الختان والعباءة ولعنة تكرار البدايات // د رجاء بن سلامة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-15-2024, 12:40 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة صبرى الشريف(Sabri Elshareef)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-24-2006, 00:22 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الختان والعباءة ولعنة تكرار البدايات // د رجاء بن سلامة

    قد يتساءل القارئ عن الرّابط بين ختان البنات والعباءة السّوداء التي تجرّها الكثير من النّساء المسلمات على الأرض، لاسيّما أنّ المناطق التي تلزم فيها المرأة بلبس العباءة غير متطابقة في الغالب مع المناطق التي يُعمد فيها إلى قطع بظر المرأة وتشويه أعضائها الجنسيّة، وإن كانت العباءة السّوداء تكتسح اليوم مع النّقاب كلّ مناطق العالم، وتلبّس جغرافيا العبوديّة المفروضة أو المختارة الخاصّة بالمرأة، وبالجسد الأنثويّ.
    لن أخوض في حلال ولا في حرام، ولا في تحاليل اجتماعيّة-سياسيّة، بل سأذكّر بقصّة منسيّة ولكنّها متكرّرة، وأعتقد أنّها ستظلّ فاعلة في الثّقافة التي ورثناها دون أن نرثها حقّا. لأنّ شرط الإرث أن يكون الوارث حيّا، وأن يكون الموروث ميّتا أو في حكم الموتى، وما دام الموروث حيّا بداخلنا لم ندفنه لنترحّم عليه ونحوّله إلى رمز وذكرى، فإنّنا نتلبّس به ونأخذ بتلابيبه ويأخذ برقابنا.

    القصّة من نوع الأساطير التي تفسّر ظهور البدايات، وهي تفسّر ظهور ختان النّساء والذّيول التي تجرّها المرأة خلفها، كما تجرّ الكثير من المسلمات اليوم عباءاتهنّ. إنّها قصّة هاجر، جدّة العرب المنسيّة، أمّ إسماعيل، وقد كانت جارية لسارّة زوجة إبراهيم، وأنجبت لإبراهيم إسماعيل، قبل أن تنجب له سارّة إسحاق، فغارت منها سارّة وتسبّبت في تطليقها وطردها في الصّحراء صحبة طفلها، والقصّة بعد ذلك معروفة وتذكّر بها إلى حدّ ما شعائر الحجّ والطّواف في مكّة. يقول الطّبريّ في تاريخه : "فغضبت سارة على أم إسماعيل، وغارت عليها، فأخرجتها، ثم إنها دعتها فأدخلتها. ثم غضبت أيضاً فأخرجتها ثم أدخلتها، وحلفت لتقطعن منها بُضعة، فقالت أقطع أنفها، أقطع أذنها فيشينها ذلك، ثم قالت: لا بل أخفضها، فقطعت ذلك منها، فاتخذت هاجر عند ذلك ذيلا تعفى به عن الدم، فلذلك خفضت النساء، واتخذت ذيولاً ثم قالت: لا تساكني في بلد."
    عبارة "فلذلك خفضت النّساء واتّخذت ذيولا" هي التي تسجّل لحظة البدء، ولحظة اللّعنة المتكرّرة، ولا يهمّ أن يكون الواقع التّاريخيّ يشهد بظهور "الذّيول" وختان النّساء قبل هذه القصّة أو بعدها، لأنّ الأسطورة تقول الحقيقة على نحو مغاير للتّاريخ، فهي تعطي مدلولا رمزيّا للمؤسّسات، وهي أقرب إلى منطق اللاّوعي وإلى الحكمة الوحشيّة الغابرة. المدلول الرّمزيّ هو أوّلا مدلول الضّريبة التي دفعتها هاجر من أجل أن تكون أمّا لنبيّ وجدّة لأمّة، وإن كانت جدّة منسيّة منبوذة، لأنّها لم تكن سيّدة شريفة كسارّة جدّة اليهود، بل كانت خادمة طريدة مهجّرة، ولكنّ المدلول الثّاني هو اللّعنة المؤدّية كما في الكثير من الأساطير العالميّة إلى تكرار الشّبيه والعودة على بدء : كلّ النّساء سيلقين نفس المصير : الختان وإسبال الذّيول. هل هو عقاب اعتباطيّ أو عادل إلى حدّ ما للنّساء المتصارعات على شيء من الحظوة والسّلطة؟ هل هو قدر محتوم؟ هل هو المزيد من إخصاء الكائن المخصيّ خلقة والباعث لذلك على القلق؟

