|
مثالب الأنترنت
|
http://www.alawan.org/
بناء على تجليات صراعاتنا المعايشة أخذت فكرة الجدل حول دور السلطة والنخب في الفشل السياسي زخما ً من التفكير لدى نخبة منابر الأنترنت العربية، ولدى نخب أسفيرية أخرى خارج هذه المنابر. وبين (عقلانية وموضوعية الطرح والبحث) و(ضجيج وصخب التفكير وسماجته) حول هذه الفكرة دخلت منابر الأنترنت العربية في مثالب تنظير ثقافي، ضمن مثالب كثيرة ملحوظة في تناولات بعض أعضائها لشؤون السياسة، والفكر، والأدب، والفن. ويبدو أن هذه المثالب شملت، بقدر أو بآخر، مواقع عالمية أخرى. تتنوع أزمات التفكير هذي في سياقاتها، ومضامينها، وأنساقها، ولكن يظل غياب الحوار الخلاق مع شح آدابه السمة الملازمة لتبلور هذه الأزمات. هذه المثالب المنتجة عبر الأنرنت شيء، أمّا ما أفرزته هذه المنابر من إيجابيات في التواصل الحرّ، وفسح المجال لأصوات جديدة، وإثارة العصف الذهني في القضايا فشيء آخر. فطبيعة ثورة الإتصال لا بدّ أن تحقق قدرا من الإيجاب والسلب على أصعدة إدارة الناس لاختلافاتهم إزاء الممارسة التاريخية للمجتمع، وكيفياتهم في إظهار مبدئياتهم التعبيرية، وإثباتهم بعض مواهب في خلق الإعلام البديل. إن الإيجابي في ظاهرة استغلال ثورة الاتصال مما لا يقارن مع سلبياتها. فهي التي مهدت إلى بروز تيار عالمي يؤكد في كل ثانية سعيه لتقويض الإعلام التقليدي وتاثيث إعلام الشعوب على أنقاضه، شكلا ومضمونا. كما أنها الثورة التي فجّرت طاقات إبداعية، طابع حرثها إخباري ومعرفي. وبالتالي بدت هذه الطاقات العازمة بعناد وكأنها تسرب المياه إلى حائط الإحتكار الحكومي للمعلومة، وذلك عبر كل تفعيل للوحة المفاتيح. وقس على هذا الأساس الإحساس الذي انتاب البشر بخروجهم من أسر التلقي، وخلوصهم إلى كونهم أصبحوا منتجين لبعضهم البعض. هذا بعد أن كانوا لا يملكون إلا التلقي الذي يدجنهم في أنساق إعلامية، ومعرفية، خادمة للنخب السلطوية المسيطرة على (الإمكان التاريخي) العالمي والإقليمي والمحلي لأدوات الإعلام والتثقيف. فضلا عن ذلك فقد أعطت الميديا الحديثة الفرص لذهنيات مختلفة، دينية، وإثنية، ومذهبية، وفنية، وإجتماعية، لتجتاز حواجز العرض الإعلامي والثقافي المحتكر للمعطيات والحقائق المثبتة بحماية الجيش، وتوظيف الإقتصاد، والتغبيش الإعلامي. وعليه تحررت أفكار ورموز من أسرها، دونما أن يتبع ذلك ثورات تكلف هذه الأقليات والأقسام المجتمعية رهقا في النضال لتحقيق ذاتها. فالميديا الحديثة، وبرغم أنها لم تحرر كلية هذا الرصيد المجتمعي المهضوم الحق، إلا أنها أعطت صوتا تحرريا ينشد الخلاص النهائي من سلطة الهيمنة التاريخية على أراضي وفضاءات الدولة. ومما يحسب من الإيجابي أن أدوات الإعلام الجماهيري راغبة بقوة، أكثر من أي وقت مضى، في السيطرة على منافذ التلقي، وطرد الإعلام الرسمي المكرس للآيدلوجيات البائرة وأنماط الوعي الإستلابي من محافل التنوير، هذا برغم امتلاك الإعلام الرسمي للمال الذي به يحاول تمتين دفاعه الهشّ أمام تيار الميديا الحديثة، سواء عن طريق التشويش على القنوات الفضائية، أو غزو المواقع الإليكترونية بدافع تدميرها، أو استماتتها الفاشلة لخلق بدائل لمواقع الإعلام والتنوير. وعلى كل حال، يبدو من الجانب الآخر أن سالب الميديا الحديثة البادئ في منابر النقاش، وتناول الأخبار، والتحليل الذي يحاول توشيح ذاته بصبغة