|
الذكري السنوية للكاتب الشيخ خليل عبد الكريم ( قريش من القبيلة للدولة المركزية )
|
المقدمات الدينية
تمهيد : اليهودية والمسيحية
انتشرت الديانتان الساميتان الإبراهيميتان التوحيديتان : الموسوية والعيسوية أو اليهودية والنصرانية (المسيحية) في جزيرة العرب قبل ظهور الإسلام على تفاوت بينهما في المدى والرقعة أو المساحة . مع ملاحظة أن أولاهما ليست تبشيرية ولو أن د . محمد حسين هيكل يخالف هذا الرأي ويؤكد أن ( رجال الدين يبذلون الجهود لنشر الدعوة إلى العقيدة التي يؤمنون بها ) ونحن نؤيده في ذلك ولو أن التبشير في ديانة اليهود أخف حدة وأقصر باعاً وأقل نشاطاً وينضم إليه أحمد أمين إذ نراه يقول ( عمل اليهود على نشر ديانتهم جنوبي الجزيرة حتى تهود كثير من قبائل اليمن ومن أشهرها ذو نواس ) وأياً كان الأمر فالذي لا مرية فيه أن هاتين الديانتين التوحيديتين كان لهما وجود وحضور في شبه الجزيرة العربية ( فليس صحيحاً إذن أن الأمة العربية في ذلك العصر - يعني السابق على الرسالة المحمدية - كانت تعيش في عزلة لا تعرف من أمر الأمم المجاورة شيئاً ، فاليهودية والمسيحية لم تنزلا على أهل الجنوب ولا على أهل الشمال من السماء وإنما جاءتا أولئك وهؤلاء من اتصال بالأمم المتحضرة المجاورة ، فعزلة الأمة العربية إذن سخف لا ينبغي أن يقبل أو يطمأن إليه ) .
هذا ما رآه العميد د . طه حسين فهو هنا يشجب الادعاء القائل بأن عرب الجزيرة العربي قبل الإسلام كانوا معزولين عن العالم ويسم هذا الادعاء بالسخف الذي لا يطمئن إليه العقل ومن ثم يتعين رفضه ، ويضيف د . محمد حسين هيكل سبباً آخر لانتشار الديانتين الإبراهيميتين آنذاك في شبه الجزيرة العربي وهو اتصال العرب بما جاورهم من البلاد عند انتقالهم إليهم في القوافل للمتاجرة معهم ( وكان طبيعياً أن يظل العرب الذين يتصلون بنصارى الشام أو بنصارى اليمن في رحلتي الصيف والشتاء الذي ورد ذكرهما في القرآن ) في سورة قريش وقد سجلهما الشعر الجاهلي فهذا الشاعر الجاهلي يمتدح هاشماً جد النبي (ص ) :
عمرو العلا هشم الثريد لقومه سفر الشتاء ورحلة الإيلاف
ويرى العميد د . طه حسين ( أن مرآة الحياة الجاهلية يجب أن تلتمس في القرآن وينصح من يريد أن يدرس الحياة الجاهلية فعليه أن يدرسها في نص لا سبيل إلى الشك في صحته ( ادرسها في القرآن فالقرآن أصدق مرآة للعصر الجاهلي ونص القرآن لا سبيل إلى الشك فيه ) وأن هذه بدهية حين تفكر فيه قليلاً ) إذن رحلتا الصيف والشتاء حقيقة تاريخية قام دليل ثبوتها بموجب نص لا سبيل إلى الريبة فيه ، كذلك ثبتت بالشعر الجاهلي ، ولو أن د. طه حسين يلقي ظلالاً من الشك على صحة هذا الشعر ، ولكن تلك قضية تتعلق بتاريخ الأدب اشتجر الخلاف حولها واحتدم ، وتخرج من نطاق بحثنا .
وينكر العديد من البحثين رد طه حسين الشعر الجاهلي ورفضه إياه وأنه تابع فيي ذلك استاذه مرجليوث وأن ذلك الشعر صور الحياة العقلية والدينية والاجتماعية والاقتصادية بل وحتى السياسية أدق تصوير وأن تعليق الشراح القدامى على ذلك الشعر وتفسيرهم له كان سطحياً وساذجاً وأنهم لو امعنوا النظر فيه لاستبان لهم أنه تضمن دلالات عقائدية ( كشفت عن الميثولوجيا التي كانت لديهم ) وسياسية واقتصادية مخبوءة تحت السطح لا يفك مغاليقها إلا مرن له خبرة ودراية بأحوال ذلك المجتمع بل وأساطيره .
ومن اتصال العرب بتلك البلاد التي كانوا يسافرون مرتين كل عام ، الأولى في الشتاء والأخرى في الصيف عرفوا اليهودية والنصرانية وتوحيد الإله كما أنهم تعرفوا على كتابيهما المقدسين .
وسبب آخر هو انتقال تجار من معتنقي هاتين الديانتين إلى بلاد العرب عامة وإلى مكة خاصة التي كانت ملتقى القوافل ومركزاً للتجارة العالمية وملتقى القوافل ومستقراً لجواسيس الدولتين العظمتين الرومانية والفارسية ، ولا شك أن عرب الجزيرة قد احتكوا بهؤلاء من خلال التعامل معهم وسمعوا عقائدهم التوحيدية وانتقلت إلى كثير منهم ، خاصة وأن الوثنية أو التعددية الإلهية لم تعد تقنع شطراً كبيراً منهم خلا من له مصلحة منهم في بقائها وهم ارستقراطية قريش وصناديدها من الأغنياء والمتمولين الذين كان يهمهم أن تظل مكة عاصمة للوثنية لما يجره عليهم ذلك من مغانم . ويذهب د. محمد حسين هيكل إلى أن النصرانية على وجه الخصوص انتقلت إلى بعض القبائل من ( من يفدون عليهم من نصارى الحبشة ) .
ويرى د. محمد سعيد شكري الأستاذ بكلية التربية بجامعة عدن في بحث له بعنوان ( حركة عبهلة بن كعب العنسي 10/11 هـ ) أن ( القبيلة العربية عامة واليمنية خاصة قد تأثرت بالأفكار الدينية النصرانية واليهودية بل المجوسية بالنسبة لثمامة ، وما نصارى الحيرة سواء من الأزد أو جعفي أو بني الحارث بن كعب في نجران دليل على انتشار الديانة والأفكار النصرانية في القبيلة اليمنية وخاصة القبائل القاطنة على الطرق التجارية الهامة .
ومعلوم أن مكة في مقدمة المدن التي تقع على الطرق التجارية الهامة وأنها من أبرز مدن القوافل في ذلك العهد .
ولما كان لكل من الديانتين التوحيديتين الساميتين الإبراهيميتين في جزيرة العرب وقتذاك تاريخ خاص ووجود متميز وأمكنة فقد رأينا أن نفرد لكل منهما فصلاً مستقلاً
|
|
|
|
|
|