|
قل ماء تشاء كن ماتقول ان تقلها تمت وان لم تقلها تمت اذن قلها ومت
|
المارون/رات من هنا سلام فى صباح ذلك اليوم البعيد وفى تمام العاشرة بالتوقيت السودانى المبتئس الذى بدت فيه الخرطوم وردة ذابلة و وقد تسربلت بثياب رثة و كان شعرها منكوشا و النيل كان وما زال يجري كدمعتين حاررتين على وجنتيها , فهى فتاة معاندة يصعب ترويضها ولا تقبل هدايا التقرب و لا تبيع نفسها باي ثمن هى فتاة دغرية ظلت تحلم لسنين عديدة بفارس اسود يمسح دمعتيها الهتوفتين و ياخذها فى حضنه و يشعرها بالامان, فهى قد ظلت طوال عمرها تنظر لهم وهم يحدقون بشراهة المغتصب الى مفاتنها التى تثير اي كائن كان و لكنها كانت تود ان تحبل بحمل حلال يوقف نزيف عينيها الابدي. فى تلكم اللحظات وفى تمام العاشرة كنت شابا يافعا يحلم و يعمل و يقاتل و لا يابه ان يموت فى سبيل ان يفكر الناس كما يشاءون و يقولو ما يفكرون و يفعلوا ما يقولون هكذا تعلمتها, وكان اليوم ما زال طفلا تبحث عن خطواته بين صفوف الاشياء المتناثرة بل كان يوما من ايام رمضان, وبينما انا فى طريقى الى الجامعة سالكا مدخل بوابة النشاط التى اصبحت فى احدي الازمان العجفاء التى ادمعت عينى فتاتى بدمع هتوف, كانت هنالك بوابة لدخول الطالبات و بوابة لدخول الطلاب و كان لى صديق تساءل لما يدخل الطلاب من مدخل وتدخل الطالبات من مدخل فقالو له " تفاديا للاحتكاك" وهو كطالب فى كلية الهندسة قسم الميكانيكا لم يجد انسب من الاجابة العلمية فقال لهم" اذا كان الامر كذلك فالاجدي لكم تزييتهم بدل فصلهم فهكذا يقول العلم فى الاحتكاك و هكذا تعمل المحركات فى كل الالات" اما انا وبينما ادلف الى باب الطلاب فوجدت الامر مشتعلا فكان احد ما اسموهم بالحرس الجامعى قد ضرب حجة مع احدي الطالبات و ظل ماسكا لها من يدها مانعا لها من دخول الجامعة و حينما تساءلت ما الخطب؟ اجابنى الحرس الذى كان من قدامى العاملين فى الجامعة و من كبارهم سنا فتعجبت فاجاب قائلا " ان هذه الطالبة لم ترتدي زيا اسلاميا صحيحا" وكان ما زال ممسكا بيدها فتقدمت نحوه وقلت له " دعها و اترك يدها و بامكنك اخذ بطاقتها و تحويلها الى عمادة الطلاب لينتهى دورك الى هنا فاستجاب و ترك الطالبة تدخل و لم ياخذ بطاقتها و انفض سامر القوم و بعد لحظات و بينما انا جالس فى كافتيريا كلية القانون "مكانى المفضل بل مكتبى" فاذا باحد كوادر الامن الذين نسميهم تسامحا الحرس الجامعى يخبرنى باننى مطلوب بمكتب مدير الحرس الجامعى وبعد لاي وشد جزب ذهبت معه و بمجرد دخولى الى مكتب مدير الحرس الجامعى وجدت زحمة و نقاشات تعالت فيها الاصوات بعض الشيء فطلبوا منى ان اظهر بطاقتى الجامعية ففعلت و قالوا لى اجلس انتظر وعلى جانب من المكتب جلست على اريكة و عندها كنت قد عدت بنفسى الى عام ثلاثة و ثمانين وتسعمائة والف و كانت هذه هى اول مرة يقع فى يدي كتاب باسم طريق محمد للاستاذ محمود محمد طه, كنت ما زلت فى المرحلة الابتدائية و لكننى قرات الكتاب و لا ادري ان كنت قد استوعبته جيدا ام لا, وعادت ذاكرتى الى ايام انتشرت اقوال الناس بان محمود كافر لانه قال انه لايصلى الصلاة التى يصليها عامة الناس و بعضهم كان يقول ان الاستاذ ادعى بانه وصل الى مرحلة النبوة و رفعت عنه التكاليف البشرية العادية, كل ذلك و انا لم تبارح خطواتى المرحلة الابتدائية بعد و يوما ما فى تلكم الازمنة الغابرة مر جارنا وهو فى كامل حلة سوداني الوسط (جلابية و عمة) و قال محدثا والدى انه ذاهب الى الخرطوم وكان ذلك اليوم الخميس و اضاف ان غدا سيتم اعدام الاستاذ محمود محمد طه و كان جارنا قد التقى الاستاذ فى احدي محطات الحياة فعمل معه فى احدي المشاريع الا انه كان يكن له حبا واحتراما عظيمين و عندما سمعت قوله انه سيعدم