|
|
 قناة النيل الأزرق ــ على خطى (المجروس)
|
المجروس إسم أطلقه الراحل المقيم عوض دكام ـ على تلفزيون السودان ـ أو كما روج السودانيون لذلك ، حينما كانت شاشة التلفزيون عبارة عن ثكنة عسكرية ، متى ما شهدتها لا ترى سوى (الكاكي) ـ وذلك في السنوات الأولى لحكم الإنقاذ
على هذا القياس أوشكت قناة النيل الأزرق على أن تصبح مجروساً جديداً ـ
الـBNC ، بلا شك هي القناة المفضلة للغالبية العظمى من أفراد الشعب السوداني ـ وتحظى برامجها بنسبة مشاهدة عالية بل هى الأعلى بلا منافس بين القنوات السودانية ،وقد أحتلت هذا الموقع بعد أن فرضت نفسها ، كقناة مميزة تبث برامج محببة ، هي الأقرب للوجدان السوداني الذي يفضل البرامج خفيفة الظل ، وبرامج المنوعات على وجه التحديد ، إضافة لما يميز القناة من صورة غاية في الروعة يجملها إستديو ذات الوان زاهية و ديكور مبتكر ، وإضاءة يتم تسليطها بعناية فائقة ، هذا علاوة على مذيعين ومذيعات ذوي أشكال ووسامة وجمال لا تخطيه العين
أستمرت القناة في نهجها بتقديم برامج يطغى عليها الترفيه ، لتلبي حاجة مشاهد مثخن الجراح ، يعاني الإحباط ، تتقاذفه الإحن والخطوب ، وتتكالب عليه المشاكل والمصائب من كل حدب وصوب، مع تخصيص مساحات ضئيلة للغاية للبرامج السياسية الرتيبة غير المحببة للمشاهد السوداني ، في ظل الظروف التي تعصف بالوطن ، حتى أصبح على مشارف التمزق ، بل والتلاشي ، وهذا في تقديري أحد أهم أسباب إستقطاب أكبر نسبة مشاهدة وسط القنوات السودانية
ولكن مؤخراً حادت القناة عن نهجها ـ وبعد أن انفض سامر ما عرف بمجموعة (ART) وقد كانت جزء من هذه المنظومة المملوكة لرجل الأعمال السعودي صالح كامل، فأهل السلطة الذين يسعون بكل ما لديهم من مجهود لتجميل صورة النظام ، وهم يدركون جيداً حجم السخط والرفض لهم في الشارع السوداني ، وجدوا أن أقصر الطرق لمخاطبة الرأي العام يتم عبر قناة النيل الأزرق من أجل إستغلال الشعبية الكبيرة التي تحظى بها ، فأصبحت القناة اليوم أشبه بتلفزيون السودان الذي أنفض الناس من حوله منذ قرابة العقد ـ
أصبح واضح جداً تقول الحزب الحاكم والسلطة على القناة ، بعد أتساع المساحة المخصصة للبرامج السياسية التي تروج للحزب الحاكم ، وأولى وأسوأ مظاهر هذا التحول السلبي الكبير ، هو قطع البرامج الرسمية للقناة بصورة مفاجئة من أجل بث مباشر أو غير مباشر لمادة من مواد تجميل صورة السلطة والحزب الحاكم ، كما حدث يوم الجمعة الماضي ، وأنا أستمتع ببرنامج دنيا الطيران ، حينما تم قطع البرنامج بصورة مفاجئة ، لتبث حلقة أستضافوا فيها والي الخرطوم ليتحدث عن بيوت شعبية تم تشييدها في الحارة 100 بأمدرمان ، لتباع لمحدودي الدخل ـ (كما زعموا) ـ وكان قطع البرامج وبث برنامج في وقته سابقة لم أشاهد مثلها في النيل الازرق التي عرفت أيضاً بإحترام المشاهد ، وتقدير مشاعره ، ليكون هذا الموقف أحد مظاهر سيطرة السلطة على القناة وتدشين رسمي للعشوائية فيها .
