قصة تهجير أهالى حلفا ( هجرة النوبيين ) تأليف حسن دفع الله

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-26-2024, 01:30 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2011م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-18-2011, 04:35 AM

Ridhaa
<aRidhaa
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 10057

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
قصة تهجير أهالى حلفا ( هجرة النوبيين ) تأليف حسن دفع الله



    فى سطور :
    المؤلف : حسن دفع الله
    ولد عام 1924م بالسودان
    تخرج فى كلية غردون التذكارية ( جامعة الخرطوم حالياً )
    عمل فى سلك الادارة وتقلد العديد من المناصب الادارية فى السودان
    من أعظم انجازاته تهجير أهالى ( وادى حلفا ) الى منطقة خشم القربة
    سجل تجربته فى كتاب ( هجرة النوبيين ) الذى ظهر بالانجليزية بعد وفاته بحوالي عام
    توفى فى مايو 1974م وكان قد بلغ الخمسين من العمر

    قام بالترجمة الى العربية : عبد الله حميدة
    ولد بالسودان عام 1947م
    تخرج بدرجة البكالوريوس فى الاداب من جامعة الخرطوم ( 1970م)
    عمل اداريا فى الخدمة المدنية ( 1974 – 1978م ) فى مواقع حكومية عديدة
    عضو البرلمان السودانى ( 1978 – 1981م )
    أحد مؤسسى بنك التضامن السودانى ( 1981 – 1985م )
    مدير عام الشركة العالمية لخدمات الاعلام ( 1985- 1989م ) السودان
    أمين سر مجلس ادارة بنك التضامن السودانى ( 1989 – 1998م )
    مستشار اعلامى وادارى ومالى ( 1998 م )
    مترجم كتاب ( هجرة النوبيين ) عن الانجليزية ( 2001م )
    مترجم كتاب ( الحملة على دنقلا وسنار ) عن الانجليزية ( 2002م )

    الطابعون : دار مصحف افريقيا

    http://www.3amara.com/forum/showthread.php?s=...763374651fc8&t=17339
                  

09-18-2011, 04:46 AM

Al Sunda
<aAl Sunda
تاريخ التسجيل: 01-18-2005
مجموع المشاركات: 1854

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة تهجير أهالى حلفا ( هجرة النوبيين ) تأليف حسن دفع الله (Re: Ridhaa)

    Quote: من أعظم انجازاته تهجير أهالى ( وادى حلفا ) الى منطقة خشم القربة

    بالغ المؤلف أو المترجم في الحتة دي
    بأمارة ايه يعني ؟
                  

09-18-2011, 04:53 AM

Ridhaa
<aRidhaa
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 10057

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة تهجير أهالى حلفا ( هجرة النوبيين ) تأليف حسن دفع الله (Re: Ridhaa)

    Quote: وحين أرسل القطار صافرته العالية – انهمرت دموع غالب الركاب بينما عمت المحطة نوبة من العويل والصراخ فى أوساط المودعين 0 وأخذت أتسمع بانتباه الى ما يقولون 0 وبعد هنيهة بدا لى أنهم كانوا يصيحون ويلوحون بعمائمهم للمسافرين قائلين ( آفيالوقو 00 هيروقو ) أي : ( رافقتكم العافية 00 وعلى خيرة الله )
                  

09-18-2011, 04:56 AM

Ridhaa
<aRidhaa
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 10057

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة تهجير أهالى حلفا ( هجرة النوبيين ) تأليف حسن دفع الله (Re: Ridhaa)

    Quote: يتبع : الفصل التاسع عشر ( اللمسات الأخيرة لما قبل الرحيل )


    وبعد أن انتهي الاحتفال ، أخبرني أعيان سره وفرص غرب أنهم بصدد إقامة احتفال وداعي ضخم بقرية سره فى صبيحة الثالث من ينار .
    وأخطرني العمدة صلاح عمدة فرص بأن قريته قد تكون المكان الأنسب لإقامة الاحتفال بحجة أنهم سيسبقون سره بالرحيل . غير أن انشغال قومه أما بحزم أمتعتهم وإما بتسلم تعويضاتهم ، ونسبة لتدهور صحة احد المسنين بقريتهم – والذي ظلت حالته ميئوس منها وظل موته متوقعاً فى أي لحظة ، فقد اتفق مع عمدة سره ( حسن محمد على ) على إقامة الاحتفال فى قريته . وأخبروني كذلك بأنهم قد قاموا بالفعل بدعوة كل أهالى الناحية تقريباً بالاضافة الى أهالى مدينة حلفا . فوافقت على هذه اللمسة الرقيقة ووجهتهم بتدبير أمر ترحيل كل من يرغب فى حضور الاحتفال . ووجهتهم بتدبير أمر ترحيل كل من يرغب فى حضور الاحتفال . ووجهت ضابط اعلامنا – السيد محمد فضل الله – بالتعاون معهم لاعداد برنامج الحفل .
    وفى ذات الوقت كانت استعداداتنا – بوادي حلفا – ليوم الرحيل تجرى على قدم وساق . فوصلت عربات الركاب الجديدة الى ورش السكة حديد بالمدينة . وانتابنى شعور بالارتياح عندما وقعت عيناي عليها . فقد كانت كلها جديدة تماماً وكانت مقاعدها واسعة ومريحة ، كما كانت مزودة بمراوح وباضاءة خارجية تمكن الركاب من مغادرتها وتتيح لهم التجول عندما يتوقف القطار – فى المحطات غير المنورة . ولقد ابتهجت حينما رأيت عربة المستشفي بصفى سراريرها النظيفة والمريحة وبمناضدها الصغيرة الموضوعة فى متناول أيدى المرضى ، ووصلت أيضاً عربات البضاعة بأعداد كبيرة وأوقفت جانباً فى محطتى حلفا وعنقش . وخصصت مصلحة الوابورات – كذلك – باخرة لتكون على أهبة الاستعداد على شاطئ النهر عند فرص قبيل مغيب الرابع من يناير . وفى جولة رافقنى فيها مساعدى ( السيد نديم ) عبر قرية فرص ، لاحظت أن الأزقة قد اكتست بكثبان رملية يمكن أن تجعل من المستحيل على شاحناتنا الثقيلة ( من طراز الكومر )التوجه بحمولتها الى الباخرة . ولذلك قررنا جمع كل أسطولنا من عربات ( اللاندروفر ) ذات الدفع الرباعي – رغم حمولتها المحدودة – واستخدامها لانجاز المهمة بطريقة أفضل . واستطاع المرحوم سعد الدين عبد الغنى – الذى وقع عقد الترحيل مع سلطات السكة حديد – أن يهرب أكثر من مائة من صعايدة أسوان لاستخدامهم فى عمليات شحن وتفريغ الأمتعة .
    وبالنسبة للحيوانات ، فقد أجري الضابط البيطري كل الترتيبات لعلفها وجمع كميات هائلة من اللوحات التعريفية ليكتب عليها أسماء مالكيها ويعلقها بحبال متينة على رقاب تلك الحيوانات . وقام الطبيب البشري بتهيئة احدى ( قمرات ) الدرجة الأولى لتصبح غرفة عمليات صغيرة مجهزة بالمعدات اللازمة والعقاقير والمواد الطبية . كما قام بانتداب الممرضين والقابلة لمرافقة الفوج الأول وأجري الكشف الطبي على كل الحالات المرضية المغادرة .
    وبالاضافة الى ذلك ، قام بزيارة الى قرية فرص حيث تولى الكشف على الحوامل والعجزة ، بينما قاد المهندس حسن طه لجنته – وفى حوزته خريطة لقرية فرص الجديدة – الى فرص وشرع فى توزيع المساكن . وذهب معتمد التعويضات – الذى واصل عمله ليل نهار – الى فرص ومعه فريق من الصيارفة والمحاسبين وخزينة مالية وحرس وبدأ فى دفع الاستحقاقات .
    وعندما قمت بزيارة خاطفة الى هناك سرنى أن أجد الأمور تسير بيسر تام وفقاً للخطة . وعندما وقع نظر العمدة ( الشيخ صلاح ) على شخصى . تلقانى بجماعة يقدر عددها بثلاثين رجلاً – قدمهم الي باعتبارهم أرباب أسر مغتربين – جاءوا للانضمام الى أسرهم قبل أن تبدأ عملية التهجير . وقد أكدت لهجتهم المصرية صحة المعلومة التى أدلى بها العمدة وزادونى تأكيداً بما قالوه لى من أن فوجاً آخر من زملائهم المغتربين فى مصر سيلحق بهم . وعندما استفسرت صلاح عن صحة المريض العجوز ، علمت أ، حالته خطيرة .
    وفى الثالث من يناير أقيم احتفال وداعى كبير فى سره غرب حضره كل أهالى قرية فرص وأهالى سره وما جاورها من قري الى جانب جمع غفير من مدينة وادى حلفا . وانتهزت الفرصة فدعوت مراسلى الصحف الذين كانوا بالمدينة لتغطية أخبار التهجير وذهبنا جميعاً الى سره . فعبرنا النيل عند سره شرق . ثم مررنا بمجموعة من أشجار النخيل قبل أن ندخل فضاء تظلله بعض أشجار الدوم .
                  

09-18-2011, 04:58 AM

Ridhaa
<aRidhaa
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 10057

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة تهجير أهالى حلفا ( هجرة النوبيين ) تأليف حسن دفع الله (Re: Ridhaa)

    Quote: الفصل التاسع عشر والأخير( اللمسات الأخيرة لما قبل الرحيل )


    ثم بدت لنا حشود ضخمة فى واجهة القرية حيث نصب هيكل لسرادق واسع من أعواد النخيل مظلل بحصائر ليقي الضيوف وهج الشمس الحارق ، بينما تجمع القرويون – فى شكل نصف دائرة – أمام السرادق الذي زين بجريد النخل وبأعلام من كل لون . وعندما كنت أحيى الجمهور ، أخبرني الشيخ محمد عبده – إمام مسجد فرص - بوفاة الرجل المريض فى الليلة الفائتة . ثم علق بارتياح قائلاً : ( خير له أن يموت هنا من أن ينازع سكرات الموت على متن القطار ) ولاحظت أن القوم كانوا وجلين من أن يتوفى الرجل في الطريق لأن ذلك كان يعنى إشارة شؤم ، فضلاً عما يسببه تجهيز الجنازة ودفنها في إحدى محطات الطريق من ارتباك . فكان ذلك من الحالات النادرة التي يكون فيها الموت مدعاة للارتياح .
    وقد خطبت طويلاً في ذلك الجمع وشاطرتهم مشاعر الأسى على فراق أرض أجدادهم ومسقط رؤوسهم الذى ترعرعوا فيه منذ فجر التاريخ وأحبوه كما لم يحب أحد أرضه ووطنه . ثم ذكرتهم بأنهم ليسوا أول من غادر موطنه وهاجر واستأنف حياته فى مكان آخر . فتاريخ الإنسانية يزخر بهجرات قد أسهمت فى ازدهار حضارات عظيمة ، ولتدعيم هذه الحجة استشهدت بتأثير هجرات الأمريكيين والأستراليين والعرب الذين نقلوا حضارتهم الى أماكن نائية كانت يوماً ما مظلمة ومتخلفة ، فما لبثت أن ازدهرت وارتقت 0 وأعدت الى أذهانهم سيرة الهجرة الجماعية لقبائل السودان ابان فترة المهدية ثم دلفت الى التغييرات الجذرية المتوقعة فى حياتهم حين يستوطنون ( خشم القربة ) 0 وأشرت الى أنهم سيفقدون نخيلهم الذي كان يمثل العمود الفقري لاقتصاد وطنهم الأصلي كما أشرت الى أن اقتصادهم سيتخذ وجهة مغايرة خاصة وأن أسلوبهم الحالي فى الزراعة كان محصوراً في فلاحة حيازات صغيرة من الأرض تزرعها الأمهات بمساعدة أطفالهن 0 أما في خشم القربة فان الأرض واسعة والتربة خصبة والري متيسر ، وهذه هي البنية التحتية للاقتصاد الزراعي الناجح 0 ولن تكون هناك مشاكل لساقية فى خشم القربة وسيرفع الماء – بواسطة الخزان – الى القنوات ويتم التحكم في مساره عن طريق بوابات لري المزارع 0 وستكون المزارع وستكون المزارع كبيرة بحيث يتعذر على سيدة المنزل وأطفالها فلاحتها والحصول على إنتاج جيد منها 0
    ولذلك فان الفاقد من الإنتاج المنتظم للتمر ينبغي أن يكون دافعاً حقيقياً لبذل مزيد من الوقت في العمل الزراعي 0 وحذرتهم من أن أي إهمال للمزرعة سيؤدي الى شح فى الدخل مما ستكون له عواقب وخيمة على مستوى المعيشة بدلاً من تحسينه 0 يضاف الى ذلك أن المشروع الجديد بخشم القربة هو أحد أعظم أصولنا القومية التى ساهم دافع الضرائب – بسخاء – فى انشائها 0
    ومن هنا فان المزارع الكسول والفلاح المتبطل لا مكان لهما في هذا المشروع وسيلقى يهما بعيداً 0 أما القصور المتوقع فى الأيدي العاملة فيمكن معالجته – جزئياً – بالعودة المحتملة للقادرين من المغتربين الذين سينضمون – أخيراً- الى أسرهم بالوطن الجديد 0 وأهم من ذلك كله ، إمكانية قيام تعاونيات زراعية ميكانيكية فلاحة الأرض جماعياً 0 وفى ختام كلمتي تمنيت لهم السعادة والرخاء فى وطنهم الجديد 0
    وألقى على أحمد على خطاباً مؤثراً عبر فيه بإسهاب عن المشاعر العاطفية التى تربطهم بوطنهم ، وعن الشعور العام المفعم بالأسى الذى يحسه كل واحد منهم لفراقه الى الأبد – ثم قال : بنبرة بدأ فيها أثر الدين واضحاً :-
    ( ان لنا فى هجرة نبينا الكريم أسوة حسنة 0 فقد كانت هجرته من مكة الى يثرب مفتاحاً لنشر دعوة الإسلام فى ربوع العالمين ) ثم استشهد بآيات من القران الكريم والأحاديث النبوية داعياً الى الصبر والامتثال لإرادة الخالق 0 وكان واضحاً أن ( علياً ) قد بلغ به التأثر مبلغه وقد خنقته العبرات عدة مرات أثناء إلقائه خطابه 0
    وتحدث من بعده الامام محمد عبده – الذى استاهل أن يلقب ببطل التهجير – حيث ألقى خطبة عقلانية خففت الهم وخلقت جوا من الارتياح بما تضمنته من مُلح وطرائف 0 وذبح أهالى ( فرص وصرص ) الكرماء ثلاثة عجول لضيوفهم وقدموا طعام الغذاء المكون من الفتة والأرز واللحم للجميع 0 وبعد تلك الوجبة الشهية انفض الاحتفال 0 وفى مساء الرابع من يناير ، ذهبت الى فرص وفى صحبتى مساعدي ( نديم ) وضابط الإعلام للإشراف على اللمسات الأخيرة لعملية التهجير فوجدنا أسطول ( اللاندروفرات ) قد سبقنا بالوصول الى هناك وأبصرنا أمتعة الفوج الأول محزومة ومصفوفة أمام منازل القرية 0 وكان هناك – أيضاً فريق الحمالين الصعايدة يعسكرون تحت ظلال النخيل قرب القرية ، بينما أرسيت الباخرة وعلى متنها عمال السكة حديد باستماراتهم وأدواتهم المخصصة لوسم الأمتعة 0 كذلك جاء عمال البيطرة ، ووقف قطار البضاعة بعرباته الفارغة فى المحطة على الضفة الشرقية 0 أما معتمد التعويضات وجماعته من الصيارفة فقد فرغوا من دفع الاستحقاقات فى الوقت المحدد 0 واخبرني العمدة صلاح بأن اللجنة المكلفة بتوزيع المنازل الجديدة قد أنجزت مهمتها وأن كل مالك قد تسلم بطاقته كما تسلم مصروفات حزم الأمتعة وقيمة زاد الرحلة 0 وعدنا فى المساء الى وادى حلفا وقد بدت علينا مظاهر الارتياح 0
                  

09-18-2011, 05:00 AM

Ridhaa
<aRidhaa
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 10057

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة تهجير أهالى حلفا ( هجرة النوبيين ) تأليف حسن دفع الله (Re: Ridhaa)

    Quote: الفصل العشرون ( التهجير )


    فى اليوم التالي ( الخامس من يناير ) عبرتُ و( نديم ) النيل الى فرص قبيل الشروق على متن لنش الشرطة ، فوجدت أن عملية إخلاء الأمتعة قد بدأت سلفاً تحت إشراف ( الدرديري ) 0 كانت الكثبان الرملية الناعمة قد حصرت الحركة الى منطقة الشاطئ ، فساخت عجلات العديد من السيارات فى الرمل ، واحترق ( مولد ) أحد ( اللانروفرات ) مما احتاج الى وقت لاستبداله بآخر ، وعندما حملت الباخرة أول دفعة من الأمتعة ، عبرنا معها الى الضفة الشرقية للإشراف على تفريغ الحمولة فى القطار 0 وأثناء قيام عمال السكة حديد والحمالين بعملية فرز الأمتعة ونقلها الى عربة البضاعة ، جلست و ( نديم ) على صخرة ملساء قبالة المحطة نتناول شيئا من الإفطار 0 ومن هذا الموقع رأينا شاحنة حكومية وهي تنطلق بسرعة شديدة قادمة من مدينة حلفا 0
    وعندما اقتربت منا ، لا حظنا أنها تحمل عددا من رجال الشرطة المسلحين وعلى رؤوسهم خوذاتهم الفولاذية 0 فخطر لى لأول وهلة أن الوضع فى حلفا لم يعد آمنا ، ما أزعجني 0 وعندما وصلت السيارة نزل منها المرحوم ( على مساعد ) ضابط الشرطة – وقد تمنطق مسدسه – ثم اتجه إلينا 0 لكنه – عندما رآنا نتناول إفطارنا بسرور وسمع أهازيج الحمالين وهم يشحنون الأمتعة فى القطار – انفجر ضاحكا وبدت عليه علامات الارتياح 0 وأوضح لنا أن شائعة قد انطلقت فى مدينة وادي حلفا تفيد بأن أ÷الى فرص قد نكصوا عن الهجرة الى خشم القربة ورفضوا تسليم أمتعتهم لعمال السكة حديد ، وأنني ونديم – عندما تدخلنا فى الأمر – لم نسلم من أياديهم مما ألجأني للعبور الى الحدود المصرية وأوقع نديم رهينة لديهم 0 وكانت الشائعة قد طبقت الآفاق بحيث صدقها كل من كان فى المدينة ، ولهذا السبب فقد جمع الضابط كل ما استطاع من قوة الشرطة وانطلق لتخليصنا 0 وعندما نظرت الى نديم رأيته يكاد ينفجر مثلى من الضحك 0 وقلت لمساعد انه لا اعتراض عندى على أن أجلد بواسطة النوبيين ، الا أن الهروب واللجوء الى مصر لا يشبهنى 0 وبعد أن تناول ( على مساعد ) كوباً من الشاي معنا ، وجهته بالإسراع الى نقطة الحدود بفرص شرق ومهاتفة رجاله بسلامتنا وبأن الأحوال تسير كالمعتاد 0
    وفى المساء كانت أمتعة ودواب الفوج الأول قد حطت – سالمة على القطار 0 واحتاجت الباخرة الى ثلاث رحلات للفراغ من نقلها الى الضفة الغربية 0 أما الحمالون فقد احتاجوا الى ثلاث نوبات عمل لإتمام تلك المهمة 0
    وفى الساعة الخامسة مساءاً أرسلت القاطرة ثلاث صافرات عالية إيذانا بمغادرة أول القطارات الى خشم القربة 0
    وفى محطة حلفا سلم المهندس حسين طه مظروفاً ضخماً ( للكمساري 9 يحوي قوائم توزيع المساكن ومعلومات أخري متعلقة بالفوج الأول معنون الى معتمد التوطين بخشم القربة 0 وتم توجيه الكمساري بتسليم المظروف للمعتمد شخصياً ساعة وصوله الى هناك 0 وزودت عربة الدواب بأعلاف خضراء جُلبت من مزرعة ( راشد ) كما تم توفير المياه الكافية للرحلة 0 وبعد تجهيز كل هذه الاحتياجات غادر القطار وادي حلفا واختفى رويداً رويداً فى صحراء العتمور 0
                  

09-18-2011, 05:01 AM

Ridhaa
<aRidhaa
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 10057

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة تهجير أهالى حلفا ( هجرة النوبيين ) تأليف حسن دفع الله (Re: Ridhaa)

    Quote: الفصل العشرون - التهجير (2)


    وعندما عدت الى مكتبي كان أول ما فعلته أن اتصلت بخشم القربة هاتفياً وأخطرت السيدين علام وعثمان بمغادرة القطار وبالمظروف الذى أرسلناه مع ( الكمساري ) لمعتمد التوطين 0 وإمعانا فى التحوط فقد وجهت المهندس حسن طه للاتصال بخشم القربة وإملاء كل القوائم المبينة بالمظروف هاتفياً – وذلك ليتسنى للمعنيين تخصيص مساكن مهجري الفوج الأول بوقت كاف قبل وصول القطار إلى هناك 0 ثم اتجهت الى على أحمد علي القيم على شؤون تهجير الفوج الأول والذى ظل يتردد على فرص بانتظام ويتبادل الرأي مع المهجرين 0 فراجعت معه واجباته وتناقشنا في كل دقيقة من الأمور التي يمكن أن تقع أثناء الرحلة 0 وكان علي – وهو رجل ذو منزلة مرموقة – على دراية تامة بأهمية دوره خاصة وهو يقود الفوج الأول 0 وكانت لحكمته ومحبته الصادقة لقومه والاحترام الذى يلقاه من كافة قطاعات المجتمع ، ما جعلني على اقتناع أنه كان الرجل المناسب لقيادة فريق المقدمة 0
    وعدت الى منزلى قبيل منتصف الليل لأجد زوجتى قد تلقت محادثة تلفونية من شقيقي فى الخرطوم يرجوني ضرورة مهاتفته فور وصولي 0 وخلال دقائق قليلة استطعت أن أجرى الاتصال 0 فأفادني أن شائعة قد انتشرت فى الخرطوم تتحدث عن مصاعب نلاقيها فى فرص وعن فراري الى الحدود المصرية 0 وبرغم أن زوجتي قد نفت الشائعة الا أنه أصر على سماع الحقيقة منى شخصياً 0 فأكدت له ما قالت زوجتي 0 ويبدو أن الشائعة التى انتشرت فى المدينة صباحاً ، قد نُقلت بلا شك عن طريق عمال الهاتف الى زملائهم فى الخرطوم والذين قاموا – تبعاً لذلك ببثها هناك 0
    وفى فجر السادس من يناير قصدنا فرص فوجدنا أن قطار الركاب قد تم تجهيزه بالمحطة كما وجدنا الممرضين وهم ينظفون عربة المستشفي ويضعون المساند على الأسرة 0 ثم مررنا على كل العربات فوجدناها بحالة مرضية وقد مُدت بكميات كافية من المياه 0 وعند الشروق عبرنا الى الضفة الغربية حيث وجدنا الطبيب وبعض مساعديه بالقرية يقومون بالفحص الطبي النهائي على كبار السن من المهجرين 0 وتم إخطار ذوى المرضى بأن الإجراءات قد اتخذت لنقلهم مباشرة إلى القطار ساعة وصولهم الى مدينة حلفا 0 ولاحظت أن كثيراً من الناس قد جاءوا من فرص شرق وصرص شرق وصرص غرب وأدندان وبلانة : ( على الحدود المصرية ) لوداع الفوج الأول 0 وقد كانت الرائحة النفاذة للحوم المشوية – والتي ملأت الجو – دليلاً على أن كل ربات البيوت قد كن يجهزن طعام الرحلة 0 كما أن ريش الدواجن الذي كانت تطيره الريح قد دل على أن كمية مقدرة من الدجاج قد ذبحت ذلك اليوم 0
    وعندما كان عمال السكة حديد – تحت إمرة الدرديري – يقومون بوزن الأمتعة الخاصة بالفوج الثاني ، لاحظت أن الشيخ محمد عبده – الذي كان مقرراً له أن يكون من ركاب القطار الثاني – قد شرع يكوم أمتعته عند مدخل بيته 0 وفى منتصف النهار وصلت عربة الإسعاف بصحبها فريق من الممرضين لأخذ المرضي والمسنين وذوات الحمل المتقدم إلى الباخرة 0 وفى الساعة الثانية بعد الظهر كانت الحقائب والسلال والحشايا تتراكم أما مداخل المنازل بينما أخذ الحمالون يرفعونها على الشاحنات ثم ينقلونها الى الباخرة 0 وفى الساعة الثالثة عصراً حُمل السمنون والمرضى – تحت اشراف الطبيب – الى موضع خاص بالباخرة 0
    ثم حلت ساعة الفراق حين دخل معظم أرباب الأسر الى منازلهم لالقاء النظرة الأخيرة عليها ثم خرجوا وهم ينتزعون المفاتيح الخشبية من الأبواب الخارجية تذكاراً وجدانياً عزيزا 0 واتجهوا – بعد ذلك فى موكب كبير الى المقابر لقراءة الفاتحةعلى قبور أسلافهم 0 وعادوا الى الباخرة يذرفون الدموع ويبكى بعضهم بحرقة وعويل 0 وظلوا يديمون النظر الى قريتهم ويمسحون دموعهم حينما بدأت الباخرة تتحرك ، فلقد أدركوا أنها النظرة الأخيرة التى لن تتكرر .
                  

