ميدان العمل, تأثير كبير في انحطاط الامة وفساد مجتمعها .. والمعروف تاريخيا عن الحضارات القديمة الرومانية واليونانية ونحوهما, ان من اعظم اسباب الانحطاط والانهيار الواقع بها ,هو خروج المرأة من ميدانها الخاص الى ميدان الرجال ,وتركهم لما يدفع بامتهم الى الرقي المادي والمعنوي (1 ما سبق ليس بحاجة للتعليق عليه منا , اذ نترك تقييم حديث ابن باز للفطرة السليمة للقاريء . ونقيضا لهذا الخطاب الوهابي المتسلط , نجد خطاب الاخوان الجمهوريين في السودان (الحزب الجمهوري الاسلامي) كاحد الاصوات الفاعلة في التجديد الديني وابرزها منذ وقت مبكر , نجد ان هذا الخطاب – خطاب الاخوان الجمهوريين – اعلا من شأن المرأة وحرص على نيلها حقوقها وقدم رؤي مستنيرة حول تطوير شريعة الاحوال الشخصية للنهوض بالمرأة في السودان من وضعيتها الخاطئة, التي اجبرت على المكوث فيها بسبب فقهاء الظلام , سواء كانوا من اصحاب الفتاوى(ملاك الحقيقة المطلقة) او من حراس التقاليد والعادات البالية التي ترى كل شيء في المرأة , عورة محض .. ربط الفكر الجمهوري قضية تحرير المرأة ومساواتها ,بقضية تطوير شريعة الاحوال الشخصية .. حيث يطرح الفكر الجمهوري مسالة القوامة ,باعتبارها الاساس الذي نهضت عليه التشريعات الاخري الخاصة بوضعية المرأة في المجتمع . ويرى ان هذه التشريعات في وقتها كانت حكيمة كل الحكمة " في القرن السابع وذلك لانه حل مشكلة المرأة في ذلك المجتمع , فقد شرع لها حسب حاجتها وعلى قدر طاقتها وطاقة مجتمعها ايضا ولكن هل هذا الوضع هو مراد الدين الاخير للمرأة ؟ هل هو كلمته الاخيرة في امرها ؟ ام ان هناك وضعا اخر في الدين يمكن ان يقوم عليه تشريع جديد يحل مشكلة المرأة المعاصرة ويكون على قدر طاقتها وطاقة مجتمعها ؟ (19) يرى الجمهوريون ان الفقه شيء اخر غير الشريعة , وان فقهاء المسلمين جانبوا الصواب بتصورهم العقيم للعلاقة الزوجية كمثال – يعني هنا الفقه على المذاهب الاربعة – فقد جاء في الجزء الرابع منه حول تعريف الزواج" (انه عقد على مجرد التلذذ بادمية ) ومن هذا الفهم السقيم القاصر لطبيعة العلاقة السامية – الزواج – جاءت تشريعاتهم التي تنظم لهذه العلاقة جافة وبعيدة كل البعد عن سماحة الدين ومهينة لكرامة المراة وعزتها .. ولذلك فاننا ندعوا ان يتطور القانون من مستوى الوصاية الى مستوى المسئولية .. فتكون في هذا القانون – قانون الاحوال الشخصية – المرأة مسئولة امام المجتمع كالرجل تماما .. المرأة في هذا المستوى تكون حرة في اختيار زوجها , ولها حق الطلاق بالاصالة , كما لزوجها متى ما رأت ان الحياة بينهما استحالت .. وفي هذا القانون كما ان المرأة كلها تكون لزوجها فانه يكون كله لها , بلا تعدد زوجات عليها .. ففي اصل الدين المراة الواحدة للرجل الواحد , لانه – تعالى – قد قرر ان الرجل لا يمكنه العدل بين النساء ولو حرص على ذلك .. هذا بالاضافة الى ان العدل المادي – الذي الى جانب اسباب اخرى – قد اباح التعدد في الماضي قد تغيرت صورته للعدل المعنوي .. فالعدل في القرن السابع فسره النبي (ص) بالعدل المادي – المادي في الكساء والغذاء والسكن وما الى ذلك .. وفي ذلك قال المعصوم " اللهم هذا عدلي فيما املك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا املك " هذا العدل المادي قد تغير في مجتمعنا الحاضر الى العدل المعنوي , لان المرأة في هذا المجتمع اصبحت , وهي تصبح كل صبح جديد , قادرة على الانفاق على نفسها , ولذلك فانها تطالب بالعدل في ميل القلوب .. وهذا ما لا يستطيعه احد بين اثنتين " فلا تؤاخذني فيما تملك ولا املك " ومن هنا وجب ان يكون الزوج كله لزوجته كلها من غير ان تشاركها فيه زوجة اخرى .