ولو إستعرضنا مظاهر هيمنة المؤتمر الوطني وسلطته الحاكمة على القناة ، من خلال البرامج اليومية ، يمكننا الخروج بالحصيلة التالية :
البرنامج اليومي ـ بعد الطبع ـ وهو عبارة عن أقوال الصحف ن ولكن تبث من القناة بإسلوب مبتكر ، حيث يتم إستضافة أحد الصحفيين للتعليق على الأخبار والمواد التي يتم تناولها بالبرنامج ـ بالطبع لمنسوبي المؤتمر الوطني نصيب الأسد في الإستضافة ، منهم ـ راشد عبد الرحيم ـ محمد عبد القادر ـ ضاء الدين بلال ، باسر محجوب ـ عثمان فضل الله ـ وهذا الأخير ،لست متأكد من (لونه) بجانب مختار الأصم أحد أبرز من يروج لهم من خارج المنظومة، بينما لا يمثل الرأي الأخر سوى محمد لطيف ، بجانب وجوه أخرى تظهر لماماً
أما البرنامج اليومي المباشر مساء جديد ، يستضيف كثير من الأنظمة والإتحادات والأذرع التابعة للمؤتمر الوطني ، وأصبح من النادر أن تبث حلقة من البرنامج تخلو من ضيوف من هذا القبيل .
برنامج حتى تكتمل الصورة ، اشتهر كبرنامج توثيقي ، أستضاف شخصيات واكبت أحداث هامة في تاريخ السودان للتوثيق ، وإيراد وتأكيد معلومات جديدة حول هذه الأحداث ، ولكن وبعد أن أكتسب البرنامج شعبية كبيرة تحرص وتواظب على مشاهدته ، أصبح وبصورة تدريجية منبر من منابر ترويج برامج الحكومة والمؤتمر الوطني ،
النقل المباشر لكثير من أنشطة حزب المؤتمر الوطني ، وأنشطة الحكومة ذات الطابع التعبوي ، والتي تنقل من الخرطوم والولايات
أضف لذلك نشرة الأخبار التي تبث عن الثامنة مساء كل يوم ، وهي عبارة عن تغطية يومية لكل فعاليات الحكومة والحزب الحاكم
اما البرامج الدينية ، فهناك برنامج إسبوعي يقدمه الصافي جعفر ـ وهو من كوادر الحزب الحاكم، كما أن النقل المباشر لخطبة عصام البشير في صلاة الجمعة من مسجد (كافوري) فهو الأخر ليس مقصده دينياً صرفاً ، فالخطبة في كثير من الأحيان لا تخلو من دعم للسلطة ، كما هو حال صنوه عبد الجليل الكاروري بالتلفزيون الرسمي .
المساحة الممنوحة للحزب الحاكم والسلطة بقناة النيل الأزرق في إزدياد ، وهي نفس البرامج التي كانت سبباً في إنحسار نسبة المشاهدة بتلفزيون الدولة الرسمي ، الذي أصبحت برامجه لا تحظى بأدنى إهتمام سوى بعض البرامج ذات الطابع الثقافي أو الإجتماعي مثل أسماء في حياتنا أو عزيزي المشاهد أو من الأمس ، وربما غيرها.
خلاصة الحديث ـ قناة النيل الأزرق لم تعد تلك القناة التي تجبرك على الجلوس أمام شاشتها لأطول فترة من الزمن ، بل فقدت كثير من القها ورونقها ، ولو أستمرت على نفس نهجها الحالي حتما ستفقد شعبتها الجارفة ،
فالشعب المحبط يريد ترفيه ، ولا يريد كلام لا يسمن ولا يغني عن جوع .
ملاحظة ـ ما أكتبه هنا لا يخرج من سياق المشاهد المتابع عن كثب
|
|
  
|
|
|
|
محمد علي البصير
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست