مال منعم الجزولي لا ياتينا ويذهب الى القرية التي تلينا (يوجد ابداع)

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-07-2024, 02:31 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2011م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-10-2011, 04:29 AM

د.نجاة محمود


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
مال منعم الجزولي لا ياتينا ويذهب الى القرية التي تلينا (يوجد ابداع)

    من فترة منعم الجزولي الشهبر بجازلوت لا يكتب هنا بس يوم مشيت لقرية المسقفاتية والصفوة المجاورة

    القاه ليك بقى صفوة عديل كدا.. وكاتب حكايات كما يسميها هو ابداع شديد
    اها قلت نجيب حكايتو دي هنا ونلومه ونقرعه على انه يحرمنا من هذا الابداع
    قلت تجي فرقة كدا الناس تكون مروقة وتحب في بعض في منبر الجن دا
    نقوم ننزل حكاوي الجازلوت لكن للاسف المنبر عايز يطق ليه عرق من ناس ساس يسوس ودعاة الحرب والجهوية والعنصرية
    (موش طلعت انا ذاتي عنصرية ما علينا)
    من الانفصال لجبالل النوبة للدمازين يعني شغلة ما حتخلص نهائي
    ولن يتوفر شرط الروقة و حب الناس لبعض
    قلت نتجاوز ونفك اللغم دا...
    لكل محبين عبد المنعم الجزولي من القراء والكتاب..
    .وعشان نجاة محمد على ما تخسر قروش تلفون ساي
    منعم الجزولي معيني الحافظ الرسمي لكل كتاباته وما ديني صلاحية نشرها في اي مكان
    باقي ناس قرية الصفوة عاملين حقوق نشر .وكدا.
    يلا لاول قصة.
                  

09-10-2011, 04:32 AM

د.نجاة محمود


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
زقاق نسوان (Re: د.نجاة محمود)



    (1)

    أُم عزين الدكيم الضى.


    متى جاءت الى الزقاق، لا أحد يدرى. وكيف، وإلى أين تركته، لا أحد يدرى.

    والزقاق، ليس سوى شريط رفيع من البنايات، ذات الهياكل الحديدية، المعروشة بالزنك. ليس له أبواب، ولانوافذ. وليس له جدران أيضا. يقع مباشرة خلف زقاق القطَّانة، باعة القطن والمراتب ومايرتبط بها من فـُرُش فى سوق المدينة. وتحديدا فى المساحة التى تفصل بين زقاق الجزارين، وزقاق الخضرية. تقيم فيه نسوة، تلملمن كيفما اتفق، يبعن فيه بضائع مما لايمكن أن تجده فى أى من أسواق العالمين.

    هبطت عليه أم عزين فجأة، وأقامت فيه فترة، ثم تركته.
    كانت جارية عند أولاد الكحال فى الخرطوم.
    يقال إنها سُميت على إسم جدها والد أمها، حيث أن امها هى بنت الدكيم الضى، وقد سُبيت بعد واقعة أم دبيكرات، فجئ بها لتباع فى سوق النخاسة بأمدرمان، حيث اشتراها أولا، تاجر اسمه السعيد، ثم باعها الى بعض الشوام فى الخرطوم. وبقيت عندهم حتى وضعتها. فلم يلحقوها بإسمهم، وسموها على والد أمها. ثم لما استوى عودها، فرَّقوا بينهما، ونقلوها، لتباع فى عطبرة، فلم ترَ أمها ثانية قط!! ولا تدرى إن كان لها إخوة أو أخوات، بل لاتدرى من أبيها تحديدا.

    تنقلت بين عدة بيوت، وعدة مدن. تعمل نهارا، وتُستعمل ليلاً، وقد جربت النكاح أول مرة، وهى دون السابعة. قالت نكحها فوزى ولد البيطرى، أولا، ثم نكحها إخوته الثلاثة، واحدا واحدا، لم تعد تتذكر اسماءهم. ثم خالهم واسمه التميمى، ويقال له الممسوخ، والذى كان يلوطها.

    - ياولدى نحن كنا عبيد وخدم، الواحدة مننا لاتملك أن تقول نعم أو لا.

    ثم آلت ملكيتها الى أولاد الكحال ، الذين أعتقوها فيما أعتقوا من رقيق عند صدور مرسوم تحرير الرقيق. فبقيت عندهم شبه حرة!! حيث لا مأوى آخر لها. ولما مات ابوهم، وتقسموا تركته، لم يكن بهم حاجة لها، ولم يرغبوا فى تحمل تكلفة طعامها، فزحزحوها قليلا فليلا، خارج بيوتهم. ولم يعد لها مكان إقامة معروف. حيث ظلت تحوم بين البيوت، تخدم مقابل الطعام وبعض الكساء، حتى التقطتها ########ة فى العباسية، واستخدمتها فى صناعة المريسة، وأشغال المتعة الأخرى، وأخيرا، وعندما تقدم بها العمر، ولم تعد تصلح لشئ من منافع الدنيا، انطلقت تلتقط رزقها مما يستغنى عنه البشر عادة، فى مكبات الأوساخ، أو تسأل المارة ، بين الحين والآخر، أعطوها أو منعوها، حتى عرفت طريق الزقاق، فاتخذت لها فيه مجلسا، تبيع فيه، وتشرى، ومرقدا تبيت فيه وتقيم!!

    لم تعرف للزواج سبيلا. وإن كانت قد أنجبت ولدين!! الأكبر، وضعته فى عطبرة، عند أولاد الطوبجى، بحى الداخلة. ونهشته جحشة هائجة، فى السوق، ومات دون أن يبلغ الحلم.

    والثانى، ولدته فى أمدرمان، عند آل السردار، فى حى المسالمة. وأخذوه منها وهو بعد رضيع. قالوا، سفَّروهُ الى مكة. ربما ليباع هناك، فلم تره ثانية قط.

    عدت الى الزقاق بعد فترة فلم أعثر لها على أثر. لا أحد يدرى، هل ماتت، أم هل ارتحلت إلى مكان آخر،أم ماذا؟!!
                  

09-10-2011, 04:33 AM

د.نجاة محمود


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زقاق نسوان (Re: د.نجاة محمود)

    (2)

    فاطمة حامد أونور


    وينطقونها فاطنة. وينادونها ام ضرار.
    ولدت فى قوز رجب، لأب من الأمرأرا ويمكن إعتباره ثريا من نوع ما. وأم من بنات الخاسا، جاءت من سواكن، وعاشت منبوذة بين أهل زوجها!!

    ماتت أمها فى الوضوع، تاركة لهم طفلاً كثير البكاء، لحق بأمه بعد أقل من شهرين، وكانت حينها لم تبلغ الخامسة بعد.

    ولسبب ما، لم يتزوج ابوها مرة أخرى، وكان كثير الترحال، فى أشغال المعيشة، وقد قيل أنه إستعاض عن الزواج، بمعاشرة بنات الحبش والصومال. وقيل إن عنده خليلة فى أروما، وأخرى فى توكر، والله أعلم. ثم مات عنها، وهى دون العاشرة. فاستولى أعمامها على كل ماله، وأنعامه، من غنم، وإبل. وانتقل بعضهم ليسكن فى البيت الذى ولدت ونشأت فيه!! وجعلوها فى خدمة نسائهم البدينات، يأكلن ويشربن طوال النهار، ويتغنجن تحت أزواجهن طوال الليل. وهى تسقى، وتحتطب، وتطبخ، وتكنس، وتغسل، يدا بيد مع بقية الخدم، وغالبهن من بنات الخاسا، والفراتيت.

    هربت مع سائق شاحنة، تحمل بعض البضائع. إالتقاها خارج البلدة تحتطب، واشتكت له من معاملة أعمامها ونسائهم، فوعدها بأن يجد لها مأوى فى المدينة الكبيرة، فركبت معه. وفى الطريق إغتصبها عدة مرات، حتى أوصلها الى بورتسودان ثم تركها فى مطعم عند طرف السوق ومضى فى حال سبيله. فاستخدمها صاحب المطعم حينا، تخدم الزبائن نهارا، وتخدمه شحصياً فى الليل. ثم لما هربت منه الى بعض البيوت فى ترب هدل، إستخدمتها ########ة، كانت فى الأصل جارية عند بعض الأفرنج، ولما أعتقوها، إمتهنت الدعارة، تخدم السفن وبحارتها.

    استهوتها حياة الخمول، والكسل، حتى أدخلتها ال########ة يوما على إبن عم له، عرفها على الفور، فنهض الى سكينه، يروم عنقها، فهربت، تاركة الجمل بماحمل. وماكانت لتجرؤ على أن تمضى ليلتها فى تلك المدينة، وهى تعلم أن خبرها سيشيع، وأن ابناء عمومتها سيقضون الليل بطوله يبحثون عنها فى كل بيوت البلد، فاندست فى قطار وجدته فى المحطة على وشك التحرك، ولم تهبط منه إلا فى كسلا.

    واجهتها مشكلة أن غالب تجار المدينة من الأمرأرا، وخشيت أن يعرفها من ينقل خبرها، فغادرت مسرعة الى القضارف، ولم تبق فيها كثيرا، حيث أوعزت اليها واحدة من البنات، أن فى الخرطوم متسع للرفاهية والدعة والمال الوفير، ولا أحد فيها يعرف جاره بالجنب. فاستجمعت ما وفرته من مال قليل وتوكلت على الدائم، ثم على الديزل،وهبطت العاصمة ذات صباح، تسأل عن عنوان كانت قد تدرعت به من بورتسودان. وراحت تتدعر مطمئنة، حتى ضربها السفلس، وأنفقت كل مامعها من مال ومصاغ، تبحث عن العلاج، دون جدوى، وقد هجرها الزبائن حين شاع خبر مرضها. وتدحرجت قليلا قليلا حتى إنتهت الى الزقاق. تجمع مايتساقط من عربات الخضار، طماطماً أو ربطة جرجير، تغسله ثم تأكله، أو تكومه لتبيعه بنقود قليلات بالكاد تكفى لشراء قطعة خبز حاف.

    قيل نها جاعت يوما والسوق مغلق ابتهاجا بعيد الفطر، فلم تجد ماتسد به صراخ بطنها، سوى ماطفح على جنبات بالوعة الجزارين، من دم، وبقايا لحم متعفن، والجوع كافر، والبرد كافر، والعيد نفسه بدا كافرا، فاغترفت لنفسها بعضا من ذاك. وعند ظهر أول أيام العيد، عثر عليها بعض المعيدين، فى طريقهم من حى العرب الى حى السوق، وقد تكرفست ميتة.
                  

09-10-2011, 04:34 AM

د.نجاة محمود


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زقاق نسوان (Re: د.نجاة محمود)

    (3)

    جوزفينا أولينق مدينق.


    وكعادة أهل المدن الكبيرة، كانوا، استسهالا، ينادونها شول.

    إمرأة سبعينية، يابسة، كعود جراز محترق. سوادها تخالطه غبشة، تجعل لونها أقرب إلى الجير المتسخ.

    زحفت ذات مساء الى الزقاق، تطلب الراحة، واتخذت لها مرقدا بجوار بالوعة الجزارة الكبيرة. ثم قليلا، قليلا، ألفت المكان، وألفها، فصارت من علاماته.

    كانت صامتة طوال الوقت. وإن تكلمت لاتستهلك سوى كلمات قليلات. تتدثر بثوب داكن الزرقة، ممزق فى أكثر من موضع، ومتسخ جدا. تحته فستان، لاتستطيع تحديد لونه بالضبط. ولها من المتاع حقيبة حديدية صغيرة، لا تفتحها إلا نادراً وتتخذها وسادة تضع عليها رأسها حين تنام.

    أعطيتها جنيها، فانفرجت أساريرها، وهرولت تشترى لنفسها رغيفا، وطعمية، من بائعة تجلس الى طبلية فى الجوار. وعادت تجلس فى مكانها تقضم طعامها فى صمت، فتركتها الى حال سبيلى.

    جئتها بعد أيام وفى يدى بطانية حكومية سوداء، جديدة. أبدت فرحة عارمة، ومرة أخرى منحتها جنيهاً ، خطفته وهرعت الى ذات البائعة على الطبلية واشترت طعاما، وعادت الى مرقدها، تأكل، فى صمتها المعتاد، وأنا جالس بجوارها على البطانية، بعد أن فرشَتْها، وهيَّأتْها مرقدا. ثم فجأة التفتت إلىَّ وسألتى من أى المدن أنا.

    إستغربت لسؤالها، وإن كنت قد استبشرت خيراً، بسنوح فرصة للأُنس معها. وقلت لها إننى من هنا، من نفس هذه المدينة، فهزت رأسها وسكتت. فسألتها من أين هى. فلم ترد. وأردت الذهاب فى حال سبيلى حين سمعتها تنادينى:

    - هى.. إنت..

    فالتفت اليها وعدت أجلس بجوارها. فتحت حقيبتها، فرأيت بداخلها فستانا أخضرا صغيرا، وحذاء من المطاط الأبيض، صغير جدا هو الآخر، يبدو أنهما يعودان لطفلة ما. وأخرجت صوراً فوتوغرافية بالأبيض وأسود، ناولتنى إحداها، فنظرت رجلا فى ملابس العسكريين، قميص على أكمامه شريط واحد، وسروال قصير تنحدر منه ساقان نحيلتان مغروزتان داخل حذاء عسكرى ضخم، وفى رأسه برنيطة عليها ريشات الى الجانب، ويمسك ببندقية ابوعشرة. يقف، كان أمام قطية من القش، وفى خلفية الصورة كثير من الأشجار. ثم ناولتنى صورة أخرة لذات الرجل، وبنفس ملبسه، يقف بجانب فتاة، تامة النضج الأُنثوى، حلوة التقاطيع، تقف مبتسمة، وادعة. وإلى يسار الصورة يبدو جانب من نفس القطية فى الصورة الأُولى، وبضع دجاجات سمينات الى الخلف قليلا.

    نظرت إليها مستفهما، فقالت:

    - زوجى.

    صمتت فترة ليست بالقليلة، فناديت بائعا للعصير يحمل جردلا، ويحوم بين زقاقات السوق، واشتريت لها ولنفسى كوبين. شربت كوبها دفعة واحدة ونظرت إلى، فطلبت لها كوبا آخر، شربته على ثلاث دفعات، ثم مسحت فمها بطرف ثوبها.

    صمتت قليلا، ثم تداعت تحكى قصتها.

    تزوَّجَتْ فى بور من الوكيل عريف جعفر الفحل، من أهالى شندى، وكان قائدا لجماعة، ضمن فصيلة عسكرية ترابط بالجوار، وتتبع الفرقة الأولى. كانت قد دخلت توها لمرحلة النضج، فانتقل بها الى أويل، ومنها الى مريدى، فيامبيو وجوبا، وأخيرا نقلوه الى القيادة الشمالية فى شندى، فأسكنها عند أهله فى المسيكتاب.

    عانت عند أهله معاناة شديدة، ونادوها منذ اليوم الأول بالخادم، وبالغلفاء، وبنعوت أُخر. وجافوها، لايزورها أحد ولاتزور. فعاشت عزلة شديدة حتى أنها كانت تخشى أن تسير الى الكنتين فتتعرض للسخرية. وأخيرا إنتقلت إلى الإشلاق بعد أن أخلى أحدهم بيته بسبب النقل الى جهة ما.

    وضعت ابنتها الوحيدة فى بيت الإشلاق وسمَّوها ليلى، ويوم ان أكملت عامها الأول، مات أبوها!! إنقلبت بهم عربة جهات الميجة، فمات مع ثلاثة آخرين.

    نازعها أهل زوجها فى المكافئة، وفى المعاش، قالوا إن الشرع يوجب تعصيم الطفلة!! فذهبت تتشكى الى اليوزباشى صمويل، الذى أنصفها وقال لهم إذهبوا للمحكمة. ثم استعجل صرف مكافئتها، وكانت ثلاث وتسعون جنيها وأربعين قرشا وخمسة ملاليم، صرفتها كاملة، ثم حجز لها فى القطار المتجه الى الخرطوم، هى وطفلتها، فى الطريق الى أهلها فى قريتها خارج بور. وسلمها خطابا إلى قائد الحامية هناك، لتدبير أمر أن يصلها معاشها شهريا.

    فى رحلة بين القطار، والوابور من كوستى، ثم العربات من ملكال، وتعطلات فى الطريق أكثر من مرة، بسبب الخريف. وأخيرا... لم تجد من قريتها إلا بعض حطام، وآثار حريق كبير. ولاتعرف إلى أين تفرق أهلها. وذهبت الى الحامية تحمل خطاب اليوزباشى، فقابلها ضابط شاب بنجمتين على كتفه، وشتمها وشتم أهلها ومزق الخطاب وطردها.

    فى ملكال، حيث عادت بنفس الدرب، لتشتكى، لم تجد معاملة أحسن من الأولى..
    وفى كوستى مرضت طفلتها وماتت. وكان مالها قد تناقص بشكل مريع.
    عادت الى شندى تبحث عن اليوزباشى صمويل، فقيل لها أنه انتقل الى القيادة العامة.
    وفى الخرطوم منعوها حتى من دخول القيادة، ولم تجد من تشتكى له، ولا من لديه الإستعداد أصلا ليقف ويسمعها.

    فتدحرجت قليلا ..قليلا حتى وجدت لها مرقدا فى الزقاق، فسكنته.

    جئت فرحا ذات صباح لأبشرها بان العميد بيومى فى الشؤون المالية بالجيش يرغب وبشدة فى مساعدتها لكى تحصل على معاش زوجها. كان مرقدها خاليا من أى أثر لها. سألت هيكلا متآكلا ترقد فى الجوار، فلم تعرف عمن أتكلم، ثم استدركت أخيرا:

    آآآه...تقصد الخادم؟!! ماتت.
                  

09-10-2011, 04:35 AM

د.نجاة محمود


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زقاق نسوان (Re: د.نجاة محمود)

    (4)

    هاجر ميرغنى سر الختم


    وينادونها هاجر الشايقية. وإن كان البعض يردد سرا أن إسمها هاجر الفاجر.

    لم تكن أكثر من زوجة يائسة، ترغب فى أن تنجب لزوجها ولداً يحمل اسمه.

    فلقد تزوجت من ابراهيم ولد الشيخ عطا المنان، ولأكثر من عشرين سنة،لم يرزقهما الله بالذرية، رغم أن ولد الشيخ لم يتخاذل عنها ولا ليلة واحدة. كان يأتى من الحواشة عند المغرب، يغتسل، ويصلى، ثم يبقى فى مصلاته، ينتظر الطعام، ثم يقوم الى العِشاء، يصليه، وينقلب الى مرقدها، وبعد أن يقضى وطره منها ينام ليصحو مع صياح الديكة،يعاشرها مرة أخرى ثم يقوم يغتسل ويصلى الفجر، ثم يذهب الى الحواشة.

    ظل هكذا مواظبا على برنامج يومى لايحيد عنه، لاصيفا ولاشتاء، لافى رمضان، ولا حتى فى يوم العيد. ولكنها لم تنجب.

    كانت تمتلك البيت، والحواشة، وكثير من المال، والمصاغات الذهبية. ورثت بعض عن أبيها وبعض عن أمها. ولم يكن ينقصها وزوجها الفاضل المحب، سوى الذرية.

    جربت كافة الوصفات الطبية، البلدية والأفرنجية، ولم يفلح فيها علاج.

    وصفوا لها فقياً فى أُم بكول، فركبت اليه، وبقيت عنده عشرة أيام، يرقيها، ويقرأ فوق رأسها آيات الله المنيعات. ثم عادت الى زوجها. ولكن الله لم يشأ.

    قالوا لها أن تلجأ الى سيدى الحسن فى كسلا، فسافرت اليه وجلست تحت الجبل تصنع القهوة وتسقى المريدين، لمايزيد على الستة أشهر، لاتفوِّت فرضا، ولايتوقف لسانها عن الدعاء، أن يرزق الله ولد الشيخ ابنا يحمل اسمه، ثم عادت الى زوجها وراحت تنتظر قرابة العامين دون فائدة.

    نصحوها أن تلجأ الى السيد على الميرغنى يقرأ عليها الفاتحة، فحزمت أمتعتها وجاءت الى سرايته فى الخرطوم بحرى.

    كان الزحام حول السراية عظيما، الكل يريد من حفيد النبى الكريم أن يقضى له حاجة من حوائج الدنيا، والكل تكفيه نظرة من أبوهاشم، ولكن السيد لم يكن يأتى الى السراية إلا نادرا. فبقيت مرابطة عند السور القريب من البوابة قرابة السنتين، تصنع القهوة وتسقيها للزائرين. وكانت قد صنعت لنفسها مرقدا، تأوى اليه آخر الليل.

    ذات ليلة، ماطرة، والريح تعوى من كل الإتجاهات، وكانت قد آوت الى مضجعها للتو، حين سمعت جلبة عظيمة، والناس تهرول نحو البوابة الكبيرة، فأدركت أن سيارة السيد قد وصلت. هبت لاتلوى على شئ، حافية، حاسرة الرأس، وزاحمت خلق الله حتى وجدت يدها تلمس زجاج السيارة، ومدت بصرها، فرأته!! كان يجلس فى المقعد الخلفى، مابجواره أحد. نظرت اليه متضرعة والدموع تطفر من عينيها، أن يتوسط لها عند جده الكريم، لكى يهب الله ولد الشيخ ابنا يحمل اسمه. فنظر اليها وابتسم!! ثم رفع يده اليمنى يحييها، وأومأ برأسه. كانت ابتسامته وادعة وحلوة، فلم تتمالك نفسها، وزغردت بأعلى صوتها.

    صباح اليوم التالى أمرت بعجلٍ، فذبحه الجزارون الذين يملأون المكان وطبخته بنفسها وقسمته على الفقراء والمساكين، كرامة، قالت.

    وعصر نفس اليوم لحقت بالقطار فى محطة الخرطوم بحرى، الى كريمة ومنها بالوابور الى منصوركتى، ثم بعربة لورى الى الحلة.

    وصلتها آخر العصر، وهرولت الى بيتها، سعيدة بما أنجزته. صدمت أنفها روائح البخور المعطر، وكان باب البيت، كعادته مفتوحا، وسعت ركضا الى غرفتها، لتزف البشرى الى ابراهيم، زوجها.

    عند عتبة الباب، توقفت. فوجئت بمرأى سارة بنت اليمنى، ترقد على السرير، ترضع طفلا!! جثم الكابوس على صدرها، واستحال الكون فجأة الى ظلام لاترى فيه سوى سيدى الحسن بجلابيته البيضاء، يعرض عنها بوجهه، وابتسامة السيد على الميرغنى، وهو يمد لها لسانه ساخرا، فزأرت مثل لبؤة جريحة، وهجمت على المرأة فى سريرها، فصرخت سارة بأعلى صوتها، مرعوبة!!

    جاء ابراهيم مهرولا، على اثر الصرخة، ليفاجأ بمنظر هاجر، المتنمر، مشمرة عن ساعديها، ممسكة بالطفل من رجله، وراحت تلوِّح به فى الهواء مرة أو اثنتين، ثم قذفته فى قسوة، ليرتطم بالجدار صارخا ودماؤه تتناثر فى كل المكان. وهى تصرخ:

    - سرقتيه منى يا############..

    ثم هجمت على المرأة فى سريرها. وقبل أن تمسك بحلقومها عاجلها زوجها بضربة من عود فأس كانت بالجوار، فخرَّت الى الأرض.

    فى المحكمة الكبرى، التى انعقدت فيما بعد بمروى، جلست لاتعى شيئا مما حولها، ولاترد على أى سؤال من القاضى أو المحاميين الذين ملأوا المكان. كانت فقط تردد:

    - كثَّر خيرك وبارك الله فيك...وفى جدك

    لم ير القاضى بدا من ايداعها مستشفى المجانين، حيث كان من الواضح أنها فى حالة لاتسمح لها بتقدير الموقف تقديرا صحيحا، كما قال. وأن مرأى امرأة أخرى فى فراش زوجيتها وفى يدها طفل رضيع، قد شكلوا استفزازا شديدا ومباشرا، فى مقابل ما أنفقته من وقت وجهد ومال، لأجل زوجها، وأنها قد فعلت مافعلت تحت تأثير الصدمة، والإحساس بالخيانة.

    قضت اكثر من عشرين سنة فى المستشفى، وحيدة ، منبوذة. وحين أطلقوها بعد ذلك لم يكن أمامها سوى الزقاق، تدحرجت اليه قليلا، قليلا، بعد أن تاهت فترة فى شوارع المدينة، تلتقط الفضلات من هنا أو هناك، تسد بها رمقا حانقا، ولاتردد سوى جملة واحدة ألفها الناس:

    - عملتها ياحفيد النبى!!؟ كتر خيرك وبارك الله فيك وفى جدك!!
                  

09-10-2011, 04:36 AM

د.نجاة محمود


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زقاق نسوان (Re: د.نجاة محمود)

    (5)

    كاكا بنت فكى هارون


    زوجوها، وليس لها فى الأمر يد.
    وطلقوها، وليس لها من أمرها شئ.

    نشأت فى بيت تجرى من تحته الأنهار!! كان والدها من أثرى أثرياء البلدة. وكانت أبقاره وكباشه التى تذهب الى مصر كل سنة تزيد على آلاف الروؤس من هذى، وآلاف الروؤس من تلك.

    وكان أخوالها من أكبر تجار المحاصيل. الذرة، والسمسم ولب البطيخ.

    وكان زوجها ينافسهم جميعا من حيث الثراء.

    تزوجته وهى لاتعرف من أمره شيئا، فقد طلب يدها من أبيها وهى بنت اربعة عشر، ودخل عليها فى العام التالى. وبعد أقل من عام جاؤها وقالوا لها أنت طالق.

    بعد صلاة المغرب جاء فكى ز ين الدين مع والدها. نادوها، وقالوا لها إن زوجك اسحق ولد نورين كان قد أقسم بالطلاق فى أمر من أمور البيع وقد انكسر عليه قسمه، فوقع عليك الطلاق. وأضاف فكى زين الدين، أن هذا هو الطلاق الثالث. وأن الزواج ليس ملعبة، لذلك شَرَع الدين أن الطلاق مرتان.

    - الثالثة ثابتة.

    قال والدها مؤمنا على كلام الفكى، الذى إستمر يشرح لها الأمر:

    - أحسبى عدتك أربعة أشهر وعشرة أيام، لاتفارقى فيها البيت، ولاتنكشفى فيها إلا على محرم.
    - وبعد ذلك فليفعل الله مايشاء
    .

    لم تفهم من الأمر شيئا، فأومأت برأسها موافقة، كعادتها دائما، حين يتكلم أبوها.
    ثم جاءت أمها، وخالتها زمزم. قالتا لتقيما معها أبام العدة، أو بالأحرى لتحرسانها من شياطين الإنس المتربصين بكل مطلقة، ناصبين آلاتهم، يرومون الدخول بها.

    عاشت أيامها فى هدوء، وإن كانت فى بعض الأحيان تحن الى زوجها ومداعباته فى ليالى الشتاء الموحشة.

    ذات مساء جاء والدها فى معية فكى زين الدين، وجلسا يتناضمان فى الراكوبة الخارجية، كانت أمها حاضرة، وكانت الأعلى صوتا. سمعتها تقول أن الزواج ليس لعبا، ويبدو أنها كانت ترد على حديث قاله فكى زين الدين. ثم سمعتهم يتهامسون وقتا طويلا، دون أن تستبين قالة لأحدهم، حتى ارتفع صوت الفكى فى حسم:

    - البنت ليست بكرة، ولابد من مشاورتها فى الامر.

    وارتفع صوت والدها فى حدة

    - نحن ماعندنا بنات نشيرهم فى مثل هذى الأمور!
    - هل أنت مسلم مثلنا أم أن لك دين وحدك؟ الشريعة تقول بإن الثيب تستشار ويجب أن يُسمع ردها بالقبول واضحا.

    قليلا، ودخلت عليها أمها. طلبت منها أن تغطى رأسها بثوب كان بالقرب منها، ثم دخل والدها يتبعه فكى زين الدين. جلس الرجلان بينما بقيت أمها واقفة عند الباب. تنحنح الفكى ثم قال لها:

    - زوجك طلقك ثلاث طلقات، وبهذا أنت لاتجوزين له إلا إذا دخل عليك غيره.

    إلتفتت الى امها. لم تفهم شيئا. فقال والدها:

    - يعنى لابد من محلل يحللك حتى تجوزين لولد نور الدين مرة أخرى.

    إزدادت حيرتها، فصمتت. فقال الفكى:

    - شوفى يابنية، ولد أبَّكر الفلاتى، طلبك للزواج.

    قفز رأسها لا إراديا، وهى تنظر ناحية أمها مرعوبة، وقد جَحُظَت عيناها. ثم سمعت صوتاً يخرج من بين أسنانها المصطكة دون وعى:

    - الفلاتى!!؟؟
    - نعم الفلاتى.

    قال والدها بحزم:

    - مالقينا غيره ليحللك لولد نور الدين
    - يعنى أتزوج الفلاتى!؟
    - سيكون زواجا مؤقتا..ويطلقك فى اليوم التالى.
    - يعنى أتزوج الفلاتى!؟ ووبٌ علىَّ يا أُمى!!!

    فى يأس حاد قال والدها:

    - نعم.. تتزوجين الفلاتى.. وماذا نفعل لك!!؟

    صباح اليوم التالى، جاء خالها فكى حبيب الله، وكان هائجا كعادته:

    - ولد الغلفاء، دفعنا له ألف جنيه.
    - وقال سيطلق فى اليوم التالى!؟

    تساءلت خالتها زمزم، وهى لاتزال تسوط إناءً على النار. فالتفت إليها شقيقها غاضباً:

    - لو ماطلق، والله إلا سكينتى هذى تأباه، ولد أم ظـُبر!!

    بعد صلاة المغرب، جاء والدها، فى صحبة أخوالها الثلاثة، والفكى زين الدين ومعهم ولد أبكر الفلاتى. كانوا كأنهم يقودونه الى المشنقة. ناداها فكى زين الدين أن تخرج لتصافح عريسها!! فخرجت من غرفتها تصحبها أمها وخالتها، وجلسوا جميعا فى الراكوبة أمام الغرفة. كانت صامته طوال الوقت، حتى التفت اليها فكى زين الدين يسألها إن كانت تقبل به زوجا، فنظرت الى أبيها، الذى حدجها بنظرة قاسية فحولت بصرها الى أمها التى طأطأت تنظر الى تل صغير من الرمل كومه النمل بجانب الراكوبة. فصاح فيها الفكى غاضباً:

    - لابد أن أسمع الإجابة، تقبلينه أم لا؟

    فلاذت بصمتها على حين قال خالها فكى نور الله:

    - السكات علامة الرضا
    - الا فى هذه الحالة.

    قال فكى زين الدين مصححا:

    - البنت ثيب، والثيب لابد لها من القول صراحة بالقبول أو الرفض. هذا شرع الله وليس ملعبة.

    فنهرها والدها:

    - قولى نعم وخلصينا.
    - نعم

    قالتها بصوت خفيض. فانهمك فكى زين الدين فى تلاوة آيات من كتاب الله، أو هكذا خُيِّل لها، وإن كانت ليست متأكدة من أن هذا كلام الله أم كلام من عند الفكى. ثم زأر الرجل:

    - الفاتحة.

    فتمتم الرجال خلفه فى فتور ظاهر ثم نفضوا ملابسهم وقاموا، ومعهم ولد الفلاتى، الى المسجد، لصلاة العشاء، قالوا.

    ظلت فى مجلسها ذاك، لم تغادرة منذ أن خرج الرجال، لم ترفع عينها عن الأرض، وماكان تفكيرها محصورا فى شئ معين. قفزت الى خاطرها أغنية قديمة، تلبك لحنها فى باطن العقل، بينما غابت كلماتها تماما عن شاشة الذاكرة، فراح اللحن يجرى وحده، دون هدىً، أو دليل من مفردات، تتساعد بها على فهم مايدور حولها من أمور، يقررها الكبار، ويسعون بها بين الخلائق، نافذة الى عمق حيوات الناس، ولا أحد بمقدوره أن يعترض، أو يتذمر. بينما راحت أمها تساعد خالتها، ونساء أشقائها، فى تجهيز عصيدة الدخن لأغراض العشاء. فالرجال لابد أنهم سينكسرون بعد الصلاة الى هنا بحثا عن الطعام، الذى كان جاهزا لحظة أن دفر فكى حبيب الله الباب الخارجى، مندفعا الى جيث مجلسها وسكينته فى يده مشهرة. تبعه فكى نور الله، وأولاد خالها الثلاث، مثل التيران الهائجة، جاثوا فى الدار، وسيوفهم فى أياديهم مشرعه. ثم جاء ولدى فكى نور الله، ثم أولاد عمها المرحوم شيخ الدين، يتبعهم رهط من أهل السوق والرعاة، وجلسوا كيفما اتفق، والكل يحمل فى يده آلة من آلات الحرب. ثم جاء والدها، يتبعه فكى زين الدين وولد أبكر، الذى دخل مترددا، وهو يرى كل تلك الأسلحة البيضاء مشهرة تلمع تحت أضواء الفوانيس الموقدة.

    جاءت أمها وقادتها الى داخل الحجرة، بينما تنحنح فكى زين الدين مخاطبا الجمهور الصغير الذى تبعثر حول المكان:
    - يا أخوانى هذا لايجوز. الرجل لابدَّ له من أن يختلى بزوجته خلوة كاملة، حتى يقع الزواج صحيحا.
    - إنت يافكى تريد أن تسوى لنا عادات بمزاجك؟

    قال فكى حبيب الله غاضبا، فنظر اليه فكى زين الدين، نظرة متحسرة وأجاب:

    - هى يافكى. أنت الذى يريد أن يخترع لنا فى ديننا مايخرجنا من الملة. إذا لم يختلى الرجل بزوجته فلازواج. هل فهمت؟؟ الزواج باطل، وحرام، حرمة الزنا، وأنا والله لن اتحمل مسؤلية زيجة ناقصة، لتحليل مصائب نسيبكم الذى يروح يحوم فى السوق ويرمى بايمان الطلاق يمنا ويسارا. الله قال الطلاق مرتان، يعنى الطلاق الثالث لافكاك منه. الا بمحلل، وها نحن ملمومين هنا نحاول أن نباصر له تحليلا يرضاه الله ويرضاه الرسول

    همهم الخلق كلهم أن صلى الله عليه وسلم. فواصل الرجل:

    - ذا الحين كلكم تقومون الى بيوتكم، لايبقى منكم أحد، نترك الرجل يختلى بزوجته فى ليلته هذى والصباح رباح. من كان عنده كلمة فليلمها عليه. أنا قلت كلمتى وأجرى على الله.

    ثم التفت جيث يجلس والد البنت

    - يافكى هارون. أنت رجل تقرأ كتاب الله وتعرف دينه، لو تريد لبنتك أن تعود لزوجها الأول ولد نور الدين وتبقى معه زانية الى يوم القيامة، فأبق فى مجلسك هذا. أما لو كنت تريد أن تتبع كتاب الله وسنة نبيك، فقم الى هؤلاء الناس وأطردهم خارج البيت حتى يختلى الرجل بزوجته خلوة كاملة، ويصبح الزواج زواجا صحيحا،

    راح الخلق يتهامسون بعض يؤيد وبعض يرفع عصا الاعتراضات، ولكنهم فى النهاية إمتثلوا للأمر وغادروا الدار تصحبهم نساؤهم، ولم يبق مع ولد أبكر سوى فكى هارون و فكى زين الدين الذى، لما خلا الدار، قام ودخل الحجرة، وطرد النساء منها، ثم بقى بالداخل فترة مع العروس، يُسمع مهمسه، ولايُستبان مقاله. ثم خرج اليهم، والتفت الى فكى هارون آمرا أن يأخذ زوجته، أم العروس، ويذهب هو الآخر الى بيته، فامتثل الرجل وتبعتهم زمزم شقيقة زوجته. ولم يبق معه سوى ولد ابكر الفلاتى. فالتفت عندها الفكى الىه، قائلا له فى لهجة صارمة:

    - لابد أن تذوق عُسيلتها.

    إالتفت الفتى اليه مستفهما فأجابه الفكى فى لغة مستقيمة وواضحة

    - تنام معها وتدخل بها دخولا كاملا.
    - يقتلوننى لو فعلت.
    - وتخرج من أمة المسلمين لو لم تفعل!! ووالله لن تعرض على الجنة أبدا.

    استغرق الفتى فى تفكير عميق وجسده ينتفض وقد رآى نفسه يمسك به ملائكة العذاب يريدون أن يرموه فى جهنم، فهب من غفوته مذعورا، ليجد نفسه منكفئا على مرقد فى الراكوبة، وليس معه أحد. نظر فوجد باب الغرفة مفتوحا، وبعض ضوء يتراقص من لهب الفانوس بالداخل،. ثم تذكر كلام فكى زين الدين، فتوكل على الحى الذى لايموت وقام الى عروسه بالداخل. وجدها جالسة فى منتصف السرير، متدثرة بثوب، أزرق. تفيض بهاء تحت لهبة الفانوس المتراقصة. شهية كقطعة الدليب غسلها المطر، وقف ينظر اليها فترة، فخفضت بصرها الى ثوبها تتشاغل ببعض خيوطه، فأغلق الباب خلفه، ثم ذهب الى الفانوس، وأطفأ شعلته الشاحبة.

    عندما صاح المؤذن أن الصلاة خير من النوم، نهض، وراح ليغسل نفسه، ثم خرج الى المسجد. كان الرجال مجتمعون كلهم حول فكى زين الدين، الذى رفع رأسه الى الفتى، برهة ثم أمر بإقامة الصلاة.

    لم يكد يفرغ من السلام عليكم، الى يساره حتى سارع ولد نور الدين وأمسك بتلابيب الفتى ناهراً اياه والشرر يتطاير من عينيه، وأمره أن يلقى يمين الطلاق. فنظر ولد الفلاتى مرعوبا ناحية الامام، وهو لايزال فى مصلاته فأومأ الرجل اليه علامة الإيجاب.

    فالتفت الى فكى هارون قائلا بصوت مستحٍ، خفيض:

    - بنتك طالق يافكى.

    فنهض الرجال يهنئون بعضهم البعض، وصاح أحدهم مناديا إسحق ولد نور الدين:

    - أبشر بالخير يا إساغة.

    إالتفت اليهم فكى زين الدين، وقال مخاطبا فكى هارون:

    - يافكى، بنتك تحسب عدتها من اليوم ولغاية أن تتم أربعة أشهر وعشرة أيام أو تستبرئ رحمها.

    فقال له فكى حبيب الله، خال الفتاة:

    - والله يافكى زين الدين، أنت تحب أن تعقد الأمور، قلت تمسك عدتها، ومسكتها، قلت لابد من محلل، وحللناها، والآن تريد لها أن تبدأ عدة جديدة!؟ اترك الرجل يعود الى زوجته بدون ملاواة.
    - إنت يافكى حبيب الله تريد أن تكيف الإسلام بمزاجك!!؟؟ أستغفر الله العظيم!! تريد أن تغير كلام الله؟؟
    - لا أنا ماقصدت..

    قاطعه الإمام بحدة:

    - قصدت أو لم تقصد، هذا هو شرع الله، من أراد خيرا فليأخذ به ومن أراد أن يصنع لنفسه إلهاً من العرديب ويتعبد اليه، فهو حر. زواجها لن يجوز إلا إذا إنقضت عدتها، واستبرأت رحمها، شرعا. ماعدا ذلك فهو عند الله زنا، يوجب الحد. أنا قلت ماعندى، وأنتم أعملوا مابدا لكم، السلام عليكم.

    ونهض مغادرا المسجد.

    أحست كاكا، بدوار خفيف، فمدت يدها الى عود الراكوبة، تستند عليه. ثم فاجأها مغص حاد. مدت يدها تمسك بطنها، علها تزيل بعض الألم، فتقيأت بعضا مما أفطرت به. كانت أمها وخالتها تتعاونان على قِدرٍ فوق النار، فتوقفتا وراحتا تنظران اليها.

    كان قد انقضى شهران أو أقل قليلا منذ أن وقع الطلاق.

    لم تتردد خالتها لحظة، بل خطفت ثوبا كان معلقا على حبل بالجوار، وضعته فوق رأسها كما اتفق وغادرت البيت مسرعة، لتعود بعد قليل وفى معيتها حاجة مرضية، الداية.

    إنتشر الخبر، همسا وجهرا، حتى وصل السوق، والرجال منهمكين فى انهاء معاملاتهم بيعا وشراء. جاء منعم ولد فكى زين الدين يبحث عن فكى هارون، أرسله والده اليه، فوجده يتيمم، استعدادا لصلاة الظهر. لبس الرجل قنجته، وحمل عصاته وتبع الولد، فى صمت. وجدا الفكى الأمام جالسا فى المسجد يقرأ، فوضع كتاب الله جانبا، حين رآهما، واعتدل فى جلسته، وقال مبتدرا فكى هارون.

    - شوف يافكى، الطلاق لايجوز، إذا ظهر الحمل.
    - كيف يكون هذا؟؟

    تساءل فكى هارون، وعينه لاتزال الى الأرض.

    - هذا شرع الله الواحد الذى نعرفه وتعرفه. الولد للفراش، وبنتك حامل فى فراش الفلاتى. فحتى تضع حملها تكون شرعا زوجته، والطلاق باطل.

    سمعا جلبة عظيمة خارج المسجد ثم اندفع نحوهما ولد التنجراوى، وعمامته السوداء، نصف فوق رأسه، والنصف يجرها على الأرض خلفه:

    - ولد نور الدين ذبح ابكر الفلاتى فى السوق!!

    قفز الرجلان كالملسوعين، وتبعاه خارج المسجد، مهرولين ناحية السوق، وسط جماعة ممن كانوا قد دلفوا الى المسجد لأداء فرض الله، بينما راح التنجرانى يرمى لهما بقية القصة، فى سرعة. ولهوجة بادية، وأنفاسه تتقطع عند مخارج الحروف، فيتوقف قليلا ليأخذ بعضا من أنفاسه ثم يواصل:

    عندما انكسر الخبر إلينا كنا نستعد للصلاة، فغضب إساغة ولد نورالدين غضبا شديدا، واستل سكينه وجرى قاصدا ولد الفلاتى تحت الشجرة عند زريبة الحطب. المسكين كان يشرب الشاى مع أولاد عابد، حين فاجأه إساغة وتكاه كالشاة، وذبحه من الأُذن إلى الأُذن، والله دمه إندفع على الأرض كالهبوب.

    - إنا لله وإنا إليه راجعون، وأين هو الآن؟

    قال فكى زين الدين متسائلا. فأجاب الشاب:

    - تركته فى مكانه تحت الشجر تلك، ينازع الموت وجئت أُبلغكم. ولد الجزولى ذهب ليبلغ المركز.
    - أعنى إسحق ولد نور الدين
    - لا أعرف ، تركته يقف فوق القتيل يسبه.
    - يسبه!!؟

    قال فكى هارون، مستعجبا، فعقَّب فكى زين الدين عليه:

    - إنا لله وإنا إليه راجعون.

    عند أول السوق، رأوا جمهورا كثيرا، متجمعا، عند طرف زريبة الحطب. شقوا لهم طريقا، بين الصفوف المتراصة، حتى وصلوا الى عند شجرة الكُليت الضخمة، التى تتوسط المكان، فرأوا ولد نور الدين لايزال هائجا والسكين فى يده‘ عليها آثار الدماء، التى تلطخ جبته، وحذاءه. وكان ثائرا يسب ويلعن، ويصف الجثة الهامدة تحته بنعوت وأوصاف كثيرة، مثل ولد الغلفاء، والتكرونى العفين، وولد أم طيز، فوقف عنده فكى زين الدين:

    - الذى تعمله هذا لا الله ولا رسوله يقبلان به
    - دينك ودين دينك ياولد الفاجر، هذا كله من رأسك ومن رأس دينك الذى قطعته لنا من أين لاندرى، والله اليوم ياولد أم طيز إلا أن تأباك سكينتى هذى.

    ثم هجم على الرجل وغرس السكين فى صدره حتى بان نصلها من وراء ظهره، فخر الرجل الى الأرض صريعا. وقبل أن يتمكن من إنتزاع سكينته من جسد ضحيته الثانية، كان ولدى الجابرى قد قفزا فوقه دفعة واحدة، وسط صراخ الناس، وهيجانهم، فألقيا به على الأرض، وكتفه ولد الجابرى الكبير، منصور، بعمامته، وشقيقه المتين البنيان جالس فوق صدره لايسمح له بحركة من جسمه إلا بقدر مايتنفس به الهواء. وهرع الناس يحاولون اسعاف فكى زين الدين، إلا أن صاحب الوديعة كان قد أخذ وديعته وترك لهم جثة لاتصلح إلا لأشغال الدفن والعزاء.

    إندفر الباب الخارجى، بعنف، ودخل فكى حبيب الله. الشرر يتطاير من عينيه، كان، وكانت سكينته فى يده مشرعة. أمها كانت تغسل شيئا فى طست نحاس كبير وسط الحوش، فانتهرها الفكى،فى هيجانه ذاك:

    - أين بنتك الفاجر؟

    أدركت المرأة أن شقيقها لايريد سوى الشر، فحالت بينه وبين المضى الى الأمام، نحو الراكوبة، حيث كانت إبنتها تستريح من نوبة القئ الذى فاجأها قبل قليل:

    - ماذا تريد يافكى؟ اقصر الشر.
    - بنتك لطخت سمعتنا فى الطين، كيف تحبل من ولد الفلاتى؟!!
    - زوجها على كتاب الله وسنة نبينا، أنت نفسك، حضرت ورفعت فاتحتها مع الناس، هنا فى الراكوبة التى تشهد على افعالك.
    - إبعدى عن طريقى

    كانت المرأة قد لفت يديها حول وسطه محاولة أن تمنعه من المسير الى حيث توجد ابنتها، ولكن الرجل، وبقوته الجسمانية الهائلة، والتى زادها الغضب قوة على قوة، حاول دفعها بعيدا عن جسمه، وسكينته كانت لاتزال مشرعة فى يده، فانغرست فى صدرها حتى النصل، وكانت مباشرة فى موقع القلب من الجسم. لم تفعل المرأة أكثر من أن أنَّت أنةً واحدة ورفعت عينيها الى عينى شقيقها، ثم أغلقتهما الى الأبد.

    وقد رأت أمها تنقتل هكذا وببساطة أمام عينيها!! بدون أسباب واضحة، أدركت أن هنالك شئ خطأ فى هذا الكون، خاصة وأنها لم تكن لتفهم كثيرا مما يدور حولها، ولم يكن عندها من الوقت مايكفى لتتدبر لنفسها أمرا من أمور السلامة، فقفزت من مكانها الى آخر الحوش والرعب يملأها، واخترقت حائط الصريف الخارجى المعمول من القش، وراحت تجرى وليس عليها سوى فستان وبعض قماش وضعته لا إراديا فوق رأسها.

    دخلت المسجد، لتجد منعم ولد فكى زين الدين يبكى عند المحراب، سألته عن أبيه فرفع رأسه ونظر إليها صائحا:

    - هذا كله بسببك يابنت الحرام!

    وقام إلى عصاة كانت بالجوار، فأسلمت المرأة ساقيها للفرار،تقودانها كيفما اتفق، الى أبعد مكان يمكن أن تجد فيه ولو بعض الأمان، وقد أصيب العالم من حولها بجنون مباغت. كان الناس يهرولون فى كل الإتجاهات بلا هدى. وكانوا يصرخون فى وجوه بعضهم البعض بلا سبب تفهمه. وكانوا يتصايحون، وعربات تجرى، وخيول تهرول، والبعض على ظهور حمير يستحثونها الإسراع، وكأن الحلة قد تحولت إلى ساحة حرب. جيوش من عساكر البوليس تحمل البنادق، بعضهم فوق العربات، وبعضهم على الأرجل يدبون دبيبا. سمعت من يقول بأن ولد نورالدين قتل فكى زين العابدين، وبعض يقول إن فكى هارون هو الذى قُتل. والبعض يعلن مقتل ولد نور الدين نفسه على أيدى أولاد الجابرى، وكان بينهم وبينه ثأر قديم. وقال قائل إن فكى زين الدين قتل زوجة فكى هارون، ظبطها تزنى عند الطاحونة!! فأقام عليها الحد، وقائل إن كاكا بنت فكى هارون قتلت زوجها ولد الفلاتى ثم قتلت أمها وأبيها!! وكانت تجرى ولاتعرف أين توجد الحقيقة. حتى تعثرت فى عربة تحمل بشرا كثيرين يحلسون فوق جوالات لعلها تنباك، فوقعت على الأرض تبكى بأعلى صوتها وتصرخ أن أنجدونى، ثم أُغمى عليها.

    أفاقت لتجد نفسها فى حجرة من الطين الأخضر، طليت جدرانها باللون الأبيض، وتناثرت حولها بعض البنابر والكراسى. وكانت تنام على برش من السعف الى جوار الحائط، ورجل، يقف عند الباب، فى جبة بيضاء، وعمامة سوداء كبيرة تغطى رأسه، وتخفى أغلب ملامح وجهه، فلم تستبن سوى عينين نفاذتين تحدقان بها، فصرخت. قام اليها الرجل، وأزال لثامه من على وجهه، فاستبانت، لحية بيضاء مستديرة فى عناية، فهدأت قليلا. سألها:

    - ماذا حدث فى الحلة؟

    فلم تجد ماتجيب به، فصمتت، ونظرت الى أسفلها. كانت مغطاة بثوب داكن الزرقة، لاتدرى من أين جاء.

    - إبنة من أنت؟

    عاد الرجل يسألها وقد جلس على أحد البنابر فى الجوار، فسكتت. وراح الرجل يتفحصها، ثم قال:

    - أرى آثار الحنة على يديك ورجليك، هل أنت متزوجة؟

    فاومأت برأسها ايجابا، فتشجع الرج وسأل:

    - من زوجك؟

    دخلتها حيرة, هى لاتدرى بالضبط من هو زوجها، فسكتت. دخلت إمرأة فى منتصف العمر، تحمل قدحا كبيرا، فيه عصيدة، مسقَّاة باللبن، وتفوح منها رائحة السمن البلدى. أحست بإمعائها يحركها الجوع، وراحت تأكل فى صمت، والرجل يتابعها بعينيه، وقد أعاد اللثام الى وجهه، بينما جلست المرأة بجوارها، على البرش، وراحت تتفحصها بعناية.

    تركوها، لحالها يوما أو بعض يوم، فنامت. ثم أفاقت على صوت المؤذن ينادى أن الصلاة خير من النوم. عندها أدركت أن الوقت فجرا، ثم تتالت الأحداث فى ذاكرتها، فأدركت لتوها فجيعتها فى أمها، وماسمعته عن مقتل أبيها، فراحت تبكى. وارتفع صوت بكائها، فدخلت عليها المرأة، وفى يدها فانوس، تشبحت شعلته قليلا،وراحت تهدئ من حزنها وتخخف عليها فاجعاتها. ثم دعتها إلى التيمم لأداء فرض الله. وخرجت قليلا ثم عادت لها بشاى اللبن، وبعض قطع الزلابية. هدأت قليلا وأكلت أقل، ثم شربت الشاى، وراحت تسأل أين هى.

    - أنت فى حلة بورانا فى وادى بيرة، أنا بنت بنقة، وزوجى الماهرى،الذى رأيتيه، تاجر تنباك، يأخذه باللوارى الى دار بحر، فيشترونه منه، وله زبائن كثيرون من التجار هناك.
    - أنا عندى خالة فى دار بحر، يقولون فى امدرمان، زوجها سمعت انه تاجر جلود وأريد الذهاب عندها
    - أكلم زوجى، والخير فيما إختاره الله.

    بعد عدة أيام جاء الماهرى يقول بانه وقع على من دله إلى أن زوج خالتها، تاجر معروف فى سوق الجلود بأمدرمان، وبما أن بضاعة له ستسافر باللوارى الى بحر ابيض، فيمكنها من هناك أن تركب القطار إلى الخرطوم، ثم الى أمدرمان بأية وسيلة للمواصلات، لتبحث عن الرجل. وزودوها ببعض الطعام، وشئ من المال، يعينها على منفقات الرحلة. ثم توكلت على الواحد الأحد وركبت فى أحد اللوارى بجوار السائق، الذى أنفق جل الرحلة يغنى بلغة، تفهم بعضها ويغيب عن فهمها أكثر مغناه. وتوقفت العربة مرات عديدة فى الطريق، إما لأجل التزود ببعض الماء والطعام، أو للراحة، ولكن غالب وقوفها كان بسبب موجات القئ الذى تكاثر عليها حتى أنها أصيبت بنزف حاد قبل الدويم بقليل. فاضطروا إلى أن يعرجوا بها الى حلة خارج المدينة، علهم يقعون على طبيب، فما وجدوا سوى قابلة عجوز، عرفت على الفور أنه لم يعد هنالك من رمق فى الجسد الممدد داخل الرحم الصغير. وأن حياة المرأة فى خطر إن لم تجهضها، ففعلت. وكان لزاما أن تبقى عندها بضعة أيام حيث لن تقوى على مواصلة السفر وهى فى تلك الحالة من الضعف، والهزال، فتركها السائق، هناك، تتدبر أمرها، وانطلق ببضاعته، إالى بلاد المجهول.

    بقيت عند المرأة عدة أسابيع، لاتدرى ماذا تفعل، فقد انقطع القليل من المال الذى زودها به الماهرى، وليس لها من سبيل الى الطعام والشراب إلا ماتجود به القابلة العجوز. التى قالت لها يوما إن فى مدينة الدويم متسع من ابواب الرزق، يمكنها أن تتقوى عليه حتى تجمع القدر من المال الذى يكفيها للذهاب الى أهلها فى أمدرمان. فوافقتها، وذهبت معها الى المدينة الكبيرة. حيث تركتها المرأة عند من قالت إنها شقيقتها، والتى أبدت ترحيبا كبيرا ومبالغا فيه بها. وقادتها الى غرفة من الطوب الأحمر المطلى بلون لم تألفه فى سابق ايامها، بها سرير كبير، نظيف الفرش، وعلى نوافذها تنسدل ستائر فاترة اللون، وبها دولاب كبير من الخشب. قالت لها إن هذه ستكون غرفتها، حتى يقضى الله أمراً كان مفعولا.

    إستسلمت لقدرها، فراحت تنفذ ماتأمرها به المرأة. وهى بطبعها، كانت سهلة مطيعة. ابوها جاءها برجل غريب، لاتعرفه، وأمرها أن تعاشره، ففعلت. وظل الرجل يؤلمها كل ليلة، قرابة العام. وشكت لأمها، ولكنها أمرتها بالصبر عليه، ففعلت. ثم جاؤها برجل آخر، وأمروها بمعاشرته، ففعلت. والآن، كل ليلة يأتونها برجل. وأحيانا بعدة رجال، ويأمرونها بمعاشرتهم، فكانت تفعل فى صمت، وتجلس اليهم، يداعبونها، ويتحسسون مواطن الفتنة فى جسدها، ثم يعرونها ويفعلون بها ما اعتادت عليه، منذ أن كانت عند أهلها، فلم تشعر بفرق كبير، ولا بإختلاف شديد، والأمر عندها كان سيان.

    عرفت رجال أغراب، يأتونها كل صباح، وكل مساء، وهم لايصدقون أن يجود عليهم الزمان بمثلها. دخلت للتو فى ربيعها السابع عشر، طرية الحال، أخاذة الجمال، سهلة المنال، وكانت القابلة العجوز قد أعادتها الى سيرتها الأولى، قبل الزواج، وليس لها من أهلها فئ، ولا من أمرها شئ، فجادوا بالمال والحلى، وبالطعام والشراب، أصنافا لم تعرف طريقها إلى مائدتها من قبل، وهى، هى، إبنة العز المدللة، وسليلة أغنى أغنياء بلدتها.

    كانت، وقد سال بعض المال فى يدها، قد رأت أن تبقى هنالك بضعة أيام، تجمع فيها مايكفى، ثمنا، لتذكرة القطار، ومصاريفا، لرحلتها المرجوة الى أمدرمان، ولكنها بقيت فى ذلك البيت مايزيد قليلا على الاربعين سنة!!

    كانت على عتبات الستين، حين تركت ذلك البيت، الى ودمدنى، حيث بقيت هنالك عشر سنوات أُخر، تفعل نفس ماكانت تفعله فى الدويم، ثم جاءت الى أمدرمان، وتنقلت بين أحيائها، وبيوتها، وكانت قد إعتادت بعض ما ظنته من متع الحياة، التدخين، والخمر. وأنفقت كل ما إدخرته فى سنيها الأُول على متعتها، التى أدمنتها، حتى نفذ ماكان تحت يدها من مال ومصاغ، فنبذتها البيوت التى عرفتها، والرجال الذين ألفتهم، وهامت ردحا من الزمان، تستجدى طعامها وشرابها، ثم تدحرجت قليلا، قليلا، حتى دخلت الزقاق، فبقيت فيه.
                  

09-10-2011, 04:37 AM

د.نجاة محمود


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زقاق نسوان (Re: د.نجاة محمود)

    (6)

    تم الريد حامد جبريل.



    وينطقونها (جبرين) فيقولون تم الريد بنت جبرين. وأحيانا ينادونها تم الريد بنت ستنا بنت الطاهرة، ولكن السائد فى الزقاق أنها تم الريد الحمراء.

    أكبر نساء الزقاق اسما وجسما، جاوزت المئة، عمرا. بأكثر من عشرين سنة ويزيد. تراها، فتكاد تجزم بأنها لم تتجاوز الخمسين قدر يوم!! لاتزال مليحة، لا أثر للتجاعيد فى وجهها، ويزيدها الكحل بهاءً، فتحرص عليه. ولاتزال تبيع وتشرى وتحاجج وتفاصل وتتشاجر. ولاتزال قادرة على حمل اوزان تعجز عن حملها النساء الأصغر سنا. وأكبر أحمالها كان ولايزال جسد يحى البارجغل، زوجها، الذى يزن أربعة جوالات دقيق كبيرة، لاتنقص جراما. شهيته للطعام مفتوحة طوال اليوم.ويغف عنه تماما بحلول المساء.

    توفر له مايحتاجه من طعام بالنهار، ويوفر لها كفايتها مما تحتاجه ليلا. إحتمى بها من غذر الزمن، واحتمت به من وحشة الليالى، يصغرها بأربعين أو خمسين سنة، وتستطيع توفير سته وجبات كبيرة له كل يوم. فى مقابل وجبتها الليلية، والتى ظلت تحرص عليها منذ أن عرفت طريق الزواج.

    سألتها مرة:

    - كيف وأنت فى هذا العمر تحتملين مثل هذا؟

    أطفأت سيجارتها بحذائها:

    - ياولدى، هو ثقب ثقبه الله من تحتنا، كل ما أفعله هو أن استلقى على ظهرى وأفتح فخذى وأُغمض عينى، وبعد ذلك فلتدخل جيوش السلطان العثمانى. لا أفعل سوى أن أحس بدبيب أقدام الجنود، فرعون وثمود، يدخلون ويخرجون، حتى ينطبق الماء على الماء فيغرقون جميعا وأروح فى النوم.
    - ولكن للبارجغل جثة ضخمة!!
    - حين يتدفق الماء، فإن طن الحديد لايزن أكثر من إبرة!!
    - وهل لايزال الماء يتدفق فى تلك الصحارى؟
    - وهل يجف بحر النيل حين يخترق الصحراء الكبرى؟

    سألتها عن أزواجها، فقالت انها تزوجت عشر مرات.

    - أول رجل كان مهاجر الحمرى، تزوجنى وأنا طفلة، ماعرفت دمَّ العادة. وبقيت تحته، لغاية ماشنقه ابوعنجة فى القلابات، بعد اتهامه بالزندقة، ومتابعة آدم البرقاوى، الذى ادعى أنه النبى عيسى!! وطلقونى منه، قبل شنقه، بأمر القاضى حامد بلولة، وكان قاضى المدينة. ثم زوجونى من دفع الله النافع، والذى مات فى قتال يوحنا الحبشى.
    - شهيد يعنى؟
    - لدغته عقرب.. فمات قبل بداية القتال. فتزوجنى صالح البريقدار، وطلبت الطلاق منه فى اليوم التالى!!

    قالت لم يقدر على الدخول بها.

    - ثم زوجنى خليفة المهدى، من الخواجة جفرى. دخل الاسلام وسمى نفسه جعفر النمساوى. فعافته نفسى، واشتكيت للخليفة على ودحلو، فطلقنى منه، لاتزوج من عبدالرحيم التاماوى، وكان مقدما عند النور عنقرة، وبقيتُ فى حلاله، حتى مات فى الحلاوين أيام ولد حبوبة.
    - شهيد يعنى!؟
    - طعنوه بحربه فى إنداية. ثم تزوجتُ من سعدالله الشامى، ضابطا كان فى الجيش، ومات أيام حوادث 24.
    - شهيد يعنى؟
    - زوجته الأولى قطعت ذكره فمات، وحزنت عليه حزنا شديدا. ثم بعده تزوجتُ من الطاهر الحجازى،وكان فراشا فى كلية غردون، فنهب كل مالى، وباع بيتى فى الملازمين، ورثتُه عن والدى، وتركنى معدمة، ثم طلقنى، وذهب ليقتل فى حوادث مارس سنه55. فتزوجنى فضل الله، ويقولون له الهندى، بسبب شعره السبيبى، ومات فى ثورة أكتوبر.
    - شهيد يعنى؟
    - مات فى المستشفى بالحمى التايفويد. ثم تزوجت الطريفى البديرى. الذى مات فى السجن أيام نميرى.
    - شهيد يعنى؟
    - كان يهرب البنقو الى مصر وقيضوه فى الحدود. وبعد موته تزوجت من البارجغل، آخر رجالى.

    جابها الى الزقاق حين لم يكن فيه أحد. يعمل حمالا هنا أو هناك ويأتيها آخر النهار بقروش قليلة، تتدبرها مع ماتوفره من بيع، أو هو كالبيع. تحوم النهار بطوله تبحث فى مكبات الأوساخ حتى تقع على علبة فارغة، أو زجاجة سليمة، تغسلها وتعرضها للبيع، ولاتعدم من يشتريها لغرض من أغراض الدنيا.

    حدثتنى انها شاهدت الامام المهدى عليه السلام، مرتين. الاولى فى الأبيض وهى بنت خمس أو ست سنوات. وكانوا قد جابوا رأس خواجة، لعله هكس أو أحد ضباطه، وخرج الناس يتفرجون على الرأس المغروزة فى حربة، والأنصار حولها ينقزون ويرقصون ويعرضون ويحومون بها من فجة الى فجة. وكان الإمام هناك. والثانية فى أمدرمان، بعد الفتح، وقد وقف يؤم الناس للصلاة. قالت قد بدا عليه الهزال والمرض. ومات بعدها بأيام قليلة، وكانت بنت عشر، أونحو ذلك.

    وكذلك رأت خليفة المهدى مرات عديدة. فوالدها كان ملازما عند باب الخليفة، وكانوا يسكنون فى فريق الملازمين، بالقرب من بيته. رأته أول مرة حين انكسر الناس للمبايعة، بعد وفاة الإمام. ورأته مرة أخرى حين خرج الى ميدان العرضة يستعرض جيش الأمير ولد النجومى الذى سيفتح مصر. كان على فرس أسود وبيده سيف مشهر، وفرسان الجهادية حوله بالسيوف والبنادق الرمنجتون.ثم رأته يوم جابوا الزاكى طمل والحديد فى رجليه ويديه، قبل أن يطوبوه فيموت مختنقا. ثم رأته بعد ذلك عددا من المرات وهو يقف للصلاة بالأنصار. وآخر مرة رأته فيها يوم انكسر من كررى هاربا، وانكسر الناس وراءه، قبل دخول الانجليز المدينة.

    الحمراء، شيخة الزقاق بلامنازع. سلطها الله على رجال البلدية، وعمال الضرائب، والغاشيات من الزبونات، اللاتى يأتين خصيصا للإستمتاع بسفاهتها الراقية، وعلى تجار السوق بل وعلى المدينة بأسرها، فما إنخفض لها صوت، ولا انكسرت لها عين، ولافترت لها عزيمة. ومع ذلك فإن لها ضحكة أنثوية خالصة لوجه الله تعالى، لاهى فاجرة، ولامستحيَّة. وهى بعد شيخة ظار طبق اسمها الآفاق، وعمت شهرتها المدينة وتدفقت لتفيض على مدن أخرى من بورتسودان وكسلا الى الفاشر والجنينة، وقد قيل انها مرة أقامت حفلة ظار حضرها الفريق عبود قبيل انقلاب 17 نوفمبر بأيام. وكان وقتها قائدا للجيش. وكان فى زيه الرسمى تلمع العلامات على كتفيه كالشموس. وكانت هى فى لباس الخواجة تبرق هى الأخرى بهاءً وضياء، وقيل أنها كانت سكرانة، جاوزت حدود الثمالة، فوقفت أمامه محمرة العينين شامخة الأنف مستقيمة القوام ، وتحمل مسدسا فى يدها وغليونا فى فمها، ورطنت عنده رطانة تبدو غاضبة من شئ ما ولايعرف معناها الا الله، فانتصب الفريق واضعا عصاته تحت ابطه الأيسر وضرب لها تعظيم سلام بيده اليمنى صائحا فى لهجةٍ عسكريةٍ صريحة:

    - أفندم!!

    فانطلقت الزغاريد تشق عنان السماء من حى السجانة بالخرطوم، حتى سمعها عبدالله بك خليل، فى سرايته بأمدرمان.


    تمت وختمت

    منعم الجزولى
                  

09-10-2011, 04:48 AM

د.نجاة محمود


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زقاق نسوان (Re: د.نجاة محمود)

    أزقــــــــــة 2


    عندما يقول منعم رسائلي العندك جيبيها.. ما كان العشم


    وهذا توثيق لكتابات هذا الكاتب العظيم قد قمت بعمل هذه المدونة حتى لا تضيع اعمال منعم لاهماله الشديد
    كم من اغنية او حكاية اكلتها المكنسة الكهربائية او واقعة اسع تحت الكنبة ولا تحت السرير
    مقربة اعمل لي منظمة انقذوا كتابات عبد المنعم الجزولي


    http://naomsudan.maktoobblog.com/

    لكل من يحب الكتابة السمحة ويعجب بها هذه عيدية بعد العيد

    وكل الاحترام للصديق الاخ عبد المنعم الجزولي وكل سنة وانت بالف خير.
                  

09-10-2011, 06:24 AM

محجوب البيلي
<aمحجوب البيلي
تاريخ التسجيل: 04-19-2005
مجموع المشاركات: 2016

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زقاق نسوان (Re: د.نجاة محمود)

    Quote: هذا الكاتب العظيم
    ........................
    لا أذكر آخر مرة استغرقت فيها في عمل قصصي. في الغالب أملُّ لسبب أو لآخر. قليلة هي الكتابات (الإبداعية) التي تجبرني على مواصلة القراءة.
    وما حدث أنني لم أستطع التوقف حتى آخر سطر. شيءٌ ما كان يقودني كالمسحور بين سطور منعم التي تنبض بالحياة... وبالموت.
    كأنني أعرفه. هل أعرفه؟
    Quote: ومنها بالوابور الى منصوركتى، ثم بعربة لورى الى الحلة
    منصوركتى؟
    من أين أتى هذا الرجل؟
    ........................
    من أجمل ما قرأت مؤخراً.
    بل من أجمل ما قرأت في حياتي، ولا أبالغ.
    ........................
    شكراً بيان على "عيدية بعد العيد".
    وشكراً... أن جعلتِنا نتدحرج قليلاً قليلاً، حتى إنتهينا إلى هذا الزقاق ... الجميل.
                  

09-14-2011, 00:49 AM

د.نجاة محمود


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زقاق نسوان (Re: محجوب البيلي)

    سلام ود العم
    شكرا ليك على هذا الكلام الجميل في حق الجازلوت

    وهو انسان موهوب جدا كما تفضلت


    وسعيدة انك علقت على البوست
    ولك الاحترام والمودة

    وتحياتي للاهل
                  

09-14-2011, 09:12 PM

Huda AbdelMoniem

تاريخ التسجيل: 01-21-2008
مجموع المشاركات: 1356

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زقاق نسوان (Re: د.نجاة محمود)

    لكل محبين عبد المنعم الجزولي
    انا اولهم
                  

09-14-2011, 09:16 PM

Huda AbdelMoniem

تاريخ التسجيل: 01-21-2008
مجموع المشاركات: 1356

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زقاق نسوان (Re: Huda AbdelMoniem)

    د/نجاة

    مشتاقة ليك كتير اخبارك
                  

09-14-2011, 09:42 PM

Al-Shaygi
<aAl-Shaygi
تاريخ التسجيل: 11-16-2002
مجموع المشاركات: 7904

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زقاق نسوان (Re: Huda AbdelMoniem)
                  

09-16-2011, 09:19 AM

د.نجاة محمود


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زقاق نسوان (Re: Huda AbdelMoniem)

    سلامات يا هدوية

    وين انت ياخي؟
    بالجد مشتاقة ليك
    والله نحنا هنا بخير والحمدلله

    انت اخبارك شنو؟
    ايملي داك اتسرق اكتبي لي على دا

    [email protected]
                  

09-17-2011, 04:14 AM

د.نجاة محمود


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زقاق نسوان (Re: د.نجاة محمود)

    سلامات يا الشايقي

    شكرا للمرور والتعليق

    اسع لو منعم دا عنده شلة في البورد دا كان البوست دا وصل الصفحة الرابعة
                  

09-17-2011, 09:30 AM

Mohamed Abdelgaleel
<aMohamed Abdelgaleel
تاريخ التسجيل: 07-05-2005
مجموع المشاركات: 10415

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زقاق نسوان (Re: د.نجاة محمود)

    د. نجاة .. تحياتي .. عبدالمنعم الجزولي صديقي في الزمان الأول
    زاهد في أشياء كثيرة من ضمنها شلة البورد ليته لو استقام علـى
    خط الإبداع القصصي من البداية .. احتفظ منه برسالة كتبها لـــي
    في السبعينيات كنت عسكري بنواحي القضارف وكان طالبا فـــــــي
    محمد حسين الثانوية، كتب على الظرف: لا تفتح هذا الظرف يا ..
    فجاءتني الرسالة مفتوحة من مكتب الامن بالقيادة الشرقية، غير
    أنهم لم يحققوا معي .. يبدو أنهم عرفوا أن كاتبها من أهل الوادي ..

    ورد في الرسالة وصف لأحياء امدرمان في ذلك الوقت .. حتى قال:

    والجامع الكبير قد أصبح صغيرا جداً أمام عباس رشوان وعبدالله
    شلقامي

    التحية للمبدع الأخ عبدالمنعم عوض الجزولي (جازلوت)

    هل يكفي هذا لتقولي واحد من شلة عبدالمنعم يا دكتورة؟
                  

09-17-2011, 02:09 PM

Abd-Elrhman sorkati
<aAbd-Elrhman sorkati
تاريخ التسجيل: 02-21-2003
مجموع المشاركات: 1576

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زقاق نسوان (Re: Mohamed Abdelgaleel)

    تسلمي ويسلم منعم الجزولي يا د. نجاة

    دي كتابة نادرة وكلام غريب ،،،،، يديكم العافية
                  

09-18-2011, 06:22 AM

د.نجاة محمود


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زقاق نسوان (Re: Abd-Elrhman sorkati)

    شكرا ليك يا سوركت على المرور
    لكن عاد ما بنرضى بسطرين لازم تكتب تحليل لوجهة نظرك

    منعم بحب لناس تناقش قصصه وهو من اكثر الكتاب الذين عرفتهم يفرحون بوجهة النظر حتى لو كانت سالبة

    مع المودة
                  

09-18-2011, 12:58 PM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زقاق نسوان (Re: د.نجاة محمود)

    تحية للدكتورة نجاة ، وللكاتب عبد المنعم الجزولي ،
    وأحسب أن للعنوان علاقة مع تلك الأقصوصة :

    Quote: هجر أبو حمزة خيمة امرأته وكان يقيل ويبيت عند جيران له حين ولدت امرأته بنتا، فمر يوم بخيمتها فإذا هي ترقصها وتقول:


    ما لأبي حمزة لا يأتينا * * * يظل في البيت الذي يلينا
    غضبان ألا نلد البنينا * * * تا الله ما ذلك في أيدينا
    وانما نأخذ ما اُعطينا * * * ونحن كالأرض لزارعينا
    تنبت ما قد زرعوه فينا .


    فعاد أبو حمزة إلى خبائها وقبل رأسها وقبل ابنته .


    ومن بعد أن نقرأ ... نأتي
    *

                  

09-18-2011, 01:23 PM

Elkhawad

تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 2843

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زقاق نسوان (Re: عبدالله الشقليني)

    بيان سلام

    منعم اذا ما عنده شله عندو حيران

    تشكرارت علي الزقاق
                  

09-18-2011, 04:58 PM

Abd-Elrhman sorkati
<aAbd-Elrhman sorkati
تاريخ التسجيل: 02-21-2003
مجموع المشاركات: 1576

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زقاق نسوان (Re: د.نجاة محمود)

    د. نجاة تحياتي


    Quote: شكرا ليك يا سوركت على المرور
    لكن عاد ما بنرضى بسطرين لازم تكتب تحليل لوجهة نظرك

    منعم بحب لناس تناقش قصصه وهو من اكثر الكتاب الذين عرفتهم يفرحون بوجهة النظر حتى لو كانت سالبة


    هو في كلام بعد دة ممكن يتقال ،،،،

    أسرتني للغاية حكاية ( كاكا بت فكي هارون ) سرحت فيها وتمنيتها دراما ،، فهي محتشدة بالتفاصيل ومؤثرة إنسانيا حد البكاء
    منعم الجزولي يهتم بالبيئة أهتما يفوق ( الكاميرا ) نفسها ،،،،،
    والله يا دكتورة ما في كلام الا بس الواحد يقعد معاكم ونتناقش في كيفية كتابة السيناريو .... هههههه

    تحياتي
                  

09-18-2011, 05:09 PM

د.نجاة محمود


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زقاق نسوان (Re: Abd-Elrhman sorkati)

    منعم بهتم جدا بالابعاد الثلاثية للشخصية وبيرسمها رسم

    دائما اوجه نقد حشد الاسامي لمنعم في قصصه ولكن اذا لاحظت الاسم ذاتو بيكون حكاية
    وهو يدافع دفاع مستميت على بقاء كل الشخصيات لانها تعني له شئ كبير
    ومنعم لديه مقدرة عالية في الوصف للحدث اعتقد هذا اثر دراسة الدرامة
    فقصصه مسرحيات تجري في مخ القاري تكاد ترى الشخصيات دي..

    بالجد قصة كاكا قصة مؤثرة جدا حيث لا تملك في امرها شيئ يخطط لها الذكور من حولها
    وتدفع الثمن الغالي هي..
    ياربت بكري يرسل لمنعم باسورد عشان يجي يساعدك في كتابة سناريو مكرب

    بالله شوف قصة اسمها لا تكابس حيا او ميتا
    دي برضو فيها وصف خرافي ودراما ما عادية

    التحية ليك ولمنعم
                  

09-24-2011, 12:09 PM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زقاق نسوان (Re: د.نجاة محمود)

    والله دا زول عجيب مرة واحدة


    هاك يا دكتورة والعابرين دي قريتا الليلة ووالله بكتني بالدرب:


    أُم شَبَتُو

    إلى معروف سند


    وهذه حكاية، من أعجب ماسمعت فى حياتى. إمتدت عبر السنوات، فى مساحات من الأراضى، والمدن، والشوارع، وتمددت فى المكان - يمكن - منذ ماقبل ميلادنا. وتستمر - ربما - الى مابعد رحيلنا.

    لا أحد يعرف من أين جاءت. كل مانعرفه أنها اقتحمت المكان فجأة. أصبحنا يوما، فوجدناها، ثم، وبالتدريج، أصبحت، فى عاديتها، من علامات المكان.

    الناس سموها أم شبتو. قيل لأنها تشبه العنكبوت، بأطرافها الطويلة، طولا غير عادى. قليلة الكلام. كثيرة التحديق فى الناس، والحيوانات، والاشياء. سريعة الانتباه، رغما عن بطء حركتها. تتكرفس داخل ثوب أسود. أو ربما كان له لون آخر، ذات يوم، ولكن الماثل أمامنا الآن، هو الاسود الحالك. ممزق فى أكثر من موضع، حتى لتظن أن هذه التمزقات مقصودة لذاتها، أو، أنها جزء من تصميمه!! وتظل فى تكرفسها ذاك، لاتتحرك، فيظنها المارة بعض متاع مهمل. وتبقى هكذا الى آخر النهار، دون أن ينتبه الى وجودها أحد.

    كنا بعد صبية، نلعب الكرة الشراب، فى الفسحة التى خلف بيوت أولاد سند، عصر كل يوم من أيام السنة، صيفا وشتاء. ولانهتم كثيرا بنوع الموسم، إن كان موسم سيول وفيضانات، أم موسم جفاف وتصحر!!

