|
التحديث فى العالم الثالث-ضرورة حياتية ام رغبة امريكية- مابين افريقيا والعرب
|
التـــــــــــــــــــــــــحديث فى العالم الثــــــــــــــــــــــــــــالث ضرورة حياتية ام رغبة امريكية _ ما بين افريقيا و الدول العربية
لعل الجديد فى الحديث عن مشروعات التحديث فى الجزء الجنوبى من الكرة الارضية هو دخول الرغبة الامريكية المباشرة فى هذا الامر, الا ان المعلوم فى تاريخ المنطقة ان حركات التحرر الوطنى التى قادت شعوبها للاستقلال من الاستعمار بعيد انتهاء الحرب العالمية الثانية كانت تعتقد بلا شكوك ان التحديث يبدا بالخطوة رقم صفر والتى يمثلها خروج المستعمر, و كان اغلب الظن ان مشروع التحديث يتاتى بتبنى الاشتراكية كمشروع مغاير و مضاد للراسمالية التى ارتبطت فى اذهان شعوب المنطقة بالاستعمار و الامبريالية بل حتى ان اعمدة الراسمالية الاساسية – الديمقراطية التعددية و الليبرالية و ما يتبعهما من حريات , لم يجد القبول الحسن والتدبر من قبل الشعوب المتطلعة الى التخلص من الاستعمار و بناء نموذج للدولة الوطنية التى اكثر ما يؤسف انها قامت كنسخ كربونى من الدولة الموروثة من المستعمر, فحمى التحرر الوطنى جعلت قادة وجماهير الدول فى شمال افريقيا وفى افريقيا جنوب الصحراء وفى اجزاء اخري من الوطن العربى تتشبث بالتوجه الاشتراكى المدعوم انذاك بقوة الستار الحديدي السوفيتى , اذن يمكننا القول ان مشروعات التحديث فى المنطقة عموما ولدت وهى تعانى من فصام سياسى فى التعامل مع الارث الانسانى فى عملية التطور التاريخى , فكان ان دخلت معظم الدول فى افريقيا جنوب الصحراء فى اعتلاء حكام ومتسلطون طبقا لنبوءة المهاتما غاندي الذى قال مخاطبا مؤتمر دول عدم الانحياز فى باندونق وموجها حديثه بشكل مباشر الى قادة حركات التحرر الوطنى فى افريقيا " انى اخاف على دولكم من الجيوش التى بنيتموها لمحاربة المستعمر" وقد كان فلم تسلم اي دولة فى افريقيا جنوب الصحراء من تسلط جيوشها باستلام السلطة فى اي وقت تشاء بل المدهش انه لايوجد من حكم فى تلكم الفترة دون سند فى تلكم الجيوش والذين حكموا بدونها سرعان ما انهارت سلطاتهم كما عندنا فى السودان. حتى وقت قريب لم تظهر كيانات سياسية او منظمات اخري تتحدث عن احترام حقوق الانسان و المطالبة بالديمقراطية بشكل مبدئى بل لم يفتح على شعوب المنطقة بقيام تيارات ليبرالية تؤمن بالديمغراطية وتعمل على ترسيخها فالتيار الذى كان غالبا فى معظم الدول اما ان يكون اليسار الماركسى فى افريقيا جنوب الصحراء او اليسار القومى العروبى فى الدول المصنفة عربيا , وعليه اصبحت القوي المنوط بها احداث التغيير نحو التحديث هى فى حد ذاتها لا تؤمن بالكثير من مدخلات التحديث المتمثلة فى احترام حقوق الانسان و انفاذ الديمقراطية و اشاعة الحريات , وظل التيار الليبرالى المنشود غائبا عن الساحة , لاحقا وفى الدول ذات الثقافة الاسلاموعربية نشات تيارات الاسلام السياسى التى لم تكن تري فى التحديث ضرورة او حوجة بل كانت تركز كل غضبها على ان المجتمعات مهددة بالانحراف نتيجة الى تمدد الاحزاب اليسارية ماركسية كانت ام قومية , الملاحظة التى لم اجد لها تفسير منطقى انه وفى بعض الدول فى افريقيا جنوب الصحراء توجد دول بها اغلبية مسلمة اكثر من دول عربية الا انها لم تعش تجربة الاسلام السياسى, فحركات الاسلام السياسى تري ان التحديث الممثل فى الديمغراطية وحقوق