09-18-2011, 05:02 AM

Ridhaa
<aRidhaa
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 10057

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة تهجير أهالى حلفا ( هجرة النوبيين ) تأليف حسن دفع الله (Re: Ridhaa)

    Quote: الفصل العشرون - التهجير (3)


    وكان كبار السن منهم الأكثر شجنا .. أولئك الذين أثارت الزيارة الوداعية للقبور فى نفوسهم ذكريات الحزن الدفين على أحداث أعزاء توشك المياه أن تطويها الى الأبد ( وكان المشهد مؤثراً الى أبعد مدى ، وخيمت علينا سحابة من الحزن مشحونة بالمواساة والعزاء الجميل .. ويا لسخرية الأقدار .. فقد كان الأطفال هم وحدهم الذين لم يؤثر عليهم الموقف ، بل أن رحلة القطار كانت بالنسبة اليهم ضرباً من الترفيه 0
    وقبل أن تغادر الباخرة فرص ، صعد عليها كل سكان القرية ( مسافرون ومودعون ) ، فعبرت بهم الى الضفة الشرقية بحمولة كاملة 0 وعندما أدركنا الشاطئ ، حُمل المسنون والمرضى أولاً الى عربة المستشفى التى بالقطار 0 ثم تولت القابلة ادخال الحالات المتقدمة من ذوات الحمل الى كبائن الدرجة الأولى ، يتبعهن من تبقى من الركاب ليستقروا فى عربات الدرجة الثالثة 0 وهنا قرر الشيخ محمد عبده ( بطل التهجير ) فجأة مصاحبة الفوج الأول الى خشم القربة بالرغم من أن أمتعته كانت مكدسة أمام منزله انتظاراً لنقلها الى قطار الفوج الثانى 0 وقد طلب منى ترتيب رحيل عائلته وأمتعتها بقطار الفوج الثانى ، فوافقت ، واحتل مراسلو الصحف – الذين رأوا مصاحبة الفوج الأول من المهجرين فى رحلتهم الى وطنهم الجديد – احدى كبائن الدرجة الثانية 0 وزين سائقو القطار ومساعدوهم مقدمة القاطرة بجريد النخل والزهور احتفاء بهذه المناسبة التاريخية 0 وغادر كل سكان فرص شرق قريتهم وجاءوا الى المحطة لوداع جيرانهم ، وفى الساعة الخامسة مساء
    وحين أرسل القطار صافرته العالية – انهمرت دموع غالب الركاب بينما عمت المحطة نوبة من العويل والصراخ فى أوساط المودعين 0 وأخذت أتسمع بانتباه الى ما يقولون 0 وبعد هنيهة بدا لى أنهم كانوا يصيحون ويلوحون بعمائمهم للمسافرين قائلين ( آفيالوقو 00 هيروقو ) أي : ( رافقتكم العافية 00 وعلى خيرة الله )
                  

09-18-2011, 05:04 AM

Ridhaa
<aRidhaa
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 10057

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة تهجير أهالى حلفا ( هجرة النوبيين ) تأليف حسن دفع الله (Re: Ridhaa)

    Quote: الفصل العشرون - التهجير (4)

    وعندما بدأت عجلات القطار تدور ، خطا الحلفاويون فعلاً أولى خطى الخروج من دارهم التي ستغمرها مياه السد العالي بعد حين 0 وظل المسافرون يحدقون فى قريتهم عبر النيل وهي تتضاءل فى أنظارهم كلما أوغل القطار جنوباً إلى أن اخفت انحناءة مفاجئة للخط الحديدي – حول أحد الجبال – القرية بعيداً عن الأنظار 0
    وتجمع كل أهالي سره شرق ودبيرة أشكيت على امتداد خط السكة حديد وهم يلوحون بأيديهم أو بجريد النخل ويرفعون أصواتهم بشعار الساعة 0( آفيا لوقو .. هير أوقو .. عديلة .. عديلة ) وتجمع كل سكان دبروسه والتوفيقية وأركويت والجبل فى الساحة التي تفصل الخط الحديدى عن المباني لوداع الراحلين 0وعندما وصل القطار إلى محطة عنق شفى الساعة السادسة مساء ، انتحيت جانباً بـ على أحمد علي ونفحته بمائة جنيه لمقابلة أي مصروفات اضطرارية غير منظورة – أثناء الرحلة – وسلمته لفة من قماش ( الدبلان الأبيض ) مغلفة بقطعة من الورق وطلبت منه أن يحتفظ بها سراً في حقيبته لأنه قد يحتاج إليها كفناً إذا قدر الله أن يتوفى أحد الركاب في الطريق 0 وقام الطبيب المرافق بنقل كل الحالات المرضية – المهجرة ضمن الفوج الأول – وأنزلهم منازلهم على أسرة عربة المستشفي 0 ثم طفت وفى صحبتي مساعدي نديم وضابط الأعلام على كل العربات ، وصافحت الركاب فرداً فرداً متمنياً لهم كل خير 0 وكانوا كلهم حزانى وكان بعضهم لا يزال يذرف الدموع الغزار 0 وامتلأت المحطة بالناس وما ان تحرك القطار حتى ودعوه بعواطف مشبوبة 0 وتناسى أهالي دغيم خلافاتهم وتجمعوا فى حشد كبير أمام القرية لوداع المسافرين 0 أما أنا ونديم فقد سايرنا القطار حتى المطار ثم عدنا الى المدينة بعد أن لوحنا لهم بتحية الوداع الأخيرة 0
                  

09-18-2011, 05:06 AM

Ridhaa
<aRidhaa
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 10057

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة تهجير أهالى حلفا ( هجرة النوبيين ) تأليف حسن دفع الله (Re: Ridhaa)

    Quote: الفصل العشرون - التهجير (5)


    وعند الساعة السابعة والدقيقة الثلاثين مساء اتصلت هاتفياً – وبصورة مستعجلة بخشم القربة 0 فتلقى محادثتى طه عثمان الذى أنبأنى بأن الكل ينتظرون أخبارنا بقلق 0 وأضاف بأن شائعة قد راجت حول نكوص أهالى فرص عن الرحيل فى آخر لحظة ورفضهم مغادرة قريتهم ، وأن الجميع فى خشم القربة لا يعرفون موقفنا بالضبط 0 وقد زودته ببيان مقتضب حول مغادرة القطار الأول وحددت له ساعة مبارحته محطة عنقش 0 فسمعته ينقل الأنباء الى السيد علام والذى – بدوره – أمسك بسماعة الهاتف وتحدث الي 0 فاعتذرت له عن عدم تمكننا من مهاتفتهم أثناء النهار لأننا كنا مشغولين بترحيل الفوج الأول من المهجرين القاطنين على الضفة الغربية حيث لا توجد خدمات هاتفية 0 وقلت له أن الموقف هناك كان يختلف تماماً عما تمناه مروجو الشائعات 0 ثم أحطته علماً بكل الخطوات التى اتخذناه لمغادرة الفوج الأول ، وبالروح المعنوية للمهجرين ، وبالوداع الحار الذى لقوه من كل الأهالى ، وبميعاد تحرك القطار وما حمله من حاجيات الركاب 0 وبدا لى أنه كان مرتاحاً للغاية ومسروراً لسماع قصة البداية الطيبة التى حققناها 0
    وأخبرنى أن اللواء حسن بشير نصر ( رئيس هيئة الأركان وعضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة ) واللواء محمد أحمد عروة : وزير الداخلية ، والسيد سليمان حسين : وزير المواصلات ، والسيد مكى المنا : وزير الري ، قد وصلوا الى خشم القربة ليشهدوا الاستقبال الضخم الذى تم اعداده احتفاء ا بوصول الفوج الأول 0 ثم تحدث الي اللواء عروة مهنئاً لنا على البداية الناجحة ومؤكدا لى أن كل الاستعدادات قد اكتملت هناك لاستقبال المهجرين واراحتهم واختتم المحادثة عثمان حسين الذى أطلعته على كل التفاصيل وعلى أمتعة الركاب وعلى ساعة مغادرة القطار وادى حلفا 0 كذلك أجريت اتصالين هاتفيين أحدهما مع الحاكم العسكري والآخر مع مدير المديرية بالدامر 0
    وأرسل ضابط الاعلام الاعلام تقريراً مفصلاً الى اذاعة أم درمان تمت اذاعته فى الساعة الثامنة مساء 0 وفى اليوم التالى قدمت الاذاعة برنامجاً خاصاً أحاط بوقائع المناسبة وشمل البرنامج خطابي الذى ألقيته فى سره والذى أذيع عدة مرات 0 وفى صبيحة السابع من يناير أبرزت كل الصحف فى عناوينها الرئيسية – أنباء عملية التهجير وغطت – بالتفصيل عبر مراسيها الذين كانوا بين ظهرانينا فى وادى حلفا – أحداث مغادرة الفوج الأول من المهجرين 0
                  

09-18-2011, 05:08 AM

Ridhaa
<aRidhaa
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 10057

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة تهجير أهالى حلفا ( هجرة النوبيين ) تأليف حسن دفع الله (Re: Ridhaa)

    الفصل العشرون - التهجير (6)


    وأفادني على أحمد على – الذى رافق القطار الى خشم القربة – بان قبيلة الرباطاب عن بكرة أبيها كانت فى استقبال القطار بمحطة أبو حمد حيث كان الترحيب حاراً ومضيافاً 0 وجاء عباس التيجانى – الضابط الاداري لمدينة بربر – الى المحطة ليرحب بالقادمين الذين قُدمت لهم جميعاً أقداح الشاي من أوان ضخمة ( قيزانات ) 0 واستقبل المسافرون فيما بين أبو حمد وعطبرة بمظاهر المحبة والتعاطف بكل المحطات 0 وفى عطبرة كان هناك حشد من الناس – جاء بعضهم من الدامر – ليكونوا فى استقبال القطار 0 وتقاطر نوبيو عطبرة تلقائياً – على المحطة للترحيب بأبناء عمومتهم المتوجهين الى وطنهم الجديد ، الا أنهم لسوء الحظ لم يمكنوا من الاقتراب من القطار 0 وأقيم احتفال كبير بالمحطة حضرة العميد محمد المهدي حامد والسيد حسن قرين والسيد محمد الفضل 0 وانبرى الخطباء يعبرون عن اهتمام كل المواطنين بمصير أهالى حلفا جميعهم ويتمنون لهم السعادة فى مقرهم الجديد 0
    تداخل : ( هل يا تري تحققت السعادة والجنة الموعودة للمهجرين فى خشم القربة ؟؟ أم أن عكسها تماماً ما حدث ؟؟ الواقع يقول أن الكثيرين من الحلفاويين عادوا مرة أخري الى وادى حلفا بعد أن ذاقوا الأمرين فى خشم القربة أي الجنة الموعودة !! )0
    نعود لموضوعنا :
    وقبل أن يتحرك القطار انهمرت الهدايا من جوالات السكر ودقيق القمح والأرز وصفائح الجبن والزبد والزيت والحلوى ( للأطفال ) – التى جاد بها الأفراد وممثلو السلطات المحلية 0 وفى محطة ( مسمار ) جاء الهدندوة يتلقون القطار بأوانى الشاي المترعة يطوفون بها على الركاب بالبشر والترحاب 0
                  

09-18-2011, 05:10 AM

Ridhaa
<aRidhaa
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 10057

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة تهجير أهالى حلفا ( هجرة النوبيين ) تأليف حسن دفع الله (Re: Ridhaa)

    الفصل العشرون - التهجير (7)


    وبالرغم من أن القطار قد وصل إلى محطة ( هيا ) فى ساعة متأخرة من الليل وفى برد قارس ، إلا أن ذلك لم يمنع أعداداً كبيرة من الناس أن تكون بانتظاره 0 وكان من بين المستقبلين الشيخ ( بيرق ) أحد زعماء الهدندوة الذى جاء من مقره البعيد فى صحبة رؤوس من قومه وهم يحملون جوالات الدقيق والسكر وصفائح الزبد والعسل 0 وألقى الشيخ ( بيرق ) كلمة مطولة بلهجة البجا – رغم معرفته الجيدة للعربية – أكد فيها للنوبيين أن للهدندوة لهجتهم المستقلة مثلهم 0 وبعد أن رحب بهم ، أمن على إدراك البجا العميق لحجم التضحية التي بذلوها لصالح الأمة جمعاء ، وطمأنهم على احترام قومه لهم وحرصهم على العيش معهم بسلام وحبور 0 ثم قدم هديته التى قال عنها انها زهيدة الا أنه رجا قبولها باعتبارها عربوناً للصداقة 0 وحدثنى ( علي ) بأن الجميع قد هزهم الشعور النبيل الذى أبداه أولئك الناس وأنه قد أثني على خطبة الشيخ ( بيرق ) مؤكداً احترامهم وتقديرهم له ولقومه جميعاً 0
    وفى محطة أروما ، توافد الهدندوة من ( تمنتاي وهداليا ومتاتيب وجرجر وتوقان وهمشكوريب ) ، لاستقبال جيرانهم الجدد 0 وكان مثيراً أن تراهم بشعورهم الملبدة التى تنضح بالدهن وسيوفهم وخناجرهم وعصيهم المتهدلة من أك########م 0 وجاء الناظر ( محمد الأمين ترك ) على رأس زعماء قبيلته لاستقبال القطار 0 وتجمع كافة أهالي أروما من التجار والعمال والمزارعين والموظفين وتلاميذ وتلميذات المدارس فى الفناء المقابل لرصيف المحطة انتظاراً لوصول القطار 0 وعندما دخل القطار المحطة – مروا بمصنع الكرتون – أطلقت صافرة المصنع صفيراً عالياً تحية للركاب 0 ثم ماجت المحطة كلها بصخب عنيف 00 النساء يوقعن على ( الدلوكة ) ويغنين 00 والهدندوة يضربون نحاس ناظرهم ويهتفون مرحبين بالبجاوية ( دبايوا 00 دبايوا ) بينما رفع آخرون لا فتات من القماش تحمل عبارات الترحيب 0 وفى حقيقة الأمر فان الجميع كانوا يهتفون ويلوحون بأيديهم 0 وألقى ( علي ) كلمة شكر طيبة فى الجموع 0 وقبل أن يغادر القطار أمتلأت عرباته بهدايا المستقبلين 0
                  

09-18-2011, 11:14 AM

Medhat Osman
<aMedhat Osman
تاريخ التسجيل: 09-01-2007
مجموع المشاركات: 11208

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة تهجير أهالى حلفا ( هجرة النوبيين ) تأليف حسن دفع الله (Re: Ridhaa)

    تحياتي رضا
    قصة مؤلمة.
    والاهل في معاناة مستمرة منذ ذلك التاريخ .
    دي من جريدة الصحافة يوم امس.

    انقطاع الامداد المائي لثلاثة أيام بحلفا الجديدة
    حلفا الجديدة : عمار الضو : شن خطيب مسجد البصاولة بحلفا الجديدة عبد الرحمن حسنين، هجوما عنيفا علي حكومة ولاية كسلا لسكوتها عن قضايا الاهالي، وصبرها على تفشي «الفقر والجوع وانقطاع الامداد المائي».
    وقال حسنين، في خطبة الجمعة أمس، إن جميع اعضاء حكومة ولاية كسلا يعلمون جيداً تردي الطرق، وتفشى الفقر والجوع بالمنطقة، واشار الي انقطاع المياه لثلاثة ايام دون تدخل الحكومة بالولاية، ولفت الي ارتفاع سعر برميل المياه الي 15 جنيهاً «ما جعل الاهالي يلجأون الي جلب المياه من الترع مباشرة ما يعرض حياتهم للامراض».
    واضاف ، ان معتمد محلية حلفا الجديدة اصبح مكبلا من قبل حكومة الولاية باحجام الدعم عنه وعدم اتاحة الفرص له للعمل.
                  

09-18-2011, 07:29 PM

Ridhaa
<aRidhaa
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 10057

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة تهجير أهالى حلفا ( هجرة النوبيين ) تأليف حسن دفع الله (Re: Medhat Osman)

    الفصل العشرون - التهجير (8)


    وفى كسلا – وحال مغادرة القطار أروما – بدأت الكتل البشرية تتقاطر على المحطة 0 وتوافد أهالى المدينة ليكونوا فى استقبال القطار ، كما توافد عدد كبير من سكان حي الختمية وقرى ( البنى عامر ) المنتشرة على ضفة نهر القاش الى جانب ( الرشايدة ) الرُحل الذين تصادف نزولهم بالقرب من مدينة كسلا 0 وعندما وصل القطار ، كان الاستقبال اسطورياً 0 فقد تصاعدت فى الجو إيقاعات الدلوكة وغناء النساء وهتافات كل الذين أموا المحطة من الناس 0 وقال ( علي ) – يصف المشهد : ( لقد هزتنا حرارة الاستقبال 0 فسكان كسلا كانوا على الدوام ودودين ومتدفقين بالحنان 0 وعند زيارتنا الأولى لهم فى أبريل 1960م طوقوا أعناقنا بعواطفهم وكرمهم الأصيل ) 00 وتتابعت كلمات التشجيع من الشخصيات القيادية إنابة عن مواطني المنطقة تعبيراً عن الترحيب بمواطنيهم الجدد وإعلانا عن سرورهم بمجئ أهالي حلفا للعيش الى جوار مدينتهم ، وليتقاسموا معهم جهود تنمية المديرية 0 وقد رد ( علي ) على كلماتهم بخطاب بليغ ثم تبعه الشيخ محمد عبده بحديث جرئ حشد فيه عبارات انجليزية مكسرة كانت مدعاة للإضحاك والارتياح 0 وجمع أهالي كسلا – خاصة المزارعون – أكواماً مكدسة من الجوالات والسلال المليئة ( بالقريب فروت ) والليمون والموز وكميات مهولة من الخضروات من كل صنف بالإضافة الى أنواع أخرى من المؤن 0 حملوها الى عربات القطار 0 ولقد كان حجم الهدايا التى تدفقت على المسافرين – على مدى الرحلة محملاً بما يفوق حاجة المسافرين وبما يتعذر معه حمل المزيد 0 واتجه القطار من كسلا مباشرة الى خشم القربة وعندما عبر القطار قنطرة البطانة لمح الركاب نهر عطبرة 00 وترك المشهد انطباعاً فى نفوسهم بضآلة النهر مقارناً بالنيل العريض الذى خلفوه وراء ظهورهم ، لكنهم استعجبوا لمنظر القطعان الهائلة لإبل ( الشكرية ) التى تجمعت على ضفتيه تستقى فى تلك الساعة من النهار 0 وعندما وصل القطار الى خشم القربة ، كان فى استقباله عثمان حسين ومساعده محمد محجوب حسب الله والموظفون ، حيث رحبوا بالقادمين وصحبوهم الى منطقة إعادة الإسكان التى اتجه اليها القطار فوق الخط الحديدي الجديد المتفرع من القضيب الرئيس 0
                  

09-18-2011, 07:30 PM

Ridhaa
<aRidhaa
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 10057

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة تهجير أهالى حلفا ( هجرة النوبيين ) تأليف حسن دفع الله (Re: Ridhaa)

    الفصل العشرون - التهجير (9)

    وتململ الركاب والقطار يسرع فى اتجاه منطقة إعادة التوطين وتعلقوا كلهم بنوافذ العربات وعيونهم مشوقة للاكتحال بلمحة أولى من وطنهم الجديد 0 وعندما كان القطار يسرع تجاه ( محطة الشيخ عمر ) ، حجبت الحواف العالية للفرع الشرقى للقناة عن أنظارهم مشهد القرى 0 وحين عبر القطار القنطرة ، انكشف فجأة أمام أعينهم منظر وطنهم الجديد 0 فى ذلك اللحظة برزت الرؤوس من كل نوافذ القطار بعيون قلقة وقلوب نافذة الصبر 0
    فعلى يمينهم – وعلى مقربة من سفح جبل المعيقل – ظهرت البيوت البيضاء لقرية فرص شرق ( القرية رقم 33) التى شيدتها شركة ( ترف ) والتى ظهرت ملامحها جيدا أمام الخلفية الخضراء للمزرعة التجريبية 0 واستطاعوا أن يروا فى مواجهتهم – مباشرة وعلى البعد برج الإشارة ثم – على مسافة أبعد مباني المحطة 0 وعلى يسارهم بما يبعد عن نصف المسافة الى خط الأفق فلألأت منازل قراهم البيضاء عبر خفقات ضوء السراب 0 وكانت المنطقة برمتها قد شقت بقنوات وقسمت الى مزارع وحرثت تربتها انتظاراً لتُفلح 0
    هذا كان الركاب يستعدون لمغادرة القطار 0 فإذا بالفتيات يخلعن الجرجار ويرتدين الفساتين العادية ( اللابس ) التى تستر جسم المرأة بأواسط السودان 0
    أما اللائي تقدمت بهن السن فقد تمسكن بزيهن النوبي 0 وقد تمنيت أن لو خرجن جميعهن من القطار بملابسهن التقليدية لتأكيد قوة الطابع الذى يميزهن 0 وما أن بلغ القطار برج الإشارة حتى انفعل النوبيون النظارة بالجموع الزاخرة بالأمواج البشرية المتلاطمة التي ملأت المنطقة المحيطة بمباني المحطة وأدركوا ضخامة الاستقبال الذي كان ينتظرهم 0
                  

