كتاب عابد الله أزرق طيبة (2)/تأليف الباقر مالك الامين

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-06-2024, 08:30 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2011م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-10-2011, 00:20 AM

بكرى ابوبكر
<aبكرى ابوبكر
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 18728

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
كتاب عابد الله أزرق طيبة (2)/تأليف الباقر مالك الامين

    كتاب
    عابِـــد الله
    أزرق طيبة
    *****
    المنهج والتطبيق
    تأليف
    الشريف
    الباقر مالك الامين

    الفهرس
    الموضوع الصفحة
    مقدمة
    الاهداء والشكر والتقدير
    الفصل الاول: مراحل تطور الفكر الصوفى والطريق
    - الطريقة الصوفية
    - مواقف ابتداء سالك الطريق
    الفصل الثانى: مولد الشيخ عبد ونسبه ونشأته وأخلاقه ومنهجه
    - البيئة المحيطة بالشيخ عبدالله والتصوف
    - أخذه الطريق الصوفى
    - خلافة السجادة
    - أخلاقه وصفاته وميزاته
    - منهجه فى الطريق
    الفصل الثالث: والبيعة العهد
    - الذكر والفكر
    - المحبة
    - التسليم والمتابعة
    - الحقيقة والشريعة
    - المرأة والدعوة الى الله
    - السير على النهج المحمدى
    الفصل الرابع: حلق الذكر ومجالسه
    - تعريف الذكر
    - بيان أذكار الطريقة
    - مجالس وخلق الذكر
    - مشروعية الحركة فى الذكر
    - الانشاد والسماع
    الفصل الخامس: الاحتفالات والمناسبات الدينية
    الفصل السادس: خصائص الارواح وزيارة القبور
    الخاتمة
    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صلى وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه
    مقدمة
    الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي " لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ* وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ"، الحمد لله قامت بها الأشياء ، وسبحت بحمد ربها الأرض والسماء ، ولازال الكون محكوما بأسمائه الحسنى وصفاته العلي ، فما من شىء إلا هو خالقه ، ولا من فضل إلا هو سائقه ، ولا من رزق إلا هو رازقه ، ولا من أمر إلا هو مدبره، " يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ "(الرعد:2) ، ونشهد أن لا الاه إلا الله لا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون ، سبحانه كتب علي نفسه البقاء ، وكتب علي خلقه الفناء ، وقدر ما كان قبل أن يكون في اللوح والقلم، وخلق ادم وجعل من نسله العرب والعجم ، وأرسل رسله الكرام المصطفين الأخيار ، واتبعهم من الصالحين المصلحين الأطهار حتى صاروا امة مترامية الأطراف ، تعبد الله ربا ، وتؤمن بمحمد رسولا ، وتدين بالإسلام دينا، وترفع راية لا اله إلا الله وان محمد رسول الله  ، ونشهد أن سيدنا ونبينا وقدوتنا محمدا رسول الله ، اعتز بالله فاعزه ، واستنصر بالله فنصره وتوكل علي الله فكفاه ، وتواضع لله فرفعه وذلل له رقاب الكافرين ، صلوات ربى وسلامه عليه جمع الناس من شتات ، وأحياهم من موات، علمهم من جهالة ، وهداهم من ضلالة ، وأخرجهم من الظلمات إلي النور بإذن ربه ، ففتح الله برسالته أعينا عميا وإذانا صما وقلوبا غلفا ، صلوات ربى وسلامه عليه ألان لنا خشونة الحياة، وأبان لنا طريق النجاة ، وأنار لنا ظلمات الأرض وهدانا إلي الصراط المستقيم " وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ "(الشورى:52-53)
    صلوات ربي وسلامه عليه أخذ بأيدينا من الضعف إلى القوة ، ومن الفقر إلى الغنى ، ومن الذّل إلي العزة لما جاءنا بهذا الدين ، وعندما جاءنا بهذه الرسالة ، و حينما جاءنا بهذه العقيدة، ووضعها بين أيدينا ، فجعلنا على المحجة البيضاء ، ليلها كنهارها ، وصبحها كمسائها ، وغدها كامسها ، صراط مستقيم "وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ "الأنعام:153 .
    فى هذه المرحلة من تاريخنا الإسلامي المعاصر التى يمكن ان توصف بأنها مرحلة حرجة من حياة الأمة ، نجد أنفسنا ملزمين بأن نوضح معالم الطريق الذى يقود إلى حالة التوازن فى الأمة لتنال عزتها فى الدنيا وكرامتها فى الآخرة ، ونجد أنفسنا ملزمين بذكر مكامن القوة الروحية فى ديننا الإسلامي العظيم ، والتى بامكانها ان تدفع المسلمين إلى أعلى مراقى الرفعة والرقى ، تلك القوة الباطنة التى ما أن تجد المنفذ المناسب حتى تملأ النفس بأنفاسها العطرة ، جاعلة من المادة - في نظر المرء – مجرد وسيلة يجب تطويعها لغرض الصلاح النفسي والإصلاح الاجتماعى . فالجيل المعاصر ، المنبهر بحضارة الآخر وتقدمه ، المنغمس في الموجة المادية التي صارت مسيطرة على اغلب نواحى الحياة ، ينبغي عليه فيها أن يفهم ويفقه فى جوهر الرسالة المحمدية ، حقيقة روحية عظمى ، قادرة على الربط المتوازن بين الجانب الروحى لدينه والجانب الحضارى الذي يعاصره. وقد جاء الرسول الكريم  يمثل القدوة الكاملة ليقف نموذجا حيا للتأسى والاقتداء في طريق السمو والرفعة الاخلاقية .
    ثم جاء الربانيون من أمته يقربون للناس صفات النبوة وخلال الاصطفاء والاجتباء عبرعمل مشاهد محسوس وسلوك ملحوظ واجلاهم زينة وابرهم حيلة واجودهم صبغة في ذلك من سار على القدم المحمدى ، مزدانا من جواهر حضرة النبوة بنور يشع من ذاته التي تخللتها انوار القرب الالهى والخلق النبوى حتى عاد يهتدي بها السراة في ليل الحياة يجدون فيه الهدى الذى يسير على خط النبوة والرشد الذي لايتجافى مع منطق الشريعة وروح الحقيقة.
    فشيخ الطريقة القادرية العركية التي تحمل كل المعاني الإسلامية الجامعة لخير الإنسان في الدنيا والآخرة وعلى كافة المستويات الروحية والاجتماعية ، الشيخ عبد الله أزرق طيبة هو الغاية من رسالتنا هذه . ولما كان فى التعرّف على رجال الله فيه العبر والعظات، كانت الحاجة ماسة لكل مريد لطريق الحق، ظامى لشراب أهل الصدق ، طموح للوصول الى حضرة الرب، من وقفة على منهج وتطبيق مسلّكى الطريق الى الله، والتعرف على ماهم عليه، ليترسم نهجهم، ويحذو حذوهم، ويتأدب لآدابهم، فيحظى بودهم وقربهم، ويشرب من معينهم، عندئذ تشرق شمس حقيقة من قلبه، فتسطع على هيكله، فيهتدى بنوره الى الحق، فيكون له قدم الصدق. لذلك كله، حاولنا جاهدين جمع شذرات، وذكر اشارات، والالماع الى ومضة من ضياء حياته ومنهجه فى كتاب سميته (عابد الله أزرق طيبة – المنهج والتطبيق).
    نستأذن سيدى الشيخ عبد الله مستسمحين أن نشرف بساحة مكرماته، فنطوف حولها، لعلنا ندرك القليل، ونسأله متبركين أن ننزل بحرم حضرته، لنلتمس منه اليسير، فنبرزه للملأ لمحة خاطفة عن أطوار حياته أمد الله فى عمره، ونهىء للراغبين وقفة عاجلة مع بعض كمالاته، اذ ان سيرته لا تفى بها المجلدات، وما حوته هذه العجالة عنه ليس الا قطرة من فيض ما حوته مزنه من خيرات... ولعلنا نلمع بهذا الى قبس من سيرته يهتدى بها السالك والمتطلع الى سلوك طريق القوم فيتعرف على مسالكها ومعالمها.
    وأكون بفعلي هذا قد جمعت لأبناء هذا الجيل معلومات وآثار يرجع الفضل فيها الي المتقدمين الذين أتاحت لهم أزمانهم فرصة البحث الدقيق في شتي العلوم والفنون وذلك أسوة بمن سبقوني من أهل هذا الشأن مع أنه لكل مؤلف أسلوبه الخاص في النشر أو التأليف .
    قد تم ترتيب هذا الرسالة علي النحو الذي سيجده القارئ والذي يتلخص في الاتي :-
    1. الفصل الاول :يحتوي علي المراحل التاريخية لتطور الفكر الصوفى بواسطة مشايخه العباقرة والافذاذ وصولا لمرحلة الطريقة و الاجابة على متى ظهرت الطريقة في الإسلام ؟ ولماذا ظهرت ؟ لو كانت الطريقة صحيحة ، فلماذا لم يأمر بها رسول الله ؟ ولماذا لم يصرح بها وبمناهجها وأساليبها التي تنوعت وتعددت بحسب المشارب والمسالك ؟
    2. الفصل الثاني : ويحتوي علي مولد ونسب الشيخ عبدالله وحياته العلمية والادبية اوردت فيه ثأثير بيئته المحيطة فى نشأته، كما يحتوي علي حديث عام عن المسيد وخلوة القرآن والتكية، مع ذكر مؤهلاته للخلافة، وأخلاقه وصفاته وميزاته ومنهجه.
    3. الفصل الثالث : ويحتوي على مقاصد بيعة الطريقة. والعلاقة بين الشريعة والحقيقة والتوسع فى مفهوم الشريعة والحقيقة، ليشملا علاقة الإنسان بالحياة. وسيره على النهج المحمدي باعتباره النهج الأكمل للوصول إلى الصورة الشاملة للنسيج الذي يتطلع إليه، ودور المرأة .
    4- الفصل الرابع: ويحتوي علي التعريف على مجالس وحلق الذكر وطريقة أقامة لياليه والحركة فيه وادلة مشروعيتها وكما يحتوى على نبذه عن السماع والانشاد.
    5- الفصل الخامس: ويحتوي علي شرح الشعائر والاحتفالات والمناسبات وكيفية احياء ليالى الذكر و توقير وتعظيم النبى .
    6- الفصل السادس: ويحتوي علي خصائص أرواح الامة المحمدية والاهتمام بالقبور وزيارتها وايراد الادلة التى تؤكد مشروعية زيارة القبور والاهتمام بها .
    وختمنا بأن هذا الفكر لم يبق أسير كتب فلسفية أو أشعار وجدانية، بل سعى الشيخ عبد الله إلى تحقيقه وتطبيقه على أرض الواقع، من خلال منهجه فى الطريقة . وتمكنه من المحافظة على خطٍ تطبيق متميّز لابراز المخزون الأخلاقي والجهد السلوكي التربوي الكبير الذي تقوم به هذه المؤسسة الدينية الاجتماعية الفكرية الضخمة والتي تساهم عبر جهوده في الحفاظ على التوازن الاجتماعي والأخلاقي لمجتمعنا.
    والله أرجوه أن يوفقني ويهديني الي الصراط المستقيم . وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.


    المؤلف


    الإهداء
    إلى والديَّ وشيوخى وأهلي الأكرمين ,
    وإلى كلّ مَن علمني في مخـتلـِف مراحل الـتعليم ,
    وإلى أخونى و أصدقائي الأنقياء الخُلــَّص ,
    وإلى كلّ الغيورين على الطرق الصوفية.









    شكر وتقدير
    الشكر لله أولاً وآخِراً .. ثم هنا بعض أنفس طوقتني بأفضالها وليت اللفظ يُسْعِدُني وهيهات - لأردَّ بعض الفضل لأهله .
    أتقدم بجزيل الشكر والتقدير لكلِّ الأعزَّة الذين ساندوني برعايتهم وتوجيهاتهم وملاحظاتهم القيِّمة التي أنارت لي الطريق فبلغت بها الغاية وأدركت بها المطمح .. وهم رجال لا يفتقرون إلى الثناء والإطراء ففضلهم ظاهر وبحرهم غامر : من آبائى واخوانى وزملائي وأصدقائي .. وقد آثرتُ ألا أصرِّح بذكر أسمائهم لمعنًى أثق في أنهم يفهمونه .
    وأطوي هذه الصفحة بإزجاء الشكر والتقدير لكلِّ مَن عاونني في هذه الدراسة ولو بـ " شقِّ تمرة " .
    واللهَ أسألُ ، أن يَجزيَ عنِّي الجميع خير الجزاء يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا مَن أتى الله بقلبٍ وسليم .
    وصلى الله على سيِّدنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً .








    الفصل الاول
    مراحل تطور الفكر الصوفى والطريق
    يمثل التصوف الإسلامي ظاهرة عميقة وممتدة ومتعددة المظاهر والتجليات في تاريخنا الفكري وواقعنا الاجتماعي والحضاري، لكننا مع ذلك لا نراها تحتل مكانتها الطبيعية في سلم أولويات البحث العلمي والجهد الثقافي، ويعود هذا إلى أسباب عدة. من أهمها أن الخطاب النهضي الذي أعاد صوغ أولويات الثقافة العربية الإسلامية، كان في معظمة خطاباً علمانياً عقلانياً ينأى بنفسه بعيداً مما سماه البعض خطاباً «أسطورياً عجائبياً»، وهكذا فقد تم القفز من فوق التصوف والمتصوفة على رغم كون التصوف يشكل نسقاً معرفياً اجتماعياً بل وسياسياً مستمراً وفاعلاً .
    عندما ننظر في ثقافتنا الإسلامية الحديثة والمعاصرة نجد أن التصوف قد تعرض إلى أشد حملات التشويه والتغييب بل وحتى السخرية والازدراء، فهو في فكر النهضة يمثل ثقافة الانحطاط وثقافة ما قبل النهضة، وهو في الدراسات الاجتماعية نمط من أنماط التدين الشعبي، وهو لدى التيارات الإصلاحية السلفية بدعة وضلالة، وهو في الدراسات الأكاديمية نمط أسطوري عجائبي من التفكير مقابل الثقافة العقلانية.
    أما الجهود الرامية لقراءة واقع التصوف اليوم كظاهرة دينية وكحالة اجتماعية، فهي مطالبة برؤية الظاهرة بشمولها، إذ كثيراً ما نرى تركيز الباحثين والمهتمين لا ينصب على ظاهرة التصوف نفسها، بل يتركز على ما يرافق طريق التصوف من ممارسات طقوسية مشبوهة وإبراز لما يدور في فلك التصوف من شعوذات، مع إغفال للجانب المهم في هذه الظاهرة، ألا وهو المخزون الأخلاقي والجهد السلوكي التربوي الكبير الذي تقوم به هذه المؤسسة الدينية الاجتماعية الفكرية الضخمة والتي تساهم عبر جهودها في الحفاظ على التوازن الاجتماعي والأخلاقي لمجتمعنا المعاصر.
    يمثل التصوف الإسلامي قطاعاً ثريّاً مِن الفكر، إذ إنه عبّر عن مرحلة من مراحل التطور الفكري الذي وصلت إليه العلوم الدينية، في القرون الهجرية الثلاثة الأولى، حين أصبح التصوف لدى العديد من الباحثين والمفكرين هو العمق الروحي للدين الإسلامي، حتى إننا قلّما نجد مفكراً من مفكري الإسلام، خلا فكره مِن هذا العمق الروحي للإسلام.
    وقد تطوّر الفكر الصوفي، ذاته، إثر مخاض وتفاعلاتٍ داخلية، إضافة إلى تمازج الفكرالإسلامي مع الثقافات المجاورة، متجاوزاً مرحلة (الزهد والتقشف) التي بدأ بها، ليتضمن، في (المرحلة الفلسفية) اللاحقة، مفاهيم أخلاقية ومعرفية وكلامية. ثم، لظروفٍ سياسية واجتماعية أخرى، وصل التصوف الإسلامي إلى (مرحلة الطُرق).
    وقد تكاثف ظهور الطرق الصوفية، فيما بعد، استجابة لتحديات مختلفة، وتحقيقاً لأهداف متنوعة؛ إذ جاءت تلك المرحلة بعد تطور فكري، وتفاعلات وجدانية، أثبتت أن الاجتماع الإنساني، أو العمل الجماعي أمرٌ حتميّ؛ وعمّقت، كذلك، مفهوم التعددية في الاجتهاد، وحق الاختلاف في مناهج السلوك.
    وهكذا، وجد أتباع الطرق الصوفية الحديثة، في العمل الجماعي، تحقيقاً لعدة أهداف، منها :
    مواجهة التمزق والتشرذم الذي كانت المجتمعات الإسلامية تعاني منه.
    الخروج من دائرة الحوارات الفلسفية والكلامية إلى الدائرة المدرسية التطبيقية للعلوم الصوفية.
    توليد (طرح) جديد يقترب كثيراً من النبض الإنساني، بعد أن وسّع بعض الفلاسفة الهوّة ما بين الفكر والتطبيق، باستغراقهم في المسائل الكلامية والمعرفية، على حساب الجوانب التطبيقية والتربوية، وبعد أن انشغل بعض المتصوفة بالتجارب الفردية وجانب الكرامات [أي التي تهتم بالكرامة، بالدرجة الأولى، كدليل على صدق حال الصوفي.]عن هموم الجماعة والأمّة.
    مقاومة الطغيان الاستعماري العسكري والثقافي على الساحة الإسلامية. إذ فرض ذلك، على التصوف، الدخول في نمط جديد من الجهاد الجماعي الصوفي، بدأ مع الزحف الصليبي في القرن السابع الهجري (13م)، والاستعمار الغربي في القرن الهجري الثالث عشر (19م).
    وعلى الرغم من التفاوت، الذي ظهر فيما بعد، بين المدارس والمناهج الصوفية، فإن مرحلة الطرق، التي أظهرت لنا العديد من الطرق الصوفية، أصبحت مرحلة مميِزة للتصوف الإسلامي، في كافة المناطق التي وُجد فيها.
    الطريقة الصوفية:
    لم يختلف المعنى الاصطلاحي للفظ ( الطريقة ) عند الصوفية عن معناه في اللغة، فالطريقة في اللغة هي الأسلوب او المسلك الذي يوصل إلى المقصود بسهولة ويسر، فمعنى الطريقة في الاصطلاح الصوفي اخص من معناه اللغوي المنهج أو الأسلوب الذي يستنبطه شيخ الطريقة من الكتاب والسنة المطهرة لتطبيق الشريعة الإسلامية تطبيقا كاملا بظاهرها وجوهرها.
    متى ظهرت الطريقة في الإسلام ؟ ولماذا ظهرت ؟ سؤال تقليدي يتبادر إلى أذهان كثير من الناس . ومن ناحية أخرى فإن البعض الآخر يتساءل: لو كانت الطريقة صحيحة ، فلماذا لم يأمر بها رسول الله  ؟ ولماذا لم يصرح بها وبمناهجها وأساليبها التي تنوعت وتعددت بحسب المشارب والمسالك ؟
    الحقيقة ان هناك لبسا شائعا عند الناس حول هذه المسألة، فهناك فرق كبير بين ظهور مصطلح الطريقة كلفظ دال عليها، وبين وجود الطريقة كحقيقة شرعية إسلامية رافقت ظهور الإسلام من بواكيره الأولى إلى انتقال حضرة الرسول الأعظم  ، وتوريثه علومه وأنواره لخلفائه ونوابه من بعده .
    ذلك يعني ان جوهر العلوم الإسلامية كلها وبضمنها( علم الطريقة ) كان موجودا في عصر الرسالة الأول، ولكنها غير مشهورة بالتسميات التي تعارف عليها أصحاب كل علم فيما بعد، فما ينبغي أن يوضع في الحسبان أن إطلاق اسم معين على حالةٍ كالطريقة، ليس كإطلاق اسم معين على مولود جديد، بل يمر ذلك الإمر بأطوار تبعاً لتطور ذلك المفهوم. وغني عن الذكر أن تخصص كل جماعة من العلماء بعلم من علوم الشريعة الإسلامية لا يعني البتة تركهم لبقية العلوم، فكان كل منهم يقرأ القرآن ويحفظ الحديث النبوي الشريف، ويتعلم أحكام الفقه، ويجاهد نفسه في سبيل الحضور مع الله والتحقق بمقام الإحسان. وكذلك تمسك الجميع ببقية العلوم الإسلامية التي انتشرت آنذاك على قدر استطاعة كل منهم.
    كذلك عدم انتشار الدعـوة إلى الطريقة في صدر الإسلام وعدم ظهورها إلا بعد عهد الصحابة والتابعين وهذا ايضا يعود لأنهم لم يكونوا في حاجة إليها وذلك لأن أهل ذلك العصر كانوا متصوفين أصلا وأهل ورع وتقوى ومجاهدة وكانوا قرب رسول الله  يتبارون في الإقتداء به في كل أعماله وحركاته )قَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ (سورة الأحزاب - الآية 21 ، كما إن أول مدرسة نشأت في المدينة المنورة وظهر فيها زهاد كثيرون منذ وقت مبكر تمسكوا بالقرآن وجعلوا الرسول مدرسة قدوتهم في زهدهم وظلوا كذلك حتى أصبح سيدنا علي(كرم الله وجهه) الثاني في الطريقة بعد الرسول  لكون سيدنا علي من أقرب الناس لرسول الله  وأحبهم إليه وموضع سره وثقته وقال في حقه ما يعظم شأنه فوق كل ذي شأن فقال في موضع غدير خم: ( من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه) رواه مسلم، فالأحاديث النبوية هذه أكدت عظمة سيدنا علي(كرم الله وجه) وولايته فهو إمام الطريقة وبابها عملا بقول الرسول :( أنا مدينة العلم وعلي بابها (رواه مسلم، وكان له تلاميذ من أصحاب الطريقة والصفاء والورع، ومن ثم تتابعت الطريقة وانتقلت من شيخ إلى شيخ حتى وصل إلى عصر سلطان الأولياء والباز الأشهب الشيخ عبد القادر الجيلاني عن شيخه وأستاذه أبي سعيد بن علي المخزومي عن شيخه : الشيخ يوسف الطوسي عن شيخه : الشيخ علي بن محمد بن يوسف القرشي الهكاري عن شيخه : عبد العزيز اليمني عن شيخه : الشيخ أبي بكر الشبلي عن شيخه : الشيخ السري السقطي عن شيخه الشيخ أبي محفوظ معروف بن فيروز الكرخي عن شيخه : الشيخ سليمان بن داود بن نصير الطائي الكوفي تلميذ الإمام أبي حنيفة النعمان وأجل أصحابه عن شيخه : السيد الإمام علي الرضي عن أبيه السيد الإمام موسى الكاظم عن أبيه: السيد الإمام جعفر الصادق عن أبيه : السيد الإمام محمد الباقر عن أبيه : السيد الإمام على زين العابدين عن أبيه : السيد الإمام الحسين شهيد كربلاء عن أبيه : السيد الإمام أمير المؤمنين أسد الله الغالب سيدنا ومولانا على بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم الله وجهه وهو مجاز من سيد المرسلين سيدنا محمد  .
    فأنشأ الشيخ عبدالقادر الجيلانى مدرسة، كان المئات من محبي الطريقة وعلومها وأصحاب الزهد والورع والحقيقة يتوجهون إليها لينهلوا من مناهلها علوم الطريقة والشريعة والتصوف وذاعت شهرتها حتى اهتدى بها الكثير إلى طريق الحق والإيمان وكانت خير مدرسة يعظ فيها سيدنا الشيخ عبد القادر الجيلاني أفواجا من الناس والسالكين يفدون إليها لسماع الوعظ وكانت هذه المدرسة وشيخها سببا في هداية كثير من الضالين إلى طريق الحق وأصبحوا سالكين على نهج طريقته.
    وبعد ذلك لاحت في الأفق أنوار ساطعة تجسدت في شخصية عظيمة بأرض السودان(مملكة الفونج) وهي شخصية الشيخ عبد الله بن دفع الله بن مقبل(عبد الله العركى) الذى كان مولده فى منتصف القرن الخامس عشر الميلادى بمنطقة أبيض ديرى فى إتجاه الجيلى الحالية(شمال الخرطوم) ونشأ فى بيت صلاح وورع وعلم وشرف وكرم إنعكست هذه الصفات كلها على شخصيته فحفظ القرآن الكريم صغيراً على يد والده الشيخ دفع الله بن السيد مقبل، ثم سافر فى طلب العلم عند الشيخ عبد الرحمن بن جابر حيث مكث معه فترة سبع سنوات عاد بعدها وأستقر فى منطقة الهلالية، لقد أدى الشيخ عبد الله بن دفع الله دوراً هاماً فى منطقة الجزيرة وهى جزء له أهميته السياسية والإجتماعية وذلك بحكم وقوع سنار فيه وهى حاضرة سلطنة الفونج التى كانت تحكم البلاد عندئذ كما ولاه الشيخ عجيب القضاء فباشره بعفة ونزاهة وكان له باع فى التوحيد، ولم تقتصر جهود الشيخ عبد الله العركى على الداخل بل إمتدت خارج الوطن إلى الحجاز وأنه تبوأ فى الحجاز مكانة علمية وروحية رفعية ، فأصبح علما من أعلام الطريقة والهدى ومنارا اهتدت به جموع من شتى بقاع الأرض وكانت كل هذه القدرات والمواهب الروحية هي امتداد ووصل وإحياء لمآثر جده المصطفى.
    فطريق الشيخ عبد الله العركى عن شيخه: حبيب الله العجمي عن شيخه : الشيخ تاج الدين محمد (بهاري) عن شيخه : الشيخ محمد دين عن شيخه وأبيه : السيد أحمد نور الله مرقده عن شيخه : الشيخ السيد أكمل عن شيخه : السيد جلال الدين عن شيخه : السيد كمال الدين عن شيخه : السيد علاء الدين عن شيخه : السيد محمد المساعد عن شيخه : السيد أحمد المرجي عن شيخه : السيد محمد البدري عن شيخه : السيد عبد الرزاق عن شيخه وأبيه غوث الثقلين محي الدين عبد القادر الجيلاني قدس الله سره العزيز.
    فقد أنجبت مدرسة الشيخ عبدالله العركى رجالا مؤمنين صدقوا ما عاهدوا الله عليه فأصبحوا دعاة للطريقة وهداية الناس إلى طريق الخير والمحبة فكانوا خير من يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويتبعون سبيل الرشاد، الذين حملوا على عاتقهم مهمة تطبيق منهج الطريقة، في الفترة التي امتدت ما بين انتقاله الى جوار ربه حتى عهد خليفتهم الحالي حامل لقب جده الشيخ المؤسس واحدً شيوخ الطرق الصوفية وخليفة ورئيس سجادة السادة العركيين القادرية بالسودان سيدى الشيخ عبدالله العركى أزرق طيبة .
    مواقف ابتداء سالك الطريق :
    يتفق الصوفية على أن غايات الطريق ونهاياته لاتصح إلا بصحة البداية. واكدوا على أن اكثر موانع الطريق وعوائقه، انما تكون- كما قال الامام الجنيد- من فساد الابتداء ! ومن هنا اهتم اقطاب التصوف الذين تصدروا لتربية المريدين، بتصحيح بدايات السالكين ، وتوضيح الاسس التي يقوم عليها الطريق.
    وتتشكيل بداية الطريق من ثلاثة مواقف رئيسية لا يسع السالك تجاوزها في سيره إلي الله، أولها موقف الشرع والعلم والعمل بقواعد الشريعة، ثم مرحلة الانتباه وتصحيح المسار من خلال موقف التوبة، واخيرا يأتي موقف التلقي من الشيخ المربي الذي يتولى تهذيب نفس السالك واعداده لهذا السفر الروحي .
    كما أن النية هي أول الشروع في العمل ، فالعقيدة أول مقتضيات السلوك ... ولما كان الإسلام هو عقيدة التوحيد فان بدء الانابة إلي الله يكون باليقين في وحدانيته تعالى فإذا صحت عقيدة العبد وحسن اسلامه بالاقتداء بمذهب المتقدمين من السلف الصالح ، بقي عليه اول فرض افترضه الله تعالى علي العباد، واتفق الصوفية على ان العلم هو اول فرض افترضه الله على عباده، وجاء في الحديث الشريف : ( طلب العلم فريضة على كل مسلم ) . وقد انتهى الصوفية إلي تحديد مفهوم العلم الذي هو فرض عين ، معرفة الشرع والدين ، وهو المراد في الحديث الشريف . أما مطلق كلمة (علم) فذلك هو فرض الكفاية الذي لا يستغنى عنه في اموار الدنيا وهناك علم لا ينفع ، بل قد يضر كالسحر والتنجيم وهو الذي استعاذ منه النبي  بقوله : (اللهم اكفني شر علم لا ينتفع به ) . فأما من استغنى عن العلم فذلك الذي مضى في طريق كحاطب ليل ضل وجهته ، وكان الشيخ عبدالقادر الجيلاني كثيرا ما يستشهد بالحديث الشريف : (من عبد الله عز وجل على جهل ، كان ما يفسد اكثر مما يصلح ) وكان كثيرا ما يقول لاهل مجلسه : (الجاهل لا يبالي به ، أذا افلح وعبد الله كانت عبادته مردودة عليه لانها عبادة مقرونة بالجهل ، والجهل كله مفسدة)
    وبعدما يحصّل المبتدئ معارف الدين من علماء الشرع ، ويتعرف علي اداب الشريعة من سيرة النبي  وصحابته وتابعيه يكون بذلك قد اتم الجانب النظري للبداية، وبقي عليه استكمال الدائرة ، يعني العمل بما علمه ... حتى يرث مالم يكن يعلمه .
    وللعمل بمقتضى العلم منهج وترتيب، فينبغي للعبد الاشتغال بالفرائض أولا، فأذا فرغ منها اشتغل بالسنن ثم يشتغل العبد بعد ذلك بالنوافل وفضائل الاعمال، فإذا انتهى من ذلك فعليه مراعاة الاداب الشرعية في جميع احواله .
    وعلى هذا النحو السابق تكتمل دائرة الشرع، فبالعقيدة الصحيحة يكون العبد موقنا وبطلبه العلم يكون مخلصا، وبامتثال الأمر في العبادات يصير مسلما، والتأدب بأداب الشرع يصبح تابعا للسنة ولهذا فلا يصح التفريط في اداب السنة ، وانما ينبغي حفظ الآداب في جميع الأمور .
    اتفق ائمة التصوف واقطابه على اولية التوبة في الطريق الصوفي فلا يستغني عنها مخلوق من بني ادم . فكل ابن ادم خطاء ، فهو أن خلا من معاصي الجوارح لا يخلو من هم الذنب بالقلب ، ولا من الخواطر الشيطانية فان خلا منها فلا يخلو من غفلة وتقصير في العلم بالله والعمل له ... ولذا جاء خطاب الحق تعالى لعموم البشر : (وتوبوا إلي الله جميعا).
    وحقيقة التوبة في اللغة (الرجوع) يقال تاب فلان من كذا أي رجع عنه .. فالتوبة الرجوع عما هو مذموم في الشرع، إلى ماهو محمود فيه. وهى العلم بان الذنوب والمعاصي مهلكات مبعدات من الله ، وتركها مقرب إليه. فعلى هذا النحو، تكون توبة السالك تحولا جذريا من التخبط في دهاليز الدنايا، الى السير في طريق الاخيار. وتكون توبته بذلك هي التوبة النصوح الواردة في قوله تعالى: (ياايها الذين آمنوا توبوا الله توبا نصوحا ).
    فإذا كان السالك لطريق الحق قد أحكم هذه التوبة النصوح وقد قام من قبل بواجبات الاعتقاد والعلم والعمل فانه يكون قد إستوفى الخطوط العريضة للشريعة، وبقيت عليه معرفة الدقائق..ومعرفة حقائق النفس... ومعرفة بقية مراحل الطريق. وهذا كله يخفي على المبتدى، ولا سبيل للوصول إليه من نفسه، وإنما السبيل الوحيد لذلك هو : صحبة الشيخ .
    والشيخ هو المرشد الروحي الذي الذي سلك طريق الحق وعرف المخاوف والمهالك والحدود، فتولى التربية للوصول إلي قرب الخالق عز وجل. ولا بد أن يكون الشيخ قد أخذ الطريق من شيخ سابق، بحيث تتسلسل متابعته إلي رسول الله، ويكون قد ذاق حقائق الطريق وتحقق بأخلاق النبي .
    ويرى الشيخ عبد القادر الجيلاني - وسائر الصوفية- انه لابد لكل مريد من شيخ، فالمشايخ هم الطريق إلي الله، والادلاء عليه، والباب الذي يدخل منه إليه. فالمريد إذا جاء وقت إرادته، وانفرد برأيه ولم يصحب شيخا، ضل وكان الشيطان له قائدا وشيخا ! وهنا يستند الشيخ عبد القادر الجيلاني للحديث الشريف (استعينوا على كل صنعة بصالح أهلها ) ليتوجه به توجها ذوقيا، مفادة أن الشيخ هو صالح أهل الطريق إلي الحق سبحانه وتعالى ، فلا محالة من الاستعانة به على هذه الصنعة (السلوك). وجرت سنة الله بأن يكون في الأرض شيخ ومريد ، تابع ومتبوع وإن هذه تبدأ بأدم عليه السلام . فقد كان كالتلميذ حين تعلم من ربه الاسماء كلها ، ثم كان شيخا للملائكة حينما ظهر عجزهم وعدم علمهم بقولهم (سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا ) فأنبأهم ادم عليه السلام بالاسماء .
    أن شيخ السلوك يختلف من علماء الظاهر الذين يأخذ المبتدئ منهم علوم الشرع، حيث يمكن للسالك أن يتلقى علوم وفنون الشريعة من جملة علماء، أما دقائق الطريقة فلا يدركها السالك إلا بصحبة شيخ واحد ، فلا يصح لتربية المريد غير شيخ واحد في نفس الوقت. ولأن صحبة الشيخ في الطريق الصوفي، بأعتباره حاجب باب الحق تعالى، تعمق اثره في نفوس السالكين المبتدئين، ولوجوب اقتداء المريد بالشيخ والتأسي به .
    أما ما جاء فى الشريعة الغراء فقد قال الله سبحانه وتعالى فى كتابه العزيز: (فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) [ النحل :43] ، ( الرحمن فسئل به خبيراً ) [ فاطر : 14]، ( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده) [الانعام:90]، ( وأتبع سبيل من أناب إلى ) [ لقمان :15]، ( قد كانت لكم أسوه حسنة في إبراهيم والذين معه) [الممتحنة:4] .
    كما نلحظ هذا الأمر فى جميع الحرف والصناعات والمهن، وما شابهها، مهما علت أو سفلت ، نلحظ أنه لا بد لمن يريد ممارستها وتعلمها من معلم متمرس، خبير بتلك المهنة أو الصناعة، أو الحرفة، هو هنا بمقام " الشيخ" لتلك المهنة، وكم عرفنا فى بلادنا وغيرها من البلدان مصطلح: شيخ الصاغة وشيخ النجارين، وشيخ الحدادين،....والمجلس الطبى والهندسى والقانون... إلخ ذلك من أسماء المهن، ما كان يسمح لأحد بممارسة تلك المهنة إلا إن إذن له "شيخ" تلك المهنة بممارستها بعد التدرب والتريض عليها عند معلم معترف به بين أهل تلك الصناعة. وهو عند ساداتنا الصوفية ما يسمى بـ"الإذن" سواء فى التلقين أو التربية، أو التزكية أو التعليم. فلماذا نقبل فى أعمال الدنيا وممارساتها " الرخصة" فى ممارسة المهنة، و"الإذن" فى تعليمها، ولا نقبل فى الدين وسلوك الطريق إلى الله "الإذن" في التربية وتلقين الذكر ، وتعليم الشرع الشريف!.
    وإذا كان في العلوم الدنيوية كالطب والهندسة والطيران والكيمياء وغيرها.. لا بد لطالبها من تعلمها على يد أستاذ مجاز من أعلى الهيئات والمراجع العملية يأذن له بتعليم تلك المهنة أو ذلك الاختصاص.
    فإذا كان فى العلوم الدنيوية وضرر الجهل بها مؤقت ينتهي بانتهاء الدنيا مهما طالت، فما بالك بطب القلوب ، وهندسة الطريق إلى الله ، والطيران إلى حضرة الحق ، وكيمياء الروح وسائر علوم الآخرة التي تبقى بقاء الآخرة ؟!.
    من هنا كان لا بد للمريد والسالك فى طريق الله تعالى من شيخ – تقي نقي صالح عارف بالله تعالى وبشرع الله – يربي المريد، وإمام يرشده ويوجهه، ويسدد خطاه، ويكشف له أحابيل الشيطان فى عباداته ومعاملاته، وخطراته النفسية، وإراداته القلبية، والواردات التي قد تكون خطراً على صاحبها أكثر من الكفر الصريح.
    وفي سائر كتب سلفنا الصلح المعتبرين من هذه الأمة نرى حرص كل واحد منهم على تسجيل أخذه وتلقيه عن كبار شيوخهم، كابراً عن كابر، بالإجازة الشريفة، والتثبت المحكم ، سواء كان ذلك فى العلوم، أو في تلقي البيعة الصوفية الشريفة، واتصال السند .
    وقديما قالوا : " لا تأخذ العلم من صحفي، ولا القرآن عن مصحفي".
    فالصحفي: هو الذي يجمع محصوله من الصحف وحدها دون مرشد، والمصحفي: من قرأ القرآن وحده من غير شيخ ، وهذا مجرح عند أهل العلم .
    وإن لالتقاء روح الطالب والاستاذ وتبادل الود وأنسجام الإرادة ، وأندماج الشخصيتين بالحب والتسامي والإخلاص لله في القصد ، كل ذلك له أكبر الأثر الروحي والنفسي كما هو مقرر عند أهل العلم فى القديم والحديث ، وعندما يكون السند متصلا يكون من ورائه سر مجرب ، يسميه ساداتنا الصوفية بـ " بركة السند "، ألا ترى قوله تعالى ) وداعيا إلى الله بإذنه) [ الأحزاب : 46] تأمل ، فمن هنا تبدأ البركة ثم تتسلسل لمن أتصل بها .