الانسان فى حد ذاته وبالا و خروج عن الطريق الصحيح للدين القويم, فالسنغال دولة بها اغلبية مسلمة مثل الكثير من دول غرب و شرق افريقيا لم تشهد تمدد الاسلام السياسى ونموه مثل ما شوهد ذلك فى الدول ذات الثقافة العربية مما يجعلنى اخلص الى نتيجة مفادها ان الاسلام السياسى يرتبط ارتباطا عضويا ووثيقا بمسالة الثقافة الاسلاموعربية بشكل ان وجود هذا الشرط يوفر مناخا خصبا لقيام الاسلام السياسى. عليه يمكن ان نضيف ان حركات الاسلام السياسى هى فى حد ذاتها لم تات ببديل وظلت لقرون طويلة تبنى خطابها على انقاذ الامم من ضلال الشيوعيين و العودة الى الجذور او التاصيل كما تمت المحاولة عندنا فى السودان واوصلتنا الى هذا المستوي البائس فى كل النواحى, بل ان حركات الاسلام السياسى اصبحت بما لايدع مجالا للشك انها فى حد ذاتها تمثل عائقا عضويا و موضوعيا الى اي تجربة تحديثية فى المنطقة ولا يمكن ان يتحقق هذا التحديث المنشود ما لم يتم هزيمة مشاريع الاسلام السياسى هزيمة فكرية و علمية و عملية و لا يجدي اي نوع من الهزيمة العسكرية ببساطة لانها باستطاعتها ان تتكاثر بشكل لولبى و تعيد بناء نفسها بواجهات جديدة , السؤال كيف يمكن ان يتحقق هذا التحديث فى ظل الحقائق التالية:- 1- طبيعة التطور التاريخى لمجتمعات ما قبل الراسمالية بسماتها الاساسية من سيادة روح القبلية و العشائرية و الطائفية الجهوية والتى ستفرخ نماذج المحسوبية و الا ستغلال الاستعلاء و تقسيم المجتمعات الى درجات فى المواطنة و من ثم دخول الحرب الاهلية التى خاضت معظم الدول الافريقية جنوب الصحراء فيها صولات وجولات وسنوات مريرة من الدماء والاقتتال و ما ان تسقط هيمنة مجموعة اثنية حتى تعتلى مجموعة اخري على السلطة لتخرج الاخري الى ميادين المعركة املا فى استعادة السلطة لتوظيفها لمصلة نفسها اولا. 2- غياب تيارات ليبرالية حقيقية سواء ممثلة فى منظمات المجتمع المدنى احزاب و منظمات و جماعات وذلك ببساطة لان مثل هذه التيارات هى التيارات التى لها قدرة ولها مصلحة موضوعية فى تحقيق التحديث , الكثير من البنيات الاجتماعية الاخري لها مصالح لا حدود لها فى بقاء الاحوال على ماهو عليه بما فى ذلك القوي التقليدية ( اثنيات سياسية, طوائف, ) و قوي الاسلام السياسى.
هنالك الشق الاكبر من المعادلة – الجانب الاقتصادي و مشاكل التنمية و التخلف و المجاعات و غياب فرص العمل كل هذا فى ظل عالم يموج حراكا فى ظل ما يعرف بالعولمة الثقافية و الاقتصادية و اخرها العولمة السياسية ممثلة فى مشروع التحديث الامريكى المقترح لدول الشرق الاوسط. المعلوم بداهة ان الاقتصاد يرتبط ارتباط تلازمى بالفعل السياسى اذ ليس من المتوقع ان تتحقق طفرات اقتصادية فى ظل وجود تخلف سياسي يقوم على الاستغلال و الاستعلاء و الاستئثار بخيرات البلاد لمصلحة مجموعات بعينها فالطبيعى هو ان تتواجد الحروب الاهلية فى حالة وجود مثل هذه الاشكالات وما ان وجدت حروب اهلية فلابد ان تتواجد الكوارث بشكلها الكلى من مجاعات وازمات اقتصلدية فالمنطقى هو ان توظف السلطات الحاكمة الموارد المتاحة لها فى التسليح و الحرب و عليها تصبح مسالة الشق الاقتصادي فى تحديات التحديث هى نتيجة اكثر منها اشكال قائم بذاته وان كان للاقتصاد اهميته التى لا حدود لها فى الوجود والاستمرار. اذا عقدنا مقارنة بسيطة بين افريقيا جنوب الصحراء بما فى ذلك الدول التى توجد بها اغلبية