دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
(أهل العلم والإيمان) بئس التجارة تجارتكم / د. سيد القمني
|
ماذا يريد هذا الشيخ من أحاديثه عن معجزة الهدهد السليماني وفضل يوم الجمعة عن بقية الأيام ؟
عندما تهتم صحيفة كبرى أن تكتب بلون مميز في صدر خبر مهم لديها كلمة "خاص" ، فإنها تعلن للقارئ حصولها على كسب وسبق صحفي كبير يستحق التنبيه له وبخصوصيته لتلك الصحيفة التي تمكنت من الحصول عليه ، وهو ما فعلته كبرى صحفنا عندما أوضحت أن موضوعها "خاص" بها وليس لأحد آخر ولا لصحيفة أخرى ، وبعدها كتبت بالبنط العريض عناوين طويلة وأكثر عرضا تعلن للعالم أن :
المفكر الإسلامي الكبير رئيس لجنة الإعجاز العلمي بالقرآن يطلعنا على ما لا نعلمه. رمضان شهد نزول صحف إبراهيم وتوارة موسى وإنجيل عيسة وزابور داود وقرآن محمد . هذه نماذج فقط من عناوين الكشف الكبير في التصريح الخاص للصحيفة الكبرى وليس كل النماذج ، أما "المفكر الإسلامي الكبير رئيس لجنة الإعجاز العلمي بالقرآن بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية" الذي سيطلعنا على ما لم نكن نعلم فهو سيادة الدكتور الجيولوجي صاحب الفضيلة الداعية النجم الشيخ "زغلول النجار" ، وإليك قارئي ما قال فضيلة رئيس هذا الشيء الكبير ذي الاسم الطويل .
يقول فضيلته لا فض فوه وقل كارهوه : إن الله ذكر شهر رمضان قد نزلت جميع الكتب السماوية ، وأما مصدر ذلك فليس بحثا وراء الآثار في أماكنها وتدقيقها بما يليق بعالم باحث ، ولا كشفا جديدا لمخطوط قديم كنا نجهله ، ولا نقوش على حجر هنا أو هناك ، ولا أية وثيقة تاريخية تشهد بهذا الكشف التاريخي الكبير ، ولا حتى بمدونات في هذه الكتب السماوي نفسها وهي موجودة بين أيدينا بشكلها الحالي من زمن يسبق الرسالة الإسلامية ، ولا تعرف بالمرة شهرا اسمه رمضان ، ولا أي شهر عربي آخر ، أن هذه الكتب عندما ظهرت وانتشرت وآمن بها الناس لم يكن هناك أمة أو سعب اسمه العرب قد ظهر بعد على صفحة التاريخ إلا في الفترة الواقعة بين انتهاء التوراة وبداية الإنجيل ، كما لم نعرف أن القبائل الشراذم البدائية التي كانت تعيش في جزيرة العرب قد استشعروا أنهم شعب واحد إلا عندما جمعهم الإسلام على دين واحد . كذلك لم نعرف لغة العرب إلا من تدوين تال يذكر لنا معلقاتهم السبع . والمعلوم علميا أن أقدم نص مكتوب يمكن نسبته إلى العرب كان مكتوبا بالنبطية لأن العربية لم تكن قد ظهرت بعد ككتابة ، وهو نص امرئ القيس المدون على شاهد قبره "هذا قبر امرئ القيس بن عمرو ملك العرب الذي حاز التاج وتوفي في 223 م" .
هذا ما يعرفه المثقف العادي عبر تداوله لمنجز علم الآثار والتاريخ ، وهو الأمر الذي لم يشغل الشيخ زغلول مرة منذ بدأ الكتابة وحتى اليوم ، ولم يقم مرة بالتوفيق بين منجز العلم في التاريخ وبين المفاهيم الدينية ، أو التلفيق لا فرق ، كعادته في البحث في العلم عما يلتقي مع نصوص الدين .
لأنه لا يعتبر التاريخ علما له وزنه ورواده وعلماؤه وأنه يجب أن يؤخذ من مصادره العلمية ، لأن أي تاريخ عنده يؤخذ مما جاء في كتب التاريخ الإسلامية دون مناقشة ، رغم أن فضيلته متخصص في تاريخ الأرض الحجري ، ويعلم أن لهذا الحجر تاريخا وعلما عظيم الشأن ، لكنه لا يعطي للإنسان الحق الذي أعطاه للحجر ، لأن التاريخ عنده هو التاريخ المقدس وحده ، لذلك هو يأخذ التاريخ من الطبراني إذ يقول : "أنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من شهر رمضان ، وأنزلت التوراة لست مصت من رمضان ، وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة مضت من رمضان ، وأنزل الزبور لثماني عشرة خلت من رمضان ، وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان" . هذا رغم أن رمضان لم يكن قد اخترع بعد ، لأن أصحابه لم يكونوا قد وجدوا بعد كشعب وكقومية لها لغة واحدة وكتابة واحدة .
هذا هو الخبر الأول وفيه هذا الأمر المهول الذي أكدت له الصحيفة وأرفدت تحت كلمة "خاص" ! وإذا مان هذا هو الكلام الذي استحق التبيين والتأكيد وأهمية أن يكون خبرا خاصا في أكبر صحيفة في بلدنا ، فيا ترى كيف يفكر صحفيو هذه الصحيفة وأهلها ؟! إلا يفسر لنا ذلك سر الجهالة المعممة في بلادنا ؟!
إن تلك الروايات التي تفتئت على علم كبير كعلم التاريخ بفروعه العظمى ، هي قصص من ألوان الروايات المصطباوية في ليالي الأنس البدوية ، رووا فيها من الخيال والطرائف ما رأوه من جانبهم في صالح المسلمين ، لنأخذه نحن اليوم كمسلمات تكتسي ثوب العلمية لأن الحكواتي هذه المرة رجل دكتور جيولوجي ، رغم أنها تميز روايات شهر زاد لملكها الناعس شهريار في استعصائها على أي عقل صاح ، ويزيدون في التقديس فيقدسون لغتهم العربية التي لم تتكون كلغة ذات قوام واضح له قواعده وأصوله وفنونه إلا في الزمن الإمبراطوري الإسلامي ، ويجعلونها لغة الأزل وبها حدث آدم به وزوجته حواء وبها سيكون الحساب يوم الساعة وبها يجب أن يتسمى كل الناس في أي مكان وفي أي تاريخ فتصبح أسماء الفراعنة سلهوق بن عمران والريان بن الوليد ، وأي حاجة في أي حاجة ، فلا مشكلات مع قوم وثنيين ذهبوا وبادوا كما يعتقد زغلول وكل الزغاليل !
ولا تفهم هل يكتب زغلول وجماعته حسب المناسبة ما يلزمها من مواد محسنة للطعم ، وتسلية للصائم بالهيام في مزيد من تأكيد منهج اللا علم حتى لا يكون لنا علم إلا من تراثنا؟!
وهل تطلب تلك الروايات في الشهر الكريم لتثبيت أفئدة المسلمين حيال شهرهم الفضيل أم هي من باب التسالي الرمضانية كالياميش والفوازير ؟! أم هي منح الرسالات السابقة الكرامة بإنزالها جميعا في شهر لم يكن معلوما بعد ؟! وهل مع كل افتراض حسن النوايا ، هل نحن بحاجة إلى مثل هذا الخطاب في زمن أصبح له في درس التاريخ كعلم فنون رفيعة في درس اللغات القديمة وفي الأنثروبولوجيا والأركيولوجيا والميثولوجيا ، وفي دلالات العلاقات والغوص بكشاف العقل والعين والأذن لدرجة اللمس في حضارات الدنيا القديمة ، هل نحن وفي حالنا المتدني بين الأمم بحاجة بعد إلى خطاب العلم والإيمان أم نحن بحاجة إلى خطاب يكرس العلم ومنهجه في حياتنا ويحترم العقل والعلماء من أجل قراءة واضحة علمية لتاريخنا وتاريخ الدنيا حتى نستطيع أن نتكلم لغة الإنسان الآن ، لا لغة إنسان منقرض وانقرضت معه ثقافته البدائية ومناهجه الإبتدائية ، لاشك أننا بحاجة إلى الخطاب الثاني كي نكرم أنفسنا بدلا من شهورنا ، فالإنسان لاشك هو الأكرم والأجدر بالتكريم .
