دستور الاسلام المستنير ( 12): المواطنة /المستشار محمد سعيد العشماوي

دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-13-2024, 09:49 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة صبرى الشريف(Sabri Elshareef)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-05-2007, 03:31 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
دستور الاسلام المستنير ( 12): المواطنة /المستشار محمد سعيد العشماوي

    خلال العصور الوسطي ، كان قد حدث ثمة فرز للناس على أساس ديني ، للمناطق والاقاليم . ففي الشرق الاوسط غلب الاسلام ، مع وجود أقليات متعددة . وفي اوروبا سادت المسيحية بمناطقها المختلفة . وفي الشرق الاقصي كانت الهندوسية تغلب في الهند وفي بعض المناطق الملاصقة بينما توزعت البوذية – بشقيها الشمالي والجنوبي - في باقي المناطق .
    وفي فرنسا، كان الناس موزعين توزيعاً طبقيا . فالاشراف في طبقة الاشراف ، ورجال الكهنوت في طبقة رجال الدين ، وباقي الناس في طبقة العوام . وكان المجلس التشريعي (آنذاك يسمي مجلس طبقات الامة) لا يستوى على اساس حزبي بحيث تكون الغلبة للحزب الذي يفوز بأغلبية الاعضاء ، لكنه كان يقوم على أساس الطبقات الثلاث، وكان ذلك واضحاً في اسم المجلس النيابي ذاته . وكانت كل طبقة منها ثابتة متحجرة، لا يمكن الانتقال منها الى أي من الطبقتين الاخريتين . فران الجمود على كل طبقة ، وكان التمثيل النيابي تمثيلاً يرعي شئون الطبقة النافذة بحيث يندر ان يُعني احد الاشراف او واحد من رجال الدين بطبقة العامة ، الا من قبيل التجمّل والتكرم والتفضل ، لا دفاعاً عن مصلحة هذه الطبقة ولا رعاية للامة الفرنسية ككل، لأن مفهوم الطبقات الثلاث كان يجعل من أبناء كل طبقة كتلة ملتصقة بطبقتها ، بحيث لا يجد الفرد العدل والامان الا في طبقته وفي تحقيق مصالحها، فيصعب بذلك ، ان لم يكن من المستحيل ، ان تنشأ الا للمفكرين ، لا للسياسيين ولا لغيرهم ، انتباهة الى مصالح الامة ككل ولو كان ذلك ضد مصالح طبقته .
    قدم المفكرون امثال فولتير وديدرو ومونتسكيو وجان جاك روسو مفاهيم جديدة عن حكم الشعب وحرية الفكر والعمل وحقوق الانسان ، وصادف ذلك نشوء المدن التي تقيم فيها الطبقة البرجوازية (نسبة الى لفظة برج العربية ، لانهم تكونوا من التجمع حول الابراج التى كانت تقام فيما بين الاقطاعات، حيث يتزود المسافرون فيها بالطعام او يستطيعوا المنام) وكانت هذه المدن بطبيعتها ، بعيدة عن الافطاعيين مستقلة عن رجال الدين .
    وفي الجو العام الذي نتج عن الاستنارة ، ولضائقة مالية وقعت فيها الدولة ، ذاب الشعور الطبقي او تخلخل ، فبدأ عدد من الاشراف ومن صغار رجال الدين في الانضمام الى العامة ، وطالبوا جميعاً بإصلاحات سياسية واجتماعية واقتصادية شاملة، وغيروا اسم "مجلس طبقات الامة" الى ان يكون "جمعية وطنية" . وبهذا بدأت الامور تسير في اتجاه الثورة ، فاندلعت الثورة الفرنسية (عام 1791م) . كان أهم نتاج الثورة إلغاء نظام الطبقات ، واعتبار ان فرنسا كلها مدينة واحدة هي وطن للجميع ، وبهذا نشأ مفهوم المواطنة (بالفرنسية Citoeyn وبإلانجليزية Citizen ) ، ومن مقتضي ذلك ان صار كل الافرد الفرنسيين ، مهما كانت الاختلافات بينهم ، جنسية ، أو طبقية ، او معتقدية ، مواطنين ، يستمد كل مواطن منهم حقوقه ويعرف إلتزماته من الدستور الذي وضعته الامة كلها بمندوبين عنها .
    وفي مصر ، وفي البلاد العربية ، كان كل فرد فيها خلال القرون السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر ، وفي بعض البلاد ، حتي القرن العشرين "رعية عثمانية"، أي إنه كان رعية للسلطان العثماني في الاستانة او لولاته الذين يعينون منه لمباشرة أعمال الحكم التي كانت تهدف الى السلب والنهب . وكانت فكرة الحقوق العامة خافية وغير معروفة ، لان السلطان وولاته ، كانوا هم الذين يمنحون الحق وهم الذين يفرضون الالتزام ، وليست للشعوب كلمة او حتي احتجاج ، فحوّلهم طول القهر الي ان يكونوا مستسلمين لا يفكرون في تغيير شئ إلا ان يغيره الله ، في حين ان القاعدة القرآنية عكس ذلك إذ تقرر ان "لا يغير الله ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم" .
    وفي مصر ، عند وضع دستور 1923 ، كانت مصر قد استقلت عن السلطنة العثمانية ، فأتجه مشرعو الدستور الى ابتناء ما سموه "الدولة المصرية" على مفهوم المواطنة . هيأ لذلك أن كانت ثورة 1919 قد أذابت بتوهجها اى مفهوم عنصري او قبلي او معتقدي ، وصار الكل مصريين، يرسم الدستور حقوقهم والتزاماتهم ، فسيستمدون منه الحقوق ويؤدون الالتزمات، وفقاً لما رسمه الدستور، وما صدر من قوانين مكلمة له . ووجد كل مواطن الامن والعدل في هذا الوضع الذي كان الكل فيه مصرياً ، فلا تتوزع الامة بين مسلم وقبطي ، اوبين حضري وبدوي ، او بين مزارع وموظف ، او بين مصري ونوبي .... وهكذا ، عاشت مصر كتلة واحدة يتداعي كل مواطن فيها بكل المواطنين ، ويجد في هذه الرابطة راحة عظمي وسعادة بالغة .
    عندما قام الانقلاب العسكري في 23 يوليو 1952 حدث تلاحم شديد وسريع بين الضباط الانقلابيين ومن أيدهم من صغار الرتب ، وبسرعة أدى هذا الوضع الى وجود استقطاب حاد بين العسكريين والمدنيين . وإذ حَكم العسكر وكانوا في كل أعمالهم قليلي الخبرة ،
    متعجرفي الطباع ، قصار النظر ، رافضين للمشورة ، فقد كان نتيجة ذلك ان تفتت المصريون في طبقة العسكرتاريا (التي كانت مقصورة على قادة الانقلاب والموالين لهم الضباط) وطبقة المثقفين (التي كانت تنكر استيلاء العسكر على السلطة وعلى حكمهم برعونة وتسرع ، وبنظرة جزئية قصيرة المدي . وكان ضمن المثقفين كثير من الاقباط) ، وتوالي التفتييت بين مزارع واقطاعي ، مستأجر ومالك ، عامل وموظف ، أهل الخبرة وأهل الثقة ، الموالين للثورة وأعداء الثورة ، مشجعي نادي الاهلي ومشجعي نادي الزمالك ، والصعايدة والبحاروة .. وهكذا . وبصدور قانون الازهر عام 1963 لسحب البساط من تحت الاخوان المسلمين نشأت طبقة علماء الدين وصارت على الضد من المتحررين (الليبراليين) والمستنيرين . ثم ، اعتباراً من سنة 1970 ، حدث تفتت على اساس ديني كانت نتيجته وجود اسلاميين ، ومسلمين ، وأقباط ( وكانت مشكلة الاقباط قد بدأت مع مشكلة المثقفين ، قبل ذلك ، ومنذ بداية الانقلاب ) .
    كان من شأن أسلوب الحكم الجاهل الأرعن المستبد انه لم يعد أحد يجد نفسه وعدله وأمنه الا في مجموعة خاصة به لا في المواطنة، إذ لم تعد هناك ثقة بالدستور الجديد ، ولا بغابة القوانين ولا بنظم الحكم . ولما بلغ التقصير من السلطة حاجات الناس من خدمات تعليمية ، واقتصادية ، ومعيشية ، وجدوا البديل فيما تقدمه الجماعات الاسلامية للفقراء والمعوزين ، وما تقدمه الكنيسة لمن تعوزه حاجة من الاقباط . فزاد التصاق مُقتضِي الخدمات او طالبيها بمن يوفرها لهم ، ونأوا عن السلطة وعن مفهموم المواطنة، ووجد أغلب الناس انفسهم غرباء فيما كان وطناً لهم . وزاد الامر سوءا على سوء ان ابناء العمال والفلاحين الذين كان الانقلابيون يجتذبونهم بما يسمي مكاسب الثورة (!!) هؤلاء الابناء تلقوا التعليم وصاروا مؤهلين بشهادات عليا (في الغالب) ، ولزيادة اعداد حملة الشهادات فقد طال خط المتعطلين طالبي الوظائف ، ولم يعد هؤلاء يشكرون منْحهم فرص التعليم ، بل تحولوا الى ناقمين من طول البطالة ، وتقاربت مشاعرهم الناقمة من اعباء التبطل مع مشاعر غيرهم، ممن كانوا يعتبرون اعداء لأهاليهم في بداية الانقلاب، واقتصرت بعض الوظائف على ايجاد وساطة نافذة أو دفع رشوة ضخمة، لم يكن الكثيرون من طالبي العمل قادرين على هذه او تلك. وتطور الاحباط الى غضب، والغضب الى نقمة، فزاد عدد المنكرين للمواطنة، ولم يعد الكثيرون يجدون لها مفهوماً او مدلولاً او يرون منها رعاية او حماية .
    ثم كانت المرحلة الاخيرة عندما بدأ بعض الأسلاميين (انصار الاسلام السياسي) يعتدون بالهوية الاسلامية وحدها ، ويرون ان "الاسلام وطن" ، وان غيرالمسلمين من أهل الكتاب، أقباطاً، او يهود ، هم في ذمة الاسلام، اي من أهل الذمة . بذلك اختفت المواطنة المصرية تماماً ، وأصبح الحديث يجري على اساس المسلمين (وهم الاسلاميين) او الاسلامويون وأهل الذمة من الاقباط، وهم نسبة كبيرة من المصريين . ودفع هذا اقباط مصر الى ان يهرعوا الى الكنيسة ، يجدون في رحابها الرعاية ممن يهدد مواطنتهم ، والحماية ممن يسفه معتقدهم . وانتقل هذا الفهم الخاطئ الى بلاد اخري فأصبحت تجري قسمة المواطنين ، بين حركات وطنية وحركات اسلامية .
    وأصل فكرة اهل الذمة أن السكان الاصليين لمدينة روما (ويطلق علهم لفظ الممادنين ، نسبة الى المدينة ) كانوا يرفضون ان يدخل مدينتهم من ليس من ممادينها والاجاز لأي ممادن روماني ان يضع اليد عليه ويكتسب ملكيته لانه قد صار عبداً اي رقيقاً بإعتباره Pagan اي ما يفيد معني الوثني حالاً (حاليا) . وكان لا بد في مثل هذا الوضع القانوني ان يبحث له عن احد يحميه فيدخل روما في حمايته (بإلانجليزية Protege وبالفرنسية Protegee وباللاتينية Protegere (يراجع قاموس Ox ford ) ولا بد ان هذا الفكر كان قد نفذ الى الاسلام في عهد النبي لان ما نقل عنه ان اهل الكتاب في ذمته (هو شخصياً) ، وهو ذات الفهم الذي يجعل غير المسلم ، مسيحياً كان ام يهودياً ، شخصاً في ذمة النبي ، اي في حمايته . وقد ظل هذا المفهموم سائداً الى ما بعد وفاة النبي ، غير ان التعبير قد عُدل الى ان يقال ان اهل الكتاب هم في ذمة المسلمين . ويقول بعض الاسلاميين ان ذلك يعني ان يكون "لهم ما للمسلمين ، وعليهم ما على هؤلاء المسلمين" ، وهو تعبير غامض يردده القائل كالببغاء دون اي تمعن فيه ، فهل يكون على أهل الذمة حق الصلاة والزكاة والصوم والحج ، التي هي على المسلمين ؟ فإذا لم يكن الامر كذلك فهلا تحددت الحقوق وتبينت الالتزامات وتوضحت اجراءات هذه الالتزامات وتلك الحقوق ، فيظهر ما هو من الدين وما هو من الحياة؟ ومن المسئول عنها تحديداً ؟ وكيف يكون التصرف ان ظلم او غدر او اخلّ بذمته ؟
    ان المواطنة ارقي واسمي وأدق واضبط مفهوم وصلت اليه الانسانية . فلقد كان الشخص ينسب الى مدينة ، كالممادن الروماني، او لعقيدة فيقال انه يهودي او مسيحي او مسلم ، او يُنسب لغير ذلك من قبائل وعشائر وطوائف ومذاهب وشيع ، ومازالت هذه تبدو لقبا في بعض الاسماء . وقد تتبعت الدراسة نشوء فكرة المواطنة وكيف انها تحقق المساواة بين الجميع ، وتنفي التبعية والرعوية لحاكم مهما كان ، فتجعل الحقوق والالتزامات نابعة من دستور يُتفق عليه ويصدر عن أباء الشعوب فيلتزم به الحاكم والمحكوم ، فيما حدد لكل من حدود وحقوق والتزمات ، فإذا حدث تجاوز من اي شخص رده القانون الى حده . فإذا كان الامر كذلك ، فما الذي يدعو البعض الى استحياء الهوية الدينية التي كانت سائدة في القرون الوسطي وقبل ان تظهر فكرة المواطنة ، بما فيها من عدالة ومساواة ؟ هل تتقدم الشعوب ام ترجع القهقري ؟
    هذا هو الشأن في مصر ، وهو على نحو ما ، ما ينطبق على كثير من الشعوب العربية ، التي مازالت ترسف في القبائلية والعشائرية والثقافات الفولكورية وفي الطائفية والمذهبية ، وربما يتخذ الامر مدي بعيداً الى ان يتحقق مفهوم المواطنة ، او تنشأ ثقافة خاصة تروج له وتبين مزاياه . ولا يكون رفض مبدأ المواطنة الا بسبب التعالي الكاذب والعنجهية المريضة والجهالة المطبقة ، وأمثال هؤلاء هو من قال فيهم الشاعر أحمد شوقي (بتصرف)

    لاقي الزمان تجدهموا .. عن ركْبة متخلفين

    هم في الاواخر مولدا .. وعقولهم في الاقدمين
                  

01-07-2007, 05:33 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دستور الاسلام المستنير ( 12): المواطنة /المستشار محمد سعيد العشماوي (Re: Sabri Elshareef)

    دستور الاسلام المستنير (13)

    مسألة المرأة في الاسلام بالغة الدقة والصعوبة، لما يعتقده البعض من ارتباطها بالعقيدة، والتزامها النصوص. لكن، يبدو ان الاصح في معالجة هذه المسألة وكل مسألة اخري، بمنأى عن النصوص ومبعدة عن التراث. ففي هذا وذاك يجد كل حكم حكماً يقابله، او نصا يرجحه، ونصا يعارضه.
    فإن قال قائل (مثلاً): ان الله غفور رحيم، رد الآخر قائلاً: ان الله شديد العقاب. وان قال القائل: ان الله يغفر الذنوب جميعاً، رد الآخر قائلاً: ومن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره. وان قال القائل: قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا، رد الآخر قائلاً: لا يغير الله ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم. وان قال قائل "الجنة تحت أقدام الامهات"، رد الآخر قائلاً "النساء ناقصات عقل ودين"... وهكذا.

    ان النصوص والاحكام، وتفسيرها وتأويلها وتطبيقها، يتضمن نتاج عقول متغايرة، وأفكار متباينة، وأمكنة متباعدة، وأزمنة متعاورة، حتي لتكاد تشمل كل شئ ثار أو أثير، وكل أمر طرأ او استجد، فيما يبدو للبعض انه تعارض او تناقض، لكن الامور تبدو جلية والواقعات تظهر واضحة، حين يرتبط النص والرأي بالظروف التاريخية.

    Historical Contxt، وهي ظروف غير ثابتة ولا ساكنة، ولكنها بالأحري دائمة الحركة والتغير، فيما يقتضي إحداث تغير محسوب فيها، والا اضطربت الطبيعة الجارية، للمجتمعات والافراد، الى ان يتحايلوا عليها باصطناع المخارج او اللجوء الى الحيل او تدعهم تحت وطأة الجمود وسبات الممات.

    في بداية التاريخ البشري، كانت المسافدة (العلاقة الجنسية بين الرجل والمراة) علاقة عابرة للرجل، لكنها كانت تؤدي – فيما لو نشأ حمل - الى ارهاق الأنثي به تسعة أشهر، تعقبها الولادة التي غالباً ما تخلّف وهنا وضعفاً للمرأة التي صارت أما، والتي تنشغل من ثم في الرضاعة والتربية، حتي يشب الوليد ويصبح رجلاً. ولربما حدث الحمل عدة مرات تؤدي كل مرة فيها الى ذات الدورة، وتصير التربية ثقلاً مهما تتولاه المرأة. خلال هذا الحمل والثقل والرضاعة والتربية، كان الرجل خفيفاً، يجري بحثاً عن الرزق في الصحاري والجبال وفي البحار والانهار.

    تلك هي الفترة التي كانت الأسرة فيها تُنسب الى الأم Maternity. ومازال ذلك يظهر حين يقال: اللغة الأم Mother Language، الوطن الأم Mother Land، وأمهات الحوداث The most Important events، وأمهات المسائل The main proplems، وأمهات الفضائل The Principal Virtues، وهكذا
    بعد ذلك، ونتيجة للتطور التاريخي نشأت مرحلة الرعي Postral ومرحلة الزراعة Farming، كل في مكان وكل في مجال، وبهذه المرحلة بدأت تنشأ الأسرة التي تكون ذات أب يقيم معها ومسئول عنها، و بهذا بدأت المرحلة الابوية Paternal. ونظراً لأن هذه المرحلة استطالت كثيراً فقد بدا للغالبية من الناس انها هي الاصل، في حين انها كانت مجرد مرحلة فيه، مهما طالت واستدامت.

    بدأ العصر الصناعي، في اوروبا، بثورة البخار في القرن السابع عشر. وفي بدايته كان العمل على الآلة يقتضي مجهوداً عضلياً لا يقوم به الا الرجال. وفي بعض الاحوال، في الصناعات التي لاتقتضي مجهوداً عضلياً كبيراً انفتح المجال للاطفال، ثم اتسع بعد ذلك للنساء، خاصة بعد تطور الميكنة Automachin وصيرورتها في حاجة الى الانتباه لا في حاجة الى المجهود العضلي. ثم جاء التطور الاخير بأدوات التقنية Technoligy من حاسوبات Computers وآلات أو طائرات او اسلحة تدار بالحاسوب. وبظهور هذا العصر وانتشاره اينما كان، بدأ عصرالمساواة بين المرأة والرجل، إذ قد تكون المرأة اكثر مهارة من الرجل او أوفر عقلاً أو أعلى رتبة، وقد تصبح في بعض الظروف هي التي تسعي لرعاية الاسرة مالياً.
    ونتيجة لظهور المدارس الداخلية Boarding Schools، اتخذت التربية شكلاً آخر، اذ تستطيع المرأة لو ألحقت اولادها بهذه المدارس، أن تتفرغ للعمل تماماً. والى جانب ذلك، ونتيجة لوجود عوامل كثيرة من الاحتكاك بين الشخصيات فيما لو طالت المدة في المعاشرة، فقد اتجه كثير من النساء للحصول على ولد شرعي Ligitimit son تقطع بعده رابطة الزوجية، وهو ما يهدد العلاقة الاسرية تماماً.

    ظهرت الشرائع الثلاث: اليهودية والمسيحية والاسلام في العصر الزراعي (والرعوي) فكانت الاحكام فيها تتلاءم وتتواءم مع الظروف التي ظهرت فيها تلك الشرائع. ولأنه يوجد لدى كثير من المؤمنين بهذه الشرائع ميل قوى لإعتبار مبادئها ثابتة لا تتغير فقد تعلقوا بها، وكان من مقتضي ذلك – بالضرورة – ان يستنكروا ما تطور اليه المجتمع، ويعتبرون انها (التطورات) تهدد المعتقدات وتهدم الايمان، لكنهم لا يفكرون ابدا في ان النصوص الدينية كانت تواجه واقعاً، ولا تثبّته، تحل مشكلة توجد بعدها مشكلة أخري تقتضي البحث عن حل آخر، لان استعمال قواعد الحل السابق قد يُفضي الى بقاء المشكلة او الى زيادة تعقيدها.

    في اليهودية أدرك الاحبار اللاويين (وهم من أصل مصري) ان احكام التوراة قد تصبح مع مرور الوقت غير قابلة لتطبيق يُوجد حلولاً للمشاكل والمسائل التي تستجد، فأنشأوا قواعد جديدة، وجُمعت هذه القواعد تحت اسم "التلمود" الذي يعني تعاليم الاحبار. ولكي يضفوا شرعية على تعاليم الاحبار فقد قالوا ان الوحي مستمر بعد موسى عليه السلام، يظهر في تعاليم الاحبار، أي التلمود. وفي الوقت الحالي حين يتكلم المتحدث عن التوراة، فإنه يعني التلمود، التي حلت في كثير من الاحكام محل التوراة.. ولتقديم مثل واحد من التجديد الذي أحدثه التلمود في احكام التوراة، ان هذه كانت تنهي عن ثمن الدم (الدية) وتأمر بالقصاص، اما التلمود فقد غيّر هذه القاعدة وأجاز الدية، في القتلي وفي الجروح.

    في أحد اناجيل المعرفة (او العرفانية Gnosticism) قال السيد المسيح لتلاميذه (هل تعرفون علامة الله فيكم ؟ إنها الحركة ) وفي القرآن عن الله سبحانه (كل يوم هو في شأن) اى إنه حركة مستمرة كل يوم وكل لحظة. وفي علم الفزياء الحديث ان كل شئ مادي يتفكك الى ذرات Atoms (والذرة غير الفتات) والذرة تنحل الى جسيمات Particles، وهذه الجسيمات ذات طبيعة خاصة، قد تبدو مادية وقد تبدو كهربية، وفيها صفات الكون الاساسية من ذاتية وحركية وشعور واتجاه الى التوحد بالكل.

    يعني كل ذلك ان القواعد لا بد ان تتغير بتغير الواقعات، وان المبادئ لا بد ان تتحرك بتحرك الحياة. وفي القرآن مما يراه البعض دليلاً عن ان المرأة أدني من الرجل ولا تساويه آية، ثم عقد الزواج ونظام المواريث. فثم آية تقول (الرجال قوامون على النساء... بما انفقوا) سورة النساء:34. فالقوامة هنا منوطة بالانفاق. فإذا كان أساس القوامة هو الانفاق، فماذا لو كانت الزوجة هي التي تنفق، لثرائها او إرتفاع دخلها من العمل، او لبطالة الرجل او عجزه او مرضه ؟ هل يقال في ذاك (النساء قوامون على الرجال بما انفقوا)؟

    والزواج في الاسلام عقد مدني، بمعني انه يتم بتراضي طرفين اوكلائهما دون تدخل من سلطة دينية، إذ لا سلطة دينية في الاسلام. وتحل عقدة الزواج بالطلاق (الارادي) او بالتطليق (من المحاكم) أو بالوفاة. والطلاق غالباً ما يكون في يد الزوج، يحل به عقد الزواج في أية لحظة، لكنه يمكن كذلك ان يكون في يد الزوجة او في يد طرف ثالث (إلا ان يعفون او يعفوا من بيده عقدة النكاح) سورة البقرة:237. وهذا ما نميل إليه، وما اثبتناه منذ سنة 1985 في حديث لمجلة مصرية ثم بعد ذلك سنة 1990 في كتابنا (معالم الاسلام). ووجهة نظرنا في ذلك ان الشعوب الشرقية حامية الطباع، وقد يحل رابطة الزوجية، بإيقاع الطلاق، من بيده عقدة النكاح – زوجاً كان او زوجة – في ثورة غضب، ثم بعد ذلك يندم بشدة، ومن ثم يكون الاوفق وضع الطلاق في يد المحاكم.

    ونظام المواريث في القرآن تغيّر أربع مرات. وقد حدث أن ذهبت امرأة الى النبي تشكو له ان زوجها توفي ووضع عم ابنتيها يده على كل التركة، وقالت في ذلك ان البنات يتزوجن على المال. وقد ظلت المرأة تتردد على النبي وتذكّره بالواقعة قائلة "بنات سعد يا رسول الله". وإثر ذلك نزلت الآية التي تجعل حق البنت الواحدة في التركة هو النصف، وحق الابنتين هو الثلثان. وفي واقعة بنات سعد، يلاحظ ان التركة تقسم على تلاث انصبة متساوية، واحد للعم (تعصيباً) واثنين للابنتين (بالاسهم).

    وعلة توريث الاعصاب (الرجال من ناحية الأب) انهم في المجتمع العربي – حيث نزل القرآن – كان العصب، ابا كان او اخا او عمّاً مسئولا عن بنات ونساء القبيلة، وبهذه المثابة كان لابد له من الانفاق عليهن إذا لم يكن لهن مورد. وبعد مرور اكثر قليلاً من قرن (مائة عام) وجد الفقهاء صعوبة في تطبيق هذا النص ونصوص الميراث عموماً، لاتساع الديار الاسلامية واحتمال تنقل العم (مثلاً) الى جهة نائية غير معروفة، مما يجعل التصرف في التركة مستحيلاً، ونتيجة لذلك فقد ابتدع الفقهاء نظام الوقف الاهلي، وهو نظام غير مذكور في القرآن ولا ورد في حديث للنبي (متواتر او مشهور) وبمقتضي نظام الوقف يجوز لصاحب الاعيان ان يحرر وثيقة يجعل فيها ملك أعيانه لله بحيث لا يجوز التصرف فيها بالبيع او بعقود نقل الملكية عامة، ومن ثم يعيد توزيع الانصبة على الورثة وقد يعطي من التركة لغير وارث. بهذا جاز للواقف ان يجعل نصيب زوجه النصف بدلاً من الثمن او يساوي بين الذكور والبنات في توزيع أسهم الوقف عليهم، او يخص الصغير من أولاده بأسهم اكثر مما يخص به الكبير الذي اكتملت تربيته، وهكذا، أصبح الوقف بديلاً عن أحكام المواريث في القرآن، واعتبره البعض نظاماً دينياً شرعياً، مع انه نظام فقهي غير شرعي.

    وفي العصر الحالي، تبدلت الامور وتغيرت الاحوال، لتتقرر المساواة التامة بين الرجل والمرأة في كل مجال، ولا يقاوم ذلك الا من كان من بقايا المجتمع الرعوى او المجتمع الزراعي. ولم يعد من الممكن لعاقل او سوىّ ان يجعل للرجل الجاهل موضعاً أعلى او أرقي من المرأة المتعلمة المثقفة الراقية ـ واللاتي برز بعضهن في مجالات مهمة فكانت عاملة او كاتبة او سياسية، وأثبت بعضهن في كل ذلك كفاية ومهارة.

    ان محور التقدير الانساني انتقل الى العقل، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون. ومن يُرد ان يحكم على مجتمع فلينظر فيه إلى وضع المرأة، من حيث إنها انسان، فضلاً عن أنها الأم والاخت والابنة والصديقة والزميلة، فإن وجد هذا الوضع سوياً فالمجتمع سوىّ، أما إن لم يجده كذلك او وجد فيه عوارا، فإن ذلك أبلغ حكم بأن المجتمع غير سوىّ وفيه عوار ومرار

    (عدل بواسطة Sabri Elshareef on 02-12-2007, 12:55 PM)

                  

01-12-2007, 04:20 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دستور الاسلام المستنير ( 12): المواطنة /المستشار محمد سعيد العشماوي (Re: Sabri Elshareef)

    ******
                  

01-12-2007, 01:19 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دستور الاسلام المستنير ( 12): المواطنة /المستشار محمد سعيد العشماوي (Re: Sabri Elshareef)

    دستور الإسلام المستنير (14)

    في بدايات الحياة البشرية، كان الأفراد متناثرين متفارقين، لا يضمهم مكان واحد، ولا يربطهم رباط محدّد. وكان كل فرد – متي بدأ عنده الوعي في التفتح ـ يبتدر كل شئ ويبتدئ أى حلّ، في كل أمر يصادفه، ويقتضي منه وقفة لإنهاء مشكلة أو الوصول إلى نتيجة. وكلما كانت المواضيع تتكاثر والمشاكل تتوافر، كان يلجأ إلى حلوله السابقة أو يعاود




    محاولة الحل إن كان قد نسي الحل السابق أو الوضع الذي سلف منه، للقضاء على المشكلة. فإذا تكرر حل بذاته، في مسألة معينة، صار عادة فردية، وقد يصبح عادة جماعية، إن اتجهت إليها جماعة أو توافقت عليها مجموعات.
    وبقدر ما تؤدي العادة إلى تسهيل الأعمال، للأفراد والجماعات، بتقديم الحلول السابقة، فإنها مع الوقت، تُسقط الارادة وتُضعف الوعى وتذبل التنبه. والمثل العصري في ذلك "قيادة السيارات". فعندما يبدأ الشخص القيادة، لابد أن يُعلّمها له آخر، ويكون هو عند الانفراد بالقيادة متماسك الارادة شديد الوعى فائق التنبه. ومع الوقت تصبح القيادة عادة، تجري بصورة آلية، بغير إرادة ودون وعى ولا تنبه، إلا قليلا قليلا.
    وتتكاثر العادات وتتضامم، عند الفرد والجماعة، سواء بسواء، حتي تغالب الارادة فتغلبها، ثم تقبض على العقل ولا تدع له مساحة للحركة، وتجعل من الشخصية مجرد أداة آلية (ميكانيكيّة) قولها مجرد رواسم (كليشيهات Clichés) متعارف عليها، او عبارات مصكوكة تعود عليها الجميع، أو شعائر مظهرية يتسرب منها العقل والضمير.

    وعندما يصل الفرد أو الجماعة أو الأمة إلى هذا الحال، يفتقد أى مبادأة ويفتقر إلى أى مبادرة، ويصبح ادني الى الجمود والموات، الذي قد يجد فيه أكثر الناس، خِدراً (Anesthesia) يتوهمون أنه راحة، فلا يجمعون عقولهم في تفكير ولا يرهقون ارادتهم في تدبير، ومن ثم لا يفكرون في شئ ـ وإن كان يسيرا، ولا يتدبرون أمرا ـ إن كان جديداً. بذلك ينحدر الفرد أو الجماعة أو الامة الى الشمولية. وتعني الشمولية ـ في هذا الصدد ـ وجود نظام أو نظم للفكر والعمل والقول والاعتقاد يؤديها الفرد أو الجماعة أو الأمة، بتقليد لا تجديد فيه، وترديد لا تغيير به، فكل شئ في النظم والأقوال والشعائر مسلّمات (Postulates) يأخذها كما مارسها او قالها الأسلاف، دون أن يقدر، أو يسمح له الغير بمجرد التفكير فيها، أو حتي التساؤل عنها، أو عن جزئية بها، كبرت أو صغرت.

    بهذه المثابة فإن المجتمعات والشعوب والأمم توغل في الشمولية، كلما قدم بها العهد، فيكون كل شئ فيها مسلمات راسخة، أو معتقدات رازحة، أو عادات ثابتة، أو محادثات جاهزة، أو عبارات غابرة. وتظل كذلك، إلى أن يقوم فيها مجدد أو مجددون، او يحدث لها لقاح ثقافي من ثقافة أخرى، تكون قد تجاوزت الشمولية لسبب أو آخر.

    وتشتد دواعي الشمولية من خلال الضغوط الاجتماعية (Social Pressures)، التي يري بعض علماء الاجتماع، وأولهم إميل دوركايم (1858 – 1917) أن آثرها أشدعلىالناس من أثر العقائد، وهذا هو السبب الرئيس في دخول التراث الشعبي (الفولكلور Folk lure) الى المعتقد، بما يُحدث اختلافاً بينه وبين الأصل، وبينه وبين غيره، تبعاً لتغاير الثقافات وتعاور التراثات.

    وقبل أن تحدد الدراسة آثار الشمولية، وأكثرها بغيض وأقلها مفيد، فإنها تضرب بشأنها مثلا واضحاً ثابتاً. فمفهوم الزمان كان لدى جميع الأمم والشعوب، ملتبسا بالدهر أو القدر. وفي التراث العربي أنه روى عن النبي(صلى) قول الله "لا تسبوا الدهر"أو الزمان" فأنا الدهر". وفيه : (يا لائمي في هواه، والهوى قدر)، (زمن قاسي، غدر بيهم)، (إمتى الزمان يسمح يا جميل؟)، (من سره زمن ساءته أزمان)، (يا دهر فيم فجعتني بحليلة؟)، (يا دهر ما أقساك يا دهر)، (وما تسع الأزمان علمى بأمرها)، (ألم يخبرك أن الدهر غول؟)، (دهر علا قدْر الوضيع به)، (آه يا زمن !).

    وعندما قال السيد المسيح (لا أحد يعرف الازمنة والاوقات إلا الله وحده) فهم الناس من ذلك ما كانوا ومازالوا يقيمونه من مطابقة بين الزمان والوقت، من أن الزمان وقت قصير أو طويل، وهو الدهر، وهو العصْر، وهكذا (المعجم العربي الأساسي، مادة : زمان)، }هذا مع أن الفلسفة تقيم فاصلا بين الزمان والوقت. فالزمان فيها أمر وجودي يتصل بالشعور، في حين أن الوقت هو مدي الساعات أو الأيام التي تقاس بها الحوادث{.
    وقد رزحت هذه المسلمة عن الزمان في الفكر البشري مدي التاريخ. والمسلمة بديهية لا تقبل الجدل (المرجع السابق : مادة سلم). وكان من نتيجة ذلك أن قال بها اسحاق نيوتن (1643- 1727) الذي يعتبره البعض أكبر عقلية ظهرت في علم الفيزياء، فصّور الزمان والمكان على أنهما مطلقان وأنهما حقيقتان منفصلتان إلى أن اقترح لورنتز فكرة تداخل الزمان والمكان، ثم بني البرت اينشتاين على هذا المفهوم نظريته عن النسبية الخاصة (عام 1916) فصور الكون (المادي) على انه فراغ ذو أربعة أبعاد تتحدد الاحداث فيه بثلاثة إحداثيات (مكانية) وإحداث زمني رابع. وبهذا خرج الزمان من مفاهيم القدر والدهر وما ماثل، وصار بُعدا يختلط بالابعاد المكانية.

    ذلك مثل مهم، والامثلة كثير. فلقد كان الزمان في العقل البشري، وعلى مدى التاريخ، عند أكثر الناس، ومازال حتي اليوم، عند هؤلاء وفي المعاجم الحديثة للغة العربية، هو الدهر، وهو القدر، وهو العصْر (Age)، حتى ثبت من علم الفيزيقيا الذي نشأ في أحضان الاستنارة وبين جناحي عصر النهضة، ما يقطع بأنه بُعْد رباعى، في هذا الكون المادي، وقد تكون ثمت أكوان تنبني على أبعاد أكثر، ويكون الله سبحانه لا نهائي الأبعاد. وهكذا يتسلسل التنوير وتتدرج النهضة بما يؤدي الى نقض مسلمات، وتقويض بديهيات، تُبني عليها الثقافة الشمولية.


    ومتي صح ذلك في الأفهام، أمكن بيان بعض نقائض الثقافة الشمولية :
    (أ) فهي تقوم على مسلمات متكاثرة وبديهيات متضافرة، تقبض على العقل وتشل الإرادة، فلا يمكن للفرد إلا إذا كان مخلصاً (بفتح اللام، أي كان من الذين نالوا الخلاص) أن ينفذ منها أو يخْرج عنها أو يجُادل فيها.
    (ب) وثقافة كهذه تجعل من كل فرد فيها صاحب اطلاقات، ليس لديه فيما يرى شئ نسبي. وهو ما يطبع الجميع بالدكتاتورية والطغيان، ويجعل من كل فرد مستبدا في القول والفعل.
    (جـ) ونتيجة لكون أبناء الثقافة الشمولية طغاة في تفكيرهم وفي تقديرهم وفي أعمالهم وفي أقوالهم، فإنه لا يمكن أن تقوم فيهم إلا حكومة ديكتاتورية، سواء كانت من المدنيين أم من العسكر. أو على أحسن تقدير، تقوم عليهم حكومة القِلة (التى تسمي في العلوم السياسية اوليجارشيه، وهي كلمة مركّبة من أصل يوناني. أليجوس ومعناها الفئة، واركى ومعناها : الامر أو الحكم). وحكومة القِلّة في الاصطلاح السياسي هي كل حكومة تنحصر السلطة السياسية فيها في يد القِلّة، سواء كانت قلة عسكرية أو دينية أو غيرها، ويقصرها البعض على حكومة القلة من الأغنياء والتجار.
    ويكون من الصعب جداً - إن لم يكن من المستحيل - إقامة حكومة ديمقراطية في هذه الأمة، لأن الحرية تتعارض وتتناقض مع طبيعتها ذات الطغيان، فتثير فيها هذه الحكومات الديمقراطية روح الفوضي والمعارضة، وتطلق فيها اتجاهات من الرفض والصد وعدم التعاون، والخصومات المستمرة دون أى سبب معقول.
    (د) ويسهل أن يقوم على حكم هذه الأمم طاغية، مدنى أو عسكرى، يعمل على أن يفرض نفسه في رؤاها ليلاً ونهاراً، بكل وسيلة ممكنة. ويكون عمله دعائياً وخطابياً، يخلط فيه بين النصر والهزيمة، والصواب والخطأ، والجد والهزل، والحقيقة والخيال، والأسود والأبيض.. وهكذا. ولا يسمح بالوجود حوله إلا لعدد من الناس موالين له ولو كانوا غير أكفاء. ويؤدي هذا الى عدم السماح للكفاية والنزاهة بالظهور، ولا بتكوين صفوف جديدة من الاداريين والحكام.
    (هـ) وتقع المجتمعات الشمولية، أمما كانت أو شعوباً، في ضربين من الجنون عظيمين، هما جنون الفصام النفسي (شيزوفرينيا Schizophrenia) والجنون النفسي (سيكوباتيه Psycopathy). ومؤدي ذلك أن تكون هذه الشعوب أو تلك الأمم، غير متزنة، تتسم بالرعونة وتتصف بالعدوانية، مزدوجة التصرفات والمعاييرٍ، تحكمها الأيدلوجيات، وتجرفها الشعارات، وتأسرها المظاهر، وتقتلها الشعائر. عقلها في الآذان وفعلها في خبر كان، فهي ظاهرة صوتية وفقاعة غازية. تعيش في الأوهام خارج نطاق الأحداث، بعيداً عن الزمان والمكان، وتتمحض تصرفاتها الى مجرد التمني Wishfull thinking، ويحكمها على الدوام هذاء الاضطهاد Delusion of persecution أى الشعور بأن الغير دائم التآمر عليها.


    (و) ويكون الفرد في هذه الثقافة الشمولية بلا رأي محدد، ولا قول واضح، ولا فكر على الاطلاق. تسير شخصيته في حلزونية إلى الأسفل، وتتخلخل ارادته أمام السلطة أو المال أو اللذة، يقيّم الناس بالتورّم السلعي والانتفاخ العارض، ولا يستطيع ان يميز بين الحقيقة والرياء.
    إن مساوئ الثقافة الشمولية، أكثر من أن تحصى، ونتائجها على الدوام سلبية بغيضة، ولا يمكن القضاء عليها إلا بتفكيك ما يمكن تفكيكه مما هي عليه من مسلمات (Postulates) غير صحيحة ويتأكد بالعلم والعقل أنها وهم في وهم، على أن تحل الحقائق بدلا من الأوهام، وتصبح الاحتمالية عوضاً عن اليقين في كل شئ، وهو ما عبّر عنه الإمام الشافعي بأن قال (رأيي هذا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب).
                  

01-17-2007, 02:34 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دستور الاسلام المستنير ( 12): المواطنة /المستشار محمد سعيد العشماوي (Re: Sabri Elshareef)

    دستور الاسلام المستنير (15): الامة والدولة





    الأمة، لفظ ورد في القرآن الكريم (49) مرة، وهو من أصل عبرى يعني الجماعة او القبيلة. وقد أستُعمل في القرآن بهذا المعني أصلا، ليفيد ان المسلمين (المؤمنين) أمة (اى قبيلة) في مواجهة باقى القبائل، مثل قبيلة قريش أولاً، ثم فيما بعد مثل قبيلتي الأوس والخزرج بالمدينة وقبائل اليهود فيها بنو النضير وبنو قينقاع وبنو قريظة. وأمة كل نبى، من أُرسل اليهم من مؤمن او كافر، وقيل كل جيل من الناس أمة، وقيل كل جنس من الحيوان أمة.
    وفي معاجم اللغة ان الأمة (1) هى الجماعة يؤلف بينهما رابط إما من دين أو أصل او مكان أو نحوه، كما يقال الأمة الاسلامية او أمة محمد (2) الدين، مثل (إنا وجدنا آباءنا على أمة) سورة الزخرف 43:22، (3) رجل جامع لخصال الخير، كما لو كان يساوى قبيلة، مثل (إن ابراهيم كان أمة) اى إن ابراهيم كان يكافئ أمة، كما يقال إن فلان بعشرة رجال او بمئة رجل، وهكذا (لسان العرب، المعجم الوسيط، المعجم العربي الاساسى) مادة : أمم.
    اما الدَّولة، فهو لفظ لم يرد في القرآن بمعناه الحالى، وورد في معاجم اللغة الحديثة وحدها بما يعني (1) الاستيلاء والغلبة (2) اقليم يتمتع بنظام حكومى واستقلال سياسى. وقد جاء اللفظ في القرآن بمعني التداول (بالانجليزية Circulation) (وتلك الايام نداولها بين الناس) سورة آل عمران 140:3، ( ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله والرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، كى لا يكون دُولة بين الاغنياء منكم) سورة الحشر 52:7. ولفظ دُولة في هذه الآية يُنطق بضم الدال والواو، بمعني ألا يقتصر تداول الفئ على الاغنياء وحدهم.
    وقد ورد لفظ الدوْلة، بنطقه الحالى (الذي يكون بتشديد وفتح الدال وبتسكين الواو) في شعر آبى الطيب المتنبي وفي مقدمة ابن خلدون، لكنه في الحالتين لم يقصد الى المعنى القانونى والحالى للدوْلة، ولكنه يرمى الى معنى الغلبة والشوكة والسيادة. وعندما وصل نابليون بونابرت على رأس الحملة الفرنسية الى مصر (1798م) فإنه ذكر في أول منشور كتبه للمصريين، أنه ما جاء ليسئ اليهم ولكن ليقضى على دوْلة المماليك، وكان في هذا الاستعمال للفظ الدوْلة يقصد إلى استعماله بذات المعني الذى ورد في شعر المتنبي وفي مقدمة ابن خلدون. غير أنه مع الوقت اتخذ اللفظ المعنى الحالى، والذي يعني اقليما له سيادة وله نظامه وله قوانينه، وهو وحْدة (Unit) القانوني الدولى العام والقانون الدولى الخاص، والنظام الدولى العالمي. ساعد على ذلك ان المشرعين المصريين عندما وضعوا دستور 1923 سموه دستور "الدولة المصرية" ترجمة منهم للفظ (State) الانجليزي ولفظ (Etat) الفرنسى، ثم أقر مجمع اللغة العربية اللفظ بمعناه هذا، فشاع وذاع واستخدمته بلاد مثل دولة الكويت ودولة الامارات المتحدة، وهلم جرا.
    وفي المعاجم الأجنبية عموما، والانجليزية خصوصاً (لتيسير الدراسة) ورد عن لفظ الدولة، State : An organized political community under one government.
    وهو ما ترجمته جماعة منظمة سياسية تخضع لحكومة واحدة. وجاء عن لفظ Nation : A community of people of mainly common descent, history, language, etc, (2) a tribe or confederation of tribes in native America
    وبالفرنسية (nascimat onis = be born من اللاتينية nat,io) يراجع Oxford Dictionary)، وهو ما ترجمته (1) جمع من الناس غالبا ما يكونون من أصل واحد ولهم تاريخ او لغة مشتركة (2) قبيلة او اتحاد قبائل على الارض الامريكية، ذلك لان الولايات المتحدة، وهى دولة (State) تتخذ لها شعارا انها أمة الامم (Nation of nations).
    مفاد ذلك، بالتعريف المحدد للالفاظ والمعاني، ان الأمة تكوين طبيعي، هي جماعة من الناس لهم أصل مشترك من دم أو دين او لغة، وما شابه. أما الدولة فهى وضع قانونى، يقوم في أرض محددة، وبترتيب معين، ويعتمد على نظام قانونى، على قمته القانون الأساسي، ويسمى الدستور او أى اسم آخر، وهو يُبني على تعاقد، واضح او ضمنى، بأن كل فرد فيها مواطن، أى إن الكل متساوٍ في الحقوق والواجبات التي يحددها القانون الاساسى، ويكون الوطن (الذي تقيمه الدولة) مشتركاً بين الجميع بنسب كلية متساوية، لا تتجزأ ولا تتبعض، فيكون الوطن كلا لكل مواطن.
    بهذا التحديد يكون الكلام عن "دولة القرآن" أو "دولة الرسول" هو من قبيل التجاوز، الذى يخالط بين التعريفات ويداخل بين المفاهيم، بما يمكن ان يكون له أثر وخيم على الفكر السياسى، وفى التطبيق الوضعى. فالقرآن لم يستعمل لفظ "الدولة" بالفهم المعاصر أبدا، لأن هذا المعنى لم يكن قد ظهر أو تحدد، وإنما استعمل القرآن لفظ "الأمة" بمعنى القبيلة غالباً، من ذلك أنه قال عن بنى إسرائيل (وقطعناهم اثني عشر أسباطا أمما) سورة الأعراف 160:7، وبنو إسرائيل كانوا قبيلة تتكون من إثني عشر سبطا هم احفاد يعقوب المسمى إسرائيل. وقد عاش بنو إسرائيل زمناً طويلاً، أمة أو قبيلة، حتى رغبوا في أن يكون لهم ملك (مثل باقى الأمم) فمسح لهم صموئيل الحبْر شاول ملكا، ومن بعده داوود (ت.ح 972 ق.م) ثم جاء ابنه سليمان الذي تزوج من ابنة الفرعون شيشنق ذى الأصل الليبي، وأرسل له هذا مع ابنته جماعة من البنائين المصريين (أى الماسون الاحرار) فبنوا لها هيكل (اى معبد) سليمان لتتعبد فيه مع مجموعة من الكهنة المصريين. ولهذا السبب فإن الاسرائيلين يحتفون بذكرى داوود، لأنه والد سليمان ولأنه هو الذى يعتبر المؤسس الحقيقى للدولة، بعد أن كان بنو اسرائيل مجرد أمة (قبيلة).
    وفي المسيحية كوّن تلاميذ المسيح والمؤمنين برسالته كنيسة ولم ينشئوا دولة، وفي عام 313م اعترف الامبراطور قسطنطين بالمسيحية كديانة رسمية ضمن ديانات الامبراطورية الرومانية. ولما نشأت فكرة "امبراطور واحد وكنيسة واحدة أو بابا واحد" بدأ اضطهاد المسيحيين الذين لا يتبعون الكنيسة (الكاثوليكية) في روما، وساعد في ذلك كتائب الجيش الرومانى، وكان اضطهاد المسيحيين المصريين (الأقباط) في هذه الفترة شديداً، وهى الفترة التي تسمى عصر الشهداء (284- 305م)، ويبدأ التقويم القبطى اعتبارا من 284م أيام دقلديانويس) }وفي التقدير العلمى ان هذا الاضطهاد استهدف استئصال فرع آخر من (الدين) المسيحي، كان ينبني على ان الخلاص يكون بالمعرفة المقدسة (Gnosticism) وليس بمجرد الايمان وحده، ولعل أتباع هذه الفرقة كانوا يركنون الى قول المسيح (تعرفون الحق والحق يحرركم) وما جاء في سفر يعقوب من أن (الايمان دون أعمال ميّت). وقد اندثرت بالفعل هذه الفرقة الى ان عثر راع مصرى في نجع حمادى عام 1945م على جرة تبين ان بها بعض الاناجيل والاوراق التى تسمى أناجيل المعرفة، وقد تمت ترجمتها الى الانجليزية تحت عنوان مكتبة نجع حمادى Nag Hammadi Library {.
    أما في الاسلام فقد كانت السلطة السياسية تُسمى بالخلافة، وكلما كانت تخرج منها سلطة تسمّى بالسلطنة او المملكة او الإمارة او تنسب الى اسم أسرة كالحمدانية والاخشيدية، وهكذا. وفي بداية "الخلافة العباسية" ظهر الفرس في السلطة، ثم بعد ذلك غلب البربر المغول الذين تسَمّوا بالترك نسبة الى لغتهم التركية، وسقطت السلطة في أيدى السلاجقة الاتراك، وكان الخليفة المتوكل الخليفة العاشر في ثبت الخلفاء العباسيين (847م - 232هـ) يقول :
    أليس من الغرائب أن مثلى ... يرى ما قلّ ممتنعاً عليه
    وتؤخذ باسمه الدنيا جميعاً ... وما من ذاك شئ في يديه
    وبعد السلاجقة، وفي أواخر عهدهم، سادت قبائل تتارية مغولية أخرى تسمت باسم قائد لها يدعى عثمان وكونت السلطنة العثمانية. وكانت هذه السلطنة تعْتبِر البلاد العربية جميعاً إيالات (أى شئ آلت إليها ملكيته بحد السيف) وعاملت المسلمين كرعايا ليست لديهم أية حقوق، وعليهم التزامات غير معروفة ولا محددة، وتنزل عليهم من السلطة كالصاعقة. هذا في الوقت الذي بدأت فيه الدولة المعاصرة في فرنسا بعد الثورة 1789م، ثم نشأت الدول الحديثة – التي قوامها المواطنة وسنادها القانون وعمادها الدستور – تباعا في بريطانيا وألمانيا وايطاليا، ثم باقى الدول الاوروبية. وفي أمريكا قامت الولايات المتحدة، كدولة وكانت أول من ضمّن دستورها مبادئ حقوق الانسان. ومع مرور الوقت توطد نظام الدولة واستقر وأصبحت الدولة هى وحدة (Unit) النظام الدولى الذي تظهر مؤسساته في الأمم المتحدة ومجلس الأمن والبنك الدولى، والمنظمات المتخصصة الصادرة عن الأمم المتحدة مثل اليونسكو للثقافة، والفاو للزراعة.. وغيرها للصحة والمياه، وهكذا.
    ورغم هذا التفاصل والتفاصم والتمايز بين لفظى الأمة والدولة ونواتجه، فإنه يَحدث تداخل وتخالط على الصعيد الواقعى في حالات كثيرة. فأمة الاسلام تتوزع على سبعين دولة وأكثر، قد يكون لبعضها خلافات في المصالح وشقاقات في النفوذ وغيرها، لا تفلح في رأبه الأمة ولا يُصلح من شأنه الشعور العاطفى الديني الذي تثيره فكرة الأمة، وذلك مثلما يحدث حالا (حاليا) بين ايران الفارسية من جانب والبلاد الخليجية وبعض البلاد الاخرى كمصر والاردن، وهو خلاف مصالح وصوالح لا يشفع في رأبه دين ولا يجتث شأفته شعور بالاخوة الدينية، هذا فضلا عن الخلاف بين العراق والكويت، والخلافات المستمرة بين البلاد ذات الاغلبية الاسلامية بعضها البعض.
    وقد تكون الدول جماع أمم متعددة، مثلما كان الحال مع يوغوسلافيا السابقة، التي كانت تضم مع الصرب اجناسا اخرى، وكما هو الوضع حالا (حاليا) في الولايات المتحدة الامريكية، فهى دولة (State) ولكنها تتخذ لها شعاراً بأنها أمه الأمم، ذلك لان مواطنيها بحسب الاصل ايطاليون وايرلنديون وافريقيون ولاتينيون وغير ذلك، وكل فرد من هؤلاء يؤكد أصله ولا يتحرج من ذلك، بل ويقيم البعض احتفالية سنوية (Parade) للتأكيد على أصله، لكن مبدأ المواطنة في الولايات المتحدة قوى جدا بحيث يعتز الجميع بمواطنتهم لأمريكا قبل أن يذكروا أصول أجدادهم المهاجرين. ومبدأ المواطنة في الولايات المتحدة يحقق لكل مواطن من الكفاية والعدالة والأمان ما لا يجده في بيان أصوله التى تُذكر من باب ان القانون يجيزها ولا يمنعها، وأن المواطنين يجدون فيها دواعى للتواصل ولا يتخذون منها أسبابا للتقاطع.
    ومع أن الدولة هى وحدة القانون الدولى والمجتمع العالمى، وهى التى يفترض ان تقدم الجنسية والرعاية والعدالة والكفاية والامان لكل فرد فيها، وعلى أساس المساواة، بلا تفرقة بين المعتقدات أو الاجناس او الاصول او غيرها، كما أن الدولة هى التى تضفي على كل فرد جنسيته وتصدر له جواز سفر، وتحمى مصالحه (فرضا) في كل مكان يوجد فيه على ظهر الارض، على الرغم من ذلك، فإن ثمة ايديولوجيات (الاسلام السياسي) بدأت تعتد بالعقيدة ولا ترتبط بالمواطنة، وهي بذلك لا تعرف ولا تفهم الفارق بين الأمة والدولة، ولا تضع حدوداً بين الشعور والقانون، فتهدم الاوطان أو تسعى الى ذلك، دون ان تُوجد البديل الذي يدافع عنها ويحمى رياضها ويذود عنها كل شر، كما هو الأصل في الدولة، ومن ثم فهي تهدم قبل ان تبني، وهى تفرّق ولا تجمّع ابدا، وهى تنشر العدمية (nihilist) ولا تنشر الإنسانية.
    إن الفرد في هذه الايديولوجية (الإسلام السياسي) كل ولائه للتنظيم الذي يغسل عقليته (Brain Wash) ويجعل من شخصيته مضادة للأوطان، مفسدة للأديان، قاتلة للإنسان، شاردة دون استقرار، جامدة بغير نفع، يتمحض عملها وفكرها وقولها الى ضرر جسيم لها أولاً، وللجميع بعد ذلك.





                  

01-17-2007, 11:49 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دستور الاسلام المستنير ( 12): المواطنة /المستشار محمد سعيد العشماوي (Re: Sabri Elshareef)

    فوق فوق
                  

01-25-2007, 02:14 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دستور الاسلام المستنير ( 12): المواطنة /المستشار محمد سعيد العشماوي (Re: Sabri Elshareef)

    دستور الاسلام المستنير (16): الجبر والاختيار



    المستشار محمد سعيد العشماوي

    مسألة الجبر والاختيار، والتي يقال عنها أحياناً "القضاء والقدر" هي أم المسأئل في التاريخ البشري. وهي في الحقيقة محاولة للتوفيق بين أمور متناقضة متعارضة، هي – من جانب – ارادة الله المطلقة، وصدور كل فعل عنه وأى قول منه. وهي – من جانب آخر – تتعلق بحرية الانسان في الفعل والقول، وتقرير الجزاء عن كل فعل وأى قول له، بما يقتضي تحمّل المسئولية عن فعله وقوله، في الدنيا والآخرة، على سواء. فإذا كان كل شئ يصدر عن ارادة الله المطلقة – ففيم تكون المسئولية ولم يكون الجزاء ؟ وأين يكون العدل الالهي الذي يُعاقب ويُحاسب عما لم يكن الانسان فيه – فعلا او قولا او سكوناً او سكوتاً - الا مجرد آلة تتحرك وفق نظام صارم محدد منذ الازل، كما لو كان سيناريو موضوعاً سلفاً لتتابع فيه الاحداث، وفقاً لما رُسم من قبل، ويكون كل شئ من ثمت، وهم في وهم، ومجرد أدوار تؤدَّي، لا عاقبة لها ولا جزاء، الا إذا نسب هذا وذاك إلى ارادة الله المطلقة، وحقه في ان يفعل بخلقه مايشاء، من هوان الجحيم أو هناء النعيم. وهنا تثور، وقد ثارت على مدى التاريخ، مسألة العدل الالهي، وكيف يتصرف الاله بالهوى والنزوة بلا نظام محدد، عقوبة او مثوبة. وقد عزز مفهوم الجبرية، والآلية (الميكانيكية) في الفكر البشري ظواهر عدة، منها:-

    (أ) رؤى المنام: ففي التراث الديني ان ابراهيم عليه السلام رأي في المنام ما فسره – لا على ما كان يشيع في عصره من تقديم قربان بشري – بل على أنه أمر إلهي بذبح إبنه. ورأي يوسف عليه السلام رؤيا صحّت بعد وقت طويل، إذ رأي في المنام ان الشمس والقمر وأحد عشر كوكباً يسجدون له، وتحقق ذلك بعد أمد، عندما سجد له أبوه وأمه وإخوته الاحدى عشر، وهو رئيس في مصر. وفي سيرة ابن إسحاق (التي حذف منها ابن هشام الكثير) ما يفيد أن عدداً وفيراً من أفعال النبي (صلعم) كانت رؤي شاهدها في المنام. وفي ذلك قالت زوجه عائشة (قبل أن تجيئه النبوة كانت رؤاه كفلق الصبح). وفي مختلف الازمنة والامكنة، وحتي العصر الحالى، فإن لبعض الناس. ملكة ان يروا في المنام رؤى تتحقق بحذافيرها بعد وقت، يطول او يقصر. وهى مسألة تحتاج الى تفصيل اوفى، فيما بعد.

    (ب) التبؤ بالغيب: ثم تفرقة بين العرافة والكهانة. فالعرافة تتعلق بالامور المستقبلية، في حين ان الكهانة تختص بالوقائع الماضية. وعلى مدى التاريخ كان يوجد عرافون وعرافة، وكهان وكهانة، حتي وإن حدث خلط بينهما. فإن صح منهم القول، وهو أمر نادر الحدوث، فإنه يؤكد - فيما يتعلق بالكهانة - أن الحوادث كانت مكتوبة من قبل، مدونة في سجل كوني.

    (هـ) وجود ظواهر متكررة متناثرة، تقع وتستمر، ولا يمكن تفسيرها وفقا للقوانين المادية المتعارف عليها، وهي تدخل فيما يسمي حالا (حالياً) باسم علم "ماوراء علم النفس" ( Para psychology ) مثل إنتقال الافكار بغير وسائط مادية، بما يسمي اللقانة ( Telepathy )، ثم الجلاء البصري ( Clair voyance ) والجلاء الفكرى، ويدخل فيه الوحي – بالمعني العام ( Revelation ). وقد جاء بعد ذلك في القرآن (وأوحينا إلى أم موسى) (وإذ أوحى ربك إلى النحل). وهذه الظاهرة تسمي كذلك بالالهام ( Inspiration ) أو الحدس ( Intuition ) أو الفراسة ( Physlognomy ) وهي قدْرة لدي شخص يفوق المستوى العادى من الناس، يستطيع التقاط أفكار كونية، قد تكون دينية أو علمية أو فنية أو فكرية أو أدبية، ما كانت لتخطر له من قبل، ولا يوجد تسلسل طبيعي (أو مادي، وفقا لمنطق السبببية المادى) يمكن ان يؤدي إليها أو يصل إلى حقيقتها.

    (د) عجز بعض الناس عن حكم أنفسهم بحيث يتصورون ان ما يأتونه من فعل او قول إنما هو أمر "مكتوب على الجبين"، مقدور عليهم فعله، ولا يستطيعون منه فكاكاً. وقد كشف العلم حالا (حالياً) عن بعض العلل النفسية او العقلية أو المورّثة، التي تؤدي لزوما إلى اقتراف جرائم معينة أو تدفع الى تصرفات بذاتها، ومنها فصام الشخصية ( Schizophrenia ) والجنون النفسي أو السيكوباتية ( Psychopatis ) وجنون السرقة ( Cleptomania ) وفقدان الارادة ( Abulia ) والتخليط الوجداني الذي يتنافى مع الاسباب العقلية ( Logic-affective ) والجنون الدورى ( Cyclothymia ) والشبقية المرضية أو الجنون الجنسي ( Satyriasis )، مما كشف للبشرية ان غرابة تصرفات البعض، وعدم قدرتهم على ضبط إرادتهم، أو وزن كلامهم او رسم فعالهم، يعود الى علل مرضية أو الى ترتيبات جينية ( Jenetics )، } من المورثات { ولا ترجع الى دفعات الشياطين أو إلى غيبية الموازين.

    (هـ) ان عمر الفرد قصير جدا بالنسبة الى الدورات الفلكية،وهو طويل جدا بالنسبة الى عوالم ما تحت الذرة، وبذلك فإنه لا يستطيع وحده ملاحظة نتائج الدورات الفلكية (التى تقدر بآلاف السنين)، كما لا يمكنه بغير أدوات دقيقة في المعامل ( Labs )، ترصد ما لا يستطيع رؤيته، ان يتصور ما يحدث في مجال ما تحت الذرة، حيث تكون الذرات ( Atoms ) والفوتونات ( Photons ) والجزئيات ( Particles ). في حين ان السرعة المقبولة والدورات الزراعية للزهور والورود والخضار والفاكهة، مكّنت شخصاً مثل مندل (جريجورجوهان 1822 – 1884) من أن يكتشف بعض قوانين علم الوراثة.
    كل هذه الامور، ومثلها كثير، يؤكد للشخص العادى، الذي لا يستطيع أن ينشر بصيرته، ولا يقدر على تصور المجردات، ولا يعرف كنه ما وراء المادة من اشعاعات كونية، وأبعاد غير منظورة، وما هو ضد المادة ( Anti-matter )، وما يكون فوق الاشعة البنفسجية أو وراء الاشعة تحت الحمراء، لا يستطيع هذا الشخص العادى إلا ان يتصور الاكوان ككون مادى (يقع في نطاق رؤياه وفي مجال سمعه)، والأقدار خبْط عشواء ( Haphazardly ) أو ( at random ) تقع على الشخص من حيث لا يحتسب ولا يستطيع لها ردا او صدا. لكن الحقيقة تقطع بأن للمسألة وجهاً آخر، لن تتعرض له الدراسة من خلال الالفاظ، ولا بسجال المعاني، ولا بضلال الاوهام، ولا بختال المعتقدات الجافة (الايديولوجيا)، لكنها سوف تتعرض له بواقع الآيات في القرآن الكريم ومن أقوال السيد المسيح في (الانجيل).
    ففى القرآن (فتلك الامثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون) سورة العنكبوت 49:13. وقال السيد المسيح لتلاميذه وقد سألوه (لماذا تكلمهم بأمثال.. قال لهم لأنه قد أُعطى لكم ان تعرفوا أسرار مملكة (ملكوت) السماوات، وآما لأولئك (أى الناس الآخرين) فلم يُعْط... من أجل هذا أكلمهم بأمثال) (انجيل في 13: 1- 14 ). والمثل أو المثال لغة، هو التسوية يبن المثل والشئ، وهو ما يُضرب من الامثال، وهو العبرة، وهو أسطورة على لسان حيوان أو جماد (مثل كليلة ودمنة). وهو يستعمل غالباً للتشبيه وتقريب الفهم للناس الذين لا يفهمون مغزى القول، أو المجاز منه. والمجاز لغة، هو – في الكلام – ما يستعمل في غير ما وضع له اصلاً، وهو يمثل خروجاً عن الانطباعات اليومية السائدة. وينقسم المجاز ( Figurative, metaphorical ) إلى مجاز مرسل، ومجاز بالاستعارة، والمجاز المحذوف، والمجاز العقلى (يراجع لسان العرب، المعجم الوسيط، المعجم العربي الاساسي: مادتي مثل، ومجاز).
    فعندما يقول القرآن (الله نور السموات والأرض. مثل نوره كمشكاة في زجاجة...) فهو بذلك يضرب مثلا يقصد به المجاز، ذلك لآن الله ليس نوراً عادياً، وإلا كان كالنجم الساطع او كالشمس المشرقة، لكنه في الفهم الصحيح، نور كنور العلم، وضوء كضوء المعرفة، لكن الناس العاديين لا يفهمون ذلك ولا يطيقون استيعاب الحقيقة، فيضرب لهم مثل مادي، ويكون المجاز فيه للخاصة وحدهم. كذلك عندما يقول السيد المسيح (من يرسله الله يتكلم بكلام الله) فإنه يقصد كلام الله على المجاز. متي فُهم المعنى الحقيقي للمثل (وجمعه أمثال) وما يقصد من المجاز، أمكن إعادة فهم الخطاب الديني في مسألة الجبر والاختيار على نحو آخر. فالخطاب الديني يجري دائما على مستويين، أحدهما للعامة من الناس، وهم أكثرهم، ولا بد أن يكون الخطاب لهم سهلاً ميسراً، يضرب الامثال ( Parables ) إن اقتضي الامر او يستعمل المجاز ان دق الفهم، وثانيهما للخاصة – الذين يفهمون المعاني الحقيقية، ويعقلون ما يعنيه المثل، ويستوعبون المجاز والتورية وما شابه.

    وفي القرآن الكريم (لن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلا) سورة فاطر 25: 43، ويعني ذلك ان كل شئ في الاكوان او مع الانسان يجري وفق سنة (والسنّة هي القانون او القاعدة أو الحكم). فالسنن الكونية والقواعد الازلية والقوانين الإلهية والأحكام القدرية، وضعها الله في الكون منذ بدأ الخلق وبثها في الوجود حين شرع الوجود، وكل شئ منذ بداية الخلق في هذا الكون، وحتى ينتهي، يسير وفق هذه القوانين وتلك القواعد وهاتيك السنن، فلا شئ يحدث عفوا أو يقع اعتباطا أو يظهر مصادفة (كل شئ عنده بمقدار) سورة الرعد 83:8.

    متى صح الفهم على ذلك أمكن فهم الآيات التي يتصور الناس خطأ أنها تفرض الجبر وترفض الاختيار، مثل (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا) سورة التوبة 51:9، (ما من مصيبة في الارض ولا في انفسكم إلا في كتاب من قبل ان نبرأها) سورة الحديد 57:22. فنسبة الفعل او القول لله هي على سبيل المجاز الذي يحذف ما هو معلوم للضرورة اللازمة لفهم العادى من الناس، مثل (وأسأل القرية) فقد حذفت كلمة أهل (قبل القرية) لأن حذف المعلوم مجاز ممكن في البيان البلاغي، وفي الآيات التي تنسب المقادير الى الله حدث حذف للسنن أو القوانين او القواعد، فكل ما يحدث في الكون يحدث وفقاً للسنن التي برأها الله عند خلق العالم وبثها في كل شئ فيه.

    فالإنسان يفعل او يقول او لايفعل ولا يقول ما ينبغي عليه فعله أو قوله، لكن النتائج تترتب تبعاً للسنن الكونية والقواعد الازلية والقوانين الالهية، التي خلقها الله منذ الازل، وبثها في كل ما هو مخلوق. مؤدى ذلك أن الافعال والأقوال مُحْدَثة (بأمر الله) وفقاً لإرادة الشخص وقت التصرف، لكن نتائجها تترتب تبعاً لما هو مسجل من قوانين وقواعد وسنن منذ الازل، عندما برأ الله العالم. وبذلك يُرفَع اي تناقض ويزول اي تعارض، وتترسخ في المفهوم الآية المحكمة(فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) سورة الزلزلة 7-8: 99. اما النعمة والدعاء والشفاعة فهي كلها تحدث – ان حدثت – وفقاً لما كُتِب منذ الازل في القوانين والسنن والقواعد والاحكام (ولله الشفاعة جميعاً).
    ان عامة الناس لا تعرف القانون لكنها تعرف القاضي ولا تري الدستور لكنها ترى الحاكم، فالذي لا يستطيع التجريد لابد ان يلجأ الى التجسيد. ولهذا فقد وضع القرآن تفرقة بين الذين يؤمنون والذين يعلمون، فقال (يرفع الله الذين أمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) سورة المجادلة 58:11 ففي الاية مفارقة واضحة وممايزة بيّنة بين الايمان والعلم، بين من يؤمن بغير علم، وبين الذين أوتوا العلم او العارفين بالله.

    فالذين أوتوا العلم يدركون ان ثمت علوما ومعارف ليس من سبيل الى عامة الناس ان يعرفوها، وإذا قيلت لهم لا يدركونها، وبذلك تنقصهم الروح التى لا يمكن بغيرها استيعاب الحقائق الكونية التى تفسر الفعل وردّه، والقول وأثره. فالناس من العامة تنقصهم الصورة الكاملة، وتنقصهم قوانين قد تكون موجودة، وإن صحت فهي تفسر الكثير، مثل تناسخ الاجساد ( Transmigration ) (الذي يسمى خطأ تناسخ الارواح Reincarnation ) كما ينقصهم أن يعلموا علم اليقين أن الكون وحدة واحدة، وفي حركة دائمة، وأنه – كما يبدو في أصغر جزئ ( Particle ) تنحل اليه الذرة – يتمتع بالشعورية والذاتية والحركية والتصرف وفقاً وتبعاً لأسباب أبعد من الاسباب القريبة، التى يمكن مع التدارج، أن تفهم على انها كل اكبر، او انها الكونية جميعاً.

    وفصل الخطاب، ان الانسان حر فيما يفعل او يقول، حرية غير مطلقة لانها متأثرة بعناصر وعوامل كثيرة، عُرف بعضها ولم يُعرف بعضها الآخر بعد، لكن ما يترتب على افعاله واقواله يوزن ويُعيّر وتترتب اثاره، وفقاً للقواعد والسنن والقوانين التي كتبها الله منذ الازل. فالمكتوب عند الله منذ الازل هى موازين الكون، لكنه شاء ان يعطي الانسان حرية ليفعل ما يريد ويقول ما يشاء، وهو يُحاسب عن أعماله وأقواله طبقاً للموازين الازلية المكتوبة منذ بدء الخلق. ولا يكون فعل الانسان الحر شركاً بالله، لان الله خلقه ليكون خليفته (وإذ قال ربك للملائكة إنى جاعل في الارض خليفة)، اما مناط هذه الخلافة فهي ما جاء في صحف ادريس (التي نشرناها في مجال آخر)أن الله خلق الانسان ليخْلَقَ به.
                  

01-27-2007, 00:10 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دستور الاسلام المستنير ( 12): المواطنة /المستشار محمد سعيد العشماوي (Re: Sabri Elshareef)

    أ) رؤى المنام: ففي التراث الديني ان ابراهيم عليه السلام رأي في المنام ما فسره – لا على ما كان يشيع في عصره من تقديم قربان بشري – بل على أنه أمر إلهي بذبح إبنه. ورأي يوسف عليه السلام رؤيا صحّت بعد وقت طويل، إذ رأي في المنام ان الشمس والقمر وأحد عشر كوكباً يسجدون له، وتحقق ذلك بعد أمد، عندما سجد له أبوه وأمه وإخوته الاحدى عشر، وهو رئيس في مصر. وفي سيرة ابن إسحاق (التي حذف منها ابن هشام الكثير) ما يفيد أن عدداً وفيراً من أفعال النبي (صلعم) كانت رؤي شاهدها في المنام. وفي ذلك قالت زوجه عائشة (قبل أن تجيئه النبوة كانت رؤاه كفلق الصبح). وفي مختلف الازمنة والامكنة، وحتي العصر الحالى، فإن لبعض الناس. ملكة ان يروا في المنام رؤى تتحقق بحذافيرها بعد وقت، يطول او يقصر. وهى مسألة تحتاج الى تفصيل اوفى، فيما بعد.
                  

01-27-2007, 01:17 AM

Mohamed Elgadi

تاريخ التسجيل: 08-16-2004
مجموع المشاركات: 2861

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
دستور الاسلام المستنير ( 12): المواطنة /المستشار محمد سعيد العشماوي (Re: Sabri Elshareef)

    Shokran Ya Sabri...
    Pls provide the URL

    mohamed elgadi
                  

01-28-2007, 01:39 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دستور الاسلام المستنير ( 12): المواطنة /المستشار محمد سعيد العشماوي (Re: Sabri Elshareef)
                  

02-05-2007, 01:10 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دستور الاسلام المستنير ( 12): المواطنة /المستشار محمد سعيد العشماوي (Re: Sabri Elshareef)

    دستور الاسلام المستنير (17): الديمقراطية والدكتاتورية
    GMT 21:30:00 2007 السبت 3 فبراير
    المستشار محمد سعيد العشماوي



    --------------------------------------------------------------------------------


    كانت بلاد اليونان، قي القرنين الخامس والرابع – قبل الميلاد- تتكون من مدن متقطعة أهمها مدينتا أثينا واسبرطة. وكان معظم اليونان يعتقدون أن عناصر كثيرة من حضارتهم قد جاءت من مصر . وتعزو قصصهم نشأة كثير من المدن اليونانية، بأسماء مصرية، تيمناً بها. وزار مصر كثير من عظماء اليونان المشهورين أمثال طاليس وفيثاغورس وصولون وأفلاطون وديمقريطس فأعجبوا أشد الاعجاب بقدم حضارتها وعظمتها. ولأن بلاد اليونان لم تكن موحدة بل مدنا متفرقة، تقوم في كل منها دولة المدينة (Polis state)، ولأن الكهنة المصريين كانوا يمتلكون نواصى العلوم والفنون جميعاً، وكانوا يضنون بها على الغرباء، فإن اليونانيين عملوا على استغلال ما استوعبوه من أفكار مصر لتكوين حضارة خاصة بهم، كانت تقوم على الفلسفة أساسا. والفلسفة لفظ مركب من مقطعين (Philo بمعني محبة، Sophy بمعني الحكمة) بما يعني أنها محبة الحكمة. وقد دعاهم هذا، إلى جانب عدم وجود نظام للكهانة يفرض ديانة منظمة، إلى فهم الفلسفة على انها دراسة المبادئ الاولى للوجود والفكر دراسة موضوعية تنشد الحق وتهتدي بمنطق العقل. ومن هذا النظر، لا تبدأ الفلسفة (محبة الحكمة) من مسلّمات (Postulates) مهما كان مصدرها، لكنها تحلل بداية كل فكر أو اعتقاد، وأصل كل لفظ أو كلمة.
    ظهر هذا الاتجاه في جزيرة ايونيا (التى صحّفها العرب إلى اليونان) بمدرسة الطبيعيين الاولين التى ابتدأها طاليس، برد كل عناصر الكون إلى مادة واحدة قال إنها الماء، بينما قال ديمقريطس إنها الذرة. وتبع ذلك إنشاء فيثاغورس لجماعة الاخوان الفيثاغورسيين، وهى جماعة ذات تعاليم سرية تدرس الحكمة من خلال الموسيقي والرياضيات والفلك والتأمل العميق، وأعقب هذه الجماعة ظهور السفسطائيين برياسة بروتاجوراس، وهى جماعة قوامها التلاعب اللفظي،والتداعب بالجمل والكلمات، لإثبات خطأ اى قول وتلبيس دلالة اى معني . وقد تولّى الرد عليها وتقويضها الفليسوف الشهير (ومبتدع لفظي الفلسفة والفيلسوف) سقراط (469-399 ق.م) الذي دعا إلى العدل والحكمة والاخلاق الحسنة، وكان من تلاميذه أفلاطون (حوالى 427-347 ق.م). وقد نشر محاورات أختلط فيها فكر سقراط بفكره، كان بطلها سقراط ، وهو يعمل من خلال المحاورات مع الآخرين على نشر أفكاره وآرائه في الحق والعدل وحسن الاخلاق. وقد اتهمت السلطة الباغية في أثينا ، شأن كل سلطة طاغية، سقراط بأنه يفسد الشباب (إذ لايأمرهم بالطاعة العمياء وإنما يدعوهم إلى التفكير والاختيار)، ولما حُكم على سقراط بالاعدام رفض أن يهرب ونُفذ فيه الحكم، ففزع تلميذه وصفيّه أفلاطون وفر إلى سراكوزة (أو سراقيوسة) وعمل مستشاراً لحاكمها الطاغية، فبرّر له عمله، وحرر كتابيه "القوانينThe Laws، والجمهورية) عندما عاد إلى أثينا، وأنشأ له أكاديمية كتب على بابها شعارا اتخذه من مصر، نصه أن (المعرفة أول سبيل التطهير).
    وقد أدى هذا المناخ الثقافى – المعبّق بعناصر التنوير والخاوى من نظام الكهانة – إلى ظهور الديمقراطية، وإن كانت بقصور. والديمقراطية لفظ يوناني (Democracy) يتكون من مقطعين (Demo) بمعني الشعب، و(Cracy) بمعني القوة أو السلطة. ومن ثمت فهى تفيد: حكم الشعب . وكان البالغون يجتمعون في سوق المدينة بأثينا ليتخذوا القرارات في كل أمر يُعرض لهم بالجدال الحسن والنقاش الحر والا قتراع الواضح ، غير المزور.
    وعلى ما سلف ، فقد فرّ أفلاطون من أثينا بعد إعدام استاذه سقراط، ولجأ إلى سراكوزة (في جزيرة صقلية) حيث عمل مستشاراً للطاغية ديونيوس (ح430- 367 ق.م) . ونتيجة لتبريره أعمال الطاغية وتسويغه الاسلوب الدكتاتوري ، فقد جنح (أفلاطون) عن تعاليم سقراط الراقية، وابتدع ماسماه المدينة الفاضلة !! في هذه المدينة التى رسمها أفلاطون – كما سلف – في كتابيه القوانين (The Laws)، والجمهورية (The Republic) صارت العدالة عنده هى ما يكون في مصلحة الدولة (دولة المدينة Polis State) حيث يُلزم كل فرد المكان الذي يوضع فيه ، ويقبل جميع الناس الشعارات التى تصدر عن الحاكم، والتى لا تقبل التعديل لأنها رمز العدالة الأبدية.
    يشبّه أفلاطون حكام الدولة بالرعاة. وهو يقصد باللفظ المعني الحاد الذي يعني الحراسة التي يقوم بها الراعي لقطعانه من المواشى، وفي سبيل تعزيز هذا المعني يؤكد أفلاطون ما يفيد أن فن حكم الناس لا يختلف بالضرورة عن فن حكم الماشية وتربيتها.
    ويضيف أن للحكام أن يقولوا "نحن الدولة" ، وهو ما ردده فيما بعد لويس الرابع عشر ملك فرنسا في قالته المشهورة (الدولة أنا L`Etat c`est moi) ، ولهذا فإن الحكام هم هيئة، لايمكن ان يسوسها أحد غيرها، وعن طريق حكمتها يُعرف ما هو خير لغيرها، أى خير السواد الأعظم من الناس.
    في جمهورية أفلاطون، أو مدينته الفاضلة، يسيطر الحكام على التربية والآداب والفنون، حيث تخضع كلها للرقابة والتكيّف مع مصالح الرعاة (الحكام)، بل إن الشعر والفن والموسيقي يتحتم أن تكون مسايرة لمقتضيات السياسة، وهي سيطرة تؤدي إلى أن تُستأصل من الجمهورية جميع الآداب العريقة. فالمفهوم الرئيس في السياسة لدى أفلاطون هو سيادة الدولة سيادة مطلقة، لأن الدولة (يقصد الطاغية) وحدها يمكن أن تكون كاملة وأن تكفى نفسها، ولا يكون الافراد الا ناقصين، ويقول في ذلك (الدولة وحدها يمكن أن تبقي ثابتة غير متغيرة، أما الافراد فمصيرهم إلى الزوال في تعاقب سريع، ومن ثم وجب أن يخضع الفرد للدولة، وإن يُضحى عند الضرورة في سبيلها. ومن المتعين أن يكون للدولة رئيس، وهو قائد مطلق، وبغير ذلك لا يمكن للدولة البقاء. ومهما يكن من أمر، فإنه متي قام القائد وجبت طاعته في ثقة كاملة، حتي في أتفه الأمور، وفي ذلك يقول نصّاً في كتاب القوانين (إنه من اللازم ألا يتعود عقل أن يُقدم على فعل، ما زحاً أو جاداً، بباعث من نفسه، بل يتعين عليه... أن يتطلع إلى قائده وأن يتبعه حتي في أتفه الأمور... من ذلك أن يستجيب لأمره حين يقف أو يتحرك أو يغتسل أو يتناول وجبات طعامه ... متي تلقى أمرا بذلك... وعلى العموم ألاّ يُعلم نفسه أو يعوّدها أن تعرف أو تفهم كيف تأتي فعلا وهي مستقلة عن غيرها). في هذه الدولة يقدم أفلاطون ديانة تختلف اختلافاً بيّناً عن الديانة الشائعة في وقته، فهو يرى أن يُكره الرعايا جميعاً على الاعتقاد في إلاهه، وإلا كان عقابهم الاعدام.. كما يصر على أن الحرية في المناقشة محرمة في النظام الذي يفرضه (هذا الدين).. وهو لا يُعني بما إذا كانت الديانة حقيقية أم غير حقيقية، صحيحة أو غير صحيحة، ولكنه يهتم أساسا بما لهذه الديانة من أثر في كيان الدولة (دولة المدينة) وحفظ النظام فيها:
    وعندما بدأ عصر النهضة (أو الاستنارة Enlightment) في أوروبا فقد التفت القائمون عليه إلى بلاد اليونان، ولاحظوا أنها أبدعت فكرا راقياً لخواء بلادها من نظام الكهانة الصارم، ومن إعمال العقل في كل شئ، بدءا مما يسمي بديهيات. هذا بالاضافة الى ترجمات عبرية عن بعض أعمال إسلامية ومنها أعمال ابن رشد الذي كان يُولى العقل اهتماماً شديداً. ومن هذه القواعد سارت النهضة فأحدثت استنارة كاملة لدى الشعوب، بدأت بها الديمقراطية، أى حكم الشعب ومساءلة الحكام. ذلك أنه في التقدير السليم، فإن الديمقراطية لا يمكن أن تقوم وتستقر إلا إذا سبقتها أعمال للتنوير، فما دامت الديمقراطية هي حكم الشعوب، فكيف يمكن للجاهل أن يحكم؟ وكيف يستطيع أن يُصدر قرارات أو أن ينشئ أحكاماً من لا يعرف شيئاً عن هذه أو تلك، ومن يدفعه الجهل مع كل شأن عاطفى.
    بعد الثورة الفرنسية (1789م) بدأت الديمقراطية تستقر وتنتشر في البلاد الاوروبية، وفي الولايات المتحدة وكندا (مع عوار ظاهر فيها)، ولكن الظروف الخاصة بالروسيا وبألمانيا وإيطاليا، أدت إلى ظهور الأيديولوجيا الطبقية في الروسيا وإلى سيطرة الأيديولوجيا القومية في ألمانيا (النازية) وفي ايطاليا (الفاشية) .
    والفاشية هى لغة، بالانجليزية (Fascism) وبالفرنسية (Fascio) وبالايطالية (Fascismo) وباللاتينية ((facis وهي تعني بالانجليزية:
    (1) The totalitarian principles and organization of the extreme right – wing nationalist movement in Italy (1922 – 43 ) .
    (2) Any similar nationalist authoritarian views .

    وهو ما ترجمته:
    (1) المبادئ الشمولية أو التعاليم اليمينية المتطرفة في إيطاليا خلال فترة حكم موسوليني .
    (2) أىّ تنظيمات أو أفكار مشابهة (شمولية)، أى يمينية متعصبة (متشددة).

    ولأن النازي كان إسما لحزب هتلر في ألمانيا، وقد أقيم على نمط تنظيم موسوليني وإن تفوق عليه، فقد غلب إطلاق أسم الفاشية على الفكر أو الشخص الدكتاتورى . وقد تأثرت أغلب الحركات السياسية التي ابتدأت في مصر خلال الثلاثينيات، أو كانت موجودة من قبل، بالفكر والنظام الفاشي، خاصة وأنها كانت تكون المحور (ألمانيا وايطاليا واليابان) الذي يعادي البلاد المستعمرة لهم. وقد كانت تتصور أن هذا النظام الفاشي، دون أى تنوير، كاف لنهضة الوطن الذي كان عدوه الاستعمار البريطاني أو الفرنسي (قبل أن تظهر الولايات المتحدة في الصورة). فالوفد – وهو الحزب الليبرالى أساسا – شكل منظمة القمصان الزرق تشبها بالقمصان السود في ايطاليا، والاخوان المسلمون شكلوا منظمة الكشافة والجهاز السري، وهلم جرا.
    وإذا كان حزب الوفد قد استطاع بحكم نشأته الليبرالية أن يستمر بعد إلغاء منظمة القمصان الزرق (1937)، فإن جماعة الاخوان المسملين لم يكن لديها فكر ليبرالى (حر) وإنما شعارات واتجاهات متشددة، ومن ثم لم تستطع أن تتخلص منها أبدا، وحتى اليوم. ففي تنظيماتها وفي تصرفاتها تظهر الفاشية (وهو بديل للفظ الديكتاتورية) واضحة ظاهرة، كما يبدو العنف والتلوّن والميل إلى إستئصال الغير .
    وقد استقبلت (أى جعلتها قِبلة لها) الاتجاهات الفاشية في كل مكان في العالم ما كتبه أفلاطون عن الراعى والرعية في مدينته التي سماها بالفاضلة !! فمن يعاود قراءة هذه الكتابات التي ذكرت الدراسة بعضها نصاً، يجد أنها الدستور القائم والمستمر لجماعات الاسلام السياسي وغيرها من الجماعات المماثلة .
    وخلاصة ذلك، أن الديمقراطية والديكتاتورية نظم نشأت في أثينا في القرن الرابع قبل الميلاد، واستحيتها أوروبا في القرون الثامن عشر والتاسع عشر والعشرين، وأن مصر والعالم العربي كله – بعد الحكومات الفاشية – لا تستطيع أن تتخذ سبيلاً إلى الديمقراطية ما دامت الأمية الابجدية والثقافية والسياسية ضاربة فيها، ولكى تقام فيها ديمقراطيات حقيقية، غير صورية، فلابد أن يبدأ الطريق بالتنوير، فلا ديمقراطية بغير استنارة. مع ملاحظة أن للتنوير عنصرين مهمين أولهما – ما ذكرته منذ عام (1980) وما لاافتأ أردده من أن "لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين" وهو ما يعني فصل السياسة عن الدين وليس فصل الدولة عن الدين، لكى يلتزم بهذا الفصل كل من السلطة والمعارضة. أما ثانيهما- فهو ضرورة إعمال العقل في كل شئ، وهو الأساس الذي قام عليه الاسلام ويدعيه أنصار الاسلام السياسى، قولاً بغير عمل، وتشدّقا دون تطبيق.
    ولا يعد هذا الامر عالمانية، لأن العالمانية هي نسبة إلى العالم وليست نسبة للعلم، ومجالها الفكر المسيحي الذي كان لديه عالم الكهنوت، وعالم آخر من المدنيين الذين يعملون في الاديرة والكنائس، والذين سُموا بالعالمانيين لتمييزهم من عالم الكهانة. وقد ترجم لفظ (Secularism) إلى العَلمانية، ولكن لعدم وجود تشكيل في الصحف فقد كُتب اللفظ بغير تشكيل يضُع الفتحة على العين، ومن ثم نطقها الناس عِلمانية (بكسر العين)، وتصوروا من ثم انها اتجاه يعادى الدين، مع أن صحة النطق عالمانية وهي تشير إلى عالم آخر ولا تفيد اى اتصال بالعلم . ومن هذا يظهر أن الجهل بلفظ واحد يمكن أن يؤدي إلى منظومة كاملة من فكر خاطئ، فما البال إذا حدث الخطأ في تعبيرات كثيرة وتركيبات كاملة، إنه يكوّن مجموعة من التخليط والتخبيط والاضطراب والجنون!!

    [email protected]

                  

02-12-2007, 12:45 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دستور الاسلام المستنير ( 12): المواطنة /المستشار محمد سعيد العشماوي (Re: Sabri Elshareef)

    up up
                  

02-12-2007, 12:51 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دستور الاسلام المستنير ( 12): المواطنة /المستشار محمد سعيد العشماوي (Re: Sabri Elshareef)

    دستور الاسلام المستنير (18): التجسيد والتجريد

    المستشار محمد سعيد العشماوي



    --------------------------------------------------------------------------------


    في الكون، وفي كل مجالاته، ظاهرٌ وباطن، مُجسد ومجرد، جلى وخفى، مبني ومعني، جوانى وبراني، مشهود وغيبي، عين وجن، منظور وغير منظور، مسموع وغير مسموع، مُتصور وغير متصور .. وهكذا ..
    فالظاهر والمجسد والجلي والمبني والبراني والمشهود والعين (المُعَاين) والمنظور والمسموع والمُتصور، هو مايقع ضمن الحواس الخمس، البصر والسمع واللمس والنطق والشم، ثم ما يمكن ان يتصوره العقل – حسب كيفياته ودرجاته وثقافاته، مما يصل اليه من حواسه الخمس، ثم ما يمكن ان يمتد اليه عقله من تخيل، غالبا ما يكون محكوما بما وصل اليه من حواسه المذكورة، او نتيجة لقدرته على التلاعب اللفظي والتداعب الكلامي، والختال بغير اصول، والجدال عن غير علم .
    وللعين أكثر من معنى، لكن ما يهم في صدد الدراسة، هو الحاضر من كل شئ. أما الجن فهو ما خفى (عن الحواس)، فجن الليل أى اختفى الليل وقد استعمل اللفظ في آية (فلما جن عليه الليل رأى كوكبا) بقلب المعني، وهى بلاغة في التعبير مثل آية (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) فحقيقة معناها ان على الذين لايطيقون الصيام أن يطعموا مسكيناً، ومثل (ولما رأى المجرمون النار ظنوا انهم مواقعوها) والمعني الحقيقي أن لفظ الظن يستعمل بمعني معكوس يعني اليقين، فيكون المقصود : ولما رأوا النار أيقنوا انهم مواقعوها. والجنين هو ما خفي في بطن أمه، والمجنون هو ما خفى منه العقل، والجنان من كل شئ هو جوفه (لسان العرب، المعجم الوسيط، المعجم العربي الاساسى
    وكانت العرب تعتقد ان ما يغيب عن حواسهم الخمس هو من الجن، والجن واحده جنيّ، وهو خلاف الانس (المراجع السابقة)، وهئ لهم أن كل ما يجئ إلي الفرد، بما لا تصل اليه الناس، بحواسهم وعقولهم الحبيسة في هذه الحواس، يجئ من الجن، أى من غير إنس. وما يصل من عالم الجن والخفاء الى الشاعر او الكاهن او المتنبئ، يجيئه من جن تابع له، وأن العبقري من الناس له تابع من الجن، تصوروا انها (اي الجن) تعيش في وادى اسمه وادي عبقر . فلا يصل الغيب الى الناس (العاديين، وهم أكثر الناس) إلا عَبْر وسيط من الجن.
    والملَك في اللغة العبرية يعني اىّ رسول (اىْ مرسال) مرسلا من واحد الى آخر. لكن اللفظ تغير مع اليهود الذين كانوا يقيمون شمال شبه جزيرة العرب وجنوب الاردن- والذن اتهمهم غيرهم بانهم حنفوا (اى مالوا) عن صحيح اليهودية الى ان يصبح (اللفظ) ملاكا او ملكا، وهو جسم لطيف نورانى، تخصص على رسل الله من غير البشر. ولما رأى الحنيفية أنهم لم يميلوا او ينحرفوا عن صحيح الدين، اعتزوا بوصف الحنيفية واعتبروا انه يفيد كونهم على الصواب في المعتقدات، ووصلوها الى ابراهيم (عليه السلام). والحنيفية هي العقيدة التى كان عليها بعض مشاهير العرب مثل ورقة ابن نوفل وقس ابن ساعدة وامية ابن الصلت وزيد ابن ثابت ابن نفيل . وعدّ البعض من الحنيفية عبد المطلب جد النبي محمد (صلعم)
    وقبل ان يستقر لفظ ملك (او ملاك) على هذا المعني كانت الشعوب تسمي العباقرة والقوى التى ظنوا انها الوسائط بين الله والناس: أربابا، ومفردها "رب"، لكن بالمعني الذي يفيد السيد أو الصاحب، كما يقال حتى الآن رب الدار، ورب العمل. أو يُجمع اللفظ فيقال أرباب المعاشات أو أرباب الفنون وهكذا . وفي مصر القديمة مثلوا لكل قوة بتمثال كان رمزا لها وسموه ربا لهذه القوة، اما الله فكان يسمى رب الارباب أو الذي خلق كل شئ. وفي القرآن استُعمل لفظ الرب مرادفا للفظ الله (رب العالمين) (رب هذا البيت)، (ورب هذه البلدة) (مكة)، وذلك مع استعمال لفظ الله الذى هو تعريف عربي للفظ اله ويصير بالتعريف هو "الله" .
    متى استقر تعريف الالفاظ على الصورة التى سلف بيانها أمكن للدراسة أن تخوض في لب الموضوع، دون اى اضطراب. وتحديد الالفاظ، او تعريفها، كان أسلوبا لسقراط يسمى منهج (التهكم والتوليد)، استطاع به ان يقوّض جماعة السفسطائيين التى كانت تتخذ من غموض الالفاظ ثغرات تدخل منها الى الإيهام بغير الحقيقة والى تقويض كل المعتقدات والمعارف. وقد ظهرت في فيينا مدرسة أطلقت علي نفسها اسم "الوضعية المنطقية" (1931) وكانت ترى ان اللغة بناء تتبدى فيه الملاحظات الحسية المباشرة وأن الدور الحقيقي للفلسفة (محبة الحكمة) ليس في وضع نظريات عامة، بل في الوصول الى الفاعلية عن طريق التوضيح المنطقى للتصورات العقلية والقضايا والنظريات، بتعريف الالفاظ وتحديد معناها .
    قوض العلم مسلّمة كانت مستقرة وثابتة لدى البشر، مفادها ان الحواس الخمس هي مصدر المعارف كلها، وانها تحبس العقل فيما تقدمه له من انطباعات، فتكون قابضة عليه وليست دافعة لانطلاقه. فقد كشف البحث العلمي قصور الحواس، فأثبت ان ما تراه العين البشرية يقع بين 350 نانوميتر، الذى يظهر في اللون البنفسجي، حتى 750 نانوميتر الذي يظهر في اللون الاحمر . والنانوميتر وحدة قياس تعادل او تساوى 1: مليون من المتر . وبهذا يقع مجال الرؤية في خليط او تداخل الالوان الطيف السبعة: بنفسجي، نيلي، أزرق، أخضر، أصفر، برتقالى، أحمر. كذلك فإن ما تسمعه الاذن البشرية يقع فيما بين الذبذبة، او الترددات التي تتراوح من 15الى 20000 (عشرين ألف) من الهرتز، وهى وحدة لدورة في ثانية .
    كان هذا الكشف المحدد والثابت أمرا يقطع بأن الحواس الخمس ليست كل شئ، وانما هي وسائل لكسب المعرفة والعلم، بما ينطلق بالعقل الى آفاق اوسع وأبعد، ولا تكون قابضة عليه حابسة له قط . فإن ظل البشر حبيس الحواس وما يأتيهم من الغير- والذي اختلفت الفرق والجماعات في تفسيره وتأويله- فإنه يعجز عن الحكم، ولا يكون مرجحا لتفسير على تفسير ولا تأويل على تأويل، مادام قد أفتقد القدرة الفحصية للعقل .
    هذا هو السبيل الحقيقي لترقية الانسان وعبادة الله. فالتجريد الذي يصل اليه الانسان حين يُطلق قدرات عقله هو العبادة الحقة، اما التجسيد الذي يحبس الانسن داخل حواسه وفي نطاق شذرات من التعاليم، منقولات او موروثات، فهو يقع في الوثنية ، وإن ادعى أنه تخلص منها .
    وحتى لا يكون القول مرسلا بغير دليل، مطلقا دون اثبات، تقدم الدراسة مثلا من اليهودية وآخر من الفكر الاسلامي (لا الاسلام) . ففي سفر الخروج جاء (.. ثم صعد موسى وهارون.. وسبعون من شيوخ اسرائيل ورأوا إله اسرائيل وتحت رجليه شبه صنعة من العقيق الازرق الشفاف، وكذات السماء في النقاوة ..وكان منظر مجد الرب كنار آكلة على رأس الجبل .. ودخل موسى في وسط السحاب وصعد إلى الجبل) 20-24 .
    وفي كتاب مقالات الاسلاميين (اى مذاهب المتأسلمين) لابي الحسن الاشعري عن قول (مذهب) جماعة منهم أن (معبودهم – أى الله عندهم – جسم وله نهاية وحدّ، طويل عريض عميق، طوله مثل عرضه وعرضه مثل عمله، لا يوفي بعضه على بعض) وعلّق الاشعري على ذلك فقال (قالوا طوله مثل عرضه، على المجاز دون تحقيق) . وعن جماعة أخرى ذكر الاشعري انهم (زعموا ان الله نور ساطع . له قدر من الاقدار في مكان دون مكان، كالسبيكة الصافية تتلألأ كاللؤلؤ المستدير من جميع جوانبها . ذو لون وطعم ورائحة ومجسّة، ولونه هو طعمه، وطعمه هو رائحته، ورائحته هى مجسّته، وهو نفسه لون) وقال عن جماعة ثالثة ، أنهم يقولون عن الله (إنه جسم ذاهب جاء، فيتحرك تارة ويسكن آخرى ويقعد مرة ويقوم بأخرى . وأنه طويل عريض عميق، لأن ما لم يكن كذلك دخل في حدود التلاشي). وعن جماعة رابعة ذكر انهم يقولون أن (الله صورة الانسان، وهو نور ساطع ذو حواس) تراجع هذه الآراء وآراء آخرى عن وصف الله في كتاب أبى الحسن الأشعرى – مقالات الاسلاميين الطبعة الثانية 1969 – الجزء الاول – صفحة 106 وما بعدها .
    تلك أوصاف صادرة عن الحواس المادية، وتحبس العقل في هذه الحواس، فإن حاول تصور الله الذي (ليس كمثله شئ) تصوره مادة، وتكلّف في وصفها حتي تغاير باقى المواد، ثم هو من بعد، يصمم على قوله ويحارب الناس كي يفرضه عليهم، وفي سبيل فرضه على الناس اوقتاله لهم، فإنه يدعى أنهم كفار مشركين، يدينون بالوثنية، مع أنه هو الذي يعبد وثنا، ويتخذ من المواد الظاهرة ديناً، فلا يعبأ بالحقائق التى توجد فيما بعد المواد وفيما وراء الحواس، وبها تتكامل الحقيقة.
    ولكي تتابع الدارسة هذا الاتجاه التجسيدى الوثني وكيف أنه صار هو العقيدة عند أكثر الناس، الذين قال القرآن عنهم (ولكن أكثر الناس لا يؤمنون) تتابع الدارسة ما حرره أبو حامد الغزّالى (1059 – 1111م) وقد كان يعمل لنظّام الملك الوزير السلجوقي، وأصله من فارس، وقد وُصف الغزّالى بأنه حجة الاسلام وزين الدين وعالم العلماء ووارث الانبياء، لكن آخرون قيّموا أعماله وقالوا إنها احدثت تأثيرا عميقاً عند المسلمين فانصرفوا عن العلوم الطبيعية والعقلية حتى اندثرت، وانتهي الامر الى جمود الحركة الفكرية. وقد فهم الغزّالى في كتابه "إحياء علوم الدين" الذي ظل دستورا للمسلمين مدى عشرة قرون، كل شئ من خلال الحواس المادية، وفيه جسّد القوى وجعلها مُجسّمة فيما سماه الملائكة، فقال نصا "الصناع في الباطن هم الملائكة كما أن الصناع في الظاهر هم أهل البلاد . لا بد من ملك يجذب الغذاء الى جوار اللحم والعظم... ولابد من ملك آخر يمسك الغذاء الى جواره ولابد من ثالث يخلع عنه صورة الدم.. ولا تظن أن الدم بطبيعته يهندس شكل نفسه فإن محيل هذه الامور على الطبع جاهل لا يدرى ما يقول. فهذه هى الملائكة الارضية وقد شُغلوا بك وأنت في النوم تستريح وفي الغفلة تتردى، وهم يصلحون الغذاء في باطنك ولا خبر لك منهم، وذلك في كل جزء من أجزائك الذي لايتجزأ، حتي يفتقر بعض الاجزاء كالعين والقلب الى اكثر من مائة ملك (المرجع المشار إليه صفحة 2270-2271) .
    هذا تقديرمختل وتقرير معتل، يقصد الى توثين (من الوثن) القوى وإلى تجسيد الوظائف، ويبث في جسم البشر آلافا من الملائكة، فإذا اختلت قوة او اعتلت وظيفة عزى ذلك إلى الشيطان . فكيف يحيا الشخص بين آلاف الملائكة والشياطين، وهو لا يعرف كيف تعمل، ولماذا تتغير، ومتى تتوقف؟
    حينما نضج العقل، وانفلت من سيادة العقيدة المنظمة وعبادة الكهانة الغاشمة، بدأ يتحول شيئا فشيئا من التجسيد إلى التجريد، ومن طقوس الوثنية الى العبادة السوية. ولأن الأدلة تتكاثر في بيان ذلك، فإن الدراسة تقتصر على مفهوم ونتائج كشف فزيائى واحد، هو نظرية الكم (أو الكموم) الآلية (أو الميكانيكية) (Quantum Mechanical theory )، وفيها ينتهي الكشف الى أن الذرة (Atom) ليست هي أصغر شئ في الكون، لكنها تنحل إلى جزئيات (Particles) ليس لها مظهر واحد ، إنما قد تكون مادة وقد تكون موجة، وفقاً لوجهة النظر التى يتخذها الباحث . ومفاد ذلك أن ما يبدو للرائى كمواد قد يظهر لآخر كموجات، ويكون كل العالم المادى – من وجهة نظر آخرى – موجات متدفقة. يضاف إلى ذلك ما تجلى من أن الجزئيات (Particles) لا تتخذ في مسارها وضعاً جامداً محدداً، لكنها تتميز بالشعورية والذاتية والتلقائية، وأنها في تصرفها لا تبدو كمن يتأثر بالمحيط القريب منها، ولكنها تتصرف على أنها تتأثر بمجال أكبر، وهو مع التدارج ينتهي الى الكون كله، ويدلل على ان الكون متواصل متداخل، أقرب ما يكون الى الوحدة الواحدة . وهكذا من نظرية فزيائية واحدة تتقوض الوثنية وتتبدد الجبرية وتتصدع التجسيدية، وإذا كان ذلك نتيجة لإعمال العقل، فإنه أكبر دليل على أن انطلاق العقل من الحواس ينتهي إلى الايمان الصحيح، وأن انحباس العقل في الحواس يتأدى الى الوثنية والتجسيدية والجبرية، التى ظهرت بوضوح وجلاء في الامثلة التي ذكرتها الدراسة نصا من التوراة ومن كتاب الاشعري (مقالات الاسلاميين) ومما ذكره الغزّالى نصا في كتابه احياء علوم الدين : وفيها وُصف الله بأوصاف مادية، كأنما هو وثن، في حين الله قوة القوى وفكرة الفكرات وقانون القوانين، لا يمكن استيعاب معناه إلا بالعقل الذي يصل إلى التجريد، فيستوعب الظاهر والباطن، والقوى وعملها، والقانون وتطبيقه، والفكرة وآثارها.
    إن العلم والمعرفة والثقافة والتربية والإعلام ينبغي أن تعاود فهم الموروث والتقليد والاتباع لكي تتحول الى الابتكار والتجديد والابتداع، فيجمع الانسان في نفسه بين الظاهر والباطن، والمجسّد والمجرد، والجلىّ والخفىّ، والمبني والمعني، والجوانى والبراني، والمشهود والغيبي، والعين والجن. بهذا يتوحد الانسان في ذاته فيكون في الله الواحد البديع الخلاق، ويحقق مأراده الله من الخلق، فلقد خلق الله الانسان ليخلٌق به، ولا يخلق الله بالشخص الجاهل العاجز الفاسد، لكنه يخلق بانسان عالم عارف كامل.

                  

02-14-2007, 12:49 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دستور الاسلام المستنير ( 12): المواطنة /المستشار محمد سعيد العشماوي (Re: Sabri Elshareef)

    العلم والمعرفة والثقافة والتربية والإعلام ينبغي أن تعاود فهم الموروث والتقليد والاتباع لكي تتحول الى الابتكار والتجديد والابتداع، فيجمع الانسان في نفسه بين الظاهر والباطن، والمجسّد والمجرد، والجلىّ والخفىّ، والمبني والمعني، والجوانى والبراني، والمشهود والغيبي، والعين والجن. بهذا يتوحد الانسان في ذاته فيكون في الله الواحد البديع الخلاق، ويحقق مأراده الله من الخلق، فلقد خلق الله الانسان ليخلٌق به، ولا يخلق الله بالشخص الجاهل العاجز الفاسد، لكنه يخلق بانسان عالم عارف كامل.



    شكرا المستشار العشماوي

    والي مزيد من النور والمعرفة
                  

02-18-2007, 07:45 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دستور الاسلام المستنير ( 12): المواطنة /المستشار محمد سعيد العشماوي (Re: Sabri Elshareef)

    الفريضة والإجماع والفتوى (19)



    الفريضة

    الفريضة لفظ ورد في القرآن الكريم 6 مرات بنصّه، وبتصريفاته: فرض وفرضنا وتفرضوا ومفروضا وفارضا 13 مرة، ومعناها الوجوب، أو الأوامر التى أوجبها الله، أو أمر بها. ولها إلى جوار ذلك معان أخرى، مثل التخصيص أو الضغط (على فرد ليعمل عملا أو ليقول قولا معينا). وأصل اللفظ من حزّ في العود حزّاً، أى أثبت فيه علامة (يراجع لسان العرب، المعجم الوسيط، المعجم العربي الاساسي، مادة: فرض).
    في التوراه كان التعبير بلفظ الشريعة يقصد الطريقة، أما الأوامر التي سنهّا الله لبنى اسرائيل فكانت ترد بصيغة: كتب وتصريفات اللفظ، أو الوصايا وتصريفاته.
    وفد ورد لفظ الشريعة في القرآن مرة واحدة بمعنى الطريقة (ثم جعلناك على شريعة من الأمر)، وورد لفظ كتَبَ 8 مرات، كما ورد بتصريفاته: كتبت وكتبنا وكتبناها وسأكتبها وأكتب عدّة مرات، أما لفظ كُتب فقد ورد 13 مرة. وجاء لفظ قضي 12 مرة، وقُضيَ 19 مرة.
    وفي القرآن ترد أوامر الله إلى المؤمنين (المسملين) بلفظ فرض وتصريفاته، أو كتب وتصريفاته، أو قضي وتصريفاته، كما ترد بصور أخرى، لكن الفقه يري في كل ما يأمر به الله على المسلمين عبادة وفريضة، وانقسم الرأى عندهم في الفريضة، فهي فرض عين إن كان على كل فرد أن يلتزمها، وفرض كفاية إن كانت الأمة جميعاً تلتزمه، فإن أقامة بعضهم سقط عن الآخرين. وفيما ورد بمعني الفريضة، ثمت من يرى أنه قد يكون حكما مؤقتا، ففي القرآن على لسان إبليس (لاتخذن من عبادك نصيبا مفروضاً) وقيل في تفسير ذلك أن المعني: نصيبا مؤقتا.
    وهذا هو فهم المؤمنين (المسلمين) الأوائل لمعني لفظ الفريضة. فقد ورد في القرآن عن الصدقة، وهي غير الزكاة، فإن عُبَّر عنها بلفظ الزكاة قيل: الزكاة المفروضة، (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل، فريضة من الله والله عليم حكيم) سورة التوبة 9: 60. ومعنى الآية الواضح أن سهم المؤلفة قلوبهم من الصدقة – فريضة. والمؤلفة قلوبهم أناس من كبار العرب لم يؤمنوا بالله ورسوله، ففرض لهم القرآن نصيباً أو سهما من الصدقة كي يتألف قلوبهم، فلا يحاربوا الإسلام والمسلمين، وكان هذا السهم أو النّصيب يُعطي إليهم طول عهد النبي، وردحا من خلافة أبي بكر، إلا أن عمر ابن الخطاب رفض إعطاءهم ما عبّر عنه القرآن بلفظ الفريضة، وقال في ذلك: كان هذا عندما كان المؤمنون (المسلمون) ضعافا وفي حاجة إلى تأليف قلوب بعض الكفار باعطائهم أموالا، أما وقد قوى الاسلام فلم يعد من اللازم (المعبر عنه في الآية بلفظ الفريضة) أن يُعطي هؤلاء من أموال الصدقة.
    وفي آية الحجاب الخاصة بأزواج النبى (يا أيها الذين آمنوا... إذا سألتموهن (اى نساء النبي) متاعا فأسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن) سورة الأحزاب 33: 52. من هذه الآية التى رأي فيها البعض ضربا من التنظيم الاجتماعي المتعلق بزوجات النبي، خاصة وأنها لم تأت بصيغ التشريع المعهودة غالباً في القرآن وهي فرض وتصريفاتها، وكتب تصريفاتها، وقضي تصريفاتها، رأت عائشة زوج النبي أن هذا التنظيم كان مؤقتاً بعهد النبي. فلما واجهها بعض المؤمنين (المسلمين) عندما اشتركت بسفور في أعمال السياسة وفي قتال عليّ ابن ابي طالب، وقالوا لها: وماذا عن آية (وقرن في بيوتكن) وآية الحجاب المنوه عنها فيما سلف، قالت: إن ذلك كان على عهد النبي.
    أى إن كلا من عمر ابن الخطاب وعائشة زوج النبي أدركا مبدأ وقتية الاحكام، أى قصر حكم معين على وقت بذاته، غير أنها لم يستطيعا التعبير عنه بلغة القانون، التي كانت العرب تفتقدها، فأشارا إليه بالمعني ولم يستعملا التعبير القانوني، الذي لم يكن بوسع العصر أو في استطاعة القائل إدراكه فهمْاً، والتعبير عنه نصا.
    ومادامت الدراسة قد تعرضت في مسألة الفريضة إلى أمر الحجاب، فإنه يكون من حسن السياق أن تذكر (الدراسة) باقي الآيات التى تتعرض الى ما سماه البعض (الحجاب) وما رأى فيه فريضة.
    فبصدد الخمار تقول الآية (قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولايبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن) سورة النور 14: 31. فالآية تدعوا المؤمنات إلى التعفف وعدم التبرج، وأن يبدين زينتهن الظاهرة دون أن تحدد المقصود بالزينة الظاهرة، وتركتها لكل عصر ليحددها أولى الأمر بما يتناسب مع مبدأ العفة وما يتوافق مع حسن الآداب. أما الضرب بالخمار على الجيوب فكان لتعديل عادة كانت فاشية آنذاك، إذ تلبس المرأة أو الفتاة غطاء على رأسها يتدلى منه خمار تلقيه وراء ظهرها، فيظهر صدرها باديا للرجال، وهو أمر يتنافي مع العفة وحسن الآداب، فرأى القرآن تعديله، بضرب الخمار على الجيوب، أى إلى الأمام بعد أن كان يضرب به إلى الخلف، لكنه لم يأمر بأن يكون الخمار تغطية للشعر، إذ يمكن أن يلف حول الرقبة، وضربه على الجيوب، فيتحقق حكم الآية.
    وآية الجلابيب تقول نصا (يا أيها النبي قل لآزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين) سورة الاحزاب 33: 59. وعلّة إدناء الجلابيب واضحة في النص، وهي أن تُعرف النساء، والفتيات المؤمنات فلا يتعرض لهن الشبان والرجال، أى إن القصد هو التمييز بين الأحرار والجوارى، بين العفيفات وغير العفيفات.
    هذه الآيات لم يرد فيها لفظ يفيد معني التشريع الدائم الواجب على كل امرأة أو فتاة فرض عين في كل آن وكل مكان. فمما سلف يضح أن لايكون الحجاب (الساتر) إلا لنساء النبي وحدهن، وقد رأت عائشة أنه كان حكما مؤقتا بعهد النبي. أما الخمار فلم يرد هو الأخر بلفظ من ألفاظ التشريع أو ما يفيد الوجوب، وإنما كان لتعديل عادة حتي يتمشي ذلك مع ضرورة التحشم والاعتدال.
    أما الجلباب فقد سلف بيان علة الحكم به، وقد ارتفعت العلة فانتهي الحكم. وإذ لم يعد يوجد في العصر الحالى ما يوجب التمييز بين الحرائر والإماء (العبيد) ولا بين العفيفات وغير العفيفات، فإن الحكم يكون قد زال بزوال سببه. والذي يقول إن الحجاب فريضة، إنما يخطئ مرتين (الأولى) حين يسمي الخمار حجابا، لأن الحجاب هو الساتر الذي كان يوضع بين نساء النبي وبين الرجال، وليس الخمار (والثانية) إذ يفرض فريضة من عنده، فيحرم حلالا، وهو أمر منهيُّ عنه، خاصة وأن الخمار يمكن أن يحيط بالرقبة ولا يغطي الشعر، كما سلف البيان.
    إن الخمار فضيلة وليس فريضة، والمرأة حرة في أن تضع الخمار أو لا تضعه. ومن لا تضع الخمار وتكون عفة محتشمة فهى تساير مبادئ الإسلام ومن الخطأ الشديد أن تُهدّد بالكفر، ظلما لها وعدوانا على الدين. وفي بيان الفرق بين الفريضة والواجب، فإن الحنفية (أتباع أبي حنيفة) يمايزون بينهما، في حين أن الشافعية يرون أن الفريضة والواجب مترادفان.

    (ب) الاجماع
    الاجماع – في الفقه الإسلامي – هو اتفاق المجتهدين من المسلمين على أمر ديني، وهو يعد أصلا من أصول التشريع. وهو أحد مصادر أربعة تستمد منها الأحكام الفقهية، والتي يعبر عنها خطأ بالقول إنها أحكام شرعية. وثمت فارق كبير بين الاحكام الشرعية والاحكام الفقهية، فالشرعي هو مانزل من الله والفقهي هو ما صدر عن الناس.
    ومصادر الاحكام – على ما حددها الشافعي (محمد ابن إدريس، 767-819) - هى القرآن، والسنة، والقياس، والإجماع. وفي تأييد الاجماع كمصدر للاحكام الفقهية (والتي تسمي خطأ بالشرعية) استند إلى الآية (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى) سورة النساء 4: 115، فكأنه افترض ان للكل سبيلا واحدا، هو الذي اهتدي به المسلمون جميعاً، وأن هذا الطريق ظاهر واضح لا خلاف عليه ولا تفرق فيه.. لكن الواقع غير ذلك سواء على الصعيد السياسي أو على السبيل الفقهي.
    وبعيداً عن السياسة التى لم يحدث اجماع فيها للمسلمين قط، فإنه توجد في الفقه مذاهب كثيرة، أشهرها المالكي والحنفى والشافعي والحنبلى عند أهل السنة، والجعفري والزيدي والاسماعيلي عند الشيعة.
    وقد رأى مالك أن الاجماع هو اجماع اهل المدينة، وتابعه في ذلك الشيعة الامامية (الجعفرية) والزيدية.ولم يسلّم الحنفية والشافعية الا بالاجماع الصريح والسكوتي، وأنكر أحمد ابن حنبل ما عدا اجماع الصحابة (وهو مالم يحدث!).
    وفي العصر الحالى يردد بعض الوعاظ، الذين لا يعرفون ولا يعرفون أنهم لا يعرفون، قولاً بأن "الأمة أجمعت على كذا وكذا" وهو في الحقيقة دعاوى واتجاهات مما لم يرم إليه الاسلام المستقيم. ولكن هؤلاء الذين يزايدون بغير علم ويؤكدون دون فهم، لم يحددوا المقصود بالأمة، وهل هى الأمة العربية التي لا تزيد عن 20% من المسلمين في العالم، أم أنه يقصد الأمة الأسلامية عربا وعجما؛ وكيف كان هذا الاجماع ؛ وهل يُدرك معني الاجماع عند الفقهاء، وهل يعرف أنه لم يتحقق في السياسة أبداً، ولم يتحقق في الفقه قط، ولذلك فإنه من الشائع أن يقول المؤمنون (المسلمون) عن الفقهاء: إن اختلافهم رحمة، لأنه بوسع المؤمن المسلم أن يأخذ بالأسهل والأخف من كل فقيه. وفي ذلك نضرب مثلا واحدا، فأهل السنة يرفضون أن تكون ثمت وصية لوارث أخذا بما يقولون إنه حديث للنبي قال فيه (لا وصية لوراث) أى إن المورّث لا يجوز له أن يخص أحد الورثة بوصية. لكن القانون المصري أخذ مبدأ عند الشيعة بأنه تجوز الوصية لوارث، ونص على ذلك في القانون.

    (جـ) الفتوى
    الفتوى هي بيان الحكم الشرعى لمن يريد معرفته. واشْتُرط للمفتي أن يكون عالما مخلصا حسن النيه، وأن يعرف فقه الافتاء، ونفسية المستفتِي، والجماعة التي يعيش فيها، وأثر الفتوى في الناس، وبالاجمال أن يراعى ظروف المجتمعات المتغيرة. وقد ورد لفظ يفتيكم، أى يصدر لكم الفتوى، في القرآن منسوبا إلى الله (ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن) سورة النساء 4: 127، (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة) 4: 176. وعندما يفتي الله فإنه يبين ويفصّل حكما دينيا، يستفتي فيه المؤمنون (المسلمون) النبي، في وقته، أى أيام كان حيا يعيش بينهم. وصارت الفتيا بعد وفاة النبي لأعلم المسلمين وأورعهم واتقاهم. وكان رقاق القلب دقاق النفس يخشون أن يتصدروا للناس بالفتيا أو القضاء، وقد رفض أبو حنيفة النعمان – على علمه ووقاره – ولاية القضاء، حتي ضُرب في ذلك، فأصر على الرفض.
    ولما ساء الناس ساء أمر المفتين، فكانوا يلحون في طلبها للارتشاء أو لمجاملة أصحاب المكانة أو المال أو لتأييد السطان في كل ما يريد، وبذلك صارت بعض الفتاوى تحل حراما وتحرم حلالا، ولم يعد الأصل فيها بيان وجه الرأى الديني، ولكن تبرير فعل من يملك السلطة أو النفوذ أو المال. ولذلك كان الفقهاء يقررون أنه يجب الحجر على المفتي الماجن، وهو – على ما شرحوا – هذا الذي يتّبع شواذ الفتيا، أو يعلم الناس الحيل للتخلص من الاحكام الشرعية، وإفسادهم للدّين.
    في السلطنة العثمانية نشأت وظيفة المفتي الأعظم. ذلك أنهم كانوا قد استولوا على القسطنطينية (والتي كان اسمها بيزنطه وصار اسمها اسلام بول أو اسطانبول) عام 1451 في عهد السلطان محمد، الذي لُقب بالفاتح جراء ذلك. والسلطان محمد هذا من سلاطين آل عثمان ، وهم من المغول والتتار الذين نسبوا أنفسهم إلى اللغة التي يتكلمون بها، وهي التركية (من الفصيلة الأتراكية) ليختفوا تحت اسم الاتراك من أصولهم المغولية والتتارية، التي كانت ذات وقع سئ في أسماع الناس على زمانهم. وقد استمر هؤلاء الترك، بعد أن استولوا بالحروب المتوالية على البلاد العربية وبعض البلاد الاسلامية، يصرون على التحادث بلغتهم التركية، فلم يتعلموا العربية (لغة القرآن) ولم يتكلموا بها، حتي كلغة ثانية. وإذ كان من مقتضي ذلك أن كانوا معزولين عن القرآن محجوبين عن الاسلام، ما داموا لا يعرفون لغة القرآن، التي دُون بها الفقه، فإنهم بعد فتح القسطنطينية، وتأثرا بالنظام المسيحي الكنسى، أنشأوا منصبا سموه "المفتى الأعظم" كان يفتي بدلا من الترك جميعا، سلاطين ومحكومين، وكانت فتواه ملزمة. وقد انحرف بعض هؤلاء المفتين فأفتوا للسطان بحقه في اغتيال جميع اخوته، حتي يستتب الامن في السلطنة، ولا ينازع السلطان أحد من اخوته. كما أنهم أفتوا بوضع اخوة السلطان في حجرات مغلقة فسُمّوا بذلك أمراء القفص.
    في العصر الحالى يتصدر للفتيا كل من "هبّ ودبّ"، ولا يسأله أحد عن مؤهله في الفتوى وتخصصه فيها، ما دامت توافق الهوى وتحلل الحرام من القتل أو السرقة أو ترويع الناس. ولابد لاصلاح الفكر الاسلامي، وتجديد الخطاب الديني، من تنظيم الفتاوى، ووضع قواعد للإفتاء، وتحديد نصْب وتعيين اى مفتٍ، حتى لا يكون الاسلام "سداحا مداحاً" لأى جاهل أو مدعً أو مفسد في الارض.








                  

03-04-2007, 11:58 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دستور الاسلام المستنير ( 12): المواطنة /المستشار محمد سعيد العشماوي (Re: Sabri Elshareef)

    ******
                  

03-05-2007, 00:00 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دستور الاسلام المستنير ( 12): المواطنة /المستشار محمد سعيد العشماوي (Re: Sabri Elshareef)

    دستور الاسلام المستنير (20): الله والانسان (أ)



    جاء في صحف إدريس عليه السلام (التى ترجمناها عن الانجليزية ونشرناها مع تعليقات لنا في مجلة مصرية) أن الله خلق الانسان ليخلق به. وإدريس هذا هو الذي قال عنه القفطى (وغيره) في كتابه "إخبار العُلماء بأخبار الحكماء" إنه عاش في مصر، وهو ما يوافق ما جاء في كتاب المؤرخ اليوناني بلوتارك (46 – 120) بالالمانية Isis et lside (اي إيزيس وأوزوريس). وقد جاء في هذا الكتاب أن أصل أسم أوزير (إدريس) هو يسر، وهي كلمة غير محددة المعني، لكنها يمكن أن تترجم إلى قوة أو قدرة أو عزم. وقد عاش أوزير في مصر في عصور موغلة في القدم (10500 من الوقت الحالى) وكانت له وللحضارة المصرية صلة بكوكبة الجبار ( Orion Constellation ) لم يُكشف عنها النقاب بعد، وهو الذي علّم الناس الزراعة والصناعة والكتابة والفلك والموسيقي والختان، وغير ذلك، مما جعله مُعلّم البشرية ومرشد الانسانية، الذي يتجسد بين الناس من حين إلى آخر، ليعمل على إزالة الخرافات الحارة والتراكمات الضارة، ويقدم المعاني الحقيقية للخلاص والفداء والجذب الكوني والوصل الروحي، وطبيعة عمل الانسان.
    إلى جانب ما قدمه أوزير (إدريس) للبشرية، فقد عرّفهم بالله الواحد الأحد، والمركز الكوني لكل شيء، والنبع الدافق لكل حياة، والوصل الدائم لكل العلاقات والمخلوقات. وقدم الشريعة في لفظ واحد هو "ماعت" الذي يعني الحق والعدل والاستقامة والنظام، فكان على كل فرد أن يؤمن بالله، وينجذب إليه (بالجذب الصوفي) ويتواصل معه (بالوصل الواعي)، ومنه وعنه يضع في قلبه الحق والعدل والاستقامة والنظام، ثم ينشرها فعلا وقولا إلى الناس جميعاً.
    وكانت لأوزير اسماء متعددة حسب اللهجات المختلفة والمناطق المتعددة. وقد نطق اليونان اسمه أوذريس، بإضافة الياء والسين، كعادة أجروميتهم للتنوين، ثم صّحف للعرب لفظ أوذريس ليصبح إدريس، وهو تصحيف عادى لفروق النطق. وقد ورد اسم ادريس في القرآن مرتين (واذكر في الكتاب ادريس انه كان صّديقا نبيا، ورفعنا مكانا عليا) سورة مريم 56 : 59 (وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كلا جعلنا من الصابرين) سورة الانبياء 21: 85، ويخلط البعض إدريس بأخنوخ، لورود اسم أخنوخ في ثبت اسماء أولاد آدم في التوراة، ولكى يجعلوا له صلة بأنبياء التوارة، لكن الواقع أن أدريس (أوزير) ليس هو أخنوخ، وأنه يسبق عصر هذا بكثير، فهو مصري وُجد وعاش – على الراجح – 85000 عاماً قبل الميلاد، أى 10500 عاما من وقتنا الحالى.
    وقد سادت عقيدة إدريس، البسيطة والنقية، وتخللت كل عقيدة تلتها، ففي القرآن (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة) سورة فصلت 30 وفي التوراة ورد (إهدني في سبيل مستقيم) مزامر 37: 11.
    هكذا، حَيَتْ مصر حكاما ومحكومين تؤمن بالله الذي ليس كمثله شيء، وتعتنق الحق والعدل والاستقامة والنظام، شعبا راقيا ساميا وديعا. ولم يكن الحكم آنذاك حكم الفرعون، فأصل اسم فرعون في المصرية القديمة (برعو) أى البيت العالى، ثم صحفه العبرانيون إلى فرعون، ومنهم انتقل إلى العرب، ليفيد معني التعالى والتجبّر والغطرسة. لكن الحقيقة أن الحاكم (الفرعون) وعماله وكهانه كانوا يلتزمون حكم الشعب وفقاً لمبدأ ماعت، الذي هو الحق والعدل والاستقامة والنظام. وفي متون الاهرام، وفي هرم اوناس، من الاسرة الخامسة، يقول فيها عند محاكمته السماوية بعد الموت، إنه كان يحكم طبقا لنظام ماعت، الحق والعدل والاستقامة والنظام (الكونى)، فلم يحد عنها قط.
    وظل الحال كذلك حتى نهاية الأسرة الخامسة، حين انتهز البدو المقيمين في البلاد الصحراوية شرق مصر، ما بها من وفرة وثروة ونماء وإزدهار وسماحة، وظلوا يهاجرون إليها زرافات زرافات، حتي كوّنوا في مصر جاليات كثيرة، فرضت مسالكها وتصرفاتها. ولما كان السلوك اجتماعياً، فقد حدث أن اضطر المصريون، للحفاظ على أنفسهم، إلى الهبوط إلى مستوياتهم في التصرف والتعامل، وفي القول والفعل، حتي انتهي الامر بسقوط نظام ماعت، فسقطت الاسرة الخامسة، وبدأ بالاسرة السادسة عهد الاقطاع، ويقول الامريكي عالم الاثاريات المصري جيمس هنري برستيد: إن سقوط نظام ماعت كان أكبر كارثة حلت بالانسانية.
    ذلك إنه بدلا من الينبوع الأخلاقي الذي يكمن في القلب (أو الضمير) ويتجلي في الأقوال والأفعال ويحاسب عليها المرء بعد موته، فقد تغير ذلك تماما، وانقلبت الدوائر على نفسها وانكفأت الأمور على عقبيها، إذ انقطعت الروابط الالهية وانقضت العلاقات الكونية وانبتت التواصلات الانسانية، فاختلت الموازين واعتلت المعايير واضطربت المقاييس، وصار كل شيء إلى عكسه وكل مبدأ إلى ضده، الوحدة شتاتاً، والقبضة نثاراً، والحب كرها، والوداعة عنفاً، والبصيرة عماء، والتضامن تنافراً، والتكامل نقصانا، والسلام قتالا، والصفاء عكارة، والجماعة أفرادا، والروحية مادية، والتجريد تجسيداً، والألوهية وثنية. ومنذ هذا الوقت، وحتي وقتنا الحالى، ساد الظاهر والمجسّد والبراني والمشهود والمنظور.. إلى ما ماثل، واختفي أو غام أو تحور أو تحول، الباطن والخفى والمعني والجوّاني والغيبي.. وما هو في هذا السبيل.
    لقد انقطع الخيط الماسي والرباط الروحي بين الارض والكون، بين الانسان والله، فصارت البشرية، كل فرد فيها إلا النادر منهم، إلى وهاد الضياع بدلا من ثبات اليقين، وإلى الظلام الدامس عوضاً عن النور الساطع، وإلى فارغ القول بدلا من واضح الفعل.
    لم كان ذلك؟ وما سبب هذا التحول الخطير؟ ربما يقتضي السياق بيانا وجيزا لكنه كافيا، في هذا الصدد.
    ففي مصر القديمة – كما انف البيان في دراسة سابقة – كان المصريون على مدى تاريخهم يعبدون الله الواحد الأحد ( neter uno )، ومع أن مصر فصلت عنها أغلب آثارها، فلم يظهر أبدا تمثال لله الواحد الأحد، الذي لم يكن يماثله خلق، وكان خفياً ولفظ آمون يفيد معني الخفى، وقد خلق الله الكون بالكلمة، وهى الحكمة وهي الابداع (على نحو ما يقول القرآن: كن فيكون).. وكانت ماعت هي الرفيق أو المتناغم ( Consort ) للكلمة – والمتناغم هي من لفظ التناغم أو التوافق ( Harmony ). فكان المصريون القدماء يعبدون الله، ويبجلون الكلمة، ويطوون قلوبهم على تلك العبادة وذاك التبجيل، بما يتجلي في تطبيق ماعت، أى الحق والعدل والاستقامة والنظام، في كل فعل وأى قول. ولم يكونوا يعرفون خيراً، بل شخصاً خيّراً، كان أوزير (إدريس) رمزا له؛ كما كانوا لا يعرفون شراً، بل كانوا يرون الشرير ورمزه ست، أخ أوزير الذي غار منه وقتله.. ولكى يكون الشخص خيّراً عليه أن يتمثل بأوزير في كل حياته، وإن لم يفعل ذلك كان متمثلا بست رمز الشر والخيانة والعدوان. ولفظ ست هذا هو الذي نطقه العبرانيون، ثم بنو إسرائيل، "سيطان"، وصار في العربية "شيطان" وفي الانجليزية ( Satan ). وهكذا، ولم يكن لديهم لفظ يعبّر عن الدين، إذ كان الدين عندهم أسلوب حياة، يكون فيها الخيّر متمثلاً بأوزير، ويكون الشرير متمثلاً بست. بهذا لم يكن لديهم ألفاظاً منبتّة عن الواقع المتحقق، وكانوا يرون أن لغتهم مقدسة، إذ كانت على قدّ العمل، ولم تكن قد انفصلت عن الواقع المتحقق والوجود الحى لتصبح كيانا خاصا ً بذاته، وبمفرداته، يسير ويدور ويثور ويفور بلا غرض إلا مجرد الحديث، والتأويل والتعليل والتفسير والتبرير، الذي يقوم على الألفاظ وينقطع عن الفعل أو التحقيق، بل يكون غاية في ذاته، وغرضا يستهدفه الكل دون أن يقصد به تحقيق أى شيء، وهو ما عبر عنه الشاعر العربي فيما بعد، فقال :
    ولقد سئمت مآربي وكان أكثرها خبيث
    إلا الحديث فإنه مثل اسمه أبدا حديث
    وكان لابد أن يمتد هذا النهج إلى النبع الأخلاقي الذي كان يصدر عن ماعت الكائنة في ذات الانسان، فيرتبط وينضبط بماعت الكونية، ومن ثم يكون لضمير الفرد علائق ووشائح وثوابت من الضمير الكوني، فصارت الاخلاق بعد انفصال الفرد عن الكون وانفصام الضمير الفردي عن الضمير الكوني كما قال أرسطو (348 – 322 ق م) بحق في كتابه الاخلاق: مجرد ثرثرة يتشدق بها العامة في مجالسهم ليقيموا منها معايير تدين أغيارهم، لكنها لا تلزمهم أبدا.
    كان على المصري القديم أن يتوجه إثر وفاته إلى المحاكمة الكبري التي تنعقد برياسة أوزير (إدريس) وبحضور 42 قاضيا، فيسير إليها على صراط مستقيم، ويجتازه بسهولة إن كان نقى السريرة ثابت الجنان، إما إن لم يكن كذلك، فقدَ التوازن وسقط في نار مشتعلة حيث تلتهمه الحيوانات الضارة فيصير إلى عدم. فإذا اجتاز الصراط المستقيم ووصل إلى قاعة المحكمة، قدم نفسه على انه كان نقى القلب تقى الصدر، لم يؤذ أى انسان أو اى حيوان، وإنما أطعم الجائع، وروي الصادى، ولم يتعد الحدود. يقول ذلك صراحة بلا مراءاة، لأنه كان يخشي أن يشهد عليه عضو من أعضائه بغير ذلك. ثم يوضع الميزان، قلبه في كفة منه، وريشة العدالة (ماعت) في كفة آخرى، فإذا اعتدلت موازينه أُعلن أنه برئ ودخل الجنة. ومع الوقت، وكما يحدث عادة - فقد تدخل الكهنة – لانفصال ضميرهم الفردي عن الضمير الكوني، وانفصام الالفاظ عن المعاني والاقوال عن المباني – تدخل هؤلاء الكهنة إلى العقيدة فأفسدوها، إذ قصروا الجنة على عبّاد أوزير (إدريس) وجعلوا السبيل إليها – بدلا من الحساب العسير الذي يفيد قيام النظام الاخلاقي – تمائم وتعاويذ وسحرا وقلائد وايقونات وطلاسم وتلاوات واحجية وأدعية، فصارت زيفا، وتحولت الجنة إلى مظاهر مادية ولذائذ جسدية، يدخلها من كان يحمل سلاح الكهنة، حتي لو كان قد عاش فاسدا بلا اخلاق.
    رسخت هذه المادية في عقول البشر، ورسفت في نفوس الناس، حتي بعد ظهور الدين. وقد كان المقصود بالدين أن يربط الانسانية بالكونية، ولفظ ( Religio ) اللاتينية، والتي جاء منها لفظ ( Religion ) الانجليزي والفرنسي بمعني الدين، تعني في الاصل رابط أو رابطة ( Bond ). ولكن هذه الرابطة انحرفت إلى المادية وانجرفت إلى التجسيدية. فالجنة في التوارة هي جنة عدن، وهي توجد على الأرض، جنوب العراق، وكان يوجد نهر يخرج من عدن ليسقي الجنة، ومن هناك ينقسم إلى أربعة أنهر، اسم رابعها نهر الفرات الموجود حالا (حاليا) في أرض العراق (سفر التكوين).
    وقد سلف بيان ما جاء في سفر الخروج عن صورة الله، وهي صورة مادية، لأن العقل المنحبس في حواسه المادية لا يستطيع أن يتصور ما يخرج عنها، وانحصر في التقاليد لا يمكنه أن يثور عليها، ومن ثم قيل (..ثم صعد موسي وهارون.. وسبعون من شيوخ إسرائيل ورأوا إله إسرائيل وتحت رجليه شبه صنعة من العقيق الأزرق الشفاف، وكذات السماء في النقاوة.. وكان منظر مجد الرب كنار آكلة على رأس الجبل). كما أورد أبو الحسن الأشعري بعض مقالات الإسلاميين (أى مذاهب المتأسلمين) عن الله، وهي أوصاف مادية، تكلفوا في جعلها غريبة عن المألوف لكي لا يكون كمثلها شيء، فقال بعضهم (إن الله جسم وله نهاية وحد، طويل عريض عميق، طوله مثل عرضه وعرضه مثل عمله) وقال البعض الآخر (إن الله نور ساطع. له قدر من الأقدار في مكان دون مكان، وطعامه هو رائحته، ورائحته هي مجسته، وهو نفسه لون) وقال البعض الثالث (انه جسم ذاهب جاء، فيتحرك تارة ويسكن أخرى ويقعد مرة ويقوم بأخرى. وهو طويل عريض عميق، لآنه مالم يكن كذلك دخل في دور التلاشي).
    هذا فكر سقيم وقول عقيم، كان الذي ينكره أو يجحده يعتبر ملحدا، مع أن ذلك الفكر هو الالحاد بذاته، إذ يحول الله الخفى إلى وثن مشهود، له أوصاف وخصائص وجسم ورسم.
    ظلت البشرية تعاني طويلا من المعتقدات المادية التي ألحدت في الالوهية، وأسقطت الحادها هذا توثينا للوظائف وتجسيدا للخصائص. ولم يكن ثمت مهرب او منقذ للبشرية إلا بوضع الكهانة ضمن نطاق محدد، وإطلاق العقل بعيدا عنها حتى يصل إلى الصواب، من خلال الخطأ والتجربة.
    وكان الاسلام المستقيم قيمنا بأن يكون هو البداية في ذلك، لأنه ينكر الكهانة الرسمية، ولأنه يمجد العقل ويؤسس عليه الايمان والمساءلة، لكن هذا الفتح الصائب سرعان ما انعكس إلى ضده وانقلب على رأسه، عندما ظهرت في الاسلام كهانة واقعية ( De Facto ) لها نفس سلطات وضغوط وامتيازات الكهانة الرسمية ( De Jure ) ولأن الاعتصام بالتعقل والتدبر والتفهم تحول إلى صيغ عقيدية جامدة (دوجماطية) وأحياناً خرافية، تمنع التعقل وترفض التدبر وتأبي التفهم، فإذا بالمسلمين يرددون آيات ترفض الكهانة وتعتبر أنهم قد يشكلون عبادة لهم غير عبادة الله، كما يرددون الآيات التي تقضى بضرورة إعمال العقل واتباع التقدير والتدبير والتفهم، معه أنهم يتصرفون على الضد منها وعلى العكس من أحكامها، فصدق عليهم الوصف القرآني (يا أيها الذين أمنوا لم تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) سورة الصف 61: 2-3.
    إن الغاية الاساسية والقبلة الرياسية للانسان أن يكون في الكون لا أن يكون من الكون، كالسائمة أو الجماد او الزاحفة.
                  

03-09-2007, 11:59 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دستور الاسلام المستنير ( 12): المواطنة /المستشار محمد سعيد العشماوي (Re: Sabri Elshareef)

    دستور الاسلام المستنير (20): الله والانسان (ب)


    - بوضع العقيدة المنظمة فى نطاقها، ورسم حدود للكهنة ورجال الدين، وبظهور الطبقة البرجوازية، بعيدا عن الاقطاعات (والبرجوازية نسبة الى الابراج ومفردها لفظة برج دستور الاسلام المستنير (20): الله والانسان (أ)
    العربية) التى كانت تقام فى طرق السفر الممتدة بين الاقطاعات، بدأ الانسان عهداً حديثاً تداعى الى فهم جديد للعقل.
    فالعقل، كان فى المفهوم الآلى التقليدى، هو ما يسمى بالمخ او الكتلة الموجودة داخل رأس الفرد، تنحبس فيما تتلقاه من انطباعات الحواس الخمس، وتنسجن فيما تردده من افكار تقليدية متوارثه، والفاظ كالرواسم (اكليشيه Cleche) بلا مضامين، لكنه صار فى الفهم الجديد أشمل من هذا وأكمل، حيث يمتد الى كل السلوك البشرى بمظهريه الحركى والذهنى، والذى يكون ردود فعل لمؤثرات واضحة، أو تعبيرا عن معانٍ دقيقة تنطوى عليها الذات الانسانية، او تحقيقا للتكيف والتوازن الذى تنشده هذه الذات وتسعى اليه، او تفاعلا مع مجال كلى أوسع من النطاق المادى المحدود أو الظروف الواقعة المحسوسة.
    وفقا للاسلوب التقليدى، كان مفهوم العقل مقصورا على أداء او مراقبة الوظائف المحددة للجسم أو التعامل الوتيرى (الروتينى) مع الاشخاص القريبين أو الاسباب المعروفة المباشرة، وفى فهم مقصور كهذا، كان العقل يُمنع من ادنى خروج على هذا النظام وذلك المجال، فلا يجوز له ان يتعقل الظواهر أو يتفكر فى الاحوال أو يتدبر ما يمكن أن يكون، بل وكان العقل مختوما عليه بشدة، مجموعًا عليه بقوة، لا يذهب أىٍَِ تصور الى احتمال تعرضه الى بصمات كونية أو طفرات حيوية. وانما يجرى الكلام من جانب على أنه مصون ومقدس، ويقع العمل من جانب آخر على منعه من أىٍَ نشاط، عدا التافه والمحدود من الانشطة الآلية المكانيكية.
    فى المفهوم الحيوى الجديد والمضمون الكونى الحديث، فإن العقل انفجر كبركان ثائر، يفض معانى حيويه، ويطلق مفاهيم كونية، ويتهيأ لطفرات الاهية، فلا يقف عند حدود آلية، ولا يجهد إزاء أوضاع مكيانيكية، ومن ثم فقد بدأت دراسة الأنشطة العقلية تنفعل فى نطاقات لم يكن يجسر أحد من قبل على الدخول اليها، منها ما يسمى "علم ما وراء علم النفس Para Psycology، وهو علم يتضمن مفهوم اللقانة (Telepathy) والجلاء البصري (Clairvoyance)، والجلاء السمعي (Clairauduance) ومفاهيم الوحي والالهام والحدس والفراسة وما ماثل. ومن هذا المفهوم لم تعد العلل العقلية اقدارا لا تمحى، أو امراضا تسببها الأرواح والشياطين، وانما صارت هذه وتلك عللاً عادية، أو حالات تخضع للعلاج والمداواة، مثل ذلك مايُعرف بفقدان القدرة على فهم الجمل واستخدامها (Asynolia) والضعف العقلى الناتج عن بطء النمو (backwardness) وفقدان الإرادة (Abulia) وفتور الشحنة الانفعالية (Acatbexis) والجنون الدورى (Cyclothymia) وهلم جرا (عن كتابنا العقل فى الاسلام )
    2- ومع الفتح العقلى، نشأت بحوث فى شتى المجالات، تقوض المادية وتشيّد الروحية، منها ما يهم فى هذا الصدد، علم الفلك (Astronomy) وعلم التنجيم (Astrology) وعلوم ما تحت المستوى الذري، وبالذات العلاقة الفكرية بينها وبين النواتج الانسانية. وهذه العلوم الثلاثة هى التى يمكن الاجتزاء بها – فى هذا الصدد – لاثبات أن الكون كل واحد، وأنه يقوم على أساس ما يمكن أن يسمى بالكلية (Holism) حيث يكون مؤثرا ومتأثرا بالكل، وهو ماعبرت عنه المقولة المصرية (الكل فى واحد). ذلك أن الفرد لا يستطيع فهم أو رؤية الشىء رؤية كاملة اذا اقترب منه والتصق به، ومن ثم يتعين أن يبتعد قليلا ليفهم كثيرا. ومن علوم الفلك وعلوم ما تحت الذرة، يخرج الانسان من نطاق المحسوسات تماما الى ابعد مدى يمكن منه أن يرى الصورة كاملة ويفهم الوضع الكونى على أصوله (بقدر ما يمكن).
    والفلك – فى ابسط صورة – هو علم دراسة الأجرام السماوية. عرفته الحضارات القديمة بابل والهند والصين. وكان عند قدماء المصرين تطبيقيا، كعمل الخرائط النجومية ووضع الآت لرصد النجوم وتسميتها، ومن هذا الاتجاه أرسوا قواعد الفلك على أساس ثابت من النظام والحساب. فحددوا مسار الشمس ومدار القمر، ثم ربطوا فيضان النيل وبداية العام بظهور نجم الشعرى اليمانية. وبنوا على مجريات علم الفلك أمورهم فى الرى والزراعة والحصاد وغيرها. وقد رصدوا كسوف الشمس وخسوف القمر، وسجلو بعض أحداث السماء. وكانت فى معبد دندرة دائرة فلكية انتزعها الفرنسيون ونقلوها الى متحف اللوفر. ومنها رأى بعض العلماء أن هذه الدائرة لا يمكن ان ترسم بالدقة التى هى عليها، الا لمن كان على دراية بعلم الفلك، مدة عشرة آلاف سنة على الاقل، من رسمها.
    والذى يستفاد حالا (حاليا) من علم الفلك أن للنجوم والكواكب إشعاعات (سماها البعض روحانيات) وأنها دائمة الصدور ومستمرة التفاعل مع كل نجم وكوكب وقمر وجرم، على مدى سريان أشعته وتفاعل روحانيته. ومثال ذلك أن انفجار النجوم الذى يسمى (Super Nova) مهما كان بعيدا لابد ان تنجم عنه اشعاعات كثيرة مثل اشعة جاما وأشعة X وغيرها من الاشعة التى تحمل موجات كهرومغناطيسة (Alectromagnatic) قد تظل قوية مؤثرة الى مدى بعيد مكانا ومترام زمانا. كما ان هناك أشعة كونية لم يكتشفها العالم بعد، وهى ذات تأثير كبير على الناس وربما على الأحداث كذلك. ففيها عناصر كونية مهمة للنشوء والارتقاء، ونتيجة لبعض هذه الاشعة تتزايد نسب الجنون وأمراض القلب وحوادث القتل وهلم جرا. وأبسط مثل فى ذلك أن المد والجزر الذى يحدث فىالبحار والمحيطات على سطح الأرض ينتج من دورات قمرية، كما انه من المعروف أن الجنون يسمى باللغة الانجليزية (Lune) نسبة الى القمر، أو بالاحرى نسبة الى أشعة منه أوحركات له.
    3- فى صحف إدريس (أوزير) أن الله عندما أراد أن يخلق الانسان (ليخلُق به) أخذ من الشمس والقمر وعطارد والزهرة والمريخ والمشترى وزحل، أفضل ما فى كل منها، وخلق منه ذات الانسان، ولما أدركت الاجرام أن الانسان جمع افضل ما فيها، خشيت ان يتجاوز حدوده، ويتأله، أو يسىء استخدام قواه وقدراته فى الشر والإجرام، لكن الله العليم بكل شىء قال للأجرام انه خلق نظاما فلكيا صارما، يحكم الانسان بقوة وعنف، يجعله يعيش فى دراما دائمة، ولا ينال الخلاص من هذه الدورة الصعبة الا من وصل الى الايمان الحق والمعرفة المقدسة او العلم اللدنى،على حد تعبير القرآنى، ذلك لان الايمان بغير المعرفة أعمى، والمعرفة (أو العلم) دون ايمان كسيحة، ومتى وصل الانسان الى الايمان المستقيم والمعرفة المقدسة فإنه سوف يحكم ملكاته باقتدار، ويضبط نوازعه باختيار، فيتجاوز دورة الفلك الصارمة،والتى تسيطر عليها سيدة (أو ربة) الأقدار، التى سماها المصريون القدماء (سخمت).
    هذا دليل واف على صلة علم التنجيم بالأشخاص، وتأثير الايمان الصحيح والمعرفة المقدسة على الخلاص من التأثير السىء لدورة الفلك، فيصبح الانسان بذاته المستنيرة المستقيمة فوق الأقدار (أى الناموس) وليس تحتها.
    علم التنجيم اذن علم يقوم على فكرة تأثير النجوم والكواكب فى شئون الانسان، وقد كان يعد فرعاً من علم الفلك، لكنه انفصل عنه، وبالذات بعد ظهور كوبرنيق.
    ويحدَّد طالع الفرد في علم التنجيم بوضع خارطة للنجوم والكواكب (وقت ميلاده والادق وقت الحمل به إن كان ذلك ممكنا) تسمى (chart) ولها قراءات خاصة ومُختلفه وغير يقينية، تحدد طبيعته، ومدى استعداده للمرض، وتعرضه لبعض الحظوظ والكوارث.
    وفى رقى هذا العلم فهم البشر أن الخلاص من دورته الكئيبة، ومن نحوسه التى تزيد كثيراً على سعوده، يكون بالايمان بالخالق والحصول على المعرفة الكونية (التى تختلف فيها الآراء)، فوق قانون القدر وليس تحته، ويصير بذلك أداة فى قدرة الله وفى يد الكون، ليخلق به الله ما يَسّره له، لكن بعض الجماعات أو الامم - نتيجة التفاصل والتباعد الذى حدث بينها وبين الكون، بين السماء والارض، بين الانسان والحياة- فصلت التنجيم عن الكل (الذى هو على نحو ما ذات الله)، ونظرت اليه فى ذاته، ورأوا فى النجوم والكواكب سادة أو أرباباً، لقيام التبادل بين لفظ السيد ولفظ الرب، ولإمكان التعبير باحدهما عن الآخر فى بعض اللغات ومنها العربية، فيقال رب العمل ورب الدار، كما يقال عن الله رب العالمين. لكن لفظ الرب تحول الى مفهوم الاله فى بعض اللغات التى يوجد فيها لفظ واحد للرب والاله، كما فى الانجليزيه لفظ (God) وفى التوراة ورد تعبير "اله الآلهة" كثيراً. ومتى نظر الناس الى الكواكب والنجوم على انها آلهة، وحسبوا منها عدد السنين والأيام، والمواسم والاعياد، والسعود والنحوس، والحظوظ والكوارث، متى حدث ذلك، اتجهوا الى هذه الكواكب والنجوم بالتقدير الذى تمازجه الرغبة والامل، وكالعادة - مع الجهل- يتحول التقدير الى تقديس ثم يصير التقديس عبادة. وساعد على ذلك ان بعض المترجمين، ان لم يكن اكثرهم، لم يميزوا فى الترجمة بين الرب أو السيد وهو في المصرية القديمة (neter) وفى الانجليزية (God) وبين الاله او الله. وقد كان المصريون القدماء يؤكدون ذاته فى الكتابة، اذ يرمزون لهذا الاله بسبعة عشر علما أو يكتبون الى جواره لفظ (Neter) الذى خلق كل شىء، ويكون الله بذلك غير الأرباب أو السادة.
    وأكبر وأهم وأظهر بيان لنقلة الكواكب الى حيث تعتبرآلهة، هو ما حدث فى بلاد الأغريق ثم فى روما (قبل المسيحية) فقد كان المشترى وهو (Jupiter) يعد كبير الالهة، وكانت الزهره (venus) تعد الهة الحب، وعطارد (mercury ) آله الحساب والحكمة، والمريخ (mars) اله الحرب والقتال، وزحل (Saturn) اله النحوس والحواجز والأحكام الصارمة.
    4- من بين كل النظريات الفزيائية تخيرت الدراسة نظرية "الكمّ المكانيكية " (Quantum Mechanical Theory) لتدلل بها على صلة الجزء بالكل، واوجه المشابهة بينهما.
    ونظرية الكم الميكانيكية من اصعب النظريات استيعاًبا على العاملين فى مجال الفيزيقيا، دارسين أو مدرسين سواء بسواء، لكن الدراسة سوف تشيح عن المفاهيم النظرية الفزيائية، لتتجه الى النتيجة البسيطة التى يُعنى بها المثقف العادى.
    فلقد كان الظن من قبل أن الذرة (Atom ) هى اصغر عناصر الكون المادى }والذرة غير الفتات morsel, crumb الذى قد يعبر عنه باسم الذرة، تعبيرا أدبيا لكنه ليس تعبيرا علميا{. ومن تعاظم الاجهزة المعملية، ودقتها، فانها أصبحت تقدّم مالا يراه الانسان، ولكنه يدركه من الآلة بعقله الذى تجاوز المادة وتعدى قيودها. فلقد انتهت البحوث الى ان الذرة تتحلل الى جزئيات (particles) هى بحسب موقف الناظر اليها، قد تكون موادا وقد تكون اشعة. وهى فى حركتها تتسم بالحرية والذاتية والشعورية والاختيارية، وتتصرف كما لو انها تتجاوب مع كل أكبر من مجالها، ولا تقف عند حدود هذا المجال. ومن لبِنَة الكون الأساسية يمكن استجلاء حقيقة الكون.
    وكما ان العقل الحيوى يتجاوز النطاقات والمجالات المادية ليتصرف مع كل اكبر، وان لم تتحدد له، فان الجزئيات (وهى الصورة الحيوية للمادة) تتصرف على نفس النحو. فكانما الكون كله وحدة واحدة (خلافا لنظرية وحدة الكون أو الاتحاد بين الله والمخلوق، لأن هذه وتلك انما يقومان على أساس مادى، يفاصل بين المخلوق والخالق، فينبني على محض صيغ كلامية) هذا الكون وكل ذات فيه – على ما بدا من الجزئيات - يتمتع أصلا بالذاتية والحرية والشعورية والاختيارية. لكن الفرد فى حقيقته لا يعرف ذلك ولا يفهمه، لأنه يتصور الحرية مطلقة، والذاتية شرودا، والشعورية عدم عقلانية، والاختيارية إما أن تكون مطلقة واما ان تكون معدومة. والحقيقة انه لا توجد حرية او اختيارية مطلقة، لكنها لابد ان تكون محدودة مقيدة، وتتزايد الحدود وتتكاثر القيود كلما كان الشخص محصورا فى عقله المادى، محشورا فى حواسه وحدها.
    وكلما زادت المعرفة المقدسة وكلما تعمق الايمان الواعى كلما ادرك الانسان وضعه فى الكون، وأنه محدد بالمسارات الأخرى مقيد بالاتجاهات الكونية، وانه هو والكون المادى – من جانب- يكون مجرد مواد، لكنه - من جانب آخر- يكون أشعة متدفقة، شأنه والكون شأن باقى الأشعة الكونية.
    5- قال الشاعر ايو العلاء المعرى:
    وتزعم انك جرم صغير * وفيك انطوى العالم الأكبر
    وليس اصدق من هذا المعنى، ولا ادق منه، ولا اصح فى بيانه، من أى وصف آخر عن حقيقة الانسان والكون.
    فالانسان جِرم (جسم كونى) صغير، لكنه يطوى فى ذاته صميم الكون وشرارته المقدسة، والتى هى (بلفظ الفلسفة: بالقوة) تحمل بذار الكون كله ونبات كل ما كان وكل مايكون وكل ما سوف يكون.
    لكن المادة التى قد تقبض على الذات الانسانية وتكبت فيها دفعته الروحية، ثنائًية الطابع ازدواجية الواقع، لها جانبان او مظهران او طبيعتان، تتوزع بينهما حقيقة الانسان: سلباً وايجاباً، ذكراً وانثى، حياةً وموتاً، نوراً وظلاماً. ومن نتائج المعرفة المقدسة أن توطد فى الانسان اتجاها لتوحيد ذاته، وتعضد فيه انتماء الى الواحدية، التى لا يمكن ان يكون ايمان صحيح بغيرها، ولا يستطيع انسان ان يصل الى واحدية الاله مالم يصل الى واحديته هو. والاتجاه التوحيدى للذات الانسانية لابد ان يسير به بوعى واقتدار نحو التوحيد بين العقل والقلب، بين الايجاب والسلب، بين الروح ومظهرها الجثمانى، بين ما هو جوانى وما هو برانى، هذا مع التوازن والتوافق بين قوى الذكورة وقوى الانوثة.
    بهذا تبدأ الانسانية الجديدة، فتتضامم في ذواتها، وتتضامم في أبعاضها، ويتماهى الواحد في الكل، ويتناهي الكل الى الواحد، حيث يكون كل انسان: روحه شرارة الحياة، وكيانه معبد المعرفة، وبذا تقوم الانسانية الجديدة على فهم واعٍ بأن الحياة جمع متكامل، ويكون فيها الكل فى واحد، والواحد فى

    ( all in one and one in all)
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de