من المسلمين و غيرها سنجد انها تتميزبنفس الخصائص والسمات التى تميز المجتمعات فى افريقيا شمال الصحراء و بعض الدول العربية باعتبار انها تنتمى الى منظومة المجتمعات ما قبل الراسمالية وان كان بعضها قد حقق طفرات اقتصادية نتيجة للثراء الطبيعى الذى تتمتع به من بترول و غيره. هنالك الحروب الاهلية التى تتداخل فيها ايادى الدول المجاورة بمستويات متفاوتة( فى الكنغو الديمقراطية فكل من يوغندا و رواندا وبورندي لها باع فى الصراع) الا انه ورغم ذلك ورغم التخلف وارتفاع معدلات الامية و الكوارث الاقتصادية الا انها تمضى فى مشوار التحديث بخطوات متسارعة بكثير مقارنة بدول الشمال الافريقى والدول العربية فتجارب التحول الديمغراطى فيها قطعت شوطا بعيدا فنيجريا اليوم تعتبر من الدول الرائدة فى مجال التحول الديمقراطى و غيرها العديد من دول غرب ووسط افريقيا و فى شرق افريقيا تعتبر تجربة الانتخابات الكينية الاخيرة من العبر التاريخية للتبادل السلمى للسلطة فالحزب الحاكم قبل بشروط اللعبة الديمقراطية ولم يبدى اي تعنت فى التحول الى مقاعد المعارضة فى البرلمان الكينى بعد خسارته للانتخابات بعد ان حكم البلاد ردحا من الزمان ورغم ذلك هنالك العديد من المشكلات والتحديات التى تواجه دول المنطقة , فالدول الافريفية استطاعت ان تتحمل مراحل المخاض و الولادة العسيرة للتيارات الليبرالية فى ظل واقع اجتماعى متخلف الى مسوي بعيد, ويبقى تحدي دول الشمال الافريقى و دول الشرق الاوسط التى حاربت فيها الانظمة الملكية و انظمة الحزب الواحد والديمغراطية الصورية دورا كبيرا فى اغتيال كل اللبنات الاولية للتيارات الليبرالية الحقيقية وهى التى كان بامكانها مواجهة خطاب الاسلام السياسى المتعاظم النموء فكريا , ونموء تيارات الاسلام السياسى يرجع الى عدة اسباب من بينها غياب الحريات و الهزيمة الحضارية للوعى الاسطوري الذى ينتج مثل هذا النمط من التفكير الا انه تبقى الحقيقة العملية والموضوعية ان هذه التيارات ان ارتضت الديمقراطية الا فقط للتخلص من الكبت و الملاحقة التى تتعرض لها من قبل السلطات كما فى مصر و ليبيا ونونس والجزائر والمغرب فى المغرب اي فى الجزء الافريقى من الدول العربية و بالمثل فى سوريا العراق , و المنطق يقول ان هذه التيارات لا تري فى الديمغراطية خيارا نظريا وعمليا لممارسة حقها فى التعبير وفى التطلع الى السلطة بل هى سوف لن تتردد فى الاتغضاض على السلطة و باي طريقة متى ما وجدت الى ذلك سبيلا كما حدث فى السودان فظلت تيارات الاسلام السياسى تتشدق بالديمقراطية سنينا عددا وكتبت عنها فى نظامها الاساسى الا انها ذبحت الديمقراطية فى اقرب منعظف تاريخى و لعل اشكال هذه الحركات مع الديمقراطية يتمثل فى الخلفية الفكرية لهذه الكيانات التى تري فى النموذج الغربى للديمقراطية التعددية ضلالا واحتكام لغير الله كما ظلت وما زالت تردد شعارا مثل الحاكمية لله, وعليه يمكننا ان نقول ان الدول الافريقية استطاعت ان تخطو فى مشروع التحديث خطوات والطريق امامها متسع برغم الاشكالات الاقتصادية و الحروب كغيرها من دول الثقافة الاسلاموعربية التى بعد ان تقتنع السلطات المتسلطة فيها باتخاذ الديمغراطية التعددية مدخلا للتحديث فى مجتمعاتها ستظل تواجه بانها لم تبق شيئا من التيارات التى كان بامكانها الاضطلاع بمهمة التغيير والمرور بمرحلة المخاض التاريخى و سيظل التحول الديمقراطى مهدد بوقوف حركات الاسلام السياسى فاغرة فاهها للاستفادة من فرص التحول بشكل تكتيكى و ربما ستنغض الى السلطة ما ان تحيا وتقوي شوكتها , ولعل الامر الغير مرئى لدي القوي المنادية بالتحديث فى الدول العربية ان العالم اخذ شكلا جديدا بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر, فاعتقاد البعض بان القوة و الحصار وحده يكفيان لمحاربة نموء و تكاثر تيارات الاسلام السياسى لهو عين الخطا فاستمرار هذه الوضعية و هذا الحصار الحضاري وفشل قيام التيارات الليبرالية الناجحة و الاستقطاب الحاد الذى ياخذ بعدا فى العالم يوميا واخره بتفجيرات قطارات مدريد سيجعل من الكثيرين يتطرفون ومن ثم هم عبارة عن خام جيد لتيارات الاسلام السياسى و من بعده الارهاب وذلك ببساطة لان هذه الشعوب لا تجد خطابا تحديثيا مغايرا و تعانى من الهزيمة الحضارية و فوق كل ذلك تصنف فى كل مطارات الدنيا بمجرد حملها لاسم فيه ارتباط بالاسلام. ففى حقيقة الامر ان مسالة التحديث فى هذه المجتمعات ستمر بمنعطفات صعبة و خطيرة و لا يمكن هزيمة الاسلام السياسى الا بواسطة حصار شعاراته و برامجه ومحاكمتها علميا وعمليا او افساح المجال لها للوصول للسلطة لتحقق الفشل بنفسها و تفقد سندها الجماهيري وهذا بالضبط ما حدث فى السودان, ويبدو اننا برغم كل المصائب التى حلت بنا الا اننا كشعب عاش تجربة الاسلام السياسى فى اعلى هياكل السلطة و اثبتت التجربة فشلها و تمزقت وتفرقت ايدى سبا فهذه رسالة الى كل حركات الاسلام السياسى المتطلعة الى السلطة فى المنطقة فالسودان قدم درسا مجانيا لشعوب المنطقة و لكن كان الثمن موت اكثر من اثنين مليون نسمة و حرب فى اكثر من سبع جبهات و تشرد اكثر من ثلث السكان فهل لنا و لغيرنا ان نتعلم شيئا من هذه التجربة. فى تقديري ان اي مشاريع ا لتحديث ستمضى كضرورة حياتية تقتضيها الحاجة و المنطق و طبيعة النظام الاقتصادي الذى ساد وسيسود العالم فى السنوات القادمة فتجارب التسلط التى لا تحمل سوي شعارات كاذبة من يمينها باسلامه السياسى كما فى السودان الى يسارها القومى كما كان فى العراق وفى سوريا حاليا و بدعواها الوطنية كما هو فى مصر لم تعد تملك شيئا لتقدمه للاستمرار سوي مزيدا من القهر و التسلط الذى لا اعتقد ان العالم سيفسح له مجال , فالساعة قد ازفت سواء استوعبت هذه الحكومات ام لم تستوعب ويبقى امامها خيار المبادرة و فتح النوافذ و العمل والمساعدة فى تخلق تيارات ليبرالية تضطلع بمشروع التحديث لتكف بلدانها شر انغضاضة الاسلام السياسى و تبقى افريقيا جنوب الصحراء متقدمة على الركب فى المنطقة و خصوصا على شعوب الثقافة الاسلاموعربية ويبقى السودان مشروعا مهيئا بكل المقاييس للعب الدور التاريخى لوداع التسلط والديكتاتوريات و دولة الحزب الواحد والرجل الواحد بعد ان جرب التسلط باسم اليسار و المصلحة العامة و بعد ان جربه من الهواة و المغامرين وبعد ان جربه من قوي الهوس و الحروب المقدسة بل ان السودان يملك التخلقات التاريخية لبروز تيارات ليبرالية يمكن ان تلعب قوي السودان الجديد دورا رائدا فى انضاجها و الاخذ بيدها لتسهم ايجابا فى مشروع التحديث مستوعبة طبيعة المجتمعات الماقبل راسمالية التى رزحت بما فيه الكفاية تحت نير الاستغلال والتسلط و الاستعلاء والتقسيم لدرجات المواطنة ما بين اسياد بلد و هامش يحكم ويساس(بضم الياء والسين) و لا يحكم ولا يسوس.
بكري الجاك
|
|
|
|
|
|