|
نحو فهم واضح للعلمانية
|
(الحلقة الأولى) صلاح نيوف
مدخل: ضرورة قراءة العَـلـْمـَانية
العديد من الناس يعتقدون بإله واحد. الآخرون في أكثر من إله. و آخرون يرفضون الإعلان عن هذا. و أخيرا هناك من لا يؤمن نهائيا. لكن الجميع يعيشون معا. وهذه الحياة المشتركة، منذ الإعلان الأول لحقوق الإنسان، يجب أن تضمن للجميع وفي نفس الوقت حرية المعتقد و المساواة في الحقوق. حرية المعتقد تستبعد كل خوف ديني أو إيديولوجي. أما المساواة في الحقوق فهي تتناقض مع إعطاء قيم مميزة و امتيازات لاعتقاد ما، أو حتى للملحدين.القوة العامة public power،هي شيء مشترك للجميع إذا عليها أن تكون حيادية (neuter في اللاتينية) على صعيد جميع الأديان و الطوائف، وتعني كما وردت في اللاتينية "لا أحد و لا الآخر". هذه الحيادية الطائفية أو الدينية هي في نفس الوقت ضمان للإنصاف، النزاهة و التجرد و هي شرط من أجل كل واحد، مهما كانت قناعاته الروحية ( نزعة إنسانية ملحدة أو نزعة إنسانية دينية على سبيل المثال)، من أجل التعايش و التعارف في "الجمهورية"، الدولة أو المدينة، حيث كل الأفراد أو الأعضاء في المدينة يتواجدون على قدم المساواة. لكن، إذا حرية العقيدة استبعدت كل عقيدة إجبارية أو تمنع العقائد الأخرى، لا يمكن تعريفها هنا بشكل سلبي. تعريفها الإيجابي يعني تحملا أو تقلدا لإشكاليات الاستقلالية الفكرية و الثقافية. أيضا فيما يتعلق بالمساواة بالحقوق، حيث عليها ضمان هذه الاستقلالية. الانعتاق العلماني لا يمكن إذا اختصاره إلى أحكام قانونية أولية أو في حدها الأدنى، ولا في امتناع الدولة عن التدخل. هذا الانعتاق يدعو قبل كل شيء إلى مقياس واحد في جميع الحقول أو المجالات. إن العلمانية التي علينا المطالبة بها تضم جانبين أساسيين: الأول يتعلق بتنظيم "المدينة" وهي العلمانية السياسية، والثاني يرتفع و يرتقي بإدراك وتصور الحياة. الدولة العلمانية، هي تلك التي تحقق فصلا فعليا وحقيقيا بين الفضاء العام و مؤسساته (التي هي إرث مشترك)، و بين المؤسسات الدينية " كنيسة، جامع...الخ" ومعها القناعات الدينية أو الفلسفية المختلفة ( التي تعود للفضاء الخاص للمواطن ). إنه الشيء الوحيد الذي يضمن المساواة بين المواطنين مهما كانت قناعتهم كما يضمن نزاهة وتجرد السلطة. إنه الضمان الوحيد لحرية كاملة في الاعتقاد والإيمان، و حرية في التفكير... وفي الدين أيضا. الدفاع عن مبدأ علمانية الدولة و عن السلطات العامة ليس خاصية أو إقطاعية لمجموعة من المؤمنين فيها أو لمجموعة من الملحدين الذين يرون أنهم ناطقين باسمها، ولكن لأنه لا يوجد حرية دينية خارج الدولة العلمانية. منذ أن تصنف الدولة بشكل علني أو ضمني أنها كاثوليكية، إسلامية، مسيحية، يهودية أو ملحدة فهذا كله ضد العلمانية لأن حتى الدولة الملحدة هي ضد العلمانية و تتساوى بذلك مع الدولة الثيوقراطية. فمع هذا التصنيف أو التعبير عن الدولة نكون قد أصبحنا " ما تحت المواطنة " و خاصة فيما يتعلق بالأقليات التي لا تنتمي إلى الدين أو الطائفة الرسمية السائدة. في الواقع هناك استحالة مطلقة لقيام أية ديمقراطية من غير علمانية سياسية وهذا المتطلب هو مشترك بين جميع الديمقراطيين كانوا ليبراليين، مسيحيين، إسلاميين أو إسرائيليين. ضمن هذا المعنى، العلمانية ليست فريقا صغيرا sous-groupe في المجتمع سيتفق على " الاعتراف " بفريق آخر، بل إنها مبدأ لتنظيم الأشياء العامة المؤسسة على رؤية كلية شمولية للمجتمع. ولكن بمعنى آخر، نفس الكلمة "العَلمانية" تنظر ليس فقط إلى متطلب يتعلق بالتجرد و النزاهة أو إلى استقلالية كاملة للسلطات العامة تجاه القناعات الدينية أو الفلسفية، ولكن أيضا مفهوم للحياة حيث الأسس المكونة لحياتنا ( الدولة و المجتمع ) ليست طائفية بل هي غريبة عن كل مرجعية سماوية، ما فوق طبيعية surnaturelle أو متعالية.هذا المعنى الثاني هو في نفس الوقت أكثر اتساعا ( حيث أنه يتضمن أكثر من متطلب "سهل" للفصل بين الدين والدولة ).إنه ضمن هذا المفهوم هنا، نحن نستطيع أن نستخدم المصطلح "علمانية " عندما نعرّف " بفتح الراء" أو يتم تعريفنا بشكل فردي individuel. هذا المفهوم للحياة يتضمن ليس فقط الانعتاق بالنسبة لتقاليدنا الدينية و متعلقاتها القديمة archaïsme، و لكن بالتحديد أيضا هو الانتماء إلى " كل" القيم الإيجابية : الإنسانية، حب الآخر، المواطنة، الانعتاق، الاستقلال، السعادة، العدالة والقدرة على التمرد. مع هذه الأشياء نجرب بناء أخلاق جديدة بعيدة وغريبة عن كل متعال أو ما فوق طبيعي غير إنساني. هذا المفهوم للحياة ليس دين آخر، يمكن أن نضع مقاربة واحدة له هي الإلحاد. إنه يضم بشكل جوهري جانبا إنسانيا وبعدا أخلاقيا. في كلمة واحدة، إنه انشغال و اهتمام بالمعنى و الجوهر الذي يمكن أن نعطيه لوجودنا و سلوكنا. كما أنه ليس بحثا لوجود مسبق " مزور" أو مجرد abstrait "سماوي "، بل بناء متعب لوجودنا الخاص فينا كبشر. هذه العلمانية يتم الحصول عليها من "روحية أنسيّة" spiritualité humaniste مركبة و مؤلفة في "إعادة تنظيم أو