من الهند جاءت الفكرة إلى السودان ، وبعد سنوات أثارت الكثير من الجدل فصرفت اهتمام آلاف الأسر السودانية ، من سكان العاصمة الخرطوم وإقليم دارفور ، عما يدور بالساحة السياسية المشغولة بالصراع بين شمال وجنوب البلاد وبالشد والجذب مع الأمم المتحدة والدول الكبرى حول مابت يعرف بالأزمة السياسية المتفاقمة في دارفور.
الركشة: مشكلة جديدة في الخرطوم ودارفور
في منتصف التسعينيات من القرن الماضي ، زار وفد سوداني الهند فأعجب بعربة أكثر تطورا من الدراجة البخارية وأقل رفاهية من السيارة العادية ، كوسيلة مواصلات سريعة لاتعترضها معوقات المرور. وفي عام 1997 بدأت شركات سودانية خاصة تستورد هذه العربة المعروفة باسم " الركشة".
وبخلاف الأحوال في الهند وحتى بعض الدول العربية كمصر ، فرضت السلطات السودانية نظام الترخيص للركشة مثلها مثل بقية أنواع المركبات ، وعاملتها مروريا معاملة وسيلة النقل العادية.
وبعد مرور قرابة عشر سنوات ، أوقفت السلطات فجأة تراخيص الركشة ، فأثارت اعتراض الناس ، سائقين وركاب. تقول السلطات إن أسباب الوقف هى : كثرة الحوادث ، وتلويث البيئة ، وعرقلة المرور في الشوارع الرئيسية . ولذلك يجرى الآن ، كما قال المقدم مصطفي عبد الحميد الصادق من مرور العاصمة لبي بي سي ، تقويم تجربة الركشة برمتها . وأضاف" لقد أصبحت الركشة واقعا اجتماعيا ويعتمد عليها آلاف الأسر والكثير جدا من الناس كوسيلة مواصلات".
" الركشة واقع اجتماعي لايمكن تجاهله ويجرى الآن تقويم التجربة " مقدم : مصطفى عبد الحميـد الصادق ادارة مرور الخرطوم
لماذا ، إذن ، تقرر وقف التراخيص ؟. يجيب الصادق بأن " الهدف هو التوصل إلى صيغة توافقية لتنظيم عمل الركشة بما يراعى وجهات نظر الجميع".
وتقول التقديرات أن أكثر من ألفي ركشة تعمل في الخرطوم وحدها .
ونظرا لصغر حجمها مقارنة بمختلف السيارات الأخرى ، فإنها قادرة على المناورة والاندساس فجأة بين السيارات ، كالعفاريت حسب وصف بعض السودانيين لها ، الأمر الذي يستوجب الحذر الشديد من جانب سائقي السيارات على الطريق.
ولذا فإن قواعد المرور تلزم سائقي الركشة بعدم السير في الطرق الرئيسية السريعة أو استخدام الكباري حتى لا تتسبب في عرقلة المرور.
في سوق أم درمان الكبير، أحد أكبر مراكزالتسوق بالعاصة السودانية ، يعتمد الناس على الركشة في التنقل لاسيما وأنه ليست هناك خدمة مواصلات عامة رخيصة تقدمها الحكومة كما هو الحال في الكثير من الدول .
وفي السوق تسمع الكثير من الحكايات والآراء عن الركشة ودورها في حياة السودانيين. فهي ، كما تقول ، صفاء عثمان مكي ، الطالبة بجامعة الأحفاد للبنات ، " تقدم مساعدة كبيرة للمجتمع السوداني . وسائقوها عادة يحرصون على الركاب لأنهم بسطاء".
الركشة من أكثر وسائل النقل شعبية في الخرطوم ولكن رجال المرور ، أو "ناس الحركة" كما يطلق عليهم السودانيون ، يرون أن الركشة تتسبب في حوادث كثيرة ولذا فمن الضروري الحد من عددها بوقف التراخيص في المرحلة الحالية. الركشة من أكثر وسائل النقل شعبية في الخرطوم
ويتفق بعض السائقين مع رأي رجال المرور. ويقول عبد العزيز سيد أحمد، أحد سائقي الركشة ،إن " حوالى 90 في المائة من سائقي الركشة أولاد صغار لا يعرفون قواعد المرور ولا يهتمون بطريقة القيادة ولذلك فأنا أوافق الحكومة على ضرورة ضبطها".