صباح الغد و تذكرت الاقوال التى ملات اجواء السودان من كفر الاستاذ و حينها فقط تذكرت كتاب طريق محمد و وجدت نفسى ادخل الى غرفة والدي بحثا عن ذلك الكتاب و فى الغرفة وقفت فى منتصفها ورفعت راسى و لاول مرة الحظ ان هنالك صورة الى الزعيم عبد الناصر فى امامى مباشرة و عندما ادرت راسى فى الاتجاه الاخر وجدت صورة الى الاستاذ ايضا و عندما ادرت راسى فى اتجاه اخر رايت صورتين اخرتين لم اتعرف على اصحابها ولكنى مؤخرا عرفت ان احداهما كانت الى لينين و الاخري الى مانديلا و لم اتسائل فى ذلكم الزمان كيف اجتمعت هذه الايدولوجيات فى قلب والدي فانا لم اكن افهم مثل هذه التفاصيل, المهم اننى وجدت ضالتى وبدات اتصفح فى الكتاب املا فى ان اجد كلمة تشير الى كفر ذلك الرجل وحينها فقط بدات اتساءل لابد ان فى الامر شيء اخر فربما هنالك ثار بين اسرة الاستاذ و من اعدموه لم اكن اعى ان الترابى و النميري على صلة بالامر لاننى لا اذكر اننى اعرف تفاصيل الاشياء الكبري و لكنى كنت احفظ جميع اسماء لاعبى المريخ ولا افوت لحظة فى برنامج عالم الرياضة, و بعد لحظات ودون ان اعى وجدت بعض الاسئلة توجه لى ولا ادري لما تذكرت الاستاذ فى ذلكم المكتب الذى يتبع لجهاز الامن فى الجامعة و ان كنت قد قرات جل مؤلفات الاستاذ فى سنوات الجامعة لاحقا وكنت حينها اعى وافهم جيدا انهم بالفعل كانو على ثار معه ولكنه ليس ثارا من نوع اقتتال الاسر بل هو ثار فكري ثار عجز الاسلاموين فى مواجهة التحديات الكبري فعبروا عن عجزهم فى قتل اكثر من افادهم الا وهو الرجل الذى كان يريهم عورة افكارهم ولو انهم صمتوا وسمعوا لما انتهو على ما هم عليه الان. ولكن هيهات فاجانى مدير وحدة الامن بالجامعة قائلا انت قمت باعتراض موظف من اداء عمله فى تطبيق الاوامر الربانية, حتى تلكم اللحظة انا لم يفتح الله على بكلمة بل كان بالى مشغولا بتفكيك ماذا تعنى الاوامر الربانية هذى ؟؟؟ وهل وصلت فى مظروف مغلق ومختوم بالشمع الاحمر صباح اليوم ومعنون الى رئيس وحد الامن؟ وبعد برهة اجبت اي موظف اعترضت, فاشار الى العم محمود وعندما توجهت بناظري بالسؤال الى العم محمود فاجاب باننى لم اكن ذلك الذى اعترضه وانما طالب اخر كان يرتدي قميص اخضر , لا ادري السبب الذى دفع العم محمود الى الكذب اهو الخوف ام الحكمة. وحينها وجدتها سانحة وتوجهت بالسؤال الى رئيس وحدة الامن عن ماهية الاوامر الربانية ؟ ومن هو وكيل الله فى هذه الفسحة لينفذ الاوامر الربانية؟؟ فارقى الرجل وازبد مستنكرا السؤال و ملوحا بعصا القوة والسلطان التى هى تحت امرته و فى تلكم الاثناء سمعت صوت فتاة تئن بحرقة والم شديدن و على خديها جرت دمعتين حارتين و لم ادري ماذا ساقول لها ففى كثير من الاحيان تبدو كلمات التعزية و المواساة اقرب الىالاعتباط وتصيب بالبله و تبدو ثقيلة فى الحلق فما يميز نحيب الفتاة ان دمعها غذيرا بحجم انهر و لا يوجد منديل على سطح الارض بقادر على ان يمسح على خديها الزابلين فلم يسعنى الا ان اقول لابد انه اليوم ال الموافق 18 /1/ وهو اليوم الذى تبكى فيه الخرطوم بملء جفنيها و ليس لى الا ان اقول فكر كما تشاء وقل ماتشاء وافعل ما تقول ان قلتها فستمت وان لم تقلها فستمت فقلها ومت فهو قد قالها ومات و هذا ما جعل دمع فتاتى هتوف و حرقتها عميقة فى الذات و جرحها نازف ما ظلت الكلمة تمنع فى بلدى و تمنع وهى فى رحم العقل ومجرد فكرة و تصادر ان خرجت وصارت فكرة و قد تقتل صاحبها ان اصر فقالها و لا يقولها الا اشجع الرجال والنساء وهو ليس باولهم و حتما سوف لن يكون اخرهم. فلترقد ارواحكم فى سلام فانتم احياء بيننا تمشون بكلماتهم و افكاركم تطير فى كل عواصم العالم فللافكار اجنحة اقوي من اجنحة طائر البطريرك. بكري الجاك
|
|
|
|
|
|