|
الحاج وراق يدعو الى توحيد قوى الاصلاح
|
الصحافة مسارب الضي من الدولة السيد إلى الدولة الخادم:ومن الجباية إلى الرعاية! «3/3»
الحاج وراق
* تشكل النظم الشمولية كارثة على الاوطان، لأنها لا تكتفي بتخريب الحاضر، وانما بتخريبها للبدائل السياسية المعارضة، بالقمع الواسع وأساليب السيطرة والاختراق، تخرب بدائلها نفسها، بما يعني انها تخرب المستقبل كذلك! ولهذا انتهت غالبية تجارب النظم الشمولية اما الى الفوضى والاقتتال الاهلي الشاملين (كنموذجي الصومال ويوغسلافيا)، او الى تمزيق البلاد (كما جرى في الاتحاد السوفيتي السابق)، او الى الاحتلال الاجنبي (كنماذج ألمانيا واليابان الفاشيتين، وافغانستان طالبان، وعراق صدام حسين)! ونواجه في السودان وضعية شبيهة، فقد استطاعت الانقاذ اضعاف القوى السياسية والنقابات، ولكن من حيث المنظور الوطني فليس هناك ما يدعوها الى الانتشاء، حيث استقوت بديلا عن الاحزاب ومنظمات المجتمع المدني، الحركات الاقليمية والجهوية! وهي حركات تركز على مطلب عدالة تقسيم السلطة والثروة، وهو مطلب صحيح، ولكنه غير كاف، ذلك ان التركيز على «تقسيم» السلطة يهمل البحث في طبيعة السلطة المراد تقسيمها ـ أهي سلطة استبدادية ام ديمقراطية؟! كما ان تقسيم الثروة، قد يقود الى عدالة في التوزيع بين السلطة الاتحادية والاقاليم، ولكنه لا يفضي بالضرورة الى عدالة التوزيع التي تهم جماهير الاقاليم، وأعني عدالة التوزيع فيما يتعلق بالقطاعات ذات الاولوية لهذه الجماهير، بحيث تخصص موارد كافية للتعليم والصحة والاسكان والرعاية الاجتماعية! وبسبب هذه الطبيعة المحدودة للحركات الاقليمية، فيمكن للانقاذ ان «تسكِّن» قياداتها، دون ان تخل بالتركيبة الكلية للنظام! وتشير عديد من الشواهد، بما في ذلك طريقة التعامل مع الحركة الشعبية، وهي اعلى افقا واكثر اقتداراً من الحركات الاقليمية، تشير الى ان الانقاذ لا تزال تعتمد نهجها القديم في التركيز على «تحييد» النخب بدلاً من مخاطبة قضايا الجماهير الواسعة، وبالتالي فإنها غالبا ما ستلجأ الى استقطاب النخب الاقليمية بالمناصب والامتيازات وبصلاحيات لا مركزية محدودة ضمن سلطة متمركزة سياسيا واجتماعيا! وتغري باعتماد هذا النهج الموارد الضخمة المتوفرة حاليا للانقاذ، سواء عوائد النفط المتصاعدة، او الجبايات والرسوم التي لا يقرر المواطنون ولا هيئاتهم التمثيلية سقوفها! * ولكن، ماذا ستكون النتيجة النهائية لمثل هذا النهج؟! ستتعزز القناعة لدى جماهير الاقاليم بأن (فيدرالية) الانقاذ قد تفضي الى (فيدرالية) توزيع المغانم بين النخب، ولكنها لا تفضي الى فيدرالية المشاركة السياسية الشعبية، ولا المشاركة الشعبية في التنمية والخدمات، انها (الفيدرالية) التي قادت الى عطش المدن واظلامها، وقادت الى خراب الريف، وإلى انتشار الاوبئة والمجاعات وموجات النزوح الجماعية، وقادت بالتالي إلى التمردات الاقليمية! وهكذا، وبعد فترة لن تطول، فإن جماهير الاقاليم ستعتمد واحدا او اكثر من ثلاثة خيارات: ان تستبدل قياداتها التي تم (تجنيحها) بقيادات اخرى، وبالتالي تكرار التمرد من جديد، أو تطوير المطالب من (فيدرالية) لم تحقق اغراضها إلى الدعوة إلى الانفصال الكامل، او الخيار الثالث النزوح بكثافة إلى عاصمة ضامرة فرص العمل والتوظيف، ومن ثم اضافة المزيد من بارود التفجير الاجتماعي بها! وان هذه الخيارات الثلاثة تقود الى الاستنتاج بأن الاستعاضة عن الاصلاح السياسي والاجتماعي برشاوي النخب ستؤدي حتما إما إلى الفوضى أو إلى تمزيق البلاد! * وتؤكد تجربة الانقاذ بأن (عين) الاستبداد (الحمراء) عادة ما تؤدي إلى استدعاء (العين الخضراء)، اي ان الاستبداد الداخلي الجسيم عادة ما ينتهي بالبلاد إلى التدخل الخارجي! ويلوح شبح الوصاية الاجنبية على البلاد، خصوصا اذا اتخذت التحركات الاجتماعية شكل قلاقل عنصرية وعرقية واسعة، وهذا هوالأرجح في ظل اوضاعنا الراهنة، حيث يتم اضعاف الاحزاب والنقابات، ويتم «تحييد» النخب بالوعد والوعيد«!!» وقد قدمت احداث سوبا وأول اغسطس «الاثنين والثلاثاء» شواهد كافية على عقم هذا النهج في التغاضي عن الرفاه العام والاستعاضة عنه بالامن العام والنظام العام! وبالطبع فإن هزة واسعة جديدة كهزة أول اغسطس ستؤدي غالبا الى وضع البلاد تحت الوصاية الاجنبية الكاملة! * خلاصة الامر اذن، ان الانقاذ تواجه وضعية جديدة لا تستطيع ان تحكم فيها بأساليبها القديمة، وفي هذه الوضعية فإن مصلحتها السياسية والناجمة عن مواجهة الانتخابات القادمة بعد ثلاث سنوات ـ وهي انتخابات لا يمكن ادارتها كانتخابات الطلاب والمزارعين والمحامين«!» وذلك لانها انتخابات حرة ونزيهة تخضع لرقابة دولية «!» ـ هذه الانتخابات تستوجب الاصلاح، وكذلك فإن مصلحة الانقاذ كجهة حاكمة لم تستفد في السابق من القمع والتغاضي عن الاولويات الاجتماعية، حيث ادى قمع الاحزاب الى بروز الحركات الاقليمية، وأدى القمع الوحشي للتمردات الاقليمية الى التدخل الخارجي، ويؤدي استمرار ذات نهج معاداة الاصلاح الى الفوضى وإلى تمزيق البلاد، وحينها فإن المؤتمر الوطني سيتحول الى ائتمار بلا وطن، ويتحول قادته الى خلفاء بلا خلافة!! * وبالطبع، ليس كافيا ان تفهم الانقاذ بأن الاصلاح في مصلحتها ومصلحة البلاد، الأهم ان تمتلك الارادة السياسية لتحقيق هذا الاصلاح، ولكن ارادة الانقاذ لا تزال مشلولة، مشلولة بالايديولوجيا التي تعبر عن الأمس، وبسلطان العادة الذي رسخته ستة عشرعاما من الممارسة الشمولية، ومشلولة بمحدودية متخذي القرار فيها، وبالمصالح الخاصة، وبمراكز القوي التي ترى مصالحها أهم من مصالح النظام ككل، ومن مصالح الوطن كذلك! فما الحل؟! الحل ان تتوحد قوى الاصلاح في البلاد - ولوحدتها شروط ومواصفات، سأتعرض لها غدا بإذنه تعالى - ان تتوحد للضغط لأجل الاصلاح، الضغط من داخل المؤسسات الانتقالية ـ التنفيذية والتشريعية والمحكمة الدستورية ومفوضية حقوق الانسان -، وقد قدم د. محمد يوسف ـ وزير الدولة بالعمل - انموذجا عمليا لما يمكن فعله من داخل هذه المؤسسات، ومن ثم تنسيق هذه الضغوط مع ضغوط الرأي العام وضغوط الشارع . وان مثل هذه الضغوط الموحدة والمنسقة لكفيلة بدفع الانقاذ نحو الاصلاح، بما في ذلك دفعها الى تفهم مصالحها «!»، وإلى ابراز تيار اصلاحي منسجم وسطها، يتخطى الانغلاقيين والمفسدين في صفوفها! وبالعدم، واذا ثبت بأن الانقاذ عصية على الاصلاح، فإن قوى الاصلاح المنسقة الرؤى والجهود، لهي السبيل الوحيد لضمان عدم انزلاق البلاد نحو الفوضى والاقتتال الاهلي الشاملين!
|
|
|
|
|
|