وفي المقابل يعتبر ركابها أنه لو كان السائق جيدا فإن الحوادث لن تقع. ويرون إن تلك مسؤلية الحكومة لأنها هى التي تصدر تراخيص القيادة. ومن المفترض ألا تصدر ترخيصا رسميا لسائق لا يعرف قواعد القيادة. وتقول نوال الطيب ، الطالبة بالمرحلة الثانوية " أقول لناس الحكومة إن الركشة أفضل وأكثر أمانا خاصة للنساء من المواصلات العامة التي بها مشاكل كثيرة".
وللركشة ، التي يتراوح ثمنها بين 45ألف و55 ألف دولار ويجرى استيرادها من الهند ، بعد اجتماعي مهم في حياة السودانيين . فمن الملاحظ أن الغالبية الكاسحة من سائقيها هم من الشباب بين العشرين والثلاثين الباحثين عن فرص عمل . ويتراوح متوسط الدخل اليومي منها بين 30 ألف إلى 50 ألف جنيه سوداني ( تعادل 146 إلى 243 دولارا يوميا).
ثلاثون من أصدقاء محمد عبد الله الذي ترك التعليم من المرحلة الثانوية ليعول أسرته الكبيرة ، حسب قوله، يملكون ريكشات . وهو يعتبرها صاحبة فضل كبير على أسرته فـ " مع الركشة ..لامجال للوظيفة لأن دخلها أفضل لإعاشة أسرتي" .
رغم صغر حجمها ومحاولات تقييد حركتها ، فإن سلطات المرور تعامل الركشة معاملة السيارات العادية من حيث المخالفات . فقيمة المخالفة ، أيا تكن ، تبلغ 30 ألف جنيه سوداني (حوالى 146 دولار ). وبذلك تكفي مخالفة واحدة كي يعود السائق الى بيته في نهاية اليوم خالي الجيب أحيانا.
الأسعار ليست محددة وتتحدد إما حسب الإتفاق إو المسافة .ولكن الأجر لا يقل ، عموما ، عن ألف جنيه سوداني (حوالى 5 دولارات ). وللركشة بعد أمني آخر ، كما يقول المقدم مصطفى الصادق . فهى قارة على الوصول بسهولة إلى المناطق الترابية البعيد بأطراف المدينة ويمكنها أن تدخل حتى إلى المنازل لنقل الحاجيات وذلك من بين الأسباب التي تجعل السيدات بالذات يفضلنها. وذلك فهي " تشكل ثغرة أمنية أيضا ".
" مع الركشة ..لامجال للوظيفة لأن دخلها أفضل لإعاشة أسرتي محمد عبد الله - سائق
وفي دارفور، يأخذ هذا الجانب الأمنى بعدا آخر وهو الخوف من انضمام سائقي الركشة إلى الميليشيات المسلحة مما قد يزيد تصعيد الموقف المتأزم هناك. ففي نيالا ، عاصمة ولاية دارفور الجنوبية ، قرر المعتمد ( وهى صفة حاكم المدينة ) وقف اصدار تراخيص جديدة لعمل الركشات داخل المدينة.
ويقول الزبير سعيد ، الكاتب البارز في صحيفة الخرطوم ،" إن الواقع السياسي في دافور لا يحتمل المزيد من اعطاء المشهيات والمحفزات لأبناء الولاية للانضمام للحركات المسلحة".
وكانت تقارير قد أشارت إلى أن عددا من أصحاب الريكشات هددوا بالانضمام إلى جبهة الخلاص المسلحة لو تمسك المعتمد بقرار منع الترخيص. ويقول سعيد لبي بي سي " ان الحكومتين في نيالا والخرطوم لا يدركون رد الفعل لمثل هذا القرار خاصة وإن نيالا هى واحدة من أكبر مدن أفريقيا ازدحاما ولذا فإن الريكشة مهمة للغاية في المواصلات".
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة