|
لحمة.. يا دنيا رحمة!
|
لحمة يا دنيا رحمة!
(1) مضي اليوم الأوَّل للمبادرة التي أطلقتها جمعية حماية المستهلك بخصوص مقاطعة اللحوم. بعد الارتفاع الجنوني الذي لم يكف عن القفز طيلة الثلاثة أشهر الماضية. تجولت بين أكثر من (مجزرة) أدلف لداخلها و ألقي التحية علي عمالها ثم أسأل عن مستوي البيع. الإجابات التي تحصلت عليها في هذه الجولة، لم تخلو من الإشارة لنجاح حملة المقاطعة، إذ حتى الجزار نفسه يحيلك إلي صداها الإعلامي الواسع، ويؤكد انخفاض نسبة المباع اليومي! في الشارع العام يسأل المواطنون بعضهم البعض بانتظام عن موقفهم من المقاطعة. البعض يجيب بأنه (مقاطع مضطر) والآخر لا يخفي التزامه بالأيام المضروبة للمقاطعة. عامل بدكان كهرباء سيارات، تحدث مع جاره أمامي يسأله: مقاطع اللحمة ولا لأ؟ يجيب الآخر: والله معاي (نسابتي) في البيت لكن من بكرة بخش (الرصة) معاكم! (2) زمن طويل مرَّ دون أن يسمع الواحد منا علي طول يومه معظم من يلقاهم وهم منخرطون في الحديث عن قضية عامة! غير نتائج مباراة الهلال أو المريخ، أو أخبار محترفيهم الذين يجلبون بأموال تكفي لبناء مدينة كاملة من البداية! وعلي الرغم من أن لنا ملاحظات علي مبادرة المقاطعة نفسها سنتطرق لها بعد قليل، إلا أن نجاح هذه المبادرة مما يسُر جداً ويطمئن النفس أن الشارع السوداني لا يزال له خطوطه الحمراء متى ما توجه إليه الخطاب بما يهمه من قضايا. هذا النجاح تمرين جيِّد، وبعث مناسب (لثقافة) الاحتجاج الجماهيري سرعان ما يقود نجاحه لبعث الثقة في نفوس الجميع، بعد أن ينتبه المواطن إلي أنَّ له صوت يمكن سماعه والانصياع له! المبادرة ناجحة علي هذا المستوى نجاحاً منقطع النظير في الآونة القريبة. ولذلك يجب العمل علي تطويرها من خلال تطوير مطالبها في المقام الأوَّل. وهذا لن يتم ما لم ينتبه الجميع إلي أن قرار المقاطعة يجب أن يتجه لوضع الحكومة أمام منصة الاتهام الأوَّل وإرغامها علي اتخاذ خطوات معينة لها أثر كبير علي أسباب زيادة أسعار اللحوم! (3) أوَّل هذه الأسباب بالطبع في حالة اللحوم علي وجه التحديد وأكثرها (عملية)، هو المطالبة بإيقاف (صادر اللحوم) للخارج! فهو البوابة الأولي التي دخلت إلينا عبرها هذه الزيادة المريعة! وما لم تتخذ الحكومة موقفاً حازماً من هذا الإجراء بمثلما اتخذته قبل أشهر قلائل بخصوص (استيراد) بعض السلع الاستهلاكية من بينها (العربات الكورية) وبشروط محددة، فإن مقاطعة اللحوم لن تكون مفيدة لأداء أدوار الضغط المرجوة منها! فطالما يستطيع هذا التاجر الجشع تصدير لحومه للخارج أثناء المقاطعة، فإن ذلك يعني أن يقع الضرر مباشرة علي صغار الجزارين وعمال محلاتها لا (حيتان السوق)! علي جمعية حماية المستهلك توسعة محاور عملها لتشخيص مصادر الأزمة تشخيصاً سليماً والاضطلاع بوضع حلول جذرية لا طارئة. فبدلاً أن ينخرط أعضاء مجلس تشريعي بولاية ما في مقاطعة اللحوم ظانٌ أنه يؤدي واجبه! عليه أن يطالب بتقليل الجبايات التي كانت سبباً مباشراً في هذا الارتفاع! وعليه أيضاً أن ينصح (حكومته) التي يمثلها، بمراجعة (سياسة التحرير الاقتصادي) التي لا تخلو ولا واحدة من أزماتنا الاقتصادية من ظلالها الكثيفة! سبق وكتبنا في هذه المساحة عن ظاهرة الوزراء والولاة والتشريعيين الذين يتغولون علي (مهنتنا)! فيؤدون دور المعلق التلفزيوني أو دور الصحفي، وآخر دور يمكنهم الالتفات له: هو ذلك الذي يتقاضون عليه راتبهم الشهري! (4) غداً سيكتظ ميناء بور تسودان بحاويات كبيرة لتصدير اللحوم البائرة إلي دول عديدة. وسيعود التاجر الجشع لبيته وهو مسرور (بالنقد الأجنبي) الذي سيكسبه ذهباً هذه المرة، وسيتبرع والي الخرطوم بإنشاء حافظة مالية لدعم اللحوم، أو يعلن عن (ملاحم) حكومية جديدة، علي طريقة (مخابز الولاية) قريبة العهد. وستستمر الأزمة بإنتاج شركة جديدة في مجال (الاستثمار الخفي)! حملة مقاطعة اللحوم لا تجدي أكثر مما أشرنا إليه بعالية، إذا لم تتحول إلي مطالب واضحة من المواطن جهة الدولة علي الأقل في المحاور الثلاثة التي أشرنا إليها لمحاً في هذا العمود، وتحية لكل من قاطع في اليوم الأوَّل فأول الغيث قطرة.
|
|
|
|
|
|