من شهورنا المقدسة إلى أيامنا المقدسة ينتقل صاحب الفضيلة مؤكدا لنا "إن يوم الجمعة كان مفروضا على الأمم من قبلنا .. وهدانا الله تعالى إليه ، فأصبح الناس لنا فيه تبعا واليهود غدا والناصرى بعد غد ، ومعنى ذلك أن اليهود أصبحوا يعظمون يوم السبت وأصبح النصارى يعظمون يوم الأحد وانصرفوا عن يوم الجمعة".
أولا لابد أن نلاحظ هنا ملحوظتين سريعتين ، الأولى تعريضه بأهلنا وشركاء وطننا وتاريخنا ومستقبلنا من مسيحي مصر الذين انصرفوا عن حق الجمعة إلى باطل الأحد ، وأيضا لابد أن نلحظ أنهم واليهود سيعظمون الجمعة ، سيعظمونها ،يوم يسود الإسلام الأرض بعد أن نحتلها إن شاء الله !
ثم يأتي فضيلته بالحديث ، وما أكثر الحديث عند الحاجة حتى لو تنافضت الحاجات ، ليقول : "سيد الأيام يوم الجمعة ، وأعظمها عند الله تعالى ، وهو أعظم عند الله تعالى من يوم الفطر وعيد الأضحى . وفيه خمس خلال : خلق الله عز وجل فيه آدم عليه السلام ، وأهبط الله تعالى فيه آدم إلى الأرض ، وفيه توفي الله تعالى آدم ، وفيه ساعة لا يسأل العبد فيها شيئا إلا أجابه الله تعالى إياه ما لم يسأل حراما ، وفيه تقوم الساعة".
والحديث المذكور من أحاديث الآحاد المعومة ، كما أنه يخالف أحداث التاريخ مخالفة تامة ، فلم يتم استخدام اسم الجمعة كعلم ليوم من أيام الأسبوع إلا في الزمن النبوي ، وقبل ذلك كانت العرب تسميه يوم العروبة ، وكان على المستوى الديني يوم الاحتفاء بكل ما هو وثني ، وأبعد زمان يمكن افتراضه "لعدم وجود وثائق تاريخية" ليوم العروبة هو زمن قصي بن كلاب.
ولا تعلم ما الذي سيستفيده المسلم الصائم التقي المقهور الذي يعيش هزيمة حضارية ماحقة من هذا العلم بشأن يوم الجمعة ؟! أو ما الذي سيحققه من تحرك في واقعة الآسن من معرفة إن كان آدم قد نزل يوم الجمعة أو يوم الخميس ؟! وإن كان قد خلق يوم الأربعاء أو يوم الثلاثاء؟! أم هي فقط نكاية لغير المسلمين بكلام لا يؤمن به إلا بعض المسلمين لتشريف أيامهم وشهورهم على حساب التاريخ كله ؟! وهل هكذا نكون قد تفوقنا على غيرنا وتميزنا بيومنا الأسبوعي وبشهرنا السنوي ؟! وبما أن هذا الحديث كان موجودا طوال العصور الماضية ونحن نسير من هزيمة إلى أخرى ومن تخلف إلى مزيد ،ومع وجود رجال الدين في بلادنا بعدد كما الليمون والحمد لله ، فلماذا لم يبحثوا لنا بعلمهم الذي يستحقون بسببه لقب "العلماء" عن تلك الساعة مقبولة الدعاء في يوم الجمعة ، لتدعوا فيها الأمة كلها للدعاء دعوة رجل واحد فيسقط أعداؤنا وتزول أمريكا من على الخريطة ويستأسر اليهود لنمارس عليهم كل ألوان الذبح الجميل فتحل مشاكلنا النفسية ونعيش سعادة النصر ؟!