    الفصل الثانى
    مولد الشيخ عبد الله ونسبه و نشأته وأخلاقه ومنهجه
    هو الشيخ عبدالله بن الشيخ أحمدالريح، بن الشيخ عبدالباقى الملقب ب( أزرق طيبة) بن الشيخ حمدالنيل بن الشيخ أحمدالريح بن الشيخ محمد الملقب ب(طايل اليد) بن الشيخ يوسف الملقب ب(أبوشرا) بن الشيخ محمد(صاحب غار بيله) بن الشيخ عبدالله الملقب ب(الطريفى) بن الشيخ محمد ابوعاقلة الملقب ب(الكشيف) بن الشيخ حمد النيل(أحد الخمسة العدول) بن الشيخ دفع الله بن السيد احمد مقبل بن السيد نافع بن السيد محمد بن السيد سلامة بن السيد أحمد بن السيد بدر بن السيد محمد بن السيد حسن بن السيد أحمد بن السيد عامر بن السيد حسين بن السيد إسماعيل بن السيد عبد الله بن السيد إبراهيم بن السيد الإمام موسى الكاظم بن السيد الإمام جعفر الصادق بن السيد الإمام محمد الباقر بن السيد الإمام على زين العابدين بن السيد الإمام المشهور بسيد الأئمة وقائد الأزمّة الذى أمتحنه الله بأنواع المحن والبلايا أبى عبد الله الحسين شهيد كربلاء رضى الله عنه وإبن السيدة فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين وبنت سيد المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وإبن فارس المشارق والمغارب أسد الله الغالب أمير المؤمنين سيدنا ومولانا أبى الحسن على إبن أبى طالب كرم الله وجهه ورضى الله عنه وأرضاه إبن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصى بن كلاب بن مرة بن كعب بن لوى بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ).
    أما من ناحية والدته فهى: السيدة النخيل بنت الشيخ عبد الله بن الشيخ حمد النيل بن الشيخ أحمدالريح بن الشيخ محمد بن الشيخ يوسف أبو شرا..الى بقية تسلسل النسب أعلاه.
    ولد الشيخ عبدالله عام1945م بقرية طيبة الشيخ عبدالباقي نشأ وترعرع ايام سنينه الاولي ايام خلافة جده الشيخ عبدالباقي ، تلقى تعليمه الاولي بخلوة طيبة ، وحفظ القرآن علي يد الشيخ الناجي محمد ابراهيم بمسيد الشيخ عبدالباقي بطيبة وتدرج في التعليم إلي مدرسة ود مدني الاميرية الوسطى ثم مدرسة حنتوب الثانوية ثم جامعة الخرطوم كلية العلوم .
    البيئة المحيطة بالشيخ عبد الله والتصوف:
    تعتبر بلدة (طيبة الشيخ عبدالباقى )على قدر كبير من الأهمية العلمية، ذات بيئة مفعمة بالعلم والورع باعتبارها مركزا للمعرفة والولاية والصلاح منذ تأسيسها على يد الشيخ يوسف(ابو شرا) الاب السادس للشيخ عبد الله. وكان جل أفراد أسرة شيخنا، الذين يشكلون مكونات هذه البلدة العلمية، على مستوى رفيع من علمي الظاهر والباطن. وكان آباؤه وأجداده رضي الله عنهم من خيرة العلماء ولهم قدم راسخ في الولاية .
    كانت تسمى طيبة في ما مضى باسم الخليفة الموجود فيها إلي أن آلت الخلافة إلي الشيخ عبد الباقي فأصبحت تسمى (طيبة الشيخ عبد الباقي) لأنه أول من قبر بها ولطول زمن خلافته وهو يعتبر المؤسس الثانى لطيبة بعد جده الشيخ يوسف أبو شرا .
    سماك طيبة يوسف متيمنـاً بمدينة المختار فهو حمـــاكِ
    والعابد الباقي يلازم ضيفـه وسط الدخان يحوم بالمِفــراكِ
    خمسون عاماً ناره لم تنطفى في الصبح والآصال في الأحلاكِ
    تلقاه يتلو في كتـــاب الله مطالعاً بترتلٍ وتفكُّرٍ وتباكـــى
    ولد الشيخ عبد الباقي سنة 1848م ووالدته هي السيدة فاطمة بنت الشيخ عبد الباقي بن الشيخ يوسف أبو شرأ ودرس القرآن الكريم وختمه ثلاث مرات حفظاً وأتقن العلوم الإسلامية ومذهب الإمام مالك . آلت له الخلافة عام 1900م فأعاد بناء خلوات القرآن بالطوب وأهتم بالتعليم المدرسي فأسس مدرسة من أوائل المدارس في السودان عام 1906م وكان يرسل إلي زعماء العشائر وأهل القرى المجاورة وأولياء الأمور لضرورة إرسال أبنائهم إلي طيبة لإلحاقهم بالمدرسة الأولية كما أهتم بتعليم البنات بتأسيس مدرسة أولية عام 1942م وكان الشيخ عبد الباقي ينفق علي المدارس من حر ماله يطعمهم ويسقيهم ويكسوهم ويسكنهم في منازله تلاميذ ومعلمين كما إهتم بالمجال الصحي فأسس الشفخانة الصحية أما علي المستوى القومي فقد كانت له وقفات حق سجلها له التاريخ أمام مفتشي الإنجليز لرفضه ظلمهم للأهالي ورفضه أن يكون جاسوساً علي أبناء المسلمين .ورغم إختلافه مع سياستهم فقد أهدى حكومة الإنجليز الأراضي التي أقيمت فيها مدرسة حنتوب الثانوية ـ كلية التربية جامعة الجزيرة حالياً ـ أهداهم الأراضي بمزارعها وجنائنها لوجه الله . كما كانت أراضى شيخ عبد الباقي تمثل اللبنات الأولى لمشروع الجزيرة الزراعي فحينما فكر الإنجليز في إنشاء المشروع كانت طيبة محط أنظارهم ويعتبر مكتب طيبة الزراعي الذي أقيم علي أراضى الشيخ عبد الباقي أول المكاتب الزراعية بمشروع الجزيرة .
    فى هذه البيئة نشأ، الشيخ عبدالله الشيخ أحمدالريح الشيخ عبد الباقى رضي الله عنه، بين أبائه الصالحين نشأة صالحة يؤدبونه ويلقنونه ويربونه تربية أمثاله من أهل البصائر. فتربى في عفاف وصيانة وتقي وديانة، أبى النفس عالي الهمة زكى الأخلاق محروسا بالعناية محفوفا بالرعاية. كريم الأخلاق مقبلا على الجد والاجتهاد متمسكا بالدين وسنة المهتدين معظما عند الخاصة والعامة. واستمر في طلب العلم وحبب إليه التعبد وقيام الليل وصار، رضي الله عنه، يدل على الله وينصح عباده وينصر سنة رسوله  ويحيى أمور الدين وقلوب المؤمنين، وصار يضرب المثل به في إحياء السنة وأتباع المحجة البيضاء والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. تفرغ الشيخ إلي المسيد والخلوة وملازمة شقيقه وشيخه الشيخ ابوعاقلة وذلك منذ عام 1964م .
    أخذه الطريق الصوفى:
    أخذ الشيخ عبدالله الطريق الصوفى من شقيقه الشيخ أبوعاقلة وينتهى سنده فى الطريق الى الشيخ عبدالله العركى الذى ينتهى سنده الى الشيخ عبد القادر الجيلانى ، وقد أوردنا خبره فى الفصل السابق، وسلسلة الطريق عند الشيخ عبدالله أزرق طيبة ترد على النحو الآتى:
    إجازته من شيخه وشقيقه الشيخ أبوعاقلة عن أبيه وشيخه:الشيخ أحمدالريح عن أبيه وشيخه:الشيخ عبد الباقى عن أبيه وشيخه:الشيخ حمدالنيل عن أبيه وشيخه:الشيخ أحمدالريح عن أبيه وشيخه:الشيخ محمدالزاهد عن أبيه وشيخه الشهيرالمنير:الشيخ يوسف أبوشرا عن أبيه وشيخه مربى العباد:الشيخ محمد ودالطريفى(صاحب غار بيلة) عن شيخه:الشيخ دفع الله المصوبن عن أبيه وشيخه:الشيخ محمد أبوادريس عن أخيه وشيخه:الشيخ عبد الله العركى.
    والشيخ أبوعاقلة من أعلام الطريقة القادرية العركية، كان مع الالتزام التام بآداب الشريعة وهو يعيش فى حضيرات الحقيقة فأعطى من نفسه المثل الحى لاستقامة السلوك على منهج الطريق ، والخلق الاتم فى مضمار الشريعة فأفضى به ذلك الى مقام الارشاد فى مسالك العبودية والصدق حيث كمال الملكات الانسانية حينما ترتفع لمستوى العطاء الربانى فى مقام الاحسان الشهودى، وقد كان على دراية تامة بوسائل التخلية وجواهر التحلية ، ولوازم التجلية ، مما جعل منه لسانا ناطقا بحق الاسلام وحقيقته على السواء.
    وقد لازم الشيخ عبدالله شقيقه شيخه الشيخ أبوعاقلة لما وجده من سمو الروح، واشراق الوجدان ، وأشواق القلب وانشراح الصدر، وتفتح البصيرة، فتفتحت مدارك الشيخ عبدالله على أعماق رحيبة فى رحاب المعرفة كما تكشفت له مراتب وجودية سامية حيث وطّن الشيخ عبدالله النفس للتسامى اليها بهمة عالية، وعزم حديد حتى يعيش الحقيقة سنى يورث فرقانا نتيجة التقوى، كما عايش الشريعة سننا وأقضية أفضت الى تعبد مسئول ليبلغ بصاحبه الى عبودية مأمولة.
    وقد تفرس الشيخ أبوعاقلة فى تلميذه وشقيقه الشيخ عبدالله الهمة العالية، والعزيمة الماضية، مع الصدق وخلوص النية الى جانب النجابة والملكة القابلة، فأقامه على نهج الوصول، مع التمسك بالاصول فتكشفت له مرائى الوجود فى مظاهر الحقيقة الربانية، وتجلى له من مقام الحق فى مدارج الحياة ما أورث الشيخ عبدالله أزرق طيبة خشية وورعا وخاف من مقام ربه فنهى النفس عن الهوى وملأ القلب بالجوى، فدفعه الى معارج التقوى ومدارج الكمال فانطلق متساميا فى تلك المعارج وراقيا هاتيك المدارج واستنار القلب وانشرح الصدر واستحصد العقل فرأى الفؤاد من حقائق الايقان ما رأى فعاد الشيخ عبدالله أزرق طيبة بذلك من الموقنين فى تواضع لا ترى به مذلة، وحلم لايشينة عجز، وزهد فى دنيا الناس مع القدرة التامة على مشاركة الراكضين فى اوديتها ركضهم، زهد الواجد الغنى رجاءا لما عند الله.
    خلافة السجادة:
    فى العام 1990م، آل أمر الخلافة للشيخ عبد الله أزرق طيبة بعد انتقال شقيقه وشيخه الشيخ أبوعاقلة الى جوار ربه الذى كان ملازما له كما أشرنا، فحمل راية الطريق بعد شيخه فرقى بها درجات عاليات فى مراتب الارشاد والعرفان حتى ركزها على قمة سامقة وذروة من ذرى التصوف شاهقة لا يزال الباحثون يستكشفون مكنونتها وذخائرها من مكنون المعارف وأصيل العلوم. فواصل عمله بتأهيل وصيانة المسيد وتوسعة المسجد وخلوة القرآن الكريم فأعاد تجديد خلوات القرآن الكريم وزاد رقعة المسيد ، وزاد مساحة المسجد من الجهة الغربية بمساحة قدرها 330 متر مربع وهو الذي كانت مساحته 1000 متر مربع ، وأسس المدرسة الثانوية والمستشفى، فظلت طيبة التى يؤمها مئات الطلاب من كل صوب وحدب قاصدين المعرفة والعلم بالقرآن الكريم وعلومه منارة سمقت أنوارها تلاطف قلوب من هفت جوانحهم لحمل القرآن الكريم وعلومه. وكما هو الحال منذ القدم أن نفقات الدراسة ومعاش الطلاب كله كان علي يد الشيخ عبد الله دون من أو اذي ، وكذلك خلوته وتكية الخلافة توقد نيرانها لاتنطفي أبدا لاطعام الضيوف، يقصدها مئات البشر يوميا فهي ملاذ القلوب الهائمة إلي ذكر المصطفى  فتجد ضالتها هناك وهي مرتجى من أراد أن يقضي وطره فيجد قضاءه هناك وهي قبلة الاحباب للصحبة والمجالسة فيجد مايرومه هناك. اصبح ملاذ الناس في الملمات الى جانب ما له من خدمات اجتماعية وألوان من البر والإحسان والمواساة والمؤاخاة .
    كما أنه أعاد بناء مسيد آبائه بأبي حراز وعمل على تسوير مسجدها وزاد من مساحته ، كذلك أقام مجمعاً إسلامياً بمدينة كوستي وتضاعف عدد زوايا الطريقة بمختلف قرى ومدن داخل السودان، وامتدت رقعة دعوته لتشمل تلاميذ في السعودية ومصر والشام وتركيا وألمانيا واندونيسيا ودول غرب أفريقيا وغيرها ونشر الدعوة بجنوب السودان وله خلاوى هناك ظلت نيرانها تضئ حتى في زمن الحرب الأهلية والتمرد. حاول الشيخ عبد الله أزرق طيبة أن يجمع بين التأصيل والتحديث في تنظيم أحبابه ومريديه فأسس روابط أبناء الطريق القادري للجنسين كل على حدة بالمدن والأحياء والجامعات والمصالح الحكومية واجتهد في نفي ما ينسب للمتصوفة والسالكين من السلبية والتبطل، فجعل العلم وطلبه أو العمل الصالح أساساً للطريقة القادرية فتدافع إليه أساتذة الجامعات وطلابها والأطباء وأهل العلم والمعرفة والسياسة ليستمعوا إلى نصحه الهين .
    أخلاقه وصفاته وميزاته:
    قد اتصف بصفات عدة في انه جمع بين صفات ابائه فهو قد اخذ الشجاعة والكرم من جده الغوث الشيخ عبدالباقي والأناة والحلم والصبر عن ابيه الشيخ أحمد الريح والعلم والحكمة عن أخيه الشيخ ابوعاقلة، ولتوضيح ذلك نعطى مثال بينه وجده الشيخ عبدالباقى: نجد الحفيد عبد الله قد سار على خطى الجد الشيخ عبد الباقي سواء من حيث الاهتمام بتجديد وإعمار المسيد أو من حيث الاهتمام بالعلم والتعليم ونشرهما أو من حيث الجرأة على (كلمة الحق في وجه السلطان الجائر) دون أن تعني هذه الجرأة تعريض مصالح عامة الناس للضياع .
    كما كان للشيخ الحفيد عبد الله وقفات سجلها له التاريخ بأحرف من نور، فكان في مقدمة الطلاب الذين رفضوا الظلم والطغيان النوفمبري في 1964 حتى أصابته رصاصة في جبهته آنذاك. وظل فى مجاهدة ونضالاً مستمرين ضد كل ما رآه عسفا وجوراً بدءاً من قضايا المفصولين تعسفياً من الخدمة المدنية والعسكرية وانتهاء بقضايا مشروع الجزيرة مروراً بكل "نقطة" مظلمة في سياسات السلطة الحاكمة. فنجد الشيخ عبد الباقي رغم اختلافه مع سياسة الانجليز فقد أهدى حكومة الإنجليز الأراضي كما أشرنا. فتأمل كيف كان مشروع الجزيرة، الثدي الذي رضع منه السودان الحديث كامل كينونته، كيف كان في بدايته يقوم على سخاء الشيخ الجد وكيف كان في نهاياته يقوم بمجاهدات ومدافعات الشيخ الحفيد.؟ .
    معروف عن ساداتنا ابائه انهم لاينامون الليل قياما سجودا وركوعا وذكرا وتبتلا لله رب العالمين ، امتثالا لقوله تعالى في سورة المزمل: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ(1) قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلا (2) نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلا (3)أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا(4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلا (5)إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وطئا وَأَقْوَمُ قِيلا (6(.
    والمزمل هو النائم، وقيل المغطى في الليل- وليس معناها أن النبى  كان ينام ويتغطى وانما عندما فاجأه الوحى عاد وفؤاده مضطربا فقال للسيدة خديجة زملونى زملونى فلقب بالمزمل- وقد أمر الله رسوله أن يقوم الليل بالصلاة وتلاوة القرآن استعدادا للقول الثقيل الذي سيلقيه عليه سبحانه، ولنا في رسول الله  أسوة حسنة.
    اعطى الشيخ عبد الله أزرق طيبة من نفسه القدوة الكاملة للارشاد الى طريق الاخرة، وذلك لما تحلى به من كمال خلق، ونفاذ بصيرة، واستقامة سلوك، وزهد فى الدنيا، وترفع عما يشغل المقصد الاسمى. وتجافى عن منافسة أهل الدنيا دنياهم، فأستغنى بالله عز وجل عما سواه مع احتياج الناس اليه، حيث تحلى بسلطان التقى، وعز الطاعة، وكرامة الولاية، وحشمة العلم بالله عز وجل، والقرب منه تعالى. جعل منه منارة تهدى السائرين فى ليل الحياة طريقهم الى نور الهداية والمعرفة والوصول. شديد الورع، متواضع، صاحب عبادة، كثير الذكر، يشتغل بالعلم والذكر معا، شفوق على الفقراء والمساكين، كثير البر والإحسان، لا تكاد تجد له لحظة إلا وهو يشغلها بقضاء حوائج الناس أو ذكر أو إرشاد، عارف بالله، متمسّك بالكتاب والسنة، حاضر الذهن قوي الحجة ساطع الدليل، حكيم يضع الأمور في مواضعها، شديد النكير على من خالف الشرع، ذو همة عالية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يخاف في الله لومة لائم حتى هابه أهل البدع والضلال وحسدوه ورموه بالأكاذيب والافتراءات بقصد تنفير الناس منه لكن الله يدافع عن الذين امنوا.
    يمتاز الشيخ عبد الله أزرق طيبة بالنـزعة الإنسانية المنفتحة على سائر الأجناس متبعا قول الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ(الأنبياء 107، وقوله تعالى: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (الأنبياء92، وقوله تعالى: (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (المؤمنون52، لأن الإسلام في جوهره دين منفتح على كل الأجناس لا فرق بين مسلم ومسلم يختلفان جنسا او لغة او لونا او مكانا او زمانا إلا بالتقـوى:(ان أكرمكـم عنـد الله اتقاكم) الحجرات13 ، فان نهج الشيخ عبد الله أزرق طيبة قد وسع من الآفاق التي يستشرف إليها الإسلام وامتد الى تحقق ذلك المجتمع المفتوح المنشود والمطمئن لان الطريقة منفتحة وشاملة لكل التجارب الإنسانية متعاطفة مع سائر التيارات والمناهج الروحية جامعة للأخوة الإنسانية بين الناس على اختلاف الأزمنة والأمكنة قال تعالى: (وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا (الأنفال : 61 ، وينطلق الشيخ عبد الله أزرق من حقيقة لا جدال فيها وهي أن الناس لا يمكن أن يكونوا نسخة مكررة لأن الله لم يفطرهم على ذلك بل جعل الاختلاف سنة فيهم قال تعالى: (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم …)الآية 118 و 119 من سورة هود ، أي لو شاء الله لجعل الناس كلهم مؤمنين مهتدين على ملة الإسلام ولكنه لم يفعل ذلك لحكمة.
    (ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ) أي ولا يزالون مختلفين على أديان شتى وملل متعددة إلا ناسا هداهم الله من فضله وهم أهل الحق( ولذلك خلقهم ) أي خلقهم لتكون العاقبة اختلافهم مابين شقي وسعيد ، قال الطبري : المعنى للاختلاف بالشقاء والسعادة خلقهم.
    ان احترام المعتقدات والمبادئ الأساسية لكل طرف مسألة بالغة الأهمية ولها أثرها الطيب على العلاقات بين الأمم والمجتمعات فلكل أمة عقيدة أو مبادئ تقدسها وتلتزم بها وتعتبرها أسمى من غيرها ويدخل في هذا أركان الإيمان عند المسلمين، من إيمان بالله وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، والقدر خيره وشره .. ولغير المسلمين ما يقدسونه ويحتفون به من آلهة يعبدونها، أو مبادئ يعتزون بها .. ومبدأ الاحترام مبدأ قرآني أصيل دل عليه قوله تعالى :(ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ..) الآية 108 من سورة الأنعام، أي لا تسبوا آلهة المشركين وأصنامهم فيسبوا الله جهلا واعتداء لعدم معرفتهم بعظمة الله ، قال ابن عباس : قال المشركون لتنتهين عن سبك آلهتنا أو لنهجون ربك فنهاهم الله أن يسبوا أوثانهم .
    ومعاملة أي من الطرفين للآخر بعدم احترام وخاصة في هذا الجانب لها آثار مأساوية، وأنصع مثال على ذلك ما اقترفته الصحيفة الدانمركية ورساميها من تعريض ######رية بسيدنا محمدوهو المكر الشنيع الذي أوقد نارا لا تزال مشتعلة.
    واذا نظرنا الى آيات القرآن الكريم الذى نزل به الروح الأمين على سيدنا محمد  لتبليغه للناس كافة منها قوله تبارك وتعالى: (انما المؤمنون أخوة)، وقوله تعالى:(فأصبحتم بنعمته أخوانا) والكل يعلم ما لهذه الآيات القرآنية من دلالات وعظات وعبر تعجز عن التعبير عنها الألسن وتؤكد ان الدين الإسلامي هو دين الإسلام والتآخي والمحبة.
    و يتميز الشيخ عبد الله أزرق طيبة بالايجابية في سبيل الإصلاح، إصلاح الأفراد والمجتمع، ويسعى لأن يؤصِّل قيمة الإيجابية هذه بين المريدين، وأن يفعِّلها؛ حتى يتم التغيير امتثالا لقوله تبارك وتعالى :(إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) الرعد: من الآية 11. والإيجابية لغةً :هي مصدر صناعي من "وجب الشيء يجب وجوبًا: لزم وثبت، وأوجب الشيء: جعله لازمًا". المعجم الوجيز، واصطلاحا هى حالةٌ في النفس تجعل صاحبها مهمومًا بأمر ما شرعي، ويرى أنه مسئول عنه تجاه الآخرين مسئوليةً أدبيةً نابعةً من ذاته، ولا يألو جهدًا في العمل له والسعي من أجله.
    الايجابية هي الروح التي تدبُّ في الأفراد فتجعل لهم قيمةً في الحياة، وتدب في المجتمع فتجعله مجتمعًا نابضًا بالحياة، وهي الدليل الهادي الذي لا يضل الطريق، والأمل الذي لا يتبدد، والمطية التي لا تكبو، وهي صمام أمان للجميع، وهي جماع عدة أمور من أمرٍ بالمعروف ونهيٍ عن المنكر، وبرٍّ ووفاءٍ وصدقِ عهد مع الله… إلخ.
    فالإيجابية حياة، حياةٌ بمعنى الكلمة للأفراد والمجتمعات؛ لأن السلبيين أموات وإن كانوا يدبون على ظهر الأرض بأرجلهم، وباطنها أولى لهم من ظاهرها إذا استمرأوا هذه الحياة الدون.
    هذه بعض النقاط التي تظهر أهمية الإيجابية عند الشيخ عبد الله أزرق طيبة:-
    (أ)تعمل على تصحيح المفاهيم بالنصح للامة:
    نصح الامة رعاة ورعية هى الدين فى صورة من صور التفاعل بداعية من الرقابة الاجتماعية، فى اطار الولاية الاجتماعية العامة، فالانسان المؤمن راع لقيم الخير والعدل والحق والطهر والفضيلة فى مجتمعه، وهو مسئول عن رعيته تتمثل هذه المسئولية وتبدو فى التزام المؤمن بمبادىء الاسلام وقيمه وشرائعه وشعائره فى حياته، لأن النصح يحمل من معانى القوة والتمسك والارتباط بمعاقد الشريعة ما لا يحمله لفظ آخر، والنصح للامة هو ان يكون المسلم فى حياته كما يرى الناس من مظاهر التدين وصفات الخير، ليكون ناصحا لامته بلسان حاله، والا فليرهم ما يكون حتى لا يخدعهم المظهر الكاذب والتلبس بثوب زور ولا سيما عند القادة من الامة ونصح الامة يلزم ان يكون الناصح صادقا وأمينا ومتجردا، يبغى الخير ويستهدف البناء، منفعلا بقضايا الأمة بما يجعله مركز حركة دائبة ومركز طاقة مرشدة الى الخير، آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر، كلازم من لوازم نصح الامة، لتكون هذه الجزئية من جزئيات السبق فى مضمار الطريقة القادرية عند الشيخ عبدالله دليلا على ان التصوف الاسلامى فى جوهره لايعرف السكون والسلبية أمام قضايا الامة، وتمسكها بعواصم الدين ومعاقد التقوى. ونصح الامة – كان وما يزال – من اسباب القرب الالهى. قال رسول الله :(الدين النصيحة قلنا لمن يارسول الله قال: لله ورسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم). من هذه الحياض يستمد الشيخ عبدالله أزرق طيبة شرعته.
    والشيخ عبدالله أزرق طيبة عندما يصدع بكلمة الحق الناصحة فى مقامات مخوفة لايفعل ذلك تسجيلا لموقف بطولى ينتظر توظيفه لمآرب سياسية أو شخصية، كما انه لايعطى مثالا على حرية التعبير وحق الكلام بما هو حق ليدلل على حق انسانى يمكن ان يمارس دونما رهبة فان حيل بينه وبين الحق قام عذره وخلت ساحته من التبعة كما هو المفهوم الشائع، ان كلمة الحق تقال فى موقف الصدق أمام الجور والظلم، هى واجب محتم يستشعره العلماء الربانيون بما استحفظوا من كتاب الله وما حملوا من شرائعه ومنهاجه فيقومون بأدائه على الذلول والصعب من الوسائل، وفى المرغوب والمرهوب من المقامات – مما لعله مدعاة استغراب وعجب ممن ينظر الى كلمة فى هذا المقام باعتباره حقا للمتكلم – فان اعطيه شكر، وان حرمه صبر وسكت معذورا، فان لم يسكت على التحذير والانذار والترهيب، أعتبر الناس موقفه هذا عنادا ومشاكسة وسببا للمشاكل بتسجيل مواقف البطولة وما يدرى هؤلاء: أن السكوت عن الحق شيطنة خرساء وأن التخاذل عن اداء الواجب فى مقامه تخاذل تدفع اليه الخشية أوالرجاء، والله أحق بالخشية وخيرا أملا ورجاءا. وقول الحق في أي موقف هو الجهاد باللسان لقوله تعالى في سورة سورة البقرة: ( وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (42) ولقوله تعالى في سورة الكهف: ( وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ(29(.
    واذا كان الشعور بواجب الكلمة الحق وراء نصائح الشيخ عبدالله أزرق طيبة فان من لوازم هذا الشعور الثبات على موقف الحق والاصرار على ابلاغ كلمة الحق هذه، وهكذا كان حال الشيخ عبدالله أزرق طيبة فى نصائحه.
    وقد صوَّر النبي في تصويرٍ دقيق حال الأفراد إذا كانوا إيجابيين، ونتيجة ذلك على المجتمع الذي يعيشون فيه، والذي صوَّره بسفينةٍ تسير وسط الأمواج المضطربة، وحالهم إذا كانوا سلبيين وأثر ذلك على المجتمع نفسه؛ صوَّر ذلك كله في صورةٍ تمثيلية فقال : "مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللهِ وَالْمُدْهِنِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فِي الْبَحْرِ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا يَصْعَدُونَ فَيَسْتَقُونَ الْمَاءَ فَيَصُبُّونَ عَلَى الَّذِينَ فِي أَعْلاَهَا. فَقَالَ الَّذِينَ فِي أَعْلاَهَا: لاَ نَدَعُكُمْ تَصْعَدُونَ فَتُؤْذُونَنَا. فَقَالَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا: فَإِنَّا نَنْقُبُهَا مِنْ أَسْفَلِهَا فَنَسْتَقِي. فَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ فَمَنَعُوهُمْ نَجَوْا جَمِيعًا، وَإِنْ تَرَكُوهُمْ غَرِقُوا جَمِيعًا". أخرجه الترمذي في "الفتن".
    ففي هذا الحديث النبوي الشريف يضرب لنا النبي المثل حتى تتضح أمامنا حقيقة الأشياء ويزول اللبس؛ حيث شبَّه المجتمع الذي نعيش على أرضه بالسفينة، والمعاصي والذنوب بالبحر، والأفراد الذين يركبون السفينة هم أفراد المجتمع، فلو أن هؤلاء الأفراد تناصحوا فيما بينهم وتعاونوا على البر والتقوى وتناهوا عن الإثم والعدوان، كان مجتمعهم عاليًا راقيًا قويًّا فتيًّا.
    وعلى العكس من ذلك؛ فلو ساد في هذا المجتمع التناحر واقتراف المعاصي وعدم المبالاة وإعجاب كل ذي رأي برأيه، لأصبح هذا المجتمع ضعيفًا ركيكًا، ولأصبح قول الحق فيه والتناهي عن المحرمات وارتكاب الموبقات وفعل المهلكات صرخةً في وادٍ أو نفخةً في رمادٍ.
    (ب)تمنع من جور الحكام والسلاطين:
    الحاكم ما هو إلا فرد من أفراد المجتمع، يباشر حكمهم، فإذا قام بينهم بالقسط فهذا غاية المُنى، وإن لم يعدل وجب على مجتمعه أن يبيِّن له مغبة ظلمه.
    الله تعالى يامر بالعدل: (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (المائدة:8). من أراد العدل والإنصاف فليضع نفسه مكان أخيه ، وليفعل ما يرضاه لنفسه.
    أرض للناس جميعا مثلما ترضى لنفسك .... إنما الناس جميعا كلهم أبناء جنسك
    فلهم نفس كنفسك ........ولهم حس كحسك
    شكا رجل عليا رضي الله عنه الى عمر رضي الله عنه فلما جلس عمر لينظر في الدعوى قال لعلي: ساو خصمك يا أبا لحسن فتغير وجه علي رضي الله عنه. ثم قضى عمر في الدعوى وذهب الخصم فالتفت عمر إلى علي وقال أأغضبتك يا أبا الحسن إذ سويت بينك وبين خصمك؟ قال عليّ : كلا بل لأنك لم تسوي بيني وبينه يا أمير المؤمنين لقد أكرمتني ودعوتني بكنيتي يا أبا الحسن ولم تناد خصمي بكنيته فذلك الذي أغضبني، فقبل عمر رأس علي وقال: لا أبقاني الله بأرض ليس فيها أبو الحسن .
    حكموا فكان العدل شرعة حكمهم ........ ما الحكم ما السلطان إن لم يعدل
    سارت مبادؤهم وسارت خلفها ............ أفعالهم في موكب متمثل
    شادوا من التقوى أصح مواقف ............ وبنوا من الحسنات خير قلاع
    * إعطاء كل ذي حق حقه عين العدل .* مدح من يستحق المدح في غير ما خشية الفتنة عليه عدل.* تأنيب من يستحق التأنيب عدل.* الإعتراف بجهود الأخرين عدل.* الإعتراف بالخطأ والرجوع عنه عدل.* قبول النصح عدل. * إسداء النصح عدل* التربية على العدل عدل.
    وراع صاحب كسرى ان رأى عمراً ** بين الرعية عطلاً وهـو راعيها
    فوق الثرى تحت ظل الروح مشتملاً ** ببردة كـاد طـول العهد يبليها
    فقـال قــولة حق اصـحبت مثــلاً ** وأصبح الجيل بعد الجيل يرويها
    أمنت لمّـا أقمـت العـدل بينهموا ** فنمت نـوم قريـر العين هاينها
    فالإيجابية هي التي تبني الفرد بناءً سليمًا، وإذا شعر الفرد بمسئوليته تجاه مجتمعه أهمَّه ما قد يجده من سلبيات فيه، فيعمل على تغييرها أو إزالتها بالتعاون مع مَن ينتهجون نفس المنهج وتجمعهم نفس التصورات.
    (ج) تُعرِّف المرء ما له من حقوق وما عليه من واجبات:
    يعيش المرء في مجتمعه من خلال شبكة معقدة من العلاقات، ولا بد من وجود قواعد تنظِّم تلك العلاقات، والقاعدة المحكمة هي أن يعرف المرء ما له من حقوق وما عليه من واجبات؛ فلا يعيش ينتظر من الآخرين ما عليهم تجاهه من حقوق وينسى الواجبات المنوطة به، ولكن كما يأخذ يعطي، فلا ينتظر الولد- مثلاً- أن يلبيَ أبوه كل ما يرغب فيه، وفي المقابل يضن على أبيه ببرِّه والإحسان إليه ، وهكذا على كل المستويات والأصعدة.
    فالسلبي هو الذي لا يرى لغيره حقوقًا عليه، وفي المقابل يحب أن يأخذ كل ما يراه حقوقًا مكتسبةً له، ويضيق صدره ويتبرم إذا قصَّر أحد معه أو منعه ما يراه حقًّا له.
    (د)تجعل المرء يتحمَّل مصاعب الحياة ويتغلَّب عليها:
    الحياة لا تسير دائمًا على وتيرةٍ واحدة؛ فيوم حلو وآخر مر، وكما قال الشاعر أبو البقاء الرندي:
    لِكُلِّ شَيءٍ إِذا ما تَمّ نُقصانُ فَلا يُغَرَّ بِطيبِ العَيشِ إِنسانُ
    هِيَ الأُمُورُ كَما شاهَدتُها دُوَلٌ مَن سَرّهُ زَمَن ساءَتهُ أَزمانُ
    والإنسان السلبي هو الذي تغلبه الأزمات، وتصرعه الملمات، وربنا- عز وجل- يأمر المسلمين بقوله: (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا) آل عمران: من الآية 139، تهنوا: أي تضعفوا؛ فبتوطين المرء نفسَه على الجلَد والصبر والمثابرة يكون قد أخذ عُدَّته التي بها يلاقي أصعب الظروف وأحلكها، ويخرج من تلك المعركة منتصرًا ظافرًا.
    وهكذا تكون ثقة الداعية بنفسه نابعة من شرف انتسابه لهذا الدين وهذا المنهج، وشرف السير في الطريق المستقيم الذي رسمه رسول الرحمة . فمن زاغ عن المنهج المحمدي فلا قيمة له في الدنيا والآخرة. فنحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فمن ابتغى العزة في غيره أذله الله. قال تعالى في سورة المنافقون: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ).
    (ه)تمنع المرء من الوقوع في اليأس والقنوط:
    من ذاق طعم الفشل عرف لذة النجاح، والنجاح كوميض البرق؛ ما يلبث أن يظهر حتى يختفي؛ فالمحافظة على النجاح تحتاج إلى صبرٍ ومثابرةٍ وعزم أكيد، وكما قيل: الوصول إلى القمة سهل، ولكن الحفاظ عليها هو الصعب.
    والمرء إذا أخطأ طريق النجاح مرةً لا بد أنه سيصيبها في مرة أخرى قادمة؛ فالمهم ألا نيأس وألا يدب القنوط في نفوسنا؛ فاليأس والقنوط عقبة كئود في طرق نجاح الدعوات، ولو أن كل صاحب دعوة ربانية أو غاية نبيلة أو هدف سامٍ قابلته مشكلة يترك ما يريد أو ما أُريد له من شدة الإحباط لما بُلِّغت الرسالات ولا عُرفَت الشرائع، ولنا الأسوة والقدوة في أصحاب الدعوات الربانيين من الأنبياء والرسل الذين واجهوا مجتمعاتهم المنحرفة عن النهج السليم وحدهم؛ فمنهم من فتح الله له القلوب بعد انغلاقها، ومنهم من لم يزدهم دعاؤه إلا فرارًا، ولكنه لم ييأس ولم يفتر حتى جاءه الفرج من الله عز وجل.
    نكتفى بهذه النقاط والكلام يطول فى صفات الشيخ عبد الله، ونذكر بأن الدعوة إلى الله تحتاج إلى تضحية على مستوى النفس والوقت والمال، وكلها أساسية لدعوة موفقة ، والله عز وجل يمدح المضحين بقوله تعالى في سورة البقرة وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ .
    منهجه فى الطريقة:
    استمر الشيخ عبد الله في نشر الطريقة والأذن في الأوراد ، وقد كرس حياته للتربية الروحية والأخذ بيد السالكين لترقيتهم إلى أعلى درجات القرب سيرا على منهج الطريقة الذى هو شفاء للانسان من كل داء يلازمه وغاية هذا المنهج بلوغ مرتبة من الطهارة والكمال كونه أخصب جانب للحياة الروحية الإسلامية فهو تأمل لأحوال الإنسان في الدنيا وتزكية له قال تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا) سورة الشمس9، فلا فلاح ولا صلاح من دون ذم الجوارح وكبح الغرائز لذلك فان الطريقة هي عامل نهضة وانبعاث يهذب الشخصية الإنسانية ، فيستقيم السلوك بتعاليمها وتزكو الأخلاق بقيمها ، فيرتقي المجتمع بها ، وتشكل حلا للعديد من المشاكل والأزمات الاجتماعية ، وما سالكوا هذه الطريقة حق سلوكها إلا أطباء نفسانيون يعملون على شفاء بلايا الآخرين لأنهم كما يقول الشيخ المحاسبي في كتابه (المحبة): (قد رنوا بأبصارهم بفضل ضياء الحكمة الإلهية الى المناطق التي تنمو فيها الأدوية وقد علَّمَهم كيف يفعل الدواء ، فبدأوا بشفاء قلوبهم ، وأمرهم حين ذاك بان يواسوا قلوب المحزونين والذين يتألمون ( .
    فالطريقة اذن هي علاج بدأ الطبيب المعالج فجربه على نفسه ابتغاء ان يفيد به الآخرين والطريقة، كما يقول الشيخ الجنيد:)ما أخذنا التصوف عن القيل والقال، ولكن عن الجوع وترك الدنيا وقطع المألوفات والمستحسنات) كتاب الرسالة القشيرية.
    ومن هنا برزت قيمة الطريقة ووجوبها للمجتمع وقد استطاع الشيخ عبدالله أزرق طيبة أن يستقى من حياته الباطنة الوسائل لعلاج آلام القلوب ، وتضميد جراح الجماعة، ووضع الإيثار شعارا له ، قال تعالى:) يُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) الحشر : 9..
    لما كانت الطريقة هي التطبيق العملي لأركان الدين الثلاثة : الإسلام والإيمان والإحسان ، ولما كان لكل مسلم أسلوبه الخاص في تطبيق تلك الأحكام من الناحية الروحية، فنجد الشيخ عبد الله أزرق طيبة سار على نهج الشيخ عبدالقادر الجيلانى الذى انتهج منهجا وسطا فى الدعوة والارشاد الى الله تعالى وقد قام هذه المنهج على ثلاث دعائم:
    أ‌- العلم بالقرآن والسنة وفقهها،
    ب - الوعظ والارشاد،
    ج - تزكية الروح بترويض النفس ومجاهدتها.
    وهو المنهج الذى التزمته الطريقة القادرية، وهى تحمل رسالة الاسلام من خلال التصوف الاسلامى، وعمل الشيخ عبدالله أزرق طيبة على تطبيقه نبين ذلك ان شاء الله فى بقية فصول هذه الرسالة .






















    الفصل الثالث
    البيعة والعهد
    يلاحظ ان منهج الطريقة القادرية قد اتسم بالشمول الذى استهدف غايات محددة جعلها الشيخ عبدالله مقاصد اساسية مضمنة فى بيعة الطريقة. ولفظها كما أخذها جده المؤسس من شيخه: الشيخ حبيب الله العجمى:( أستغفر الله العظيم من كل ذنب أتوب إليه (ثلاثة مرات) أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم بايعتك فى الدين والشريعة والمتابعة وجعلت نفسى مريداً للسيد محى الدين عبد القادر الجيلانى قدس الله روحه ونور ضريحه اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبى على دينك اللهم يا مصرف القلوب أصرف قلبى على طاعتك اللهم أكفينى بحلالك عن حرامك وأغننى بفضلك عن من سواك وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته أجمعين ).
    والبيعة هذه هى نقطة بداية انطلاق الشيخ عبدالله أزرق طيبة لتطبيق منهجه، فهو دائما عند البيعة لاحد الذين أراد الله لهم أن يسلكوا طريق القوم وبعدها يأمر المبايع بإتباع المأمورات وإجتناب المنهيات والقيام بأداء الفرائض والنوافل ومراقبة الله تعالى فى الحركات والسكنات والأقوال والأفعال ومعاملة الخلق بمقتضى الشرع والنصح لهم وأن كانت متضمنة فى البيعة، فتجد الشيخ عبدالله أزرق طيبة يردد دوما عقب البيعة قائلا: ( حافظ على الصلاة في المسجد أو فى جماعة والا لوقتها، وماتقوم من المصلاية الّا أذا ما أكلمت اذكار الاساس، ابتعد عن مصاحبة أهل الغفلة وأصحب الاخيار، وأملأ وقتك بالعمل الصالح ، حلقات القرآن، وحلقات علم أو عمل تأكل وتشرب منو، وماتنقطع عن زيارة طيبة فى المناسبات الدينية: هجرة المصطفى، النصف من شعبان، ليلة الاسراء والمعراج، غزوة بدر الكبرى، ليلة المولد النيوى الشريف، عيد الفطر والاضحى والعيد الصلاة) .
    وللبيعة فى الاسلام العديد من الادلة نذكر منها هذا الحديث الشريف:عن عوف بن مالك قال : كنا عند رسول الله تسعة فقال: (ألا تبايعون رسول الله (، وكنا حديثى عهد بالبيعة ، فقلنا : قد بايعناك يا رسول الله، ثم قال :
    (ألا تبايعون رسول الله ؟)
    فقلنا : قد بايعناك يا رسول الله ، ثم قال :
    (ألا تبايعون رسول الله ؟)
    قال : فبسطنا أيدينا وقلنا : قد بايعناك يا رسول الله فعلام نبايعك قال:"على ان تعبدوا الله لا تشركوا به شيئا والصلوات الخمس وتطيعوا وان لا تسألوا من الناس "
    فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط احدهم فما يسأل أحدا يناوله إياه) رواه الإمام مسلم- باب الزكاة – ج2 ص 721.
    وقد اشترط رسول الله  على هؤلاء النفر ان يعاهدوه على جانبين أساسيين :
    الأول : الجانب العبادي والاعتقاد ، متمثل بشرط العبادة والتوحيد والصلاة .
    والثاني : الجانب العملي المتجسد وهو الطاعة في كل شيء وخصوصا عدم سؤال الناس أي شيء ، أي لا يطلب احدهم من أحد أي شيء مهما كان يسيرا.
    هذا هو عهدهم مع الله تعالى على يد رسوله ، وهذا هو طريقهم الذي رسمه لهم حضرة الرسول  وعلى أساس تطبيقه تتحقق مراتبهم ومنازلهم (وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (الفتح : 10. الطريقة مع هؤلاء عبادة واعتقاد وعمل في اطار الطاعة لله ورسوله  وأولي الأمر منهم.
    ولو تعمقنا قليلا في فهم الشرط الأخير من شروط هذه المعاهدة لرأينا فيه وسيلة عجيبة لرفع مرتبه هؤلاء النفر في أركان الدين الثلاثة (الإسلام الإيمان الإحسان) ..كيف ؟
    في الحالة الاعتيادية كم يحتاج الإنسان ان يسأل الناس مساعدتهم في صغير الأمور وكبيرها؟
    تكاد تكون كثيرة وكثيرة جدا .. هنا وكلما احتاج احد أولئك النفر أن يسأل أحدا شيئا أو يطلب منه شيء حضر إلى عقله وقلبه عهده مع رسول الله  ، فيمنعه ذلك الحضور من ذلك السؤال ، ويعمله بنفسه ، وهذا الحضور لرسول الله ، هو حضور مع الله تعالى ، الطاعة لرسول الله ، هي طاعة لله تعالى: ) مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ (النساء : 80، وهذه التربية على عدم الاعتماد على الناس في صغير الأمور وكبيرها تربي العبد على التوكل على الله تعالى وعلى اللجوء إليه قلبيا في كل لمحة ونفس ، فبهذا العهد الخاص وهذه البيعة الخاصة وهذه الطريقة ، رسم رسول الله لهؤلاء النفر من الصحابة منهجا ومسلكا يحققهم باركان الدين الثلاثة ، الإسلام الإيمان الإحسان :
    الإسلام : حين يعبدون الله لا يشركون به شيئا ويؤدون فرائضه في أوقاتها .
    الإيمان : تمسكهم بما عاهدوا عليه الله ورسوله .
    الإحسان : الحضور الدائم مع الله تعالى من خلال تذكرهم لله في كل حاجة يحتاجون سؤال الناس فيها .
    وهذا هو معنى الطريقة بالنسبة لهؤلاء النفر.
    ان مقاصد البيعة تزكية المسترشد من رين الإكتساب الآثم , وتخليته من خصال الجهالة وهى النفس الأمارة بالسوء ثم تحليته بالإخلاق النورانية والآداب الربانية سمواً به إلي مدارج الإنسانية الرفيعة , حينما يتحرر من كل شئ سوى الله فيكرمه الله بمقام العبودية وبيعه الطريق في جملتها , بيعة على ترك المنكرات جزماً , وفعل الخيرات قدر الوسع والطاقة, وعندما يأذن الشيخ عبد الله أزرق طيبة للمريد ويحدد له (أوراده) أذكاره اليومية يرشده أيضا بأن يعمل بها حسب طاقته، لأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها , وقد جاء الهدى النبوي للعاملين في طريق الحق:[ أكلفوا من العمل ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا ]الحديث . وفى رواية اخرى : (عليكم بما تطيقون فالله لا يمل الله حتى تملوا ، وكان أحب الدين إليه ما دام عليه صاحبه ) صحيح البخارى .
    ويمكننا أن نعتبر هذا الحديث أحد أهم الأسس التي قامت عليها الطريقة القادرية . فهذا الحديث فيه تأكيد على أن الطريقة القادرية العركية التي هي فرع من الطريقة القادرية، التي تعتبر من الطرق الصوفية الأكثر اعتدالاً، ترتبط بشكل أساسي بالشرع المحمدي، وتتخذه محوراً لعلاقات الفرد مع الأشياء من حولـه.
    فإذا أخذ المريد البيعة من الشيخ تحقيقاً لهذه المقاصد فإن العهد بذلك يلزم أن يكون عهداً مسئولاً وما نشأ من إلتزام بمقتضيات هذا العهد يرتقي إلي درجة [ الوجوب ] ذلك لأن العهد لا يعدو أن يكون نذراً بطاعة الله وفعل ما يقرب إليه ، يقول تبارك وتعالى : [ إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله , يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيماً ] .سورة الفتح ( 10 ) .
    والبيان القرآني يحفل بذكر الوفاء بالعهد بإعتباره من الأخلاق العملية والخصال السلوكية التي لا بد أن تنعكس أثارها الإيجابية على حركة الإنسان في المجتمع , ولما يترتب على الوفاء بالعهد أو النكّث به من آثار على مستوى العلاقات الإجتماعية إيجاباً أو سلباً , ولإهمية الوفاء بالعهد في كل تنظيم جماعي يقتضي قائداً ومقوداً , ولا سيما في مضمار الجهاد اكبره وأصغره , فإن القرآن الكريم قد جاء بآيات تلفت النظر إلي مفهوم الوفاء بالعهد وأهميته .
    وعندما يحرص مشايخ التصوف الإسلامي على أن يفي تلاميذهم بما تلقوا من عهد وما إلتزموا من بيعة على أيديهم فإنما يرتكزون في ذلك على أصل مشروع في مصدر يمثل المرجعية الأعلى لكافة الأحكام في علم الأصول والوصول, وهي القرآن الكريم ونورد فيما نحن بسبيله : -
    قوله تبارك وتعالى : [ وافو بالعهد , أن العهد كان مسئولا ] .الإسراء (34)
    وقد جاءت العبارة جزءاً من آية في سياق عدد من الآيات تأمر المؤمنين بخصال الخير وأعمال البر ومسالك الفضائل , وقد جاء لفظ العهد في سياق الآية واللام فيه لام جنس ليشمل الوفاء بالعهد كل عهد في طاعة تعهد به المؤمن , ذلك لان العهد بالقربات يجعلها لازمة لأنه عهد يتضمن معنى النذر بطاعة الله قربى يلزم الوفاء بها .
    ومن إلتزم من المؤمنين شيئاً من الطاعات ألزمها فيكون مسئولاً عن الوفاء بها وبهذا الإعتبار كان العهد مسئولا , وهي مسئولية أمام الله تبارك وتعالى , مما يجعل المؤمن الذي يعطي الوفاء بهذا العهد أولوية ناجزه وأهمية تعلوا على كافة مهام الحياة ذلك لان الوفاء بالعهد في طاعة الله تبارك وتعالى يجعل للحياة معنى, ويربط المؤمن بما يتجاوز ذاته رجاء ما عند الله تبارك وتعالى .
    ويقول الله تبارك وتعالى :( وافوا بعهد الله إذا عهدتم ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها, وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً إن الله يعلم ما تفعلون(91) ولا تكونوا كالتى نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هى أربى من أمة انما يبلوكم الله به وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون (92) ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدى من يشاء ولتسئلن عما كنتم تعملون(93) ولا تتخذوا ايمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السؤ بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم(94) ولا تشتروا بعهد الله ثمناً قليلاً انما عند الله هو خير لكم ان كنتم تعلمون(95) ما عندكم ينفذ وما عند الله باق ولنجزين الذين صبروا أجرهم باحسن ما كانوا يعلمون(96) من عمل صالحاً من ذكر أو انثي وهو مؤمن فلنحييه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون(97) ) " النحل 91 – 97 "
    ومن خلال الأسس التي إعتمدها الشيخ عبد الله للطريقة (الكتاب والسنة)، فهى تعيد لعلاقات المريد مع الأشياء من حولـه رصانتها ومتانتها. فالقرآن يعطي لهذه العلاقات أصوليتها دون مواربة أو غموض. والسنة تغذّي التجربة العملية للفرد من خلال مجموعة من القيم والسلوكات. إذ إن الكتاب والسنة ليسا مجرد تراث قديم، بل هما فاعلية متجددة في الزمان والمكان.
    أيضا نجد ان بيعة الشيخ عبد الله تستند إلى عدد من الفاعليات مستمدة من الكتاب والسنة وهي: المحبة، والذكر، والفكر، والتسليم والمتابعة:
    أولا الذكر والفكر:
    فالذكر هو لبّ القرآن، وهو متعبد بتلاوة كل حرف فيه؛ والفكر هو محتوى السنة، بما هي تفسير وتعميق لمفاهيم الشرع؛ قال الشيخ احمد بن حجر فى معنى الذكر : الذكر شرعا قول سيق لثناء او دعاء وقد يستعمل شرعا أيضا لكل قول يثاب قائله، وقال الرازي في قوله تعالي (فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون ) البقرة ،،152،،: "اعلم ان الله تعالي كلفنا في هذه الآيه بأمرين : الذكر، والشكر أما الذكر فقد يكون باللسان ، وقد يكون بالقلب وقد يكون بالجوارح ، فذكرهم اياه باللسان ان يحمدوه ، ويسبحوه ، ويمجدوه ويقرأوا كتابه ، وذكرهم اياه بقلوبهم علي ثلاثه أنواع : أحدهما : ان يتفكروا فيه في الدلائل الدالة علي ذاته، وصفاته ويتفكروا في الجواب عن الشبهة القادحة في تلك الدلائل ، وثانيها: ان يتفكروا في الدلائل الدالة علي كيفية تكاليفه واحكامه وأوامره ، ونواهيه ، ووعده. وثالثها: ان يتفكروا في أسرار مخلوقات الله تعالي حتى تصير كل ذرة من ذرات المخلوقات كالمرآة المجلوه المحازيه لعالم القدس، فإذا نظر العبد اليها انعكس شعاع بصره منها إلى عالم الجلال ، هذا المقام مقام لا نهاية له، أما ذكرهم إياه تعالي بجوارحهم فهو ان تكون جوارحهم مستغرقة في الأعمال التي أمروا بها وخالية من الأعمال التي نهوا عنها ، وعلي هذا سمي الله تعالي الصلاة ذكرا بقوله:( فاسعوا إلى ذكر الله) فصار الأمر بقوله:( فاذكروني) متضمنا جميع الطاعات، فلذا روي عن سعيد بن جبير انه قال:( اذكروني بطاعتي فاجمله حتى يدخل الكل فيه ) واما قوله تعالي: ( أذكركم ) فاظهر ما قيل فيه: ( أذكركم برحمتي ) أى( أذكركم برحمتي )".أنتهى
    وكثيراً ما تعتري النفس الغفلة، ويعرض لها الذهول والنسيان، فهي في حاجة إلى مّن يذكرها إذا نسيت، وينبهها إذا غفلت، ويوقظ فيها حاسة الخير لتنبعث إلى غايتها، دون توقف أو إبطاء. وليس أنفع لها، ولا أجدى عليها من تلاوة كتاب الله، ومداومة الذكر، فهما ربيع القلوب، وجلاء الأحزان والهموم.
    وذلك أن مناجاة الله عن طريق التلاوة والذكر تقوي العزائم وترهف المشاعر والأحاسيس، وتسمو بالانسان إلى الذروة من الروحانية والكمال، فيبدو الانسان إنساناً متكاملاً، هيناً، ليناً، متفائلاً، لا يني عن الخير، ولا يقصر عن غاية.
    ولذلك نجد ان لبيعة الشيخ عبد الله أذكار مستمدة من الكتاب والسنة تصحبها وتؤسس عليها تعطى للمبايع أثر البيعة وتعتبر جزاءً منها وتكون عقب الصلوات الخمس مباشرة تسمى اذكار الأساس وهى المشار اليها بقوله عقب البيعة:(وماتقوم من المصلاية الّا اذا ما أكلمت اذكار الاساس) وهى:
    أولا: الباقيات الصالحات(سبحان الله 33 مرة والحمد لله 33 مرة والله أكبر 33 مرة)، ثم (الإستغفار مائتان ، والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم مائتان، لا إله إلا الله مائتان ، والله الله مائتان (جرد) ، والأسماء الحسنى مرة واحدة). وسوف نفصل ذلك ان شاء الله فى الفصل الخاص الذكر بهذه الرسالة.
    ثانيا المحبة:
    والمحبة هي جماع الروابط، ولُحمة العلاقات التي تجمع المريد بكل ما حوله؛ و هى قطب يدار حوله. إن الحب والوفاء والود والإخاء حقيقة وجدانية، بل أمرٌ فطرى جبلت عليه النفوس البشرية لا بل هو من الإيمان إن كان خالصاً للرحمن، فالأخوة الحقَّة والمحبة الصادقة تولّد في النفس أصدق العواطف النبيلة وأخلص المشاعر الصادقة بلا تلفيق اعتذارات ولا تنميق عبارات بل صدقٌ في الحديث والمعاملة والنصح، يمسك الأخ بيد أخيه في رفق وحُنوٍ وشفقة، بِرٌ وصلة ووفاء، إيثار وعون في الشدة والرخاء فلا ينساه من الدعاء وكل ذلك دون تكلف أو شعور بالمشقة والعناء بل في أريحية وحسن أداء وطلب الأجر من رب الأرض والسماء، أَيدٍ تتصافح وقلوبٌ تتآلف، أرواحٌ تتفادى ورؤوسٌ تتعانق وحقيقة الأخوة في الله لا تزيد بالبر ولا تنقص بالجفاء قال رسول :(ثلاثٌ من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان -وذكر منهن- من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله)، رواه مسلم ، والإنسان بلا ذلك كله جلمود صخر لا يستطيع الحياة مع الناس ومخالطتهم ومشاركتهم أفراحهم وأتراحهم . والناس فيه – أي الحب– بين إفراط وتفريط واعتدال. فحقيقة الحب في الله "أن لا يزيد بالبر ولا ينقص بالجفاء" كما قال يحيى بن معاذ رحمه الله، والحب في الله من المفاهيم المركزية التي قام عليها الإسلام منذ مرحلة تأسيسه فصبغ كل تعاليمه وتوّجها بعاطفة الحب التي هي المحرك الفاعل فيها. بل إن الحب في الله لونٌ من ألوان العبادة المأمور بها شرعاً في كتاب الله وسنة رسوله  وهذا هو النهج الذى يسير عليه الشيخ عبدالله أزرق طيبة ويوصى به على الدوام وتطبيقا لذلك فقد دأب على سنة في التواصل التى جعلت مريديه اكثر تعلقا به ، وهي احياء ليالي الاثنين من كل اسبوع بمنزل احد المريدين وقد دأب الشيخ على عيادة المرضى والمشاركة في مناسبة جميع معارفه فهو وصول للمكرمات، نجد الشيخ عبدالله يدعو لمريديه بظهر الغيب، ويناصحتهم إذا أخطأ الواحد منهم، يحب لهم ما يحب لنفسه، و يحثّهمُ على فعل الطاعات ، ويحترم من كان كبيراً ويعطف علي من كان صغيراً، وبفضل هذه المحبة والالفة التي أذكاها في قلوب مريديه وتلامذته أسس روابط ابناء القادرية وهي تضم كل الفئات فمنهم الغني والفقير والمهندس والطبيب والعامل والزارع فهم ابناء الطريق ويتداولون في دار الرابطة كتاب الله والذكر ودروس الفقه والسيرة والسنة واحياء الليالي كما انه ربط بين ابناء الطريق وجعل الكل في خدمة الكل والكل في محبة دائمة وشوق إلي بعضهم البعض.
    إن المحبة في الله سبب لمحبة الله للعبد، إن الله يظل المتحابين فيه في ظله يوم لا ظل إلا ظله، إن الحب في الله والبغض في الله دليل على كمال إيمان العبد، إن الحب في الله سببٌ لذوق حلاوة الإيمان وطعمه، إن المرء بمحبته لأهل الخير يلتحق بهم، إن الله يكرم من أحب عبداً لله، إن المتحابين في الله على منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء.
    وكذلك انما حب الله في قلوبنا يتم بمجاهدة النفس وتوطينها على ذكر الله وتسبيحه وحمده والثناء عليه، ومجاهدة النفس عملية عبادية تبدأ بدوام ذكر الله عز وجل ودوام تسبيحه وحمده والثناء عليه والاخلاص له، والشكر له، اعترافا بنعمه واقرارا بربوبيته والتوكل عليه أي تحقيق العبودية له وحده لاشريك له. وهو ما يسعى الشيخ عبدالله لتحقيقه من خلال منهجه.
    ان تعلق القلب بالله، والطمأنينة الى الكفاية، والرضا بقضائه والتيقن به والانس بوجوده، والقرب منه بالطاعة، هي افعال تعمق حب الله فينا. والذي يعني ميل قلب الانسان الى الله عز وجل، وهي الحالة التي يكون المؤمنون فيها اشد حبا لله من سواه. يقول الله تعالى:(والذين امنوآاشد حبا لله)_البقرة/165.
    فأذا كانت هذه الافعال هي التي تنمي حبنا لله عز وجل، فما الافعال التي تحقق محبة الله عز وجل لنا؟ ان الاحساس بمحبة الله عز وجل يثير في النفس الثقة والامان والاطمئنان فليس المهم أن نُحِب ولكن ان تُحًب، تلك هي المسألة، الا اننا في القرآن الكريم، نقف امام رحمة الله عز وجل، بأروع معانيها. ذلك ان القرآن الكريم، لا يعلمنا كيف نُحب الله عز وجل، وحسب، ولكنه يخبرنا متى نكون محبوبين عند الله.
    ان محبة الله تعالى للانسان، هي أحد أشكال رحمة الله عز وجل به، كما يوضحها القرآن الكريم، الذي رسم بأعجازه الرائع حدود الطرق المؤدية الى محبة الله عز وجل . ولو تدبرنا آيات الذكر الحكيم بحثا عن تلك الطرق التي تؤدي الى محبة الله عز وجل، لوجدنا ان (محبة الله) لنا تتحقق عبر فعل حضاري ايماني شامل، تتمثل ابعاده في عدة عناصر يطبقها الشيخ عبدالله أزرق طيبة ويرشد مريديه لتطبيقها فى سيرهم الى الله نذكر منها:
    (أ) اتباع الرسول محمد صلى الله عليه وسلم:
    يقول الله تعالى:( قل ان كنتم تحبون الله فأتبعوني يحببكم الله)-(آل عمران/31) وقال الله تعالى:(لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخروذكر الله كثيرا)- (الاحزاب /21). لذلك فأن حسن الاقتداء به وحسن اتباعه ، يعد الطريق الاساس لنيل محبة الله عز وجل.
    (ب) الاحسان :
    لقد علمنا رسول الله  ، ان الاحسان هو (ان تعبد الله كأنك تراه فأن لم تكن تراه فأنه يراك)- رواه البخاري ولوتأملنا مواضع الاحسان في القرآن الكريم، لوجدناها تدور على محاور متعددة قال تعالى:. (وانفقوا في سبيل الله ولاتلقوا بأيديكم الى التهلكة واحسنوا ان الله يحب المحسنين)-البقرة 195. (الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين )-آل عمران134. (فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين)-آل عمران 148. ان هذه الأمور، التي تحتويها الآيات المذكورة، تمثل احد معطيات الاحسان الذي علمنا اياه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في النهاية أحد الطرق المفضية الى كسب محبة الله عز وجل.


    (ج) التقوى:
    وهي فعل يجمع وحدة العقيدة والسلوك والمنهج والمعرفة، حين عرضها القرآن الكريم. وقد عبر القرآن الكريم عن هذه الوحدة في قوله تعالى :( ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بما أنزل اليك ما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون * أولئك على هدى من ربهم واولئك هم المفلحون )-البقرة/1-5.
    ولذلك فأن من يحسن عيش هذا الفعل، جامعا متوازنا بين العقيدة والسلوك والمنهج والمعرفة على وفق هدى الله عز وجل، ينال محبة الله عز وجل.
    (د) الصبر
    ويكفي الصابرين فخرا ان الله عز وجل يوفيهم اجرهم بغير حساب، فلا غرابة في ان يكون الصبر طريقا الى محبة الله ورضوانه. ولما كانت المصائب ، من تدمير وهلاك في الارواح والاموال والممتلكات، اشد المصائب على الانسان والمجتمعات، كان الصبر على تحملها ونتائجها، اشد مايكون على الانسان.
    سادسا: التوكل :
    فالتوكل هو تفويض الأمر الى الله، والاعتماد في كل الاحوال على الله تعالى، والايمان بأن لا حول ولا قوة الا به. لقد جاء التوكل طريقا الى محبة الله عز وجل، في قوله تعالى:(فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فاذا عزمت فتوكل على الله ان الله يحب المتوكلين)-(آل عمران/159).
    (ه)التوبة والتطهر:
    وهما فعلان يؤديان الى كسب محبة الله عز وجل ورضوانه، ذلك ان التوبة هي الرجوع عن اختيار الشيطان، مرجعا ودليلا في الحياة، الى الله عز وجل، وسراطه المستقيم. ان الله تعالى، يعلم ان العبد يضعف امام زينة الحياة الدنيا الى حد ما، فيأخذه الشيطان الى مهاوي الردى، غير أنّ لحظة حضور لمقومات الفطرة النقية تظهر في حياة ذلك العبد، تكشف عن عمق التردي والغواية التي يعيشها، فيحسم كل هذا السقوط لصالح الحق والايمان، فتصفو الفطرة ويصفو الاختيار فتكون المغفرة.يقول الله تعالى:(وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ماتفعلون)-الشورى/25. ان التوابين هم الذين يحققون احد اسماء الله الحسنى وصفاته ألا وهو(التواب)، الذي يدل على ان الله عز وجل، اوجب محبته لمن اكثر من الرجوع اليه تائبا، وان كثرت ذنوبه، ولذلك كانت التوبة طريقا الى محبة الله للأنسان.
    اما(التطهر)، فهو فعل مادي ومعنوي يشمل الجسد والروح فينقيهما من القذارة المادية والمعنوية، لذلك فأن الطهر الروحي والمادي، يعدان طريقا لنيل محبة الله عز وجل، ذلك فان علو مقام الله عز وجل، يفترض علو مقام الذين يحبهم، ويمثل الطهر الروحي والمادي أحد مظاهر هذا العلو، فالقذرون ماديا تنفر منهم الكائنات البشرية، والقذرون روحيا تنفر منهم العقول المؤمنة النقية، انهم ###### الأرض.. يقول الله تعالى : (لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين)-التوبة/108)). ان طهر الروح بالتوحيد، وطهر الجسد بالغسل والوضوء ، يعدان أعلى مقامات الطهر، لذلك كان المطهرون، أحباء الله سبحانه وتعالى .
    ثالثا التسليم والمتابعة:
    أما التسليم والمتابعة فهو الوجه الآخر لنهج الشيخ عبد الله للطريقة ، إذ هو باختصار العبارة تسليم لله أولاً، وللشيخ، بما هو دليل ومرشد إلى الله، ثانياً.قال تعالى:(فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكّموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت، ويسلموا تسليماً) سورة النساء65.
    هذا هو نهج السير فى طريق اياك نعبد ولذلك يجب ان تكون أعمال المريد كلها وعبادته موافقة لأمر الله، ولما يحبه ويرضاه، وهذا هو العمل الذي لا يقبل الله من عامل سواه، وهو الذي ابتلى عباده بالموت والحياة لأجله قال الله تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ وجعل ما على الأرض زينة لها ليختبرهم أيهم أحسن عملا.
    ونجد ان الشيخ عبد الله لم يشغل المريدين بتعدد المقامات والمراتب… وبهذا اختصر لهم الطريق، إن ما ركز عليه الشيخ عبد الله، هو الوصول بالمريد إلى حالة من التواصل مع الحياة ومع المجتمع، وبالتالى التوقف عن العزلة التى تفرضها مثل هذه المقامات على المريد، تحقيقاً لأهدافٍ قد لا تتحقق في هذه الحياة. فالشيخ عبد الله يؤمن أن المعرفة والحقيقة لا تتحققان للمتصوف إلا أن يذكر الله بإخلاص، ويحب أخاه بإخلاص، ويطعم اللقمة بإخلاص.
    إذن، فالشأن الاجتماعى هو المسيطر على الخطاب الصوفي عند الشيخ عبدالله؛ لأن الشيخ يريد للمريد أن يتخطى حقبة العمل الفردى، التي عاشها المتصوفة السابقون، وينخرط في العمل الجماعى.
    إذن، فحياة المريد، وممارساته الاجتماعية، أضحت جزءاً لا يتجزأ من سيره في جانب الله؛ بمعنى عدم الفصل بين ظاهر حياة المريد وباطنها.
    من هنا نجد أن تحقيق هذا التوازن في حياة المريد، يأخذ طريقين: طريقاً صاعداً، يأخذ بأسباب الشرع والعمل، أولاً؛ وطريقاً نازلاً، لا يأخذ بالأسباب، في البدايات، بل يعتمد على الفضل(المدد)، وهذا ما عبر عنه مشايخ التصوف في حديثهم: (لكل مؤمن ميراث محمدي، فبأي شيء يناله؟!) فقال فريق منهم: يناله بالفضل. وقال الفريق الاخر: بالاجتهاد. ونجد نهج الشيخ عبد الله هو: (اتباع السنة المحمدية)، وشاهدنا قول الله تعالى:(قل إن كنتم تحبون الله، فاتبعوني، يحببكم الله) سورة آل عمران 31، وقوله تعالى، في الحديث القدسى: (لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه...)[ الحديث القدسى رواه البخاري.]. وما يُفهم من هذا الحديث أن الميراث المحمدى "المعرفة" ليست تتم بالعمل الشخصى، وحده، ولا بالمدد الإلهى، وحده، بل هي تتم بكليهما معاً؛ إذ الاتباع يعني الاقتداء بالعمل والاجتهاد، والتسليم بأن المعرفة آتية من لدن الحق بمدد صاحب الوقت، أو الوارث المحمدى.
    إن المدد الغيبى تارة يظهر بصورة توفير الشروط والظروف لتحقق النجاح والتوفيق، وأخرى بصورة الهامات وتوجيهات، ولكن، يجب أن نعلم بأن هذه الألطاف الغيبية لا تتحقق عبثاً ومجانياً، فليس الأمر كما يتخيله البعض، بأن يعتكف في بيته دون أن يعمل شيئاً، ثم ينتظر اليد الغيبية لتستجيب لمطالبه.
    كلا، فإن مثل هذا التقوقع مخالف لنواميس الوجود والخليقة وهذا ما نجده فى قول الشيخ عبد الله أزرق طيبة عند البيعة:(أملأ وقتك بالعمل الصالح ، حلقات قرآن ، حلقات علم أو عمل تأكل وتشرب منو وماتنقطع عن زيارة طيبة فى المناسبات الدينية)، ولتوضيح ذلك هناك آيتان في القرآن الكريم، تشير إحداهما إلى النوع الأول من الإمدادات الغيبية، وهو توفير شروط التوفيق والنجاح، والثانية تشير إلى النوع الثاني، وهي الإلهامات والألطاف، والتوجيهات، والإرشادات المعنوية.
    الآية الأولى حول النوع الأول:(إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) محمد 7، إذن فمعونة الله، وهي المدد الغيبى، مشروطة بنصرة الله السابقة على مدد الله، أو للمقارنة له، أي: بالخدمة والعمل والجهاد في طريق الخير، وأن يكون كل ذلك في سبيل الله، أي لله وفى الله، وكما أن العمل والمجاهدة شرط، فكذلك الإخلاص وحسن النية.
    الآية الثانية حول النوع الثانى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين) العنكبوت 69، وهذه الآية كالسابقة، وقد اشترطت العمل، وبذل الجهود، وكذلك اشترطت النية، وأن يكون ذلك في سبيل الله، فاشترطت القوة البدنية، والقوة الروحية المعنوية، وفي ظل هذه الشروط سوف تتحقق الهداية والنور القلبى للانسان.
    لذلك يردد الشيخ عقب البيعة ويقول:(وماتنقطع عن زيارة طيبة فى المناسبات الدينية ....)
    الحقيقة والشريعة:
    وصايا الشيخ عبد الله عند البيعة تفسّر قولـه تعالى:( وكذلك جعلناكم أمةً وسطاً) البقرة: 143، اذا امعنا النظر فى عبارات البيعة نجد الأعمال على قسمين: ما هو واجب على العبد تجاه الحق، عز وجل، كامتثال الأوامر(حافظ على الصلاة فى المسجد أو فى جماعة والّاّ لوقتها)، واجتناب النواهي(ابتعد عن مصاحبة اهل الغفلة واصحب الاخيار)، والتقرب إلى الله بالعبادات والطاعات وما يتعلق بالمخلوقات ومعاملاتهم(وماتقوم من المصلاية الّا أذا ما أكلمت اذكار الاساس، وأملا وقتك بالعمل الصالح، حلقات تلاوة، حلقات علم، عمل تأكل وتشرب منو)؛ ومن هنا نرى أن الوسطية التي تميزت بها هذه الأمة، تجعل الأمور متوازنة، لا تطغى فيها أشياء الحق على أشياء الخلق، ولا تبغي فيها أشياء الخلق على أشــياء الحق.
    من هذا المفهوم يجب أن لا يكتفي المُريد بالوقوف عند الرسوم والأشكال الشرعية الظاهرية؛ بل هو مُطالب بأن يسعى نحو العمق، لكن هذا العمق، يجب أن لا يمسّ بالتوازن الوسطي، بمعنى أن لا تعلو كفة ظاهر التكاليف الشرعية على روحانية العبادات، أو العكس. ونجد الشيخ عبد الله ، يطبقً معنى الآية الكريمة (وزنوا بالقسطاس المستقيم)، وللميزان كفتان: الأولى شريعة، والثانية حقيقة. ولا بد للفقير من أن يعطي لكلّ منهما حقها. بل يجب، دائماً، أن يربط المريد بين كل عبادة ظاهرية ومعناها، لأن (الصلاة بلا حضور كالجثة بلا روح).
    وهذا المنظور الوسطي عند الشيخ عبد الله، يجمع بين الوجود الحسي المادي (عالم الـمُلْك)، والوجود الغيبي المُفارق (عالم الملكوت)، وما يناسب عالم الـمُلك هو كلام القرآن ( الفرقان )، بمخارجه وحروفه وتفسيره، وكلام الأحاديث النبوية؛ أما ما يناسب عالم الملكوت فهو روح القرآن (الذِكْر )، بما هو كلام إلهي مُنزل في اللوح المحفوظ. واستجابات المريدين، هنا، متفاوتة ومتدرجة. فمنهم من يكتفي بأن يكون علمه مقصوراً على شرعية النص الديني، أو حرفية الكلام الإلهي، بما هو تعاليم، ومعاملات، وأوامر، ونواه. ومنهم مَن يسعى إلى التعمّق في النص للوصول إلى روحه.
    إذن، فإن منهج الشيخ عبد الله أزرق طيبة، يكمن في توسيعه لمفهوم الشريعة والحقيقة، ليشملا علاقة الإنسان بالحياة، بمعناها الواسع.
    لذا، فقد أصبح الشيخ عبد الله يحبّب إلى مريده التعمق في كل معانى الحياة، بما فيها الأمور الشرعية؛ لانه سيجد، تحت كل حكم شرعى، وحياتي، كنزاً من كنوز الحقيقة والمعرفة الباطنية، حتى لا ينزلق المريد وراء المعرفة الصوفية، معرضاً عن ظاهر العبادات، أو مجمل التعاملات الحيوية.
    عندما يرشد الشيخ المريد باجتناب النواهي فيقول : (ابتعد عن مصاحبة اهل الغفلة وأصحب الاخيار). والدين في جملته وتفصيله ما هو إلا إرشاد لما يجب أن يكون عليه الانسان ليأخذ من الكمال بحظ وافر في هذه الحياة. وليعد نفسه لجوار ذي الجلال في حياة أبقى وأرقى. والابتعاد عن أهل الغفلة وصحبة الاخيار هو أمر بملازمة التقوى، عن أبي سعيد الخدري، قال: (جاء رجل إلى النبي فقال: أوصني. قال: عليك بتقوى الله فإنها جماع كل خير، وعليك بالجهاد فإنه رهبانية المسلمين. وعليك بذكر الله وتلاوة القرآن فإنه نور لك في الأرض وذكر في السماء. واخزن لسانك إلا من خير، فإنك بذلك تغلب الشيطان).
    ففي الأمر بملازمة التقوى، أمر باتباع كل خير، ومجانبة كل شر. إذ أن التقوى ـ بمفهومها اللغوي ومدلولها الشرعي ـ لا تحتمل غير هذا المعنى، فهي مأخوذة من الوقاية بمعنى الحفظ.
    والانسان لا يقي نفسه ولا يحفظها إلا إذا أتى بما أمر الله به من فضيلة، وأجتنب ما نهى الله عنه من رذيلة .وفي هذا سمو للنفس، وعروج بها في معارج القدس والكمال .ومن ثم عظم الشارع أمر التقوى، وجعلها جماع كل خير، ومصدر كل بر، وأصل كل صلاح للأفراد والجماعات.
    ولابد لتحصيل التقوى، من فقه في دين الله، ومعرفة ما فيه من سمو وحكمة. يضاف إلى ذلك قوة إرادة ومضاء عزيمة لحمل النفس على الاضطلاع بالتبعات والتكاليف.
    وبالمعرفة من جانب، والإرادة الحازمة من جانب آخر، يستطيع المرء أن يبصر الطريق، ويسير على الجادة دون تعثر أو انحراف.
    وفي الحديث، يقول الرسول : (لن يبلغ أحدكم أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به، حذراً مما به بأس).
    وهذه المعاني الكريمة، والوصايا الحكيمة، لا ينتظم أمرها إلا إذا ضبط الانسان نفسه وملك لسانه. فما كان من خير نطق به، وما كان من شر سكت عنه، (رحم الله امرءاً قال خيراً فغنم، و سكت فسلم).
    وكثيرا من الناس تخونهم ألسنتهم، فيكثرون من القيل والقال ويخوضون فيما ينبغى لهم أن يتنزهوا عنه، ويذيعون مقالة السوء، ويحرّفون الكلم عن مواضعه، دون مراعاة لأدب القول، ولا محافظة على أعراض الناس، ولا مراقبة لله، فضلاً عن ضياع أوقاتهم وأوقات غيرهم فيما لا طائل تحته ولا غناء فيه.
    يقول رسول الله  :(وهل يكب الناس يوم القيامة على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم)؟.. ويقول أيضاً: (إن أبعدكم منى مجالس، يوم القيامة، الثرثارون المتفيهقون! قال: المتكبرون).
    السعادة فى الداريين تحت هذه التقوى فلا تنس نصيبك منها والذى يختص به هذا الشأن من أمر العبادة ثلاثة أصول :-
    أحدهما التوفيق والتأييد أولاً وهو للمتقين كما قال الله تعالى:[إن الله مع المتقين ] .
    والثانى إصلاح العمل وإتمام التقصير وهو للمتقين كما قال الله تعالى:[ يصلح لكم أعمالكم ] .
    والثالث قبول العمل وهو للمتقين كما قال الله تعالى: [إنما يتقبل الله من المتقين ].
    ومدار العبادة على هذه الأمور الثلاثة التوفيق أولاً حتى تعمل ، ثم الإصلاح للتقصير حتى يتم ، ثم القبول إذا تم . وهذه الأمور الثلاثة التى يتضرع فيها العابدون إلى الله تعالى يسألون فيقولون ربنا وفقنا لطاعتك وأتمم تقصيرنا وتقبل منا وقد وعد الله تعالى ذلك كله على التقوى وأكرم بها المتقى سأل أو لم يسأل فعليك بهذه التقوى إن أردت عبادة الله سبحانه بل أردت سعادة الدنيا والعقبى.





    المرأة و الدعوة إلى الله:
    لاشك أن الإسلام لم يميز بين الذكر والأنثى حين أصدر أوامره ونواهيه، بل جاء خطابه عاما شاملا لهما معا إلاّ ما كان خاصا بجنس دون الآخر. والشيخ عبدالله يعمل على تطبيق هذه الاوامر والنواهى كما جاء فى آى الذكر الحكيم:
    قال تعالى في سورة الأحزاب:( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيما(35)).
    يقول الله تعالى في سورة النحل :(مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) (97).
    هذه الآية تؤكد أن كلا من الذكر والأنثى مجزِيٌّ عن عمله الصالح في الحياة الدنيا وفي الآخرة دون تمييز بينهما أو تفضيل. وهذا دليل على تحمل الأنثى الأمانة إلى جانب الرجل؛ أمانة الاستخلاف في الأرض، لأنها هي كذلك إنسان لقوله تعالى في سورة الأحزاب إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً (72) لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً َّرحِيماً (73))، وهكذا حملت الأنثى الأمانة إلى جانب الذكر، وهي محاسبة عليها مثله. والدعوة إلى الله أكبر أمانة تحملها الإنسان ذكرا أو أنثى وأُمر بها لقوله تعالى في سورة آل عمران وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(104).
    يفهم من هذه الآية أن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فرض على الكفاية، أى إذا قام به البعض سقط عن الباقى، لكن الله عز وجل يعمِّم هذا الفرض على المؤمنين جميعا بقوله في سورة التوبة: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)). والآية صريحة في أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مطلوب من الذكور والإناث، كل حسب طاقته.
    وإذا وعد الله المؤمنين والمؤمنات القائمين بواجب الدعوة إلى الله بالرحمة (أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ ) وهي رعايته وتوفيقه لهم، فإنه سبحانه يهدد تاركي هذا الواجب باللعنة. وهي الطرد والإبعاد من رحمة الله والحرمان من توفيقه ورعايته قال عز من قائل في سورة المائدة: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ (78) كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ (79).
    لذلك نجد الشيخ عبد الله يهتم بالاناث اهتمامه بالذكور ويجدن منه النصح والتوجيه والارشاد لتحمل مسئوليتهن والعمل فى جميع مجالات الدعوة الى الله ولهن اوضاعهن الخاصة حسب مقتضيات الشريعة.
    يقول الشاعر:
    الأُمُّ مَـدْرَسَــةٌ إِذَا أَعْـدَدْتَـهَـا أَعْـدَدْتَ شَعْبـاً طَيِّـبَ الأَعْـرَاقِ
    مسئلة اختلاط النساء بالرجال:
    إن هذه المسئلة تحتاج إلى تفصيل فقد روى الإمام المجتهد ابن المنذر في كتابه الأوسط (ج2/401) عن أنس قال :"قدمنا مع أبي موسى الأشعري فصلى بنا العصر في المِرْبَد، ثم جلسنا إلى مسجد الجامع فإذا المغيرة بن شعبة يصلي بالناس والرجال والنساء مختلطون فصلينا معهم".
    وروى البخاري في صحيحه عن سهل قال :"كان الرجال يصلون مع النبي  عاقِدِي أُزرهم على أعناقهم كهيئة الصبيان ويقال للنساء لا ترفعن رؤسكن حتى يستوي الرجال جلوسًا".
    وروى الحافظ ابن حبان عن سهل بن سعد قال :"كن النساء يؤمرن في عهد رسول الله  أن لا يرفعن رءوسهن حتى يأخذ الرجال مقاعدهم من الأرض من ضيق الثياب" أي من ضيق أزر الرجال.
    وعند الإمام احمد وأبي داود من حديث أسماء بنت أبي بكر ولفظه :"فلا ترفع رأسها حتى يرفع الرجال رءوسهم كراهية أن يرين عورات الرجال".
    ففي هذه الروايات دليل على أن النساء كن يصلين خلف الرجال في عهد رسول الله  وليس بين صفوف الرجال وصفوف النساء ستارة، وقد قال  : (لا تمنعوا إماء الله مساجدَ الله) رواه البخاري.
    قال النووي في شرحه على المهذب ج4/484 ما نصه: ونقل ابن المنذر وغيره الإجماع على أنها ـ أي المرأة ـ لو حضرت وصلّت الجمعة جاز، وقد ثبتت الأحاديث الصحيحة المستفيضة أن النساء كن يصلين خلف رسول الله  في مسجده خلف الرجال، ولأن اختلاط النساء بالرجال إذا لم يكن خلوة ليس بحرام اهـ.
    ثم أليس يجتمع النساء والرجال معًا في مكة المكرمة والمدينة المنورة في موسم الحج وغيره؟ أم عندكم أيها المشوشون للنساء شريعتين شريعة في الحجاز وشريعة خارجها؟
    هذا وقد صح في الحديث الذي رواه مسلم أن رسول الله  قال: (لا يدخلن أحدكم على مغيبة إلا ومعه رجل أو رجلان).
    وجاء في الموطأ أنه سئل مالك هل يجوز أن يأكل الرجل وزوجته مع رجل آخر فقال مالك: لا بأس بذلك إذا كان ذلك على ما يعرف من أمر الناس. اهـ.
    فإذا كان جلوسها مع زوجها ورجل أجنبي للطعام جائزًا فكيف بجلوسها في مجلس تتعلم فيه أمور دينها تتلقى فيه من رجل؟! وقد ثبت في الصحيح أن الرجال كانوا يسألون السيدة عائشة رضي الله عنها عن الأحكام والأحاديث مشافهة، ذكر ذلك الحافظ العسقلاني وغيره، ومن المعروف أن العديد من المحدثات في الماضي تخرجن على العديد من الحفاظ والمحدثين ثم حدثن الرجال، فقد أخذ الحافظ ابن عساكر أفضل المحدثين بالشام في زمانه عن ألف رجل وثلاثمائة امرأة.
    وذكر الشيخ ابن حجر الهيتمي الشافعي في فتاويه الكبرى والشيخ أحمد بن يحيى المالكي في كتابه الذي جمع فيه فتاوى فقهاء المغرب المسمى "المعيار" وكان من أهل القرن العاشر توفي سنة 914هـ :(إن الاختلاط المحرم ما كان فيه تضام وتلاصق بالأجسام).
    وفي صحيح البخاري عن سهل قال :(لما عرّس أبو أسيد الساعدي دعا النبي  وأصحابه فما صنع لهم طعاما ولا قرّبه إليهم إلا امرأته أم أسيد) الحديث.
    قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري (ج9/ص251) :"وفي الحديث جواز خدمة المرأة زوجها ومن يدعوه ولا يخفى أن محلّ ذلك عند أمن الفتنة ومراعاة ما يجب عليها من الستر" اهـ.
    وهذا هو الحق الذى عليه الشيخ عبد الله أزرق طيبة، مع الصيانة وستر العورات وأمن الفتنة، أما الشخص الذي عرف من نفسه أنه لا يستطيع ان يمنع نفسه ما دام في المجلس من النظر المحرم فاستمراره هناك حرام عليه.
    السير على النهج المحمدى:
    إن النبوة و الرسالة محور الوجود الإنساني قاطبة و الحامية له من الفساد والهلاك الآني و المستقبلي الأبدي على الإطلاق ، كما أنها الواسطة الواصلة بين العبد وربه ، بالتبليغ و التزكية و التربية وصيانة العقيدة التي يقوم عليها الوجود كله قال تعالى: (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون)الانبياء25 ، (فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين)الاعراف6 وقال:( انا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا و إن من امة إلا خلا فيها نذير)فاطر24 .
    وقد جاء الشيخ عبد الله منسجماً مع هذا الموقف الإسلامي الأصيل، فهو يستمد نظرته إلى الوجود من نظرته إلى النبى  ، مما أعطى هذا الموقف بعداً فكرياً لا ينأى بنظريات الشيخ عبد الله أزرق طيبة بعيداً عن آراء كثيرٍ ممن سبقه من شيوخ التصوف، الذين لا يفصلون بين النظرة إلى الشخصية المحمدية وبين الوجود، من أجل ذلك، كان لابد لمن يرتبط بالحضرة المحمدية، في منهجه الفكري والسلوكي، من أن يلتزم بنظرة خاصة للشخصية المحمدية، وللواقع الوجودي المستمد من هذه الشخصية.




    لفصل الرابع
    حلق الذكر ومجالسه
    تعريف الذ كر في اللغة :
    الذكر بكسر الذال مصدر( ذكر يذكر ) فهو( ذاكر )، ومعناه لغة: ( الحفظ ) وحقيقة ( الذكر ) ان يكون محله القلب، لانه ضد النسيان ، نقول( ذكره بعد النسيان ذكرا ) قال تعالي ( واذكر ربك إذا نسيت ) الكهف 24، وقال عز وجل ( أنى نسيت الحوت وما انسانيه الا الشيطان أن اذكره ) الكهف63، واما ( الذكري ) فهي اسم علم للمصدر الذي هو ( الذكر ) و( التذكير ) ( التذكر ) ومنه قوله تعالي ( وذكر فان الذكري تنفع المومنين ) الذاريات 55، وقوله تعالي ( يومئذ يتذكر الإنسان واني له الذكري ) الفجر 23، أي العظة والعبرة وقيل في معني الأولى: القرآن أي فان القرآن ينفع المومنين وقيل في معني الثانية: التوبة أي: من اين له التوبة؟ فان القرآن تذكرة لمن يخشي أي: عظة وعبرة ، ومثل قوله تعالي : ( فما لهم عن التذكرة معرضين ) المدثر49، أي : مالهم معرضين عن الذكر ؟ وهو العظة يريد القرآن أو غيره من المواعظ بدليل قوله تعالي بعد ذلك ( كلا أنها تذكرة فمن شاء ذكره) المدثر55،،54، وكلا ردع لهم عن أعراضهم عن ( التذكرة ) وقوله تعالي ( فمن شاء ذكره ) أي : جعله نصب عينه ، فان نفع ذلك راجع اليه والضمير في قوله( انه ) وقوله( ذكره) للتذكرة التي اعرضوا عنها ن فإنما ذكرت ، لأنها بمعني( الذكر )، أو القرآن .
    الذكر في القرآن الكريم :
    واما الذكر في القران الكريم فله استعمالان : احدهما يكون فيه اسما، وأخر يكون فيه مصدرا .
    أ- فأما الذكر الذي هو اسم فله معنيان : الأول الشرف ، والصيت : نقول لفلان ذكر في الناس : أي له شرف وصيت ، ومنه قوله تعالي ( لقد انزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم ) الأنبياء 10، أي : فيه شرفكم . والثاني :( الكتاب فيه تفعيل الدين ، وضع الملل ، ويراد به القران الكريم فمن الأولى قوله تعالي ( وهذا ذكر مبارك أنزلناه افانتم له منكرون ) الأنبياء 50، أي هذا قرآن مبارك قال الرازي (وبركته كثرة منافعه وغزارة علومه ، مثله قولة تعالى: (انا نحن نزلنا الذكر وأنا له لحافظون ) الحجر 9، من الثاني قوله تعالي: (فاسلوا آهل الذكر ان كنتم لا تعلمون ) الأنبياء (7)
    ب- واما الذكر الذي هو مصدر فهو ضرب من العباده بل يتضمن العبادات كلها - كما اشرنا فى اذكار البيعة - ويشمل كل ما يخطر في القلب ، ويجري علي اللسان من تهليل ، أو تسبيح ، تحميد ، تكبير ، وحوقلة وتلبيه ودعاء ونحوها ، بل هو عام في كل ما يخطر من طاعة الله تعالي وكل عمل يقصد به فاعله وجه الله تعالي فهو ذكر الله ، ولهذا كان ذكر الله تعالي أحد نعمه التي تفضل بها علي عباده، ومن هنا نري القران الكريم يحض كثيرا علي ذكر الله عز وجل في جميع الأحوال التي يكون عليها الانسان ، وكل الأوقات ، التي يمر بها ، وقد ربط القرآن بين تلك الأحوال و الأوقات ، وبين الذكر لتكون مذكرة بذكر الله ومنبهة للاتصال به حتى لا يكون الانسان من الغافلين ومن ذلك قوله تعالي : ( فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلي جنوبكم ) النساء103، وقوله تعالي: ( يا أيها الذين أمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة واصيلا ) الأحزاب42.
    وكل طاعته تدعو إلي الحضور مع الله والاخلاص له والخشية منه فهي من الذكر، بخلاف أذا كانت مع غير ذلك .
    بيان أذكار الطريقة:
    لابد للمسلم من غذاء روحي يومي ، هذا الغذاء يثمل بالقيام بالفرائض والواجبات اليومية والمداومة على ما يمكن من المندوبات بالقدر والاستطاعة الذي يعطي القلب احتياجاته من الغذاء والدواء والذي يكون به المسلم في ترق دائم ... هذا هو الورد اليومي الذي ينبغي أن يلاحظ فيه أن يجعل له حدا ادنى لابد أن يؤديه ... والشيخ عبدالله يدل على ما ينبغي فعله لكل بما يناسب حاله وهمته ووقته ، عملا بالحديث الصحيح للسيدة عائشة رضي الله عنها انها روت عن رسول الله  قوله: ( خذوا من الاعمال ما تطيقون فان الله لا يمل حتى تملوا وان أحب الاعمال إلي الله ما دام وان قلّ ) متفق عليه وفي رواية عنها : ( وكان آل محمد أذا عملوا عملا اثبتوه) وهذا يدل على أن هنالك اعمالا معينة كان فيها نوع من الالتزام اليومي في حياة الرسول . كما أن قوله عليه الصلاة والسلام : (خذوا من الاعمال ما تطيقون ) يشير إلي أن المسلم ينبغي أن يرتب لنفسه عملا يوميا في حدود طاقته ، وقوله عليه الصلاة والسلام(انه ليغان على قلبى حتى استغفر الله في اليوم مائة مرة)- مسلم-وملازمته أوراده اليومية وهوأسوة كل مسلم ، فالاوراد اليومية في حياة المسلم هي زاده اليومي الذي لا ينبغي أن يهمله. ومن هنا جاء تحديد الاعداد فى الذكر ونفصله فيما يلى:
    تحديد العدد فى الذكر:
    قال رسول الله  :(أحبُّ الأعمال إلى الله ادْوَمُها واِنْ قَلَّ) رواه البخاري ومسلم ومن البين، أن من داوم على قدر من الذكر، لا بد أن يكون معلوما محدودا . ولذلك قال : (وإن قَلَّ).
    فمن صلى عشرين ركعة في ليلة، وعشرا في ليلة أخرى، وأربعا في غيرها مثلا، فالأربع التي داوم عليها ، هي أحب الأعمال الى الله . والقدر الذي لم يداوم عليه، عمل محبوب فقط .
    ومن داوم على أربعة من أول الأمر، فقط أتى العمل الأحب إلى الله عز وجل. وهذا التحديد، موكول إلى كل عامل ، بحسب ما يرى ، مما لا يشق عليه. والناس في ذلك تتفاوت استطاعاتهم . قال رسول الله :(أكْلَفُوا مِنَ الأعمال مَا تُطِيقونَ ، فانَّ الله لا يَمَلُّ حتى تَمَلُّوا) رواه البخاري .
    فوكل  ، كلا إلى طاقته وهو بها اعرف. فمن حدد لنفسه قدرا من العبادة تسهل المداومة عليه ، وداوم عليه بالفعل ، فقد نص  على انه قد جاء بأحب الأعمال إلى الله عز وجل . ومن وافقت طاقته طاقة أخ له فعمل مثل عمـله مختارا، فلا حرج عليه ، فالأمر واسع . ولا ينبغي أن يلتفت إلى من خالف المصطفى ، وزعم أن مثل هذا التحديد ممنوع ، فهو خطأ مردود . وإنما البدعة مالا إذن للشارع فيه . وهذا قد جاء الإذن فيه من الشارع. والحجة كلام المعصوم،  ، لا كلام سواه . وأخرج مسلم في صحيحه، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله  :(مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ مِنَ اللّيلِ أو عنْ شيء مِنْهُ، فَقَرأَهُ ما بينَ صَلاةِ الفجرِ وصلاةِ الظُّهرِ كُتِبَ لَهُ كَأَنَّما قَرَأَهُ من اللّيل). وفي هذا الحديث الشريف، الحض على قضاء ما عود المرء نفسه من العبادة (ورده اليومى)، حتى تنصبغ نفسه بحب المثول في حضرة مولاه سبحانه.
    الأذكار عقب الصلوات المكتوبة:
    ورد الكثير من الاحاديث النـبوية التي تتحدث عن فضل القرآن وخصائص وأفضلية بعض سوره وآياته وعباراته نذكر منها ما تم تحديده كأذكار أساس عقب الصلوات المفروضة لسالكى الطريقة اعلاه : -
    أولا: خاتم الصلوات
    اللهم أنت السلام ومنك السلام واليك يرجع السلام فحيّنا ربنّا بالسلام وأدخلنا الجنّة دارك دار السلام تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والاكرام.
    أستغفر الله العظيم 3 مرات
    سورة الفاتحة
    آية الكرسى
    لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيزعليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم فان تولّوا فقل حسبى الله لا اله الا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم.
    سورة الاخلاص 3 مرات
    المعوذتين مرة واحدة
    اللهم صلّ وسلّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه بقدر عظمة ذاتك فى كلّ وقت وحين اللهم أرزقنا فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين واذا أردت بعبادك فتنة فقبضنا اليك غير مفتونين.
    ثانيا: الباقيات الصالحات
    جاء في السنن ان الباقيات الصالحات هي: (سبحان الله ، الحمد لله ، ولا اله الا الله ، الله اكبر ) وتسميتها بالباقيات لانها اوصاف لذات الله الذي لا ينسخ وجوده عدم، ولا يقطع بقاءه زوال، وصفة الخالد خالدة معه. وكونها صالحات لانها ضمان لفلاح قائلها ، وضياء يتألق بين يدي المؤمن يوم اللقاء الاخير .
    وقد وردت عبارة الباقيات الصالحات في موضعين : قوله تعالى: (المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خيرا عند ربك ثوبا وخيرا املا) وقوله جل شأنه: (قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا. حتى اذا رأوا ما يوعدون، اما العذاب، واما الساعة ، فسيعلمون من هو شر مكانا واضعف جندا. ويزيد الله الذين اهتدوا هدى والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوبا وخير امدا ).
    وجاء فى الحديث: عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: أتى النبي رجل من الاعراب ، فقال : يانبي الله ، علمني ما يجزني من القرآن فأني لا أحفظ شيئا من القرآن ، فقال النبي : (قل سبحان الله ، والحمد لله ، ولا اله الا الله، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم )، فعدها في يده خمسا فمضى هنيهة ، ثم رجع فقال : يا رسول الله ، هؤلاء لربي فما لي ؟ قال : (قل : اللهم أغفر لي ، وأرحمني ، وأهدني وأرزقني و عافني ) ، فعدها بيده الاخرى خمسا ، ثم انطلق ، فقال النبي : (لقد ملأ الاعرابي يديه من الخير ان وفىّ بما قال ) رواه ابو داؤد.
    ونذكر الباقيات الصالحات:(سبحان الله 33 مرة والحمد لله 33 مرة والله أكبر 33 مرة)، عقب الصلوات المفروضة: عَنْ أَبِي ُرَيْرَةَ رضي الله عنه: عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال (َمنْ سَبَّحَ اللَّهَ فِي دُبُرِكُلِّ صلاة ثلاثا وَثَلاثِينَ وَحَمِدَ اللَّهَ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ وَكَبَّرَ اللَّهَ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ فَتْلِكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ وَقَالَ تَمَامَ الْمِائَةِ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لاشَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍقَدِيرٌ ، غُفِرَتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَد البحر )صحيح مسلم – كتاب المساجد )
    و لنتدبر معاني هذه الكلمات : سبحان الله والحمد لله ، والله اكبر .
    سبحان الله:
    التسبيح هو: أن يقول المسلم: "سبحان الله"، وألفاظ التسبيح متعددة متنوعة، ومعناه : التنزيه عن النقائص والعيوب، فإذا قال العبد: "سبحان الله"، أي: تنزيهاً لله، عن كل نقص وعيب، عن الشريك والولد والصاحبة وغير ذلك، مما نسبه إليه الجاهلون والمفترون كما قال تعالى:( سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيرا)ً الإسراء:43 ، ولكن لا ريب أن التسبيح نوع من التعظيم؛ لأنه مدح في نفي النقائص والعيوب، ولهذا جاء في ألفاظ التسبيح سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم.
    التسبيح العملي للناس يقوم على ربط الافعال بما ينبغي لله من كمال، اى تحول التسبيح من قول باللسان الى شعور في القلب الي رفعه وسلوك - ان يضبط المسلم مشاعره في السراء والضراء ، ويربطها بمشيئة الله فأن اصابه شر لم يسخط على الزمان ويسب الايام !! فما الزمان ؟ انه ظرف- وحسب - للاحداث التي يسوقها القدر الاعلى. والمؤمن يستكين لله اذا وقع به ما يكره ويقول: (انا لله وانا اليه راجعون ). اما التبرم باليالي السوء فهو من سوء الادب مع الله ، ومن اتهامه – سبحانه- لا يسوغ .
    الحمد لله:
    الحمد فهو قول العبد: "الحمد لله"، وقد حمد الله نفسه وعلَّم عباده ليحمدوه، وأمرهم بحمده:(وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً( الإسراء: 111، وهو: الثناء على الله لصفات كماله، أي: أنه تعالى له الحمد كله؛ لأنه الموصوف بجميع المحامد، فله الحمد على ما له من الأسماء والصفات، وخلق المخلوقات، والشكر نوع من الحمد، وقد قال بعض أهل العلم أن الحمد والشكر معناهما واحد ، الشكر يختص بما كان في مقابل نعمة، والحمد أعم من ذلك يكون في مقابل النعمة وغيرها، فله الحمد سبحانه وتعالى على كل حال على السراء والضراء والعطاء والمنع، وله الحمد على كل أقداره وعلى كل شرائعه فله الحمد على خلقه وأمره: (ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين) الأعراف:54.
    وقد علمنا رسول الله  نماذج رائعة لحمد الله بالغدو والآصال. فمما اثر عنه انه كان اذا صحا من نومه قال: (الحمد لله الذي رد اليّ روحي ، وعافاني في جسدي ، واذن ليّ بذكره ) .
    ويكفي في مديح الله ان نذكره ، فان آفة البشر تجي من الجهل والنسيان .
    في سورة الرحمن تطواف سريع بالعالم من بدئه الى منتهاه، وعرض لاحوال الخلق منذ اتجه اليهم التكليف الى ان لاقوا ما يستحقون من جزاء . ولما كانت السورة فى نحو صفحتين ، فان هذه الرحلة العاجلة سجلت ايماءات فقط الى آيات الله ونعمه. وبين كل ايماءة واخرى يقول الله للانس والجن في تساؤل حافل بالملام والتقريع :(فباي الاء ربكما تكذبان ).
    وجاء في (صفوة البيان لمعاني القرآن ). عددّ الله في هذه السورة كثيرا من نعمائه ، وذكر خلقه بعظيم من آلائه، ثم اتبع كل خلة وصفها ونعمة وضعها بهذه الآية الكريمة، فذكرها في واحد وثلاثين موضعا ، وجعلها فاصلة بين كل نعمتين لينبههم الي هاتيك النعم ويقررها بها، ويقيم عليهم الحجة عند جحودها .
    الله أكبر:
    عندما يرددها المؤمن فهو يقصد امرين:
    اولها :احقاق الحق وابطال الباطل، فانه فى واقع الامر لايوجد غير اله واحد هو الله الواحد القهار ، وما عداه وهم عقول مختلة، اوخداع حواس معتلة.
    والاخر : ضبط السلوك البشرى داخل نطاق هذا التوحيد، فيكون استنصار الانسان بالله ، واسترزاقه وتوكله وامله وامنه وغير ذلك من المعانى .
    وهذا امر يحتاج الى ايضاح ، فان الله خبأ مفاتيح قدرته تحت جملة من الاسباب العادية ، سواء أكانت هذه الاسباب كونيه أو انسانية، والمسلم حين يباشر هذه الاسباب – ولا بد من مباشرتها - لايجوز ان يحتجب عن الحقيقة العليا ، ولا ان يظن مردّ الامور اليها ، فان الله محيط بالاشخاص والاشياء ، وهو الذى يمنح هذه الوسائل صلاحيتها للعمل ، وقدرتها على الانتاج .
    ولذلك يجب ان تمتد اشعة التوحيد المطلق فى ارجاء النفس، فلا تجعل شيئا ما يحول بين المرء وربه . ويجب ان يشعر من اعماق قلبه ان ما دون الله هباء ، فلا يرعه سطوة سلطان ، ولا تخدعه ثروة غنى .
    ثالثا أذكار الاساس
    بعد الفراغ من ذكر خاتم الصلوات والباقيات الصالحات بأعدادها وقبل القيام من موضع الصلاة ينتقل الى ذكر أذكار الاساس وهى: (الإستغفار مائتان ، والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم مائتان، لا إله إلا الله مائتان ، والله الله مائتان ، والأسماء الحسنى مرة واحدة). ولهذه الاذكار أدلتها من الكتاب والسنة نوردها فيما يلى:
    أستغفر الله:
    فذكر ( الإستغفار ) عقب كل صلاة لأن ربما يظلم الإنسان نفسه بإرتكاب ذنب فى أى لحظة من لحظات الليل والنهار فألزم بالإستغفار عقب الصلوات الخمس إمتثالاً لقوله تعالى: (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فأستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصّروا على ما فعلوا وهم يعلمون أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين ) .
    الصلاة على النبى:
    وذكر( الصلاة على الرسول ) إمتثالاً لقوله تعالى: (إن الله وملائكته يصلون على النبى يا أيها الذين أمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) وقوله  :(من صلى علىّ مرة صلت عليه الملائكة عشراً ومن صلى علىُّ عشراً صلت عليه الملائكة مائة ومن صلى على مائة صلت عليه الملائكة ألفاً) .
    لا إله إلا الله :
    وذكر (لا إله إلا الله) إمتثالاً لقوله تعالى : (فاعلم أنه لا إله إلا الله) وقوله صلى الله عليه وسلم (أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلى لا إله إلا الله وحده لا شريك له ) وقوله  :( يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان فى قلبه من الخير ما يزن شعيرة ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان فى قلبه ما يزن من الخير ذرة ) .
    الله الله الله:
    وذكر لفظ الجلالة (الله) لقوله تعالى: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم أستقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التى كنتم توعدون نحن أولياؤكم فى الحياة الدنيا وفى الأخرة ولكم فيها ما تشتهى أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلاً من غفور رحيم ) وقوله تعالى : ( قل الله ثم ذرهم فى خوضهم يعمهون ) .
    أسماء الله الحسنى:
    وفى ذكر [أسماء الله الحسنى] إمتثالاً لقوله تعالى : (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ) وقوله : ( إن لله تسعة وتسعين إسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة ) وفى رواية من حفظها دخل الجنة ، والذى يواظب على هذا الأساس دبر الصلوات الخمس يعد من الذاكرين الله كثيراً ، وجاءت المواظبة على هذا الأساس عقب الصلوات إمتثالاً لقول الرسول : (عليكم بما تطيقون فالله لا يمل الله حتى تملوا ، وكان أحب الدين إليه ما دام عليه صاحبه ) صحيح البخارى .
    الأذكار والأوراد اليومية:
    بالاضافة لاذكار الاساس نجد الشيخ عبد الله يوصى المريد بالمداومة على الاذكار اليومية(أوراد الطريقة القادرية للسالك البادىء) ويعمل بها كل حسب طاقته وبالاعداد المحددة لكل صيغة، ويستعان بالسبحة كآلة للذكر لضبط العدد، اتفقت المذاهب الأربعة على جواز اتخاذ السبحة والذكر بها , وإن الأولى الذكر بالأنامل إلا لمن خشي عدم ضبط العد فالسبحة أولى وزاد بعضهم : إذا كانت ستذكره بذكر الله فهي أولى أيضا، والإنسان قل أن يراها إلا ويذكر الله وهذا من أعظم فوائدها وبذلك كان يسميها بعض السلف.
    ومن فوائدها أيضا الاستعانة على دوام الذكر كلما رآها ذكر أنها آلة للذكر فقاده ذلك إلى الذكر فيا حبذا سبب موصل إلى دوام ذكر الله عز وجل وكان بعضهم يسميها حبل الموصل وبعضهم رابطة القلوب. ... ولم ينقل عن أحد من السلف ولا من الخلف المنع من جواز عد الذكر بالسبحة بل كان أكثرهم يعدونه بها ولا يرون ذلك مكروها وقد رؤي بعضهم يعد تسبيحا فقيل له أتعد على الله فقال لا ولكن أعد له والمقصود أن أكثر الذكر المعدود الذي جاءت به السنة الشريفة لا ينحصر بالأنامل غالبا ولو أمكن حصره لكان الاشتغال بذلك يذهب الخشوع وهو المراد والله أعلم.

