|
مصحف فاطمة (الجعفري) هل هو موجود حقا؟ غالب حسن الشابندر
|
الحلقة الأولى
ملاحظات على الطريق
أولا : إن هذه الدراسة هي جزء أو فصل من دراسة مطولة تبلغ مئات الصفحات عن التراث الشيعي العقدي والفكري، بالاعتماد على أهم مصادر هذا التراث الذي أعتز بجوهره العقدي والفكري، والذي أتعبد به الله عز وجل، وبالتالي، لا اسمح لآخر أن يساومني على إيماني بمدرسة أهل البيت عليهم السلام، والذي اميل إلى تسميته بالمذهب الجعفري، أسوة بالمذاهب الاخرى، وأرى أن التسمية بالتشيع لا داعي علمي لها على الأ طلاق، حتى إذا رجعنا إلى الاستعمال الاول لكلمة شيعة في التاريخ، ولا أ ريد أن اخوض في هذه المسالة الحساسة الان.
ثانيا : هناك كلام شائع على ألسنة الناس، خاصة المسلمين السنة، بل وفي بعض كتبهم العقدية المهمة وذات الوقع الروحي في الوسط سني، مفاده أن للشيعة قرآنا آخر، أو مصحفا آخر، اسمه مصحف فا طمة، يقرأونه سرا، ويتعبدون به بعيدا عن أنظار الآخرين. فيما يقر الشيعة بوجود مثل هذه المصحف، ويدعون أنه موجود في أحاديث أهل البيت، ولكن ليس هو قرآنا بالمعنى الذي نفهمه من القرآن كمسلمين بشكل عا م، فهو ليس وحيا، ويحتوي على مجموعة من الأحكام الشرعية، والوقائع الكونية التي يمكن أن تحدث بمستقبل الزمان، وشي عما سيتعرض له أهل البيت، وما على هذا المنوال. وبالتالي، ليس هو قرآن موحى، ولا يتلى، ويقولون : ليس لهذا المصحف اليوم وجود أثري، بل هو من الكتب التي اختفت لسبب وآخر.
ثالثا : وكانت هناك نقاشات طويلة عريضة بين السنة والشيعة حول هذا المصحف أو القرآن، بين نفي وإ ثبات، بين تشكيك وتصحيح، بين قبول ورفض، استغرقت الكثير من الطاقات، واستلهكت الكثير من الوقت. ولم نصل إلى نتيجة نهائية، فما زال بعض السنة يؤكدون إتهامهم للشيعة بهذا القرآن أو المصحف، وما زال الشيعة يؤكدون وجود هذا المصحف ولكن ينكرون كونه مصحفا موحيا، أو مصحفا يتلى، ويصرون على أنه مفقود الان، وليس له أي أثر.
رابعا : إن شرف فاطمة الزهراء محفوظ ومصون، فهي بنت النبي الكريم، وزوجة أمير المؤمنين عليه السلام، وأم الحسن والحسين، زوجة شهيد وأم شهيد، وهو أبو الشهداء، وفي تصوري إن هذا المصحف إذا لم يثبت لم ينقصها، ولم يخل بمنزلتها الروحية الشريفة، فهي فاطمة العظيمة، ولك ان تتصور أنها أنجبت الحسين وكفى.
خامسا : يتهم بعض السنة وليس كلهم بإن للشيعة قرانا أ مصحفا هو غير هذا القر آن، وهو غير هذا المصحف، يتلونه سرا، ولكن بعض علماء السنة مثل الشيخ محمد الغزالي رحمه الله يقول ما معناه، إنه قرآن واحد، لم نعرف للشيعة غير هذا القرآن الذي نتلوه، ونتعبد به، والشيعة كلهم يقولون : تعالوا واستمعوا الى ما نقرأ في مساجدنا، وتعالوا اسالوا آلاف السنة الذين دخلوا مذهب التشيع، وهذه تفاسير الشيعة، فكلها لا تشير من قريب أو من بعيد إلى وجود مثل هذا القرآن أو المصحف المزعوم، نعم، هناك مصحف أو قرآن بعنوان ( مصحف أو قرآن فاطمة )، ولكنه ليس وحيا، وهو مفقود، ولا أثر له، وعلى هذا، أعتقد أن هناك إجحافا بحق ملايين المسلمين الذين يقولون بملئ لسانهم، بان مصحفهم الذي بين أيديهم اليوم هو المصحف الكريم، وإن القرآن الذي يتعبدون الله به هو القرآن الذي يتعبد به كل المسلمين في العالم، هو القرأن أو المصحف ا لذي فسره الطبرسي، والطوسي، والطباطبائي، والخوئي، والصدر، وقبلا غيرهم كثيرون، ومن حق كل شيعي بعد ذلك أن يسال، ترى لماذا إصرار البعض على وجود مثل هذا المصحف سرا في بيوت الشيعة ومساجدهم ومجالسهم ؟
هناك قصد مرسوم أو جهل مطبق. سادسا : قرات كثيرا لعلماء سنة، يثبتون أن للشيعة مصحفا أ و قرآنا بإسم مصحف أو قرآن فا طمة، ويسطرون بعض الروايات الواردة في أصول الكافي، وغيره من الكتب المصدرية للشيعة الإمامية، وفي إعتقادي هذا بحث ناقص، إن البحث الموضوعي يتطلب من هؤلاء العلماء السنة الكرام أن يبحثوا مدى صحة هذه الروايات في التراث الشيعي نفسه. أي أن يراجعوا مدى صحة الإدعاء الشيعي على ضوء التراث الشيعي بالذات، وبهذا يمكن أن يقدموا خدمة علمية جليلة، تتسم بالرصانة والموضوعية.إن كثيرا من علماء السنة يبحثون في التراث الشيعي لبيان تناقضاته مثلا، ولإثبات عدم جدوى وأصالة المعتقد الشيعي في هذه المادة أو تلك، وذلك من خلال نقض ذات التراث، من خلال تفكيك ذات التراث، ألا يدعو ذلك أن يقوموا بعملية تفكيك هذه الروايات المزعومة ؟ أليس هذا من معالم البحث العلمي الرصين ؟ أليس في ذلك إنقاذ لطائفة ضالة في تصور هؤلاء ؟ إذ قد يوصلهم البحث أن مثل هذه المصحف لا أساس له حتى في التر اث الشيعي ! وبذلك يحدثون ثورة عارمة في الفكر، فيما تتسم بحوث الاخوة السنة هنا بطابع تشهيري، أي أن بعضهم يفتش عن هذه الروايات ليجعل منها تشهيرية. وفي الواقع ليس صعبا على الشيعة أن ينهجوا مثل هذا النهج، أي النهج التشهيري، وبعضهم من عمل به، ولكن كلا الطرفين مسؤول مسؤولية أخلاقية هنا، أن قيام كل من السني بتبرئة الشيعة مما يراه إنحرافا، وقيام الشيعي ببترئة السنة من ذلك أيضا، نكون قد قمنا بعملية إنقاذ متبادل، وهنا أجل الباحث الكبير الشيخ مرتضى مطهري، رغم خلافي معه كثيرا، عندما يخصص صحفات طويلة لتبرئة الخليفة الثانية عمر بن الخطاب رضي الله عنه من تهمة حرق مكتبة الإسكندرية، بل ويتابع بحماس عن المعتزلة الذين إتهمهم بعض المستشرقين بالعيال على اليونان.
لست أدري ! والآن... أين هي الحقيقة من هذا وذاك... هل حقا هناك مصحف أو قرآن خاص بإسم قرآن فاطمة أو مصحف فاطمة ؟ أم أن أصل الحكاية لا أساس لها حتى بالشكل الذي يصوره الشيعة في تراثهم بالذات ؟ وبذلك تكون هذه المعركة باطلة من الأساس، وأنها مجرد لغو، ودليل على أن الطرفين، سنة وشيعة غارقون في أوهام، وفي خرافات، وبالتالي، ما أحرانا أن نعيد قراءة بعضنا بعضا بعنوان النصح، وبعنوان إنقاذ الأخر لا إتهامه وتسقيطه والقضاء عليه. لنمضي في البحث خطوة خطوة...
ولكن قبل أن اقدم على الخطوة الأولى بودي أن أقول ليس شئيا خارج قانون الكون، ولا مخالفاً لكتاب لله وسنة نبيه الكريم أن يكون لدى فاطمة، أو عائشة، أو علي أو عمر كتاب ما، قد يحوي ما لا يحويه الكتاب المجيد بشكل وآخر، فكل المسلمين يقولون أن الله تعالى ما فرط في الكتاب من شي، ولكن ليس على نحو التفاصيل كما هو مقرر في محله، وليس بدعا في الدين ولا في العرف، ولا في العلم، ولا في العقل، أن يكون لفاطمة أو عائشة أو أي صحابي من صحابة النبي الكريم كتاب فيه بعض التنبؤات والملاحم والفتن التي سوف تحدث، منقولة عن رسول الله مثلا. ولكن ما لا يمكن التسامح به أبدا، أن نقول ان لدى فاطمة أو عائشة أو أي من صحابة النبي كتابا موحى من الله غير هذا القرآن العظيم، وعندما ينكر الشيعة أن يكون ( مصحف فاطمة ) وحيا، إنما ينطلقون من هذه الحقيقة المشرقة لدى كل المسلمين، وعليه، يكون من حق البحث العلمي إحترام هذه الكلمة الشيعية في خصوص ( مصحف فاطمة ) الذي أدعى أن لا وجود له حتى في التراث الشيعي الصحيح.
http://www.elaph.com/ElaphWeb/ElaphWriter/2007/1/205575.htm
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: مصحف فاطمة (الجعفري) هل هو موجود حقا؟ غالب حسن الشابندر (Re: Sabri Elshareef)
|
الحلقة الثالثة
كلمة موجعة قبل أن أ بدا هذه الحلقة على صعيد المقصود منها بالصميم أرجو أن أوضح بعض النقاط المهمة، ذلك إن بعض القراء وبعض الأصدقا ء أستغربوا من هذا الكاتب أن يطرق مثل هذا الموضوع الذي يعتبره البعض باليا، وأخرون يعتبره بطرا، و آخرون يعتبرونه سابقا لأوانه، ومن ثم، هناك من الأخوة من يستغرب من كا تب محسوب على خط العلمانية المؤمنة... المدني... الديمقراطي أن يطرق مثل هذه الموضوعات ! كيف وهو الكاتب الذي يتمنى أن يُقتطعَ جزء من بدنه إذا مات، ويدفن إلى جانب قبر (جاك دريدا) لعل نشارة عظامه تختلط بنشارة عظام ذاك الإ نسان العظيم آه ما أ جملك، وما أعظمك ! وهل أنسى وأنا المهاجر نظرية الضيافة في مواجهة إستلابي أنا المهاجر ! لا...
وفي الحقيقة كاتب هذه السطور بدوره يستغرب مثل هذه الإستغرابات ! فالموضوع ليس باليا، بل هو الآن على أشده من التجاذب المتبادل بكل إسفاف وتفاهة وقذارة، والموضوع ليس بطرا، ذلك أن مادته تحولت إلى آليات حذف عقدي ووجودي على ألسنة علماء السوء من الطرفين، وعبر قنوات فضائية مسمومة، ومواقع أنترنيت مبتذلة، وقد تلقفها السياسيون من السنة والشيعة لتكون مادة سجال تختفي وراءه مطامع شخصية ساقطة. وليس في ذلك ما يتناقض مع العلمانية المؤمنة ولا الديمقراطية ولا المدنية، فإن تذليل مشكلة عقدية متوهَّمة يساهم في إحلال السلم الإجتماعي، وتجنيب الأمة مشاكل الصدام والعراك الأهوجين من صلب الفكر المدني، ومن روح العلمانية المؤمنة التي أنتمي إليها بكل شرف. كاتب هذه السطور وبإذن الله، وبفضل ( إيلاف) ـــ هذه العشيقة اللعينة، التي ما فتئت تغريه بجسدها الروحي المفارِق بالعودة إلى أحضانه الحارة كل ما قرر أن يهجرها ـــ سوف يواصل الطرق على هذه النقاط الحساسة، خاصة وإنه يراها معارك فكرية وهمية، جوهرها دوافع سياسية محضة، دوافع لعينة، حقيرة، مستميتة من أجل أن تتمزق هذه الأمة المسكينة على أعتاب مصالح دنيوية لا أكثر ولا أقل. ولكن أليس هناك غرابة بالعنوان ؟ نعم ! هناك سني مسلم، و هناك سني طائفي، كما أن هناك شيعيَّا مسلما، وأخر شيعيّاً طائفيأ، والطائفية ضد الإسلام، قتل لجوهر الإسلام، فما دام هذا ا لدين يدعونا في روحه الصريحة إلى إعمال العقل، وتحكيم المنطق كما يقول دعاته من السنة والشيعة ـــ وحتى رواد المباغي والحانات وممتهني القيادة القذرة من كلا الطرفين ــ فما دام الأمر كذلك، فإن الإسلام مضاد للطائفية، سواء كانت مذهبية أو سياسية. أليس كذلك ؟ نعم ! من هو السني المسلم ؟ أنه ذاك المسلم الذي يدافع عن ( الجعفرية ) فيما قالوا نحن نؤمن بمصحف واحد، وإنه هو القرأن الذي نزل على النبي لا غيره، وإذا ما جاء ( جعفري ) وأدعى أن هناك مصحفا غيره، وأن القرآن الذي بين أيدينا ناقص أو ز ائد أو محرف، في هذه الحالة، يقف السني المسلم ليرد على هذا الجعفري الجاهل، ليقل له : كلا، ألجعفرية طائفة مسلمة، وفي تراثهم ما ينقض هذا الكلام الأجوف، فإ ن ( الجعفرية ) الذين تدّعي تنتمي إليهم يقولون بقرآن و احد، نزل كاملا، وحفظ كاملا، وهناك من علمائكم من يصرح بذلك علنا، وفي تراثكم ما يؤصل ذلك مبدءيا وعقديا وتاريخيا. هذا هو السني المسلم... أما السني الطائفي، فهو نموذج أخر، يختلف تماما، فلو أن (جعفريا ) قال أننا نؤمن بقرآن و احد، وهو القرآن الذي نزل على نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وإن ما يقال عن تحريف القرآن، وما يقال عن مصحف فاطمة، لا يعدو أن يكون مجموعة أقوال شاذة، ومردودة، وهناك عوامل وعوامل خارج إ رداة الطائفة الجعفرية، سا همت في خلق هذه الأفكار، وإن الترا ث ( الجعفري ) يؤصِّل لكمال القرآن وقدسيته... لو أن ( جعفريا ) قال ذلك، سينبري له السني الطائفي، ويقول له : كذبت، أنتم ملة أخطر على الإسلام من اليهود، وإنكم تقاتلون إسرائيل تقية، وإن تراثكم مليء بما ينقض هذا الكلام، وإنكم تتداولون قرآنا سريا بينكم، وإن مناصرتكم ووقوفكم مع الدولة العثمانية ضد الأنلكيز كان دسيسة، وإنتم لا تعترفون بنبوة محمد، وإن قتلكم واجب ! نعم... ذلك هو الفارق الجوهري بين السني المسلم والسني الطائفي... تماما كما هو الفارق بين الشيعي المسلم والشيعي الطائفي... فأن الشيعي المسلم ير فض كل تهمة تتوجه للسنة تقول أن رب (السنة ) شاب أمرد، حجمه بالأشبار، وهو ينزل كل جمعة من السماء السابعة إلى السماء الدنيا، جالس على العرش، يضحك، يظلم، وإن السنة يحترمون يزيد، ويجلونه قاتلا للحسين. الجعفري المسلم يقول : هذه ليست عقيدة (سنيِّة ) أبدأ، لأن ( السنَّة ) أبناء القرآن، والعقل السليم لا يستقيم مع هذه التصورات عن الله تبارك وتعالى، وإذا كانت هناك نصوص ( سنية ) تفيد هذا المعنى، فإن هناك سوء فهم، ويجب تأويلها... فيما الشيعي الطائفي يأول كل نص سني ينطوي على التوحيد الخالص إلى تجسيد مرير، ينفر منه العقل، وتشمئز منه النفوس... فإن الشيعي المسلم يهدف سلامة المجتمع المسلم، تماما كالسني المسلم، ولكن الشيعي الطائفي ـ فيما لو لم يكن جاهلا ــ يستهدف مطامع ومطامح دنيوية قذرة، تماما كما هو السني الطائفي. أليس هو منطق الحق ؟ وهل مثل هذا المنطق بعيد المنال ؟ في ضوء هذه الفكرة أطرح حلقة اليوم عن مصحف فاطمة الجعفري، ذاك المصحف ألذي أعتبره خرافة ليس على ضوء ماقب النص الشيعي والسني، بل في ضوء التراث الجعفري نفسه، وعهدا للقراء، سوف اواصل الكلام عنه رواية رواية، كلمة كلمة، حرفا حرفا، ولكن بهدوء... نصوص ما قبل ! نقرا في أصول الكافي وهو أهم كتاب خبري عند الشيعة الإمانية الأثنى عشرية ما يلي : قال في الكافي ( محمّد بن يحي الأشعري، عن أحمد بن محمد، عن البرقي، عن النضر بن سويد، عن يحي بن عمران الحلبي، عن ايوب،عن الحر قال : إن الله عزّ وجل ختم بنيكم النبيِّين فلا نبيّ بعده أبدا، وختم بكتابكم الكتب، فلا كتاب بعده أبدا، وأنزل فيه تبيان كل شي، وخلْقُكم، وخلْق السماوات والأرض ونبأَ ما قبلكم، وفصل ما بينكم، وخبر ما بعدكم وأمر الجنة والنار وما أنتم صائرون إليه ) / أصول الكا في 1 / ص 269 / والرواية حسب معطيات علم الدراية الجعفري صحيح، ولذا أوردها البهبودي في كتابه ( صحيح الكافي 1 / ص 31، ح 3 /. هذه الرواية الجعفرية الصحيحة تؤبد نبوة محمد، وتؤبد القرآن الكريم، فلا بنوة بعد نبوة محمد، ولا كتاب منزّل بعد القرآن الكريم... وفي التراث ( الجعفري ) الكثير من هذا... هذا النص أنا أسميه ( نص ما قبل ) لأنه حاكم على كل نص آخر، يتعلق بالموقف من الكتاب الكريم، فهو صحيح، وصارم، وحازم، ولغته لا تحتاج إلى أي تأويل، ويمكن أن يكون بل هو بالذات نقطة الإحالة ــ خلافا لذلك الإنسان العظيم دريدا الذي ينفي كل إحالة ــ التي يجب أن نُرجِع إليها كل الروايات التي تتعرض من قريب أو بعيد إلى كتاب الله، ومن هنا يمكننا أن نقول أن كل رواية تتحدث عن مصحف فاطمة ــ إن كان له وجود سابقا و/ أو حاليا و / أومستقبلا ــ يفيد أو يوهم بأنه وحي، وإنه قرآن بالمعنى المتداول عن كتاب الله عز وجل، و إنه ينافس القرآن المجيد في معلوماته، وتبيانه، والحاجة إليه... إن كل هذا الكلام محكوم عليه بالخرق، ومحكوم عليه بالهراء، ذلك أن الرواية السابقة حاكمة، بما لها من وزن من التوثيق، ووزن من صراحة اللغة، ووزن من صرامة الموقف، فإن القرآن حسب هذه الرواية الكريمة، لا كتاب بعده ( أبدا )، وفيه تبيان لكل شي، وبالتالي، ما معنى مصحف بإسم مصحف فاطمة ينزل من السماء، ويضاهي كتاب الله تعالى ؟ إن هذه الرواية تنفي كل كتاب منافس لكتاب الله عز وجل، بأي صورة كان هذا التنافس. هذا فيما إذا كانت الروايات التي تتحدث عن ( مصحف فاطمة ) يمكن الإطمئنان إليها، وهو ما سوف أتعرض له بالتفصيل. إن هذه الرواية ومن قبيلها الكثير مرجعية نهائية... نقرا مثلا عن إمام الجعفرية الثامن ( أن شريعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم لا تُنسخ إلى يوم القيامة، فمن أدعى النبوة بعده أو أتى بعد القرآن بكتاب فدمه مباح لكل من سمع ذلك منه ) / بحار الأنوار 79 ص 221 /. هل هناك ما هو اوضح من هذا الكلام الجميل ؟ ولكن... وما أدراك ولكن ! أعرف سوف يجابهني بعضهم بروايات عن ( مصحف فاطمة ) قد تدعي هذه الروايات أن هذا المصحف بوحي ملك، وهو مصحف يعادل القرآن ثلاث مرات، وهو كتاب ليس فيه ما في القرآن الكريم... أعرف ذلك... ولكن ! لماذا ننسى الروايات الجعفرية الأخرى التي تنفي أن يكون هناك وحي بعد أن ذهب رسول الله إلى ربه ؟ الروايات التي تقول أن القرآن تبيان لكل شي ؟ ولماذا لا نأخذ بنظر الإعتبار عشرات من علماء الشيعة قديما وحديثا ينكرون أن يكون هناك قرآن غير الذي بين أيدينا ؟ ولماذا لا نتعامل مع الحس الشيعي العام، حيث لا نجد في مساجدهم وحسيناتهم وفواتحهم وتفسيراتهم غير هذا القرآن ؟ روايات المصحف الفاطمي المزعوم أشكال، وألوان، وأصناف، مما يدل على أن القضية ملتبسة، وفيها قيل وقال، وفيها أسرار خفية، وأخف رواية هي تلك التي تقول أن مصحف فاطمة هو مجموعة روايات أملاها رسول الله صلى الله عليه وسلم على فا طمة، لا أكثر ولا أ قل ! لماذا لا نأخذ هذه الصيغة بنظر الإعتبار، ونركز على غيرها مما يوهم با لكفر وا لتمرد على الله ؟ هل في ذلك ضرر وخروج على قواعد الوحي الكريم ؟ إذن لنقرأ الروايات التالية : ــ • في طبقات بن سعد (... رأيت عند عبد الله بن عمرو صحيفة، فسألته عنها، فقال : هذه الصادقة، فيها ما سمعت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،وليس بيني وبينه أحد ) / المصدر 4 ص 262 / • في سنن الدارمي ( ما يرغبني في الحياة إلاّ الصادقة والوهط، فاما ا لصادقة فصحيفة كتبتها عن رسول الله صلى الله وسلم، وأما الوهط فأرض تصدق بها عمرو بن العاص كا ن يقوم عليها ) / المصدر 2/ 127 / • ونقرا في تقييد العلم ( أخبرنا علي بن عبد الله المؤمل، أخبرنا إسماعيل بن محمّد الصفار، حدّ ثنا عباس بن محمد بن حاتم، حدّثنا محمّد بن الصلت، حدثنا شريك عن ليث عن طاووس عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : الصادقة : صحيفة كتبتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ) / المصدر ص 84 /. وهناك أكثر من رواية ورواية في هذه الصحيفة، ومايكمل مهمة البحث الذين نحن في صددها، أن هذه الصحيفة توارثها أحفاد عبد الله بن عمرو، حتى إستقرت عند حفيده ( عمرو بن شعيب بن محمّد بن عبد الله بن عمرو ) المتوفي سنة 120 هجرية أو سنة 118 هجرية، وكان يروي عنها قراءة وحفظا من أصلها / أصول الحديث ص 194 / هل هناك مزيد ؟ نعم ! هناك صيغة تفيد أن الصحيفة عبارة عن كتابين، أ حدهما حديثي تشريعي، والثاني غيبي تكويني، فقد ( قال أبوسعيد بن يونس في تا ريخ مصر عن حياة بن شريح، قال : دخلت على حسين شُفي ـ إسم شخص ــ بن مانع الأصبحي، وهو يقول : فعل الله بفلان، فقلت : ماله ؟ فقال : عمد إلى كتابين، كا ن شفي سمعهما من عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، أ حدهما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في كذا وقال رسول الله ف كذا، والآخر : ما يكون من الأحداث إلى يوم القيامة، فأخذهما، فرمى بهما بين الخولة وا لباب ) /خطط المقريزي 2 ص 332 /. هل هناك مزيد ؟ هنا ك أ كثر و أكثر، ولكن نؤجله لوقت أ خر... ماذا نستفيد من صحيفة عبد الله بن عمرو بن العاص هذه ؟ أولا : أن له صحيفة باسمه، هي صحيفة عبد الله بن عمرو... ثانيا : إن هذه الصحيفة صادقة في كل ما فيها. ثالثا : أنه سمعها عن رسول الله. رابعا : سمعها عنه وحيدا. خامسا : فيها قضاء ما كان وما يكون. ترى أي فرق بين صحيفة فاطمة وهذه الصحيفة، صحيفة فاطمة بصورتها المعقولة ؟ لا شي ولكن حب واحكي وأكره واحكي وإذا كان الكافي خال من أي حديث نقلا عن هذه الصحيفة إلا نادرا، فأن صحاح السنة تضمنت الكثير من صحيفة عبد الله هذا، وهناك كتاب بهذا العنوان، أي الصحيفة الصادقة مستل من الصحاح وغيرها ! ! لا أريد أن أسرد الكثير عن هذه الصحيفة، ولأجل المزيد راجع ( مشكلة تدوين الحديث في عصر البنبي، تاليف غالب حسن الشابندر طبع وتوزيع دار العلوم سنة 1994، بيروت، وقد عرضه للطبع مرة ثانية على دار نشر كان يملكها نائب رئيس مجلس العراقي الان الشيخ خالد العطية، ولكن الأخير رفض طبعه بحجة إن المؤلف يتهجم على العلماء ونشك بولاءه الاسلامي، وهو علماني النزعة !!!!!، اتمنى أن أطبعه مرة ثانية بعد زيادة وتنقيح ). لا أريد أن اطيل... ولكن أقول : هناك منطق السني المسلم ومنطق السني الطائفي، كذلك هناك منطق الشيعي المسلم ومنطق الشيعي الطائفي... وبالنسبة لي، لا أصدق بمصحف فاطمة بأي صورة ورد، ولا أصدق بصحيفة عبد الله بن عمرو بن العاص رغم صحتها في الفكر الروائي السني... وإلى اللقاء في الحلقة الرابعة.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مصحف فاطمة (الجعفري) هل هو موجود حقا؟ غالب حسن الشابندر (Re: Sabri Elshareef)
|
بين البخاري والكافي ..مفارقة كبيرة . البخاري هو الكتاب الروائي (السني) الأول، والكافي هو الكتاب الروائي (الشيعي) الأول، وكل من الطرفين أو الفريقين يمتدح كتابه واصفا إياه بما يفيد أنه العمدة بعد كتاب الله عز وجل، ولكن يجب أن لا نغفل أن هناك فروقا جوهرية بين الكتابين، لا أقصد على صعيد المضمون، سواء في جانب العقيدة أو التاريخ أو الاحكام أو المناقب أو التفسير... فذلك أمر واضح، ولكن من جوانب أخرى لا مندوحة من وصفها بالجوهرية حقا. ومن أهمها بل اهمها هي أن (البخاري) صحيح بكل ما جاء فيه، فيما لا يدعي الجعفرية ن كل ما جاء في (الكافي) صحيح. وقد يتصور البعض انه فارق سهل... والحقيقة... لا أن التصور السني عن كتابه الروائي الأول (البخاري) يوجب عليك التعامل معه وفق منطق (الوثوق ما قبل والوثوق ما بعد)، فيما التصور الجعفري عن كتابه الروائي الأول (الكافي) يوجب عليك التعامل معه وفق منطق (عدم الوثوق ما قبل، وربما ما بعد أيضا). كيف ؟ لقد حكم الفكر السني بصحة كل ما جاء في هذا الكتاب، وعليه يجب عليك أن تكون متلقيا لا شاكا فضلا عن كونك مخطئا أو رافضا، ولا يمكنك ان تشك، وشكك مردود من الجذور، وعليك أن تحل (شكك) فيه على إساس التسليم كـ (حل) نهائي، فيما أعييتك قواك العقلية من التفسير المعقول أو التأويل على نحو من الأنحاء، وذلك لانه صحيح أولا، وصحيح على كل حال. وإذا سألت عن مصدر هذه الصحة المطلقة يكون الجواب أنه (كتاب) قد أحكمت أحاديثه ضبطا، وتحقيقا، وتثبيتا، وتأصيلا، فمن أنت كي تتحدى شيخ المحدثين ؟ أو تشكك بنزاهته ؟ أو تتوهم فيه خطا أو نسيانا أو تزلفا ؟ وفي أقصى الحالات يقولون لك : أن جامع الكتاب بلغ من العلم والقدرة والحنكة ما مكّنه من جمع كل هذا الكم من الروايات على أسس متينة، ومضبوطة، وبالتالي، لا مجال لإنكار أو شك، وفي النتيجة أن كل ما في الكتاب صحيح، وعليك أن تستسلم.
فالتعامل مع كل ما جاء في (البخاري) مسبوق بالوثوقية، وملحوق بالوثوقية أيضا، وبكل صراحة، وبالتجرُّد جهد الإمكان من دواع مسبقة، إكتسب كتاب (البخاري) ما أستطيع أن أسميه (نَحوَ) صفة قرآنية بشكل وآخر... أقول (نحو)، والتعبير دقيق لمن يعرف أسرار اللغة وفنونها. فهو صحيح بكله، سندا ومتنا وأرقاما واسماء وأمكنة وتاريخا واحكاما وتصورت وأفكارا ونظرات وأخلاقا وآخبارا.... من الجلد إلى الجلد، ثم هو حاكم على الكتاب الكريم، تفصيلا وتوضيحا وبيانا وتفريعا... وعليك أن تتعامل معه حقيقة تكاد تكون مطلقة. وفيما شككتَ أو أنكرتَ عليك أن تتخذ أحد موقفين، أما الخروج من ربقة الإيمان به كله، وأما أن تستسلم في النهاية.
هذه هي النظرية السنية بشكل عام من حيث التعامل مع كتاب البخاري، ومن هنا سمي (صحيح البخاري)، وكل حديث تنطبق عليه شروط البخاري يلحق بالبخاري، مما يعني أن قواعده النقدية تكاد أن تكون معصومة. الامر يختلف بالنسبة لكتاب (الكافي) عند الجعفرية، فهو لا يخضع لقاعدة (الوثوق القبلي ولا الوثوق البعدي على نحو الجزم)، فليس كل ما في (الكا في) صحيحا، ومن هنا كل حديث مشكوك بداية، فيحتاج إلى عملية تشريح نقدية قاسية، وبالفعل كانت عملية الجزر الرهيبة في جسد هذا الكتاب، فقد رُفِض ثلثاه ! ولم يقبل إلا ثلث منه، وهذا الثلث هو الآخر ليس معصوما، فقد ينقص وقد يزيد بين ناقد وآخر، وقد يتحول الخلاف على راو واحد إلى معركة قاسية شرسة. وما قد يثبت لك عدله وحسنه ووثاقته قد ينتقص عندك وزنه فيما بعد، ومن هنا لم يسمَّ (صحيح) الكافي، بل هو (الكافي) وحسب. وقد عمل أحد علماء المذهب الجعفري لحصر ما صح عنده، وعنون كتابه بـ (صحيح الكافي)، فكان حظه من النقد الجارح كثيرا، فاستبدله بـ (زبدة الكافي)، وحسنا فعل. فأنت تتعامل مع الكافي إذن ليس على نحو التلقي، بل على نحو الشك المسبق، ولك الحق أن تشك ما دام شكك منهجيا، ومن حقك أ ن تنكر فيما إذا تسلحت بآدوات البحث العلمي الرصين. لم يكتسب كتاب (الكافي) ما أسميته في خصوص (البخاري) بدقة (نحو صفة قرآنية)، لأنه قابل للتكذيب، قابل للتجريح، حتى فيما يصح لك، ويصح عند غيرك، يمكن أن ينقلب يوما إلى الضد من هذه المنزلة في قائمة ما أمضيته من حقيقة أو قريب من الحقيقة. فإنت يمكنك أن تدخل إلى رحاب (الكافي) بلا خوف، بلا وجل، بلا تردد، فيما لا يمكنك أن تدخل إلى رحاب(البخاري) إلا وأنت في الوادي المقدس، هناك رعب مسبق يحيط بك، يحتل قلبك، يسيطر على مشا عرك، هو يقودك وليس أنت الذي تقوده، هو الذي يقرأك وليس أنت الذي تقرآه، أما بالنسبة (للكافي) فتدخل إلى ساحته مستلطا عليه، باحثا بين سطوره، ربما تعثر على ما يخدش سمعته أ و منزلته الروحية. فأنت مع (الكافي) ليس بين موقفين، إما الإيمان بكله أو برفضه كله، بل بين أن تؤمن وأن ترفض، على طول الكتاب وعرضه، شرط أن تدخل عالمه بآدوات بحثية رصينة، غير منحازة.
وقد أجترح بعض علماء المذهب الجعفري في الأيام الأخيرة أطروحة رائعة في التعامل مع النص الروائي، قوام الأطروحة، أن العبرة ليس بصحة السند، بل بصحة الصدور، وصحة الصدور لا تتوقف على صحة السند وسلامة المتن وحسب، بل قد تكون الرواية مرفوضة حتى إذا صح سندها وحسن متنها كما يرى الباحث، حيث هناك قرائن يمكن أن تكذب المتن، بالرجوع إلى زمان الرواية ومكانها وظروفها وعلاقتها بالقرآن وعلاقتها بالعقل، وبالمقارنة مع الروايات الأخرى، ومدى معقولية الرواية بالنسبة للممكنات التي تخص الراواة، وما شاء الله من قرائن وإمارات ونكات ومواقف يمكن أن تلعب دورا رئيسيا في تمحيص الروايات والاخبار. والذي دعا بعض الشيعة إ لى إجتراح هذه الطريقة، هي ندرة رجل من رجال الشيعة لم تتوجه إليه تهمة الفسق أو الظلم أو الكذب أو الزور أو التعاون مع السلطان أو حب الد نيا أو التحايل على أهل البيت، وذلك بالاستناد إلى روايات المدح والذم الجعفريين. وبالمناسة تلك هي آفة مهلكة نجدها حتى لدى علم الرجال السني، حيث يندر أن يسلم راو سني من الطعن، في ضوء روايات المدح والذم السنيين، حتى قال أ حدهم، أ ننا إذا تتبعنا ما يقوله رجال الجرح والتعديل لم يسلم لنا راو على الإطلاق. ثم أضاف بعض علماء الشيعة المتأخرون ضابطا أخر في التعامل مع التراث الروائي، ذلك أن القرآن هو الحاكم على الرواية وليس العكس، ومن هنا قد يستتبع ذلك حذف ورفض الكثير من الروايات التي تمتمع بكل مقاييس القبول من الناحية السندية والمتنية، ولكن لأنها تخالف روح القرآن ترفض. وهذه قفزة هائلة، ربما تؤدي إلى تقليص التراث الروائي إلى حد كبير كبير جدا.