    هاجر جدّة العرب الأسطوريّة حكم عليها بأن تُخفض وأن تجرّر ذيولها، مخفية دماء ختانها النّازفة. العباءة المسبلة قبل أن تخفي أشكال الجسد الأنثويّ، تخفي إذن الدّماء، دماء الإخصاء الواقعيّ. وتتكرّر القصّة، قصّة الدّماء النّجسة وجرّ الذّيول، والطّرد، والتّطليق وإنتاج الشّبيه. هذا هو المدلول الأساسيّ للحجاب وللختان : إنّهما ليسا مكرمة، وليسا صيانة للنّساء العفيفات، بل هما ضريبة ولعنة لحقت الجدّة الأولى، لتتكرّر اللّعنة في ما بعد. ما يقولونه اليوم عن الوظيفة الأخلاقيّة للحجاب، وعن كونه يخدم قيم الحشمة وعدم التّبرّج حكمة مشبوهة، مطمئنة ومنافقة تفضحها هذه الأسطورة القابعة في أرشيف النّصوص المغبرّة. وما لا يقولونه عن الختان ويلفّونه بالصّمت، كما تُلفّ الجريمة التي يتعدّد مقترفوها تقوله أسطورة جدّتنا هاجر أيضا.

    أساطير الأصل مليئة في كلّ الثّقافات بألوان العنف والصّراع والغيرة والدّماء النّازفة. سارّة طرف فاعل ومفعول به في لعبة أبويّة أساسها الغيرة بين نساء الباطريارك الواحد والبحث عن إنجاب الولد، ووجود أسياد ومسترقّين، وإمكانيّة طرد الرّجل المرأة وتطليقها. وهذه الأساطير لعبت دورها في بناء ديانات التّوحيد وفي خلق الحياة الرّوحانيّة، وفي خلق عبادة للأب الرّمزيّ، ومن السّخف أن نحاسب رموز الماضي بمنطق عصرنا الحديث. ولكنّ المشكل يكمن أوّلا في أنّنا نسينا هاجر والإخصاء الذي لحق بها، ويكمن ثانيا في أنّ هذا الماضي السّحيق لم يمض لأنّنا لم ننتج ثقافة التّأويل المسؤول التي تجعلنا نتذكّر الأساطير بدل أن نكرّرها ونتماهى مع أطرافها على نحو لاواع.

    وما دمنا لا نقبل بموت ما نرث ومن نرث، ولا نقبل ببقائه من حيث هو رمز وذكرى، فإنّنا لسنا ورثة، بل ضحايا لأشباح من الماضي، ومكرّرون لكلّ أساطير اللّعنة. إنّنا لا نقدر على دفن الموتى لتحويلهم إلى رموز، ولا نقدر تبعا لذلك على قبول الحياة السّويّة والتّسليم بالموت المحتوم الآتي على مهل. الأشباح التي لم تدفن هي التي تجعل الذّات الحيّة لا تقبل الحياة ولا الموت، وتدور بلا هوادة حول بؤرة الأصل التي تنبعث منها صور الأشباح، لكي تقدّم إليها القرابين علّها تكفي شرّها. ولكنّ الأشباح كمصّاصي الدّماء لا تقبل باليسير، بل تقتات من نسغ الجسد الحيّ، وأرى من حولي أحياء تفرغهم أشباح الماضي من الحياة وتبعد بينهم وبين أنفسهم فتجعلهم مغتربين يلجّون في البكاء على كلّ شيء، لأنّهم ممزّقون بين ما يشدّهم إلى بهجة الحياة وما يجعلهم يفوّتونها نزولا عند رغبة الأشباح، وما يمثّل الأشباح من سلطة داخل الذّات نفسها، أي سلطة الشّعور بالإثم. إنّهم يستبدلون المتعة بالحياة بالمتعة بإرضاء الأشباح، ومن هنا الإصرار على المازوشيّة الدّينيّة والأخلاقيّة، لدى من يتّخذون حصار الأجساد ولفّها بالأكفان فلسفة ومشروعا مجتمعيّا، بل وبرامج انتخابيّة.

    قصّة هاجر متواصلة في أنظمة تبيح تعدّد الزّوجات والتّطليق والعبوديّة، ولعنة النّساء متكرّرة في الختان والجلباب والنّقاب والخمار وكلّ ما يخفي الشّعر ليخفي الدّماء الأولى، وهي متكرّرة لدى كلّ من يفضّلون الغرق في دوّامة إنتاج الشّبيه والتّكرار الأبديّ.
    جرّ الذّيول له معنى وله طعم جرّ السّجين لقيوده، وليس من معنى آخر للحجاب سوى جرّ القيود، فهو مذلّة النّساء المتكرّرة. المرأة التي تضيع جسدها في أذيال جلبابها وأحجبتها تتحوّل إلى شبح هلاميّ لا وجه له ولا فرادة، وتخضع إلى منطق إنتاج الشّبيه، فهي تتماهى مع هاجر لتشبه كلّ النّساء، وهي إلى ذلك وعلى نحو لا أستطيع فهمه تتشبّه بأشباح الماضي الملاحقة للأحياء.
    هكذا أرى معنى حجاب النّساء وخصاءهنّ على ضوء أسطورة هاجر التي لا أنكر أنّها جدّتي، أو إحدى جدّاتي، ولن أنساها كما نسيها الآخرون، ولكنّني لا أتذكّرها إلاّ لكي أجتهد في جعل حياتي نسخة غير مطابقة لحياتها وبمنأى عن لعنتها.
                  

11-24-2006, 03:11 AM

abubakr
<aabubakr
تاريخ التسجيل: 04-22-2002
مجموع المشاركات: 16044

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الختان والعباءة ولعنة تكرار البدايات // د رجاء بن سلامة (Re: Sabri Elshareef)

    عزيزي صبري .. سرد لتاريخ لم اعرفه بعد فلك الشكر واستلة تجول في الخاطر ان كانت هاجر هي التي اتت بالخفاض وفي الجزيرة العربية كاول ضحيةافريقية لضرة عربية فلماذا الخفاض اكثره او كله الا قليل لا يذكر هو في افريقيا ونساء العرب من سلاله قحطان وعدنان لم يشوههن خفاض جدتهن هاجر ؟؟؟ ما صلة نساء وسط افريقيا وشرقها وليس فيهن من العروبة شئ بفعلة سارة ؟ هل هو كون ان هاجر من قارتهن ؟ فان كان كذلك فلم لم تتبع افريقيا القديمة في تلك الايام البعيدة ملة ابراهيم وهاجر وما زالت اديان محلية سائدة فيها لليوم ؟؟؟
    لماذا لا نجد الحجاب عند هاتين الافريقيات المختنات ؟؟ولكن غلبة بين من هن من الجزيرة العربية ووشبه الجزيرة الهندية هن غير مختونات ؟


    ولك مودتي

    ابوبكر

    (عدل بواسطة abubakr on 11-24-2006, 03:12 AM)

                  

11-24-2006, 03:34 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الختان والعباءة ولعنة تكرار البدايات // د رجاء بن سلامة (Re: Sabri Elshareef)