أم هي لعبة فوازير رمضانية نظل ندعو حتى يسقط الدعاء في وعاء الساعة المطلوبة إن تمكنا من الدعاء عندما تفتح فجأة ، وأنت وحظك ؟! وهل يمكن عندها الاستعانة بصديق شيعي مثلا أم لا يجوز ؟! وهل هذا الحديث يحدثنا به رجل يزعم أنه تلقى العلم بمناهجه من زمن هو الأسود منذ أن أصبحت حياتنا هي : أنت وحظك ، حتى غادرتنا الأمم إلى بعد قصي ساحق يصبح معه مثل هذا الحديث جريمة تصرف الناس عن مشاكلهم الحقيقية ، وعن السعي لحلها بطرق علمية، وتضليل مقصود لمكاسب مادية رخيصة على حساب عقول المسلمين ، تضليل لهذه العقول في متاهات من الطرق الأسطورية لا تؤدي في النهاية إلا لمزيد من تفاقم المشاكل لإنصراف العقل إلى الماضي الذي مضى عن حاضره المزري ومستقبله غير المرئي .
ومن ثم تتتالى التساؤلات على سادتنا أهل العلم والإيمان تلح تطلب منهم الإجابة لأن لزوم الصمت آفة المذنب ، هل تقصدون سادتي إقناعنا بدين نؤمن به عن طريق علم لا نؤمن به أنتجه عقل قاصر كما تؤكدون ؟! أم أنكم تشكون في ديننا لا سمح الله فتبحثون للإيمان عن مبررات رغم أن الإيمان لا يحتاج تبريرا!؟ أم أنكم تقصدون إقناع العلماء بترك علومهم ومختبراتهم لنعود جميعا إليكم كمصدر للمعرفة اليقينية ؟ أم تراكم تريدون إقناع العلماء بالكف عن البحث والتجريب والاكتشاف والاختراع ليتجه العالم الغافل كله نحوكم يسألونكم النظريات العلمية الجديدة حتى يتأكد العالم أنه يطلب العلم من أهله ومن مصادره من شيوخنا الأجلاء ؟ أم أن المقصود مصلا بحكاية الجمعة ورمضان تسجيل جون في غير المسلمين ؟! لنقول لهم بكل فخر بالجمعة وبرمضان عليكم واحد ؟! أم يا هل ترى المراد أن يتوب كل من في الغرب الكافر من عباد عن المنهج العلمي والبحث الكشفي الذي أدى إلى انهيارهم الأخلاقي وعارهم وعريهم ليلحقوا بالمسلمين أخلاقا ومجدا وتقدما ؟!
وهل بالإمكان أن تتطوعوا فورا لاستلام راية البحث والتجريب والابتكار والاختراع من الكفرة والمشركين لتعلو راية الإسلام خفاقة بفضلكم الذي سنعرفه لكم ونقدره ، ونجعلكم قادة لنا دون تقية وصندوق اقتراع قد يأتي بكم أو لا يأتي ودون دم وذبح وانقلابات همجية ، إن كنتم كما تزعمون سادتي ففي يدكم خلاصنا وتقدم أمتنا ولكم زعامة مطلقة ولكم علينا الفضل الأبدي .
لكن الأمر بالطبع ليس كذلك ، فهم يملكون مساحات التلفزة والصحفجة ومقررات المدرسة وأسماء لوامع ومريدين كالحواريين تبعا ، ومع ذلك لم يتقدم أحدهم بكشف أو اختراع جديد واحد نرقص حوله بالدفوف في كرنفال إسلامي عالمي لنغيظ به العالم ولو مرة ؟ .. ولو مرة .. أيتها السنين الغبرة المرة .