إذن كيف نتعامل مع روايات مصحف فاطمة الآن ؟ نقرا روايات مصحف فا طمة في ضوء كل هذه المقتربات، وربما يستجد لنا في الطريق مقتربات نقدية وتمحيصية أخرى... روايات الكافي في المصحف تطالعنا في (الكافي) ست روايات عن هذا المصحف، جاءت في الجزء الاول من كتاب أصول الكافي للكليني، وذلك في باب رقم (96) تحت عنوان (وفيه ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة عليها السلام) وهي روايات رقم (1، 2، 3، 4، 5، 8) من أصل ثمان روايات يضمها الباب المذكور. الروايات كلها (عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن... عن أبي عبد الله عليه السلام) ما عدا الرواية رقم (4) فهي بسند (علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عمّن ذكره، عن سليمان بن خالد... أبو عبد الله عليه السلام...)، فالروايات (1، 2، 3، 5، 8) هي رواية أحاد فلا تغرنا الكثرة، ذلك أنها تشترك في رواية واحد هو المدعو (أحمد بن محمّد) كما سنرى. والراوي المذكور مشترك بين إثنين، الأول هو : أحمد بن محمّد بن عيسى الاشعري القمي) والثاني هو : (أحمد بن محمد بن خالد البرقي)، وسنأتي على قراءة نقدية لكلا الشخصيتين إن شا ء الله تعالى. ولكن عندما نراجع كتاب (صحيح الكافي) للشيخ محمّد باقر البهبودي في جزئه الاول يتخطى هذا الباب بكله، ولم يؤشر على صحة أي رواية من هذه الروايات ! فهل لأن المؤلف يرى أن الشخصية في الروية هو (أحمد البرقي)، ذلك أن البهبودي يرى في الشيخ (أحمد بن محمد بن خالد البرقي) ضعيفا ! وقد نص على ذلك بقوة وشراسة في كتابه المعروف (معرفة الحديث) صفحة 108. ولكن دعنا ننظر بالروايات تباعا... ومن ثم ننظر في الراوية العمدة، أي في شخص أحمد بن محمد هذا...
الرواية رقم(1) في الكا في (عدة من أصحابنا،عن أحمد بن محمد، عن عبد الله بن الحجال،عن أحمد بن عمر الحلبي، عن أبي بصير، قا ل : دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقلت له : جعلت فداك إنّي أسألك عن مسألة،ههنا أحد يسمع كلامي ؟ قال : فرفع أبو عبد الله عليه السلام سترا بينه وبين بيت آخر، فأطلع فيه ثم قال : يا أبا محمد سل عمّأ بدا لك، قال : قلت : جعلت فداك إن شيعتك يتحدثون أن رسول الله صلى الله عليه و أله وسلم علم عليا بابا يفتح له منه ألف باب ؟ فقال : يا أبا محمد علم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الف باب... ثم سكت ثم قال : وأن عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام، وما يدريهم ما مصحف فاطمة عليها السلام ؟ قال : قلت : وما مصحف فاطمة ؟ قال : مصحف فاطمة فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرّات، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد، قلت : هذا والله العلم، قال : إنه لعلم وما هو بذاك...). ولست في معرض نقد المتن، ولكن من هو عبد الله بن الحجال ؟ هذا الرجل من المجاهيل، لم يرد فيه توثيق، كما جاء في معجم الخوئي / 10 رقم 6784 / والرجل ليس من المجاهيل فحسب، بل إضافة إلى ذلك من المغمورين في تاريخ الرواية، وميدان الرواية، فهو لم يرو أ كثر من روايتين، أحدها التي نحن معها. فإن هناك الكثيرين من الرواة مجهولين الحال، ولكنهم رغم ذلك أصحاب باع وحضور طاغ في ميدان الرواية، كما هو الحال مثلا جابر بن يزيد الجعفي، فهذا الرجل ليس مجهولا بل مطعونا به، ولكنه منغمس بعالم الرواية. فهل بعد ذلك يمكننا أن نطمئن إلى هذه الرواية ؟
الرواية رقم (2) في الكا في (عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عمر بن عبد العزيز، عن حمّأد بن عثمان، سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : تظهر الزنادقة في سنة ثمان وعشرين مائة وذلك نظرت في مصحف فاطمة عليه السلا م، قال : قلت : وما مصحف فاطمة ؟... أما أ نه ليس فيه شي من الحلال والحرام ولكن فيه علم ما يكون). نؤجل الحديث عن المضمون، ولكن نريد نسأل عن(عمر بن عبد العزيز) الذي يروي عنه الراوية العمدة (أحمد بن محمّد) ؟ وصفه النجاشي بانه عربي، بصري، (مخلط)، وفي الكشي يروي عن الفضل بن شاذان بأنه يروي (المناكير...) / المعجم رقم 8758 /.
الرواية رقم (3) في الكافي (عدّة من أصحابنا،عن احمد بن محمّد، عن علي بن الحكم،عن الحسين بن أبي العلاء قل : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : إن عندي الجفر... ومصحف فاطمة، ما أزعم أن فيه قرآنا، وفيه ما يحتاج الناس إلينا، ولا نحتاج إلى أحد حتى فيه الجَلْدة ونصف الجَلْدة، وربع الجلدة، وارش الخدش...). وهذه الرواية تختلف عن سابقتيها أختلافا جوهريا، فان الروايتين السابقتين لا تنسب لـ (مصحف فاطمة) أي حرف تشريعي، بل هو مصحف إخباري، تكويني... فهي معارضة بما سبق. وقد قال احدهم لحل هذا التعارض [أن قوله : فيما يحتاج إليه الناس، ليس معطوفا على قوله (ما أزعم ان فيه قرآنا) ليكون بيانا لما يحتويه المصحف، وإنما معطوف على قوله (زبور داود،وتوراة موسى...) ]. ولا أريد أن اناقش هذا الرجل، فإن العطف على القريب أولى من العطف على البعيد باتفاق كل النحويين، ولكن الرجل يريد أن يخلص الرواية من المعضل.
الرواية رقم (4) في الكافي (علي بن إبراهيم،عن محمد بن عيسى، عن يونس،عمَّن ذكره، عن سليمان بن خالد قال : قال أبو عبد الله عليه السلام... وليخرجوا مصحف فاطمة عليها السلام، فإن فيه وصّية فاطمة عليها السلام...). وهذه الرواية ضعيفة بـ (عمّن ذكره)، والراوية يتحدى فيها الأمام الصادق عليه السلا م بني الحسن فيما يدعون أنه عندهم الجفر والمصحف وغيرهما ! والرواية ضعيفة أيضا بـ (محمّد بن عيسى)، فهذا الراوي هو : أبو جعفر محمّد بن عيسى بن عبيد اليقطيني، وقد ضعّفه الطوسي في الفهرست رقم (612)، وممّا قال عنه (وقيل : إنه كان يذهب مذهب الغلاة)، وقد ضعَّفه في(رجاله) في أصحاب الإمام الرضا والهادي، وضعّفه في (رجاله) قسم (من لم يرو عنهم)، ومن إمارات التضعيف هنا، أن إستثناه الفقيه الراوي الكبير (أبو جعفر محمّد بن بابويه) في كتابه (نوادر الحكمة) فلم يرو عنه وقال (لا أروي ما يختص برواياته)، واستثناه أيضا العالم الروائي الرجالي الكبير بن الوليد فيما يروي عن (يونس بن عبد الرحمن) منقطعا أو منفردا به. ولكن (النجاشي) وثّقه، ومن هنا كانت معركة في خصوص الرجل بين توثيق وتضعيف، وقد إنتصر الخوئي لتوثيقه، وحصر تضعيف الطوسي والنجاشي للرجل بما يرويه عن (يونس بن عبد الرحمن) منقطعا، أي روايات يونس المنقطعة، أما في غير ذلك (فلم يظهر من أبن الوليد ولا من الصدوق،ترك العمل بروايات محمد بن عيسى بن عبيد) / المعجم 17 ص 117 /. ولكن هناك من يضعفه مطلقا مثل الرجالي المعاصر باقر البهبودي / معرفة الحديث ص 219 رقم 127 /. والحقيقة النتيجة سواء على مبنى ا لخوئي او ا لبهبودي الرواية ضعيفة بهذا الراوي، لأنه يروي عن (يونس بن عبد الرحمن) وهذا يروي (عمَّن ذكره). ولست أدري كيف يجرا بنو الحسن على مثل هذا الإدعاء ؟ ليس لكونهم ثقاة أو شي من هذا القبيل، ولكن لأن مثل هذا الموقف يحرجهم كثيرا، ولكن الذي يسهل الخطب أ ن الرواية ضعيفة. على أن في الرواية فذلكة جديدة، تلك هي أن مصحف فاطمة هذا يتضمن وصيّة فاطمة أيضا ! وهو ما لم نجده في الروايات السابقة عليه.
الرواية رقم (5) في الكا في (محمد بن يحي، عن أحمد بن محمّد، عن أ بن محبوب، عن ابن رئاب،عن أ بي عبيدة قال : سأل بعض أصحابنا أبا عبد الله عليه السلام عن الجفر قال.... فمصحف فاطمة عليها السلام... أن فاطمة مكثت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خمسة وسبعين يوما، وكان دخلها حزن شديد على ابيها، وكان جبريل يأتيها فيحسن عزاءها على أبيها، ويطيِّب نفسها، ويخبرها عن أبيها ومكانه، ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها، وكان علي عليه السلام يكتب ذلك، فهذا مصحف فاطمة). إن نقطة الضعف البادية في هذه الرواية، هو إننا لا نعرف من لحنها أن أبا عبيدة هذه سمع تلك المقالة في حضرة الإمام الصادق عليه السلام، أم إنه سمع ذلك عن الأصحاب الذين كانوا قد سألوا الا مام ! ولإننا لا نعرف هؤلاء الاصحاب، يكون من الصعب إعطاء إطمئنانا لهذه النقل كونه عن الصادق حقيقة. ولكن من هو (أبو عبيدة) هذا الذي يروي عن الصادق عليه السلام ويروي عنه (علي بن رئاس) يوجد في كتب رجال الشيعة رجلان بهذه الكنية يرويان عن الصادق، ويروي عنهما (علي بن رئاب)، الأول هو : أبو عبيدة زياد بن عيسى الحذاء، والثاني هو : أبو عبيدة المدائني. وكما قلت، كلاهما يرويان عن الصادق، وكلاهما يروي عنهما (علي بن رئاب)، فهما مشتركان، ولكن الاول، أي أبو عبيدة الحذاء ثقة / المعجم 7 رقم 4797 / والثاني، أي أبو عبيدة المدائني لم يوثق / المعجم 21 رقم 14527 / وبالتالي، فإن من الصعب أن نحسب هذه الرواية على (أبي عبيدة) الثقة لإشتراكه بالراوي والمروي عنه مع (أبي عبيده) غير الموثق، فيما حاول احدهم حل هذا المشكل، بقوله إن رواية (علي بن رئاب) عن (أبي عبيدة)الثقة أكثر من رواية (أبي عبيدة) غير الموثق !!!، ومن الواضح الدفاع المستميت هنا. خاصة وأن (أبا عبيدة المدائني) غير الموثق يروي في مجال الفضائل الكونية في حق الأئمة، ومنها روايته في الكافي الجزء الأول، كتاب الحجة، باب الإئمة عليهم السلام إذا شاءوا أن يعلموا علموا، حديث رقم (3). وإن الإشتراك جار حتى لو كان هناك فرق كبير في عدد الراوين عن المشترِكين، وليس لهذا الذي قدم هذا الحل قادر على التمييز أصلا. الرواية رقم (6)وفي الكتاب (رقم 8) في الكافي (محمّد بن يحي، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمّد، عن عبد الصمد بن بشير، عن فضيل بن سكرة قال : دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقال : يا فضيل : أتدري في أيّ شئ كنت أنظر قبيل ؟ قال : : قلتُ : لا، قال : كنتُ أنظر في كتاب فاطمة، وليس من ملك يملك الأرض إلا وهو مكتوب في باسمه وأسم أبيه، وما وجدت لولد الحسن فيه شئيا). ومن المعلوم ليس المقصود بالضرورة من (كتاب فاطمة) ذلك المصحف الذي نتحدث عنه. نقد سريع لروايات الكافي هنا وبعد هذا الاستعراض الطويل نسبيا نستطيع أن نضع نسجل النقاط النقدية السريعة التالية، كما سنأتي على تشريح نقطة الضعف الكبيرة في السند، أي معضلة الإشتراك في الراوية العمدة الذي هو (احمد من محمد)، كذلك في تشريح المضامين من رواية إلى أخرى، كما أننا سوف نستعرض كل روايات البصائر في حلقات مقبلة بإذن الله. أولا : الرواية الأولى ضعيفة بالراوي (عبد الله الحجال) لانه غير موثق. ثانيا : الرواية الثانية ضعيفة بالرواي (عمر بن عبد العزيز) لانه غير موثق. ثالثا : الرواية الثالثة ضعيفة بمعارضتها لمضمون الروايات الأخرى، فهي تشير إن مصحف فاطمة يحتوي التشريع فيما الأصل فيه أنه كتاب تكويني اخباري كما يزعمون. رابعا : الرواية الرابعة ضعيفة بـ (عمّن ذكره)، وكذلك بـ (محمد بن عيسي اليقطيني). خامسا : الرواية ضعيفة بالرواي (أبي عبيدة) بسبب الإشتراك بين الثقة وغير الثقة. سادسا : الرواية السادسة، وهي الثامنة في ترقيم الكافي ضعيفة بأن ليس بالضرورة كلمة كتاب هنا تنصرف إلى المصحف المبحوث عنه هنا. وقبل هذا وذاك اسال بكل برائة، هل هذا السند البسيط يتناسب مع ثقل مصحف فاطمة كما يصفوه وينعتوه ؟ هل هناك توازي بين ثقل الموضوع وثقل سنده ؟ مجرد سؤال سريع، ولنا أكثر من عودة إن شا ء الله وفي حلقة مقبلة نفصل في مشكلة الإشتراك، والحمد لله رب العالمين
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مصحف فاطمة (الجعفري) هل هو موجود حقا؟ غالب حسن الشابندر (Re: Sabri Elshareef)
|
مصحف فاطمة في روايات الكافي... مقاربة نقدية (2)
(الراوية) العمدة
الراوي العمدة في روايات (مصحف فاطمة) في كتاب الكليني هو (أحمد بن محمد)، وهذا الراوي مشترك بين كثير من الشخصيات الروائية الشيعية، ولكن أهمها شخصيتان روائيتان كبيرتان ــ وهما يتصلان مباشرة بموضوعنا ــ في التراث الشيعي... وهما: ــ الأول: أحمد بن محمد بن خالد البرقي. الثاني: أحمد بن محمد بن عيس الأشعري. وإذا كان لكل منهما من يروي عنهما في الكافي في مدخل (حدثنا عدة من أصحابنا) ما عدا الإشتراك براوية واحد ذلك هو (أبو الحسن علي بن إبراهيم بن هاشم القمي)، فأنهما يرويان عن مشتركين كثر، وهنا تكمن المشكلة، فإن التمييز بين الراويتين يكون عسيرا وصعبا. وأننا نجد هذا الإشتراك واضحا في الرواية عن (أ حمد بن محمد) في مصحف فاطمة بالذات. وليس من شك أن القضية تكون منتهية لو كان كل منهما ثقة، ولكن هناك شكوك تدور حول أحدهما على أقل تقدير، أقصد (أحمد بن محمد بن خالد البرقي) ولذلك حكم (محمد باقر البهبودي) بضعف كل روايات (الكا في) الواردة في مصحف فاطمة، فإن هذا التضعيف يبدو بسبب الإشتراك بين الراويين من جهة ولضعف البرقي من جهة أخرى لدى البهبودي.