    شكرا ابوبطر وتساؤل موضوعي وانا ايضا ابحث معك عن تساؤلك

    حتما سنجد اجابة لكن هذا تسليط لماضي اري علي نفسي لاول مرة اعرف هذه الاضاءة


    شكرا لك وشكرا للمرور ولي رجعه لمعرفة الاجابة سويا
                  

11-25-2006, 07:17 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الختان والعباءة ولعنة تكرار البدايات // د رجاء بن سلامة (Re: Sabri Elshareef)

    الختان والحجاب(1)


    د رجاء بن سلامة



    قبل أن أعود إلى توضيح العلاقة بين ختان البنات وحجاب النّساء، لما يتّسم به الموضوع من دقّة وغموض، سأعلّق على بعض آليّات الدّفاع التي يحتمي بها بعضهم أو يشهرونها كلّما تعلّق الأمر بهاتين الظّاهرتين، وهي آليّات تنبني في كثير من الأحيان على إنكار الواقع، أو على المبادرة إلى اتّهام الآخرين لتجنّب مساءلة الذّات، أو على تداخل المرجعيّات وعدم وضوحها :

    1-قد تريد لخطابك أن يكون إنسانيّا كونيّا، وتحاول أن تتحدّث عن الأشكال المستمرّة والجديدة لاستعباد المرأة والإنسان في كلّ مكان من العالم، وخاصّة في البلدان العربيّة، فيحصرونك في المحلّيّة ويخرجون خطاب النّعرات الوطنيّة، ويقولون : وماذا عن تونس، وعن شواطئ العري في تونس؟ ويعتبر كلّ بلاده "أمّ الدّنيا"، ويدافع كلّ عن قبيلته وعرض قبيلته. وقد يقول لك أهل بلادك أيضا : لماذا تتحدّثين عن ختان البنات وهو لا يوجد عندنا؟ وكأنّ الفكر والالتزام يخضعان إلى نظام التّأشيرات وجوازات السّفر وأماكن الولادة.
    في هذه الرّدود شيء من ضيق الأفق، وعدم القدرة على الالتزام بقضيّة الإنسان عامّة سواء كان امرأة أو رجلا، وعدم القدرة على تجاوز الشّوفينيّة والنّرجسيّات الجماعيّة في عصر فلسفة حقوق الإنسان، وعصر تضامن المجتمعات المدنيّة من أجل دعم حقوق الإنسان في كلّ مكان.
    فليترك كلّ منّا شيطان عصبيّته في جيبه، إذا أردنا أن نتحاور ونتجادل دون مصادرة للنّوايا ودون أفكار مسبقة عن المجتمعات.

    2-إذا تحدّثت عن جريمة ختان البنات المتواصلة إلى اليوم بدون تدخّل ناجع للدّول لحماية الأطفال الإناث أخرج لك بعضهم فزّاعة التّمويل الأجنبيّ، وذكر بعض المشاريع المناهضة للختان وذات التّمويل الأجنبيّ، وكأنّ مسألة التّمويل أهمّ من تشويه الأجساد وقصف الأعمار، أو كأنّ هذا التّشويه أمر لا يوجد إلاّ في فلم أو في رواية، ولا تفوق نسبته 90 بالمائة في بعض البلدان العربيّة، ولا يؤدّي إلى حالات موت، ولا يؤدّي إلى معاناة دائمة لدى النّساء المختونات، وإن كانت هذه المعاناة صامتة لأنّها تتّصل بالجنس وبالمتعة في مجتمعات حريصة على تأمين المتعة للرّجال أوّلا وقبل كلّ شيء.
    فخطاب المحافظة على الثّوابت حريص على عدم "تشويه صورة المسلمين" لدى الغرب، وكأنّ تحسين الصّورة أهمّ من تحسين الواقع البائس، وكأنّ الغرب عين جبّارة وكتلة واحدة ليس لها من همّ سوى الشّماتة في العرب والمسلمين.