09-18-2011, 07:33 PM

Ridhaa
<aRidhaa
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 10057

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة تهجير أهالى حلفا ( هجرة النوبيين ) تأليف حسن دفع الله (Re: Ridhaa)

    الفصل العشرون - التهجير (10)

    وبعد أن مر القطار ببرج الإشارة ، أخذ يبطئ بينما طفق السائق يطلق صافرات متقطعة تحية للمستقبلين وهو يدخل المحطة 0 وكان جريد النخيل الذى زان مقدمة القطار ينطق بمدى اعتزاز الركاب لشجرة نخيلهم التى منحتهم الحياة طوال وجودهم فى وطنهم القديم 00 وأخيراً وعندما أنهى القطار رحلته التاريخية وتوقف بالمحطة 0 أخذت إحدى الفرق الموسيقية الكسلاوية تعزف أنغامها الشجية 0
    وتجمعت الحشود من كل أنحاء المشروع للترحيب بهؤلاء القائمين الذين تواصلت أعمال إعادة التوطين من أجلهم سنين عديدة 0 وجاء العاملون فىحقل البناء وفى مصلحة الري وفى وزارة الزراعة جميعاً بالشاحنات ووقف الوزراء والموظفون ينتظرون جميعهم على الرصيف 0 وتتبع أهالي قرية خشم القربة القطار وانضموا الى الحشد الذى بلغ حجمه المنتهي0 وشوهد على البعد فى الطرف الشمالي آلاف من الناس على أسطح الشاحنات والعربات الثقيلة يشكلون أبراجاً وأعمدة من الأجساد البشرية 0 والى الجنوب اعتلى آلاف الشكرية الإبل وأقاموا جداراً طويلاً سميكاً من لحم ودم ، وكان منظرهم بديعاً وهم يهزون سيوفهم تبعاً لعاداتهم 0 وبرزت فى منتصف الحشد لافتات الترحيب ، ولاحت لوحات كتبت عليها عبارات التحية والسلام مثل : ( حللتم أهلاً ونزلتم سهلاً ) و : ( أهلاً بكم فى وطنكم الجديد ) 0
    وتقدم الى القطار اللواء / حسن بشير والوزراء وأعضاء لجنة إعادة التوطين وناظر الشكرية وطافوا بالركاب محيين 0 ثم حُمل المرضى تحت إشراف وزير الصحة شخصياً الى مستشفى صغير مؤقت مجهز بكفاءة تامة بينما نُقل باقى المسافرين وأمتعتهم بقافلة من السيارات الى قريتهم الجديدة 0
                  

09-18-2011, 07:35 PM

Ridhaa
<aRidhaa
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 10057

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة تهجير أهالى حلفا ( هجرة النوبيين ) تأليف حسن دفع الله (Re: Ridhaa)

    الفصل العشرون - التهجير (11)

    وفى قرية فرص غرب الجديدة ، قام عثمان حسين ومساعدوه بإرشاد القادمين إلى منازلهم . ولم تكن هناك صعوبة فى أن يتعرف كل ساكن على منزله – إذ أن أسماء المالكين كانت مدونة على الأبواب تصحبها عبارة ( ادخلوها بسلام آمنين ) وكان انطباع السكان الأولى – عن مستوى المنازل مدعاة لسرور عامر . وقد عبر العمدة صلاح وبعض أعيان فرص الآخرون – عن تلك الانطباع عندما جئتهم بآخر الأفواج المغادرة من سره – بقولهم : ( لم نكن نصدق – أول الأمر – أن هذه المنازل كانت ملكاً لنا – لقد شعرنا وكأننا موظفون يقطنون منازل حكومية ) .. لقد قالوا فيما بعد : انهم دخلوا كل غرفة وحدقوا فى الجدران والسقوف والأرضيات ، ثم خرجوا ينظرون الى المنازل من الخارج . وكانوا سعداء للغاية بسماع صيحات الفرح للمنطقة من حناجر النساء فى كل بيت . ووجدت كل أسرة أمتعتها محفوظة بأمان فى منزلها الى جانب ( زير ) ماء وزجاجة كيروسين وعلبة ثقاب . كما وجدت فى زاوية السور الخارجي حزمة من حطب الحريق .
    وبعد قليل من الوقت ساق العمال البيطريون البهائم الى داخل القرية وسلموها لأصحابها . ولم يكن على ( دنقلا ) المقاول الذى بنى القرية – بأقل أريحية وتُقى من ( تورنو) الكاثوليكية المذهب . فقد شيد فى منتصف القرية مسجداً ملحقاً به دكاكين لبيع اللحم والخضار على نفقته الخاصة وجعله وقفاً لأهاليها .
    وكان هذا العمل هدية سخية تقبلها أهالي فرص بالشكر والعرفان . أما الشيخ محمد عبده شخصياً فقد سره أن يجد مسجداً يمارس فيه مهام الإمامة .
    وجلب المهندسون الاستشاريون كميات كبيرة من الفاكهة الطازجة من كسلا وقدموها مجاناً الى الضيوف القادمين .وذبح أعيان القبائل المجاورة عدداً كبيراً من الثيران والكباش احتفاء بأهالي القرية وطعم الناس جميعاً فى ذلك اليوم نوبيون وغير نوبيين .
    وازدانت القرية ذاتها بالأعلام والرايات وأديرت الساحة الرئيسية بالثريات الملونة والكاشفات التى استمدت إضاءتها من المولد الكهربائي لعلى دنقلا .
                  

09-18-2011, 07:37 PM

Ridhaa
<aRidhaa
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 10057

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة تهجير أهالى حلفا ( هجرة النوبيين ) تأليف حسن دفع الله (Re: Ridhaa)

    الفصل العشرون - التهجير (12)
    وفى المساء بدأ الاحتفال الرسمي وملأت الجموع ميادين القرية وشوارعها واختلطت ضربات الدلوكة ونغمات الموسيقى بغناء النساء . وقاد الشيخ محمد أحمد أبو سن ( ناظر الشكرية ) قبيلته للمشاركة فى الاحتفال .
    واعتلى اللواء عروة منصة الخطابة وألقى خطاباً مطولاً وشاملاً ، رحب فيه بأهالي حلفا فى وطنهم الجديد وأكد لهم أن كل الترتيبات قد اكتملت لإقامتهم الفورية ولإنجاح مهمتهم كمزارعين فى المشروع الجديد . وتطرق الى كل مظاهر الحياة الجديدة وشجعهم على العمل الدؤوب واستثمار ما أتيح إليهم من الفرص . وتلاه السيد سليمان حسين وزير المواصلات – النوبي الأصل – فأكد لهم أن الحكومة ستواصل رعايتها الخاصة لهم حتى يعتادوا على نمط الحياة الجديدة . ثم ألقى اللواء الطاهر عبد الرحمن المقبول – الحاكم العسكري لمديرية كسلا – وعثمان حسين ، كلمتي ترحيب وتبعهم ناظر الشكرية الذى تحدث حديثاً طيباً رحب فيه بالقادمين ومؤكداً أن الشكرية قبيلة تتسم بالكرم والشرف وأن تاريخهم يزخر بدلائل الوفاء لجيرتهم. ثم رحب بأهالي حلفا فى موطنهم الجديد قائلاً إن قبيلة الشكرية قاطبة – رجالاً ومالاً – تقف رهن إشارتهم . وقدم هدية شخصية قوامها خمسة وعشرون بقرة حلوباً وقطيعاً يتكون من خمسين كبشاً لضيوفه الجدد . وقام أعيان الشكرية ورجال القبائل التى تنتمي إليهم بتقديم هدية من مائتي ثور . وتبرع الشريف إبراهيم الهندي بثلاثة من الإبل احتفاء شخصياً منه بالقادمين .
    ورد ( على أحمد على ) بحديث مفعم بالعاطفة قائلاً ( ان الاستقبالات الحارة والحانية التى تلقيناها على طول الطريق من فرص والترحيب والحماس الذي لمسناه الآن عند وصولنا ، أنسانا أحزاننا بفقد الوطن ) .
    وأضاف ( إن أهالي حلفا قد ضحوا بأرضهم من أجل وطنهم الكبير ) وهم حينما يفعلون ذلك لا يطلبون ديناً من أحد من مواطنيهم ولا يشعرون أن أحداً فى السودان ينبغي أن يكون مديناً لهم بالشكر والامتنان . فقد أدوا واجبهم فى سبيل وطنهم برضا ونكران ذات ، ولا زالوا مستعدين لتقديم مزيد من التضحيات إذا اقتضي الأمر تقديم المزيد منها مستقبلاً ) .
    وبعد أن انقضي الاحتفال الرسمي ، بدأ برنامج ترفيهي من الموسيقى والغناء أدته فرقة غنائية موسيقية أوفدتها خصيصاً وزارة الإعلام لإحياء المناسبة ، وامتد البرنامج الى ساعة متأخرة من الليل . وفى اليوم التالي ، تسلم عمدة سره من زميله العمدة صلاح 0 عمدة فرص – البرقية التالية من خشم القربة :
    ( لقد حللنا بالجنة .. أسرعوا بالمجئ ) .
                  

09-18-2011, 07:39 PM

Ridhaa
<aRidhaa
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 10057

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة تهجير أهالى حلفا ( هجرة النوبيين ) تأليف حسن دفع الله (Re: Ridhaa)

    الفصل العشرون - التهجير (13)


    وأثارت أخبار هذه الاستقبالات – التى تناولتها الصحف واستمع اليها الناس عبر برنامج اذاعي خاص بُث مباشرة من قرية ( فرص الجديدة ) – مشاعر عميقة فى نفوس الذين تأثرت منطقتهم بالغرق والذين تحققوا من أن قبائل السودان على تباينها وتنوعها ، تجمعها وشيجة الوحدة وتقربها الى بعضها مشاعر الحب الفياضة . ولقد لمست أنا شخصياً أن الروح المعنوية لهؤلاء القوم كانت عالية وأن أحزانهم قد تلاشت .
    وبينما كانت كل هذه الاستقبالات الطيبة تجرى فى خشم القربة ، انشغلنا نحن بإرسال أمتعة الفوج الثاني من فرص . وعندما وصلت برقية العمدة صلاح الى سره ، كان قطار البضاعة يدخل بالفعل محطة ( الشيخ عمر ) . وفى الثامن من يناير غادر فوج ( فرص غرب ) الأخير الى الوطن الجديد كسابقه وودع بنفس المشاعر الدافئة واستقبل فى الطريق مثلما استقبل الفوج الفائت . وقد صحب ( نديم ) هذا الفوج الى خشم القربة وحينما كان حسن طه ولجنته قد قاموا بتوزيع منازل قرية ( سره غرب الجديدة ) تبعاً للخريطة قبل أن تصلهم القوائم فى معية نديم ، وقى ذات الوقت كان معتمد التعويضات قد فرغ تقريباً من دفع مستحقات أهالي سره . واتجه عمال السكة حديد الى سره ، وبدأوا فى إخلاء أمتعة الفوج الثالث . وقد لاحظت أن أولئك العمال قد اكتسبوا خبرة مكنتهم من أداء عملهم بسرعة أكبر .
    وعندما كنت أمارس مسؤلياتى بسره ، رافقت صديقين الى ( فرص ) لإلقاء نظرة على ما صارت إليه بعد الإخلاء . فتجولنا بأزقتها ودخلنا بعض المنازل . فوجئنا أن الصحاف الخزفية التى تزين البوابات قد نزعت ولم يبق منها إلا أثرها الذى انطبع على الجدران الطينية المحيطة بتلك البوابات . وعم السكون المطبق القرية الا من الكلاب التى تركها أصحابها من خلفهم ، وظهرت آثار الضباع حول القرية وفى داخل غرف المنازل مما يدل على أن مجموعة منها قد تسللت الى هناك فى الليلة الفائتة . وبدت القرية مختلفة تماماً عما كانت عليه ( فرص القديمة ) التى عرفتها فيما مضى . فقد ظهر عليها الحزن وبدأ جوها مخيفاً لأنني أذكر حالتها قبل التهجير . ونظرت يمنة ويساراً الى الأماكن التى كنت ألتقي فيها بالأهالي وأتجاذب معهم أطراف الحديث ، والى المنازل التى كانت يوماً ما مأهولة بأناس ودودين وكرماء ، كم دعوني الى دخولها . وساقتني ذكرياتي الى الاستغراق فى خضم عميق من الرؤى جعلتني أتصور عياناً أشباحهم وأشكالهم المتميزة .
    وصعب علينا أن نطيل الوقوف فى تلك القرية المهجورة ، وعندما ركبنا العربة تجمعت الكلاب وأخذت تجرى من حولنا ولم يظهر على تلك الكلاب لأنها كما يبدو تناولت وجبة مشبعة من فضلات ذبيح الدواجن فى اليوم السابق . وعندما غادرنا المكان لاحقنا بعضها على طول الطريق الى سره إحساسا منها بما وجدته فينا من مسحة إنسانية أرادت أن تتشبث بها . وعندما عدت الى مدينة حلفا أمرت الشرطة بالذهاب الى ( فرص ) وإطلاق الرصاص على ما تبقى من تلك الكلاب رأفة بها من أن تجن جوعاً .
                  

09-18-2011, 07:50 PM

Ridhaa
<aRidhaa
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 10057

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة تهجير أهالى حلفا ( هجرة النوبيين ) تأليف حسن دفع الله (Re: Ridhaa)

    الفصل العشرون - التهجير (14)


    وغادر الفوج الثالث من المهجرين بسلام من ( سره ) الى خشم القربة بنفس المشاعر الحنونة من آلهم القاطنين على الضفة الشرقية وبذات الاستقبالات الودودة فى كل المحطات الواقعة على الطريق . وفى المحطة رقم ( 10) ، عند نهاية صحراء العتمور ، أجاء المخاض إحدى السيدات الحوامل ، فولدت ذكراً قبل أن يصل القطار الى أبو حمد ، وجاءت عملية الولادة على يدي القابلة يسيرة وبطفل معافى كان أول من ولد أثناء الرحلة ليزيد عدد الركاب واحداً . ولتخليد المناسبة أطلق عليه والده – جمال صالح الشيخ ( حمد ) .
    وبما أن الفوج الرابع كان متوقعاً له أن يكون الأخير قبل حلول شهر رمضان ، فقد قررت أن أصاحبه حتى بلوغه قريته الجديدة ، لأرى بعيني أحوال أهالي فرص هناك . وقد صحب هذا الفوج أيضا عمدة سره الذى رفض أن يسافر مع الفوج الأول وآثر أن يبقى ليطمئن على مغادرة آخر المهجرين القرية بسلام .
    وفى يوم الرحيل 13 يناير – تلقيت مكالمة هاتفية من نقطة الشرطة بفرص تفيد بوصول شخص من ( بلانة ) على الحدود المصرية – يقول بأنه وثلاثين شخصاً آخرين قد جاءوا من القاهرة بغرض الالتحاق بأسرهم قبل أن تغادر الى ( فرص الجديدة ) . ونسبة لعدم وجود وسيلة انتقال تصلهم بالفوج .
    فقد التمسوا منى اتخاذ ما يلزم لترحيلهم الى سره لإدراك القطار الأخير المغادر الى قريتهم الجديدة بخشم القربة . ولأنهم لم يكونوا يحملون معهم أمتعة سوى حقائب صغيرة وبعض اللفافات ، فقد بعثت اليهم بالقوارب البخارية للسكة حديد والشرطة لتجئ بهم قبل أن يتحرك القطار . ولحسن الحظ فقد وصلوا فى الوقت المناسب . وأخبرنى أحد البحارة أن هؤلاء الأشخاص عند مرورهم بقريتهم – أطالوا النظر اليها بأسى . ثم أخذوا يلعنون كلاً من الرئيس عبد الناصر والرئيس عبود على ما سبباه لهم من أذى .
    وفى الساعة الرابعة مساءً بدأ إجلاء الركاب من القرية الى القطار ، وقد كان العدد هذه المرة أكبر من سابقه ، فإذا أضيف إليه أبناء فرص ) القادمين من مصر ، والذين وصلوا فى ذلك اليوم ، يكون القطار قد امتلأ تماماً .
    وقد التمس منى عكاشة صالحين وقلة من أهالي قرى أخرى ، السماح لهم بمرافقة الفوج وزيارة رفاقهم ( بفرص شرق الجديدة ) بخشم القربة ، فوافقت على طلبهم مما أسعدهم أن يكونوا معنا من المسافرين .


    تداخل لمناشدة :
    أرجو من الأخ العزيز الوسيلة عباس ، ان كان لا زال متابعاً لهذا البوست – على التعليق للفقرة المقتبسة أدناه وموافاتنا بأخبار هذا المولود ( حمد ) ، وبعد كل هذه السنين – لا بُد من الاستعانة بآخرين .
    (( عند نهاية صحراء العتمور ، أجاء المخاض إحدى السيدات الحوامل ، فولدت ذكراً قبل أن يصل القطار الى أبو حمد ، وجاءت عملية الولادة على يدي القابلة يسيرة وبطفل معافى كان أول من ولد أثناء الرحلة ليزيد عدد الركاب واحداً . ولتخليد المناسبة أطلق عليه والده – جمال صالح الشيخ ( حمد )).
                  

09-18-2011, 07:52 PM

Ridhaa
<aRidhaa
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 10057

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة تهجير أهالى حلفا ( هجرة النوبيين ) تأليف حسن دفع الله (Re: Ridhaa)

    الفصل العشرون - التهجير (15)
    وفى الساعة السادسة والدقيقة الثلاثين مساء - أي بعد الغروب - غادر القطار محطة ( سره شرق ) وكان فى وداعه أهالى سره شرق وأهالى دبيره ، وعندما مر القطار بدبيرة جنوب وأشكيت ، اصطف الأهالى قُبالة خط السكة حديد وهم يهزون مصابيح الزيت المضيئة ويرفعون أصواتهم بتحية الوداع ( أفيالوقو .. هير أوقو ) وغادر القطار مدينة وادى حلفا فى الساعة الثامنة مساء ، وعندما وصل عطبرة استقبلته جموع كبيرة من الناس . وأصرت جماعة النوبيين هناك - بقلب رجل واحد - على مقابلة العميد محمد المهدى حامد والسيد حسن قرين والسيد محمد الفضل والسيد عبد الرحمن محجوب وقائد الشرطة ، كانوا جميعاً على رصيف المستقبلين .
    وتحدثت معهم طويلاً حول كل جوانب عملية التهجير ، ولم أنس أن أنقل لهم ثناء الأهالى على الاستقبال الذى وجدته الأفواج السابقة وما تركته فى نفوسهم من أثر طيب ، وشكرت كذلك محمد الفضل على التجهيزات الخاصة التى وفرها على قطارات التهجير وعلى جهد عماله الجهيد تحت اشراف ( الدرديرى ) . وقبل أن يغادر القطار عطبرة ، تلقى الركاب هدايا مقدرة من المستقبلين .
    وفى محطة ( هيا ) ، جاء الشيخ ( بيرق ) للمرة الرابعة فى أواخر الليل لاستقبال القطار ، وألقى كلمته الطيبة وقدم هداياه الكريمة ، فرد عليه عكاشة صالحين بحديث معبر قال فيه انهم ظلوا يتابعون - بكل التقدير - المشاق التى يتكبدها الشيخ وقومه بالمجئ من أصقاع بعيدة لمقابلة قطارات التهجير ، وانهم يعتزون بكرمه الأصيل ومشاعره الفياضة تجاه مهجرى وادى حلفا ، وأكد له أن الاستقبال الحافل الذى أظهره أهالى مديرية كسلا كان ضماناً على ما ينتظر العلاقات بين الطرفين من مستقبل مشرق . وفى أروما رأيت المحطة تموج بالهدندوة وبأهالى المدينة ، يقودهم الناظر ( ترك ) وأعيان قبيلته . وقاد الضابط التنفيذى ( أبو جبر الحاج أجبر ) أعضاء المجلس البلدى بينما تقاطر على المحطة كل التجار والعمال والموظفين . وبعد الاستماع الى خطابات عديدة ، ألقى عكاشة كلمة شكر بليغة ، ثم حملت هدايا من جوالات وصفائح الزاد الى القطار مثلما حدث فى كسلا .
    واستقبل عثمان ومحمد محجوب حسب الله القطار لدى وصوله الى خشم القربة وفى الساعة الحادية عشرة والدقيقة الثلاثين من يوم 15 مارس وصل القطار الى المحطة القريبة من قرية سره . ونصبت خيمة واسعة بالمحطة لانزال القادمين وقدمت لهم المرطبات جميعاً . وحضر الى المحطة كل أهالى فرص كما حضر أهالى سره الذين انتظموا فى الفوج الأول وذلك لاستقبال أقاربهخم . وعندما رآنى الشيخ محمد عبده - الذى غمره السرور - خاطبنى بالانجليزية ( بما نصه بالعربية ) قائلاً : أهلاً .. كيف حالك ؟
    وتبادل معى العمدة النشط صلاح حديثاً طويلاً بالمحطة عبر فيه عن شكره لما بذلناه من أجل تأمين رحلتهم وأخطرنى بأن الجميع كانوا شفوقين وكرماء بهم منذ وصولهم . وبعد أن تم نقل المرضى الى المستشفى حُمل الركاب بالسيارة الى قريتهم وأُدخلوا مساكنهم الجديدة .
                  

09-18-2011, 07:54 PM

Ridhaa
<aRidhaa
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 10057

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة تهجير أهالى حلفا ( هجرة النوبيين ) تأليف حسن دفع الله (Re: Ridhaa)

    الفصل العشرون - التهجير (16)


    وفى المساء ذهبت الى قرية فرص لالتقى بأهلها فى شوق متبادل وكأننا افترقنا عن بعضنا زماناً طويلاً . وقد لمست التغيير الكبير الذى اعترى أحوالهم الى درجة أن أياً منا لم يكن ليصدق أن ما حدث يمكن أن يصير فى فترة لا تتعدى العشرة أيام . واستقبلوني بحفاوة وأصر كل واحد منهم على أن أدخل بيته ضيفاً عليه . وفى نهاية الأمر دخلت أغلب المنازل وقد أسعدني أن وجدت القوم فى سرور وحبور . وكان الشيخ محمد عبده فخوراً بمسجده فأخذني لمشاهدته وهناك علق مازحاً بأنه – وهو خريج الأزهر وبطل عملية التهجير – يتوقع أن يعينه الرئيس عبود وزيراً للأوقاف .
    وبعد أن قضيت وقتاً طيباً مع أهالي فرص ، ذهبت الى سره فوجدت الناس كذلك فى روح معنوية عالية لكنهم كانوا منشغلين بوصول القادمين الجدد .
    وذهبت كل نساء فرص الى هناك لمساعدة صديقاتهن فى فض الأمتعة وترتيب منازلهن . وجئتهن بكميات كبيرة من الطعام المطبوخ الشهي الذى يتفوق على ذلك الذى يقدمه مكتب التوطين اذ أن الأول أعد على الطريقة النوبية .
    وأخبرني العمدة صلاح الذى صحبني فى زيارتي لسره – أنهم استعجلوا – عند دخولهم قريتهم لرؤية قطعان من الحمير الهاملة تسرح فى أرض المشروع . لكنهم علموا مؤخراً أن اللواء طلعت فريد قد جلبها الى هذه المنطقة – عندما كان ضابطاً صغيراً إبان الحرب العالمية الثانية ، حينما كانت قوة دفاع السودان تستعد لشن هجومها لاستعادة مدينة كسلا من الطليان فى يناير 1941م . فجاء النقيب فريد بقطعان من الحمير ليستخدمها الجيش فى عملية إزالة الألغام من مسار الفرق العسكرية المتقدمة . وحال استعادة المدينة ، تم تسريح القطعان فى منطقة خشم القربة لترعى فى سهول البطانة وتستقى من مياه نهر عطبرة ، وما لبثت أن تضاعف عددها .
    قال العمدة صلاح ( بعد الوقوف على هذه الحقيقة ، أخذ كل منا حماراً الى بيته لاستخدامه فى حمل حاجيات مزرعته ) .
                  

09-18-2011, 07:56 PM

Ridhaa
<aRidhaa
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 10057

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة تهجير أهالى حلفا ( هجرة النوبيين ) تأليف حسن دفع الله (Re: Ridhaa)

    الفصل العشرون - التهجير (17)
    وبعد أن قمت بزيارة ( سره ) رافقت عثمان حسين فى جولة على القري الأخرى والمدينة ، فلاحظت أن سرعة انجاز المباني تفاوتت من قرية الى أخري ، فبعضها أوشك أن يكتمل بينما لم تتجاوز نسبة تشييد بعضها 50% . وقابلت عبد الله شداد وهنأته على انجاز على انجاز مباني القريتين الأوليين فى الوقت المحدد رغماً عن أنها تبعاً لشروط العقد كان ينبغي أن تنجز منذ وقت طويل . فأخبرني بأن المواعيد التى ضمنت فى العقود فرضتها الحكومة والمهندسين الاستشاريين كانوا يدركون تماماً أن المواعيد التى تم تحديدها كانت مبكرة جداً ، لكنهم أصروا عليها للضغط على المقاولين لإتمام العمل بأعجل ما يمكن . ثم قال : الحقيقة أن معظم المقاولين أنجزوا ما لم يكن فى حسابنا ، ولا بد لى من أخبرك بأنهم جميعاً تقريباً قد استوردوا آلات تصنيع المكعبات الإسمنتية جواً من ايطاليا وكانوا يعملون على مدار الساعة . ومن خبرتنا الذاتية فان سرعة الانجاز كانت أكثر من مرضية ونؤكد لك أن جماعتك سيحلون بسلام فى قراهم قبل أن يدركهم فيضان بحيرة السد العالي وقد أراحتني هذه الكلمات لأنني رأيت ما يؤكدها من جهود المقاولين .
    وعند عودتنا ، جلست وعثمان لمراجعة برنامج التهجير ليتماشى مع المواعيد المتوقعة لإكمال مباني القري بخشم القربة . وكان لى أيضاً حديث مطول مع علام الذى أمضى وقتاً طويلاً بخشم القربة يشرف على وصول وإعادة توطين الأفواج الأربعة للمهجرين .. وتدارسنا الموقف فى كل من وادى حلفا ومنطقة إعادة التوطين . وفى اليوم التالى ( أي 16 يناير ) حل شهر رمضان وأصبح الجميع صائمين . فاستقبلت سيارة ( لاندروفر ) الى ود مدنى لزيارة والدي الذى لم أره منذ سنوات والذى كان يكاتبني على الدوام وأنا بوادي حلفا حاثاً إياي لأعمل كل ما فى وسعى لمساعدة النوبيين حتى يتجاوزا محنتهم . فقد عمل بوادى خلال عشرينيات القرن العشرين عندما كان موظفاً حكومياً ، وكانت فكرته عن النوبيين ايجابية . وبعد أن قضينا نصف يوم بود مدنى أسرعت بالعودة الى وادى حلفا عن طريق الخرطوم .
    قضينا رمضاناً شديد البرودة تميز بطقس قارس وجاف هبطت فيه درجة الحرارة – عند منتصف الليل الى نقطة الصفر ( متزامناً مع الشهر القبطى : طوبة ) ويقول النجارون النوبيون أن المسامير لا تلتوي أبداً فى شهر طوبة ، لكنها تتكسر ) ولا أدري إن كان ذلك صحيحاً أم خطأ . لكن الطقس كان شديد البرودة بحيث كان يغلب علينا الجوع ويعتري جلودنا الجفاف والخشونة . وبحلول العيد هزلت أجسام الجميع وخف وزنها . وخلال شهر رمضان أعدت ترتيب البرنامج النهائي المراجع وطبعته .
                  

09-18-2011, 07:59 PM

Ridhaa
<aRidhaa
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 10057

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة تهجير أهالى حلفا ( هجرة النوبيين ) تأليف حسن دفع الله (Re: Ridhaa)

    وبعد أن مضت أفراح العيد ، واصلنا برنامج التهجير . ففى السادس من شهر مارس تم شحن أمتعة الفوج الأول من أهالي ( فرص شرق ) بسهولة نظراً لأن هذه القرية تقع على خط السكة حديد مما وفر علينا عملية نقل الأمتعة إلى الباخرة ثم عبور النيل ، فضلاً عن أن هذه القرية تمتد على سهل منبسط مكننا من استخدام الشاحنات الثقيلة . وعند منتصف النهار كان القطار قد شُحن بالأمتعة والحيوانات ثم غادر إلى خشم القربة فى الساعة الواحدة ظهراً .
    وفى الساعة التاسعة من صباح اليوم التالي ذهبت إلى فرص شرق لأفاجأ بخلو المحطة والقرية من الناس . وعندما استفسرت عن أين ذهب السكان ؟ أجابني أحد عمال السكة حديد بأنهم جميعاً قد خرجوا إلى المقابر .
    فذهبت بدوري الى هناك ، وعندما وصلت الى قمة مرتفع من الأرض يفصل القرية عن المقابر ، رأيت مشهداً غير مألوف . فقد كان الأهالي يحملون جريد النخل ويضعونه على شواهد القبور بينما كانت حلقة الذكر تدور حول المقبرة . وزينت قبة الفكي عثمان – وهو أحد الصالحين الذين عرفتهم القرية بالرايات الخضراء لطائفة الختمية وقد أحاط بها الناس وهم يقرؤون قصائد المولد العثماني .. كان المشهد مؤثراً للغاية . وبعد أن قضى سكان القرية زهاء الساعتين وهم يترحمون على الأموات ، عادوا الى القطار وهم يرفعون راياتهم العريضة الخضراء .
                  

09-18-2011, 08:01 PM

Ridhaa
<aRidhaa
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 10057

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة تهجير أهالى حلفا ( هجرة النوبيين ) تأليف حسن دفع الله (Re: Ridhaa)

    الفصل العشرون - التهجير (19)
    وعندما كان المرحوم العمدة محمد الأمين بيثنى انطباعه وتقديره للترتيبات الجيدة التى أعددناها لرحيلهم ، هزنا فجأة مشهد عاطفي عميق ، فقد رأيت شابة فى العشرين من عمرها تحتضن سيدة متقدمة فى السن ، وكان أنينهما وتوجعهما يمزق نياط القلوب . وعندما سألت العمدة عن الخبر أجابني أنهما أم وابنتها حكم الزمان عليهما بالفراق ، فقد كانت البنت تعيش مع زوجها فى قرية ( أدندان ) بالقرب من ( فرص شرق ) على الحدود المصرية ، وبما أنهما سيرحلان الى ( كوم أمبو ) قرب أسوان ، فان البنت جاءت لوداع أبيها وأمها الذين سيغادران الى خشم القربة .. كان المشهد محزناً لأنهم قد لا يرون بعضهم إطلاقا مرة أخرى . وبلغ بى التأثر منتهاه فانتحيت جانباً لأكفكف دموعي ، وكان ذلك أحد المشاهد المفجعة فى مأساة ( عملية التهجير ) .
    تداخل :
    بالتأكيد المشاهد المفجعة فى مأساة التهجير كانت كثيرة جداً وفوق ما يتحمله قلوب الآدميين ونتائجها السلبية ورغم كل هذه السنين ، ظلت مستمرة حتى يومنا هذا .. ومع ذلك كله وللأسف الشديد ، فان بعض المرشحين النوبيين للانتخابات القادمة لم يحددوا موقفهم بصورة واضحة من مسألة إغراق المنطقة بسدي كجبار ودال !!!
    نعود لموضوعنا :
    وفى الساعة الحادية عشر صباحاً غادر القطار بالفوج الأول من أهالي ( فرص شرق ) ، وكانت الأعلام الخضراء لطائفة الختمية التى تخفق من نوافذ الحافلات تضفى على القطار مسحة درامية خالصة .
    كان يتعين أن تتأخر مغادرة الفوج الثاني من أهالي ( فرص شرق ) الى حين اكتمال مساكنهم بخشم القربة . ولعل القارئ يذكر أن هذه القرية قد أوكل تشييدها لشركة ( ترف ) والتى تركت بعض المنازل – عندما انسحبت مؤخراً دون أسوار ودون مراحيض . فأوكلت المهمة الى وزارة الأشغال . وقد فهمت من عثمان أن المنازل ستكون جاهزة لإيواء الفوج الثاني من أهل فرص خلال عشرة أيام ، ولهذا السبب قمت بوضع قرية ( الحصا ) فى برنامج الترحيل المطبوع بحيث تأتى عقب الفوج الأول لفرص شرق . وعندما ذهب عمال السكة حديد الى قرية ( الحصا ) لجمع الأمتعة توطئة لترحيلها ، رفض أهالى القرية تسليم أمتعتهم بحجة أنهم بصدد التقدم بمذكرة لى – فى نفس اليوم ، تحوي أسباباً معينة وأعلنوا أنهم فى حالة عدم الاستجابة لمطالبهم سيقلعون عن الرحيل .
                  

09-18-2011, 08:03 PM

Ridhaa
<aRidhaa
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 10057

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة تهجير أهالى حلفا ( هجرة النوبيين ) تأليف حسن دفع الله (Re: Ridhaa)

    الفصل العشرون - التهجير (20)


    وبما أننا قد بدأنا بالفعل إخلاء الفوج الأول لأهالي قرية فرص شرق ، فقد راجت شائعات تتحدث عن تعثر الوضع بقرية ( الحصا ) وأن أحداثاً مريبة قد وقعت بهدف عرقلة عملية التهجير ، غير أن خلفيات هذا الوضع تتلخص فيما يلى :
    وصل الى علمى – فى منتصف سبتمبر 1962م – أن الأهالي قد بدأوا يحضرون أراضيهم الزراعية لفلاحة الموسم الشتوي . وبالقطع فان القرية ، كانت سبباً وراء ميلهم للاعتقاد بأن عملية التهجير لن تبدأ قبل شهر أبريل . لذلك فقد لفت نظر لجنة التوطين الى هذه الظاهرة وأشرت الى أثارها غير المستحبة أثناء سير عملية تهجير الأهالي ، إذا سمح لتلك التحضيرات الزراعية بالاستمرار . فسيمتنع الأهالي عن الذهاب الى خشم القربة قبل أن يجمعوا حصادهم اليانع . وفى خاتمة المطاف طلبت قراراً حاسماً يمنع كافة الأهالي من بذر محاصيل الدورة الشتوية . ولأن اللجنة كانت تحس بأن اقتراحي يحوى ضمناً التزاماً من المسئولين باستمرار البرنامج بالإضافة الى احتمال كونهم غير واثقين من مقدرة المقاولين بالالتزام بمواعيد إكمال مباني القرى ، فقد وجهتني بنصح الأهالي – من واقع أن عملية التهجير ستستأنف خلال الشتاء – بأن ينصرفوا عن إدخال أنفسهم فى فلاحة الموسم الشتوي . وأوضحت لهم بأن من لا يلتفت الى هذه النصيحة عليه أن يتحقق من مخاطر احتمال أن يغادر المنطقة قبل موسم الحصاد . ويلاحظ القارئ بالرغم من الصياغة الهشة لهذه النصيحة الرسمية – أن الحكومة ستكون قد تورطت بالتزام لا فكاك منه إذا تأخرت مسيرة عملية التهجير حتى أبريل .. هذا اذا انصاع الأهالي للنصيحة . وقد شعرت شخصياً بأن منع الأهالي منعاً باتاً من التحضيرات الزراعية سيكون أفضل من جعل الباب نصف موارب ليدخل منه صناع المتاعب كما يحدث عادة . وعلى كل حال – وإحساسا منى بأني أحمل مسئولياتي للآخرين – فقد أصدرت تنبيهاً مكتوباً بنشرتنا اليومية فى ذلك الخصوص ، وكانت ردة فعل الأهالي ايجابية ، حيث تخلت كل القري عن زراعة الدورة الشتوية فيما عدا ( الحصا) و ( عنقش ) و ( دغيم ) .
    وهناك نقطة ثانية تتعلق بنوع تسجيل الأراضي وحرية تصرف النوبيين فى أراضى الملك الحر بخشم القربة . فقد وعد الرئيس عبود – ابان زيارته التاريخية لوادي حلفا – بأن يتم تسجيل أراضى الملك الحر الخاصة بأهالي المناطق المتأثرة بالغرق كما هي عند حلولهم بالوطن الجديد . ومن جهتهم فان النوبيين أنفسهم لم يطلبوا تعويضاً عن أراضيهم ، لكنهم كانوا حريصين على إثبات ملكيتها الحرة حتى يؤكدوا حقهم فى الحصول على ما يساويها فى خشم القربة .ورغم أن لجنة إعادة التوطين قد وافقت على هذه القاعدة من حيث المبدأ ، إلا أنها قررت – لسبب ما – ضم الأراضي المسجلة ملكاً حراً الى منطقة المشروع بإيجار شهري قدره أربعة شلنات للفدان كما هو الحال فى مشروع الجزيرة . لكن النوبيين لم يوافقوا على هذه الترتيبات التى تجعل أملاكهم الحرة تذوب فى أراضى المشروع بهذا الإيجار البخس دون أن يكون لهم الحق فى حيازتها واستغلالها فى حالة رفضهم للاتفاقية الزراعية بين المزارع وإدارة المشروع . ويبدو أن كبار ملاك الأراضي – على وجه بالخصوص – لن يرضوا بحواشة واحدة فى مقابل أراضيهم الواسعة . يضاف الى ذلك أن النوبيين أحسوا بأن القرار لا يتماشى مع طموحاتهم ولا يتوافق مع روح ما وعد به الرئيس عبود . من هنا عم الشعور بالضيم والتشكي وبرز سؤال جماعي وجه لكل المسؤليين الكبار الذين زاروا حلفا وهو : ( عملتولنا إيه فى الأراضي الملك ) .
    وعندما زار علام وادي حلفا لأول مرة ، تناقشنا طويلاً حول هذا الموضوع وشعرت بأنه كان متعاطفاً تماماً مع وجهة نظر النوبيين . ووعد بأنه سيرفع الأمر الى اللجنة فى أول سانحة وسيحاول البحث عن حل .
    وعلى القارئ أن يضع فى حسبانه أن اللجنة قد قررت منح كل أسرة بستاناً مساحته فدان واحد لانتاج الفواكه والخضروات فى مواقع حول القرى . وقد بلغت المساحة الكلية لهذه البساتين 8000 فدان تم تجذيبها من أرض المشروع .
    نواصل : مع عاطر التحايا .


    تداخل :
    وعلى القارئ أن يضع فى حسبانه أيضاً أن بساتين الفواكه والخضر التى منحوها للنوبيين فى خشم القربة .. لا تساوى إطلاقا ( البور ) من الأراضي النوبية دعك من الأراضي الخصبة التى أنتجت تلك البساتين من النخيل والفواكه والخضروات التي كانت تُزرع حتى فى الحيشان . حلفا كانت جنة باعوها بأرخص الأثمان .. ليتأثر الرئيس عبود بعد فوات الأوان ويوحى بالندم على قرار الاغراق ، حسب ما سمعنا من بعض الرواة ، ولا أدرى سبب عدم تضمين خطاب الرئيس عبود عند زيارته الشهيرة لحلفا فى هذا الكتاب .
                  

09-18-2011, 08:06 PM

Ridhaa
<aRidhaa
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 10057

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة تهجير أهالى حلفا ( هجرة النوبيين ) تأليف حسن دفع الله (Re: Ridhaa)

    الفصل العشرون - التهجير (21)


    وإذا ما عدنا الى ( الحصا ) فإننا نجد أن أهلها لا يملكون إلا أراضي محدودة جداً على نظام الملك الحر مما يجعل إصرارهم على إعادة تسجيلها بخشم القربة كتعويض أمراً لا يرقى الى درجة المطالبة الجدية . لكن إحساسهم بالغبن كانت تؤججه مقاومتهم لفكرة التنازل عن محصول قمحهم الذى أوشك على النضج . ونسبة لعلمهم بضعف حجتهم فى هذا المقام ، فقد بدأوا يخلطونها ببعض الدعاوى من أجل إحداث تأخير يمكنهم من جمع محصولهم قبل مغادرة القرية نهائياً . وقد شجع هذا السلوك ملاك الأراضي المتذمرين للانضمام الى أهالي ( الحصا ) وتضمين دعواهم فى مذكرة التظلم التى تقدموا بها . ومن جهة أخرى فقد شجعت التطورات الجديدة فى الموقف العناصر المناهضة لخيار خشم القربة . فحاولوا مؤازرة أهالي الحصا لكن تلك العناصر قوبلت منهم بجفاء ، اذ قالوا لهم انهم لا يعارضون التهجير وان اختلافهم مع الحكومة لا يرمي إلا تحسين الأوضاع فى الوطن الجديد .
    وفى الثامن من مارس ، جاءني وفد من ( الحصا ) برئاسة محي الدين الشيخ والمرحوم عثمان أبو الريش وسلمونى مذكرة تحوى المطالب الخمسة الآتية :-
    أولاً : تأخير تهجير قريتهم الى حين فراغهم من حصاد الموسم الشتوي .
    ثانياً : إعطاء ضمان لصلاحية المباني الجديدة فى خشم القربة لمدة خمسة عشر عاماً تكون الحكومة خلالها ملزمة بصيانتها وترميم ما يعتريها من تصدع .
    ثالثاً : ألا تكون أراضى الملك الحر جزء من الأراضى الزراعية للمشروع وأن يتم تسجيلها قانوناً خارج حدوده .
    رابعاً : أن تعطى الحكومة كذلك ضماناً بأن ما تبقى من التعويض النقدى محفوظ فى أيد أمينة وأن يدفع لهم ساعة وصولهم الى وطنهم الجديد .
    وأخيراً أن تمنح لهم المزارع ( الحواشات ) بعقد ايجار مدته 99 عاماً .
    وأثناء نقاشى الأول معهم تبين لى عنادهم واستحالة اقناعهم بما يغير وجهة نظرهم . ولذلك وعدتهم بدراسة مذكرتهم ومناقشتها مع الأهالي عند زيارتي ( للحصا ) والتي اعتزمت أن أقوم بها فى اليوم التالي . وعند مغادرتهم مكتبي هاتفت علام وأطلعته على الوضع قائلاً اننى سأحاول إقناعهم بالرحيل الى خشم القربة طبقاً للبرنامج . رغماً عن أنني لم أكن متفائلاً بإقناعهم . فوافقني على رأيي وطلب منى الاتصال به عند عودتي من القرية .
    لقد شرحت آنفاً الأسباب التى كانت وراء المطلبين الأول والثالث . أما المطلب الثانى فقد عكس شكوكهم فى متانة المباني بخشم القربة اذ أن العجلة التى كانت تصاحب برنامج التشييد هي سبب المخاوف التى انتابتهم . وأما المطلب الرابع فقد مجرد صدى لشائعات راجت فى ذلك الوقت حول أن الوضع الاقتصادي للبلاد لم يكن مطمئناً . وفيما بعد وعندما تسلموا تعويضاتهم النقدية بخشم القربة ، تبين لهم أن الشائعة لم يكن لها أساس من الصحة ، وأما المطلب الخامس فقد كان فكرة حمقاء لا سابقة لها فى تاريخ إدارة الأراضي بالسودان . وبناء على ذلك جهزت اجاباتى .
    نواصل : مع عاطر التحايا .


    تداخل :
    مطالب أهالى قرية ( الحصا ) غض النظر عن ماهيتها ، تؤكد أن الانسان النوبي لديه ثقافة التظلم ورفع المطالب وفق القنوات الصحيحة – هذه الثقافة متجذرة منذ القدم .
    أما اليوم ، أصبحت الحزبية تطغى بل أن صوت بعضهم بات يرتفع ليقول أن السدود المرتقبة فى المنطقة النوبية إنما تقوم بها حكومة المؤتمر الوطني للتنمية وتحويل المنطقة الى جنة الله فى الأرض ، فى الوقت الذى لا يملك هؤلاء أدنى معلومة عن التنمية التى يدعيها الحكومة ، وأنهم أي هؤلاء المتحزبون مثل العامة تماماً لا يملكون المعلومات المؤكدة ويتساءلون مع من فى الصفوف الخلفية .
    أحدهم ( ان عشنا ، سنكشف اسمه فى الوقت المناسب ) وهو أخ نقدر له فارق سنه دخل معى فى رهان ، مدعياً أنه سيكون هناك نهر آخر على بعد مئات الكيلومترات من تنقار ، سينطلق من سد كجبار عبر الصحراء النوبية الى الحدود المصرية ، ليتحول الصحراء الى حديقة غناء .
    فتساءلت - هل هذا يعنى أن التهجير سيكون تجاه النهر الصناعيى المرتقب ؟
    كيف ومتى وما هي أسانيدك ؟
    ووووو فقط يقول لك اصبر وسوف ترى !!!
    ألا يعرف هذا أننا لا نملك غير هذا الصبر رغم مرارته ؟
    عافيلقو
                  

09-18-2011, 08:07 PM

Ridhaa
<aRidhaa
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 10057

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة تهجير أهالى حلفا ( هجرة النوبيين ) تأليف حسن دفع الله (Re: Ridhaa)

    الفصل العشرون - التهجير (22)


    وفى اليوم التالي – يصحبنى نديم ومحمد فضل الله – ذهبت إلى ( الحصا ) .. كانت أطراف القرية مغطاة بغلالة زاهية من خضرة الحقول . وعلى وجه الخصوص فقد كانت سنابل القمح تبشر بإنتاج وفير مما جعلنا – ثلاثتنا نشعر بالتعاطف مع المطلب الأول من مطالب أهالي ( الحصا ) .. لأننا لو كنا فى مكانهم لما تصرفنا – بالتأكيد بغير الطريقة التى تصرفوا بها .وعند وصولنا الى القرية وجدنا جمعاً كبيراً فى انتظارنا . غير أنني لاحظت أنهم لم يكونوا بالطلاقة والود الذى أعرفه عنهم رغم أننى لم ألمس منهم – حينئذ أي بادرة عداء . فاستنتجت من هيئتهم أنهم كانوا لا يتوقعون منا أخباراً طيبة ، ولذلك شرحت لهم كل النقاط المتعلقة بتسجيل الأملاك الحرة بالمشروع مستشهداً بالوضع فى مشروع الجزيرة والمناقل . أما بالنسبة لمحصولهم الشتوي فقد أشرت لهم الى أن تحذيراً قد وجه إليهم بأن عملية التهجير ستبدأ فى الشتاء وأننا نصحناهم بعدم بذر محصول الدورة الشتوية . وأضفت مؤكداً أن المبانى ستكون من النوعية المتينة رغم استعجال إكمال تشييدها . وقلت لهم أن تعويضاكم فى أيد أمينة وان الخزينة العامة قد خصصت ما يغطى حقوقكم النقدية .
    وعندما فرغت من كلامى أخذوا ينظرون الي وكأنما صدمتهم خيبة الأمل . وأخطرني العمدة الصائغ – بنبرات هائجة – أنهم لن يرحلوا ما لم يستجب لمطالبهم . فقوبل كلامه بالاستحسان من قبل المجتمعين ، وقد أوضحت لهم أنهم إن كانوا يرجون استجابة ايجابية من الحكومة فان عليهم أن يطالبوا بما هو معقول . ونصحتهم بعدم التسرع فى الوصول الى مثل تلك القرارات الخطيرة أو تبنى تلك الروح الدكتاتورية . وقلت لهم إن إصرارهم على عدم الرحيل الى خشم القربة يعنى أن القرية التى خصصت لهم – هناك ستؤول الى غيرهم من الأهالي الذين هم على استعداد للرحيل ، وحاولت فى الختام أن أهدى من ثائرتهم بقولي أننى سأخطر الخرطوم بالموقف وأن القرار النهائي سيكون بيد الحكومة .
    وعند عودتي من الحصا أخطرت علام بالموقف ، فأفادني بأنه قد أبلغ الموضوع سلفاً – الى اللجنة الوزارية بتوصية تدعو الى تخصيص أراضى للملك الحر خارج المشروع ، كما أفادني بأنه وفقاً للموقف الراهن فان كل الأسر ستخسر قطع الأراضي المخصصة للبساتين لأنها ستدمج فى أراضى الملك الحر . وقال انه سيكون بوادي حلفا فى اليوم التالي لإجراء مزيد من النقاش مع الأهالي فى محاولة لإقناعهم . واتفقنا على أن أدعو قيادات قرية الحصا للاجتماع به فى مكتبي بدلاً عن مواجهة جمع غير منظم مثل ذلك الذى التقيت به فى ذلك الصباح .
                  

09-18-2011, 08:09 PM

Ridhaa
<aRidhaa
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 10057

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة تهجير أهالى حلفا ( هجرة النوبيين ) تأليف حسن دفع الله (Re: Ridhaa)

    الفصل العشرون - التهجير (23)


    وفى الاجتماع – الذي عقد في اليوم التالي – نقل علام إليهم القرارات التالية : أولاً استجابة الحكومة لمطلبهم المتعلق بفصل أراضى الملك الحر عن المنطقة الزراعية ( الحواشات ) شريطة أن يكون ذلك على حساب أراضى البساتين المخصصة للأسر . وقد قدرت المساحة المحددة لأراضى الملك الحر بما يساوي ثلاثين ألف فدان فى مقابل 15 ألف فدان كانت مملوكة بوادى حلفا ، وذلك بنسبة 2:1 وافقت عليها الحكومة مسبقاً .
    ثانياً فيما يختص بتعويضهم النقدي فيمكنهم أن يطمئنوا تماماً بأنه سيدفع لهم حال وصولهم الى خشم القربة .
    ثالثاً : إن المنازل قد تم تشييدها بمواد من الدرجة الأولى من الجودة وتتوافق مع المستوى والخطط المصدق بها من الجهة الفنية ، وأن عمل المقاولين يخضع لإشراف المهندسين الاستشاريين الذين تم تعيينهم – خصيصاً بواسطة الحكومة لهذا الغرض . وبالنسبة للمطالبة بمدة خمسة عشر عاماً ضماناً لمستوي تشييد تلك المنازل فقد اعتبرت فكرة غير صائبة رأتها الحكومة أمراً يتعذر أن توافق عليه .
    رابعاً : إن مطالبتهم بمنح المزارع لهم بعقد إيجار لمدة 99 عاماً تعتبر مطالبة غير معقولة ، ذلك أن الحكومة كانت تحس أنها قد أوفت بالتزامها بعد أن خصصت ربع مساحة المشروع لاسكانهم ولم يكن منطقياً أن يتوقعوا معاملة تختلف عن تلك التى يلقاها مواطنو السودان الآخرون فيما يتعلق باتفاقيات ايجار الأرض .
    خامساً لقد حذرتهم الحكومة مسبقاً بعدم زراعة الموسم الشتوي وأوضحت لهم بجلاء أن الذين لا يلتفتون الى تلك النصيحة سيغامرون بمغادرة المنطقة قبل حلول موسم الحصاد .
    وأخيراً أمهلهم علام مدة أسبوع لترتيب أوضاعهم والا ترك لهم الخيار للبقاء حيث يريدون اذا امتنعوا عن الرحيل ومن ثم تُمنح قريتهم الجديدة لأُناس آخرون .
    وبعد استماعهم الى هذه القرارات ، غادر الوفد المكتب وقد بدأ على وجوه أعضائه عد الرضا . وبارح علام وادى حلفا الى الخرطوم فى اليوم التالي .
    وبعد مرور يومين جاء الى مكتبى على أحمد ومحي الدين أو الريش ( الشقيق الأصغر لعثمان ) وأخبراني أنهما تناقشا مع أهالى ( الحصا ) وأحرزا بعض التوفيق ، فقد تخلى الأهالى عن مطالبهم الأخرى غير أنهم معنيين للغاية بحصاد موسمهم الشتوي . وعند سماعي لهذا التحول الذى حدث فى موقفهم ، شعرت بالارتياح وأخبرتهم أننى توصلت الى حل لمشكلتهم وأريد أن أناقشه معهم بقريتهم ذلك المساء . وعندما ذهبت الى ( الحصا ) وجدت الناس مهيأئين لقبوله ومتعاونين . وطرحت عليهم خيارين لانقاذ محصولهم . فاما أن يخلفوا عشرين رجلاً منهم ليقوموا بعملية الحصاد واما أن أصدر تذاكر سفر – اذا رغبوا فى ذلك لعشرين رجلاً يعودون الى القرية بعد أن يرتبوا شئون أسرهم بخشم القربة لتعهد ما زرعوا وجني محصوله . وذهبت بما وعدت الى أبعد من ذلك حيث أنني تعهدت لهم فى من الحالتين – أن أرتب لمغادرة أولئك الرجال القرية بأول قطار عقب الحصاد الى قريتهم الجديدة بخشم القربة وهم يحملون محصولهم .
    فتقبلوا الخيار الأخير بسرور وأنهوا ذلك الاجتماع الناجح بأن طلبوا حضور عمال السكة حديد الى قريتهم لحمل أمتعتهم الى القطار المغادر الى خشم القربة .
    وفى 13 مارس – أي بعد أسبوع من بداية مقاومة أهالي ( الحصا ) للرحيل – غادر أول قطارات الشحن بأمتعتهم إلى خشم القربة ثم تبعه قطار الركاب فى اليوم التالي . وفى 17 مارس غادر الفوج الأخير من أهالي ( الحصا ) الى قريتهم الجديدة . وقام السيد آرنيل ممثل الأمم المتحدة بالسودان والذى لفتت تلك التطورات انتباهه عند زيارته الأولى لوادى حلفا ووقف على الترتيبات التى أعددناها للتهجير وكان انطباعه عنها ايجابياً للغاية .
    وبعد الفراغ من ترحيل أهالى ( الحصا ) غادر الفوج الأول من أهالى فرص شرق الى خشم القربة يوم 20 مارس وسارت العملية بلا أدنى تعقيد الى أن تم اكمال اخلاء الفوجين الأول والثانى ، وسيكون مملاً على القارئ أن يحاط علماً بكل التفاصيل ، لكن هناك بعض الأحداث الشيقة التى تستاهل أن تُسجل .
    نواصل : مع عاطر التحايا .


    تداخل :
    إن طريقة الحكومة ممثلاً فى السيدين دفع الله وعلام فى إدارة الخلاف مع أهالي ( الحصا ) فى رفضهم للهجرة ما لم تتم استجابة مطالبهم وفى مقدمتها حصاد محصولهم عملاً بالمقولة ( من زرع حصد ) وكون أنهم زرعوا كان لا بد أن يحصدوا – وقد كان . موقف ايجابي وسط بحر من مرارات التهجير بكل مراحلها المؤلمة .
    اليوم نعيش هاجس التهجير بسدود جديدة فى المنطقة – تسأل طوب الأرض ولا تجد اجابة ، ولا حياة لمن تنادي .
    عافيلقو.
                  

09-18-2011, 08:12 PM

Ridhaa
<aRidhaa
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 10057

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة تهجير أهالى حلفا ( هجرة النوبيين ) تأليف حسن دفع الله (Re: Ridhaa)

    الفصل العشرون - التهجير (24)
    فبعد تجربة الحصا ، قمت بمراجعة برنامج التهجير بغرض تأجيل رحيل أهالي قريتي ( عنقش ) و ( دغيم ) ليتسنى لهم حصاد ما زرعوا قبل أن يغادروا الى خشم القربة . وقبل يوم من مغادرة الفوج الأول لأهالي ( أرقين ) ، أخبرني ساعي مكتبي – الذى ينتسب الى تلك القرية – أنهم استيقظوا فى الصباح ليجدوا أن القرية قد اكتظت بالمغتربين العائدين الذين وصلوا بالباخرة الليلة الفائتة . وقال أن كثيراً منهم كانوا يعتبرون فى عداد الأموات منذ عهد بعيد ، وكان أقرباؤهم يحدقون فيهم وكأنهم قد بعثوا من قبورهم ، فقد انتاب الخوف بعض الناس بالفعل . ومن الطريف أن أحد العائدين والذى فارق زوجته منذ أربعين عاماً . وفى حضنها وليد ذكر – كان فى استقباله بالمحطة حفيده الطالب بالمدرسة الثانوية .
    وعندما غادر البصاولة المنطقة ، تلاحظ أن كل حافلات القطار قد امتلأت بأقفاص الحمام والأوز والأرانب مما يوحي بأنهم قد أخذوا معهم كل دواجنهم معهم . وبرحيل البصاولة امختفت كل أسراب الحمام من سماء المدينة .
    وبنهاية يوليو كانت كل القري المشالية قد تم ترحيلها الى خشم القرية فيما عدا فوج واحد من سره شرق لم تكتمل منازل قريته هناك . فقد ظل هذا الفوج معزولاً ويفتقر الى أي وسيلة مواصلات تقله الى حيث يتسوق . فخصصت لأفراده سيارة لهذا الغرض وظللت أنا ونديم نتردد عليهم لنثبت لهم أنهم ليسوا كماً منسياً . وكنت أول الأمر – أخشى عليهم من هجمات الضباع الجائعة التى تعج بها تلك المنطقة – بعد أن نفذت بقايا أطعمة المنازل برحيل أهلها الى الوطن الجديد ، لكننى لم أتلقى شكاوي فى هذا الخصوص .
    وفى 30 مايو ، غادر الفوج الأخير لقرية ( أرقين ) بعد أن خلف وراءه رجلاً معتزلاً للناس هو : صالح عثمان ... لم يكن لهذا الرجل منزل اذ أنه كان يعيش فى عشه . وقد باءت كل المحاولات لاقناعه بالرحيل فى صحبة أهالى قريته وأصر على البقاء وحيداً بالقرية الى أن غمرتها المياه . وفى وقت لاحق نجح المقيمون بدغيم فى اقناعه بعبور النهر والعيش معهم على شاطئ البحيرة .
    وبقى الشيخ محمد أحمد عواض وأسرته – وحدهم بقرية دبيرة مثلما فعلت أسرة أيوب التى بقيت بقرية أشكيت الى داهم الماء منازلهم فغرقت . وقد جاء كل من أحمد محمد عواض ( وكان مديراً لاحدى المدارس ) ومحمد طه أيوب ( وكان يعمل بمصلحة السكة حديد فى عطبرة ) الى وادى حلفا باجازة لاغاثة أهلها وانقاذ أسرتيهما . ولم يتمكنا من ذلك الا باستخدام قارب ، اذ أن الطريق البري كان حينئذ قد غاص الى ما تحت الماء ثم انضمت الأسرتان الى المقيمين بقرية دغيم .
    نواصل : مع عاطر التحايا .


    تداخل :

    لا يسعنى فى هذه الحلقة الا أن أحيى ، الرجل المعتزل للناس صالح عثمان والأستاذ أحمد محمد عواض والأستاذ محمد طه أيوب وأسرهم ، داعيا لمن انتقل منهم الى جوار ربه بالرحمة والمغفرة ، وبالصحة والعافية لمن بقي منهم على قيد الحياة .
                  

09-18-2011, 08:17 PM

Ridhaa
<aRidhaa
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 10057

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة تهجير أهالى حلفا ( هجرة النوبيين ) تأليف حسن دفع الله (Re: Ridhaa)

    الحلقة (25) والأخيرة من باب التهجير
    وعندما غادر الفوج الأخير ( من سكان الضفة الغربية ) قرية الكنوز الواقعة قرب مدينة بوهين الأثرية خلف وراءه مجموعة ضخمة من الكلاب . ونسبة لأن الشرطة لم تكن في ذلك الوقت تمتلك ما يكفى من الذخيرة فقد عاشت تلك المخلوقات أياماً بلا طعام وهي تعاني من شدة الجوع . وكان نباحها الذى يسمع عبر النهر – مؤثراً ، وفى أحد الأيام – عندما كنت أقف على شاطئ النهر عند فندق النيل – التقطت عيناي العديد منها وهي تسبح فى اتجاه البر الشرقي بحثاً عن الطعام . ولا شك أن حركة الآدميين وأضواء المدينة ليلاً على ذلك الشاطئ قد أغرتها بعبور النهر والانضمام الى من تبقة من بنى الانسان .
    فى هذا الوقت أبرقت عاجلاً مدير الشرطة فى عطبرة لارسال شحنة من الذخيرة لتدارك الموقف .
    وفى مايو جنحت قاطرة خارج الخط الحديدى قرب برج الاشارة بمحطة ( عنقش ) وسدت الطريق ، وبذلك أصبح برنامج التهجير مهدداً بالتأخير ولم تكن هناك فسحة من الوقت تسمح بانتظار وصول رافعة من عطبرة لانتشال القاطرة ، فأقام الدرديري المبدع خطاً حديدياً التف حول القاطرة الجانحة . ولم تلبث قطارات التهجير أن استأنف رحلاتها بعد تأخير لم يتجاوز الأربع ساعات . وفى أغسطس اتبعت نفس المعالجة عندما خرجت عن الخط ثلاث عربات بضاعة فارغة بالمحطة ( نمرة 2 ) فى صحراء العتمور .

    =================================


    سمير خليل
    http://www.3amara.com/forum/showthread.php?t=17339&page=4
                  

09-18-2011, 08:23 PM

Ridhaa
<aRidhaa
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 10057

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة تهجير أهالى حلفا ( هجرة النوبيين ) تأليف حسن دفع الله (Re: Ridhaa)

    Alsunda

    سلام ....

    الكتاب منقول بحذافيره ....الناقل هو الأخ سمير خليل ...

    أتمنى التعقيب على محتوى الكتاب .

    تحياتي .
                  

09-18-2011, 08:31 PM

Ridhaa
<aRidhaa
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 10057

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة تهجير أهالى حلفا ( هجرة النوبيين ) تأليف حسن دفع الله (Re: Ridhaa)

    النوبي الأصيل :
    Medhat Osman

    سلام ,,

    نعم المعاناة لازالت ....
    ومرض الملاريا الخبيث فتك بالبشر ...
    التضحيات دي كلها في سبيل ( مصر )...
    ساستنا ناس غريبين !!!!!

    خالص تحياتي

    (عدل بواسطة Ridhaa on 09-18-2011, 08:38 PM)

                  

09-18-2011, 08:51 PM

Ridhaa
<aRidhaa
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 10057

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة تهجير أهالى حلفا ( هجرة النوبيين ) تأليف حسن دفع الله (Re: Ridhaa)

    في السادس من يناير للعام 1964 تم اغراق حلفا القديمة اجمل مدينة سودانية عنوة تحت بحيرة السد العالى و شرد سكانها النوبيين الى مستنقعات خشم القربة , وللاسف تمر هذه الذكرى سنويا على النوبيين و لا يحرك فيهم ساكن .

    يوم الارض هي دعوة منا لاحياء هذه الذكرى وذلك ب
    1- تقديس الارض وزرع عشق الارض و قدسيته في وعى الاجيال القادمة
    2- الوقوف مع اهلنا المنكوبين في مستنقعات خشم القربة و شد ازر الصامدين في حلفا القديمة على الاقل معنويا
    3-محاكمة تاريخية لكل من شارك في هذه الجريمة
    4 - استخلاص العظات و العبر من هذا الحدث الجلل حتى لا يتكرر مرة اخرى فى كجبار او دال
    فليكن هذا العام اول عام يحي فيه النوبيين يوم الارض و ليكن من خلال المنتديات الاسفيرية و في لاحق الاعوام على ارض الواقع.
    المنتدى النوبى العالمى
                  

09-18-2011, 08:54 PM

Ridhaa
<aRidhaa
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 10057

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة تهجير أهالى حلفا ( هجرة النوبيين ) تأليف حسن دفع الله (Re: Ridhaa)

    يقول الراحل المقيم الأستاذ مصطفى محمد طاهر فى كتابه المقروء ( السد العالى ومأساة النوبيين ):ـ يقول فى صفحة 264,فى 14 ديسمبر 1964م أُعلن أن هجرة الفوج الأول من المهاجرين من وادى حلفا إلى خشم القربة ستبدأ يوم 6يناير 1964م وستتابع الهجرة من الشمال إلى الجنوب. بدءاً من فرس غرب حسب الجدول الذى تم إعداده للهجرة. وفى الثالث من يناير 1964م أُقيم إحتفال ضخم دُعى إليه كل أهالى حلفا لوداع الفوج الأول من أهالى فرس غرب الذين سيتم ترحيل أمتعتهم بقطارٍ خاصٍ يوم 5يناير 1964م. على ان يتم ترحيل المواطنين بقطارٍ آخر للركاب يوم 6ديسمبر 1964م.
    وعلى الرغم من المحاولات التى قامت بها السلطات لإخراج الحفل فى صورةٍ تنسى الناس المأساة التى هم مقبلون عليها, ورغم الضخامة والتكلفة العالية التى ظهرت فى ذلك الإحتفال, إلا أنه جاء باهتاً وحزيناً. وبدأ الإحتفال وكأنه مأتم أرادآخرون أن يفرضوا على أهله أن يخفوا دموعهم وأن يبدلوا حزنهم فرحاً,خاصةً وأنه كان فى القرية رجل من رجالاتها المسنين يعانى من مرضٍ عُضالٍ ويعيش آخر لحظات حياته والناس فى حيرة, هل يأخذونه معهم ليموت فى الطريق ؟. أم ينتظرونه بالقرية حتى يموت ؟. وبينما هم فى هذه الحيرة جاءهم نبأُ وفاته !!!.
    وكانت تلك من المناسبات القليلة التى يفرح فيها الناس عند موت عزيزٍ لديهم ويكون الموت حدثاً سعيداً.
    لقد حرص أكثر الناس أن يكونوا بقرية فرس غرب منذ الساعات الأُولى من صباح يوم 6ديسمبر 1964م. ليشهدوا كيف يتم ترحيل الفوج الأول؟. لم ينم أحدُُ من أهل فرس ليلته. وظلوا يترقبون طلوع الفجر خاصةً وأن أمتعتهم قد تمّ ترحيلها. ولم يكن بالمنزل شيئ ينامون عليه. ولا أوانى يستعملونها فى إعداد طعامهم وشرابهم. إن أحداً مهما أُوتى من قوة التصوير وسعة الخيال ورشاقة القلم ورهافة الحس, لا يستطيع أن يعبر عن تلك المشاعر, ولا يصور تلك المشاهد.
    لم يكن أمام النساء إلاّ العويل والبكاء, والمشاعر والأحاسيس المتداخلة والصور التى تتدفق فى العقول والقلوب دون أن يتمكن الإنسان أن يعطى لها معنىً معيناً..
    والنساء يقمن كعادة النوبيات منذ آلاف السنين بتنظيف منازلهن حتى المساطب الخارجية ويأخذن المفاتيح معهن وكأنهن عائدات من مشوارٍ قريبٍ. والبعض منهن يتركن الباب مفتوحاً ثم يعدن ليقفلنه مرةً أُخرى. ثم يعدن ويفتحن الباب مرّةً ثالثةً. ويكررن العملية مرات ومرات غير مصدقات أنهن لن يعدن إلى منازلهن مرّةً أُخرى.إلى أن يأتيهن موظفو التوطين ليأمروهن أن يسرعن ليلحقن بالبنطون الذى سيأخذهن للبر الشرقى. ومنه إلى القطار حيث رحلة اللاعودة.
    يتبع

    http://arnata.com/vb/showthread.php?s=ffc31a7...7632cbd13bb5d&t=3733
                  

09-18-2011, 08:56 PM

Ridhaa
<aRidhaa
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 10057

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة تهجير أهالى حلفا ( هجرة النوبيين ) تأليف حسن دفع الله (Re: Ridhaa)

    تابع (2)
    الذكرى السادسة والأربعون لجريمة التهجير القسرى
    ويسرد الراحل المقيم مصطفى محمد طاهر ويعتصر ألمه وآهاته ويقول :ـ
    والرجال ليسوا أفضل حالاً من النساء. فقد ذبحوا البهائم ليأخذوها زاداً لهم, ولكنهم عجزوا عن سلخ الذبائح الذى كانوا يمارسونه فى القرية فى المناسبات المختلفة طوال حياتهم. وينادون زوجاتهم لملئ الأزيار كعادتهن كل صباح. وآخرون شربوا حتى الثمالة, وكثيرون أصبحوا كالبلهاء لا يتكلمون. وإنما ينظرون إليك وكأنهم أصبحوا جزءاً من آثار كنيسة فرس غرب... والبعض يضحك وينقلب ضحكه إلى بكاءٍ فى هستيريا مفاجئة....
    لقد رحل الجميع عن فرس غرب ولم يبق منهم أحدُُ. وبنفس الدرجة كان أهل سرّة غرب. ولم يكن موقف اهل فرس شرق أحسن حالاً من سابقتيها, فلما جاء دورهم, خرجت القريةُ عن بكرة أبيها لأداء صلاة الصبح فى جماعة بمسجد القرية, ومن هناك توجهوا إلى ( المقابر ) لوداع موتاهم وذبح النذور وقراءة المورد. وجاء السيد حسن دفع الله ليشهد هذا المشهد, وقد إسترعى إنتباهه أن إمرأةً كبيرةً فى السن كانت تحتضن بنتاً شابةً وتبكى معها بكاءً مراً, فسأل العمدة على الأمين عمدة القرية عن سبب هذا البكاء وعن علاقة المرأة الكبيرة بالبنت؟. فجاءه الرد من العمدة أن المرأة الكبيرة والدة الشابة, وهى من أهالى فرس شرق, وسترحل إلى خشم القربة. أما الإبنة فزوجها فى قرية أدندان فى الجانب المصرى وسيرحلون إلى كوم أمبو !!!. فكانت المسافة بين فرس شرق وأدندان لا تزيد عن ربع كيلو متر, وكانت الأم تزور إبنتها فى أى وقت تشاء خلال اليوم, إذ كان يحدث أن يتقابلا وهن يردن الماء فى النيل أو يزرعن الجروف,أما بعد الهجرة فربما لا يشاهدا بعضهما مرّةً أخرى....
    وكان هذا ما حدث , حيث اننى وبعد ان وقفت على هذه الواقعة فى كتاب هجرة النوبيين للسيد حسن دفع الله(ص 241) ذهبت أسأل عن هذه المرأة فعلمت ان الأم وإسمها عائشة صالح سقا لا زالت تعيش بالقرية 23 بحلفا الجديدة, وقد ماتت إبنتها سكينة صالح محمد عوض زيدان فى قرية أدندان بالنوبة المصرية عام 1992م , دون ان ترى والدتها أو إخوانها بعد التهجير. وهناك حالات مماثلة كثيرة.
    يتبع
                  

09-18-2011, 09:00 PM

Ridhaa
<aRidhaa
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 10057

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة تهجير أهالى حلفا ( هجرة النوبيين ) تأليف حسن دفع الله (Re: Ridhaa)

    3)
    لقد كان تقطيع أواصر النوبيين, وتفريق أرحامهم, وتحطيم قيمة الإنسان فيهم,هو أحد جرائم السد العالى. لقد قتلوا الإنسان فى داخل الإنسان النوبى وقطعوه إرباً ورموا به فى أحضان الفاقة والفقر فإنزوى بين أزقة الأحياء الفقيرة فى كلٍ من الخرطوم والقاهرة, فلم يكن النوبيون فبل الهجرة يعرفون الكلاكلات ولا الدروشاب وأم بدة والدخينات فى الخرطوم. ( الراحل لم يعش ليرى قرى الشقيلاب وأم عُشر وطيبة الحسناب وغيرها من أحياء القرى النائية .. الحسن ). ولا أزقة بولاق الدكرور والدرب الأحمر فى مصر.
    وجدير بالتسجيل هنا ما رصده الأخصائيون الإجتماعيون عند إقتراب موعد التهجير. فقد لاحظوا تزايد حالات الوفيات عند كبار السن, وإرتفاع عدد حالات الإجهاض لدى النساء الحمل, وكذلك كثرة حالات الزواج وتقديم موعدها لتشهده المنطقة المغمورة.لقد ظلت بلاد النوبة فى كل حقب التأريخ معبراً للثقافات والخيرات والبوتقة التى تتمازج فيها حضارات وادى النيل ومحور العلاقات التأريخية بين مصر والسودان. حتى أصبح من غير الممكن الحديث عن العلاقات الأزلية بمعزلٍ عن الإنسان النوبى والأرض النوبية. إن الخلل الذى لحق بالمنطقة نتيجةً لإخلائها وإخراج العنصر الأساسى الذى كان يلعب الدور الرئيسى فى إستمرار تلك العلاقات لا يمكن علاجها إلا بعودة ذلك الإنسان إلى أرضه ليلعب دوره الأساسى فى إستمرار حركة التأريخ التى تعودها ذلك الإنسان منذ فجر التأريخ... إن تلك المنطقة هى منطقة وئام ومنطقة سلام تتكامل فيها إرادة شعبى الوادى لقيام العالم الحديث بنفس الدرجة التى قادوا بها العالم القديم... إنه الدور الذى حباهم الله به.
    ونعود لأحداث التهجير, فكما لم يبق أحدُُ فى فرس غرب وسرّة غرب, كذلك لم يبق أحد فى فرس شرق ولا سرة شرق. وفى دبيرة هاجر الناس جميعهم عدا أربعة. وهم محمد أحمد عواض شيخ دبيرة جنوب, وأحمد عيسى عبده, شقيق العمدة صالح عيسى, ومحى الدين محمد عيسى إبن أخ العمدة صالح عيسي والحاج أمين أحمد. أما عن الحاج محمد أحمد عواض شيخ دبيرة جنوب فقد أصر على البقاء فى دبيرة رغم الترغيب والتهديد بالفصل من المشيخة, حيث قال للسيد حسن عوض الله عندما هدده بالفصل ( إنك لن تستطيع فصلى لسببٍ بسيط, وهو أننى سأكون الوحيد هنا, وسأكون شيخ نفسى ). أما أحمد عيسى فقد بقى لفترةٍ وجيزةٍ بوادى حلفا ثم هاجر للخرطوم. أما الحاج محى الدين محمد عيسى والحاج أمين أحمد , فقد آثا الهجرة للخرطوم. ولم يبق بدبيرة إلا السيخ محمد أحمد عواض, الذى أصر على البقاء بدبيرة وحيداً, رغم محاولاتنا الكثيرة بأن ينضم إلى مجموعة أبراس أيوب, الذين رفضوا الهجرة, وكان عددهم يزيد عن 9أسر. إلا انه إضطر أخيراً عندما عزلته المياه عن بعض المناطق, وأصبح الوصول إليه مستحيلاً إلا بالمراكب, إضطر للإنضمام إلى مجموعة أبراس أيوب بأشكيت. وبعد قليلٍ أصبح الوضع فى إشكيت خطيراً للغاية. إذ أصبحت كل الكلاب التى تركها أهلها وهاجروا تلتف حولهم وتنقض على بهائمهم, بل وحتى على طعامهم بجانب الضباع والذئاب حتى تشكل خطراً على حياتهم. إلا انهم ولحسن حظهم كان هناك السيد أحمد عبد الدافع وهو مساعد بيطرى من أهل إشكيت, رفض الهجرة وكان يقيم معهم بالقرية ويقوم بتسميم الحيوانات النافقة ويرميها للضباع والذئاب والكلاب, ولكن كل هذه المحاولات لم تعد تفى بالغرض لكثرة عدد الحيولنات المتزحشة والكلاب الضالة.وبإرتفاع مياه السد أصبحوا هم أنفسهم محاصرين فأجبرناهم بان ينضموا إلينا فى دغيم. وكذلك فعلنا بأؤلئك الذين كانوا يقيمون بقرية الصحابة. وبينما نحن فى هذه الحالة توفيت زوجة المرحوم صالح عثمان الحاج بلدغة عقرب, وتم دفنها بمقابر دبروسة. وعندها طلبنا منه أن ينضم إلينا فى دغيم. إلا انه أصر إصراراً شديداً على البقاء فى أرضه بمفرده.
    وكان عدد الذين طالبوا بالتعويض النقدى 4 أشخاص فقط, أحدهم محمد أحمد جاهين الذى إستلم تعويضه وسافر للخرطوم. والحاج محمد فضل الذى إختار عطبرة وطناً بديلاً ورحل إليها. فلم يبق إلا هو ومحى الدين نقد الله الذى إنضم إلى المقيمين فى دبروسة.
    فلما يئسنا من إقناع المرحوم الأستاذ صالح عثمان من الخروج إلى البر الشرقى والإنضمام إلين, قررنا ان نذهب إلى أرقين بمركبٍ شراعىٍ ونرحل حاجياته وأمتعته قسراً. فذهبنا ومعنا عددُُ من الشباب الأقوياء وبعض أصدقائه الذين رأينا قدرتهم فى التأثير عليه. وقمنا بفك منزله الخشبى ووضعنا فى المركب بجوار أمتعته. وعبثاً حاولنا حمله على ركوب المركب[
    وترقبوا ما حدث من بعد ./COLOR].
    يتبع
                  

09-18-2011, 09:04 PM

Ridhaa
<aRidhaa
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 10057

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة تهجير أهالى حلفا ( هجرة النوبيين ) تأليف حسن دفع الله (Re: Ridhaa)

    4)
    وصف الراحل مصطفى الموقف قائلاً :ـ
    وقد كان الأ ستاذ صالح غثمان رجلاً قصيراً متوسط الحجم. وعندما حاولنا إ ستعمال القوة رقد الأستاذ صالح على الرمال كمن يحتضن الأرض كلها وغرس يديه حتى غارت فى الرمال وظلّ يُلثِّم ُ الرمل والدموع تنخمر من عينيه دون توقف وكأنها تنساب من معينٍ لا ينضب ولا يجف. وتسمرنا أمامه عاجزين عن فعل أى شئ, إذ كان كلُُ منا يسكب دمعه ويخفيه عن الآخرين, ولم نصحو من سكرتنا هذه إلا بصرخةٍ جاءت من عمنا عبد الرحيم محمود أنه يجب أن يذهب معنا تحت أى رفٍ, ولن يجدينا بكاؤكم هذا. وهنا إندفعنا كلنا لنقتلعه إ قتلاعاً من رمال أرقين. وفى صعوبةٍ بالغةٍ تمكنا من إخراجه من المركب وأخذه إلى منزل عبد الحميد طلسم الذى كنا أعددناه سكناً له فى المرحلة الأُولى. وانضم إلينا بعد ذلك فى دغيم كلُّ رافضى الهجرة من دبروسة وجمى, وبذلك إكتمل عقد المقيمين, وتوحّد جمعهم فى ذلك المكان بعد أن غادرها الجميع. ولم يعد هنالك أى مظهرٍ من مظاهر السلطة التى سحبت كافة أجهزتها ومؤسساتها الخدمية وخرجت من حلفا بعد ان تركت عدداً محدوداً جداً من موظفى التوطين الذين بقوا هناك للإ شراف على ترحيل بقية عموديات المنطقة الجنوبية التى لم تُهجّرْ بعد. أو التى كانت فى إنتظار بناء قراها.
    وفور غياب الشلطة شرعت اللجان المتخصصة التى سبق تكوينها فى القيام بمهامها كلُُّ فى مجال إختصاصه حتى لا يشعر المواطنون بنقصٍ فى أى مجال من مجالات الخدمات العامة التى كانت تقدم لهم تعليمية كانت أم صحية أم تموينية, أو غيرها0
    فقد تم إفتتاح مدرسةٍ مزدوجةٍ بمنزل أ ستاذ الأجيال إبراهيم أحمد وكان منزلاً كبيراً وبه حجرات كافية لإستعمالها كفصول ومكاتب للمعلمين ومخازن للكتب والأدوات0
    وتطوع الأستاذ صالح عثمان الحاج, وهو ناظر مدرسة إبتدائية متقاعد, أن يقوم بإدارة المدرسة والإ شراف عليها مجاناً, ورفض ان يتقاضى أى مرتب مقابل عمله هذا0 كما إستقالت الأستاذة ليلى جعفر محمد صالح من عملها كمعلمة من المدارس الإبتدائية, وانضمت للعمل بالمدرسة0 وكذلك فعل الأ ستاذ أحمد خليل عباس ومحمد عبد الرحيم. أما الأ ستاذ محمد حسن صابونه وهو من أبناء السكوت, فقد إستقال من وظيفته الحكومية كمعلم, وانضم إلينا ليغبر بذلك عن تضامن أهلنا بالسكوت معنا فى نضالنا من أجل حلفا والنوبيين عامةً0 ولا زال النوبيون يذكرون ذلك التضامن ممثلاً فى الأ ستاذ صابونه حتى أ صبح جزءاً من تراث النوبيين النضالى0
    وتقديراً لجهود هؤلاء الأ ساتذة قررت لجنة التعليم تعيينهم بعلاوتين إ ضافيتين عن مرتباتهم التى كانوا يتقاضونها من وزارة التربية والتعليم0 أما بالنسبة لكنبات جلوس التلاميذ, فقد وفرت لجنة التعليم المال اللازم وكلفت الحاج دهب عبد العزيز للإشراف على توفير تلك الكنبات0 وحتى لا تتوقف الدراسة, ولحين تجهيز الكنبات, كلف السيد صالح غثمان الحاج, ناظر المدرسة, كل تلميذ أن يحضر صفيحتين قديمتين يجلس على إحداهما ويكتب على الأخرى0
    يتبع

                  

09-18-2011, 09:08 PM

Ridhaa
<aRidhaa
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 10057

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة تهجير أهالى حلفا ( هجرة النوبيين ) تأليف حسن دفع الله (Re: Ridhaa)

    (5)
    ويواصل الراحل مصطفى محمد طاهر :ـ
    هذاما كان من شأن التعليم, اما بالنسبة للخدمات الصحية, فقد تم تعيين عمال صحة من الذين كانوا يعملون بقسم الصحة فى المجلس الريفى او توطين اهالى حلفا. كما تمت الإستفادة من بقايا المبيدات الصحية والأدوية التى تركها قسم الصحة , بجانب ما تم شراؤه من الخرطوم. كما تم تعيين عدد من مساعدى الصحة والمساعدين الطبيين والممرضين المتقاعدين للعمل بالمركز الصحى ومجال الصحة العامة.
    وسيظل التأريخ يذكر , بكثيرٍ من الإعتزاز الدور الوطنى والإنسانى الذى كان يقوم به الدكتور خليل شريف دأود الذى كان موجوداً بحلفا فى تلك الأيام للإ شراف على المهجرين , والذى كان يستقبل المرضى بمنزله, أو يزورهم بمنازلهم للكشف عليهم والإ شراف على علاجهم بعد أن منعته السلطات من تقديم أية خدمات علاجية للمقيمين. وقد لمس السيد صالح محمود إسماعيل فى زيارةٍ له لوادى حلفا ذلك, فأبرق عبود محتجاً على هذه المعاملة غير الإنسانية التى لا يعامل بها حتى الأسرى الذين يقعون فى أيدى أعدائهم.
    وبالنسبة للإحتياجات التموينية بالمنطقة, فقد قام إتحاد التجار بواجبه الوطنى بتوفير كافى الإحتياجات التموينية, وبأقل الأسعار, وكان ذلك مضرب الامثال فى الإيثار والتضحية ومساعدة اهلهم فى أحلك الظروف. وكان الإتحاد خير عونٍ للأهل فى وقت الشدّة, ولم يفكروا فى إ ستغلال الموقف لصالحهم كما يفعل التجار عادةً فى مثل هذه الظروف.
    وقد كان من حظ وحسن طالع المقيمين أن وصلت كوتة سكر المنطقة المغمورة بعد ان رُحِّل الناس عن المنطقة, وأصبحت السلطات المحلية بجمارك وادى حلفا فى حيرةٍ من أمرها. ولما كان السيد محمد حسن عبد المجيد, كبير مفتشى الجمارك, وهو المسؤول عن مثل هذه المسائل برئاسة الجمارك, فقد تم الإتصال به لبيع الكوتة كلها وتخزينها. كما انه قام بشراء كل حاجاته من المواد التموينية والغذائية وغيرها من مخزون التجار الذين هاجروا بأدنى الأسعار.
    لقد لعب إتحاد التجار برئاسة الحاج حسن عبد اللطيف وسكرتارية السيد محى الدين عبد الحليم وامانة صندوق الحاج محمد حسن عبد الرحمن وعضوية السادة عبد الرحمن دأود وسعد الدين عبد الغنى وخليل عباس وإبراهيم دهب وعبد العزيز مطر وأب راس محمد أيوب, دوراً هاماً وخطيراً فى تلك المرحلة من تأريخ المقيمين بوادى حلفا.
    فى تلك الأيام , وبعد ان إستمرت أجهزتنا فى القيام بدورها بكفاءةٍ عاليةٍ ودقةٍ متناهيةٍ لم يسبق ان سهدنا مثيلها فى ظل أى حكومةٍ مرت على بلادنا, طغت مياه السد العالى وأحاطت بمنطقة حلفا دغيم مركز تجمع المواطنين المقيمين. وهنا جاء دور لجنتى الغسكان والمواصلات اللتين قامتا بأداء الدور المنوط بهما خير قيام. فقد قامت لجنة الإ سكان بتخطيط قطع سكنية بعدد الأ سر المقيمة بمنطقة المطار التى تم إختيارها لتكون مقراً لمجتمعنا , ذلك لأنها منطقة بعيدة وعالية وتقرب من المحطة الجديدة التى شيدتها الحكومة لتقل بقية المهجرين منها. وقد راعت لجنة الإ سكان ان تكون هناك مسافة معقولة بين كل منزل وآخر إحتياطاً من الحرائق, بجانب الشوارع الواسعة والميادين الفسيحة. ولو لم تكن مياه البحيرة قد غبتلعت تلك المنطقة لأصبحت أجمل تخطيط لمدينةٍ بالسودان.
    وقد قامت لجنة المواصلات بتنظيم توزيع أسطول النقل حسب أ سبقية وضع المنازل بالنسبة للبحيرة. كما وضعت تسعيرة اللوارى الخاصة حتى لا يكون المواطنون عُرضةً للإ ستغلال. وكان تأجير العربات يتم من خلال لجنة المواصلات, ذلك بجانب نقل الأمتعة الخفيفة بالحمير والجمال وعربات الكارو. وبهذه الطريقة إ ستطاع كل المواطنين أن يرحلوا إلى مقرهم الجديد دون ان يفقد أحدُ منهم سيئاً. ولم يحدث خلال كل تلك الفترة إلا حريقُُ واحد إ ستطاع الناس إخماده فى وقتٍ قصيرس دون ان يمتد إلى منازل أخرى. وذلك بفضل دقّة توزيع المنازل التى قامت بها لجنة الإ سكان.
    يتبع
                  

09-18-2011, 09:14 PM

Ridhaa
<aRidhaa
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 10057

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة تهجير أهالى حلفا ( هجرة النوبيين ) تأليف حسن دفع الله (Re: Ridhaa)

    (6)
    ويستطرد الراحل مصطفى محمد طاهر :ـ
    وهكذا إ ستقر بنا المقام فى موقعنا الجديد, ولكن لم نكن وحدنا هذه المرة, فقد تجمع حولنا كل الحيوانات الأليفة التى تركها أهلها وهاجروا. فقد إمتلأت المنطقة بالحمير والكلاب التى أصبحت تشاركنا طعامنا. فعندما كنا نجلس إلى طعامنا خارج منازلنا, كان يتجمع حولنا عشرات الكلاب فى إنتظار فتات طعامنا. وعندما نرمى إليها ما تجود به أيدينا, يقع العراك بينها, وربما يصل بهم الحال إلى الإعتداء على الأكل فى موائدنا. وعبثاً حاولنا التخلص من هذه الكلاب يتسميمها أو قتلها, أما الحمير, فكنا نستفيد منها فى نقل أمتعتنا عندما نترحل مع الماء من مرتفع إلى مرتفع. وكان أكثر ما يثير دهشتنا عندما نذهب إلى شاطئ البحيرة وننظر إلى الضفة الغربية التى خلت تماماً من السكان على إمتداد البحيرة من إسوان إلى دال, إلا من بعض البثور فى أبى سمبل, ونرى الكلاب وقد إصطفت على شاطئ البحيرة كالجند وهى ترقب الأسماك التى تقفز من البحيرة ثم لا تعود إليها لتستقر فى أفواه تلك الكلاب الجائعة. وقد إعتدنا ألا ننام إلا على أصوات العراك الدائر بين الكلاب والضباع والذئاب. وقد أصبحت بهائمنا رزقاً حلالاً لهم. ولا أدرى أين ذهبت تلك الكلاب الآن ؟. إلا أننى أرى مجموعاتٍ منها تفتش حول مصنع الأسماك , وأخرى إتخذت من كهوف الجبال مأوى لها بعد ان توحَّشت, ولله فى خلقه شؤون (هذه المصائد صُودرت فى الأيام الأولى للإنقاذ لصالح منظمة الشهيد . الحسن )..
    ماهى إلا شهورُ قلائل قضيناها فى المطار إلا وجاء فوج من المهاجرين إلى خشم القربة من منطقى سمنة وصرص حيث إضطرت سلطات التوطين لتهجيرهم إلى حلفا للبقاء هناك إلى حين تكملة بناء منازلهم. ذلك لان إرتفاع مياه السد كانت تهدد بإبتلاع طرق المواصلات المؤدية إلى عموديات تلك المناطق. مما يصعب معه وصول عربات الجيش الكبيرة أو اى نوعٍ من العربات الأخرى إلى قرى تلك المناطق لترحيل أهلها إلى وادى حلفا.
    وفيما كان هؤلاء المواطنين يقيمون بيننا فى إنتظار ترحيلهم, إندلعت ثورة الحادى والعشرين من أكتوبر 1964م. وجاء المذياع يحمل نبأ نهاية حكم عبود وإنطلاق المواكب والمظاهرات فى شوارع العاصمة وكل مدن السودان. وهكذا أصبح هؤلاء المواطنين جزءاً من المقيمين بعد أن تعذر على الحكومة إتمام بناء منازلهم فى الوقت المناسب. ورفضهم للهجرة إلى خشم القربة للسكن فى منازل القش.
    لقد تواترت إلينا الأنباء فى ذلك الوقت ان الشيخ أحمد خيرى من أهالى قرية مك الناصر رفض الهجرة إلى خشم القربة أو الخروج من قريته . ولما كنا ندرك خطورة بقائه بمفرده فى منطقةٍ مثل منطقة مك الناصر, وبحكم تجاربنا مع من سبقوه فى المناطق الشمالية, فقد ذهبنا إليه لإقناعه بالإنضمام إلينا بدغيم. وبعد ان وصلنا إليه بصعوبةٍ بالغةٍ مكثنا عنده يومين لإقناعه ان يرحل معنا ليقيم فى دغيم, لان حياته وحيداً ومعه زوجته وإبنه خارج المنطقة يُعدُّ مستحيلاً. وخاصةً وأنه كان يحكى لنا بنفسه صراعه مع الضباع والذئاب التى كانت تأتى للتهجم على بهائمه أو تخريب زراعته... وعندما كنت أتحدث إليه فى آخر ليلةٍ قضيناها معه قال لى :ـ ( يا إبنى , ألم يخلق الله آدم وحيداً , وأنزله فى الأرض؟) . قلت :ـ ( بلى. ) . قال :ـ ( وهل أنزل مع آدم شرطياً لحراسته؟) . قلت :ـ (لا ). قال :ـ (وانا كذلك سأبقى هنا دون شرطىٍ لحراستى, ولن يحدث إلا ماكتبه الله لى ).
    لقد أصبح العم خيرى من أثرى أثرياء المنطقة, إذ ظل يرعى الضأن ويزرع الجروف. وسمع بهأهله الذين هاجروا فعادوا لا ليكونوا بجواره وإنما لينازعوه الأراضى التى كان يزرعها, بحجة أنه كان يزرع الأرض الفضاء أو جروفهم التى تركوها!. وأصبحنا نسمع عن مشاكل الأراضى التى إختفت من حياتنا منذ الهجرة من جديد. وإضطر السيد ضابط مجلس ريفى حلفا لفتح حلقات منازعات الأراضى من جديد.
                  

