الدكتور عبدالحليم المتعافي والي العاصمة السودانية: الانتشار الأفقي للمدينة مشكلة تفرضها العقلية الرافضة للسكن الرأسي
سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
7/27/2005 4:59 ص
حاوره في الخرطوم : عمر العمر
الحديث عن الزحف العشوائي من الريف إلى العاصمة يمثل جانباً من الحقيقة غير انه يمثل في الواقع معبراً مصطنعاً يسعى المسؤولون إلى تمرير حالة العجز التي ضربت المدينة عليه.
لم يعد مهماً الاستغراق في أسباب ذلك الانهيار الذي أصاب شبكة المواصلات العامة مثلاً أو جعل قلب المدينة منطقة شبه مهجورة ليلاً بل الأكثر أهمية معرفة ما اذا كانت هناك رؤية لاستعادة ألق المدينة ودفعها إلى واجهة العواصم الحديثة.
يعترف الدكتور عبدالحليم المتعافي والي الخرطوم بحالة التردي التي أصابت العاصمة التي كانت يوماً واحدة من أفضل 5 مدن في العالم ويعزو ذلك التردي إلى الهجرة العشوائية التي تعرضت لها المدينة تحت ضغوط الحروب والتصحر في الأقاليم وضيق ذات اليدين.
لكن المتعافي يبشر بمركز تجاري جديد للخرطوم يقام «بين الجسرين» المقامين على النيل الأبيض بديلاً عن قلب المدينة التجاري الذي أصبح شبه مهجوراً بالنهار وموحشاً بالليل.
وأوضح الوالي المزاعم المتداولة بشأن فتح مستثمرين أجانب مساحات من الأرض في سياق تسويات مالية بينهم وبين الحكومة. وأوضح أن ذلك يمثل فهماً مغلوطاً لسياسة جديدة تتبعها الولاية في قطاع تحسين السكن والاستثمار فيه. وقال ان هناك تصورات لاستثمار مساحة محطة السكة الحديدية في الخرطوم القديمة ومساحة أراضي المطار الذي سيتم نقله.
وقلل والي الخرطوم من الهواجس في شأن تعرض الخرطوم لانفلات أمني محتمل في المرحلة المقبلة. وقال إننا نتحسب لذلك ولكنه يراهن على ان الذين خاضوا حرباً لعشرين سنة يدركون قيمة السلام والحفاظ عليه.
وأكد ان العمل في الولاية سيتركز على تحسين شبكة المواصلات ومنح المدينة شخصية معمارية متميزة وتحسين صورة المدينة ونظافتها وتنظيم الأسواق فيها.
ـ المشهد الحالي للخرطوم يستدعي للذاكرة قول المصريين إنهم ذاهبون أو عائدون من مصر وهم يعنون القاهرة باعتبار مصر كلها في القاهرة لكثرة الزحام وتكدس الخدمات وأسباب الرزق، ومشهد الخرطوم في مجمله يوحي للمرء كأنما السودان بأسره أمسى مكدساً في الخرطوم. فهل هناك إحصائية لعدد سكان العاصمة حالياً؟
ـ يتراوح عدد سكان الخرطوم من 6 إلى 7 ملايين نسمة.
ـ ألم نقترب من دائرة الملايين العشرة؟ ثمة احصائية تفيد بأن سكان الخرطوم يشكلون ما يوازي 20% من تعداد السودانيين عامة؟
ـ هذه النسبة لا تناقض ما ذكرت إذ إن توقعات عدد سكان السودان يصل إلى نحو 34 مليون نسمة والـ 20% من هذا الرقم يقل عن 7 ملايين والرقم الذي ذكرته أنا يستند إلى معلومات صلبة.
ـ ما أكثر المناطق كثافة بالسكان في العاصمة المثلثة؟
ـ أكثر المناطق ثقلاً بالسكان هي أمبدة التي تأوي نحو المليون نسمة وهذا يؤشر إلى أن أي إحصاء للسكان لن يقل عن 6 ملايين ولن يتجاوز الـ 7 ملايين.
ـ هل لديكم إحصاءات عن أرقام ومعدلات انتشار البناء الأفقي المهول الذي تشهده العاصمة بإيقاع حثيث؟
ـ أنا طالب معلومات تفصيلية في هذا الصدد عن الأراضي التي تم توزيعها وتلك التي تم بناؤها بالفعل والتي لم يتم بناؤها ولكن واضح من ضيق ذات اليد وحب السودانيين للسكن في البيوت ذات الحيشان ان الانتشار في البناء لابد ان يكون أفقياً. فالسودانيون لا يحبذون السكن في البناء الرأسي وهو محدود.
ـ إلى متى تجارون هذه العقلية التقليدية التي من المؤكد ان تلقي أعباء ثقيلة على البنى التحتية المرتبطة بشبكة الخدمات؟
ـ هذه قضية مربوطة بعوامل كثيرة جداً منها الظرف الاقتصادي العام.
ـ هذا وضع يناقض مجاراة العقلية.
ـ الظرف الاقتصادي يهييء فرصاً للبناء الرأسي أمام المستثمرين ولكن السكن في الشقق ليس جزءاً من ثقافة السكن في السودان وأي مبادرة لتغيير نمط المعمار في الخرطوم يتطلب دعماً مالياً من النظام المصرفي مثلاً.
ـ غير أني ألاحظ بوضوح ان هناك رقعة واسعة من البناء الفاخر لأناس لن ترفض عقلياتهم مبدأ السكن في البناء الرأسي اذا توفرت فيه شروط تلائمهم.
ـ لكن هذه الفئة ليست لديها رغبة السكن في الشقق.
ـ لكنكم تواصلون المنهجية نفسها حتى في المناطق التي تخصصونها للمستثمرين الأجانب اذ تذهب على الطريق التقليدي نفسه بينما كان من الممكن ان تجعلوا منها منعطفاً للتغيير.
ـ المستثمر نفسه يفضل أن يلبي رغبات المواطن فهو يمشي دائماً وفقاً للذوق العام السائد.
* فقر في الفنادق
ـ أليس في قناعاتكم إحداث تغيير جذري في هذا الحفل؟
ـ نحن نعتزم بالفعل تغيير هذه المنهجية وأعددنا أكثر من موقع حالياً يجري العمل في أربعة أبراج ـ يوجد برجان منهما غرب منطقة الهيلتون. وبدأ العمل في برج جنوب الفندق نفسه يبلغ ارتفاع كل منها مئة متر أي بين 25 و30 طابقاً.
ـ هل هي أبراج سكنية؟
ـ هناك فندقان، ففي الواقع بدأ العمل في أربعة فنادق. فبالاضافة إلى «فندق الفاتح» الذي يبلغ ارتفاعه 25 طابقاً. يوجد فندق وسط الخرطوم بين «أركويت» والمطار. وفندق غرب الهيلتون تابع لشركة انتركونتيننتال وهناك مجموعة تفاوض على فندق غرب الهيلتون وهي مجموعة إماراتية.
ـ من الملاحظ ان الخرطوم تعاني رغم عراقتها من فقر شديد في الفندقة؟
ـ هذا صحيح لكن كما قلت يوجد أربعة مشاريع جاهزة.
ـ كم عدد الفنادق الحالية تقريباً.
ـ ليس لدينا فندق من الدرجة الأولى، حتى الهيلتون لا يعتبر «خمس نجوم» وعملياً ليس لدينا فندق من هذه الفئة ولكن اسمياً لدينا فنادق أحدها الهيلتون.
ـ أليس للوليد بن طلال مشروع لبناء فندق من هذا الطراز؟
ـ لا ليس لديه.
* بين الجسرين
ـ ما هو المشروع الضخم الذي يستأثر بإهتمامكم حالياً؟
ـ أنصحك بمقابلة المسؤولين في «مجموعة داك» فلدينا مشروع مشترك ضخم سيصبح المركز التجاري للمدينة أو ما نسميه مشروع «بين الجسرين» وهو يقع بين كوبري أم درمان القديم والجديد أو «لشركة السنط» وهي شركة مشتركة بين ولاية الخرطوم و«مجموعة دال» وهي شركة أبناء داؤد عبداللطيف ويشمل المشروع تنمية وتطوير المنطقة الواقعة جنوب الغابة المطلة على النيل الأبيض من جهة الخرطوم.