موضوعية، جديد بجدة تجربتنا مع هذه الميديا المتطورة تقانيا. فالأنترنت، والفضائيات، وشبكات التواصل الإجتماعي ـ في حد ذاتها ـ بحاجة إلى قدر من التراكم الذي من خلاله تكتسب التجربة الإمكانية لتصحيح ذاتها. ولعل المثالب الثقافية التي أنتجتها الميديا الشعبية عربيا ينبغي، بتفكير ما، ألا يزعجنا كثيرا. فهو ظاهرة عالمية تشكو منها مواقع شعوب أخرى لا تزال تراكم في إنتاج المادة الخبرية والمعرفية، من دون تبصر طرق إصلاحها أو تجويدها، ومن دون معرفة الأطر القانونية التي تحمي بها المواقع (سبقها الإعلامي والمعرفي)، ومن دون أن يدرك الكتاب الوسيلة الأنجع التي تحقق ملكيتهم الفكرية للمادة التي يسهرون، بضنى، لمهرها بأسمائهم. وإذ أن ظاهرة المثالب الإعلامية التي ترافق مع الموصلات الإعلامية الحديثة معلومة، فإن إستخداما آخر لإفرازات ثورة الاتصال أكد أن التلفون الشخصي صار أداة لمراكمة الثرثرة وتضييع زمن البشر في ما لا طائل من ورائه، وبالتالي وجدت الشركات، عابرة القارات، مدخلا جديدا لاستغلال حاجة البشر في التواصل لمراكمة أرباح جشعة الغرس. على أن كل هذه التبريرات ينبغي ألا تكون سببا لقفل باب النقاش حول إمكانية أن تلعب هذه الموصلات الإعلامية دورا في تقليص مساحة مثالبها الثقافية والإعلامية بنفسها. والحقيقة أنه لا يفل (ضجة الأنترنت) السالبة إلا الأنترنت نفسه. وفي ظل استحالة نجوع السنسرة التي تمارسها قليل جدا من المواقع المهنية وغيرها، وفي ظل عدم وجود جهة عالمية تضبط مسار المنتج الإعلامي الإليكتروني، وفي ظل شبق أصحاب المواقع إزاء التركيز على الكم على حساب الكيف فإن غاية ووسيلة إصلاح خطاب الميديا الجديد تتصعبان يوما إثر يوم. بيد أن الحلول تكمن هناك في أفق التفكير اللا محدود. إن جدالات نخب المنابر العربية تتأسس على طرح مقولات حول الدين، والجنس، والديمقراطية، وحقوق الإنسان، وكل النظريات المؤثثة عربيا، وعالميا. تصوب هذه المقولات نحو أهدافها بمفاهيم منهجية، وأخرى على رؤى مبتسرة. ولكنها دائما ما تنتهي إلى اختلافات شخصية تقترف في كل شيء، بدءا من حقيقتك العرقية، أو الجهوية، إلى التشكيك في تأهيلك الأكاديمي، إلى التعريض بأعضاء أسرتك وقذفهم، وأخيرا وليس آخرا استخدام أسوأ التعبيرات في حقك، وانتهاء بتهديد مستقبل سلامتك. وعلى هذا المنوال ينشأ جدل رهط من أعضاء المنابر على تمرير أفكارهم بالقوة، لا على عرضها للحوار والقبول بوجهات نظر مغايرة حتى اصبحت غاية الأفكار الفرض بالصمدية. أما إذا كانت هذه السندات الادخارية لا تنفع، فإن الجدل أحيانا يغتاب بالفكاهة والهزل وإستخدام كل أدوات المكابرة. وفي إطار هذا الجدال الذي لا تحكمه قيود وأخلاقيات صار الشتم والسخرية من كل القبيلة، وقتل شخصيات الرموز التاريخية، والثقافية، والسياسية، أداة من أدوات قهر المختلف معه في الرأي. المنهجي والموضوعي من هذه الجدالات التي تحتضنها منابر الانترنت تعاني الأمرين: (1) غياب أدب الحوار الموضوعي الذي يضيف إليها، ويعمقها، ويدفعها نحو بلوغ الهدف، (2) إنطراحها وسط غابة من المعالجات الإثارية التي نشأت على خلفية جلب أكبر عدد من النقرات. ومع ذلك، هناك إشراقات في تطور ومساهمت هذه الجدالات في خلق أكبر قاعدة من المعلومات والاختلافات البناءة. ترى كيف يكون مستقبل الميديا الحديثة، بما فيها من أدوات إعلام وسبل معرفة؟.
|
|
|
|
|
|