09-18-2011, 09:18 PM

Ridhaa
<aRidhaa
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 10057

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة تهجير أهالى حلفا ( هجرة النوبيين ) تأليف حسن دفع الله (Re: Ridhaa)

    7)
    لقد كانت لثورة أكتوبر معنى خاصاً لدى المقيمين بوادى حلفا. حيث كان الجميع بوادى حلفا يشعرون بأن هذه الثورة قامت من أجلهم وحدهم. وبالنسبة لى كنت أحمل على كتفى عوداً من الحطب لأذهب به للمساعدة فى تشييد منزل لإحدى الأرامل. وقد سمعت بالنبإ وأنا فى طريقى إليها. وكان الوقت قرابة صلاة العصر. فرميت العود من على ظهرى ورقدت على الرمل, ونمت حتى صباح اليوم التالى دون أن أشعر بشئٍ من حولى. وبعد أن وصلت المنزل توجهت فوراً للنادى حيث الناس يهنئون بعضهم بعضاً, وكلهم مستغرقون فى تدبيج البيانات المؤيدة وبرقيات التهنئة للمسؤولين, فأستقر رأينا ان نرسل بياناً للصحف وبرقيات للمسؤولين واللجان الفرعية فى كلٍ من الخرطوم وعطبرة وبورتسودان. وإقامة مهرجان كبير بهذه المناسبة. كما تم تكليف لجنة الخرطوم بالقيام بواجب التهنئة بالنيابة عن اهالى حلفا. وهكذا عاش المواطنون أعراساً دائمة. وقامت لجنة الخرطوم بإتصالات واسعة ومجهودات جبارة بسرعة الإعتراف بحق أؤلئك الذين رفضوا الهجرة بالبقاء بوادى حلفا وحقهم بالتمتع بالخدمات الضرورية , شأنهم شان كل المواطنين السودانيين بمناطقهم وإعادة حلفا إلى حظيرة الوطن.
    وفى تلك الأ ثناء سافرت إلى الخرطوم لأكون بجوار العمدة محمد دأود الذى كان متواجداً بالخرطوم فى تلك الأيام لمتابعة الامر مع لجنة الخرطوم. ولما كانت السلطة الثورية التى كانت تحكم البلاد لا تملك المعلومات الكافية عن المنطقة لغياب سلطة الحكومة عنها لفترةٍ طويلةٍ, فقد جعلت من لجنة الخرطوم مصدراً لمعلوماتها عن المنطقة, ومستشارها فيما يجب إتخاذه من سياسات وإجراءات إزاء أؤلئك المواطنين الذين رفضوا الهجرة وأقاموا فى تلك المنطقة يتنقلون مع مياه البحيرة من مرتفع إلى مرتفع وهم يواجهون أصعب ما يمكن أن يواجه الإنسان, ويقاسون أ صعب لما يمكن أن يقاسيه إنسان وجد نفسه يصارع الطبيعة ويقاوم مصاعب الحياة دون سلطة ترعاه أو حكومةٍ تأخذ بيده. وظلت اللجان فى كلٍ من الخرطوم وعطبرة وبورتسودان فى عطائها المادى والأدبى.
    كان أول ما طالبت نه لجنة الخرطوم ان تعلن الحكومة قراراً رسمياً بإعادة تلك المنطقة إلى حظيرة الوطن, والإعتراف بحق أؤلئك الذين رفضوا الهجرة والبقاء فى المنطقة والتمتع بحقوق المواطنين وإعادة الخدمات, التى سبق أن سحبتها الحكومة, إلى المواطنين.
    وفى إجتماعٍ بمنزل السيد دأود عبد اللطيف تمت صياغة مسوَّدة قرار بهذا المعنى كمقترحٍ من لجنة الخرطوم لتقديمه لمجلس الوزراء للموافقة عليه وإصداره كقرارٍ رسمى ٍ صادرٍ من الحكومة. وبعد ان قام السيدان دأود عبد اللطيف وصالح محمود إ سماعيل بصياغة مسودة القرار ووافقت عليه اللجنة, حمله الأ ستاذ صالح محمود إسماعيل إلى مجلس الوزراء الذى أجرى تعديلات طفيفة عليه وأصدره كقرارٍ رسمى من المجلس بالنمرة 1/أـ 5/ 4 بتأريخ 9/ ديسمبر 1964م. والذى كاد أن يحفظه كلُ مقيم بوادى حلفا عن ظهر قلب.
    سنورد نص القرار فى الحلقة القامة.
    يتبع
    .
                  

09-18-2011, 09:21 PM

Ridhaa
<aRidhaa
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 10057

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة تهجير أهالى حلفا ( هجرة النوبيين ) تأليف حسن دفع الله (Re: Ridhaa)

    8)
    وبعد إشتداد المقاومة ورفض التهجير القسرى, تقدم الأهالى الرافضين للتهجير بمذكارت محتلفة وفى مختلف مجالات الخدمات الضرورية. زكا من ضمن تلك المذكرات , تلك التى أرسلها ممثلو تجار المدينة المعارضين لوزير الداخلية يطالبون فيها بتخطيط مينا ء ومدينة جديدة لوادى حلفا حول الميناء. ذلك لأنه وفى كل حقب التأريخ كان هناك ميناء بوادى حلفا يربط بين السودان ومصر. كما انه لا بد أن يعرف مستقبل الحياة على ضفتى البحيرة من فرس إلى دال. ولمن ستؤول هذه المنطقة إذا خرج كل الناس منها وإنسحبت منها حامية حلفا.
    كما رفعت مذكرة بنفس المعنى وقّع عليها مندوبو المعارضين فى كل المناطق. وقد جاء الرد للتجار الذين أبرقوا مطالبين بتخطيط الميناء كالآتى :ـ
    السادة :ـ أبراس أيوب ـ محجوب أمين ـ أحمد عبد الله السنى ـ حسن عثمان خليل
    بعد التحية
    إشارةً لبرقيتكم التى بعثتم بها إلى معالى السيد وزير الداخلية تطلبون عمل تخطيط للميناء. لقد كلفنى الوزير ان انهى إليكم الآتى :
    أولباً : سوف لا يكون هناك ميناء بحلفا, وعليه فسوف لا يكون هناك أى نوع من التخطيط للسكن فى هذه المنطقة.
    ثانياً: إن الدولة غير مسؤولة عن مستقبل أى فرد قرر ألا يهاجر لخشم القربة. وكل ما ستفعله الدولة هو أن يسلم تعويضه كاملاً غير منقوص, وله أن يفعل ما أرادتحت مسؤوليته الشخصية بعد إخلاء المنزل وتسليمه للسلطات.
    ثالثاً : إنكم لا تملكون أى نوع من الإنابة الرسمية عن أى مواطن.فمن أراد منكم مستقبلاً ان يتقدم بأية عريضةٍ, فعليهأن يتقدم بها أصالةً عن نفسه فقط. لا يسمح لأحدٍ ان يتقدم بأى شكلٍ فى هذا القبيل نيابةً عن غيره.
    ختاماً تقبلوا فائق إحترامى
    حسن دفع الله
    معتمد الهجرة
    تعليق :ـ
    من الواضح تلك النوايا الحقيقية بإغراق كل المنطقة , والإصرار فى عدم إقامة مينا وادى حلفا الجديد. ( سوف لا يكون هناك ميناء بحلفا ).. وكما قال الراحل مصطفى محمد طاهر فى الحلقة السابقة , بان إندلاع ثورة أكتوبر هو الذى أنقذ البقية البقية من الرافضين للتهجير. كما كانت الثورة هى تلك التى أدت ببقائهم حتى الآن... كذلك هى تلك أدت إلى بناء ميناء وادى حلفا الحالى......
    ولكن وطيلة عهود لم يكن فى مقدور الأنظمة المصرية المتعاقبة من تهجير هؤلاء.... ولم يفعلوا شيئاً من ذلك طيلة زمن مايو.... ولا ندرى لماذا ؟.. اللهم إلا ممانعة المصريين على أن تحسب جريمةً كهذه لنظامٍ تدِّعى القومية العربية... وهى ما يدينون بها نفسهم...وربما لضيق فترة نظام مايو مقارنةً مع مشاكلها الداخلية والخارجية...... وربما لان المصريين كانوا لا يتصورون المشاكل الحقيقية والناجمة عن السد العالى إبّان نميرى....وتفاقمت تلك المشاكل بعد ذهاب مايو....
    وتنكشف المؤامرة وحجمها القديم والجديد.... ومع علم الجميع بتلك المؤامرات التى حيكت ضد ميناء وادى حلفا ولا زالت تحاك( قفل الميناء من 1995م وحتى عام 2002م) وعدم تطوير الميناء بالرغم من تلك القرارات التى أُتُّخذت أيام الزبير محمد صالح. ثم زيارة نائب رئيس الجمهورية لوادى حلفا وقراراته الكبيرة بتطوير المينا ء وإعتماد مئات الملايين من الجنيهات, دون أى فعلٍ حقيقى على أرض الواقع.... ثم زيارة البشير الأخيرة والوعود ... ثم تحويل بعض مكاتب الجمارك لدنقلا وأخيراً تحطيم السكة حديد.. ومصادرة مصائد الأسماك والمؤسسة التعاونية الزراعية ومصنع الثلج , وهى جميعها من حرِّ مال السكان.. كل هذه الخطوات التدميرية تؤكد تجدد المؤامرة وبصورةٍ ألأم هذه المرة.....
    وما العمل فى إقامة سدى (دال وكجبار ), إلا الحلقة الاخيرة للإنقضاض على المنطقة...
    ولعل المتتبع لمجريات الامور فى الأيام الأخيرة يلاحظ إرتفاع درجات حمى إقامة السدود بالمنطقة وغيرها.. هذه الحمى والتسارع ما كانا ليجيئا إلا لقرب زوال النظام... وذهابه يعنى فشل المخطط المصرى بتفريغ المنطقة برمتها... والمصريون لا ولن ينسوا ما فعلت بهم وبمخططاتهم ( ثورة الحادى والعشرين من اكتوبر ) التى لا يريدون تكرارها هذه المرة حتى لا توقِف الثورة مخططهم اللعين... إذاً لا غرابة فى تسارع الخطى ... وكما كرهوا اكتوبر , هم يكرهون حتى تلك الثورة التى مازالت جنيناً ينمو ويكبر داخل الأرحام....

    ]
                  

09-18-2011, 09:24 PM

Ridhaa
<aRidhaa
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 10057

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة تهجير أهالى حلفا ( هجرة النوبيين ) تأليف حسن دفع الله (Re: Ridhaa)

    9)
    كنا قد وقنا عند قرار مجلس وزراء ثورة أكتوبر والذى أعا د بعضاً من حقوق من تشبثوا بأرض الجدود,تمسكاً بها والذين أوصوهم على الوطن ليكونوا شُداداً عليها.... ويقول الراحل مصطفى محمد طاهر :ـ
    وكان القرار كالأتى :ـ
    91ــــ عن أهالى وادى حلفا...
    قرَّر مجلس الوزراء بناءً على ما وصل إليه من معلومات عن أهالى وادى حلفا والذين ما زالوا يقيمون فى المنطقة أن تقوم الوزارات كلُ فى دائرة إختصاصه بتنفيذ مطالبهم الآتية :
    1/ أن تتسلم الحكومة المدرستين الأوليتين ( بنين وبنات ) اللتين تولى الأهالى فتحهما عندما سحبت الحكومة مدارسها .
    2/ إعادة الخدمات الصحية.
    3/ إمداد الأهالى بالمياه فى المنطقة المؤقتة التى إختاروها لإقامتهم, والتى لا ينتظر أن تغمرها المياه قبل 1969م, وذلك عبر مواسير من وابور الماء الذى أقامته مصلحة السكة حديد للورشة وعمالها وموظفى المحطة.
    4/ رفع الحظر المفروض على شحن البضائع بالسكة الحديد إلى حلفا.
    5/ إرسال صيلرفة لصرف التعويضات المقررة.
    إن الخدمات التى ستؤديها الحكومة كما موضحة أعلاه ستكون قاصرة على أؤلئك الذين يقيمون فعلاً بالمنطقة ولم يبرحوها قط. وهى لا تشجع الأسر والأفراد الذين هاجروا من المنطقة للعودة إليها, لأن إمكانية تقديم الخدمات محدودة, ولإحتمال إرتفاع المياه فى تلك المنطقة التى قد يجعلها غير صالحة للسكن بالمرة.
    وستولى الحكومة إهتماماً بمطالب الأهالى الأخرى كتغيير الموظفين الموجودين حالياً هناك بآخرين أكثر تفهماً لرغبات الأهالى وتمشياً مع مطالبهم المعقولة. كذلك ستقوم الحكومة بدراسة إمكانية ربط حلفا بالشلال بوسائل المواصلات التى تمكنها من تصدير منتجاتها وإ ستئناف تواصلهم مع بعضهم البعض. وستدرس الحكومة إمكانية عمل كنتور لتأمين مراحل وحدود البحيرة الحالية.
    وقد فوَّض المجلس السيد وزير شؤون الرئاسة متابعة تنفيذ هذا القرار وعمل الإتصالات اللازمة مع كل الجهات المختصة المنوط بها هذا العمل.
    رئاسة مجلس الوزراء 1/ أـ 5 /4 (إنتهى القرار ).
    ويواصل الراحل المقيم :
    لقد كان أمر إ ستئناف الملاحة بين وادى حلفا والشلال من أهم المسائل التى نظر فيها مجلس الوزراء, إذ أنه وبعد ان غمرت مياه السد كل الأراضى بما فيها من نخيل ومزارع كان يعتمد عليها الأهالى فى معيشتهم, لم يبق لديهم شيئ يعتمدون عليه لإ ستئناف حياةٍ طبيعيةٍ إلا الإعتماد على النشاط التجارى, الذى يمثل عموده الفقرى فى وادى حلفا تجارة الميناء وما يتعلق بها من أعمال الترحيل والتخزين والنقل والسياحة والفندقة. وربما تقوم الحكومة بالتفكير فى مشاريع إعاشة وصناعية لتنمية المنطقة, فإن الملاحة ستشكل القاعدة الإقتصادية لحياة الناس...... من الكاتب المشارك ( ولهذه الأهمية المتعددة الجدوى , الإقتصادية والتجارية للسكان . كانت من أهداف حكومتى مصر والسودان فى التسعينات من القرن الماضى وحتى الآن تقوما بتعطيل الميناء نهائياً مرات, وجزئياً لمراتٍ عدَّة . وأيضاً كان هدف تعطيل السكة حديد لنفس الهدف... والهدفان يشكلان المزيد من الضغوط على السكان , لإجبارهم لترك المنطقة . وهى حرب إقتصادية . تحدثت عنها المظمة العالمية لإدارة الحرب وأسمتها بالحرب السرية فى شمال السودان..the secret ware in the north of the sudan. Against nubian (راجع: السدود تنمية أم دمار؟سد دال نموذجاً)
    ولما كانت هناك صداقة خاصة بين السيد دأود عبد اللطيف والسيد أزبونى منديرى, فقد دعاه السيد دأود بمنزله وأزبونى يتأهب للسفر إلى مصر مع رئيس الوزراء سر الختم الخليفة رئيس وزراء اكتوبر وشرح له الاهمية الإقتصادية لإ ستئناف الملاحة بين حلفا والشلالوإن إعادة الخدمات إلى حلفا تعتمد على تجارة الميناء منذ أقدم العصور,وان الحاجة لتسيير البواخر أصبحت أكثر أهميةً من أى وقتٍ مضى, بعد ان غمرت مياه السد العالى ما كان يعيش عليه أهالى حلفا . وليس من سبيل لإ ستمرار الحياة فيها إلا بفتح الميناء وإعادة طرق المواصلات بين حلفا والشلال. ولما لك يكن هذا الامر مُدْرجاً فى أجندة الزيارة, فقد طلب السيد أزبونى منديرى من السيد سر الختم الخليفة رئيس الوزراء السماح له بمقابلة السيد جمال عبد الناصر لمسألةٍ عاجلةٍ. ولما إجتمع إليه طلب منه وبصفةٍ عاجلةٍ وكأمرٍ لا يحتمل التسويف بان يوافق عبد الناصر على إعادة تسيير البواخر بين حلفا والشلال. وإستجاب عبد الناصر لطلب أزبونى وأمر بإعداد صندل من الصنادل التى كانت تعمل جنوب السد العالى فى نقل الحجارة إليه. حتى تكون صالحة لنقل الركاب المسافرين لحين إعداد البواخر المناسبة.
    وماهى أيام معدودات حتى جاء الصندل يحمل أول فوجٍ من المسافرين بين حلفا والشلال.
    وقابله الناس بالذبائح والإبتهالات والهتافات :ـ ( تحيا أكتوبر ).
                  

09-18-2011, 10:48 PM

الفاتح شلبي
<aالفاتح شلبي
تاريخ التسجيل: 02-27-2009
مجموع المشاركات: 2141

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة تهجير أهالى حلفا ( هجرة النوبيين ) تأليف حسن دفع الله (Re: Ridhaa)

    قصة أليمة بكل ما تحمل كلمة أليمة من معنى

    تسلم يا ملك
                  

09-19-2011, 08:39 AM

Ridhaa
<aRidhaa
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 10057

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة تهجير أهالى حلفا ( هجرة النوبيين ) تأليف حسن دفع الله (Re: الفاتح شلبي)

    (10)
    ويواصل الراحل المقيم مصطفى محمد طاهر حديثه ويقول :ـ
    وأصبحت الحياة بعد ذلك تعود لوادى حلفا رويداً رويداً وتشهد إنتعاشاً فى كافة أوجه الحياة.وأصبحت حلفا , وهى مازالت فى وضعها ذلك,منطقة خير, ومركزاً تجارياً هاماً,وأصبحت ملامح الماضى تعود إليها, خاصةً وأنه بفضل متابعة لجنة الخرطوم الأمر مع السيد وزير شؤون الرئاسة والوزارات والمصالح المختلفة فى سرعة تنفيذ قرارات مجلس الوزراء المتعلقة بوادى حلفا عادت المنطقة تنعم بإعادة الحياة إليها فى سرعةٍ فائقةٍ لم تكن متوقعة حتى لدى أكثر الناس تفاؤلاً.
    فى حكومة أكتوبر الثانية زار وادى حلفا وفدُ وزارى مكون من السيد نصر الدين السيد وزير المواصلات , وعبد الرحمن النور وزير الثقافة, وكان الناس فى أيامها يستعدون لرحلةٍ ثانيةٍ بعد ان إرتفعت مياه السد العالى وكادت تغمر أماكن سكنهم باتلمطار. وعندما هبطت الطائرة بمطار وادى حلفا , كان امامهم مشهد مثير, فالناس يحملون متاعهم على ظهور الدواب وعربات الكارو واللوارى وعلى ظهورهم وهم يهربون إلى مرتفعٍ آخر يحميمهم من الغرق , ومياه السد العالى من خلفهم تتبعهم وكأنما تجرى من خلفهم بقصد إبتلاعهم. وهناك ستون عربة من عربات الجيش الكبيرة تقف بالمطار دون عملٍ ودون أن تعمل بتقديم يد المساعدة والعون لإنقاذ هؤلاء المنكوبين.
    وبعد الوقوف على هذه الحالة, جلس السادة الوزراء مع لجنة المقيمين ومعهم مسؤولى التوطين فى إجتماعٍ بمكتب معتمد الهجرة. وعندما سأل السيد عبد الرحمن النور ( والد الدكتور أسامة عبد الرحمن النور , نائب الراحل نجم الدين محمد شريف , وصاحب موقع إركمانى ـ المشارك ), سأله :ـ محمد على نديم : لماذا لا تساعدون هؤلاء وهم فى مثل هذه المحنة؟ . أجاب نديم إن هذا ليس من إختصاصى, فمسؤوليتى ان اقوم بتهجير من يريد الهجرة إلى خشم القربة فقط ). وقد رد عليه عبد الرحمن النور: ( إن القانون يلزمكم بان تنقذوا من هو فى خطر, وأن القانون الجنائى يحاكمكم فى هذه الحالة كشخصٍ يرفض إنقاذ حياة الناس وأموالهم وأنت قادر على ذلك ) . وأمره على الفور بأن يسخِّر كل ما لديه من إمكانات لمساعدة المواطنين وإنقاذهم من الغرق.
    وفى نفس تلك الزيارة تبرع السيد نصر الدين السيد بفلنك من فلنكات السكة حديد القديمة لكل أسرة فى وادى حلفا حتى يمكن ان تصنع منه سكناً مؤقتاً للأسرة.
    وبمبادرةٍ من السيد نصر الدين السيد وزير المواصلات والسياحة, وبتوجيهٍ منه أصدر مجلس الوزراء القرار رقم 1939 بتأريخ 30مارس 1967م بتكوين لجنة مسؤولة لدى وزير المواصلات والسياحة ومقرها الخرطوم, وحُدّدت صلاحياتها بالبحث وتقديم التوصية بالتخطيط اللازم لإعادة تشييد وادى حلفا ومتابعة التنفيذ بعد موافقة مجلس الوزراء. وقد أُسندت رئاسة هذه اللجنة للسيد صالح محمد طاهر, رئيساً متفرغاً, وكان من قبل مديراً لمديرية كسلا وأحيل للتقاعد بعد بلوغه السن المعاشية. وكان أعضاء تلك اللجنة هم نفس أعضاء اللجنة السرية للمقيمين بوادى حلفا فرع الخرطوم.
    لقد عملت هذه اللجنة لمدةٍ قصيرةٍ جداً , ولكنها إ ستطاعت بفضل تضافر جهود أعضائهاوبما كانوا يتمتعون به من نفوذٍ أن تنجز مهام كبيرة وضخمة و ما كانت تستطيع لجنة غيرها ان تنجزها فى مثل تلك المدة القصيرة.
                  

09-19-2011, 08:41 AM

Ridhaa
<aRidhaa
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 10057

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة تهجير أهالى حلفا ( هجرة النوبيين ) تأليف حسن دفع الله (Re: Ridhaa)

    من كتاب : السد العالى ومأساة النوبيين :ـ الذكرى السادسة والأربعين لمأساة التهجير القسرى (11)
    ويستطرد مصطفى محمد طاهر :ـ
    فبينما إنشغل السيد صالح محمد طاهر رئيس اللجنة بالمسائل المكتبية, قام الاعضاء الآخرون بتوزيع مهام اللجنة على أنفسهم كل يسعى لدى الجهات المعنية التى له بها صلات. وقد وقع على عاتق السيد دأود عبد اللطيف العبئ الاكبر. وكان من أهم وأكثر الأمور إ ستعجالاً تخطيط منطقة مناسبة حول البحيرة تكون صالحة لمدينة وادى حلفا الجديدة. ولما كان المواطنون فى عجلةٍ من أمرهم , بعد ان سئموا سُكنى منازل القش التى لم يألفوها من قبل,كثَّف دأود من إتصلالاته وجهوده حتى تم إعداد خريطة الإسكان الدائم لوادى حلفا بواسطة تخطيط المدن المركزية. وقد حوت الخريطة مرافق عامة وقطع سكنية من الدرجة الثانية والثالثة فى ست مجموعات. ومراعاةٍ لحالة الاهالى وافقت لجنة تخطيط المدن المركزية على تحويل قطع الدرجة الثالثة إلى سكن أهالى بموجب القرار نمرة 388/67 بتأريخ25 أكتوبر 1967م (مساحة القطعة 400متر مربع ) .
    بعد توزيع القطع السكنية قام المواطنون ببناء 4مدارس أولية بنين و4مدارس أولية بنالت ومدرسة وسطى بنين وأخرى بنات. ومدرسة ثانوية وثلاث شفخانات وثلاثة جوامع وزاوية بكل حى من احياء المدينة من حرَ مالهم.
    كما قام المرحوم محمد على عباس, وهو من الميسورين من أهالى حلفا الجديدة ببناء مسجد ومدرسة ثانوية عليا بنات. وبالجملة قام المواطنون بتشييد كل ما يهمهم من مرافق عامة دون اى عون مادى إلا تلك المساعدات التى وصلتهم من مال العون الغذائى بفضل جهود أبناء حلفا العاملين برئاسة وزارة التربية والتعليم وعلى رأسهم الأ ستاذين الجليلين توفيق أحمد سليمان ودهب عبد الجابر.
    إن إعادة الروح إلى مدينة وادى حلفا كان عملاً خالصاً من اعمال أبناء وادى حلفا الذين رفضوا الهجرة. لقد كان ذلك العمل ملحمةً من ملاحم النضال الوطنى التى أعطت الصمود معناه الحقيقى وجسّدت الطاقات الكامنة فى الإنسان النوبى ومقدرته على الخلق والإبتكار وتكييف حياته وفق الظروف التى يجد نفسه فيها, وأعطت المعنى الحقيقى للتضامن والتضحية ونكران الذات فى أوقات الشدّة, كما اعطت مذاقاً خاصاً لكل تلك الصور والمعانى التى عاشها أؤلئك النوبيين فى تلك الفترة وهم يستميتون من أجل بلادهم وأرضهم وحقهم فى البقاء عليها. لقد مواطنو وادى حلفا يديرون شؤون بلادهم بدعمٍ ومؤازرةٍ من أبنائهم بالخرطوم والمدن الكبرى بالسودان بعد ان تخلت عنهم السلطة ونسيهم الآخرون.
    لقد قرأنا عبر التأريخ المآثر والأمجاد التى خلَّفها النوبيون وأرضهم التى شاركوا بها فى حضارة الإنسان منذ العصور الاولى للإنسان والتى أصبحت جزءاً مكن تكوين الإنسان النوبى النفسى والأخلاقى وقيمته الإنسانية. وقد قيَّض الله لنا ان نعيش ونرى الإنسان النوبى وهو يكتب بأظافره تأريخ بعثه من جديد مستمداً الإرادة والمقرة والصمود من تلك القيم الزاخرة التى أصبحت جزءاً لا يتجزأ من من تكوينه وتركيبه الحضارى. فقد كان شرفاً لنا نحن أبناء ذلك الجيل أن نكون طرفاً من أطراف معركة الخلود تلك وجزءاً من قضيةٍ خالدةٍ هى الصراع من أجل البقاء متعلمين معنى التضحية والإيثار من آبائنا لنورثها أجيالنا القادمة من بعدنا. فتلك سنة التطور ومعنى الحياة.
    إن المسألة لنا نحن النوبيين ليست عصبية ولا شوفينية, إنما هى إرث إنسانى نسهم به فى بقاء الغنسانية وتطورها, وإرث حضارى متاح للعالم أجمع بنفس الدرجة التى نتأثر بها نحن بحضارة العالم دون منٍّ أو تعالٍ أو تحقيرٍ لثقافةِ فئةٍ من البشر ودورها فى الإ سهام فى خلق الإنسان الجديد أينما كان وحيث وُجد.
                  

09-19-2011, 08:42 AM

Ridhaa
<aRidhaa
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 10057

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة تهجير أهالى حلفا ( هجرة النوبيين ) تأليف حسن دفع الله (Re: Ridhaa)

    كتاب الراحل المقيم مصطفى محمد طاهر : السد العالى ومأساة النوبيين
    مقدمة تعريفية عن الكتاب :
    يتكون الكتاب من مقدمة للأستاذ محجوب محمد صالح (رئيس تحرير صحيفة الأيام السودلنية ) ومؤسسها مع الراحلين بشير محمد سعيد ومحجوب عثمان. ثم تقديم الأستاذة سعاد إبراهيم أحمد متعها الله بالعافية وأمدَّ فى عمرها. ثم تصدير للمؤلف.
    ويتكون الكتاب من أربعة أجزاء. الأول يتحدث عن : قبس من الماضى البعيدـ حديث عن الماضى القريب. ويتحدث الجزء الثانى عن:ـ الحكومات الحزبية ومياه النيل فى فصلين , الاول يتحدث عن :الإرهاصات الأولى للسد العالى. والفصل الثانى يتحدث عن : مفاوضات مياه النيل.
    أما الجزء الثالث ـ وهو أطول الأجزاء ـ فيتكون من أربعة فصول . الأول يتحدث عن : التوقيع على إتفاقية مياه النيل. والفصل الثانى عن : تكوين لجنة توطين أهالى حلفا وإختيار دأود عبد اللطيف رئيساً لها. ويتحدث الفصل الثالث عن : إعلان خشم القربة موطناً لأهالى حلفا وإنطلاق شرارة المظاهرات. ويتحدث الراحل فى الفصل الرابع عن : الإ ستعداد للتهجير. ويتحدث الفصل الخامس والأخير فى هذا الجزء عن : تعويضات أهالى حلفا.
    ويتحدث الراحل فى الجزء الرابع والأخير عن : ملحمة البقاء. وهذا الجزء هو ما قمنا بمشاركاتنا ـ من أجزاءٍ منه ـ فى الحلقات العشر الماضية. وسوف نقوم فى حلقاتٍ آتية تكملة هذا الجزء إن شاء الله.
    ولقد رأينا فى الحلقات التالية المشاركة بكل ما ورد فى الفصل الأول من الكتاب (الإرهاصات الاولى للسد العالى ). وذلك لأن ماجرى بمنطقتنا بتأريخ الثالث والعشرين من يناير الماضى (23يناير 2011م ) هى مقدمة وصورة طبق الأصل لما تناوله الراحل عن تهجير أهالى وادى حلفا وقراها. وما أشبه الليلة بالبارحة.
    ماذا حدث بمنطقة فى 23يناير 2011م :ـ
    وقبل الحديث عما حدث, لابد من القول بان الهم الأول للحكومة أصبح فى كيفية تلميع تلك الصورة القبيحة التى وقفت عندها كل المراقبين والمهتمين بأمر السدود , فى الداخل والخارج , عما حدث للمهجرين جراء إقامة سد ( الحامداب ) ـ وسوف نستخدم هذا الإسم بدلاً عن (مروى ). ذلك لأن كل الدراسات منذ أربعينات القرن الماضى تحدثت عن ( الحامداب وليس مروى ). قلنا بان همها الاول هو تلميع صورة الحكومة التى لحقتها جراء التهجير القسرى للمتضررين والمضحين , إلى خارج مناطقهم, فى قرى نائية عن البحيرة. ثم عمليات الإغتيالات التى تمت بمنطقة أمرى. والتعمد بإغراق من بقى بالمنطقة من المناصير بقفل بوابات السد لإجبارهم على المغادرة.. ولعل الجميع يتذكر هنا قول مدير وحدة تنفيذ السدود (أسامة عبد الله.حنطلعهم زى الفيران من جحورهم). تلميع الصورة وبأى صورةٍ كانت وبأى ثمن كان, لإيهام الممولين والمنظمات المدافعة عن ضرورة أخذ أراء المتأثرين وضرورة قبولهم بالسد..
    وهنا كانت محاولة وحدة تنفيذ السدود القيام بالمسح الإجتماعى قى المنطقة النوبية و من وادى حلفا شمالاً وحتى منطقة كجبار جنوباً وأسمتها تحديداً ( المسح الإجتماعى لمنطقة سد دال ). والغريب أن وحدة إدارة السدود قد أوكلت هذه المرة الفريق الإستشارى من شركة scott wilsonالأمريكية حتى تكتسب نتائج المسح الإجتماعى بعضاً من المصداقية, وحتى يتجنبوا موقفاً أمريكياً رافضاً للسدود بالمنطقة. ومن ثَمَّ القبول لدى الممولين الصينيين.
    وبالرغم من أن إدارة السدود حدّدت إنجاز المسح بين يومى (23يناير و15 فبراير ) حسب الخطاب , إلا أن ذلك لم ينجز. ولكن تبقى القضية المهمة هى : ان هؤلاء لن ينسوا الدرس الذى لُقنوا , وسوف يعاودون الكرّة بأساليب أُخرى مختلفة .وربما من بينها القوة......؟؟؟؟.
    ويتحدث الخطاب الإكتفاء بعينات (عشوائية )... ولا ندرى كيف سيكون قبول البعض لملء الإستبيان جواز مرورٍ لقبول الآخرين ؟؟. وهل مثل هذه القضايا الخطيرة والمصيرية التى تهم كل أبناء وبنات المنطقة , الموجودون بالمنطقة ,والذين هم خارجها, هل من الامانة والأخلاق أن تكتفى إدارة السدود بعينات عشوائية ٍ؟؟؟؟؟. ولعل السؤال العلمى هو :ـ كيف ستختار هذه العينات نفسها ؟؟. ومن المعلوم أن عبرى كلها قد رفضت بالمرة ملء هذه الإستمارات , وهى منطقة ذات ثقل سكانى , وهنالك مناطق كويكة وعبود وصواردة أيضاً...وغيرها.. وهنا كان لجوؤهم ال######## لبعض القرى النائية ...وبالطبع ما هكذا تؤخذ العينات.. ولها قواعدها وأسسها فى مناهج البحث العلمى .وسوف نقوم بإنزال الخطاب كاملاً فى وقت لاحق.... هذا الموقف من إدارة السدود دفع سكان المنطقة رفض الإستمارة إبتداءً. وكانت مواكب الرفض يوم الخميس الموافق 27يناير 2011م...ثم تسليم المذكرة الضافية للمسؤولين فى الولاية والسدود والمعتمد وعبرى...ثم كان البيان الجماهيرى الذى وُزِّع على المنطقة كلها.
    هذه المقدمة الطويلة لجأنا إليها للتضيح أن إدارة السدود بدأت فعلياً فى الإجراءات العملية لتنفيذ إقامة سد دال... ولعل هذا يفرض علينا جميعاً موقفاً واضحاً مشرفاً من اليوم , فى كل جوانب المقاومة بالإعلام وأدوات التواصل التى تسقط الحكومات وليس السدود...وبالنفس والمال والأخير هم الأهم فى ظروفنا وليس إطلاقاً.
    الفصل الأول (الإرهاصات الأولى للسد العالى )
    كانت الحكومة البريطانية قد أطلقت يد مصر على مياه النيل لتنفرد هى بحكم السودان وتصبح مشاركة مصر فى حكم السودان مجرد شكل. وقد إ ستغلت مصر ذلك السخاء إلى أبعد الحدود حتى صار نصيبها فى مياه النيل 48 مليار متر مكعب مقابل أربعة مليارات للسودان, مع حرمانه من إقامة أى خزّان أو مشروعات على النيل إلا بموافقة مصر.وقد كرَّست كل تلك الحقوق فى إتفاقية مياه النيل المبرمة بين دولتى الحكم الثنائى, بريطانيا ومصر عام 1929م, ولم يكن السودان طرفاً فيها.
                  

09-19-2011, 08:43 AM

Ridhaa
<aRidhaa
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 10057

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة تهجير أهالى حلفا ( هجرة النوبيين ) تأليف حسن دفع الله (Re: Ridhaa)

    السد العالى ومأساة النوبيين ...الفصل الأول... (الإرهاصات الأُولى للسد العالى )....
    قلنا ان إختيارنا لهذا الفصل دون الفصول الأُخرىو هو تطابق الأحداث الخاصة بالسد العالى مع الاحداث الجارية اليوم فى المنطقة المستهدفة جراء بناء سد دال..... ويقيناً كان هدفنا ومازال هو التنبيه المبكر لما يجرى اليوم وتطابقها لما جرى من قبل.وسيجد القارئ الكريم ذلك الفارق الكبير فى منهج العمل فى ذلك الوقت ـ مع تقديرنا الكامل لذرة جهد بُذل ـ وبين منهج اليوم. إننا ندق ناقوس الخطر الماثل اليوم ووجوب العمل المبكر لمنع أى إغراقٍ جديد. وليبذل كل قدر إستطاعته قبل فوات الأوان. ) المشارك.
    وفى عام 1951م كاد السودان ان يستنفد كل حصته من الماء, وأصبح فى حاجةٍ ماسةٍ لتعديل إتفاقية مياه النيل, خاصةً وان الحكومة كانت بصدد مضاعفة الحصة المزروعة فى مشروع الجزيرة بإمتداد المناقل وبناء خزان الرصيرص لزيادة الرقعة المزروعة بالسودان, وتروى رياً صناعياً من مليون ونصف المليون فدان إلى ثلاثة ملايين ونصف المليون فدان. وحل مشكلة الرى فى السودان لمدة عشرين عاماً على الأقل.
    فى شهر أكتوبر 1951م توصلت حكومة السودان إلى تفاهم مع الحكومة المصرية لتعلية خزان سنار والموافقة المبدئية لبناء خزان الرصيرص, وشرعت فى القيام بالمسوحات اللازمة له, وتحضير الخرائط الضرورية لإقامة الخزان, إلا ان الحكومة المصرية بدأت تتلكأ فى الموافقة على إقامة هذه المشاريع, وظلت الحكومة تلهث وراء الحصول على موافقة مصر. وعندما طلبت مصر فى الحصول على ثلثى ما سيخزن فى الخزان الجديد من مياه لمدة عشر سنوات رغم ان الحكومة السودانية وحدها هى التى ستتكفل ببناء الخزان . ( راجع خطاب السيد محمد أحمد محجوب زعيم المعارضة فى البرلمان , الأيام 4 مارس 1955م).
    وكان الأمر عند هذا الحد لا يعنى النوبيين فى شيئٍ إلا بقدر ما يعنى بقية أفراد الشعب السودانى. إلى ان ظهرت فى الصحف المصرية عام 1952م. فقد جاء فى جريدة الأهرام التى صدرت يوم 26 ديسمبر 1952م ( أن مصر قررت إنشاء سد عالى جنوب إسوان عند الشلال الاول, وأن هذا السد سيغمر كا المنطقة الواقعة جنوب الشلال حتى قرية كوشة بمنطقة السكوت ). وأصبحت وسائل الإعلام المختلفة تتناقل هذا الخبر بشكل مثير مما أثار إهتماماً واسعاً لدى سكان المنطقة, والناس بين مكذبٍ ومصدقٍ.وأصبحت الإشاعات تنطلق مع كل مطلع فجرٍ , والناس صرعى الهواجس, لا يعرفون شيئاً عما سيؤول إليه حالهم وحال بلادهم, ولا يجدون من يقطع عليهم شكوكهم, ويلجأون للسلطات المحلية عسى أن يجدوا عندهم ما يطمئنهم على مستقبلهم, حيث لم يكن لحكومة السودان أدنى علم بالأمر,إذ لم تتصل بها حكومة مصر فى هذا الشأن من قبل, وأن حكومة السودان حسب بيان نشره مفتش مركز حلفا بالمدينة بتأريخ 15أغسطس 1953م. ( راجع مجموعة حلفا بدار الوثائق المركزية ), لا تعلم عن الأمر شيئاً وتعتبره مجرد إشاعات, وتطلب من المواطنين أن يلتزموا الهدوء والسكينة وأن ينصرفوا إلى أعمالهم, وأن الحكومة ستراقب الأمر عن كثبٍ.
    ولكن هذا البيان لم يخدم غرضاً كبيراً, إذ أن الإذاعات العالمية والصحف المصرية ظلت تتناول هذه المسألة يومياً وتتناول أثرها وأهميتها الإقتصادية لمصر. الشئ الذى زاد من هلع المواطنين وتوجسهم, وكادت الحياة أن تتوقف, جيث إمتد القلق والخوف إلى السكوت والمحس, وتوقف الناس عن زراعة شتول النخيل خوفاً من السد, وقد عبَّر عن ذلك محمد سعيد الدسوقى فى برقيته التى بعث بها إلى السكرتير الإدارى بالخرطوم, والتى جاء فيها :ـ
    (إن ما أُذيع بتأريخ 21يوليو على لسان محمد نور الدين بخصوص السد العالى قد سبب لنا قلقاً شديداً بمنطقة المحس لدرجة أن الأهالى تركوا غرس النخيل خوفاً من طوفان السد العالى. نطالب ببيانٍ رسمىٍ من الحكومة لنطمئن على سلامة بلادنا من السد العالى ).وفى الخرطوم دعا السيد محمد نور الدين النوبيين الموجودين بالخرطوم إلى إجتماع بالنادى النوبى لمناقشة هذا الأمر.وقد أمَّ الإجتماع عدد كبير من النوبيين وتم تشكيل لجنة من كبار النوبيين بالعاصمة المثلثة بالإتصال بحكومتى السودان ومصر فيما يتعلق بالسد العالى. وقد صدر عن ذلك الإجتماع البيان الآ تى نصه :ـ
    على أثر ما أُذيع من ان السد الكبير الذى قد فُكِّر فى إنشائه فى المنطقة الواقعة بين حلفا والشلال, إجتمع عدد كبير من النوبيين بالعاصمة المثلثة بدعوةٍ من الأستاذ محمد نور الدين فى النادى النوبى مساء أمس, وبعد البحث والنقاش فى أمر سكان المنطقة ومصير منازلهم التى ستغمرها مياه السد,قرَّ الرأى على تكوين لجنة مفوضة عن البلاد الواقعة مابين الشلال ودنقلا مهمتها الوكالة عن سكان هذه البلاد والتحدث بإسمهم والتفاوض مع الحكومتين المصرية والسودانية فى كل أمرٍ يتعلق بإقامة السد سالف الذكر.وقد سميت هذه اللجنة ب (هيئة وكلاء النوبة ) وهى تتكون من الأساتذة الآتية أسماؤهم:ـ
    محمد نور الدين رئيساً
    سليمان حسين نائباً للرئيس
    صالح عتيق سكرتيراً عاماً
    محمد أحمد أبراهيم بابا مساعداً للسكرتير
    عبد الرحمن سليمان الصائغ أميناً للصندوق
    صالح محمود إسماعيل محاسباً
    الأعضاء :ـ الأميرلاى عبد الله بك خليل, السيد إبراهيم أحمد , حسن طنون ,دأود عبد اللطيف , محمد صالح سليمان الصائغ ,محمد امين حسين ,أحمد غالى, على طاهر جاويش ,عثمان محمد محمود ,جابر محمد ,محمد صالح , على أحمد ,عبد الرحيم أبايزيد , محمد توفيق أحمد ,مصطفى طه أبوزيد , صالح عرابى , محمد عثمان جودة.
    هذا وستبدأ لجنة الوكلاء عملها فى الحال, ومن بين إختصاصاتها أن يعاد النظر فى التعويضات التى قُدِّرت ودُفعت عن خسائر خزان إسوان والتعليتين الأولى والثانيةو وأيضاً فى تعويضات خسائر عام 1946م. إمضاء : صالح عتيق
    سكرتير عام لجنة وكلاء النوبة
    السودان الجديد 4يناير 1953م


    ==============================

    الحسن هاشم

    http://arnata.com/vb/showthread.php?t=3733&page=3

    (عدل بواسطة Ridhaa on 09-19-2011, 08:45 AM)

                  

09-19-2011, 08:47 AM

Ridhaa
<aRidhaa
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 10057

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة تهجير أهالى حلفا ( هجرة النوبيين ) تأليف حسن دفع الله (Re: الفاتح شلبي)

    الأخ الفاتح شلبي

    سلام ..

    شكرا للمداخلة ..

    تحياتي .
                  

09-19-2011, 08:50 AM

Ridhaa
<aRidhaa
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 10057

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة تهجير أهالى حلفا ( هجرة النوبيين ) تأليف حسن دفع الله (Re: Ridhaa)

                  

09-19-2011, 09:42 PM

Ridhaa
<aRidhaa
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 10057

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة تهجير أهالى حلفا ( هجرة النوبيين ) تأليف حسن دفع الله (Re: Ridhaa)

                  

09-20-2011, 06:07 AM

ولياب
<aولياب
تاريخ التسجيل: 02-14-2002
مجموع المشاركات: 3785

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصة تهجير أهالى حلفا ( هجرة النوبيين ) تأليف حسن دفع الله (Re: Ridhaa)

    سلام يا رضا بنكهة الأيام الجميلة في سودان دوت نت

    يا سلام عليك يا رضا حب حلفا مازال مسكونا فيك

    رغم أنني لا أذكر وادي حلفا إلا أنني أغرق في دموعي كلما جال في الخاطر

    وقصة حسن دفع الله في تهجيزنا سكبت جرادل من الدموع وأنا أقرأ الكتاب من أيه تو زد

    ما حأقول يحرق زيتك يا عبود ،،، ولكن الله غالب .

    تحياتي ايها الحبيب


    ابوالعباس
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de