    بيان أوراد الطريقة القادرية العركية للسالك البادىء
    صيغة الذكر العدد
    1 سورة الفاتحة 121مرة
    2 آية الكرسى 11- 50- 70-مرة
    3 سورة يس مرة(صباحا ومساءا)
    4 سورة الاخلاص 100- 313مرة
    5 حسبنا الله ونعم الوكيل 450مرة(صباحا ومساءا)
    6 عزيز كافى قوى لطيف 450مرة(صباحا ومساءا)
    7 اللهم صلى وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه 1000مرة
    8 أستغفر الله 700- 1700مرة
    9 لا اله الا الله 1000مرة
    10 الله 1000مرة
    11 يا لطيف 129مرة عقب الصلوات
    12 قراءة جزء من القرآن يوميا
    ورد الكثير من الاحاديث النـبوية التي تتحدث عن فضل القرآن وخصائص وأفضلية بعض سوره وآياته نذكر منها ما تم تحديده كاوراد وأذكار فى اليوم والليلة لسالكى الطريقة اعلاه : -
    1- القُرْآنِ الكَرِيمِ :
    القرآن الكريم هو دستور الشريعة الاسلامية الذي أنزله الله سبحانه وتعالي بلسان عربي فصيح بوحي منه الي نبيه فهو كلام الله وجميع ألفاظه نورانية مستمدة نورانيتها من نور الله عز وجل ، ولغته في غاية الفصاحة واعلاه مراتب البلاغة.
    أسماء القرآن الكريم:
    اورد القرآن الكريم لنفسه بين اياته اسماء بالعشرات هي: الفرقان، الكتاب، النور، التنزيل، الكلام، الحديث، الموعظة، الهادي، الحق، البيان، المنير،
    الشفاء، العظيم، الكريم، المجيد، العزيز، النعمة، الرحمة، الروح، الحبل،
    القصص، المهيمن، الحكم، الذّكر، السراج، البشير، النذير، التبيان، العدل،
    المنادي، الشافي، الذكرى، الحكيم
    وقالوا اسماء اخرى للقرآن الكريم منها الميزان واحسن الحديث والكتاب
    المتشابه المثاني وحق اليقين والتذكرة والكتاب الحكيم والقيم وابلغ الوعّاظ
    قال تعالي (" أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه إختلافاً كثيرا ") وقال تعالي (" ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون ") وقال تعالي (" وتلك الامثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون ") .
    القصص القرآنية :
    اشار القرآن الكريم الى قصص الانبياء عليهم السلام واقوامهم بهدف العبرة
    والاعتبار، وقد ذكر الكتاب العزيز اسماء خمس وعشرون نبيا مع قصصهم وهم: محمد، آدم، ابراهيم، اسماعيل، الياس، ادريس، ايوب، عيسى، موسى،نوح، لوط، يوسف، يعقوب، يوشع، هود،! يونس، صالح، شعيب، داوود، يحيى، زكريا، ذو الكفل، سليمان، هارون ، اسماعيل صادق الوعد.
    وزيادة علي ما تحتويه آياته البينات من تشريع فانها تحتوي كذلك علي أعظم الفوائد وأحسن اللطائف وأكمل الخفايا وأفضل الخصائص وأكثر المنافع وأبهي المزايا ولا يمكن الوصول الي كنه أسراره العجيبة ومعانيه العديدة وفوائده الكثيرة وفضائله العظيمة - قال تعالي (" وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ") وقال صلي الله وسلم: (خذ من القرآن ما شئت لما شئت) .
    وصف القرآن الكريم لنفسه:
    1- (قل من كانَ عدواً لجبريلَ فإنّه نزّله على قلبَك بإذن الله مصدّقاً لما بين
    يديه وهدىً وبشرى للمؤمنين..) سورة البقرة
    2- (هذا بيانٌ للناس وهدىً وموعظةٌ للمتقين..) سورة آل عمران
    3- (آلر, كتاب أنزلناهُ اليكَ لتخرجَ النّاس من الظّلمات الى النّور بإذن ربهمْ
    إلى صراط العزيز الحميد..) سورة ابراهيم
    4- (طه. ماأنزلنا عليك القرآن لتشقى إلاّ تذكرةً لمن يخشى..) سورة طه
    5- (اللهُ نزّلَ أحسنَ الحديث كتاباً متشابهاً مثانيَ تقشعرّ منهُ جُلود الذين يخشونَ ربّهم ثم تلين جلودُهُم وقلوبهُم الى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاءُ ومن يُضلل اللهُ فما لهُ من هاد..) سورة الزمر .
    6- (قلْ بفضلِ اللهِ وبرحمته فبذلك فيفرَحوا هو خيرٌ مما يَجمعون.). سورة يونس
    7- (ولو جعلناه قرآناً أعجمياً لقالوا لولا فُصّلت آياته أاعجمي وعربي قل هو
    للذينَ آمنوا هدىً وشفاء..) سورة فصلت.
    2- سورة الفاتحة :
    هى أعظم سورة في القرآن , وهي السبع المثاني والقرآن العظيم كما ورد فى الحديث الذى أخرجة البخاري عن أبي سعيد بن المعلي قال : كنت اصلي فدعاني رسول الله  فلم اجبه قلت يارسول الله أني كنت اصلى , قال : ( الم يقل الله سبحانه وتعالي "ياايها الذين أمنوا استجيبوا لله وللرسول اذا دعاكم" ؟ ثم قال : لاعلمنك سورة هي اعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج ) فاخذ بيدي , فلما أراد أن يخرج قلت : يارسول الله انك قلت: ( لاعلمنك أعظم سورة في القرآن) قال:( الحمد الله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أو تيته ) .
    قال بعض أهل الخواص في فضائل الفاتحة:
    اذا ما شئت أن تضحي غنيا
    وعنك الفقر والاقلال يذهب
    ففاتحة الكتاب فلا تدعها
    فمن أسرارها ما منه تعجب
    فلا تترك تلاوتها بليل
    فأسباب الامور بها تسبب
    بها تعطي القبــــــول بكل شئ
    وعنك شدائد الايام تذهب
    فاياك التساهل والتواني
    ففيها من مرادك كل مطلب
    3- آية الكرسي:
    قال رسول الله  :(من قرأ حرفاً من كتاب الله فله ‏حسنة و الحسنة بعشر أمثالها لا أقول الم حرف و لكن ألفٌ حرف و لامٌ حرف و ميمٌ حرف ) رواه الترمذي.
    و في صحيح البخاري من حديث أُبي بن كعب أن رسول الله  قال ‏في ءاية الكرسي "إنها سيدة ايات القرءان"، و ذلك لما احتوت عليه من المعاني العظيمة التي فيها توحيد الله تبارك و ‏تعالى و إثبات علم الله المحيط بكل شىء و أنه لا أحد سواه يحيط بكل شىءٍ علماً و إثبات أن الله تعالى لا يعتريه عجز ‏و لا سِنة أي نعاس و لا نوم.
    و قد سئل بعض العارفين عن الخالق فقال للسائل: إن سألت عن ذاته فليس كمثله ‏شىء و إن سألت عن صفاته فهو أحد صمد لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفواً أحد و إن سألت عن إسمه فهو الله ‏الذي لا إله إلا هو عالم الغيب و الشهادة هو الرحمن الرحيم و إن سألت عن فعله فكل يومٍ هو في شأن أي أن الله ‏يغير أحوال العباد بمشيئته الأزلية التي لا تتغير.
    ورد عن رسول الله  في فضل ءاية الكرسي أنه قال يوماً لأحد الصحابة:" يا أبا ‏المنذر أتدري أي ءاية من كتاب الله معك أعظم؟ قلت: الله لا إله إلا هو الحي القيوم. فضرب رسول الله  في صدره و قال:" ليهنأك العلم أبا المنذر".
    4- سورة يس:
    وقارىء سورة يس يرى أن فواصلها سريعة قصيرة، تحشد للانسان مشاهد كبارا من الطبيعة والكون لترسيخ عقيدة التوحيد فى الأذهان.
    وهى تفصل عواقب المكابرين المعاندين الكاشحين من انكار دعوة الحق، وبالمثل عاقبة المؤمنين المتقين المخبتين المسارعين الى المغفرة والرضوان.
    ويتجلى فيها عظمة الجزاء الالهى الاوفى لمن مات فى اشرف واقدس مجال، الا وهو مجال الدعوة الى الله، وتوحيده ، وتصل اعظم مواقف الاثارة العاطفية الانسانية عندما يعظ حبيب النجار بعد موته اعداءه الذين قتلوه، فيقول (يا ليت قومى يعلمون بما غفر لى ربى وجعلنى من المكرمين ) فقد وعظهم حيا، ولم ينفك يعظهم بعد موته.. انها اخلاق اهل الفضل المبرورين الخلصاء.
    قال سيدنا رسول الله :(لكل شىء قلب وقلب القرآن يس، من قرأ"يس" كتب الله له بقراءتها قراءة القرآن عشر مرات).
    5- سورة الاخلاص :
    أخرج البيهقي عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال أتي رسول الله  جبريل عليه السلام وهو حينذاك بتبوك فقال يا محمد أشهد جنازة معاوية بن معاوية المزني فخرج رسول الله  ونزل جبريل عليه السلام في سبعين الفا من الملائكة فوضع جناحه الأيمن علي الجبال فتواضعت ووضع جناحه الايسر علي الارضين فارتفعت حتي نظر عليه الصلاة والسلام الي مكة والمدينة شرفها الله فصلي عليه رسول الله  وجبريل والملائكة عليهم السلام فلما فرغ قال عليه الصلاة والسلام قال ياجبريل بم بلغ معاوية هذه المنزلة قال بقراءة قل هو الله أحد قائما وراكبا وماشيا كذا رواه البيهقي في الدلائل – ومثل هذا الحديث رواه الطبراني كما ورد في روح البيان . (وأخرج ) الطبراني والديلمي عن النبي  انه قال من قرأ قل هو الله أحد ماية مرة في الصلاة أو في غيرها كتب الله له براءة من النار.
    6- حسبنا الله ونعم الوكيل:
    كلمة عظيمة تحوي عظيم المعاني وروعة المضمون وذات تأثير قوي فهي تعني توكيل كل الحول والقوة له سبحانه، هذه الكلمة قيلت من قبل الأنبياء ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " حسبنا الله ونعم الوكيل " ، قالها إبراهيم  حين ألقي في النار ، وقالها محمد  حين قالوا له : " إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل " رواه البخاري.
    هؤلاء هم الأنبياء صفوة الله لم يلجئوا إلا لله في أمورهم وترديد هذه الكلمة !!. أما نحن متى نقولها ؟؟! - حسبنا الله ونعم الوكيل حين نرى ظلم الأشخاص لبعضهم - حسبنا الله ونعم الوكيل حين نرى التشرد والمجاعات - حسبنا الله ونعم الوكيل الطغاة يسعون في الأرض الفساد على البلاد الإسلامية - حسبنا الله ونعم الوكيل حين نرى الدخيل في عقر دارنا ولم نحرك ساكنا - حسبنا الله ونعم الوكيل حين تتراكم علينا الهموم والكروب - حسبنا الله ونعم الوكيل حين نرى ضياع شباب المستقبل - حسبنا الله ونعم الوكيل حين نرى عقوق الوالدين
    معنى حسبي الله: أي يكفيني الله تعالى عن غيره في الرزق, والنصر, والعون, واللطف, والرحمة, والوقاية ... وغير ذلك.
    والوكيل: هو من يوكله الإنسان ليقضي له أمراً, وكلما كان الوكيل قوياً, أميناً, فطناً, حكيماً, كان قضاء الأمر أفضل وأكمل.
    ومعنى نعم الوكيل: أي: من أفضل من الله وكيلاً في نصرتي؟, ومن أعظم وكيلاً من الله في قضاء حاجتي؟ ومن أقوى من الله وكيلاً في رد كيد الكائدين, وظلم الظالمين؟
    وكلما كان القلب معلقاً بالله, متوكلاً عليه, مستيقناً بحكمة الله, وقدرته، مسلماً لأمره وقضائه, كانت الوكالة أصدق, والتوكل أعظم, والثمرة أطيب ولا ينبغي للمسلم العاقل أن يلتفت إلى النتائج, مهما كانت في نظره في غير صالحه, لأن الله يعلم والإنسان لا يعلم {والله يعلم وأنتم لا تعلمون{.، هو حسب من توكل عليه وكافى من لجأ إليه ، وهو الذي يؤمن خوف الخائف ، ويجير المستجير، فمن تولاه واستنصر به وتوكل عليه، وانقطع بكليته إليه ، تولاه وحفظه وحرسه وصانه . ومن خافه واتقاه ، أمنه مما يخاف ويحذر ، ويجلب إليه ما يحتاج إليه من المنافع .
    7- عزيز كافى قوى لطيف:
    أسماء الله الحسنى: هي أسماء مدح وحمد وثناء وتمجيد لله وصفات كمال لله ونعوت جلال لله، وأفعال حكمة ورحمة ومصلحة وعدل من الله يدعى الله بها، وتقتضي المدح والثناء بنفسها.
    سمى الله بها نفسه في كتبه أو على لسان أحد من رسله أو إستأثر الله بها في علم الغيب عنده. لا يشبهه ولا يماثله فيها أحد وهي حسنى يراد منها قصر كمال الحسن في أسماء الله، لا يعلمها كاملةً وافيةً إلا الله.
    فهو موصوف من الصفات بأكملها وله من الكمال أكمله وهكذا أسماؤه الدالة على صفاته هي أحسن الأسماء وأكملها فليس في الأسماء أحسن منها ولا يقوم غيرها مقامها ولا يؤدي معناها وتفسير الاسم منها بغيره ليس تفسيرا بمرادف محض بل هو على سبيل التقريب والتفهيم وإذا عرفت هذا فله من كل صفة كمال أحسن اسم وأكمله وأتمه معنى وأبعده وأنزهه عن شائبة عيب أو نقص قال تعالى:(قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا )110 سورة الإسراء.
    يتفق أكثر علماء المسلمين بأن أسماء الله الحسنى ليس لها عدد معين ولا يمكن حصرها والإحاطة بها كاملة لأن منها ما أستأثر الله به في علم الغيب عنده ومنها مايفتح الله به على رسوله يوم القيامه وغيرها مما يستحيل على بشر أن يحصيه.
    ‏ جاء في مسند أحمد عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله  (‏‏ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن فقال ‏ ‏اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ‏ ‏ناصيتي ‏ ‏بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أحدا من خلقك أو أنزلته في كتابك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرجا) قال فقيل يا رسول الله ألا نتعلمها فقال (بلى ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها. فما استأثر الله تعالى به في علم الغيب عنده، لا يمكن لأحد حصره ولا الإحاطة به.
    جاء في صحيح مسلم ‏عن ‏ ‏أبي هريرة عن ‏عائشة ‏ ‏قالت " ‏فقدت رسول الله ‏ ‏ ‏‏ليلة من الفراش فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان وهو يقول ‏ (اللهم أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك.
    جاء في صحيح البخاري ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏أن رسول الله  قال:( ثم يفتح الله علي من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه على أحد قبلي).
    والعزيز اسم من أسماء الله الحسنى ويعني الغالب الذي لا يهزم، وهو اسم يضم ثناياه العديد من الصفات: كالقوة والغلبة والقدرة على كل شيء والقيومية. وهذه العزة تتجلى في العديد من الآيات القرآنية الكريمة منها قوله تعالى: الذين أخرجوا من ديارهم بغير حقٍ إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع صلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز "40" (سورة الحج)
    فالحق تبارك وتعالى بعزه قوته يحول دون تهدم المساجد والصوامع والبيع.. وبعزة قوته ينصر من يشاء من عباده، ولا يعوقه عن هذا النصر عائق؛ لأنه سبحانه العزيز بقوته التي لا تدانيها قوة. فتبارك ربنا الملك الحق العزيز بقوته، العزيز بقدرته، العزيز بقيوميته وغناه عمن سواه .. فندعوه جل وعلا أن يهبنا من عزته عزا في الدنيا والآخرة .. وندعوه كما علمنا في قوله تعالى:) واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم) سورة الممتحنة ـ 5.
    والكافى من أسمائه تعالى وهو الوكيل الكافي لمن توكل عليه، القائم بأمور العباد، وهو الذي من استغنى به أغناه عما سواه، وهو المتصرف في الأمور حسب إرادته، وهو سبحانه الموكول إليه تدبير أمر كل شيء، قال تعالى:( أليس الله بكافٍ عبده ويخوفونك بالذين من دونه ومن يضلل الله فما له من هادٍ) 36 سورة الزمر.
    و القوى من أسمائه تعالى والقوة لله جميعاً، ولا قوة إلا بالله، ولا حول ولا قوة إلا بالله. قال تعالى:( فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون) 15 سورة فصلت. وقد ذكر "القوى" سبحانه تسع مرات في القرآن الكريم، فهو تعالى قوي شديد العقاب. ومادام الإنسان قد آمن بأن العبادة لله وحده والاستعانة بقوة الله جل شأنه، مادام هذا الإيمان قد استقر في القلب وظهر في السلوك، فلابد أن تقف قوة الخالق بجانب العبد المؤمن لينتصر على خصوم الإيمان يقول الحق: (إياك نعبد وإياك نستعين) "5" سورة الفاتحة.
    يجب الإيمان بأن الله حق وغيب، وأنه حاضر لا تدركه الأبصار، وأنه قوي بلا نهاية، بهذا المنطق الإيماني كان الرسول الكريم يواجه قريشاً بكفارها وجهلها وجاهليتها، لقد اختاروا الضلال، واختار الرسول الكريم أن يهديهم إلي التقوى، ولذلك انتصر النبي الملتحم بقوة الحق الأعلى.
    واللطيف من أسمائه تعالى: وهو العالم بغوامض الأشياء ، ثم يوصلها إلى المستصلح برفق دون العنف ، أو البرّ بعباده الذي يوصل إليهم ما ينتفعون به في الدارين ويهيّىء لهم أسباب مصالحهم من حيث لا يحتسبون ، وهو الرفيق بعباده يقال : لطف له يلطف إذا رفق به ، ولطف الله بك أي : أوصل إليك مرادك برفق، واللطيف منه .
    مجالس وحلق الذكر:
    كانت مجالس النبى  مع أصحابه عامتها مجالس تذكير بالله وترغيب وترهيب ، إما بتلاوة القرآن ، أو بما آتاه الله من الحكمة والموعظة الحسنة ، وتعليم ما ينفع فى الدين كما أمره الله تعالى أن يذكر ويعظ ويقص ، وأن يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن يبشر وينذر ، وسماه الله [مبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله ] الأحزاب:والتبشير والإنذار هو الترغيب والترهيب، ذكر أبو هريرة : ما لنا يا رسول الله إذا كنا عندك رقت قلوبنا وزهدنا فى الدنيا ، وكنا من أهل الآخرة ، فإذا خرجنا من عندك فأنشنا من أهلنا وشممنا أولادنا ، أنكرنا أنفسنا ؟ فقال رسول الله: [ لو أنكم إذا خرجتم من عندى كنتم على حالكم ذلكم لزارتكم الملائكة فى بيوتكم ، ولو لم تذنبوا لجاء الله بخلق جديد حتى يذنبوا فيغفر لهم ] فى هذا الحديث ، رقة القلوب والزهد فى الدنيا، والرغبة فى الآخرة.
    وفى مجالس الذكر تنزل الرحمة ، تغشى السكنية ، تحف الملائكة ويذكر الله أهلها فيمن عنده . وهم القوم لا يشقى جليسهم ، فربما رحم معهم من جلس إليهم وإن كان مذنباً ، وربما بكى فيهم باك من خشية الله فوهب أهل المجلس كلهم له ، وهى رياض الجنة ، وقال النبى : [ إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا ] قالوا: وما رياض الجنة ؟ قال : [ مجالس الذكر ]