فالمرأة في هذا القانون تكون مكافئة لزوجها تماما .. ولذلك فهو لا يدفع مهرا عليها , لان المهر انما يمثل عهد هوان المرأة وقصورها عندما كان الرجل قيما عليها فهو يمثل طرفا من انفاق الرجل عليها , والانفاق سبب من اسباب القوامة .. والمهر زيادة على هذا , انما يمثل ثمن شراء المرأة , عندما كانت تزوج عن طريق السبي أو الخطف او الشراء , ولذلك فالمرأة في هذا التشريع كريمة وليس لها ثمن مادي يمكن ان يدفع عليها لانها لا تقيم بثمن , فهي مساوية للرجل ومهرها رجلها كما سلفت الاشارة فانه قد قيل ان زوجها كله لها كما هي كلها له (20).. واتصور أن مهمة انجاز برنامج تحرير المرأة لا يقع على عاتق المرأة وحدها , بل ايضا على عاتق القوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني , ولأن قضية تحرير المرأة ترتبط بتجديد الخطاب الديني من جهة , كما ترتبط بتفعيل القوانين والاتفاقيات الملزمة الداعمة لقضية المرأة , بحيث يصبح لهذه الاتفاقيات و القوانين معنى اجتماعي عام الى جانب صياغة القوانين التي تعالج الاوضاع التي استجدت على قضية المرأة في السودان بسبب الحرب وما ترتب عليها من نزوح وتهجير , فضلا عما اورثته من مرارات .. ولكي يتم انجاز كل ذلك لابد من وجود فاعل للمرأة في أجهزة الدولة والمراكز ذات القرار.
** هوامش
(1) c:/ducumentsandsettings/ahmed/my documents/ أمان- مركز الدراسات.htm /
(2) العرب بين قمع الداخل وظلم الخارج (أعمال المؤتمر الدولي الاول للحركة العربية لحقوق الانسان . الدار البيضاء 1999)- تقديم وتحرير بهي الدين حسن – ورقة دكتور الباقر عفيف : العالمية والخصوصية "خطاب حقوق الانسان في الثقافة العربية" – مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان – 2000. ص : 61.
(3)عبد الحسين شعبان - الانسان هو الاصل (مدخل الى القانون الدولي الانساني) – مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان 2002 – ص: 74.
(4) السابق – ص : 74.
(5) نفسه – ص : 75.
(6) نفسه – ص : 76.
(7) نفسه – ص : 77.
( نفسه ص: 77.
(9) نفسه ص : 78.
(10) علاء قاعود – الاصيل والمكتسب (الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية ) – مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان 2002- ص : 76.
(11) السابق - ص : 8.
(12) نفسه – ص : 132.
(13) نفسه – ص : 146.
(14) نفسه ص : 147.
(15) العرب بين قمع الداخل وظلم الخارج " مصدر سابق) ص :62.
(16) صلاح الدين الجورشي ورقة اشكاليات الخطاب الحركي الاسلامي) – رواق عربي – مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان – 15 – 16 /1999 ص : 20.
(17) هيثم مناع . الاصوليات الاسلامية وحقوق الانسان – ص : 73 (1 السابق ص : 74.
(19) اهيثم مناع . الاسلام وحقوق المرأة . ص : 87.
(20) السابق . ص : 94 – 95.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: المرأة السودانية وتجربتها مع السلطة السياسية ///للكاتب احمد ضحية (Re: Sabri Elshareef)
|
كانت اتفاقية الغاء كل اشكال التمييز ضد المرأة , هي أهم انجازات العقد العالمي للمرأة 1975 – 1985 اذ جمعت في وثيقة شاملة كل حقوق المرأة التي مرت عبر رحلة دولية طويلة منذ الاعلان العالمي للقضاء على التمييز ضد المرأة في 1967 وصولا الى بلورة الاتفاقية ذاتها واعلانها سنة 1979 ولما كان الامر كذلك فسوف نحتكم الى الاتفاقية باعتبارها بلورة عالمية متكاملة لما هو قانوني بالكامل ولمعنى المساواة التي سوف يستحيل تحقيقها الا بصورة شاملة لكل الجوانب , والتشريع هو واحد من جوانب كثيرة يقتضي الامر تغييرها , بالاضافة الى تغيير الواقع الاقتصادي/اللا أجتماعي القائم على الاستغلال والظلم او كما نتطلع الى ذلك في ظل سودان جديد حتى يكون بوسعنا القول ان المسافة قد تلاشت فعلا بين النصوص القانونية التي تدعوا للمساواة والعدل وبين الواقع الفعلي للنساء
| |
|
|
|
|
|
|
Re: المرأة السودانية وتجربتها مع السلطة السياسية ///للكاتب احمد ضحية (Re: Sabri Elshareef)
|
كانت اتفاقية الغاء كل اشكال التمييز ضد المرأة , هي أهم انجازات العقد العالمي للمرأة 1975 – 1985 اذ جمعت في وثيقة شاملة كل حقوق المرأة التي مرت عبر رحلة دولية طويلة منذ الاعلان العالمي للقضاء على التمييز ضد المرأة في 1967 وصولا الى بلورة الاتفاقية ذاتها واعلانها سنة 1979 ولما كان الامر كذلك فسوف نحتكم الى الاتفاقية باعتبارها بلورة عالمية متكاملة لما هو قانوني بالكامل ولمعنى المساواة التي سوف يستحيل تحقيقها الا بصورة شاملة لكل الجوانب , والتشريع هو واحد من جوانب كثيرة يقتضي الامر تغييرها , بالاضافة الى تغيير الواقع الاقتصادي/اللا أجتماعي القائم على الاستغلال والظلم او كما نتطلع الى ذلك في ظل سودان جديد حتى يكون بوسعنا القول ان المسافة قد تلاشت فعلا بين النصوص القانونية التي تدعوا للمساواة والعدل وبين الواقع الفعلي للنساء
| |
|
|
|
|
|
|