ـ أنت تتحدث عن تطوير الخرطوم وعديد من المسؤولين يقامرون بتدفق استثمارات وشركات ومنظمات أجنبية بإيقاع متصاعد بينما لا يوجد في عاصمة عمرها أكثر من قرن ميدان واحد للعبة الغولف؟
ـ يوجد لدينا ميدان غولف صحراوي ولكن هناك مخططاً لميدان غولف ضمن مشروع شركة السنط جنوب الغابة.
ـ تدور في المدينة أحاديث كثيرة عن تسوية عبثية لحسابات مع مستثمرين عرب وغيرهم أي أنكم تمنحون هؤلاء أراضي مقابل استحقاقات مالية لدى الدولة. ما حقيقة ذلك؟
ـ «ممكن تسمع أشياء كثيرة في السودان، فالسودانيون يمارسون (الونسة)».
ـ نعم ولكن يهمني أن أعرف ما إذا كان ما سمعته حقيقة أم افتراء؟
ـ نحن غيرنا سياسة توزيع الأراضي دون خدمات باتفاق مع بعض المستثمرين السودانيين والأجانب وقصدنا تطوير مناطق محددة في المدينة موجهة بإقامة كل البنى التحتية وإعدادها كاملة ثم يتبعها أراضٍ جاهزة.
ـ لديَّ أسماء شركات استثمار عربية حصلت على أراض مقابل استحقاقات مالية أي مديونية مثل مجموعة «المكيرشي»؟
ـ مجموعة المكيرشي لديها شركة اسمها «الراقي» تم الاتفاق معها على منطقة بعينها في سياق السياسة المشار إليها. فأنجزت الشركة شبكة البنى التحتية بكاملها وأخذت نصيبها وأرباحها أرضاً.
ـ هذا لا يتناقض وفكرتي؟
ـ أود أن أشير أنه ليس لدينا مديونية.
ـ جوهر الفكرة أنه تمت تسوية مبالغ مالية مقابل أرض. السؤال الذي يفرض نفسه هو من يملك الحق والسلطة في تقدير قيمة الأرض؟
ـ لوزارة التخطيط لجان تقدر قيمة الأرض وأسعارها وفق آلية محددة.
ـ إذاً المسألة ليست رهينة بولاية الخرطوم وحدها؟
ـ لا بل وزارة التخطيط هي المعنية بقضية الأراضي.
ـ هل تعني وزارة التخطيط المركزية أم تلك التابعة للولاية نفسها؟ والمتابع لحركة البناء هناك يدرك ببساطة تصاعد قيمة الأرض على نحو مفتوح أمام الجميع حتى من غير المستثمرين؟
ـ بل الوزارة التابعة للولاية وهي لديها آلية مبسطة لتحديد سعر الأراضي وهي تتبدل بمعدل شهري أو كل شهرين ويظل السعر قائماً على هذا الخيار المحدد حتى يتغير.
ـ آلية الوزارة لا تتضمن بيع الأراضي في مزادات مفتوحة وهي طريقة تزيد أسعار الأرض أو تخفضها على نحو فوري بناء على قاعدة الطلب في لحظة البيع؟
ـ هذه سياسة السوق الحر.
ـ أنا اسأل عما إذا كان «المكيرشي» دخلت في منافسة في سياق مزاد مفتوح عندما حصلت على الأرض؟
ـ المكيرشي عندما دخلت لم يكن هناك مزاد إذ الولاية هي التي تحدد المنطقة وأسعارها بناء على أحدث تسعير لتخصيص الأرض في إطار آليتها التي أوضحت.
ـ هذا ما أود أن أركز عليه أي أن عملية قرع الجرس لها حساسيتها الخاصة في السوق؟
ـ لكن هذه الطريقة لا تتبع عادة في مجال الاستثمار فأنا كمستثمر إذاً قصدت دبي سأذهب إلى الدائرة المعنية التي ستحدد لي سعر الأرض ولن ألجأ إلى نظام المزاد فأنا كمسؤول ليس لدي آلية لتحديد سعر الأرض أكثر من قيمتها وفق آخر تقييم.
ـ في دبي توجد شفافية كاملة تتبين سعر الأرض عبر مناظير متباينة ليست وقفاً على جهة حكومية بعينها تحتكر هذا الحق وتخفيه عن الآخرين.
ـ الشفافية التي تتحدث عنها موجودة لدينا كذلك، فلو طلبت سعر الأرض في سوبا أو في أم درمان أو في قلب الخرطوم فستحصل عليه.
ـ هذا إذا كنت أنا الذي أريد؟
ـ نعم فهذه المعلومات موجودة لدى إدارة حكومية. ربما لا تكون هذه المعلومات منظمة بالصورة التي رأيتها في دبي لكن قيمة الأرض في المنطقة المعنية معروفة لدى الجميع. فإذا عملنا مزاداً في حي «الراقي» لوجدت وزارة التخطيط حددت سعر المتر بـ 200 دولار وهي لن تبيع بأقل من هذه القيمة. الناس لا يشتكون من بيع الأرض بأسعار أقل.
ـ الناس يجأرون بالشكوى من أن المستثمرين حصلوا على الأراضي مقابل أسعار زهيدة؟
ـ نعم لأنهم حصلوا عليها قبل سنتين فهم يتحدثون الآن عن أشياء تاريخية فسعر الأرض يتغير خاصة بعد انجاز البنى التحتية إذ لابد أن تزيد أسعارها مقابل كلفة ما تم إنجازه بالإضافة إلى مرور السنين على زمن الشراء.
القطاع الخاص السوداني بدأ ينتبه الآن فقط إلى وجود ميدان جديد للاستثمار يمكن أن يقتحمه وحتى الآن لا يوجد سوى شركتين سودانيتين في هذا المجال وتمت معهما إجراءات مماثلة وحصدتا أموال محترمة.
* لا خطر من خطوط الضغط العالي
ـ يدور حديث يشوبه كثير من القلق في أحياء عديدة من الخرطوم إزاء خطوط الضغط العالي للكهرباء التي اخترقت تلك الأحياء ويخشى السكان من الآثار السلبية لتلك الخطوط؟
ـ هذه قضية تم تشكيل لجنة خاصة بها برئاسة وزير الري وهو مهندس وعالم مشهود له وخلصت اللجنة إلى أن الهيئة القومية للكهرباء التزمت بقواعد السلامة الدولية وحددت أن منطقة السلامة لهذه الخطوط يبلغ مداها خمسة أمتار ونصف المتر. بينما تبعد هذه الأعمدة عن أقرب المناطق السكنية 8 أمتار وكان لابد من التأكد من حدود منطقة السلامة قبل منح الهيئة التصديق لمد هذه الخطوط وقد أثبتت اللجنة والهيئة ذلك.
ـ إذاً المشروع لا يشكل مخاطر؟
ـ المشروع اكتمل ويعمل حالياً وبدأت المحطات الجديدة في تقنية المناطق وعددها 30 في الخرطوم.
ـ يشكو البعض من تردي حالة شوارع في المدينة رغم أنها تعرضت حديثاً إلى عمليات رصف وبناء وأنت نفسك اعترفت بذلك؟
ـ لا بل هناك صحافي حوّر كلامي؟
ـ بغض النظر عما قلت وعما تم نشره الشاهد أن الخرطوم تتحول إلى ما يشبه المستنقع عقب أي أمطار خفيفة؟
ـ كلامك صحيح.
ـ ألا يوجد حل لمعالجة هذا الخلل؟
ـ بالطبع توجد سبل للمعالجة لو كان لديك مليار دولار لتزودني بها لهذه الغاية.
ـ أليس لديك هذا المبلغ؟
ـ لا ليس لدي، الأزمة ليست في عدم وجود قدرة على المعالجة أو نتيجة قصور في التفكير لكن المشكلة في ضيق ذات اليد. الخرطوم ليست منطقة أمطار وإذا كانت لديك أموال تود استثمارها لمعالجة قضية ستبحث القضايا ذات الأولوية الملحة مقارنة مع حجم الانفاق فالسؤال الذي يواجهك لو كنت مكاني هل تسقي الناس ماء أم تعمل على تصريف مياه الأمطار!
فقد أنفقنا 30 مليون دولار في غضون ثلاث سنوات على تحسين شبكة مياه الشرب.
ـ قلت لي قبل قليل إن مشروع «بين الجسرين» يشغل بالك؟
ـ لا لم يعد يشغل بالي فهو قد اكتمل وبدأ تسويقه.
ـ هل لديكم مجسم للمشروع؟
ـ يتم العمل حالياً فيه ولو رأيته سيصيبك قدر من الارتياح وسيتم عرضه ضمن مشروعات من الوطن العربي في معرض يقام في دبي ـ وهو مشروع ضخم تم تسويق نصف الأراضي فيه.
ـ هل ستطيحون بالغابة؟
ـ سنحافظ عليها ولكن ربما نغير الشكل ويعني ذلك استبدال الشجر.
ـ أليس لديكم مشروع بين الجسرين على النيل الأزرق؟
ـ لدينا نعم ونواجه أزمة سياسية. إذ كنت أوقفت قبل نحو أسبوعين أو يزيد قليلاً التصرف في تلك الأراضي في تلك المنطقة وسيتم بناء «كورنيش» وحدائق.
ـ لعل هذا يخلق متنفساً لمدينة تختنق لا تجد مقصداً يمكن أن تتنفس فيه؟
ـ ربما ليس لديك مثل الآخرين طموحاً في بناء سكن على ضفة النيل لكن الذين غضبوا يريدون بناء فلل على النيل.
ـ هناك بنايات حكومية تحتل مواقع استراتيجية على مواجهة النيل ويمكن ترحيلها إذ أنها تفقد جدواها بعد الثانية ظهراً لماذا لا تقوم مكانها بنايات تمنح ساكنيها فرصة الاستمتاع بـ «شقة على النيل» كما يقول إخواننا في القاهرة؟
ـ وزير التخطيط كان يعتزم شيئاً من هذا القبيل غير أني أعدت التفكير بوجهة استثمارية.
* مطار الخرطوم
ـ تم الإعلان عن انكم تعتزمون إزاحة مطار الخرطوم؟
ـ لا، لا نود إزاحته لكنه لم يعد يلبي الحركة.
ـ لا بأس المهم أنكم ستستبدلونه؟
ـ لماذا لا تستخدم جملة أكثر ظرفاً فتقول أنكم ترغبون في بناء مطار جديد.
ـ اتفقنا. لكن ما أود معرفته هو ما الذي تودون عمله في مساحة المطار الحالي نفسه وهي شاسعة وتحتل موقعاً متميزاً؟
ـ سيتم تطويرها وتعميرها.
ـ هل يوجد تصور جاهز لكيفية التطوير والتعمير؟
ـ لا يوجد مثل هذا التصور حتى الآن فالجهة التي تملك أرض المطار لم تأت إلينا.
ـ ما تلك الجهة المالكة للمطار؟
ـ وزارة المالية الاتحادية باعتبارها مالكة للطيران المدني وهي لم تقدم لنا تصوراً ولكن يبدو أنها تعد حالياً هذا التصور ولابد من معرفة ما إذا كانت ترغب في استثمار الأرض فإذا توفرت هذه الرغبة فلابد من الاتفاق على صيغة وشكل التطوير بعد التأكد من قبولنا لاقتراحاتها.
ـ ربما يكون بناء كورنيش حديث للخرطوم انجازاً جميلاً لكن اعتقد أن هذا الكورنيش لن يستوعب سكان الخرطوم؟
ـ بما أنك لم تزر الخرطوم منذ 14 سنة فأود أن أوضح أنه قبل أربع سنوات كان لدينا أزمة شديدة في كل الطرق في الولاية وكانت إحدى الأولويات الملحة ان تستعجل إنجاز بعض الطرق من أجل انسياب الحركة وقد استنزفنا ذلك الكثير من المال والجهد.
ومن الممكن أن يلجأ إلى إقامة حدائق أو متنزهات في الأحياء.
* المرحلة الانتقالية لا تقلقني
ـ ننتقل الآن إلى ما يسمى بالمرحلة الانتقالية؟
ـ مشكلتك أنك تفكر بإيقاع أسرع من حديثي.
ـ أود استثمار الزمن المخصص لي فالأخ الجالس هناك يذكرني بحكم المباراة وأشعر أنه سيطلق صافرة النهاية في أية لحظة. أعود فأسأل عما إذا كان يراودك قلق تجاه هذه المرحلة الانتقالية ومن أي ناحية؟
ـ لا، لا تشكل المرحلة الانتقالية ما يثير قلقي وأعتقد أن المخاوف التي يفكر فيها البعض ليست.
ـ ما تلك المخاوف؟
ـ انفراط الأمن، وجود عناصر من الحركة الشعبية في الخرطوم قد يدفع الجنوبيين للإستقواء، ولكني أستطيع القول أننا ندرك ما نفعل ونعرف كيف نسيطر على الأمن في الخرطوم ونتحسب لأي انفلات أمني.
أنا أؤمن بأن الذين خاضوا اقتتالاً على مدار 20 سنة لابد أن يدركوا قيمة السلام ولذا لا أتوقع أن القادمين من إخواننا لا يكونوا حريصين على السلام.
ـ مفصل القضية ليس في الحرص من عدمه وإنما في الثقافة فما تعتبره أنت غير مستحب أو يشكل انتهاكاً قد يراه الآخر حقاً طبيعياً؟
ـ عندها يتم الاحتكام إلى القانون.
ـ ربما يشكل القانون نفسه مفصل خلاف. هناك حديث، في الاتفاق عن وضع خاص للخرطوم حتى في الدستور؟
ـ هذا وضع خاص لحقوق غير المسلمين.
ـ عندما أقول المشكلة ثقافية أود أن أقول أن جنوبياً ثرياً يسكن أحد الأحياء الراقية أو يحل ضيفاً في فندق يدرك الكلام عن الوضع الخاص لكن هذه حالة لا يستوعبها جنوبي في أطراف المدينة على نحوها الصحيح؟
ـ هذا ما أردت الذهاب اليه من قولي أن الخروج على القانون يتطلب فرض الأمن ولا توجد مشكلة إزاء ضبط حركة الناس.
ـ أنت تدرك إذاً مثل هذه المخاطر؟
ـ بالطبع أنا مقيم هنا وأنتمي لجذور الشعب ومسؤول مجلس الأمن في الولاية واطلع على التقارير وأعرف الهواجس وأسمع وأرى ولذلك أقول نحن نتحسب لأي انفلات أمني يمكن ان يحدث من أي مجموعة غير منضبطة وأرجو ألا يحدث ذلك ولست متشائماً فكل أهل السودان الذين قدموا إلى الخرطوم قبل 20 سنة من مناطق مختلفة أصبح لديهم انضباط أمني عال جداً.
لا توجد لدينا مشاكل من أكثر الأحياء فقراً لا توجد مشاكل أمنية.
* أغمض عينيك يا أخي
ـ تقودني جملتك الأخيرة هذه للقول أنه رغم جهود التحديث التي نتكلم عنها فإن المشهد العام للخرطوم أصبح ريفياً؟.
ـ أصبحنا نقول في أدبياتنا ترييف الخرطوم.
ـ لماذا هذا التوجه نحو الانحدار أو لنقل التراجع؟
ـ حدث ذلك نتيجة هجرات غير منظمة وغير منتقاة. زمان كان القادمون إلى الخرطوم يأتون للدراسة في الجامعات أو للعمل، أهل الريف كانوا يكتفون بتصدير إنتاجهم، لكن الحرب والجفاف والتصحر كل هذا أجبر أهل الريف على الهجرة إلى الخرطوم فجاءوا إليها بعاداتهم وممارساتهم وسلوكهم ولكن يمكن ملاحظة أنهم يبدأون في التغيير.
ـ محور الجدل بيننا الآن ليس قدرة القادمين من الريف على التغيير بل مظاهر الترييف فقد رأيت وأنا صغير الناس يتناولون الشاي في الشارع العام ولكن من «أكشاك» يحرص أصحابها كما تحرص السلطات على نظافتها وتجميلها وهي أكشاك ظريفة لا تخدش صورة الشارع العام وتبيع إلى جانب الشاي مشروبات باردة غير أن صورة امرأة أمام بيوت فاخرة في أحياء راقية تبيع الشاي مستخدمة معدات تقليدية تجرح الذوق العام كما أنها تلقى بمخلفات وقاذورات يومية إلى الشارع؟
ـ نحن في ظرف استثنائي.
ـ يا سيدي دعها تعيش ولكن امنحها صورة عصرية بدلاً عن استنساخ صورة خدمات ريفية من محطة أبو حمد أو قرية الشيخ الصديق مثلاً، لابد من الإحساس بأهمية الحفاظ على جمال العاصمة القومية؟
ـ في هذا الظرف الاستثنائي جدت متغيرات غير طبيعية، فرص العمل فرضت على البعض إطعام صغارهم. هم قادمون من بيئة زراعية أو رعوية ويجب مراعاة ظروفهم.
ـ صانعو السياسة ليسوا بهذه الصورة الإنسانية فلا تحاول إلباس المشهد طابعاً انسانياً لا يكتسب الصدقية ما تتحدث أنت عنه بشأن الخدمات في الخرطوم يسحق طبقات بأكملها. رسوم الماء والكهرباء تثقل كاهل آلاف العائلات غير القادرة على مواجهة أعباء الحياة فهذا المنظور الإنساني لا يصلح تطبيقه انتقائياً، أليس هذا تبريراً لا يستقيم مع الواقع؟
ـ لكيلا نصيح أنا وأنت طرفي نقيض دعنا نلتقي في منطقة وسط. وفي هذه الحالة عليك ألا تفتح عينيك الاثنتين وأنت تنظر وفي خاطرك صورة دبي.
ـ على نقيض ذلك أنا أنظر إلى الخرطوم الحالية بعيني التي عرفتها والفتها في الستينات؟
ـ الخرطوم التي تتحدث عنها زمان كانت دبي حالياً، الخرطوم في العام 1956 كانت بين أفضل 5 مدن في العالم ولذلك استوعب كلامك ونظرتك ولكننا نعمل في ظرف تفتح فيه عيناً وتغمض الأخرى.
ـ أسمح لي أن أطالبكم بفتح أعينكم كاملة؟
ـ نحن لا نرغب في إحداث فوضى اجتماعية وننظر على نحو ايجابي عله يأتي زمن نجد فيه بدائل وهي مسائل موجودة في أماكن كثيرة مثل المستشفى والمدرسة.
ـ لا أستطيع القبول بوجود امرأة تبيع أكلات شعبية مستخدمة أدوات ومعدات شعبية داخل مستشفى الخرطوم وتستخدم ساحة المستشفى مكبا لفضلاتها؟
ـ أنا لا أتكلم عن هذه الناحية ولكنك استثمرت ما أقول لصالح منطقك. المشكلة ان المستشفيات تتعرض لضغوط هائلة.
ـ لأنه لم تعد هناك مناطق للاستشفاء خارج الخرطوم لاجدوى في قلب المدينة القديم؟
ـ نعمل حالياً على بناء مستشفيات في الأطراف حتى يصبح لدينا مستشفى الخرطوم بمثابة مستشفى مركزي يستقبل الحالات الحرجة وقد بنينا أربعة مستشفيات في غضون السنوات الأربع الأخيرة والنظرية التي تعتمد عليها في ذلك هي محاولة تقديم الخدمات للناس في أماكن إقامتهم من أجل إبقائهم هناك.