    كانت أم شبتو تتكوم دائما تحت أمية الكهرباء الكبيرة، فى ناصية الميدان. أو تحت الحائط الجنوبى لبيت صالح سند. وكانت فى سكونها الابدى ذاك، لاتتحرك، حتى وإن اصابتها الكرة. كان ذلك يحدث كثيرا. فى البداية كنا نخاف أن نقترب من مرقدها، لإستعادة الكرة. ولكنها بهدوءها وسكونها، شجعتنا. فكنا نفعل ذلك فى حذر شديد، ثم تعودنا قليلا، قليلا. ثم أصبحنا نروح الى جانبها ونجئ فى عادية. ثم لم نعد ننتبه الى وجودها، فيجرى الواحد منا الى مكانها ويستعيد الكرة فى طمأنينة، دون أن يفكر، ولو للحظة، فى وجودها أو عدمه. طالما أنها كانت فى سكونها ذاك. ولكن ما أن تتحرك، حتى ترتفع درجة الحذر عندنا الى اعلى مانستطيع، فنتحفز للهرب، عند أول مايبدو لنا أنها حركة عدوانية. فنحن، لم نكن نعرف ماذا يدور فى عقلها!! بل ولم نكن متأكدين، أصلا، إن كان لها عقل أم ماذا؟

    عبد المعروف، ولد سند الكبير، كان الوحيد الذى يقترب منها، دون وجل أو خوف. بل، أحيانا، كنت تجده جالسا تحت ظل الامية، بجوارها، يعالج كرة الشراب بالإبرة والخيط. كان بارعا فى ذلك.وقد درجت خالتى الحاجة، أمه، على إرساله اليها، ببعض مايفيض عندهم من طعام. فانزلق بينهما ودٌّ سرىٌّ غامض. فتجده جالسا غير بعيد عنها، يتحدث، اليها، أو إلى نفسه، لاتفهم. بل وكنا نستعجب عن نوع الحوار الذى يمكن يدور بينهما. على الرغم من أن معروف، قد أقسم بالطلاق ثلاثا، وهو لم يكن قد بلغ العاشرة بعد، أنها لم تكن لتقول له شيئا. طيلة هذه السنوات، كان كمن يتحث إلى نفسه، ولم يسمعها تنطق حتى ولو حرف واحد. قال إنه لم يسمعها تقول شيئا أو تصدر أى صوت، إلى أن أصر حاج سند، يوما على شراء ثوب جديد لها، والايام كانت عيدا من أعياد الله. ذهب مع والده الى حيث تتكوم المرأة، وطرح الحاج فوقها الثوب الجديد.

    معروف قال لنا إن ردة فعلها كانت آخر ماكان يتوقعه. هبت مذعورة وصاحت فى صوت أخرس مفزوع، وقذفت بالثوب بعيدا عنها، وهى لاتزال تصرخ، ذلك الصراخ العجيب، الأخرس، ثم راحت تبكى، بكاءً، يشبه الأنين، أو، لعله عواء من نوع ما.

    وهكذا، ظلت أم شبتو لغزا مغلقا أمام أفهامنا، لانقوى على إدراكه، حتى جاء لزيارتنا عمى وداعة الله بولاد، إبن عم لابى، يقيم فى سافل النيل الابيض، لعله فى القطينة أو ماجاورها، وإن كان كثير الترحال من بلد الى بلد، بحكم عمله كسائق شاحنة، تنقل البضائع من مكان إلى آخر.

    كان يسير باللوارى إلى نيالا والجنينة، وحتى فورتلامى، فى بعض الأحيان. قيل انه كان ينقل الاقمشة والعطور الفاخرات، يملأ بها عربته الكبيرة، ليفرغها فى أمدرمان. وكون ثروة، جعلته فى عداد الموسرين بين الناس، فى عائلتنا. وإن كان مصدر ثروته الذى يشاع بين الناس، هو تجارته فى الزئبق .

    وللزئبق، فى أعراف الناس احوال. أغلاها وأعلاها شأناً، هو الزئبق الاحمر، والذى يقال أنه إذا وضع بجانب الحديد، ليلة كاملة، عند استدارة القمر، أحاله إلى ذهب نقى، عيار أربعة وعشرين قيراطا!! فكثر عليه الطلب، وقل المعروض منه فى الاسواق. وجزء يسير منه، يعادل ثروة. قالت أمى إن الجرام منه يباع بمليون جنيه انجليزى. أذكر أننى قضيت ليلتى تلك، أحسب فى أصابعى كيف يكون المليون!!

    وقيل إن الزئبق الفضى يعالج كافة الامراض. يضعونه بجانب المريض ليلا، فينهض عند الفجر معافى من كل سقم. وقيل، أيضا، إن الزئبق الاصفر، توضع منه قطرة واحدة فى كوب الحليب ظهرا، ويترك بجانب نقَّاع الزير حتى بعد صلاة العشاء، فيشربه الرجل ويستحيل وحشا كاسرا، تصرخ إمرأته تحته، طوال الليل، وهو بعد لايكل ولا يمل، وكلما فرغ من وطر، طفق يبدأ مشروع وطر جديد.

    وقد راج أن ولد سوار الدهب، قد قتله إفراطه فى استخدامه، وكان مدمنا يعاقر الخمر صباحا ومساء، ولايكاد يمس الطعام، فانهلك جسمه داخل جلده، حتى أصبح كالعنكوليب المجوف.

    خرج عمى إلى بعض أشغاله فى سوق المدينة، فرآها عند الامية.وحين جلسنا للغداء، قال إنه فقد ولاعته الرونسون الفاخرة، وسأله والدى عن آخر مرة استخدمها فيها، فقال إنه أشعل بها سيجارة بالقرب من بنت الجاك!!

    التفت اليه والدى مستفهما، فأشار ناحية الامية قائلا:

    - مبروكة بنت الجاك المؤذن، المرأة التى عند امية الكهرباء الكبيرة، فى الفسحة، وراء البيوت!!

    فاندفعنا مدهوشين نتسائل فى إستغراب:

    - أم شبتو؟؟؟
    - سميتموها أم شبتو!؟

    سأله والدى وهو يمصمص أطراف أصابعه من بقايا إدام علق بها:

    - ماهى حكاية مبروكة هذى، ومن هو الجاك!؟

    قال الرجل، إنه رآها أول مرة، وهى تقوم بتنظيف المسجد الصغير، فى حلة ولد سليم فى سنار. ثم قام الى الحنفية يغسل يديه. وحين عاد، جلس على الكنبة الكبيرة، فى الديوان، بجوار والدى، الذى ناوله كوبا كبيرا من الشاى الاحمر. عمى دائما يشرب الشاى الاحمر، فى كوب كبير، من تلك التى يقدم فيها الماء والعصائر، وليس فى كبايات الشاى المعهودة الصغيرة، كما يفعل كافة خلق الله. عمى كان عادة لايفعل ماتعود خلق الله على فعله.حتى طريقة ملبسه، كانت مغايرة لملبس الناس الآخرين. مرة رأيناه يأكل الكسرة والملاح بالشوكة!! وحاولنا بعد ذلك تقليده، فجلبطنا الدنيا حولنا بالملاح السائل، فقامت أمى بإخفاء الشوكتين الوحيدتين فى البيت، ولم نعثر عليهما إلا بعد ذلك بسنوات ملفوفتان فى قطعة من القماش ومخبئتان داخل جردل كبير فى رأس البترينة، كان يستخدم لحفظ السكر.

    - الجاك، رحمه الله عليه، كان مؤذنا فى مسجد ولد سليم.

    رشف من الكوب فى يده، ثم صاح مناديا أمى فى الداخل:

    - يابنت الجريفاوى، تسلم ايدك، والله ، الشاى، إما أن يكون هكذا ..وإلا فعدمه أَخْيَر.

    رشف ثلاث رشفات متتابعات، ووضع الكوب على الطقطوقة الصغيرة امامه. ثم أخرج علبة السجاير الروثمان الكبيرة من جيبه، أشعل لنفسه، ولوالدى من علبة ثقاب كانت فى يده

    - عثر عليها الجاك ملفوفة فى قطعة قماش. لابد أن امها، وضعتها هنالك، عمدا. خشية فضيحة، أو خشية إملاق..كله يتساوى.

    قال الرجل إنه رآها أول مرة وهى تقوم بنظافة المسجد

    - كانت دون التاسعة، فيما أظن، حلوة التقاطيع، مليئة بالحيوية والرشاقة. كانت تقفز من ركن الى آخر، وتهتم إهتماما دقيقا بتتبع ذرات الغبار أينما وجدت، تلتقطها بقطعة من قماش مبلله بالماء في يدها. ثم حين تفرغ من ذلك تهرع الى البيت، لتعود حاملة إناء من السلك المعدنى المضفور، عليه بعض جمرات متقدات، تضعه على الناحية من المنبر، ثم تهيل عليه قبضة من بخور فى علبة صغيرة تحملها معها،وسرعان ما يتعبق الجو من حولنا برائحة زكية طيبة.

    رشف من كوبه رشفتين، ثم تابع:

    - تصدق، كلما شممت رائحة البخور تلك، فى أى مكان فى الدنيا، تذكرت فورا مسجد حلة ولد سليم فى سنار، ومبروكة، وهى تقوم بالعناية به. لم تكن تحادث أحدا، ولايحادثها أحد. لقد كانت خرساء!!

    طفرت دمعة من عينى، غصبا، بينما انهمك الرجل فى ارتشاف السائل الاحمر، من الكوب الكبير فى يده. رشفات متتابعة، دون توقف، ثم وضعه امامه، وقد تعرى نصفه الأعلى ألا من زجاج شفاف:

    - كنت، كلما قدمت الى المدينة، أقصد حلة ولد سليم، واترك اللوارى عند مقهى أولاد شباك النبى، وأهرع فورا الى كمبو السوق. كان يسكنه خليط من الاغراب، شايقية، وجعليين، ودينكا، وفلاتة، وغيرهم. كنت اقصد بيت أم ضمير، فى طرف الكمبو، ناحية الصهريج. نذبح عتودا سمينا، نشويه كله على الجمر، ونصنع الشطة بالبصل، ونجلس نشرب العرقى البكر الذى تحتفظ لنا به زينب أم ضمير. وفى الصباح التالى نغتسل ونهرع الى المسجد لاداء الصبح حاضرا. وكانت الفتاة دائما هناك. وكان جو المسجد دائما معبق برائحة البخور الطيبة.

    تناول كوبه، مرة أخرى، وراح يرتشفه فى صمت، ونحن نرقبه فى صمت. والحكاية تنتظر اكمالها، فى صمت، ايضا. حتى افرغه تماما فى جوفه، ووضعه زجاجا يابسا على المنضدة الصغيرة, ثم تناول علبة السجاير، مد منها واحدة لوالدى، الذى إعتذر عنها، فأشعل لنفسه واحدة، جذب منها ثلاثة أنفاس أخرجها من منخريه، ثم جذب جذبة رابعة، شهق بها فترة، ثم ارسل دخانها، رفيعا، من بين شفتيه، والعيون تتبعه فى صبر، لا يتأتى إلا للأنبياء. نفض رمادها فى منفضة من أصداف البحر الاحمر الكبيرة، امامه، ثم واصل:

    - غبت فترة عن المدينة، إنشغلت ببعض أسفارى، فى أقاصى الغرب. وعندما عدت بعد ذلك، وجدت كل شئ، ينتظر كما هو. أم ضمير، فى كمبو السوق، وعرقيها البكر، وأولاد شباك النبى، وقوتهم فى السوق، والمرأة التى كنا نشترى منها العتود، نسيت إسمها، والمسجد والحلة وكل شئ، كما هو. الشئ الوحيد الذى لم أجده هو الفتاة الصغيرة، وبخورها. بل وإن رائحة المسجد كانت غير مستحبة إطلاقا، ربما لطول غياب البخور عنه.

    جذب نفسا من سيجارته، وواصل:

    - سألت شاع الدين، شقيق أم ضمير، وكنا نناديه عيون كديس، نسبة لاخضرار غريب داخل بؤبؤى عينيه. فقال لى إن الفتاة، وقد استدار جسمها، وتكور صدرها، قال الامام إنها صارت فتنة للمصلين، وأمرها أن تبتعد عن المسجد، فما عادت تعتنى به، كما فى السابق. الأمام قال إن أعداد الشبان الذين أصبحوا يؤمون المسجد قد تضاعف بشكل مريب، وقد جزم بأنهم ماكانوا ليأتون لصلاة أو نسك، بل وإن بعضهم – وقد أقسم على ذلك – كانو يأتون للصلاة وهم على جنابة!!

    ضحك، وراح يشفط أنفاسا من سيجارته.
    كان والدى يرقبه فى صمت وصبر. وكنا كذلك نحبس أنفاسنا فى انتظار بقية الحكاية.

    - بعدها بفترة، علمت أن الشيخ المؤذن قد مات بالسل الرئوى، عليه رحمة الله. ومالبثت زوجته أن لحقت به بعد فترة قصيرة. وبقيت الفتاة فى البيت وحدها. فالرجل لم تكن له ذرية، وكان ناس الحلة يقومون بواجب اطعامها، حتى نزل عليهم ذات يوم رجل يقال له صبير، وينادونه بالكعكول، قيل إنه أخ غير شقيق للمرحوم الشيخ، وجاء يطلب حقه فى الميراث. حسب الشرع.
    وقيل، إنه فى بادئ الأمر، قد وافق على أن تظل البنت تسكن معه فى البيت، ولكنه، ولسبب لايعلمه أحد، قام بطردها، بشكل مفاجئ. بعض الناس قالوا إنه راودها عن نفسها فأبت، فطردها إلى الشارع، حيث ظلت تحوم بين بيوت الحلة، حتى إختفت تماما، ذات شتاء، على ما أذكر.

    حك والدى رأسه بيده، قائلا:

    - هذه حكاية عجيبة، والله!! أين ذهبت بعد ذلك؟ فهى حين جائت الى هذه الحلة، لم تكن إلا على هيئتها هذى التى نراها الان. قطع شك، لم تكن تلك الفتاة التى تتحدث عنها!

    قال عمى وهو يكور لنفسه سفة من علبة تمباك فضية اللون، أخرجها من جيبه:

    - والله الأقاويل كثيرة، فقد سمعت أن بعض أولاد الحلة قد أدخلوها يوما بيتا من بيوتهم، وأغتصبوها..

    قفز والدى كالملدوغ، وهو يصيح:

    -لاحول ولاقوة إلا بالله العلى العظيم.... استغفر الله العظيم... استغفر الله العظيم.

    ثم راح يجر مسبحته فى عصبية وغضب شديدين. بينما واصل عمى وهو يضع ساقه اليمنى فوق فخذه الايسر وراح يمسح باطن قدمه بيده:

    - الاقاويل كثيرة، ولاتكاد تعرف الصحيح من الخطأ. قيل أن زوجة الدابى، تاجر المواشى المشهور، قد أسكنتها فترة عندها. كان الرجل غائبا فى إحدى سفراته الطويلة. ثم لما عاد، طردتها الى الشارع مرة أخرى دون إبداء أية أسباب. وقيل أن جميع نسوة الحى، كن يخشين على أزواجهن، من أنوثتها الطاغية. فهامت على وجهها فترة من الزمن، حتى حدث لها ماحدث، من أولاد الحلة فاختفت فجأة.

    - استغفر الله العظيم.

    قال والدى، وهو يجر حبات مسبحته جرا عنيفا:

    - ولكن أين ذهبت، وكيف وصلت الينا هنا؟

    - سمعت انها قضت فترة فى حى العمال فى المدينة. سكنت شوارعه، واقتاتت من زبالته، ومخلفات أهله. ثم قيل أنها ذهبت الى سنجة، وقيل أنها سكنت عند ########ة فى ديم العرب، قبل أن تذهب الى الروصيرص أو الدمازين، لا أذكر. ولكنها فى النهاية جاءتكم هنا، بعد أن تحطمت تماما. وإن كانت لاتزال تحتفظ بنفس ملامح الوجه الصبوح.

    سأله أبى وهو يتنحنح:

    - وأين عمها، ألكعكول الأن؟
    - فى السجن، على ما أظن.
    - فى السجن؟!! لماذا؟
    - يقضى – على ما أعتقد – عقوبة عن جريمة سطو، ارتكبوها فى سوق مدنى. قيل إنهم صعدوا الى سطح إحد دكاكين الصاغة، وخرموه من أعلى، ثم تدلوا بحبل الى أسفل. نهبوه، ولكن الحبل سقط داخل الدكان، فلم يقدروا على الخروج. البوليس قبض عليهم فى الصباح.
    - وماذا حدث للبيت الذى انتزعه من الفتاة
    - قيل إنه خسره فى مائدة قمار.

    بعد ظهر اليوم التالى، كنا نلعب البلى، بجوار الامية، فى طرف الفسحة، خلف بيوت أولاد سند، عندما شاهدت والدى، قادما ناحيتنا، فظننت أن شرا مستطيرا، ولابد أن قد وقع منى. ورحت أسترجع شريط أفاعيلى منذ مساء الأمس، بل وأول الأمس، علنى أفهم طبيعة المصيبة التى سويتها، والتى تجعل والدى يترك عمله فى محلج ربك، ويسرع فى طلبى، فى مثل هذا الوقت.

    توقفت، مستسلما لقدرى، وتوقف بقية الاولاد، فى انتظار وقوع المصيبة. إلا أن الرجل مر عبرنا، دون حتى أن ينظر إلينا!! كان يحمل فى يده إناءً مصنوعا من الأسلاك المعدنية المضفورة، وكيسا ورقيا كبيرا فى اليد الأخرى. أدركت فورا مقصده، فتبعته فى صمت وسار ركب الأولاد من خلفنا.

    توقف الرجل تماما حيث توقعت، عند أم شبتو، المتكومة – كالعاد – تحت الحائط. هبت مزعورة، وعيناها تنظران الى الأناء المعدنى. فانتبهت الى أن بضع جمرات متقدات ترقد فوقه.

    جلس أبى على الأرض، وفتح الكيس الورقى، أخرج بعض البخور، وكبه فوق الجمر – تماما كما توقعت – فانطلق الدخان كثيفا، وعبقت الجو رائحة مألوفة، ومحببة. طفرت الدموع غزيرة من عينيها ومن عينى أبى ، فرحت انهنه بالبكاء، وراحت المرأة تعوى عواء مكتوما، وراح ابى يبكى بصوت مسموع، فارتفع صوت الاولاد من خلفنا بالبكاء، دون أن يعرفوا سببا لبكائهم. لم أر أبى يبكى من قبل كما رأيت بكائه اليوم. حتى يوم وفاة جدتى الحاجة، أمه، مابكى هكذا!!

    - قومى معى

    قالها أبى، وهو يقف ممسكا بالمرأة من ذراعها، يساعدها على النهوض. فنهضت وهى لاتزال ممسكة بالاناء المعدنى، والبخور يتصاعد منه.

    كنت، وكأن حُجُب الغيب قد انفتحت امام بصيرتى، فجأة، أعرف بالضبط إلى أين سيأخذها أبى، فسرت خلفهما مسير الواثق من نبوئته!!

    وبالفعل، سار أبى والمرأة تتبعه، والإناء فى يدها، فى إتجاه المسجد. ولدهشتى، ودهشة نبوئتى نفسها، كان شيخ سلولة، إمام المسجد، يقف عند الباب، ومسبحته الغليظة فى يده، كما عادته. شيخ سلولة، ومنذأن عرفته، مارأيته قط، والمسبحة ليست فى يده، كأنها جزء من جسده.

    دخلنا، باحة المسجد الداخلية، فى موكب باكٍ، عجيب. خلع أبى حذائه عند الباب الداخلى، ففعلنا جميعا. وقد كانت المرة الاولى التى أدرك فيها أن المرأة حافية، لاتنتعل حذاء!! وكانت، رغما عن ملابسها الرثة الممزقة، تبدو لى وكأنها ملاك طاهر، من تلك الملائكة التى كنت أشاهدها مرسومة على جدران الكنيسة بجوار سوق المدينة الكبير.

    - أدخلى

    قالها حاج سلولة، بصوت متهدج، وقد تأثر لمرأى الدموع فى عيوننا جميعا. فدخلت، وفى لحظة كانت عند المنبر، تمسحه بيديها، فخلع أبى عمامته وشقها نصفين، ناولها نصف، وأشار علىَّ بالنصف الآخر أن أذهب وأبلله بالماء،فانطلقت كالصاروخ، الى صف الحنفيات عند جدار المسجد، بجوار المستراحات. بللته بالماء سريعا، وعدت منطلقا، لاناوله لها. أخذته وواصلت انهماكها فى تنظيف اركان المسجد. المرأة كانت فى نشاطها، كالاطفال. انا لم أكن لأتخيل فى اقصى شطحاتى الخيالية، أن أرها فى مثل هذه الحيوية، وهى التى لم نتعود منها سوى السكون الكاملّ!!

    كان والدى طيلة الوقت جالسا عند المنبر، واضعا يديه على خديه، ومطرقا بنظره الى النقوش على السجادة تحته، بينما جلس شيخ سلولة، وظهره الى عامود النصف الكبير، يجر حبات مسبحته فى صمت. وجلس أولا سند الثلاثة، عند المدخل، يرقبون فى صمت، وقد وقفت شقيقتهم الصغرى متكئة الى الباب، واضعة باطن رجلها اليمنى، أسفل فخذها الايسر، تماما فوق الركبة، كعادتها فى الوقوف دائما. بينما جلست انا غير بعيد منها، وكلتا إليتىَّ، مسنودتان، بإحكام على كعبىَّ، كعادة جلوسى للصلاة. والمرأة، وقد ركبها عفريت من النشاط، كانت لاتكاد تمسح جزءً من تلك النافذة، حتى تهرع لتمسح نافذة أخرى. وظلت تقفز كالاطفال من ركن الى ركن، تارة، وتارة تعود الى حيث تركت اناءها المعدنى، تضع عليه بعض البخور وتحمله الى ركن آخر من أركان المسجد. والصمت يعم المكان، فلاتكاد تسمع شيئا سوى طقطقات مسبحة شيخ سلولة. وظللنا هكذا حتى قطعت الصمت نحنحة حاج النورانى، مؤذن المسجد الضرير. دخل يقوده حسب الله، ولد بنته، وتوجه به ناحية المنبر، والرجل يتشمم حوله، وقد علته إبتسامة راضية، مرددا:

    - ما شاء الله.. ماشاء الله

    ناوله الولد مايكرفون المسجد، فسمعنا طقطقة خفيفة، ثم ارتفع صوته العذب بالنداء لصلاة العصر:

    - الله أكبر......

    توقفت المرأة فورا، وحملت إنائها وخرجت، بينما انطلقنا نحن الى الحنفيات نتوضأ.

    عقب الصلاة، خرجت مع أبى ، نبحث عنها. وجدناها تجلس عند جدار المسجد، من الداخل. أشار أبى إليها، فتبعتنا، وماعونها لايزال فى يدها، حتى دخلنا بيتنا. أمرنا أبى ، مسعود إبن عمتى، وأنا، أن ننظف المخزن فى طرف البيت عند باب الشارع. كان فيما مضى يستأجره هارون المكوجى، قبل أن يسافر إلى ليبيا، أظن. وقضينا الوقت كله حتى آذان المغرب، ننظف المكان ونرتبه، ماوسعتنا الحيلة، والقدرة. وجاب أبى عنقريبًا ولحافاً، وضعهما فى المكان، وأشار اليها، فدخلت، تتبعها شامية إبنة عمتى الكبرى، تحمل صحنا فيه، على ما أظن كسرة وملاحاً، فجريت أنا الى المزيرة، فى الراكوبة، وحملت لها كوزاً كبيرا من الماء.ثم تركناها لحالها، وذهبنا نبحث فى أحوالنا.

    صباح اليوم التالى، أيقظنا أبى ، كالعادة، لصلاة الصبح. فاستيقظنا، وكالعادة أيضا، فى تثاقل، وتبعناه، ليس خوفا من الله، ولكن خوفا من عصاته، إن لم نفعل. كانت تجلس عند باب المسجد، وبين يديها ماعونها، وفيه بعض جمرات متقدات، لا أعرف من أين جابتها. صلينا الفجر، وقد لاحظت أنها وقفت تصلى فى صف وحدها عند الناصية. ثم عدنا الى البيت وقد تركناها خلفنا، وقد شرعت فور انتهاء الصلاة فى عملية التنظيف. حمل أبى كوبا كبيرا من الشاى بالحليب، وصحنا فيه بعض الزلابية، وخرج، فتبعته. كانت نائمة تحت المنبر، بالضبط، والإناء بالقرب منها، تتصاعد منه الأبخرة زكية الرائحة. وضع أبى الكوب والصحن بجوارها ومد يده، يوقظها، فلم تستجب. هزها قليلا، ولمس يدها، ثم صاح:

    - إنا لله وإنا إليه راجعون.

    سبتمبر 2011



    http://sudaneseonline.com/forum/viewtopic.php?t...b2610c803679b6c25faf
                  

09-24-2011, 12:57 PM

Rasha Swaraldahab
<aRasha Swaraldahab
تاريخ التسجيل: 08-29-2011
مجموع المشاركات: 672

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: زقاق نسوان (Re: بله محمد الفاضل)

    سلامات الدكتورة نجاة

    تحية غاية في الاحترام لكي

    عندما كنت خارج المنبر وقسماًبالذي خلق السموات والارض اقرأ لكي بحب شديد , طبعاُ يا دكتورة الزول لما يكون برة ما بقدر يقرأ للناس الهنا دي كلها وعشان كدي بيختار من يقرأ لهم , والله ما كنتا ببراي البوستات لكن بس من ما القاك كاتبة مداخلة في حتة تلقاني تابعتا الموضوع كلو .

    تقبلي غاية احترامي وتقديري وكوني دوماً بخير

    يا لجمال هذه الحكايات ابدع الابداع زاته , غايتو كلو ما الزول يتعب من المشي يجئ يرتاح فيهن .

    فله التحية اينما وُجد
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de