تهيئة" مثالية للديني، كما يرى "إدوار ديل رويل" في كتابه " العلمانية، إنسانية كثيرة الإنسانية"، أو من مفهوم هو مادي بشكل جوهري. و الحوار حول كل ذلك يبقى مفتوحا. ما هو يقيني، أن العلمانية كمفهوم فلسفي ليس طائفي ليس من شانه " التمأسس " institutionnalisation، لأنه كما هو في الواقع على ضوء النساء و الرجال الذين يقتسمون معنا نفس المتطلبات من الديمقراطية السياسية و من التعددية، فإنه ليس من الضروري أن يتقاسموا معنا قيمنا وفي كل الأحوال لهم رؤيتهم المختلفة ( الطائفية ) لأساس هذه القيم. و لكن نحن نطلب أن يكون هذا المفهوم للحياة " معترفا به " و كأنه شرعي مثل المفاهيم المأخوذة أو التي استلهمت من هذه أو تلك العقيدة الدينية، وأن العلمانيين ( اللاأدريين، الغنوصيين، الملحدين، الماديين...الخ ) يحصلون كمواطنين و بشكل كامل على نفس الحقوق التي يحصل عليها مواطنوهم الآخرون من ذوي القناعات الدينية أو الطائفية. تلك النظرة الإجمالية لمبدأ العلمانية تأخذ شكل الحقيقة: حيث لا يمكن الإجبار و الفرض على الجميع، و المراجع المشتركة ( الدولة، المجتمع، الدستور، الخ ) عليها أن تكون متحررة من الوصاية التي تفرض امتيازا معينا. وحتى تكون كليا مقبولة أو مؤكدة، تلك الحقيقة تستوجب شرطين متزامنين تحقيقهما يبين الطابع الإيجابي للعلمانية: الأول، أن القوة العامة public power أو ) puissance publique، بالفرنسية ) مكشوفة موضحة أو ملكا للجميع و توضع قبل كل شيء في مقدمة ما يوحد الجميع ( وهذا مبدأ عالمي، حيث يخضع لنظرات و آراء مختلفة ووفق المجتمعات وثقافاتها ). ثانيا، كل واحد يتعلم طريقة العيش أو القناعة التي يريدها وتناسبه بشكل يكفي للبعد عن التعصب و اللاتسامح (مبدأ للتمييز الداخلي يشمل أو يضم التسامح الأهلي المدني، ويجعل بالإمكان المناقشة و الحوار ضمن الفضاء العام ). من ضمن هذه النظرة الإجمالية للعلمانية، أن العلمانية ليست نظاما للاختيار الروحي الخاص، لكنها تشكل شرطا لإمكانيته، وهذا ما يسميه Kant نطاقا استعلائيا transcendantal وهي صفة لمجموعة المبادئ المتعلقة بالفكر من دون غيره، و هي ذاتية من تجربة خاصة. " أما transcendantalisme فهي فلسفة اتبعت في مدرسة أمرسون الأمريكية والتي كانت لها ما يسمى الصوفية الأحادية". نضيف لهذه النظرة، أن العلمانية هي إمكانية عالم مشترك للبشر و التي هي في حالة رهان، إنها الهدف المنشود لكل ما يستطيع توحيد هؤلاء البشر بالرغم من اختلافاتهم الروحية مع استبعاد كل إشكال الامتيازات التي بدورها تؤدي إلى العنف. فالأديان الثلاثة الكبرى " التي لديها كتب " استوحت و استلهمت العنف الذي ينتج عن إرادة فرض" كتبها" على الجميع. و هذا ما جعل من كل واحد منها إما ضحية هنا، حيث وقعت تحت هيمنة معينة، أو جعله مصدرا للاضطهاد هناك حيث كان مسيطرا. و ارتداد الأمواج حاليا، و الذي يبدو أنه وضع الأضواء فوق المسلمين فقط، لا يمكنه أن يجعلنا ننسى كل التاريخ. كيف " تعيش الاختلافات " من غير التخلي عن اقتسام المراجع أو "الاستنادات" المشتركة التي هي الدولة و المجتمع ويمكن إضافة الدستور؟ سؤال له مقدار كبير من الأهمية خاصة اليوم حيث التعددية من خلال قناعاتها يمكن أن تشير إلى ذلك بفسيفساء من المجتمعات الخاصة، فالأعضاء و كأنهم تخلوا أو " زهدوا " ببعض اختلافاتهم، بسبب الأخطار المواجهات بين هذه التجمعات أو الجماعات الخاصة وعلينا أن نتخيل حجم الخطر من هذه الاصطدام. المجتمع السياسي التي تسميه التقاليد السياسية " المدينة "( في الإغريقية polis و في اللاتينية civitas ) أخذ اسم "الدولة " في مفردات القانون، و هذا تمييز دقيق و جوهري عن " الحكومة" التي يدار من خلالها. العلمانية تتعلق بمبدأ توحيد الناس أو الأفراد داخل هذه الدولة. تفترض العلمانية تمييزا في القانون بين الحياة الخاصة للإنسان كما هو، و بعده dimension العام كمواطن: إنه كإنسان خاص، في حياته الشخصية، الإنسان يتبنى قناعات روحية، دينية أو لا، و يمكن أن يتقاسمها مع الآخرين : ولكن انطلاقا من هذا، القوة العامة public power عليها ألا تخاف إذا كان التعبير عن القناعات و الطوائف يبقى متماشيا مع حق الآخر. سنلاحظ أن هذا " الانشطار" أو القدرة على الحفاظ عليه ليست عملية سهلة التطبيق دائما، خاصة أنه لم يعرف أو يعترف به كتشريع إلا في العديد من المفاهيم المتعلقة بالقانون، بسبب القلق من استقلالية الفرد، بينما العلمانية تبحث عن التضامن بين الأفراد. من هنا أهمية أو ضرورة دراسة العلاقات بين القانون و التاريخ، حتى نعيد الأخذ بالحسبان تاريخ المقاومات لفكرة العلمانية، و تقلبات مسيرة الانعتاق العلماني. من هنا أيضا الفائدة من قراءة الظواهر الاجتماعية، السياسية و الثقافية التي يمكن أن تؤثر في وضوح الخط الفاصل بين المنطقة الخاصة و المنطقة العامة فيما يتعلق بمسيرة حياة الإنسان.فالدين حملت مسؤوليته و تقلده، ومن ثم أصبح رمزا، معطينا له " نحن البشر" ترجمة أو رواية خاصة، أو شكلا من المتطلبات تجعله سابقا في الوجود أو موجودا من قبل préexistence .
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: نحو فهم واضح للعلمانية (Re: Sabri Elshareef)
|
نحو فهم أوضح للعلمانية (2): الكلمة، المفهوم
مفاهيم تحتاج لإعادة قراءة يظهر تناول مصطلح و مفهوم العلمانية النزاع " العربي" على محاولات تعريفها و دلالاتها و المغالطات في الطريقة التي استخرجت بها من سياقها الغربي. و المتتبع لتناول قضايا العلمانية وتشعباتها الفكرية أو الاصطلاحية ربما يصل إلى نتيجة بأن أحد أهم أسباب معاداة العلمانية في العالم العربي هو الجهل بها أو خلطها مع مفاهيم و مصطلحات الحلقة الأولى أخرى. سنتناول هنا بعض التعريفات الخاطئة المنتشرة بين أوساط المهتمين بالعلمانية و الذين أسسوا عداوة فكرية معها بناء على هذه التعريفات التي تحتاج إلى إعادة قراءة. على موقعه على شبكة الانترنيت يرى الدكتور عبد الوهاب المسيري أن مصطلح العلمانية " ما يزال مصطلحا غير محدد المعاني و المعالم و الأبعاد "، ثم يقدم للقارئ ترجمة بأن " العلمانية " : هي ترجمة لكلمة " سيكولاريزم Sécularisme " الإنكليزية وهي مشتقة من كلمة Saeculum و تعني العالم أو الدنيا و توضع في مقابل الكنيسة، أما هذا المصطلح فقد استخدم لأول مرة في عام 1648 وهو تاريخ معاهدة وستفاليا التي أنهت الحرب الدينية في أوربا و إعلان بداية ظهور الدولة القومية " أي العلمانية ". انتهى كلام الأستاذ الدكتور المسيري. أما الشيخ الدكتور سفر الحوالي، يرى في كتابه " العلمانية نشأتها و تطورها و آثارها في الحياة الإسلامية المعاصرة " : " أن لفظ العلمانية ترجمة خاطئة لكلمة Sécularisme في الفرنسية و كلمة secularity في الانكليزية، والترجمة الصحيحة لها هي اللادينية أو الدنيوية لا بمعنى ما يقابل الأخروية فحسب، بل بمعنى أخص هو ما لا صلة له بالدين، أو كانت علاقته بالدين علاقة تضاد"، ( وسنرى من خلال النص القادم مدى دقة الرؤية و التحليل لديه ). و الترجمة الصحيحة وفق الدكتور سفر الحوالي هي " ما تورده المعاجم و دوائر المعارف الأجنبية للكلمة"، ثم يقدم الدكتور الحوالي تعريف دائرة المعارف البريطانية لهذا المصطلح secularism وهو حركة اجتماعية تهدف إلى صرف الناس وتوجيههم من الاهتمام بالآخرة إلى الاهتمام بهذه الدنيا وحدها، انتهى كلام الدكتور الحوالي. أما في بعض الدول العربية هناك تكفير لكل علماني لا بل شيدت قلاع على شبكة الانترنيت لمحاربتها ومن ينتمي إليها فهي حسب الكثيرين تشبه الشيوعية في الإلحاد و إنكار الذات الإلهية. ومن هنا لابد من محاربتها وفق هؤلاء، لذلك عمدوا لتقديمها و تعريفها بشكل خاطئ و مزور و مشوه هدفه تأليب التلاميذ في الجوامع و المدارس الدينية على فكرة العلمانية، علما أنها ليست حزبا سياسيا أو جمعية للدفاع عن حقوق الإنسان أو جماعة تهدف لحرف الناس عن دينها. فهل بالفعل العلمانية مصطلح غير محدد المعالم و الأبعاد؟ وهل ترجمتها صحيحة؟ وهل استخدمت لأول مرة في عام 1648؟ أو أن العلمانية هي اللادينية أو على تضاد مع الدين أو تعني الدنيوية؟ و هل العلماني كافر و العلمانية تمزق المجتمع وتفرقه كما يرى المشايخ و الخطباء؟
أولا : بالنسبة لمصطلح Sécularisation Sécularisation، هي الصيرورة التي تشير إلى المرور المتقدم من مجتمع طائفي إلى مجتمع مدني علماني. هي في العموم ظاهرة طبيعية ترافق الحداثة أو تحديث مجتمع ما. هذه الظاهرة Sécularisation لا تتوقف عند تطور سياسي و مؤسساتي للمجتمع، تطوير عقلية و تفكير الأفراد هو من أهم أسس هذه الظاهرة. أيضا هي نزع صفة القداسة عن كثير من ميادين العلوم أو التنظيم الاجتماعي.كما أنها ليست لا دينية أو ضد الأديان، فمعظم من نظروا لها أو كتبوا عنها، أكدوا على أنه لا يمكن بناء مجتمع " دنيوي إذا شئتم" من خلال منع الأديان أو قمعها. يؤكد هذا جان جاك روسو في كتابه الشهير"العقد الاجتماعي" مشيرا إلى أهمية البعد الديني في كل مجتمع : " إنه ينبغي على الدولة أن كل مواطن لديه دين يجعله يحب واجباته، لكن المعتقدات في هذا الدين لا تهم الدولة ولا أعضاءها إلا بقدر ما تحمل هذه المعتقدات إلى الأخلاق و الواجبات تجاه الآخرين ". أيضا روسو له رؤية ليبرالية " للدنيوية " : " الدين هو عامل استقرار في المجتمع و للدولة ". ولكن هذا الاستقرار و الذي الدين ضروري لأجله " لا يستطيع أن يوجد إلا بفصل كامل بين الدولة و الدين".
ثانيا ـ العلمانية.. المفهوم و الكلمة الأصل الاشتقاقي لكلمة " العلمانية " Laïcité غني جدا و واسع. المصطلح الإغريقي Laos، يشير إلى وحدة شعب، يعتبره كلا غير قابل للانقسام أو التجزئة indivisible، و العلماني هو إنسان الشعب، الذي ليس لديه أي امتياز يميزه أو يضعه ويرفعه فوق الآخرين : لا دوره كمسؤول عن إدارة شؤون معتقد ما، ولا سلطة قول وفرض ما يقتنع أو يؤمن به. يمكن أن يكون مؤمنا بسيطا بمعتقد معين، ولكن أيضا هو الذي يستطيع أن يتبنى رؤية من العالم الغير مؤمن أو الملحد، حيث القناعة المؤسسة تختلف أو تتميز عن تلك التي يستلهمها الدين. وحدة العلمانية أو Laos هي في آن واحد مبدأ للحرية و مبدأ للمساواة. المساواة تؤسس على الحرية في المعتقد. وهذا يعني هنا أنه لا يوجد أية قناعة روحية يجب أن تمتلك اعترافا خاصا، أو امتيازات مادية أو رمزية الحصول عليها سيؤدي بشكل طبيعي corollaire إلى التمييز. إذا المعتقد لا يستطيع ولا يجب أن يكون مغتصبا " بفتح الصاد "، فهذا يعني أن يتبنى قناعاته بحرية، وهذه الحرية ستكون واحدة بالنسبة لجميع الأفراد. ( يمكن مراجعة كتاب، دافيد هيوم، " حوارات حول الدين الطبيعي" بريطانيا 1987) وحدة العلمانية أو Laos تفهم بالتعارض مع فكرة الجماعة الخاصة، هذه " الجماعة الخاصة " تنفصل و توضع خارج الآخرين، يكون لديها حقوق و امتيازات خاصة، بل دور المشرف أو الزعيم على الآخرين.ولكن بين الخير المشترك و الناس، لا امتيازات لأحد أو لا يمكن التدخل. ضمن السياق المعاصر أو الحديث، ومن أجل التبسيط، نستطيع القول أن القناعة الخاصة للآخرين، مهما كانت من طبيعة دينية أو غيرها، لا يمكن و لا يجب أن تفرض على الجميع.الوحدة المرجعية للعلمانية ليس لها إذا أي أساس آخر سوى المساواة بين الأعضاء الذين لديهم قناعات مختلفة: إنها تمنع أن تصبح طائفة أو جماعة خاصة قاعدة عامة و تصدر قواعد للسلطة على الجميع. إنها تدعو لأحكام قانونية، تلك التي تسمح بالتعبير الحر عن كل اختيار روحي ضمن الفضاء العام، على ألا يكون " الاختيار" ناتج عن سلطان أو نفوذ ما. المساواة، الحرية : الإضاءة الاشتقاقية لمفهوم العلمانية تسمح إذا بتلخيص تعريف العلمانية الإيجابي. العلمانية هي التثبيت و التأكيد الأصلي و الأساسي للشعب كوحدة أو اتحاد من الناس الأحرار و المتساوين. الحرية المقصودة هي بشكل جوهري حرية الاعتقاد، و التي لا تخضع لأي قانون في الإيمان"credo " أو عقيدة إجبارية. أما المساواة هي تلك التي تخص أوضاع الأفضليات préférences الروحية الشخصية. ملحد أو مؤمن، موحد أو مؤمن بعدة آلهة : و في أي حال من الأحوال لا يمكن و ليس بالإمكان تأسيس طبقة hiérarchie على أي اختيار نختاره من بين أوضاعنا الروحية السابقة. فالعلمانية هي المجتمع السياسي في داخله كل منا له وجوده و يضمن الاعتراف بنا جميعا، و الاختيار الروحي يبقى شأنا خاصا. هذا " الشأن الخاص" يمكن أن يأخذ بعدين : الأول هو شخصي بشكل قوي وكبير و فردي أيضا، الثاني جماعي ( ولكن في هذه الحالة المجموعة التي تشكّل بطريقة حرة لا يمكنها الادعاء بالتكلم باسم الآخرين أو باسم المجتمع ككل)، ولا احتلال , أو استعمار الفضاء العام لصالحها. لماذا؟ لأن الارتباط هنا ضمن مجموعة أو طائفة أو دين هو شخصي وليس باسم المجتمع المشترك الذي يربطنا جميعا. الفضاء العلماني المفهوم و المدرك لا يبنى من خلال إلحاق أو إضافة " الاختلافات المجتمعة "، ولكن بتنمية مخطط " مرجع " يتفوق عليها " أي على الاختلافات " ولكن لا ينكرها، لأنه " هذا المخطط المرجع" يقدم متطلبات مختلفا كليا عن مكوناته أو عن الأجزاء التي تكونه التي هي الاختلافات المجتمعة. المراجع المشتركة للجميع، موجهة للرقي و الارتفاع بكل ما يوحد الناس،ومن جانب آخر، اختلافاتهم لن تكون مطبوعة بطابع الاختيار الخاص لكل واحد، ولا تمتص " بضم التاء" في فسيفساء من " الهويات الجماعية"، من غير أن نعرّض للخطر وظيفة الدولة كعامل في تعميم أو إشعاع القيم. معاينة أو تحليل أكثر فأكثر يأخذ أهمية في مجتمعات توصف أو يمكن أن ندعوها " متعددة الثقافات" multiculturalisme أو تعددية ثقافية pluralisme culturel، من غير أن تبتعد هذه المصطلحات كثيرا عن الغموض و الذي يشار إليه على أنه أكثر ارتفاعا من مفهوم الثقافة. غموض يشبه في معنى واحد مفهوم"الهوية الجماعية". و لكن ألا يوجد،عكس ذلك،هوية إلا الهوية الفردية؟ سؤال سارتري " من جان بول سارتر" و الذي يمكن أن يبطل كل الحتميات المتعلقة بالهوية، و يعلن أو يسجل الانعتاق العلماني للشخص الذي يعيش في إحالة إنكار لقدره. الحيادية الطائفية للدولة العلمانية لا يعني أنها من الآن فصاعدا غير متحيزة أو مكترثة بكل قيمة أو مبدأ. على العكس من ذلك. في الواقع، الاختيار المتزامن لحرية المعتقد و المعزز بمعرفة " انعتاقية "، للمساواة في الحقوق والمعلن عنها في كل قوانين و إعلانات و بيانات تأكيد حرية التعبير عن الذات، لتعميم فضاء من المرجعية و الخير للجميع، ليس له تأثير على إزالة الأنسجة الحية نسبيا للدولة dévitalisation المدركة و المفهومة " كمدينة سياسية". إنه من جهة أخر لغريب جدا أن الحديث المعادي للعلمانية يستطيع بحركة واحدة اتهام " العلمنة " laïcisation بإنضاب الإلهام الأخلاقي للدولة و بتقديس العلمانية. فيما يتعلق بخيبة أمل العالم المنقولة إلى الدولة و التي أشار إليها " ماكس فيبر"، لا بد من الإشارة أنه لم يكن هناك في البداية معنى أو إحساس ضياع المعالم، و لكن إنها إعادة تعريف للحالات و الأوضاع و النماذج لهذه المعالم. ( يمكن مراجعة الكتاب الشهير، لماكس فيبر " الأخلاق البروتستنتية و روح الرأسمالية ) حيادية الفضاء العام العلماني لا يمكن إذا نسبه إلى خطأ أو سوء بالفهم : إنها لا تشرح وتوضح أية نسبية، و لا تختصر بكل تأكيد إلى عملية قانونية تعسفية يقوم بها حكم قضائي أو أحكام قانونية " تدير التعددية الدينية". فالحيادية الطائفية ليست إلا وجه آخر للميدالية و التي هي متجردة من قلق التعميم و القيم المشتركة للجميع. إذا هي ليست متعارضة مع التعددية، بل تساعد في إمكانيتها ونشرها، كما أنها ليست متعارضة مع فصل الديني عن السياسي، لأن هذا الفصل يشكل لها بنفس الوقت شرطا وضمانا. بالاستناد إلى ما سبق، يوجد شكلان للسخرية من هذه الحيادية. إما أن نعطي امتيازا مفتوحا أو جانبيا لطائفة معينة. مفتوحا : مع دين الدولة، جانبيا : عبر نظام متصالح معها. و إما أن نترك الفضاء العام بكليته للاستثمار أمام الطوائف، و الجماعات الاستئصالية العنصرية والتي تميز بين ملحد و مؤمن،وهنا نخاطر بالقضاء على المراجع العامة المشتركة تحت فسيفساء الخصوصية المعترف بها و المكرسة فعلا. الفضاء العلماني إذا ليس متعدد الطوائف و ليس بطائفة واحدة : إنه غير طائفي. فكرتان كبيرتان لا بد إذا من إدخالهما في الفضاء العلماني. أولا، وضع خط فاصل بين المشترك للجميع، و بين الحرية الفردية، أو الحياة الخاصة. ثانيا، سيادة الإرادة التي هي مصدر قواعد الحياة المشتركة. جان جاك روسو، أصر على أن " المجتمع الإنساني عليه أن يكون اتحادا حقيقيا، على أعضائه الموافقة على المبادئ التي تؤسسه. هذه الموافقة توجد وفق أشكال متعددة، حيث تبنيها من خلال التصويت على دستور معين هو الشكل الأكثر وضوحا، ولكن إذا التوافق على الحياة المشتركة لم يصدق عليه من خلال المبادئ القانونية التي تنظم الحياة المشتركة فإن هذا الشكل لن يكون له قيمة وسيكون أخرسا. ( للتوسع في قراءة الفضاء العلماني يمكن مراجعة كتاب، ما هي العلمانية، و كتاب العلمانية و الجمهورية، هنري بينزا و كوك غي، باريس 2003 و باريس 1995 ). ( انظر أيضا، Rousseau,J.J « Lettre à Christophe de Beaumont », Paris 1964. العلمانية إذا هي مرجع و أساس للشيء المشترك بين الجميع المختلفين روحيا. نحن نعلم أن مفردة "ديمقراطية" تحتوي مصطلحا آخرا، demos، الذي يشمل هذه المرة هنا الشعب بوضعه كمجتمع سياسي. ديمقراطية و علمانية، بمعنى واحد، ترجعان إذا لفكرة واحدة : فكرة سيادة الشعب على نفسه، حيث لا يخضع لأية قوة أخرى لا يكون هو مصدرها. من هنا يستطيع أن يمتلك الشعب تلك القوة، و إلا الناس الذين يحكمون بعضهم سيستثمرون تلك الظروف و يضعون بعضهم خارج السيادة. فكرة العلمانية تهدف بدقة إلى وحدة الشعب صاحب السيادة، مؤسسة على المساواة الصارمة في الحقوق بين أعضاء هذا الشعب. إنها تشير إذا للخير المشترك كمرجعية للجميع، إلى المدينة " الجمهورية " كأساس و أفق للديمقراطية. طبعا هذا لا ينسجم مع سيطرة مجموعة أو قسم من الناس على سلطة طائفية و على كل شيء. من خلال هذا النوع أو الشكل من السلطات، التاريخ أعطى أمثلة كثيرة، و كانت دائما في تعارض مع حرية المعتقد و مع المساواة الأخلاقية و القانونية. هذا الشكل يمكن أن نسميه بالكهنوت " إما مسيحي أو إسلامي أو يهودي أو غيره" و الذي يشكل تضادا أو تناقضا antithèse مع العلمانية. هذا الكهنوت سيكون مكانا للبحث في مقال قادم.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: نحو فهم واضح للعلمانية (Re: Sabri Elshareef)
|
مفهوم الإكليروس والمثل الأعلى العلماني
نحو فهم أوضح للعلمانية (3)
المفردات الدينية تميز مفردة " علماني " laïc ـ الصفة ـ، و التي لا تمتلك أية خاصة نوعية في التقديم الرسمي للدين، و مفردة " رجل الدين" clerc، التي لديها موقع آثر في الدور المشرف و القائد في عملية إدارة المعتقد. ذاك التمييز يأخذ بداية معناه في قلب مجتمع أو طائفة من المؤمنين، مشاركا في تحديد الاختلاف بين الاختيار الديني البسيط و الحلقة الأولى
الثانية وظائف الكهنوت أو الإكليروس الرسمية الممارسة مقارنة مع الأولى. بالتوسع، مصطلح أو صفة " علماني " تتعلق أيضا بالشخص الذي لا يقتسم " معتقدا أو إيمانا " معينا إلا الذي يعتقد به، ولكن ليس لديه أية سلطة من أي نوع تجعله يقرر قواعد الإيمان. مؤمن أو غير مؤمن، العلماني يعني بكل بساطة الإنسان، بالمضمون الشامل، الذي يفكر باستقلالية عن كل أنواع الطاعة و الخضوع الخاص. ( في كتابه عن " العلمانية" يتحدث هنري رويز بعمق كبير عن الإكليروس، مرجع ورد في الحلقات السابقة) لا بد من الملاحظة هنا أن، المصطلح من أصل ديني ترك مكانا لمصطلح مختلف قليلا، حيث عندما تحدثنا عن " علماني" من أجل الإشارة إلى، إما حركة رأي مصمِّمٍ لفصل الفضاء العام عن الوصاية الكهنوتية لرجال الدين، و إما شخص يعمل على تحقيق هذا الانعتاق، و إما أيضا مؤسسات معرَّفة من خلال استقلالها الحاصل بالنسبة لتلك الوصاية : حيث نتحدث عن دولة علمانية، وعن مدرسة علمانية..
الإكليروس يتصف ليس فقط بممارسة الوظائف الدينية في داخل مجتمع أو طائفة من المؤمنين، ولكن أيضا يتصف بالطموح للسلطة الزمنية " الدنيوية" على كافة المجتمع. هل سنقول أن هذا ينتج بشكل طبيعي عن كل دعوة أو تبشير ملازم لكل دين ؟ ربما الجواب بهذه الطريقة سيكون سريعا جدا. إنه أكثر إنصافا وعدلا تمييز نموذجين أو طريقتين في توسع أو امتداد العقيدة أو الإيمان : الأول من خلال الشهادة أو الدليل الأخلاقي و الروحي، الثاني من خلال سلطان و نفوذ الزمني الدنيوي. الفكرة أن الدين هو " اقتناع شخصي للضمير" تعيد للظهور شرعية النموذج الأول، ولا شرعية النموذج الثاني. علاقات السلطة الروحية و السلطة الزمنية تضع في الرهان و الشك الدين، الكهنوت أو رجال الدين. بالتأكيد سيحصل خطأ في الفهم إذا لم نقيم بشكل واضح نوعين من التمييز الجوهري، من جهة بين الدين و الروحية، من جهة أخرى بين الدين و الإكليروس.
الحياة الروحية لا يمكن اختصارها بالدين، حتى ولو كان يشكل رمزا كبيرا. الروح تعيش في ممارسة متعددة الأشكال للحياة الاجتماعية، في الثقافة الإنسانية بكل غناها. الفن،العلم،الفلسفة، تشكل على سبيل المثال أشكالا للحياة الروحية على نفس المستوى كما الدين، ولكن بطرائق مختلفة. الروح تبقى في العقيدة و الإيمان من غير شك، ولكن أيضا هي تعيش في التفكير العقلاني، كما الحال مع إبداعات الفنانين مثلا، وأكثر في مختلف الإبداعات الثقافية. الدين لا يمكن إذا أن يحتكر الحياة الروحية. ( انظر المرجع السابق من 22 إلى 44 ).
فيما يتعلق بمفهوم السلطة الروحية، لقد تم تمييزها بشكل تقليدي عن السلطة الزمنية أو الدنيوية، أي توجد داخل العصر، و من أجل الإحساس بطريقة وجودها الخاصة : فهي سلطة معنوية أخلاقية، لا تُطوِّر تأثيرها إلا ضمن احترام حرية المعتقد و الذي هي في الأساس تتوجه له. يبقى التمييز المتعلق بالدور المحتمل للدين في الحياة الاجتماعية، أو داخل فعّالية روحية لا يمكن اختصارها بهذا الدين وهذا أمر قاطع ونهائي. Auguste Comte أشار إلى هذا الاختلاف فيما يخص الكاثوليكية : الدين طالما بقي مسألة روحية أو أخلاقية معنوية، لديه وفق مؤسسي الفلسفة الوضعية فائدة و مزايا، كما هو حال الأشكال الأخرى من الحياة الروحية، الفكر العقلاني أو المعرفة العلمية،على سبيل المثال : السلطة الروحية تلعب الدور عن بعد فيما يتعلق بالمصالح الفورية التي يمكن أن تفصل أو تعارض الناس، و تحرر المعالم الأخلاقية، بل وحتى السياسية، من كل إكراه إيديولوجي. المشكلة أن هذا الشكل من الروحانية الحرة و البعيدة عن الطموحات السياسية و السيطرة كانت في مراحل قصيرة من تاريخ الإنسانية، باستثناء أن الفيلسوف المسيحي Emmanuel Kant يحكم بالقبول على تاريخ المسيحية. « Kant، Emmanuel، la religion dans les limites de la simple raison، Vrin، 1976 » التمييز الجوهري بين الدين و الإكليروس هو ضروري جدا. الدين، كاعتقاد موحد بحرية للمؤمنين، لا يستطيع ولا يجب أن يكون مختلطا مع الإكليروس، هذا الأخير الذي لديه مطامع دنيوية بالسيطرة والهيمنة ويتجسد بشكل واضح في أهواء ورغبات القوة العامة. أيضا الإكليروس يذهب أبعد من ذلك أي من سلطته الشرعية ككهنوت له حدود ضمن مجتمع أو طائفة، ويدعي القدرة على تقديم وصياغة القوانين للآخرين. أي دين من غير بنية كهنوتية داخلية يمكن أيضا أن يمارس نفوذا تقريبا يشابه ممارسة الإكليروس، و ذلك عندنا يبدأ بتطوير وصاية على الفضاء العام. أيضا " جماعات الضغط " التي تحاول علمنة الرؤية الدينية للمجتمع المدني تكون بذلك أصبحت قريبة من الإكليروس الديني ولكن بصفة الإكليروس العلماني. وينطبق هذا على رجال الدين الذين يتحدثون للطائفة أو المجتمع ويعتبرون أنفسهم كدليل أو مرشد لا يمكن تفاديه أو الاستغناء عنه في الحياة وهذا ما نلاحظه في المجتمعات الإسلامية. لكن لابد من القول هنا أن الفضاء العام لا يمكن اختصاره فقط لسلطة الدولة، ولكنه يتضمن حقوقا وقوانين أخرى تنظم العلاقات بين البشر.
المثل الأعلى العلماني إذا لا يدخل في أي حال من الأحوال في تناقض مع الأديان كما هي،و لكن مع إرادة النفوذ و السلطان التي تصف العديد من تحركاتها، التي تريد أن تتحول لقوة سياسية أو اجتماعية. ولا يقصد هنا أن نضع في المساءلة السلطة الروحية أو الدنيوية لرجل الدين داخل طائفته أو " تجمعه" الديني الخاص التي يمارس ضمنها هذه السلطة، حيث يحترم الحدود في هذه الحالة. لكن تلك السلطة تصبح غير شرعية عندما تبدأ بإعطاء نفسها أو تعطى نفوذا على العديد من المبادئ تتعلق بالمجتمع الإنساني بكليته. إذا كان لطائفة معينة صفة الأغلبية العددية في المجتمع، فهذا لا يعطيها إي حق سياسي أو امتياز دنيوي زمني، على حرية المعتقد بالنسبة للأقلية، والمساواة بين الجميع يجب أن تكون محترمة. ( حول التسامح يمكن العودة لكتاب " جون لوك "، رسائل في التسامح، متوفر بالفرنسية و الإنكليزية وصدر في باريس عام 1992).
يوجد، بالنظر إلى ذلك، نظامين من السلطة يمكن تمييزهما، وهما يرتكزان على قواعد و أسس مختلفة. يمكن تمييزهما : لأنهما يلعبان أو يقومان بوظائف لا يمكن الخلط بينها. شيء أول، في الواقع علينا تعريف مبادئ و قواعد الحياة المشتركة للناس الذين هم أسياد لحياتهم و فضائهم الخاص، شيء آخر هو ممارسة "الأستاذية" في عملية التفسير لمعتقد ما، أو مذاهب مرتبطة به. فيما يتعلق بالقواعد الخاصة بهذه الوظائف، فهي بكل تأكيد ليست أو لا تتمتع بنفس الحدود. و يعني هذا في حالة مؤمنين بمعتقد معين في مجتمع ديني خاص، أو في حالة جميع السكان في بلد ما، مؤمنين أو غير مؤمنين. الكهنوت الديني أو " رجال الدين " يخلطون، يربطون، ويخضعون الحالات و الأوضاع أي بين نظامين للسلطة و النتيجة : احتلال و استعمار الفضاء العام، وهذا احتمال كبير لحدوث عنف كامن أو صريح، فيما يتعلق بكل شخص غريب عن المعتقد " المرجع " أو الإيمان القائم ( و الأمثلة كثيرة في المجتمعات المسيحية القديمة في الغرب، والمجتمعات الإسلامية الحالية، وهي مستمرة أيضا في المجتمعات اليهودية و المسيحية الشرقية و خاصة العربية منها ).
بشكل واقعي كبير، هناك عدة أسئلة بسيطة توضح هذه النقطة. هل لدي الحق بأن أكون ملحدا، مسلما، مسيحيا، عندما يكون الكهنوت القائم الذي يستثمر الفضاء العام هو يهودي ؟ وهل يحق لي الإلحاد و تغيير إسلامي إلى دين آخر في مجتمع واقع تحت الاستثمار الإسلامي للفضاء العام ؟ وهل يحق لمسيحي مصري أن يؤمن بالمعتقد الإسلامي في مجتمع في طائفة خاضعة لكهنوتي مسيحي؟ وهل مواطن عربي ملحد في بلد عربي يعلن في المادة الأولى للدستور أن الشريعة الإسلامية مصدر للتشريع يستطيع أن يقسم القسم الرئاسي في الدولة من غير العودة لنص ديني؟ وهل إذا كان الإسلام هو الدين الرسمي للدولة و قوانين الأحوال الشخصية مستمدة منه لا من قوانين التطور الإنساني، يستطيع الفرد (امرأة أو رجلا ) أن يطالب بالمساواة و العدالة في القناعات،الإيمان والقوانين؟ امرأة في السعودية أو إيران تريد الخروج في الشارع من غير حجاب أو نقاب هل هي حرة في ذلك من غير أن تكون خطرا على الأمن القومي أو مفاعل " بوشهر" النووي؟ في الواقع، نستطيع أن نلاحظ ما يشبه نزعة تتردد دائما: هنا و حيث دين مسيطر " روحيا " أصبح مسيطر أيضا رسميا، الأديان الأخرى، أو بشكل أعم كل التعبيرات و الأشكال الأخرى الروحية أصبحت مبعدة بأشكال و بدرجات مختلفة. اضطهاد صريح أو إبعاد: و العنصرية يمكن أن تستكمل وفق نماذج متعددة. العودة إلى العلمانية، و استئصال كل مرجعية طائفية للفضاء العام، تضمن للأديان حرية و مساواة أكثر حقيقيةً أكثر من عندما تكون هي مسيطرة أو في العلاقة فيما بينها. ( انظر كتاب هنري رويز، مرجع سابق).
هذا الاستئصال لا يعني بالتأكيد، أن القناعات أو الاعتقاد لا يستطيع ممارسة أي تأثير على مفاهيم القوانين المشتركة. ولكن في القانون، لا تستطيع بهذه الحالة التأثير من الآن فصاعدا، إلا من خلال وسيط وهو التعبير الحر ضمن مشاركة في حوار عام، وفي حالة جذب للقناعات الفردية ضمن احترام الحريات، و الاستقلالية في الحكم و التقييم. بشكل آخر للقول، السلطات الطائفية، في بلد علماني، ليست هي " فاعلة أو ممارسة" للأوضاع و الحالات القانونية أو منتجة لها، ولكن أقطاب روحية حيث كل مواطن لديه الحرية بالاعتراف بها أو لا كسلطة. إن مبدأ السيادة الديمقراطية لا يستطيع من جهة أخرى قبول نوعين من " الممارسين أو المنتجين للقانون"، فردي يحمل صفة المواطن، و جماعي مثل جماعات الضغط التي لديها نظام الخضوع و الطاعة الدينية. هنا وضمن هذا المعنى أن العلمانية، على النقيض من الكهنوتية الدينية، تعطي بشكل متزامن معنىً للديمقراطية و استقلالية الحكم و القضاء: سيادة شعبية وسيادة فردية كأنهما متقابلين أو متناظرين في اللحظة التي لا يستطيعان فيها الاعتراض أو التدخل بين الإرادة العامة و المواطن السيد على أفكاره. وحدة العلمانية laos، و الشعب، تقرن أو توحد حرية المعتقد للأفراد و مساواتهم في الحقوق ضمن الشيء العام. كل امتياز إيديولوجي أو طائفي، أو كل نفوذ للمصالح الشخصية، ستشكل صعوبة أمام هذه الحرية.
أنا إنسان قبل أن أكون مسلم،ملحد، مسيحي أو يهودي. الاختلاف الثقافي أو الديني المفترض أنه غير قابل للحل يعطي في معظم الأحيان اسمه و رداءه للمشاعر المظلمة للاستبعاد الذي يخلق العنف الذي نراه في الإعلام و تجذر في مجتمع تحول إلى بضاعة و دمرت كل معالمه. التحزب و التجمعات الدينية و الطائفية، العرقية و الثقافية، تزداد و تتمدد لتعيد تسخين الذي " تم تبريده" بالقرب من القطب العلماني، ولتدمر بشكل منهجي أفكار التنوير و التسامح : الحريات السياسية، قيم الديمقراطية و المواطنة. نستطيع العودة هنا للحديث عن " السمو العلماني " transcendance laïque،حيث كل الناس يتشابهون و يتحدون من خلال حريتهم، و أن يكونوا على مسافة واحدة من كل شيء يتعلق بالفضاء العام. تضامن كل إيجابي بين الاعتراف بالحرية الفردية و كل ما هو راق مشترك بين البشر. الحرية و المساواة : العلمانية هي تأكيد أصيل لمفهومٍ من الارتباط الاجتماعي الذي لا يوحد سوى الناس الذين يخلصون معتقدهم وقناعتهم من الخضوع الكهنوتي الديني الخاص، فالخير المشترك يتضمن و في الدرجة الأولى حرية الجميع، ورفض جميع أشكال التمييز الطائفي أو الديني. إننا نستطيع نقد دين ما، أو أشكال الإلحاد الإنسانية، ولكن علينا احترام الحق في الاعتقاد. ( المرجع السابق من 45 إلى 56 ). إذا، مسيحي، مسلم، يهودي، ملحد أو غنوصي يستطيعون العيش معا في سلام، في اللحظة التي فيها الاختيار الروحي لكل منهم يبقى شأنا خاصا، بمعنى أنه لا يستطيع الإدعاء أنه يحكم الفضاء العام. إذا فعل ذلك سيتحول إلى عنف بكل تأكيد.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: نحو فهم واضح للعلمانية //صلاح نيوف (Re: Sabri Elshareef)
|
العلمانية: نحو إعادة تأسيس قانوني (4)
كما ذكرنا في مقالات سابقة، العلمانية لا يمكن اختصارها بمفهوم بسيط عن " دنيوية" الوظائف المدنية التي كانت مشغولة في الماضي من قبل السلطات الدينية. فرضية كهذه ستفترض في الواقع أن نفس الغايات ستبقى أو يحتفظ بها من خلال تحول Métamorphose في النماذج أو الأشكال. في الحقيقة ليس هذا هو الحال."العلمنة" Laïcisation لا تقوم بأي تحول في المقدسات، ولا تؤسس أو توجد أي دين " دنيوي" أو "مدني": إنها تعيد تعريف،في نفس الوقت، غايات و أشكال السلطة السياسية، ووضعية الاختيار الديني، وتقود إلى بعدها الجوهري في حرية المسعى الروحي. فالمؤسسة الدينية ليست هي المؤسسة السياسية، و الله الذي تخلَّص من الانغماس و التلوث في السلطة الزمنية ليس هو القوة اللاهوتية/السياسية التي قامت بالشرعنة légitimation " العمودية " للسلطة الزمنية. حيث هذه الأخيرة حلت مكانها سيادة الشعب على نفسه. العلمانية ليست فصل أو تحييد بسيط للطائفي confessionnelle. هذه الطريقة في التمييز، و التي هي سلبية بالمطلق، ليست إلا نتيجة للمقتضيات أو المتطلبات الإيجابية التي تعطيها معنى. هذه المتطلبات و المقتضيات تعود لما نستطيع أن نسميه تأسيس الحرية بشكل كلي و بشكل فردي: كلي لأن " المدينة أو الجمهورية" تتطلبه من أجل ممارسة المواطنة، فردي لأنه يؤدي للمساواة على صعيد الأخلاق كما السياسة. بناء الاستقلال العقلاني للشخص من خلال المعرفة، هو الذي يضمن القدرة على تجاوز الوصاية و معها جماعات الضغط. فالعلمانية هي مرتبطة بالتعليم و المدرسة، إنها مؤسسة عضوية في " المدينة" وليس "خدمة" بسيطة. تحرير التقييم و قدرة المحاكمة الشخصية من كل أنواع الوصاية، إنه يسمح للمجتمع أن يقف أو يتمركز على مسافة من نفسه. و هذا ما يجعل بالإمكان خلق مرآة نقدية للثقافة الكلية أو الجمعية. من أجل بناء مدنية سياسية حقيقية، تعنى بالمصلحة العامة، فكرة السيادة الشعبية يجب أن تترسخ داخل القلق في تعميم مرجعيات الدولة. فالفصل العلماني بين الدولة و الدين لا يعطي نفس المعنى بالنسبة لجمهورية أو "مدينة" ديمقراطية، حيث بدقة المجتمع السياسي كتلك " الدولة" هو مختلط مع الحكم. لهذا السبب آليات تقديس السلطات التقليدية " الزعيم الديني أو السياسي " مثلا، لا يمكن أن تتحول أو تنقل إلى بناء للمدينة السياسية أو بناء مدني. إنها أي " آليات التقديس " لا تستطيع أن تتطابق مع المدينة السياسية لا أن تقوم بوظائفها و لا أن تكون بنفس حالتها أو وضعها. المجتمع السياسي المضمون هو من خلال العلمانية و المساواة الأخلاقية للمواطنين في نفس الوقت كما الحرية في ممارسة معتقدهم، إنها " المدينة " هي التي تؤمن الحوار بين السيادة الجماعية و السيادة الفردية. إذا جلاء أو وضوح المواطن يتناسب أو يتكافأ مع العقل الذي ينقل إليه المعرفة و الثقافة، فإن عقيدته لن يكون مسيطرا عليها من خلال نفس العقيدة، المساواة الأخلاقية تعزز و تقوي الحرية الداخلية من خلال رفض إعطاء إي مميزات لاختيار روحي خاص. والدولة العلمانية تلحق أو تصل بالحيادية الطائفية قلق و هم التنفيذ الفعال لاستقلالية الحكم على أي أو كل مواطن. كذلك تعرَّف الدولة العلمانية: أنها لا تحتاج لأي شرعية خارجية، ولا لتقديس خاص لتبرير الشكل الذي تمارسه: حيث تأخذ قوتها الوحيدة من انتماء مواطنيها الذي يفهمونها كشكل موضوعي لسيادتهم الخاصة.ضمن هذا السياق، شعور الانتماء إلى نفس مجتمع القانون و الحقوق، ضروري من دون شك بالنسبة لتلاحمه، يتعايش مع الوعي العقلاني للمبادئ التي تؤسسه بشكل شرعي: إنه يختلف عن أشكال التضامن و التلاحم التقليدية في المجتمع. العلمانية إذا لا يمكن فصلها عن مؤسسة تعمل بشكل صبور من أجل الفكر النقدي. هذا يعني تنفيذ و بشكل فاعل و في نفس الوقت ما يضع القوة العامة على مسافة من مختلف جماعات الضغط، و يعتق العقل عند الناس من كل هيمنة أو عقبة. إذا وفي وقت متزامن إنها العلمانية التي ترفع من القوة العامة وتعمم المبادئ، و المواطنين أيضا ترفعهم و ترتقي بهم للاستقلال العقلاني. فالعلمانية بهذه الحالة تعيد المواطنين أسيادا على أنفسهم، قادرين على عيش انتماءاتهم بشكل واضح ومميز لإعطاء معنى لعالم مشترك فيه يمكن الحوار بشكل أكبر وأفضل مع الآخرين الغير منغلقين أو مسجونين في مرجعياتهم الخاصة. هذا الحوار ليس له علاقة "بتوافق" بني كشكل من أشكال المخارج المشتركة أو تسويات بين المؤمنين بمعتقدات مختلفة: حيث هناك قلق في التفهم و الفهم المتبادل الذي يزيد من تفوق و تعالي " الخصوصية". كذلك ليس له علاقة " بالتوافق" الذي يؤدي للانغلاق ضمن الاختلاف أو المرجعية. ضمن هكذا سياق، العقيدة الدينية ليست منكرة أو أصبحت نسبية، ولكنها مدعوة أو منسوبة إلى لائحة من الوجود و من الحياة الروحية معترف بها في بعدها الخاص، من غير أي غموض. إنها رمز روحي من بين الرموز الأخرى، بلا خلط ممكن مع النزوع إلى البعد الكهنوتي، إلى تبشير غير متسامح، أو إلى تعصب و تزمت. الإرساء أو الاستناد إلى تاريخ متفرد، بقايا و ترسبات إحساس أو شعور يطبع المتخيل و الذاكرة الإنسانية لمجتمع أو تجمع إنساني لا يدخل في تناقض مع إعادة التأسيس العلماني، و لكن يستطيع التوافق بشكل كبيرا معها إذا كانت "سجلات" الوجود هي واضحة و مميزة. العقائد المتعددة المتعايشة بشكل سلمي من غير شروط أخرى سوى احترام القواعد التي تسمح لكل واحد تقلد أو الانتماء إلى طائفته بحرية، و على قاعدة من المساواة الأخلاقية، والتي فقط الدولة العلمانية تستطيع بسبب حياديتها الطائفية ضمان ذلك: حيث لا يوجد أي اختيار روحي يمكن أن يكون لديه امتيازات على اختيارات أخرى، لا أحد يمكن أن يشعر بأنه ضحية للتمييز، هذا التمييز الذي سيكون في أقصى حالاته السيئة عندما نمأسس institutionnalisation مرجعية ما. القوة العامة في الدولة العلمانية ستعود إلى المثال المؤسس لها وهو الخير المشترك للجميع.
* ملاحظة: هذه الأجزاء الأربعة من محاولة إعادة قراءة العلمانية وهي " الجزء الأول" من قراءة المفهوم، اعتمدت على دراسات وكتب أوربية في هذا المجال وكان أهمها الكتاب الصادر بالفرنسية « Qu’est-ce que la laïcité » . بالإضافة للمراجع التالية: - بيير هاييت،" العلمانية و السلطات، من أجل نقد للعقل العلماني"، باريس، دار نشر Kimé 1998، بالفرنسية. - جان بوبيرو،" تاريخ العلمانية الفرنسية"، باريس، دار نشر Puf 2000، بالفرنسية. - جان بوبيرو، " الدين و العلمانية في أوربا"، باريس، دار نشر Syros 1994،بالفرنسية. - جي كوك، " العلمانية و الجمهورية: الارتباط الضروري"، باريس، دار نشر Le Félin 1995، بالفرنسية.
http://www.elaph.com/ElaphWeb/ElaphWriter/2007/4/225130.htm
| |
|
|
|
|
|
|
Re: نحو فهم واضح للعلمانية (Re: Sabri Elshareef)
|
إن العلمانية التي علينا المطالبة بها تضم جانبين أساسيين: الأول يتعلق بتنظيم "المدينة" وهي العلمانية السياسية، والثاني يرتفع و يرتقي بإدراك وتصور الحياة. الدولة العلمانية، هي تلك التي تحقق فصلا فعليا وحقيقيا بين الفضاء العام و مؤسساته (التي هي إرث مشترك)، و بين المؤسسات الدينية " كنيسة، جامع...الخ" ومعها القناعات الدينية أو الفلسفية المختلفة ( التي تعود للفضاء الخاص للمواطن ). إنه الشيء الوحيد الذي يضمن المساواة بين المواطنين مهما كانت قناعتهم كما يضمن نزاهة وتجرد السلطة. إنه الضمان الوحيد لحرية كاملة في الاعتقاد والإيمان، و حرية في التفكير... وفي الدين أيضا. الدفاع عن مبدأ علمانية الدولة و عن السلطات العامة ليس خاصية أو إقطاعية لمجموعة من المؤمنين فيها أو لمجموعة من الملحدين الذين يرون أنهم ناطقين باسمها، ولكن لأنه لا يوجد حرية دينية خارج الدولة العلمانية. منذ أن تصنف الدولة بشكل علني أو ضمني أنها كاثوليكية، إسلامية، مسيحية، يهودية أو ملحدة فهذا كله ضد العلمانية لأن حتى الدولة الملحدة هي ضد العلمانية و تتساوى بذلك مع الدولة الثيوقراطية. فمع هذا التصنيف أو التعبير عن الدولة نكون قد أصبحنا " ما تحت المواطنة " و خاصة فيما يتعلق بالأقليات التي لا تنتمي إلى الدين أو الطائفة الرسمية السائدة. في الواقع هناك استحالة مطلقة لقيام أية ديمقراطية من غير علمانية سياسية وهذا المتطلب هو مشترك بين جميع الديمقراطيين كانوا ليبراليين، مسيحيين، إسلاميين أو إسرائيليين. ضمن هذا المعنى، العلمانية ليست فريقا صغيرا sous-groupe في المجتمع سيتفق على " الاعتراف " بفريق آخر، بل إنها مبدأ لتنظيم الأشياء العامة المؤسسة على رؤية كلية شمولية للمجتمع.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: نحو فهم واضح للعلمانية (Re: Sabri Elshareef)
|
بشكل واقعي كبير، هناك عدة أسئلة بسيطة توضح هذه النقطة. هل لدي الحق بأن أكون ملحدا، مسلما، مسيحيا، عندما يكون الكهنوت القائم الذي يستثمر الفضاء العام هو يهودي ؟ وهل يحق لي الإلحاد و تغيير إسلامي إلى دين آخر في مجتمع واقع تحت الاستثمار الإسلامي للفضاء العام ؟ وهل يحق لمسيحي مصري أن يؤمن بالمعتقد الإسلامي في مجتمع في طائفة خاضعة لكهنوتي مسيحي؟ وهل مواطن عربي ملحد في بلد عربي يعلن في المادة الأولى للدستور أن الشريعة الإسلامية مصدر للتشريع يستطيع أن يقسم القسم الرئاسي في الدولة من غير العودة لنص ديني؟ وهل إذا كان الإسلام هو الدين الرسمي للدولة و قوانين الأحوال الشخصية مستمدة منه لا من قوانين التطور الإنساني، يستطيع الفرد (امرأة أو رجلا ) أن يطالب بالمساواة و العدالة في القناعات،الإيمان والقوانين؟ امرأة في السعودية أو إيران تريد الخروج في الشارع من غير حجاب أو نقاب هل هي حرة في ذلك من غير أن تكون خطرا على الأمن القومي أو مفاعل " بوشهر" النووي؟ في الواقع، نستطيع أن نلاحظ ما يشبه نزعة تتردد دائما: هنا و حيث دين مسيطر " روحيا " أصبح مسيطر أيضا رسميا، الأديان الأخرى، أو بشكل أعم كل التعبيرات و الأشكال الأخرى الروحية أصبحت مبعدة بأشكال و بدرجات مختلفة. اضطهاد صريح أو إبعاد: و العنصرية يمكن أن تستكمل وفق نماذج متعددة. العودة إلى العلمانية، و استئصال كل مرجعية طائفية للفضاء العام، تضمن للأديان حرية و مساواة أكثر حقيقيةً أكثر من عندما تكون هي مسيطرة أو في العلاقة فيما بينها. ( انظر كتاب هنري رويز، مرجع سابق).
| |
|
|
|
|
|
|
|