وفي الحقيقة ليس البرقي فقط محل نظر، بل الإشعري هو الآخر لا يخلو من غمز بعدالته، وعلى كل حال البحث الموضوعي يتطلب فحص حال الرجلين. فنحن نقرا في الرواية الا ولى عن (مصحف فاطمة) في (الكافي) كما مر بالبحث السابق أن (أحمد بن محمد) يروي عن (عبد الله بن الحجّال)، ولم نقدر أن نحكم من هو ( أحمد) هذا، هل هو الأشعري أ م البرقي، ذلك إن الحجال يروي روايتين فقط أحدهما هذه التي نحن في صددها / المعجم 10 رقم 6784 /. وبالتالي من الصعب تمييز أي الأحمدين يروي هنا عن (الحجال ). وفي الرواية الثانية يروي (أحمد بن محمد) عن ( عمر عبد العزيز)، وهذا الاخير لم تثبت وثاقته، وقد خصّه الخوئي باحمد بن محمد الأشعري بلا دليل. وفي الرواية الثالثة يروي ( أحمد بن محمد) عن (علي بن الحكم) وهذا مشترك بين كل من الأحمدين / راجع معجم الخوئي 2 رقم 858 ص 267، ص 302 /. والرواية الرابعة يروي ( احمد بن محمد) عمّن (ذكره) وهذه دلالة ضعف بطبيعة الحال، أما الرواية الخامسة، ففيها يروي (احمد بن محمد) عن (أبن محبوب) وهذا مشترك بين الأشعري والبرقي أيضا / راجع الخوئي نفس المعطيات السابقة / وأما في الراوية السا دسة التي هي رقم (8) في كتاب الكافي، فإن (أحمد بن محمّد) يروي عن (الحسين بن سعيد) وهذا يروي عن كلا الأحمدين أيضا / المصدر نفس المعطيات /. نعم وبالاعتماد على الخوئي / المعجم 13، رقم 8758 ص 41 / ينفرد (احمد الأشعري) بالرواية عن (عمر بن عبد العزيز /الرواية الثانية) ولكن عمر هذا ضعيف كما قلنا، وهو موقف بلا سند.وبالتالي، من الصعب التمييز بين الأحمدين.
قال الشيخ محسن أصف الحسيني نقلا عن كتاب (سماء المقال) وهو من الكتب الرجالية المهمة لدى الشيعة (كل أحمد بن محمد بعد الكليني... بواسطة العدة فهو أحد الأحمدين: ابن محمد بن عيسى، أو ابن خالد البرقي) / بحوث في علم الرجال ص 213 / وبالتالي، لا أدري كيف خص الخوئي عمر بن عبد العزيز بـ (أحمد الأشعري)! وفي الحقيقة، وقبل أن أنتقل إلى الفقرة الثانية من البحث، بودي أن أعلق على معضلة المشتركات في علم الرجال السني منه أو الشيعي.
شيء عن معضلة الإشتراك إن الإشتراك الرجالي في علم الرجال الإسلامي دليل قوي على إرتباك حاسة النقد عند علماء الحديث، فهل كان هؤلا ء يقدرون ما يمكن أن يجلبه هذا الخلل من متاعب على الباحثين وطلاب الحقيقة من بعدهم؟ أم أن هناك لعبة وراء الاشتراك مثلا؟ لا أدري بطبيعة الحال، ولكن هو دليل على أن هؤلاء المحدثين الكبار لم يجيدو لعبة العلم. فإن الإشتراك مشكلة كبيرة، وتؤدي إلى ضياع الكثير من العلم، وربما تشوه الحقيقة، فهل كانوا على درجة من الوعي الروائي بعد كل هذا؟ إن معضلة الإشتراك تشكك بقدرات هؤلاء على فهم التاريخ، وتعطي دليلا قويا على حاستهم غير الواعية لما يحدث بعدهم! وهي معضلة تجعلنا نعيد تقييمهم علميا بشكل ادق. أن الإشتراك خلل سندي كبير، يبرهن على أن علم السند الذي يفاخر به المحدثون وبعض علماء المسلمين يعاني كثيرا من الإرباك وكثيرا من الإلتباس، فهل تمر هذه الثغرة بلا حساب؟ السند علم شريف عالي المهمة، وقد رووا روايات عن النبي الكريم أن أ مته يفتخر بها النبي أن أمته هي ا مة (إسناد)، ولا أدري مدى صحة هذه الروايات، ولكن الإشتراك الرجالي بهذه السعة، وبكل ما جلبه من متاعب ومضيعة يجبرنا على القول بان هؤلاء الناس لا يمتلكون حسا نقديا وتشريحيا وأخباريا بتلك الدرجة التي تشاع عنهم. بل أقول أن ما يقود إليه الإشتراك من خلط وفوضى ينم عن إغفال بأهمية السند، فالسند ليس توثيق هذا الراوية وذاك فحسب، بل هو ضبطه بالشكل الذي لا يحير الأخرين، ضبطه بالشكل الذي يوفر فرصة لبناء تصور تا ريخي، وإمضاء لما هو شرعي، وأخلاقي، وإلا لماذا يتعبون أنفسهم بحفظ الرواية عن النبي الكريم؟ هل هذه الثغرة أو هذا الغفلة جزء من وعي سندي وحديثي عال الأفق؟ هل وراء الإشتراك لعبة؟ ربما! لا أدري... يحتاج إلى سبر الروايات التي يكثر فيها الإشتراك لأكتشاف السر.
الرواية (أحمد بن محمد البرقي) قال الطوسي في الفهرست رقم 20: (أحمد بن محمّد بن خالد بن عبد الرحمن... البرقي، أبو جعفر، أصله كوفي... كان ثقة في نفسه، غير أنّه أكثر الرواية عن الضعفاء، وأعتمد المراسيل، وصنّف كتباً كثيرة، منها المحاسن وغيرها...). الطوسي في هذا النص يوثّق البرقي، ولكنّه يستدرك، و كانت مادّة الاستدارك مركبة من قضيتين، هما حسب ما جاء في النص: ـــ الأول: أكثر الرواية عن الضعفاء الثاني: إعتمد المراسيل. قال النجاشي رقم 182: (أحمد بن محمّد بن خالد... كان ثقة في نفسه، يروي عن الضعفاء، وأعتمد المراسيل... ). وبالتالي هناك تطابق بين الطوسي والنجاشي في مسار التقييم في خصوص المترجّم له أحمد بن محمّد بن خالد البرقي. • لقد أكثر الرواية عن الضعفاء! لماذا؟! **هل كان (البرقي) جاهلاً بأنّه يروي عن ضعفاء؟ أن جهله بضعف من يروي عنهم دليل على انه لا يملك حاسة نقدية قوية، أو هو راو غير متمرس نقديا، هو راوية نقلي وليس رواية نقديا، خاصة إذا كان ذلك ظاهرة طاغية في روايته كما هي مع صاحبنا البرقي هذا. وفي تصوري إن إكثار الراوي عن الضعفاء مسألة جديرة بالدرس، يجب أن لا تمر بلا تمحيص، ترى هل لذلك علاقة بضعف حاسته النقدية؟ أم أن لذلك علاقة بتصور عقائدي خاص به حول الفضائل والكرامات التي تخص قادة مذهبه؟ أم أن ذلك نوعا من الدعاية والترويج للحق كما يراه؟ إن مقاييس نقد الراوي يجب أن لا تنحصر بأنه صادق أم كاذب، ضابط أم ليس بضابط، بل يجب أن تتعدى إلى مقتربات أخرى، بما في ذلك عاطفته ومدى تأثيرها على ما يروي، بما في ذلك نظريته حول الفضائل والكرامات، فهناك من لا يرى ضيرا بنشر كل فضيلة بصرف النظر عن راويها! **هل كان (البرقي) يعلم بانّه يروي عن ضعفاء حقا؟ إذا كان هذا صحيحاً فأنه يزيد من هول الكارثة، لانّ ذلك يعني أنّ البرقي لم يعرف مدى المصيبة التي يجلبها للناس والتاريخ والعلم، ربما يقولون: أنّ البرقي أراد بذلك توثيق كل ما يروى عن الائمة عليهم السلام، لئلا يضيع التراث، وهذا مردود للاسباب التالية: ـ 1: انّ الرواية عن الضعفاء مهلكة للدين والفكر، ولو يروي عن الضعفاء مع الاشارة الى ذلك، يكون قد قدّم خدمة جليلة للفكر، ولكن من غير الاشارة الى ذلك يكون قد زجّنا في محرقة علمية. 2: لا يوجد دليل على مثل هذا التفسير. 3: لم يرو عنه شيء من التمييز والتحذير على لسان البرقي نفسه. ولم تكن روايته عن الضعفاء نادرة، بل هي كثيرة، وعبارة الطوسي كانت دقيقة، واستدراكه يحمل معنى كبيراً وذات دلالة، تفيد أقل التقادير ضرورة الحذر في مجال روايات الرجل. ربما يقول بعضهم انّ هذا السلوك كان ورائه دافع الترويج لعلم أهل البيت عليهم السلام، وهو تبرير بارد مرفوض يتقاطع مع خلق القران ومبادئ الاسلام وفكر أهل البيت عليهم السلام. والحقيقة من الغريب جداً تمرير مثل هذه الظاهرة، أي أن نقول بثقة راو رغم أكثاره الرواية عن الضعفاء، لماذا لا تُحاكم هذه الظاهرة محاكمة دقيقة؟ • يعتمد المراسيل!
هذه أكثر إثارة من سابقتها، فأنّ رواية المراسيل عمليّة تنطوي على جهل فاضح بالقيمة العلمية للسنة النبوية الكريمة، وقد تحمل إ دانة علمية و (ربما) خلقية أيضا. المراسيل بلاء علمي يوفر فرصة تحريف الشريعة و العقيدة والاخلاق والتاريخ بمديات خطرة ومدمّرة، وهي على أقل تقدير تدل على سذاجة مثيرة فيما إذا كان الرا وي سليم النيّة، نظيف الطوية. قال (البهبودي) في كتابه (معرفة الحديث): (لم يكن ليهمّنا تعداد كتبه ــ لقد كان مُكثراً في التاليف بشكل مثير ــ إلاّ لنعلم سمْعاً وبصَراُ أنّ الرجل مُكثر فوق حدٍ التقوى، فهذا كتاب المحاسن وقد طُبع منه أحد عشر جزءاً في مجموعة وبلغ أحاديثها ألفين وستمائة حديث، فجميع كتب المحاسن وهي تربو إلى مائة كتاب، لا ندري كم كان يبلغ أحاديثها، ولعلّها تبلغ خمسين ألفاً وأكثر) ــ ص 108 ــ إذا كانت كلمة البهبودي قاسية بدرجة ما، فلنقل أنّ هذا يدلُّ على عدم رعايته لحرمة الحديث وخطورته، وهو يشير الى طبيعة غير مبالية، وكأنه يروي لذات الرواية، او يروي طلباً للشهرة، او يروي كي يحضى بمكسب مادي، وراوية لا يحرص على تقييم الرواية على صعيد أثرها العلمي و العملي يصعب الاعتماد على تراثه الروائي، حتى إذا كان ثقة في دينه، وأمّأ قول بعضهم أنّ ذلك حرصاً منه على حفظ تراث أهل البيت، فدعوى ليس عليها دليل.
يقول البعض إن الاعتماد على المراسيل مسرى أصولي خلافي وهو لا يشير الى فسق الرجل وجرحه، والواقع هذا الكلام ليس حفريّاً، نحن نريد معالجة القضيّة على ضوء الدين والشرع والعقل والظرف. هناك من الناس قد يعتمد على المراسيل لانّ فيها تثبيتاً لأمر آل محمّد مثلاً، فهل نترك هذا التصور بلا تعليل نفسي وعقلي؟ وهل كل ألوان الاعتماد على المراسيل بريئة من الناحية الا خلاقية؟ ثمً هل يجزم أصحاب هذا العلاج بان البرقي كان واقعاً في محنة المراسيل وقيمتها من خلال بحث ونظر ودراسة ليتخذ موقفه هذا كنتيجة نهائية؟ أم هي مسيرة ساذجة لم تكن تخضع لكل هذه المراحل من النظر والفكر؟ هل كان موضوع الاعتماد على المراسيل أساساً مطروح في زمن البرقي حتى يأتي مثل هذا العلاج؟
وهناك منْ يرى بأن اعتماده على المراسيل متأت من أعتماد الصدوقين عليها لورودها في الكتب المعتمدة، فقد قال المجلسي في الروضة (والظاهر أعتماده عليها ـ المراسيل ـ كان كأعتماد الصدوقين بأنّها كانت من الكتب المٌعتمدة، كما يظهر من كتابه المحاسن...) ـ المحاسن 1 / 14 ــ ولكن البهبودي يقول (... وإنّي بعد ما تتبًّعت رواياته وجدتُه يروي عن النسخ المجعولة الموضوعة على أ صحابها الثقات الإثبات كثيرا، ومنها ما كان يرويها عن داود بن القاسم الجعفري أبي هاشم، عن أبي جعفر الجواد...)، ويقصد بذك كتاب منسوب لأبي داود بن القاسم الجعفري المتوفي سنة (261) للهجرة، وهو كتاب موضوع عليه. ومهما يكن الأمر تبقى هي روايات مُرسلة ضعيفة. وأعود للقول: هل نُمضي الاعتماد على المراسيل بهذه السعة دون تمحيص للواقع؟ أي دون سؤال عن القيمة الاخلاقية لهذا العمل؟
قال أبن الغضائري (أحمد بن محمّد بن خالد بن محمّد بن علي البرقي، يُكنّى أبا جعفر، طعن القمّيون عليه، وليس الطعن فيه، إنّما في منْ يروي عنه، فأنّه لا يُبالي عمّن أخذ على طريقة أهل الاخبار، وكان أحمد بن محمّد بن عيسى أبعده عن قم، ثمّ أعاده إليها، وأعتذر إليه) ـ رقم 10 ـ علماء الرجال الشيعة لا يعتمدون تقييمات أبن الغضائري لانّهم يشكون بنسبة الكتاب إليه، ولكن رغم ذلك لنواصل الحديث في سياق النص المذكور. 1: أنَّ النص يكشف عن تمادي البرقي في نقولاته غير المسؤولة (فإنّه كان لا يُبالي عمّن أخذ...) ويزيد إبن الغضائري في حدّة نقده لمّا يصنّف الراوي على جماعة الاخباريين، وفي ذلك نقد رجالي شديد.
2: إنّ النص يكشف عن نقد جماعي للبرقي (... طعن القمّيون عليه...)، فهو ليس محل نقد واحد أو أثنين، بل محل نظر مجموعة من الناقدين. 3: وليس بالضرورة إعتذار الأشعري يعبّر تماماً وبالضرورة عن موقف النقد العام المُثبّت في حقه كما يفيد نص الغضائري. هذا النص فضلاً عن أن علم الرجال الشيعي لا يعترف به، نظراً للنسبة المشكوك بها، تعرّض للتحريف والاضافة من دون أن نعرف السبب. قال العلاّمة الحلي (احمد بن محمّد... البرقي، منسوب الى برقة قم، أبو جعفر، كوفي ثقة، غير أنّه كثيرالرواية عن الضعفاء، وأعتمد المراسيل. قال إبن الغضائري: طعن عليه القميون، وليس الطعن فيه، وإنّما الطعن فيمّن يروي عنه، فأنه كان لا يبالي عمّن يأخذ، ـ على طريقة أهل الأخبار ــ وكان أحمد بن محمّد بن عيسى أبعده عن قم ثمّ اعاده إليها واعتذر إليه، وقال ـ يعني ابن الغضائري ـ وجدتُ كتاباً فيه وساطة بين أحمد بن محمّد بن عيسى واحمد بن محمّد بن خالد، ولما توفّي مشى أحمد بن محمّد بن عيسى في جنازته حافياً حاسراً ليري نفسه ممّأ قذفه به) ـ ص 63 رقم 72 ــ وسوا ءهذه الزيادة موجودة في كتاب الغضائري أم لا، وسواء كان الكتاب صحيح النسبة الى الغضائري أم لا، ولكن رواية الغضائري مرسلة هنا، وإذا كان يشترك مع الطوسي والنجاشي بان الرجل يروي عن الضعفاء ويعتمد المراسيل، فلنتوقف عند هذا القدر المشترك، ونضيف إلى ما سبق ا لملاحظة التالية: ــ
يقولون: ليس الطعن فيه، وإنما في منْ يروي عنه. وفي تصوري ينبغي تغيير المعادلة، ونقول ــ فيما إذا جرّدناه من الطعن في ذاته ــ وليس الطعن فيه وإنما في طريقته، فإن النقل عن الضعفاء رُبَّما يعبّر عن فكر مرتبك، يعبّر عن طريقة غير مسؤولة في التعامل مع الاشياء، واعتماد المراسيل (قد) يترجم ذاتاً قلقة، غير سويّة، ذات مهووسة، ربما يكشف عن أسلوب خاطئ بالدعوة... ربما كل هذا وغيره تنطوي طريقة البرقي في روايته عن الضعفاء واعتماده المراسيل، خاصّة مع التدقيق في النقاط التالية: ــ 1: أنّ روايته عن الضعفاء كثيرة جداً جداً. 2: اعتماد المراسيل يعني الاخذ بها وربما تبنيها في العمل والفكر (يعتمد...). فهو مذهب إذن، هو طريقة، ولذا، وبناءً على هذا التصور، يكون الطعن ليس فيمن يروي عنه البرقي، ولا في ذاته، بل في طريقته، في مذهبه، وهذه نقطة يجب ان نلتفت إليها، وهي طريقة مخرّبة، تجلب البلاء، كما أنها طريقة (قد) لا نستبعد معها التشكيك في وثاقة الرجل تبعاً، وإنْ كان المبدأ هو الطريقة كما قلنا. قال البهبودي (أقول: هذا الذي ذكروه في وصف الرجل جَرحاً وتعديلاً يفيدنا أنّه لم يكن كذّاباً يكذب على أصحاب الأصول والمؤلّفات، ولا مُدلّّساً يُسمّي الضعفاء والمجروحين بغير ما أشتهروا به، ولكنّ الخطب في أخذه بالوجادة والاجازة من دون ميْز بين صحيح النسخ ومدسوسها، فبعد ما نراه يروي ويحدِّث عن الغُلاة جهاراً من دون تحرّج، كيف نثق فيما كان يروي عن الثقات الإثبات، بأنّه لم يأخذ عن كتبهم إلاّ بعد التحرّز التام عن مكائد الغُلاة ودسائسهم) ـ ص 108 ــ
ليس هناك رواة كذّابون يروي عنهم البرقي، بل هناك طريقة خاطئة أنتهجها الرجل في نقل العلم، فإن النقل الكثير ــ ونركّز على الكم هنا ـ عن الضعفاء، مع العلم، جهاراً وصراحة، إنما هو مذهب، يجب التركيز على نقده، وهو خطأ. قال البهبودي (وإنّي بعد ما تتبعّتُ رواياته، وجدته يروي عن النسخ المجعولة الموضوعة على ا لثقات الأثبات كثيرا، ومنها ما كان يرويها عن داود بن القاسم الجعفري أبي هاشم عن أبي جعفر الجواد في النصّ على الأئمة الاثنى عشر وقوع الغيبة بالأمام الثاني عشر من لسان الخضر عليه السلام...). حيرة البرقي بغيبة المهدي يروي البرقي عن يحي بن محمّد رواية معروفة تتضمّن شهادة الخضر عليه السلام عند أمير المؤمنين عليه السلام، بالائمة الاثني عشر! مع تسمية كل واحد منهم، حتى إنتهى الى المهدي، ثم قال الكليني تعقيباعلى الرواية (قال محمّد بن يحي: فقلتُ لمحمّد بن الحسن، يا أبا جعفر، وددت أنّ هذا الخبر جاء من غير جهة احمد بن أبي عبد الله، قال: فقال: حدّثني قبل الحيرة بعشر سنين)، فإن العبارة تشير أن البرقي كان شا كا بغيبة المهدي، أو كان يمر بأزمة قوية في خصوص غيبة المهدي.
يقول السيّد الخوئي (اقول: هذه الرواية قد أشكلت على كثيرين، أولهم فيما نعلم: السيّد التفريشي ـ قدس سرّه ـ فتخيلوا أنّ فيها ذماً على أحمد بن أبي عبد الله، ولكن التأمل في الرواية يعطي أنّ معناها ما ذكره بعض الافاضل...). فإن بعض الرجاليين فهموا بأن المقصود من ذلك، انّ البرقي كان متحيّراً بالغيبة، فالكلام يدور في زمن متأخر عن غيبة الا مام وما تعلق بها من شكوك، ولكن الصفار رفع هذا اللبس بالاشارة الى انّ روايته هذه كانت قبل حيرة البرقي بعشر سنين، ولكن هناك تفسيرات اخرى لهذه الحيرة، حتى كانت هناك حيرة في تفسير حيرة البرقي! بعض الرجاليين يرون أنّ الحيرة المذكورة تنصرف إلى حيرته في نقل الاخبار المرسلة والضعيفة، وهو تفسير غريب، فهل كان البرقي محتاراً فيما يروي عن الضعفاء والمراسيل؟ أين هي معالم ذلك؟ وكيف؟ وما هي الحصيلة التي خرج بها علينا البرقي من ذلك؟ أن هذا التخريج لحيرة البرقي محاولة يتيمة لتبرئته من التفسير الاول.
بعض الرجاليين يفسر الحيرة المذكورة باخراج أبن عيسى له من قم، وهو تفسير لا تدل عليه اي قرينة من النص الوارد، بل لا توجد أي رابطة بين بنيات النص وتحولاّته وهذا التفسير ا لهروبي. بعض الرجاليين يفسّر الحيرة بالبهت والخرافة في آخر عمره، وهو كسابقه، ثمّ هل هناك دليل أن البرقي مرّ في مثل هذه الحالة؟ بعض الرجاليين يفسّر الحيرة بولادة المهدي، ذلك ما أن يموت أمام حتى تتطلع الشيعة الى الامام الذي من بعده، ولمّأ كانت ولادة الامام المهدي خلفاً للعسكري كانت مشوبة بالكتمان والسر، فقد شاعت الحيرة بين الناس حتى ثبت لهم بعد حين، فالحيرة ليست منصبّة على الغيبة، بل على الولادة أصلا... فكان محمّد بن يحي يتمنى أنْ يكون راوي هذه الرواية غير البرقي كي تأتي مصداقاٌ للغيب، أي تؤيد ولادة المهدي قبل ولادته فعلاً فتكون رادعاً عن الشك أو الحيرة بولادته، فكان جواب الصفّار بأن البرقي روى ذلك قبل حيرة الولادة بخمس سنين، وبذلك يكون البرقي قد أعلن عن الغيب قبل وقوعه، وبهذا تتحقق أمنية يحي بن محمّد بواسطة رواية البرقي!
أنّ اقل ما يُقال عن هذا التفسير أنّه واحد من إحتملات كثيرة، والأمر الثاني، أنّ الصفار أطلق كلمة (الحيرة) دون توضيح، ومن المعلوم ان هذه الكلمة كانت علَماً على الحيرة التي حلّت في المجتمع الشيعي بعيد غيبة الامام المهدي، غيبته الكبرى، بل كانت مصطلحاً كما هو معروف، ولذا صرفها الى الحيرة في الغيبة اولى من صرفها الى ولادة المهدي كما هو واضح جداً، بل انّ صرفها الى الا مامة وولادة المهدي واضحة التصنّع والتحميل، فيما صرفها الى حيرة الغيبة يقترب من الحقيقة أكثر.
يقول البهبودي تعليقاً على هذه النقطة بالذات (وهذه المُقاولة ـ بين محمّد بن يحي والصّفار ــ وأنْ كانت بمعزل عن إثبات الحديث وصحّته، ولكنّها تُفيدنا أنَّ الأصحاب كانوا متسالمين على ضعف الرجل، وعدم الاحتجاج بحديثه، حتّى أنّ شيخنا الصفّار مع كونه متساهلاً في أمر الحديث بنفسه، لا يدّعي أنَّ البرقي ثقة صالح لأن نحتج بحديثه، وأنَّما يتعلق بصحّة الحديث من جهة التاريخ فقط، وانْ كان في ذلك غير مُصيب) ـ ص 109 /110 ــ وقد رتّب بعضهم مواقف عملية تجاه البرقي بسبب هذه الحيرة، فقد طعن الشهيد الثاني في رواية سعيد بن عبّأد الواردة بعدم الإرث مطلقاً لاشتمالها على البرقي مطلقاً ـ المحاسن 1 / 17 ــ
أن حيرة الناس بحيرة البرقي دليل على أنّ المسألة شائكة، وفي مثل هذه الاحوال تُحمل على أقرب الاحتمالات المتصوَّرة وفي عقيدتي، شخصيّة يدور كل هذا اللغط حولها نتجنب روايتها جهد الامكان، ذلك إذا تحكّمت بنا رغبة العلم بمفهومه الموضوعي، وسليقة المعرفة بمستواها اللائق في توجيه الحياة. وسوف أقوم بدراسة موسّعة لكتابه(المحاسن). إن هذه الشكوك تجعلنا نحذر من رواية مصحف فاطمة في الكافي مع الأخذ بنظر الإعتبار قضية الإشتراك بين الإشعري وا لبرقي كما هو وا ضح.
يتبع
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مصحف فاطمة (الجعفري) هل هو موجود حقا؟ غالب حسن الشابندر (Re: Sabri Elshareef)
|
المصحف... اللغز
تورد المصادر ( الجعفرية ) ـــ وأقول الجعفرية وليس ( الشيعية ) ــ روايات عديدة عن ( مصحف فاطمة ) هناك روايات في كتاب ( الكافي ) للشيخ الكليني، وهناك روايات في كتاب ( بصائر الدرجات ) للراوية المكثر( الصفَّار ) الذي أعده من أخطر الكتب على الفكر الجعفري الشفاف النزيه، وقد قدمت دراسة مستفيضة عن عدم أهلية هذا الكتاب ليكون مصدرا عقديا للمذهب الجعفري، أقلها إنه وصل إلينا وجادة وليس رواية، وفي أثناء بحثي عثرت على دليل جديد يجعلنا نشكك أكثر بأهلية هذا لكتاب كمصدر عقدي للمذهب الجعفري الروحي الذي تغلب عليه السمة الروحية الإنسانية كما سأبين في لقاءات مقبلة بإذن الله، وتوجد روايات في كتاب ( أمالي إبن الشيخ الطوسي )، وهو كتاب آخر مشكوك الوصول بطريق معتبر إلينا، وتوجد روايات في كتاب ( دلائل النبوة ) لمحمد بن جرير بن رستم الطبري، وكثير من الجعفريو وغيرهم يتوهم انه الطبري المؤرخ الشهير، وليس هو بذاك. هذه الروايات خليط فوضوي عجيب، تعرض لنا هوية ( مصحف فاطمة ) بصورغاية البساطة والسلاسة تارة، وفي صور غاية التعقيد والغموض تارة أخرى. صور مريحة ــ وهذا لا يعني بالضرورة أنها حقيقة ـ وصور مزعجة، ومن الغريب أن نرى أمثال هذه الصور المختلفة الهوية، المضطربة الصورة في التراث السني أيضا، حول صحف وكتب لصحابة، سوف أمر عليها أثناء البحث إن شاء الله، فليس ( الجعفرية ) وحدهم قد أبتلوا بهذه الآفة المخيفة، بل في التراث السني ما هو أفظع في كثير من الأحيان، ولكن تكاثرت الهجومات الشرسة على ( الجعفرية ) بسبب هذه المصحف وغيره لأسباب سياسية، لا أ قول ذلك على نحو الإطلاق، ولكن على نحو بارز ملحوظ، وهناك من البشر من لا يخاف الله تعالى، فيستغل هذه المفارقة لمآرب سياسية قذرة، خاصة في هذه الأيام حيث حل الصراع الطائفي للاسف الشديد بديلا عن الصراع الفكري والفلسفي والسياسي، علما أن كاتب هذه السطور ليس من مشروع الدولة الدينية بل ضدها.
هذه الهويات المتعددة لـ (مصحف فاطمة ) في التراث الجعفري ألا تحرك الضمير السني اليقظ بهدف علاجها ا بروح علمية مسبقة بحسن نية وإيمان بوحدة المسلمين ؟ علاج يركز على الهوية البسيطة المعقولة التي لها نظائر كثيرة في التر اث السني ذاته ؟ هل ننسى أن لأبي هريرة ( صحيفة إعجازية ) رُزقها على شكل طاقة مذهلة على الحفظ فيما كان عاجزا عن حفظ كلمات معدودة عن ظهر غيب ؟ وكان ذلك بفضل دعاء رسول الله ؟ وأعد قراء ( إيلاف ) بأني سألتقي بهم إن شاء الله بدراسة مطولة عن الصحابي إبي هريرة أتعرض بها إلى ملا بسات جديدة في حياة هذا الرجل، قراءة علمانية لا علاقة لها بمذهب ولا دين، فكاتب هذه السطور بكل صراحة علماني وليس له علاقة بالإسلام السياسي. في هذه الحلقة أريد أن استعرض جميع ما وقعت عليه يدي من روايات تخص هوية هذا المصحف بلغة نقدية، ليس من خلال السند والمتن وحسب، بل من خلال مقتربات وآليات تتعين في حينها، لنتخذ موقفا معقولا من كل ذلك بإذن الله. ضد المسلَّمة الأولى في أحد الكتب نصادف كلاما لأحدهم أن الجعفرية يقولون بأن القرآن كامل، لا نقص به، وهو الموجود بين الدفتين لا غير، ودليله أن الكتاب الكريم عُرِضَ على ( مصحف فاطمة ) فكان طبق ما هو موجود بين الدفتين !! هذا الكلام ظاهره الرحمة وباطنه العذاب، فقد نسي هذا الراوي أو هذا المستنبط الساذج أن القرآن هو كتاب ( ما قبل ) أي إليه ترجع الإحالة وليس العكس، وهنا ينبري شيعي مسلم ومعه سني مسلم ليستشهدا بقول الصادق عليه السلام وفي كتاب (الكافي ) والذي جاء فيه وهو يضع ميزان التمييز فيما أختلف فيه من الروايات عن اهل البيت ( إن على كل حق حقيقة، وعلى كل صواب نورا، فما وافق كتاب الله فخذوه، وماخالف كتاب الله فدعوه ) / الكافي 1/ ص 123 ح 1 طبع دار التعارف / وقوله ( كل شي مردود إلى الكتاب والسنة، وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف ) / المصدح 2 / وفي رواية عن النبي ( أيها الناس : ما جاءكم عنّي يوافق كتاب الله فانا قلته، وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله ) / المصدر ح 5 /. هذه الروايات كافية بالرد على هذه الاسطورة الغبية، فحتى لو كان ( مصحف فاطمة ) موجودا يجب أن نرجع به إلى الكتاب الكريم وليس العكس ! على أن هذه الرأي البارد مردود من جوهره على القول بوجود مصحف فاطمة، فإن هذا المصحف كما تشير الروايات ليس فيه من القرآن حرف، فكيف يكون مرجعا تقويميا للكتاب الكريم ؟
خرافات وأساطير سطرتها أما ايدي جاهلة أو أيدي مغرضة، أو أيدي متعصبة، أو هي نتاج زمان قاسي، وسوف أقوم بعملية غربلة لبعض الأقوال التي قا لت بنقص القرآن من شيعية وسنية في ضوء ظروف صراع سياسي لا علاقة له بالدين ولا بالإسلام في قراءات مقبلة إن شاء الله. هذه الر اوية أو هذا الرأي منقوض جعفريا، من داخل التراث الجعفري، فهل إنتبه الآخرون إلى ذلك ؟ وهل وضعوه في نظر الإعتبار ؟ كي يكون تعاملنا مع الآخرين بتجرد ومعقولية ؟
والتسلية بما لا يُسلِّي تقول الرواية عن الكافي (... إن فا طمة مكثت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة وسبيعن يوما وكان دخلها حزن شديد على أ بيها، وكان جبرائيل عليه السلام يأتيها فيحسن عزاءها على أبيها، ويطيب نفسها، ويخبرها عن أبيها ومكانه، وما يكون بعدها في ذريته، وكان علي عليه السلام يكتب ذلك، فهذا مصحف فاطمة ) / الكافي 1 ص 297 / سبق وأن تحدثت عن سند هذه الرواية فلا أعيد، ولكن ألم يكن بمقدور فاطمة وهي بنت الرسول الكريم أن تتسلى بالصلاة والقرآن الكريم ؟ ( واستعينوا بالصبر والصلاة )، تلك هي هوية المؤمن الصادق، وأعتقد جازما، بل أقسم على ذلك أ نها سلام الله عليها كانت تتسلى وتستعين بالصبر والصلاة وقراءة القرأن وليس بها حاجة لجبرائيل كي يقص عليها. أي تسلية هذه وهو يعرض عليها شلالات دم بنيها على مر التاريخ وهي تسيل في أزقة الكوفة وبغداد والري واصفهان وغيرها من عوالم العالم الإسلامي ومن دون توقف ؟
لقد كان علي مشغولا خلال هذه المدة بجمع الكتاب الكريم كما هو ثابت في الصحيح الجعفري، وكان في حراك سياسي فكري في قضية الخلافة، وكانت هي معه تشد أزره، وتعينه، وتنا فح عن حقوقها وحقوق زوجها السياسية، وكانت مشغولة في خضم تربية أولادها على مبادئ دين ابيها، وليس في حاجة إلى جبرائيل كي يتنزل من علياء السماء السابعة ويجلس بين يديها، أو يمشي رواحا وإيابا كما تتصور بعض العقول ليقص عليها قصة جسد الحسين تمزقه الرماح والسيوف، وقصة جثة زيد بن علي معلقة على الشجرة لسنين طوال، وقصة حسين فخ يجوب الصحاري والققار هاربا ليس له من يأويه، وقصة موسى بن جعفر في أعماق السجون مكبل اليدين والرجلين. أي عزاء هذا ؟ أي خبر جميل يحمل جبرائيل لفاطمة ؟ أي تطيب لخاطر مكسور هذا ؟ أي تطيب للنفس بشلالات من الدم المسفوح وتلال من الرؤوس المقطعة والايدي المجذوذة ؟ ومن الواضح ( التقنية ) المدروسة في صناعة الحديث المخدوم، فقد تم إطلاق ( المكبوت) بعد التمهيد له بمقدمات فنية رائعة، هناك هدف بعيد ( ويخبرها عمّا يكون بعدها في ذرّيتها ) ! وهنا يمكننا أن نستمع إلى حفيدها الامام السجاد وهو الذي شهد مجزرة قتل أهله ظلما وعدوانا، حيث لم نقرا أنه كان يتسلى بمصحف فاطمة ليعزي نفسه بما وقع له عيانا، وما هول ما وقع، حيث المصحف كان امانة عنده ! لقد أمضى تسليته أو عزاءه بذلك الدعاء الجعفري العظيم، وقراءة القرآن، وتوزيع الخبز ليلا على فقراء المسملين سرا، ونشر حديث رسول الله ما استطاع، وإغاثة الملهوف، ولم نقرأ عنه أنه تسلى بمصحف إسمه ( مصحف فا طمة، أم إنه كان يتسلى سرا ؟
جاء في كتاب الكافي (... علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن علي بن محمّد القاساني، جميعا... عن الزهري : قال : قال علي بن الحسين لو مات ما بين المشرق والمغرب لما ا ستوحشت بعد أن يكون القرآن معي... )/ الكافي 2 ص 567 /. إذن لم يكن السجاد بحاجة إلى هذه المصحف المزعوم، اقصد مصحف فاطمة، وهل فاطمة غير أنها أم السجاد ؟ وهل تحتاج فاطمة غير كتاب الله عز وجل تستعين به على مصابها العظيم بوفاة النبي الكريم ؟ ترى أي سر وراء هذا المصحف، وأي سر وراء صحيقة عبد الله بن عمرو بن العاص، وأي سر وراء معجزة أبي هريرة الحفظية المهولة، وأي سر وراء الصحيفة الجامعة ؟ وأي سر وراء مصحف عائشة رضي الله عنها ؟ هناك أسرار وأسرار، في الحلقات المقبلة سوف نميط اللثام عنها، هناك معارك ( مصحفية ) وهمية، سنية وشيعية، خلقتها السياسة والإختراق. وعلم المستقبل ( أهم ) من علم الماضي تماما كما هي ( الصحيفة الصادقة ) المزعومة، التي أملاها رسول الله على عبد الله بن عمرو بن العاص، فإن ( مصحف فاطمة ) يحتوي على علم ( ما يكون ) فضلا عمّأ هو كائن (لقد كنت أنظر في كتاب فاطمة عليها السلام، ليس من ملك يملك الأرض إلا وهو مكتوب فيه ب اسمه واسم أبيه، وما وجدت لولد الحسن فيه شيئا ) / الكافي ص 298 / وفي رواية ( إنه ليس في من الحلال والحرام ولكن فيه علم ما يكون )، وفي رواية ( علم ما كان وما يكون )، وفي رواية ( فيه خبر ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، وفيه خبر سماء سماء، وعدد ما في السموات من الملائكة وغير ذلك، وعدد كل ما خلق الله مرسلا وغير مرسل... ) / دلائل النبوة ص 27 / وسوف أتناول هذه الروايات سنديا في حلقة مقبلة، فهي أكثرها من كتاب ( بصائر الدرجات ) و( أمالي بن الشيخ الطوسي ) و كتاب ( دلائل النبوة ) للطبري وهي روايات ضعيفة السند، مخدوشة المتن.
نقرأ في الكافي ( علي، عن أبيه، عن عبد الله بن المغيرة، عن سماعة بن مهران، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام :إن العزيز الجبِّار أنزل عليكم كتابه وهو الصادق البّار، فيه خبركم، وخبر من قبلكم، وخبر من بعدكم، وخبر السماء والارض، ولو أتاكم من يخبركم عن ذلك لتعجبتم )/ الكافي 2 ص 564 ح 3 / والراوية صحيحة حسب معطيات علم الرجال الجعفري. نقرا في الكافي أيضا ( عدة من أصحابنا، عن احمد بن محمد... إن القرآن نزل على أربعة أرباع، ربع حلال، وربع حرام، وربع سنن وأحكام، وربع خبر ما كان قبلكم ونبأ ما يكون بعدكم وفصْل بينكم ) / 2 ص 591 ح 3 /. وهذه الرواية وإن لم تكن صحيحة حسب معطيات علم الرجال الجعفري، ولكنها تقع في مقابل تلك الروايات التي تتحدث عن مصحف فاطمة. ونلتقي برواية أخرى عن الإمام الصادق عليه السلام [ إن العلم كله إنما يؤخذ من كتاب الله، وأعلم ما في الجنة، وأعلم ما في النار، وأعلم ما كان وما يكون ( قال الراوي ) : ثم مكث هنيهة فرأن أن ذلك كبر على من سمعه منه فقال ( علمت ذلك من كتاب الله عزّ وجل، إن الله عز وجل يقول فيه تبيان كل شي ]/ الكافي / ولست أؤمن بسند الرواية ولا بمضمونها، ولكن هي تؤكد لنا إن الأمام لا يحتاج إلى مصحف كمصحف فاطمة، مسجل فيه علم ما كان وما يكون، ما دام الإمام يستيطع أن يستنتج ويعرف ويحيط بذلك من كتاب الله سبحانه وتعالى. في الحقيقة أن ( مصحف فاطمة ) بهذه الهوية المزعومة يفوق الكتاب الكريم كرامة وقوة ونورا وعلما، فما دام فيه عدد النجوم والدول والبشر والحجر والحصى وأسماء الملوك والعلماء والشهداء، ومن سيدخل الجنة ويدخل النار، وفيه أسرار التوراة والأنجيل والزبور، وفيه اعمار الناس وممتلكاتهم ومآلهم ومستقبلهم، وما يجري في هذا الكون الرحيب، وفيه قوانين الوجود الظاهر والباطن على نحو الدقة الكاملة و الشمولية الصا دقة، وفي رواية إن هذا المصحف المزعوم يحتوي حتى كتاب الله، فهو المصحف الذي لا يغادر كبيرة ولا صغيرة، فعليه يفوق شرفا وكرا مة وقوة ونورا وسطوعا وعلما وتجربة وفكرا كتاب الله جل وعلا، وهو الكتاب الذي تصفه روا يات الإئمة عليهم السلام بأنه خاتمة الكتب، ومعجزة المعجزات، ونور الله في السماء والارض، وأ نه يتجدد في معانيه كما يتجدد الليل والنهار، وأن فيه نبا من قبلنا ونبا من بعدنا، وهو بنص القرأن نفسه فيه تبيان لكل شي.
أن مصحف فاطمة بهذه الهوية منقوض بالروايات الصحيحة الواردة عن أهل البيت، ولذا لا مهرب من القول أن خبر هذا المصحف بهذه الهوية مكذوب على هؤلاء الا طهار، وأن المذهب الجعفري بري من هذه الفرية. لست أعير أهمية لمحاولات تسمى محاولات جمع بين الأخبار، فإنها جهد العاجز، ولا أعتقد أ ن ا لإئمة الأطهار يتركون شيعتهم ومحبيهم يذيعون عليهم مثل هذا الكلام المبهم، الذي يؤدي إلى لبس فهم في أهمية وعظمة وشمولية وحجية القرآن الكريم. بل هذا المصحف المزعوم ( أشرف ) من كتاب الله، ففيه علوم المستقبل، وفي هذا السياق نقرا رواية تقول (... ومصحف فاطمة ما أزعم فيه قرآنا، وفيه ما يحتاج الناس إلينا، ولا نحتاج إلى أحد حتى أن فيه الجلدة ونصف الجلدة... )، والرواية تدعي أن المصف المذكور تشريعي، وهو مخالف لكثير من الروايات التي تقول تكويني، كما أن في الرواية مجازفة خطرة، فإن الرواية تدعي أن هذا ( المصحف ) هو المرجع النهائي للأئمة، وأن القرآن يكاد يكون مرجعا ثانويا، وهو مخالف قطعا لما كان هؤلا ء الطيبون يذيعونه علانية بأن كتاب الله هو المرجع النهائي، وهو الكتاب الذي فيه كل ما يحتاجونه ونحتاجه، وإن فكر الائمة مستل من القران الكريم. على أن الذي يسهل الخطب أن الرواية غير صحية سندا، كما سأقوم بنقدها لا حقا، في حقل خاص عن روايات الصفار في المصحف.
إن العودة إلى روايات الأئمة الصحيحة عن القران الكريم، القائلة بتأصيله إلهيا، كاملا، شاملا، فيه ما يكفينا، تبيان لكل شي، إن هذه الروايات تنفي وتلغي مصحف فاطمة بهذه الهوية على أقل تقدير. وأعود للقول أن المسلم الذي يبغي وحدة المجتمع الإسلامي هو الذي يبرز الجانب المشرق في كل مذهب من مذاهب المسلمين، ويدافع عن المذهب الآخر ما دام هنا ك في تراث هذا الاخر ما ينفي عنه كل تهمة بحقه، تتصل بإيمانه بكمال الإسلام وعظمة القرآن وتأبيد معجزته. أما السني ( الطائفي ) فلو يخرج محمد بن عبد الله من قبره وأعلن نزاهة المذهب الجعفري من هذه التقولات والزيادات لما نفع معه، كما هو الجعفري ( الطائفي )، فأن محمدا بن عبد الله لو بعث من جديد إلى هذه الدنيا وبرا السنة من تهمة التجسيد والظلم لما نفع معه. يتبع
| |
|
|
|
|
|
|
|