ـ يتهمكم البعض بمصادرة المساحات التي تشكل ساحات داخل الأحياء السكنية؟
ـ هناك نوعان من هذه المساحات إحداهما «المساحات المفتوحة» وهي ممنوع استغلالها ولكن هناك «مساحات احتياطية» وهذه يمكن التصرف فيها لأنها مخصصة أصلا للتوسعات المستقبلية.
ـ يمكن استيعاب التصرف فيها في مجال ا لخدمات لكن الاتهامات تقول إنكم منحتموها سكنا؟
ـ هذا غير صحيح وأعطيك نماذج كما حدث في اركويت احتج بعض السكان عندما حولنا ميداناً إلى مسجد وهناك حالة حولنا فيها جانباً من ساحة إلى مدرسة.
ـ قلب المدينة أمسى موحشاً شديد الكآبة أليس هناك من مشروع لتحديثه؟
ـ قلنا إننا بدأنا تحويل المركز المالي وسيصبح السوق الأفرنجي جزءاً من السوق العربي.
ـ السوق الافرنجي أصبح سوقاً جنوبياً؟
ـ عندي مشكلة كبيرة بالفعل إزاء وسط الخرطوم التي أصبح جزء منها ورثة وجزء لم يعد للملاك قدرة على تطويره وهناك مشكلة تمويل من قبل المصارف في الوقت الحالي.
ـ لماذا لا تغرون الورثة والملاك العاجزين ببدائل؟
ـ هناك عمليات معقدة في شأن حصرهم والوصول معهم إلى تسويات. ربما كان من الأفضل ان تسألني عن الإخفاقات التي واجهتها بدلاً عن الانجازات التي حققتها فقد فشلت في إلزام الناس بنظام منضبط، وفشلت في عمل طابع للمدينة مثل منحها شخصية معمارية.
ـ ماذا حدث بالنسبة لمحطة السكة الحديدية؟
ـ لم أر خطة إدارة السكة الحديد لكنها عاكفة عليها فهي التي ستشرف على استثمار تلك المنطقة وغالباً ما سيتم تحويلها إلى القطاع الخاص وستشرف الولاية على ذلك بالاتفاق مع إدارة السكة الحديد.
ـ لماذا لم تفكروا في الاستعانة بنظام القطارات السريعة لحل ضائقة المواصلات؟
ـ ألم أقل لك اسألني عن الأشياء التي فشلت في تحقيقها فهذا أحد مجالات الإخفاق؟
ـ ما سبب الفشل؟
ـ العنصر المالي. المدينة تحتاج إلى شبكة مترو وتطلب نظام باصات ممتازاً.
ـلماذا لم تستعينوا بشركات أجنبية؟
ـ يصعب الاستعانة بها في نظام الباصات فهذه وسيلة تتلقى دائماً دعماً من السلطات في المدن الكبيرة وتجد ذلك في مدن مثل لندن واسطنبول وجوهانسبيرغ.
ـ كانت الخرطوم تملك شركة مواصلات فاعلة تتمتع بباصات فارهة؟
ـ كانت العملة والقوى الشرائية في وضع جيد آنذاك ولم تكن الشركة تحتاج إلى دعم ولدينا محاولات حالية من أجل توفير باصات جيدة بأسعار اقتصادية للجمهور ونبحث عن مصادر تمويل، مشروع المترو يبحث عن ممول.
نحن نركز في السنوات الأربع ا لتالية على خمسة محاور:
1 ـ المواصلات
2 ـ ضبط حركة المرور والمواقف
3 ـ منح المدينة شخصية
4 ـ تحسين صورة ونظافة المدينة
5 ـ تنظيم الأسواق
ـ المدينة كلها أصبحت أنقاضاً بينما ضبط حركة المدينة، يتطلب شوارع رحبة مرصوفة بشكل جيد؟
ـ أعتقد ان حالة الشارع العام تحسنت ولكن المهمة تتطلب وقتاً أطول خاصة ان عملية السفلتة بطيئة حتى الآن.