عامان من السلام : حساب الربح والخسارة (6) // الدكتور منصور خالد

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-15-2024, 09:12 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة صبرى الشريف(Sabri Elshareef)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-28-2007, 02:46 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
عامان من السلام : حساب الربح والخسارة (6) // الدكتور منصور خالد

    عامان من السلام : حساب الربح والخسارة (6)

    عقلية الحرب وعقلية السلام

    د. منصور خالد

    اتفاقية السلام الشامل، اذن، هى اتفاقية ثنائية بين طرفين ما في ذلك من شك. كما هى اتفاقية استأثر فيها الطرفان بالسلطة لفترة موقوتة و لاسباب موضوعية، ما في ذلك شك. هذه الاتفاقية هى اولى المحاولات الجادة لمعالجة جذور المشكل السوداني برمته، ولقيت اهتماماً ودعماً وتأييداً اقليمياً ودولياً من غير مثال في تجارب السودان. رغم ذلك، هي ليست رسالة منزلة، أو كتاباً اكتمل نقطه وتمييزه. ففي الاتفاقية، بحسبانها وفاقاً بين طرفين نقيضين، فتوق لا تخفى على الناظر، كما تتخللها قنابل زمنية قابلة للانفجار ان لم تنزع عنها فتيلة الاشتعال في الوقت المطلوب والمكان المناسب. لهذا فان المسئولية عن نجاح الاتفاقية تقع، بالمقام الاول، على عاتق صانعيها. وعلى الطرفين واجبات، اولها هو استبطان روح الاتفاقية في تناولهم للقضايا العامة، وثانيها انفاذ الاتفاق على الوجه الذي اقتضته نصوصه. ذلك امر ثابت الوجوب لا شبهة فيه، ولا مجال للتحايل عليه أو التباطؤ المقصود في انفاذه. سنذهب، اذن، لامتحان مواقف الطرفين، ليس فقط على مستوى الاداء، بمعنى ما نفذ وما لم ينفذ من الاتفاق، وانما ايضاً بالنسبة للعقلية التي يقبلان بها على القضايا العامة. فللحرب عقلية، وللسلام عقلية أخرى، كما لكل منهما سايكولوجيته الخاصة. ولا شك في ان على الطرفين، وقد خلفا الحروب وراء ظهريهما، ان يروضا نفسيهما على جهاد النفس، واوله فطمها عن العوائد التي أفرزتها الشمولية أو عداوات الحروب. من تلك العوائد عدم الثقة المفرطة، والاستهانة بالطرف الآخر في الاتفاق، وببقية القوى السياسية الأخرى التي أوحينا لها أن السودان قد اقبل على عهد جديد تنبسط فيه الأرض، في حدود الدستور، امام الجميع دون تمييز. ومنها أخيراً، التذاكي على الناس الذي هو في حقيقته، كما يقول الانجليز، نصف زكانة (being clever by half) .

    ----------------------------------------------------

    لقد فرض الاتفاق التزامات حُددت فيها مواقيت التنفيذ، و على من تقع مسئولية التنفيذ، و من اين يجئ التمويل لذلك التنفيذ. مع ذلك، كان في التنفيذ بطء تولد عنه شعور بالاحباط. ففي أول حديث علني له قال السفير النرويجي توم فارلاسن رئيس مفوضية التقدير والتقويم ((Commission of Assessment and Evaluation، بعد ثمانية عشر شهراً من توقيع الاتفاقية، وعام كامل من قيام الحكومة الوطنية، وقع تأخير كبير في تنفيذ الاتفاقية، أرجع رئيس المفوضية بعض هذا التأخير الى أسباب فنية وعملية، واضاف ان التأخير ولد احساساً متزايداً بين افراد الشعب بالقنوط وخيبة الأمل. ومفوضية التقدير والتقويم هى الجهاز الذي أوكل له الطرفان مسئولية مراقبة تنفيذ الاتفاقية (يضم النرويج رئيساً، كينيا نائباً للرئيس، اثيوبيا، يوغندا، الولايات المتحدة، بريطانيا، بالاضافة الى ستة ممثلين لطرفي الاتفاق، ثلاثة عن كل طرف، كأعضاء).

    ما هي هذه الاسباب الفنية والعملية؟ ثمة عوامل موضوعية ادت الى تعطيل التنفيذ لضرورات التتابع (sequencing) فانشاء المحكمة الدستورية والمؤسسات العليا للقضاء القومي، مثلاً، كان رهيناً باجازة الدستور، مما اقتضى الابقاء على المؤسسات القديمة ريثما يجاز الدستور. ارتهن اجازة الدستور وتكوين الحكومات الولائية ايضاً انشاء بعض المؤسسات (المفوضيات الهامة) كمفوضية تخصيص ومراقبة الايرادات المالية، ومفوضية الخدمة المدنية. ومن جانب الحركة، قبل وقوع حدث زلزال هو رحيل قائد الحركة، أدى اجتياز الحركة لمراحل انتقالية متعددة الى بطء في التنفيذ : الانتقال من مرحلة الحرب الى مرحلة السلام، ومن مرحلة السلطة الادارية الشمولية في الجنوب الى مرحلة حكم يشاركها فيها آخرون، وفي حالة الجيش الشعبي من مرحلة جيش تحرير يخضع لحزب واحد الى جيش مهني يخضع لسلطة حكومة جنوب السودان. وزاد الحدث الزلزال الأمور تعقيداً. ولعل هذا موقع نشيد فيه بذكر مؤسسة عريقة ضربت المثل في حسن تقديرها للامور، وحرصها على الالتزام بما نصت عليه الاتفاقية، رغم ان المهمة التي اوكلت اليها كانت بالغة التعقيد. نشير على وجه التحديد لبنك السودان المركزي ومحافظه الهمام الدكتور صابر محمد الحسن. فالبنك هى اول مؤسسة فرغت من تعديل قوانينها لاستيعاب الواقع الجديد، و مدت يدها لحكومة جنوب السودان لتعينها في تدريب الكوادر، وانشأت بنك جنوب السودان و شيدت عمرانه، واحلت محافظ بنك الجنوب، بحسبانه نائباً لمحافظ بنك السودان، في الموقع الذي يستحقه في المؤسسة الام، ثم اخذت بلا ضوضاء في تنفيذ ما نصت عليه الاتفاقية والدستور حول إحلال الجنوبيين في المواقع التي يستأهلونها، وأصدرت أخيراً العملة الجديدة، رغم ما ترتب على ذلك من اعباء مالية وصعوبات فنية. ويؤسفنا أن نقول ان هذا نموذج لم تحذ حذوه قلة لم تبالِ ان تجعل من الشركاء الجدد اما '' تمامة عدد ''، أو مسئولين نصف مسئولية، يُجلى عليهم شئ و تُخفى عنهم اشياء.

    مع كل ذلك، فقد انجز الكثير مما تتطلبه الاتفاقية على الوجه الذي حددته نصوصها : اعتماد الدستور ووثيقة الحقوق، انشاء المفوضيات الا قليل مثل مفوضية الاراضي، اعادة تكوين الولايات على النحو الذي اقتضته الاتفاقية بما في ذلك تمكينها سلطوياً ومالياً، اشاعة جو من الحريات لم يألفه الناس قبل الاتفاقية، تلاقى السودانيين جميعاً للحوار في داخل وطنهم. هذه انجازات لا يصح التهوين من شأنها، خاصة من جانب من خبروا عهود اعتناف السلطان عنفواناً لا تمازجه رحمة، وعنافة لا تشوبها شفقة. من جانب آخر، يخطئ من يظن ان اعتماد الدستور بوثيقة حقوقه، واقامة المؤسسات الدستورية، وانشاء اجهزة الحكم البديلة لحكومة الانقاذ هو، في حد ذاته، نهاية المطاف. الذي يظن هذا يريد نظاماً على عينه، لا على عيون من صاغوا الاتفاق، وتراضوا على كلياته وجزئياته، وشدوا العزم على انفاذه. فالدستور ان لم يصبح نافذاً يبقى حبراً على ورق، والمؤسسات ان لم تكن فاعلة تضحى هياكل خاوية، والموروثات المؤسسية والقانونية التي يتعارض بقاؤها مع الدستور تصبح اجهاضاً للاتفاقية ان لم تلغ أو تعدل. ونعرف ان بعض هذه الاشياء لم تتم اما بسبب سلحفائية البيروقراطية، أو تباطؤها في انفاذ ما يضير مصالحها أو يخالف ما درجت عليه من عوائد. ولكنا نعرف ايضاً ان هناك تهويناً، أو لعله استهانة بما تواطأ عليه الطرفان من ميثاق غليظ، أو احجاماً ورجوعاً الى خلف عن عهد اخذنا في امره بالوثيقة. ما هى مظاهر هذا التراجع أو التهوين ؟

    النكوص والتراجع

    نبدأ بالنكوص والتراجع، و هو مزعم كبير. مزعمنا هذا توثقه مقالات الاستاذ قطبي المهدي التي أومأنا اليها في مقال سابق الى حديثه عن صياغة الامريكان لاتفاقية السلام. و لم نكن نعرف من قبل ان ادريس محمد عبد القادر ونيهال دينق وسيد الخطيب ودينق الور وامين حسن عمر ويحيى حسين ومطرف صديق من رعايا الولايات المتحدة الامريكية. هذا موضوع يمكن تجاوزه. في مقدورنا ايضاً الاغضاء عن قوله ''إن الاتفاقية جزء من مسلسل التراجعات في الطرح القومي'' (الوطن، حديث مع عادل سيد احمد 10/9/2006)، رغم التساؤل عن ان كان ذلك الطرح القومي يشمل اهل القبلة الذين نأوا بأنفسهم عنه الى بلاد الكافرين في المشارق والمغارب بميرغنيهم ومهديهم. وهل يشمل الذين امتطى الاجواء ليحرمهم من المشاركة في مفاوضات السلام يوم ان ذهب الى نيروبي ليقول لوسيط الايقاد، والفريق عبد الرحمن سعيد على الابواب، '' لو دخل هؤلاء من الباب لخرجنا من الشباك''. هؤلاء الذين سد الأستاذ قطبي الأبواب أمامهم ما جاءت بهم الى السودان الا ''الاتفاقيات التي صنعها الأمريكان''.

    على أن الذي لا يمكن التصامم عنه، أو الاغماض فيه، هو دعواه ان ''الحركة لم ترد الاتفاقية من اجل السلام وانما من اجل ممارسة الهيمنة لخدمة المخططات الصهيونية لتدمير هُوية السودان. وتبدت الآن ممارسات الحركة التي تؤكد ذلك مثل وقوفها مع التدخل الاجنبي'' (الخرطوم، 11/10/2006). وما ادراك ما التدخل الاجنبي! فالحركة الشعبية قالت وما زالت تقول إن دور الامم المتحدة في السودان كله، وليس فقط في دارفور، هام لرعاية اللاجئين و النازحين فلها في ذلك خبرة ومؤسسات، وهام لتوفير القوت لمن يحتاجه ولها في ذلك اجهزة ومصادر امداد. والحركة الشعبية قالت وما زالت تقول، انها لا تؤيد تغيير نظام الحكم بقوة خارجية طالما توافرت ادوات التغيير الشرعية في الداخل وعلى رأسها الانتخابات. والحركة قالت وتقول انها ضد الحصار الاقتصادي لأن اولى ضحاياه ستكون هى اتفاقية السلام. والحركة قالت وما زالت تقول، ان لأهل دارفور مطالب مشروعة في السلطة والثروة وتسعى مع شركائها في الحكم ومع المجتمع الدولي والاقليمي للبحث عن طرائق لاستيفاء هذه المطالب بدلاً عن الهرب منها الى الأمام، أو نصبها على معلاق مهترئ، اسميناه التدخل الاجنبي أو المخططات الصهيونية.

    وعلى أي، فموضوعنا هو الاتفاقية، و مع اعترافنا بحق المفكر والسياسي قطبي المهدي في ان يبدي ما يشاء من رأي فيها، فالرجل من اهل الفكر، الا ان هناك حدوداً لا بد ان يلتزم بها القيادي المؤتمري قطبي. نعرف مثلاً، أن للدكتور غازي صلاح الدين اعتراضات على منهج التفاوض في نايفاشا لم يخفها عن الناس، ولكنه ظل على رأس من ينادون بالالتزام بما اتفق عليه حزبه (ألوان 11/12/2006). هذا الالزام اوجبته الاتفاقية ليس فقط على من وقعها، بل على كل مسئول ومنتسب للحزبين. فالاتفاقية تقول ''بعد التوقيع يلتزم الطرفان بالاتفاق ويتكفلان بالالتزامات الناتجة عنه لا سيما الالتزام بتنفيذ الاتفاق و الانفاذ القانوني والدستوري للترتيبات المتفق عليها في هذه الاتفاقية. في اعقاب التوقيع يلتزم الطرفان بضمان احترام جميع الاجهزة واللجان والهياكل الواقعة تحت اشرافها و اعضائها بالاتفاق'' (الفقرتان 2-12-2 و 2-12-3 من بروتكول اقتسام السلطة). هذا النص لم يوضع عبثاً، بل لسد باب الذرائع. كل طرف كان يخشى ان تنبري واحدة من مؤسساته لتنقض الاتفاق، أو يقف أحد اعضائه ليقوضه، أو يدعي طرف عجزه عن تنفيذ الاتفاق لأن الاجهزة أو اللجان أو الهياكل أو الاعضاء التابعين له قد رفضوا اقراره. قد يفسر أحد طرفي الاتفاق بعض ما ورد فيه تفسيراً خاطئاً، فالتفسير الخاطئ يمكن ان يزال فساده. ولا يضير ان يتجادل المنسوبون الى الطرفين حول سلامة انفاذ نصوص الاتفاقية، فهناك اجهزة و مؤسسات اتفق الطرفان على ان يكون لها القول الفصل. أما التنكر للاتفاقية والمجاهرة بالعداء لها فخرق واضح لما قالت به الفقرتان اللتان أشرنا لهما. ما نقوله حول توجهات الاستاذ قطبي ليس استعداءً بل هو تقويم للعُدول.