نحن نعلم أن الأمر ليس كذلك لأنه لو كان كذلك فقد كان امامهم التاريخ ألف عام متصلة يركبون علينا ويخطفون اللقيمات من أفواه عيالنا لتتراكم عندهم قصور وجنات نعيم ، فهل كانوا عبر هذا التاريخ يجهلون ما بأيديهم من علوم حتى نبههم إليها أهل الصليب والخنزير وإخوان القردة كما يحبون أن نستخدم هذه المفردات ؟ أم كانوا يعلمون لكنهم كانوا كسالى لا يشغلهم وطنهم ولا أهلهم ولا ما وصلت إليه أحوالنا من ترد فاستطابوا النوم عبر عصور الغم والكرب العظيم ؟
أم انهم كانوا صما بكما وعميا فهم لا يفقهون ؟
مع كل هذه الأسئلة وكل ما يمكنك أن تبني عليها من استنتاج أيها القارئ ، فإنك ستجد مع كل إجابة أن أهل (العلم والإيمان) ليسوا أهلا لا للعلم ولا للإيمان ، وليسوا أهلا لأي تقدم بما يقدمونه لشبابنا من مخدرات تمنع العقل عن العمل ومثبطات تمنع الجلد على المشقة والجهد على تحصيل المعرفة ، ومقوقات تقنعهم وهما بأن كل العلم في أيديهم فتعوقهم عن طلب المعرفة خارجه .
هؤلاء السادة ليسوا أهلا للاستماع إليهم بعد أن ظلوا صامتين كشواهد القبور عبر القرون حتى اكتشف له العلماء في الغرب (سبوبة) للكسب غير المشروع على حساب عقل الوطن ومستقبله . حتى في ميدان صناعة الأساطير المبهرة تفوق علينا الكفرة بعلمهم وصنعوا إبهارات هوليوود السينمية التي تبهر أساتذة الأساطير الدينية في بلادنا .
سادتي (أهل العلم والإيمان) : في بلاد العلم والحريات يعلمون ببساطة البداهة أن العلم هو إنتاج الإنسان وعقل الإنسان وحواس الإنسان من أجل سعادة الإنسان ورفاهيته ورفع كل ألوان المعاناة عنه ، لأن العلماء من بني الإنسان يعلمون حاجات الإنسان وآلامه وكيف يسعد . كما يعلمون كم عانى بنو الإنسان عبر تاريخهم من ألوان الأمراض الفتاكة التي كانت تحصد الناس حصدا ، كما كان زمن الطاعون والكوليرا والجدري والسل الرئوي والدفتريا والتيفوئيد والزهري والسيلان . ولم يتمكن رجال الدين لا بالدعاء ولا بالصلاة صادقة أم كاذبة من رفع المعاناة عن الناس ، حتى قرر الناس هناك أن يرفعول يد رحال الدين عن حياتهم حتى ألجأوهم معابدهم ليبدأ العلم رحلته العظيمة من أجل الإنسانية ، بحثا وتنقيبا وشقاء ومعاناة بين عدوى المرض في الغابات وتحت المحيط في فدائية هي الأرقى بين كل ألوان الفدائية ، لأنها فدائية من أجل الحياة لا من أجل الموت ، حتى أمكن القضاء على كل هذه الأمراض الفتاكة في بضع سنين من عمر البشرية الطويل الذي خدم فيه رجال الدين أنفسهم بالقرابين والعشور والنذور والجباية من كل لون دون أن يقدموا للبشرية مصلا واقيا ولا علاجا شافيا .
وربما لا يدري أهل الدين عندما يردون العلم بمعجظات الأنبياء كسبق إلهي يثبت تفوق الله على الإنسان بالمعجزات ، ربما لا يعلمون أن العلم ليس فيه معجزات . بل هو يرفض الإيمان بالمعجزات ، لأنه كد وشقاء وعنت وجهد دءوب وبذل للنفس الرخيصة ، وراء العلم من أجل بني الإنسان ، ولولا جهودهم تلك ما صحت لنا أبدان ولا طالت لنا أعمار ، ونحن كسالى قعود في حالة كساح طال أمده .
وأحيانا لا تفهم ماذا يريد الشيخ زغلول ومن لف لفه فيما يحدثنا به عن معجزة الهدهد السليماني الذي كان يفهم في السياسية كما يفهم في أصول العبادات ، وكيف فهم سليمان تلك اللغة قبل أن يحاول العلم فهم تفاهم الطيور مع بعضها . ومعجزة النملة (اسمها في قصص الأنبياء للثعلبي جرسا وكانت بحجم الذئب) وشعبها من النمل ، وعلاقة هذا الشعب النملي بالشعب الإسرائيلي زمن سليمان ، وكيف شهد زمن سليمان اكتشاف سرعة الضوء عندما احضر الذي عنده علم الكتاب عرش بلقيس قبل أن يرتد لسليمان طرفه ، ومعجزات المسيح الطبية في العلاج التي سبقت العلم الذي لم يصل حتى الآن إلى إحياء الموتى مثله .
يبدو أن سيدي الشيخ زغلول ورفاقه لا يلتفتون إلى أن كل معجزات الأنبياء السابقين لم تخدم البشرية في شيء فالريح التي سخرها الله لحمل بساط الريح السليماني لم تخدم البشرية في شيء ، وجن سليمان بكل حشدهم لم يقوموا بإنتاج مصل مضاد لأي مرض ، ولم يطوروا إنتاج النبات والحيوان لإطعام المزيد من الأفواه الجائعة كما فعل العلم ، ولم يقيموا مصنعا للطائرات في وجود بساط الريح ، بل إنهم لم يقيموا لسليمان نفسه صروحا شاهدة كما لرمسيس وخوفو وأمنحتب ، ولم يقم المسيح بتعليم تلاميذه كيفية شفاء المرضى حتى يتم تعميمها للحد من آلام البشر توفيرا لوقت طويل استغرق ألفي سنة بعده .
إن هذه المعجزات لا يجب مقابلتها بإنجاز العلم لأنها كانت معجزات خاصة لإثبات صدق النبوات وانتهت بنهاية أصحابها ، لأنها كانت معجزات (استعمال مرة واحدة) .
أما العلم فلم يصنع معجزات لأن كل ما فيه يقبله العقل ويفهمه كما أنه يسمح بمشاركة أي عقل ويفهمه كما أنه يسمح بمشاركة أي عقل يمكنه أن يصلح أو يضيف ، ولا يحتاج إلى معجزات لإثبات صدقه ، لأنه يشك في هذا الصدق كل يوم فينقد نفسه ويصلح شأنه ويحذف ويضيف فيتقدم : لذلك هو علم .
سادتي أصحاب الفضيلة المفترون على العلم ، سادتي دكاترة العلم الذين تركوا علومهم ليفتئتوا على ديننا ، إن الحياة إنما هي نفحة ونفخة من روح الله ، فمن استطاع المحافظة عليها وصيانتها استحق منا التبجيل والتقديس ، أما من ركب أكتافنا يأكل آذاننا بمواعظ وفتاوى أكلت الأخضر واليابس ولم تزل تفح فينا نيرانها ، فليرحل عن دماغنا لأن زمانه قد مضى ، ولأن أحدهم لم يتقدم مرة واحدة بما يصون صنعة الله في أرضه حتى تقدم العلماء الفدائيون من أجل الإنسانية للصارع من أجل المحافظة على نسمة الله في الأرض ، وهم العلماء وهم العقول ، وهم الفعل ، الذي تقول بشأنه كتب التعليم الدينية "إن علماء الحضارة المعاصرة وإن كانوا أهل خبرة في المخترعات والصناعات ، فهم جهال لا يستحبون أن يوصفوا بالعلم ، لأن علمهم لم يتجاوز ظاهر الحياة الدنيا إنما يطلق لفظ عالم على أهل معرفة الله وخشيته / منهج التوحيد 3 ث ص 77 / السعودية" .
سادتي (أهل العلم والإيمان) بئس التجارة تجارتكم فهي تجارة بعقل الأمة ممثلا في شبابها الذين هم مستقبلها ، كفاكم ما جنيتكم من بلهنية النعيم .. فارحلوا سادتي عنا
|
|
|
|
|
|
|
|
|