|
Re: انطباعات عائد من السودان بعد غياب عشرين عاما (Re: النصرى أمين)
|
حاولت أن أستفيق من صدمتي وتوجهنا لمدخلرئاسة مشروع الجزيرة وأردت أن أوثق رحلتي وأنا أحمل كاميرا تصوير فديو ويا لدهشتناعند المدخل أوقفنا رجال أمن وصادروا الكاميرا ظناً منهم أنني أعمل لصالح جهةإعلامية. انعقد لساني وبكى قلبي ولم أقدر على الكلام. حاولت أخواتي أن يشرحوا لهمأننا نود زيارة منزلنا الذي غادرنا قبل ثلاثين عام عندما كان الوالد أحد كبارموظفي المشروع. تعنت أحدهم وتفهم الآخر الأمر عندما سمع اسم الوالد وأبدى إعتذاره لأنه قبلها بيوم سبقتنا إحتجاجات من المزارعين المطالبين بتعويض عن أراضيهم التيبيعت وبعد أخذ وعطاء وافقوا على السماح لنا بالدخولبدون الكاميرا. دخلنا وسطالبيوت والمكاتب العتيقة وليتنا ما دخلنا. كدت أن أفقد وعي من الدمار الذي رأيته.كانت بركات يوم غادرتها واحة خضراء تجري قنوات المياه فيها من كل حدب وصوب وحدائقمنازلها لوحة ربانية لا توصف في جمالها وتجانس أشجارها وزهورها وذلك بفضل مشتل يمدالبيوت والمكاتب بالشجيرات وعمال ومختصين متمرسين يقضون الأيام في رعاية تلك الشجيراتوالزهور. وقفت أمام منزلنا والعبرة تخنقني. لا تحتاج أن تعبر السور الأخضرلترىلأنه تحول إلى أعواد يابسة. أما الأشجار والتي كانت يوما ما وارفة الظلال فلم يعدمنها إلا الجذوع المنقعرة والميادين التي لعبنا في خضرتها لم يعد بها حشيش لا أخضرولا أصفر فهي بور مهجور. فضلت داخل السيارة لا أقوى على الحركة ومن الصدفة كانتمعي كاميرا ديجتال صغيرة فأخرجتها وصورت شريطاً لخمس دقايق. بكيت نعم بكيت بقلبي وتقطع كبدي. لم تعد هناكبركات ولا سودان أصبحت الدنيا أمامي كابوساً. ماذا تبقى كي أتباهى به أمام زوجتيوأولادي. عدت. لم تمض علينا خمسة أيام إلاولملمت متاعي وقررت الرحيل وقلبي يعتصر ألماً. نعم لم أقدر أن أتحمل ما شاهدته.خمسة أيام في مدني أحسست فيها بأنني أعمى لا يقدر على الحركة بدون واحد من أولادأخواتي. لم يعد هناك مكان لي في تلك المدينة. رحلتنا التي كان من المفترض أن تكونثلاثة أشهر لم تتجاوز التسعة عشر يوما. طرنا إلى أبوظبي وأمضينا ستة أيام هناكعلها تعوض زوجتي وأولادي. في طريقنا من أبوظبي للعين شاهدت الطريق الذي تحول منصحراء قاحلة إلى واحات خضراء بالتعب والسهر والمثابرة والاستفادة من رأس المال منأجل المواطن. تحسرت كيف وعندنا شريان حياةيمكن أن يبتلع الخليج بأكمله اسمه النيل يجري في حسرة وألم وحاله يقول أنا هبةالله أنا نهر من الجنة تمتعوا بخيراتي ولا حياة لمن تنادي
| |
|
|
|
|
|
|
Re: انطباعات عائد من السودان بعد غياب عشرين عاما (Re: النصرى أمين)
|
صورت الرحلة في طريقي من الخرطوم إلى ودمدني بمحاذاةالنيل. لم نقطع كيلومترا أو اثنين إلا وفجعك منظر حمار أو جمل أو بقرة ميتة علىالطريق ولا يأبه أحد. يتكرر المشهد ونزداد حيرة متى نستفيق من الكابوس. لاحقتني نظرات أولادي ولم أقوى على التفسير. أما في طريق عودتنا شرق النيل فكانت الأكياس البلاستيكية منتشرة بشكل مخيف بعضها عالق على الأشجار وبعضها متراكم فوق أكوام الزبالة. لم أستطع أن أنظر إلى زوجتي أو أعلل لها ذلك وهي الآتية من بلاد خضراءجبلية عندم ا زرناها آخر مرة سوياً لم أر في كل أراضيها من صيدا إلى طرابلس كيساًواحدا من الزبالة مرمياً على الأرض. أما الأنهر والينابيع فتجد حولها المنتزهات العائلية والمطاعم النظيفة التي يستقبلك عمالها ببشاشة وابتسامة تفتح النفس. خبأت أمي حزنها وهي التي كانت تمني نفسها بقضاءأيام جميلة معنا في رمضان والعيد. لكن ما أن وصلنا أبو ظبي وهاتفتها حتى انفجرت بالبكاء والنحيب. والدي تمالك حزنه وقال لي أنجي بنفسك وأولادك. ودعتهم وغادرنا للعاصمة لإجراءات تغييرالحجز واستخراج تأشيرة الخروج وهنا بدأ فصل من المتاعب كأنما كتب علينا العذاب إنبقينا داخل الوطن أو تحملنا الغربة
| |
|
|
|
|
|
|
Re: انطباعات عائد من السودان بعد غياب عشرين عاما (Re: النصرى أمين)
|
بعد أن دفعنا فوق الأربعمائة دولار تأشيرات دخول في سفارتنا هنا بأتاوا فوجئنا أن التأشيرة للدخول فقط ولابد من إقامات تجددكل شهر بما يعادل ثلاثين دور لكل فرد. أماجهاز المغتربين فذلك معركة لابد من الإستعداد لها بكل الأسلحة لذلك اصطحبت ابن خالتي الذي كان ابن جيرانهم يعمل في مكتب مدير الجهاز ويا للصدفة مدير جهازالمغتربين يحمل الجنسية الكندية وكان مقيما في ميسيساجا (تورونتو). توقف صديق ابن خالتي للحظات وبعد تفكير سألني ( الجابك بجواز سوداني شنو) أصبح جواز سفرنا وصمةعار حتى داخل وطننا. سلمناه الجواز وصورة من كرت الإقامة الدائمة ووعدنا بأن يفعلما في وسعه. بعد يومين اتصل بنا وأتفقنا على اللقاء ودفع الرسوم. ( لقد بذلت قصارى جهدي وبعد جهد جهيد أستطعت أن أجمد لك الضرائب. عليك أن تدفع دفعة أولى من إجمالي الضرائب المقدرة بأربعة آلاف دولار. الدفعة الأولى حوالي سبعمائة دولار شاملة تأشيرة الخروج..) استلمناالجواز.. ثم أقترب من أذني موشوشا إياي ( بعد ما ترجع كندا أرمي الجواز السودانيفي الكوشة والمرة الجاية تعال بالكندي أرحم ليك )
القصة طويلة حاولت إختصارهاولكن حتما سأكتب عن رحلتي مقالات ومقالات وربما رواية تصلح للنشر... لك خالص مودتي
| |
|
|
|
|
|
|
Re: انطباعات عائد من السودان بعد غياب عشرين عاما (Re: النصرى أمين)
|
ملحوظة استفزتني بعض التعليقات كالذي سأل الكاتب أينكان أيام نميري أيام صفوف البنزين والرغيف كأن إستبدال الدكتاتورية بدكتاتوريةأخرى مبرر. ألم يقرأ هذا الرجل أين كانت ماليزيا في بداية الثمانينات وأين أصبحتالآن بفضل رجل حكيم ابن تاجر موز بسيط . استطاع أن ينهض ببلاده في ثمانية عشر عامالتصبح في مصاف الدول المنتجة للتكنولوجيا ومن جامعة واحدة أصبح بها أكثر من تسععشرة جامعة. أين تعليمنا الآن بعد أن كنافي لسبعينات وحتى بداية الثمانينات نخرج كفاءات أصبحنا نخرج بذاءات بفضل التعليمالخاص.
انتهت الرسالة
| |
|
|
|
|
|
|
Re: انطباعات عائد من السودان بعد غياب عشرين عاما (Re: النصرى أمين)
|
تحياتي النصري..
يااخي والله رسالة تفطر القلب وترسل الآهات. يا لها من رحلة موحشة كتلك التي تكبدتها بعد ثلاث عشر من المنفى القسري. فقد حدث لي نفس الشىء ورأيتُ العجب العجاب وعدتُ حزينا بعد أن شاهدتُ العدم والفاقة والظلم والحيرة في أعين الناس وإنكسار المدن وحزن الشوارع...
قرأتُ رسالة إبن الجزيرة وبركات وعرفتُ تماما بأنني لستُ وحدي في الفجيعة التي حلت بالبلاد والعباد....
هل هنالك ثمة أمل في إستعادة ولو القليل من الق وطن كان أم ترى أننا لا نقدر إلا على البكاء بين أطنان اللبن المسكوب؟
| |
|
|
|
|
|
|
|