    3-إذا تحدّثت عن ختان البنات في كتب التّراث الإسلاميّ، أنكر البعض ذلك وتصايحوا قائلين إنّه عادة فرعونيّة.
    ختان البنات ليس عادة فرعونيّة وكفى، وإلاّ ما كان متواصلا إلى اليوم. إنّ من أسباب عدم اضمحلاله إلى اليوم وجود خطاب إسلاميّ يبرّره، متمثّل في الأحاديث النّبويّة التي تحضّ عليه، وفي الفتاوى القديمة والمعاصرة ذاتها. فالختان قد يكون عادة ذات أصل فرعونيّ، منتشرة في وادي النّيل، وهو فعلا غير مذكور في القرآن، ولكنّه في بعض البلدان تمّ ويتمّ باسم الإسلام. ألم يُـفْت شيخ من شيوخ مؤسّسة دينيّة معروفة بأنّ "الختان" واجب لا يجوز لأي بشر أن يمنعه، وأن رأي الأطباء في هذه المسألة لا يعتمد عليه أو يؤخذ به، لأن الطب علم والعلم متطور، وأن من يمنع الختان كمن يمنع الأذان ويحق للوالي محاربته»؟ ألم يفت الشّعراوي بوجوبه؟ هل هؤلاء يمثّلون الفراعنة ودين الفراعة؟ ما عدد المفتين بعدم جوازه اليوم ومن ينصت إليهم، وهل اتّخذت الهيئات الإسلاميّة المعنيّة بالدّفاع عن المسلمين موقفا واضحا منه؟

    4-إذا تحدّثت عن الأسطورة فقد يواجهونك بالتّاريخ، لينكروا وجود الأسطورة.
    إذا ذكرت أسطورة تطليق هاجر وطردها، قالوا لك إنّ هذه من الإسرائيليّات المدسوسة التي لم تثبت تاريخيّا، وفاتهم أنّ الأسطورة لا تخضع إلى نظام الإثبات التّاريخيّ، بل تخضع إلى ما يسمّى في العلوم الإنسانيّة الحديثة بـ"النّجاعة الرّمزيّة". لا شيء يثبت تاريخيّا الأساطير القديمة، ولكنّها كانت محلّ اعتقاد لدى الجميع أو لدى الأغلبيّة، ولذلك فقد كانت مؤثّرة ولا تزال. افتحوا كتب السّيرة النّبويّة وكتب التّفسير وكتب التّاريخ الإسلاميّ وكتب الأدب، قبل أن تبادر المؤسّسة الدّينيّة المشار إليها آنفا إلى "تطهيرها" اليائس ممّا تعدّه إسرائيليّات، فستجدون حديثا عن قصّة هاجر وغيرة سارّة منها وخروجها إلى الصّحراء صحبة طفلها إسماعيل. قد تكون هذه الأقاصيص من الإسرائيليّات، ولكن ألم يذكر القرآن نفسه قصّة سارّة وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق؟ ما الفاصل من وجهة النّظر هذه بين ما هو إسرائيليّات، وما هو توراتيّ وما هو قرآنيّ وما هو جهاز تأويليّ أحيط به طيلة عهود طويلة؟ المهمّ بالنّسبة إلينا، وبقطع النّظر عن التّحقيق الفيلولوجيّ والتّاريخيّ، وبقطع النّظر عن اختلاف الرّوايات، هو أنّ هذه الأساطير التّأسيسيّة آمن بها المسلمون القدامى، في حين كبتها المسلمون المحدثون ولا يريدون أن يعرفوا عنها شيئا. وفزعهم وارتعاشهم عند ذكرها، وهجومهم الشّرس على من يذكرها ليس إلاّ علامة من علامات عنف المكبوت عندما يثار فلا يقابل بالتّذكّر المحمود المخلّص بل يقابل بالإنكار والجحود.

    5-عندما تقدّم حججا على ارتباط حجاب النّساء بالنّظام الباطرياركيّ القائم على تبادل النّساء، وعلى مراقبة أجسادهنّ وتحرّكاتهنّ في الفضاء العموميّ، فهناك من يخرج لك حجّة ذات طبيعة ديموقراطيّة حديثة هي حرّيّة اللّباس، ولكنّهم قد يخرجون لك في الأثناء أو في أماكن أخرى حجّة مختلفة ذات طبيعة دينيّة، قائلين إنّ الحجاب فريضة وركن من أركان الإسلام.
    وما أراه هو أنّ على مناصري الحجاب أن يختاروا بين الأمرين. فإمّا أن يكون الحجاب لباسا، مجرّد لباس، أو أن يكون فريضة. إمّا أن يخضع إلى منطق الحرّيّات الفرديّة الحديثة، وإمّا أن يخضع إلى منطق دينيّ. أمّا إذا كان الحجاب لباسا، فإنّ شأنه شأن اللّباس الخليع للنّساء والسّروال القصير للرّجال والجينز، ويمكن لأيّ دولة أن تمنعه في مؤسّساتها التّعليميّة والعموميّة، من باب الحرص على حياد الإدارة وهيبتها، أو من باب اشتراط المؤسّسات لبعض المعايير لدى مستخدميها كفرض ربطة العنق، أو فرض لباس الحفلات في بعض الملاهي، أو فرض لباس معيّن للتّلاميذ. وليكفّ أنصار الحجاب آنذاك عن لعب دور الضّحيّة، وليكتفوا بالدّفاع عن حقّ ارتداء الحجاب خارج مؤسّسات الدّولة وخارج المؤسّسات التي لا تريده.
    أمّا إذا كان الحجاب فريضة وركنا من أركان الإسلام، فهذه الحجّة تستوجب تكفير غير المحجّبات وغير القائلين بأنّ الحجاب فريضة، وهم كثيرون، ومنهم متفقّهون في الدّين ومصلحون دينيّون. فهل يتحمّل دعاة الحجاب-الفريضة عبء تكفيرهم لغير المحجّبات ولمن يقول بأنّ الحجاب ليس فريضة؟ ما حكم مبطلي الفرائض في الدّولة الإسلاميّة التي يعدون بها؟ كيف يمكن للفريضة أن تكون لباسا وشارة، وللرّكن أن يكون خاصّا بفئة من المسلمين؟ وإذا كانوا ينعتون أنفسهم بالدّيمقراطيّة، فهل يحقّ لهم التّهجّم على من لا يقول بأنّه ليس فريضة، وأن يتملّصوا من التّعدّديّة التي هي جوهر الدّيمقراطيّة؟ أليس من باب النّزاهة أن يتنصّلوا من الدّيمقراطيّة التي يدّعونها وأن يكشفوا لنا بوضوح طبيعة مشروعهم المجتمعيّ؟ أليس الدّفاع السّياسيّ عن الحجاب حجبا للقضايا السّياسيّة التي لا يجرؤ على طرقها حماة الإسلام هؤلاء؟ ألا يتّجر هؤلاء بأجساد النّساء على نحو خاصّ ليبنوا أمجادهم السّياسيّة وسط خصومات عجيبة تغيب فيها أحيانا القواعد الدّنيا لحرّيّة الفكر والتّعبير؟
    لست من أنصار الحجاب لأسباب بيّنتها منذ سنين وسأعود إلى بيانها في علاقتها بالختان، ولكنّني، وهذا من باب التّوضيح أيضا، لست من أنصار انتزاع حجاب النّساء بالقوّة في الشّوارع، وأكتب أوّلا للنّساء عسى أن ينتزعن حجابهنّ بأنفسهنّ، بشوقهنّ التّلقائيّ إلى الحرّيّة لا بحدّ عصا الشّرطي.




    http://www.elaph.com/ElaphWeb/ElaphWriter/2006/11/193264.htm
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de