    من مظاهر النكوص ايضاً، بل لعله من دواعيه، ظن البعض ان رحيل مؤسس الحركة ايذان بنهاية الاتفاق كما وضعه صانعوه. مبتغى هؤلاء هو تحقيق سلام بلا ثمن، و العودة بالسودان القهقري. يوهم هذا البعض نفسه ان هناك حركة شعبية غير تلك التي نمت على يد المناضل الراحل و غذاها بفكره. وان هذه الحركة - حتى و ان لم توجد - يمكن اصطناعها بتبني هذا من قيادييها، والقضاء المعنوي على ذاك. لم يصدق هؤلاء ما قاله سلفا كير في الوداع الاخير لقرنق عند قبره ان الحركة الشعبية سيارة بلا مسننة (تعشيقة) ارتدادية (a vehicle with no reverse gears) ولم يستذكروا ان الذي فاوض الحكومة في ماشاكوس ووقع الاتفاق الاطار لعملية السلام هو سلفا كير. ولم يصرفهم عن وهومهم إجماع قيادات الحركة في رمبيك (ابريل 2006)، و في جوبا (سبتمبر 2006) على الثبات في الخط السياسي الذي اختطته الحركة منذ نشأتها، وما اتفاقية السلام الشامل الا واحد من نتائجه. ولعلهم يدركون كل هذه الحقائق بعد نصيحة رئيس الحركة لهم في خطابه الأخير بمناسبة الذكرى الثانية لاتفاقية السلام أن يقلعوا عن الانطباعات الخادعة والأوهام (illusions and delusions). تصديقاً لهذه الوهوم (والوهم هو ما كان في الوجود أو لم يكن أخذ قطبي ونفر معه يصنفون الحركة في نوعين : أولاد قرنق ومن عداهم. والوصف مستنكر ان صدر ممن يقول ان القرآن دستوره، فالقرآن يقول ''ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله''. نقول هذا، رغم اننا لا نعرف واحداً من رجالات الحركة، بمن فيهم رئيسهم سلفا كير، يستنكف نسبته لمارد عملاق كان في الحرب أسد شري، وفي المجادلة متحدثاً متوقد الذكاء، وفي اللقاء مع الجماهير قائداً ملتهب الخاطر يدرك نبض شعبه. هذا '' لاب'' لم يكن مثل اضراب له لا ينظرون للواقع الا نظرة عوراء. تملى قرنق في واقع بلاده فادرك الممكن. وحدق فيه فتبين له غير الممكن. ثم اندفع نحو الممكن، تاركاً غير الممكن لمن لا يفلحون الا في معاقرة الأوهام. الحركة الشعبية (الحقيقية لا المتوهمة) تنظيم عملاق الجذور استغلظ زرعه، ومن الخير للسودان التعامل مع ذلك الجسم كما هو كائن لا كما يريده البعض ان يكون. فتبديل أعمدة المرمى في نصف المباراة لا يقدم عليه الا هداف غير ماهر، أو فريق يحسب انه يخوض مباراة ضد عميان.

    الظن بدفن الاتفاقية، بعد ان أُلحِد قرنق في قبره ولم يبق الا أن يدفن رفيقه في المفاوضات الاستاذ علي عثمان دفناً معنوياً، ظن ممعن في الخطأ. ومن الواضح ان هناك من احاك سيفه لينهش لحم أخيه. قد يكون هذا جزءًا من الصراعات في الحزب الشريك. هذا أمر لا يعنينا الا بالقدر الذي نتمنى فيه ان يظل ذلك الحزب متماسكاً ليكمل دوره في انفاذ الاتفاقية، لا في العود بنا الى المربع الأول. انظروا الى ما قال الاستاذ قطبي مؤخراً '' كل ما يطمح له السودانيون من حريات، لا مركزية، تعددية سياسية وفرها دستور 1998 و تلقتها طبقات الشعب كافة بالقبول حتى جاءت الحركات العنصرية المسلحة و اعادت تفسيرها تفسيراً ذاتياً محمولاً بمشاعر الكراهية و القتل والدم'' (الانتباهة 6/12/2006). الحركات العنصرية اسماها الاستاذ قطبي الشعوبيين، سيدالعارفين لما يعنيه التعبير. وعلى أي، كان ذلك الدستور الذي أحكم الدكتور الترابي صوغه قائماً على مدى سبع سنوات قبل الاتفاقية ولم ينه الحرب في الجنوب، ولم يقض على اوارها في الشرق، و لم يحمل زعيم المسلمين الميرغني ليعود الى الجنة التي خلقها الدستور لينعم بعسلها و لبنها بل ظل الى جانب ''العنصريين'' الذين يحملون السلاح، وما أقسى ذلك من وضع بالنسبة لرجل تنشأ على ''صلاة في سلام في سلام''. وحتى زعيم المسلمين الآخر السيد الصادق المهدي ما لبث بعد عودته أن أطلق على ما رأى اسم ''الفطيسة''. فمن هم ''طبقات الشعب كافة''.

    أما الحركات '' العنصرية '' المسلحة فهي وليد طبيعي لعقود من التجاهل، فالحركات في الجنوب يعود أصلها المبدئي الى الانيانيا الأولى، والحركات في الشرق يعود أصلها الى مؤتمر البجة قبيل مطلع الستينات، والحركات في دارفور يعود الى حركة سوني وحركة نهضة دارفور فيما بعد، والحركات في الجبال تعود الى اتحاد جبال النوبة الذي عرفه الناس منذ الستينات في القرن الماضي. فحمل السلاح من جانب كل هؤلاء هو تعبير عنيف عن هذه الظلامات والتي كان من الحسنات الكبرى للاتفاقية الاعتراف بها في ديباجة ماشاكوس. ثم ما بال الاستاذ قطبي الذي رافق من حملوا السلاح من هضاب اثيوبيا و صحارى ليبيا لاسقاط نظام حسبوه ظالماً، أو حملوه في قلب الخرطوم لاسقاط نظام عدّوه فاسداً، ان ينكر على غيره حمل السلاح. واعجب العجب، كما أومأنا، ان يَسِمَ الرجل ''عنصريي'' السودان المزعومين بالشعوبية. والشعوبية هي وصف أطلقه العرب المتعنصرون في العصر العباسي على كل رافض لافضلية العرب عليهم، رغم ان العرب هم أهل الدين الذي قال نبيُه عليه أفضل الصلوات: '' لا فضل لعربي على عجمي الا بالتقوى''. تهمة الشعوبية الصقت حتى بفحول الادباء والشعراء ذوي الاصول الاعجمية مثل بشار بن برد الذي زين شعره ديوان العرب حتى ذهب يقول :



    هل من رسول مُخبرٍ عني جميع العرب



    من كان حياً منهم ومن ثوى في التُرَب



    بانني ذو حسب عالٍ على ذي الحسب



    جدي الذي اسمو به كسرى وساسان أبي



    وقيصرٌ خالي اذا عددتُ يوماً نسبي



    أو ترى إلى أين دفع التعنصر شاعراً مثل بشار القائل عن نفسه ان له اثنتي عشرة قصيدة، لعنها الله ولعن قائلها، ان لم يكن في كل قصيدة بيت عين''، ولم يكن من الكاذبين. يبدو أن ترخص الاستاذ قطبي في استخدام النعوت، لا يعادله الا تسرعه ومغالاته في اصدار الأحكام، ولا نحسب أن هدف مفكر مثل قطبي دعوة أقوام السودان من غير العرب بفضل اهل الشمال أو بالحري افضليتهم عليهم، كما طالب القدامى بشار ورهطه.



    * * *

    هذا موقع يلزمنا أن نقول فيه كلمة صدق في حق من يريد قطبي دفنه حياً: الاستاذ على عثمان، رغم كل ما قلنا فيه في سنى الجفاء. لقد صحبنا الرجل في سنى التفاوض على مر الايام وكر الشهور مع الراحل جون قرنق. لم تكن امامهما ورقة، أو يكون موضوع حوارهما اقتسام السلطة والثروة. كانا يلتقيان للتداول حول ما الذي يستطيع الطرفان فعله لاستنقاذ السودان من اهوال الحرب ووحل التخلف. وكان سؤال قرنق: ''اهلنا تعبوا كثيراً من الحرب فما الذي نستطيع ان نفعل سوياً لانهاء هذا التعب؟''. في ذلك النقاش تجادل الرجلان حول الممكن و غير الممكن في دنيا السياسية الواقعية ثم تواصيا بالحق. فالذي يتحدث عن التنازلات الكبيرة يحدث بما لا يعرف. والذي يتحدث فيما لا يعلم، يرتاب الناس فيما يعلم. كما ان الذي يظن ان علي عثمان قد ذهب الى نايفاشا ليعود منها و الحركة في جيبه كما عاد دزرائيلي من مؤتمر برلين و هو يقول: '' سلام نبيل وقبرص في جيبي'' (Peace with honor and Cyprus in my pocket ) يعيش في كوكب آخر، فلا هو يعرف قوة الحركة و لا يعرف ما تحظى به من سند في الداخل و الخارج، و لا يدرك حجم المخاطر التي تتهدد وحدة السودان (وهذا أمر يعني فيما نحتسب الدكتور قطبي الذي عرفناه داعية لوحدة السودان لا واحداً من أهل المنبر)، و لا يعرف أيضاً نوع الضغوط التي تتهدد النظام الذي يتمنى استدامته على نحو ما كان عليه. مع ذلك، عاد علي عثمان بعد ان حقق لوطنه سلاماً طالما افتقده، و حقق لقومه اموراً اعيت غيره. حقق للنظام شرعية حقيقية، لا شرعية امر واقع، بالوصول الى وفاق مع كل معارضيه، من حَمَل السلاح منهم، و من حاربهم بالقلم. ومن عاداهم بكل الوسائط المتوفرة له. وحقق لحزبه، حزب المؤتمر، أغلبية في الحكم ريثما تتم الانتخابات، رضى بها المعارضون الآخرون وهم يكظمون غيظهم، ولما يزل البعض يرفضها. وحقق لنفس الحزب قبولاً دولياً واقليمياً مع قوى كانت تناصبه العداء وتحاربه في كل المحافل.

    لم يكن علي عثمان وحده في تلك المعركة، سبقه الى ساحاتها الدكتور غازي صلاح الدين فانجز الاتفاق/الاطار الذي قامت عليه الاتفاقية. وكان بصحبتهما فريق مقتدر من حزب المؤتمر الوطني لا ننكر قدراته رغم ما عانينا من رهق من جانب بعضهم، وهو رهق لا يغضب لان اغلب التلاوي كان حول الرؤى. الاتفاق لم يكن ضربة حظ، بل صنعه جنرالات السلام السودانيين، والجنرالات، كما قال نابليون، يصنعون حظوظهم. ثم كان وراء كل هؤلاء الرئيس البشير الذي لم يكن على تواصل دائم مع نائبه فحسب، بل مع الراحل قرنق. لم يصل الطرفان الى وفاق الا وكان البشير على الطرف الآخر من الهاتف يُهنئ. ولم يتوقفا عند أمر، الا وكان على الطرف الآخر يستمع لتفاصيل الموقف ليفصل فيها. ولهذا لم يكن غريباً ان يقف البشير في نايفاشا عقب التوقيع بالأحرف الأولى على الاتفاق قبيل عيد الميلاد ليهنئ أهل السودان مسلمين ومسيحيين بالسلام، و ليصف الاتفاقية بانها ايذان بمولد جمهورية السودان الثانية. هذا القول استعاده الرئيس بالأمس القريب في ذكرى الاحتفال بعيد الاستقلال الواحد والخمسين حيث أسمى الاتفاقية الاستقلال الثاني. التشهير بالرجل وحده، اذن، لا يصدر الا ممن يغمطون الناس اشياءهم، و يلتونهم اعمالهم، ''وان تطيعوا الله و رسوله لا يلتكم من اعمالكم شيئاً''، ونتمنى أن لا يكون قطبي من اولئك أو هؤلاء


    http://sudaneseonline.com/
                  

01-28-2007, 03:04 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عامان من السلام : حساب الربح والخسارة (6) // الدكتور منصور خالد (Re: Sabri Elshareef)

    الاعزاء والعزيزات

    اعضاء البورد من له باقي المقالات يساعدني بانزالها او تساعدني

    اخص عبد المنعم سليمان كتب مقال لمنصور خالد

    كما اخص الاخرين

    تحياتي واشواقي
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de