    لذلك نجد الشيخ عبد الله يحرص عليها وهذا عمل يحبه الله ورسوله  وقد أورد الإمام النووي في مقدمة كتابه (الأذكار) ما نصه: اعلم أنه كما يُستحب الذكر يستحب الجلوس في حلق أهله، وقد تضافرت الأدلة على ذلك، ويكفي في ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا. قالوا: وما رياض الجنة يا رسول الله: قال: حلق الذكر، فإن لله تعالى سيارات من الملائكة يطلبون حِلق الذكر. فإذا أتوا عليهم حفوا بهم). وروي في صحيح مسلم عن معاوية أنه قال: خرج رسول الله  على حلقة من أصحابه فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله تعالى ونحمده على ما هدانا للإسلام ومن به علينا، قال: الله ما أجلسكم إلا ذاك؟ قالوا: والله، ما أجلسنا إذا ذاك، قال: أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله تعالى يُباهي بكم الملائكة، قال الإمام النووي في شرح الحديث: إن هذا الحديث يدل على:
    (1) أن السادة الصحابة رضي الله عنهم أقاموا مجالس الذكر من تلقاء أنفسهم بعد ما علموا مافيها من خير.
    (2) أن فعلهم هذا يؤكد أن مجالس الذكر سنة حسنة وإلا ما فعلوها، لما أقرهم عليها رسول الله  .
    (3) أن من مقاصد مجالس الذكر أنها صورة عملية للاعتراف بفضل الله صاحب الهداية والتوفيق والمنة.
    وروي في صحيح مسلم أيضاعن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما: أن رسول الله  قال: (لا يقعد قوم يذكرون الله تعالى إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله تعالى فيمن عنده). وقال الإمام النووي على صحيح مسلم قوله: (إن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة معناه يظهر لهم ويريهم حسن عملكم ويثني عليكم عندهم، وأصل البهاء الحسن والجمال، وفلان يباهي بما له أي يفخر ويتجمل بهم على غيرهم ويظهر حسنهم).
    وقد قال الإمام فخر الدين: (أما حلقة الذكر فقد جاءت في كتاب الله تعالى والسنة المطهرة، أما الكتاب العزيز ففي قوله تعالى {والذاكرين الله كثيراً والذاكرات} بطريق الجمع في كل الآي كما يؤخذ من بيان حضرة من أسند الله تعالى إلى حضرته البيان والتبيين من قوله الشريف ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله عز وجل يذكرون الله إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده وفي قوله  :(إن لله ملائكة يلتمسون أهل الذكر فإذا وجدوا حلقة تداعوا إليها هلموا إلى حاجتكم حتى يبلغوا العنان) البخاري، ومن قوله الشريف  حين دخل مسجده فوجد حلقتين حلقة علم وحلقة ذكر فجلس في حلقة العلم وقال: (إنما بعثت معلما) و الحديث القدسي من قوله عن رب العزة أنه قال: (من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأٍ ذكرته في خير من ملئه) والمراد بالملأ الجماعة وهي لا تكون إلا حلقة أو مستطيلة وهي هيئة الحلقة أيضاً وغير ذلك كثير وفي هذا القدر كفاية خشية الإطالة فحلقة الذكر ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع فمن ينكر ذلك فهو بعيد عن هذا أي الكتاب والسنة والإجماع، فمن هنا يظهر أن المجالس التي يجتمع فيها المسلمون لذكر الله تعالى مجالس يباهي الله تعالى بها ملائكته.
    فإذا إنقضى مجلس الذكر ، فأهله بعد ذلك أقسام : فمنهم من يرجع إلى هواه فلا يتعلق بشئ مما سمعه فى الذكر ، ولا يزداد هدى ، ولا يرتدع عن ردى، وهؤلاء شر الأقسام ، ويكون ما سمعوه حجة عليهم ، فتزداد عقوبتهم ، وهؤلاء الظالمون لأنفسهم : [أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون ] . ومنهم من ينتفع بما سمعه ، وهم على أقسام، فمنهم من يرده ما سمعه عن المحرمات ، ويوجب له إلتزام الواجبات ، وهؤلاء المقتصدون أصحاب اليمين . ومنهم من يرتقى عن ذلك إلى التشمير فى نوافل الطاعات ، والتورع عن دقائق المكروهات ، ويشتاق إلى إتباع آثار من سلف من السادات ، وهولاء السابقون المقربون .
    وينقسم المنتفعون بسماع مجلس الذكر فى إستحضار ما سمعوه فى المجلس والغفلة عنه إلى قسمين : فقسم يرجعون إلى مصالح دنياهم المباحة فيشتغلون بها، فتذهل بذلك قلوبهم عما كانوا يجدونه فى مجلس الذكر ، من إستحضار عظمة الله وجلاله وكبريائه ، ووعده ووعيده ، وثوابه وعقابه ، وهذا هو الذى شكاه الصحابة إلى النبى وخشوا لكمال معرفتهم ، وشدة خوفهم ، أن يكون نفاقاً ، فأعلمهم النبى أنه ليس بنفاق .
    وفى صحيح مسلم عن حنظلة أنه قال : يا رسول الله نافق حنظلة قال: [وما ذاك ؟] قال : نكون عندك تذكرنا بالجنة والنار حتى كأنهما رأى عين فإذ رجعنا من عندك عافسنا الأزواج والضيعة ونسينا كثيراً فقال  : [ لو تدومون على الحال التى تقومون بها من عندى لصافحتكم الملائكة فى مجالسكم وفى طرقكم ، ولكن يا حنظلة ، ساعة ، ثلاث مرات . ومعنى هذا أن إستحضار ذكر الله بالقلب فى جميع الأحوال عزيز جداً ، لا يقدر كثير من الناس أو أكثرهم عليه، فيكتفى منهم بذكر ذلك أحياناً وإن وقعت الغفلة عنه فى حال التلبس بمصالح الدنيا المباحة ، ولكن المؤمن لا يرضى من نفسه بذلك ، بل يلوم نفسه عليه ويحزنه ذلك من نفسه . العارف يتأسف فى وقت الكدر على زمن الصفاء ، ويحن إلى زمن القرب والوصال فى حال الجفاء .
    وقسم آخر يستمرون على إستحضار حال مجلس سماع الذكر فلا يزال تذكر ذلك بقلوبهم ملازماً لهم ، وهؤلاء على قسمين :-
    أحدهما: من يشغله ذلك عن مصالح دنياه المباحة، فينقطع عن الخلق ، فلا يقوى على مخالطتهم، ولا القيام بوفاء حقوقهم. وكان كثير من السلف على هذه الحال فمنهم من كان لا يضحك، ومنهم من كان يقول : لو فارق ذكر الموت قلبى ساعة لفسد .
    والثانى: من يستحضر ذكر الله وعظمته وثوابه وعقابه بقلبه ، ويدخل ببدنه فى مصالح دنياه من إكتساب الحلال والقيام على العيال ، ويخالط الخلق فيما يوصل إليهم به النفع مما هو عبادة فى نفسه ، كتعليم العلم،والتربية ، والجهاد ، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، وهؤلاء أشرف القسمين ، وهو خلفاء الرسل ، وهم الذين قال فيهم على كرم الله وجهه : صحبوا الدنيا بأبدان ، أرواحها معلقة بالمحل الأعلى . وقد كان حال النبى صلى الله عليه وسلم عند الذكر يتغير ، ثم يرجع بعد إنقضائه إلى مخالطة الناس والقيام بحقوقهم . ففى [ مسند البزار] و[معجم الطبرانى] عن جابر ، قال : كان النبى  إذا نزل عليه الوحى قلت : نذير قوماً أتاهم العذاب ، فإذا سرى عنه فأكثر الناس ضحكاً ، وأحسنهم خلقاً . وفى [مسند الإمام أحمد] عن على قال كان النبى يخطبنا فيذكرنا بأيام الله حتى نعرف ذلك فى وجهه وكأنه نذير جيش يصحبهم الأمر غدوة . وكان إذا كان حديث عهد بجبريل لم يبتسم ضاحكاً حتى يرتفع عنه وسئلت عائشة رضى الله عنها : كيف كان رسول الله إذا خلا مع نسائيه ؟ قالت : كان كرجل من رجالكم، إلا أنه كان أكرم الناس ، وأحسن الناس خلقاً ، وكان ضاحكاً بساماً . فهذه الطبقة خلفاء الرسل عاملوا الله تعالى بقلوبهم ، وعاشروا الخلق بأبدانهم .
    وقد درج الشيخ عبد الله على احياء ليالي الذكر و حضور مجالسه وطريقة هذه المجالس التي تقام لاحياء ليلة الاثنين والجمعه من كل اسبوع وبقية الليالي في (المناسبات الدينيه كما سماها عقب البيعة) .
    طريقة احياء الليالى
    وهنا نبين الطريقه التي تنظم بها الاحتفالات لاحياء ليالى المناسبات :
    اولا: تفتتح ليلة الذكر بان يقرأ الحاضرون سورة الفاتحه ثم الصلاة علي النبي .
    ثانيا : تبدأ الجلسه عقب صلاة المغرب او العشاء مباشرة ، فيقرأ فى الافتتاحية سورة من القرآن الكريم او ماتيسر من الذكر الحكيم.
    ثالثا : بعد ذلك يقرأون منظومة سلسلة مشايخ الطريقة القادرية المسماه بالتوسل وبعدها قصيده في مدح رسول الله .
    رابعا : يوزع علي الحاضرين كتاب ( المولد للبرزنجي ) في حالة احياء ليلة المولد وكتاب ( الاسراء والمعراج ) في احياء الليلة، ويتخلل ذلك قراءة قصائد في مدح المصطفي، وقصائد مشايخ الطريق التربويه التى تذكر مآثرهم للنهوض بالهمم و تقدم دروس أو محاضره تتناول احد المواضيع الدينيه حسب المناسبة .
    خامسا : وفي النهايه يذكرون الله قياما ، فينهض الحاضرون ، ويلتفون علي شكل حلقة، او يقفون صفوفا ، ويبداون بذكر لفظ الجلاله ( الله) والتهليل( لا اله الا الله) ويقوم المنشدون بالقاء القصائد التي تحرك مشاعر الذاكرين، وتحفزهم ، وهكذا يستمر الذاكرون بذكر كلمة التوحيد ، ومجموعه من اسماء الله الحسني المباركه .
    سادسا: تختم ليلة الذكر بتلاوة سورة أو آية من القرآن الكريم، والدعاء .
    وعلي الذاكر ان يكون علي طهاره ويكون حاضرا بقلبه وعقله وروحه ، مستحضرا لمعني ما يقول ، ومستغرقا في مناجاة الله عز وجل حتي يستشعر الحضور في حضرة الله تعالي، والمثول بين يدي سيدنا رسول الله ، وبذلك يتمتع بلذة القرب من ربه، وحلاوة الانس بمناجاته، ونشوة الروح علي بساط رحمته، حيث تحلق روحه في افاق الملكوت الاعلي، وتسبح في انوار الرضا والرضوان .
    مشروعية الحركة فى الذكر:
    إن موضوع الحركة في الذكر تردد كثيراً على ألسنة المسلمين بين الإباحة والتحريم وفي ما يلى نتناول أقوال بعض العلماء الأجلاء في الحركة في الذكر.
    قال الألوسي في تفيسره (روح المعاني) عند قوله تعالى (الذين يذكرون الله قياما وقعوداً وعلى جنوبهم). بعد كلام طويل ما نصه: وعليه فيحمل ما حُكي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما وعروة بن الزبير وجماعة رضي الله تعالى عنهم من أنهم خرجوا يوم العيد إلى المصلى فجعلوا يذكرون الله تعالى فقال بعضهم: أما قال الله تعالى (يذكرون الله قياما وقعوداً) فقاموا يذكرون الله تعالى على أقدامهم على أن مرادهـم بذلك التبرك بنوع موافقة للآية في ضمن فرد من أفراد مدلولها ويقول العلامة الكتاني في كتابه )التراتيب الإدارية) الجزء الثاني غاية الرقص (الحركة في الذكر) عند القوم ذكر من قيام وهو مشروع بنص القرآن الكريم (يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم) والتمايل والاهتزاز منقول عن الصحابة. فقد روى أبو نعيم عن الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى أنه قال كان أصحاب رسـول الله إذا ذكروا الله تمايلوا كما تتمايل الشـجرة بالريح العاصف إلى أمام ثم تراجع إلى وراء، يتضح لنا من كلام العلامة الشيخ عبد الحي الكتاني أن التمايل وقت ذكر الله كان ظاهراً في زمن صحابة رسول الله أما من ينكر على الذاكرين حالهم واهتزازهم فإنما ينكر عليهم شيء ورد على ألسنة العلماء وقام بعمله صحابة رسول الله وللحركة في الذكر شواهد كثيرة في السنة النبوية الشريفة قال رسول الله: (إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر) رواة الترمذي وأحمد. ولمعرفة معنى قوله (ارتعوا) نرجع لقوله تعالى: (أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون)، قال الإمام الطبري عند تفسير الآية: حدثنا محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله تعالى: (أرسله معنا غدا يرتع ويلعب) يقول: يسع وينشط- حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: (يرتع ويلعب) قال: يلهو، وينشط، ويسعى حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (أرسله معنا غدا يرتع ويلعب) قال: ينشط، ويلهو - حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عبد الوهاب، عن سعيد، عن قتادة، بنحوه- . حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (يرتع ويلعب) قال: يسعى، ويلهو ....، عن سيدنا بن عباس رضي الله عنهما أن النـبي قال وهو في قبة له يوم بدر: (أنشـدك عهدك ووعدك اللهم إن شئت لن تعبد في الأرض أبدا) فأخذ أبو بكر بيده وقال: (حسبك يا رسول الله ألححت على ربك) فخرج  وهـو يثب بالدرع وهو يقول: (سـيهزم الجمع ويـولون الدبر بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمـر) وهـذا الحديث أخرجه الإمام البخاري والإمام وأحمد كما أورده بن كثير في تفسيره ..
    قال فيه الشيخ يوسف خطار محمد من علماء الشام في كتابه (الموسوعة اليوسفية في بيان أدلة الصوفية ) ما نصه: الشاهد فيه جواز قراءة كلام الله سبحانه وتعالى في حالة الوثب وهو الظفر والقفز فجواز ذكر الله تعالى في هذه الحالة من باب أولى.
    ولنستمع إلى الإمام علي رضي الله عنه كيف يصف أصحاب النبي ، قال أبو أراكة: (صلّيتُ مع علي صلاة الفجر، فلما انفتل عن يمينه مكث كأنَّ عليه كآبة، حتى إذا كانت الشمس على حائط المسجد قيد رمح صلى ركعتين، ثم قلب يده فقال: والله لقد رأيت أصحاب محمد ، فما أرى اليوم شيئاً يشبههم، لقد كانوا يصبحون صفراً شعثاً غبراً، بين أيديهم كأمثال رُكَب المَعْزى، قد باتوا لله سجداً وقياماً، يتلون كتاب الله يتراوحون بين جباههم وأقدامهم، فإذا أصبحوا فذكروا الله مادوا [أي تحركوا] كما يميد الشجر في يوم الريح، وهملت أعينهم حتى تَنْبَلَّ ـ والله ـ ثيابُهم) "البداية والنهاية في التاريخ" للإمام الحافظ المفسر المؤرخ إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي. وأخرجه أيضاً أبو نعيم في "الحلية".
    ويهمنا من عبارة الإمام علي رضي الله عنه قوله: ) مادوا كما يميد الشجر في يوم الريح)، فإنك تجده صريحاً في الاهتزاز، ويُبطل قولَ من يدَّعي أنه بدعة محرمة، ويثبت إباحة الحركة في الذكر مطلقاً وقد استدل الشيخ عبد الغني النابلسي رحمه الله بهذا الحديث في إحدى رسائله على ندب الاهتزاز بالذكر، وقال: هذا صريح بأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتحركون حركة شديدة في الذكر. على أن الرجل غير مؤاخذ حين يتحرك ويقوم ويقعد على أي نوع كان حيث إنه لم يأت بمعصية ولم يقصدها كما ذكرنا. ، فقد سئل إمام الطائفتين سيدنا الجنيد: إن أقواماً يتواجدون ويتمايلون ؟ فقال: دعوهم مع الله تعالى يفرحون، فإنهم قوم قطعت الطريق أكبادهم، ومزق النصب فؤادهم، وضاقوا ذرعاً فلا حرج عليهم إذا تنفسوا مداواة لحالهم، ولو ذقتَ مذاقهم عذرتهم
    قال الشيخ عبد الغني رحمه الله حديث الإمام عليّ صريح بأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتحركون حركة شديدة في الذكر فثبت مطلقا إباحة الاهتزاز على هذا الأثر بأن الرجل غير مؤاخذ حين يتحرك ويقوم ويقعد على أي نوع كان حيث لم يأت بمعصية ولم يقصدها.
    قال الإمام عبد الحليم محمود شيخ الأزهر: لقد كان رضي الله عنه شاذلي الطريقة ويحضر مجالس الذكر ولما سؤل عن الاهتزاز في الذكر قال (صدق الإمام علي كرم الله وجهه حينما قال واصفا الذاكرين يتمايلون تمايل النخيل في اليوم العاصف الريح).
    والخلاصة بعد هذه الأدلة القاطعة من كتاب الله تعالى وسنة رسوله  قولاً وفعلاً وتقريراً وما ورد عن أخبار الصحابة وأعمالهم وأقوال ساداتنا العلماء سلفا وخلفا.
    فقد ذكرنا هنا كل ما يشرح الصدر ويثبت الحركة في الذكر كما أن الذكر أمر مطلق على جميع الأحوال قائماً وقاعداً متحركاً وساكناً ماشياً وواقفاً وكان مولانا رسول الله  يذكر الله في جميع أحيانه وأحواله، وإذا ادّعى أحد المارقين تحريم الحركة في الذكر أو قال بكراهتها فنحن نطالبه بالدليل لأنه يقيد ما أطلقه الله بغير سند ولا دليل.. ونقول له: إذا أردت أن تحرم أو تكره الحركة في الذكر فأتنا بآية أو بحديث أو بقول لعالم من العلماء الصالحين الذين لا يختلف في قولهم اثنين من المسلمين وتشبه بالصالحين في التحريم والإباحة إن لم تكن مثلهم إن التشبه بالكرام فلاح.
    فتَشَبَّهوا إنْ لم تكونوا مثلهم # إنَّ التشبهَ بالكرام فلاحُ
    الإنشـــاد والسَمـاع:
    استدل القائلون بإباحة الغناء بكثير من الأدلة من القرآن الكريم منها: قال تعالى: (يزيد فى الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير) قال بن كثير نقلاً عن الإمام الزهرى وابن جريج فى قوله تعالى: (يزيد فى الخلق ما يشاء ( يعنى حسن الصوت. ورواه عن الزهرى البخارى فى الأدب المفرد، وقال القرطبى فى تفسير الآية: إنه حسن الصوت كما ذكر بن كثير عن الزهرى، وإلى هذا المعنى ذهب أكثر المفسرين كالنسفى والبيضاوى والخازن وغيرهم.
    وعن سيدنا أنس: (أن النبي  فى سفره وكان غلام يحدو بهن يقال له أنجشة، فقال النبي : (رويدك يا أنجشة سوقك بالقوارير) قال أبو قلابة: يعنى شفقة بالنساء رواهالشيخان، وعن سيدنا أنس بن مالك أيضاً قال: (كان للنبي حادٍ يقال له أنجشة وكان حسن الصوت، فقال له النبي : (يا أنجش رويدك لا تكسر القوارير)، قال قتادة: يعنى ضعفه النساء، وقال الحافظ ابن حجر في شرح البخارى: (قال ابن بطَّال: القوارير كناية عن النساء اللاتى على الإبل التى تساق حينئذ، فأمر  الحادى بالرفق بالحداء، لأنه يحث الإبل حتى تسرع، فإذا أسرعت لم يؤمن على النساء السقوط، وإذا مشت رويداً أمن على النساء السقوط... إلى أن قال: نقل ابن عبد البر الاتفاق على إباحة الحداء، وفى كلام بعض الحنابلة خلاف فيه ومن منعه محجوج بالأحاديث الصحيحة.
    ويلتحق بالحداء هنا الحداء للحجيج المشتمل على التشوق إلى الحج بذكر الكعبة وغيرها من المشاهد ونظيره ما يحرّض أهل الجهاد على القتال.
    وعن سيدنا أبى موسى أن النبي  قال له: (يا أبا موسى لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود) البخاري.
    وعن عامر بن سعد قال: دخلت على قرظة بن كعب وأبى مسعود الأنصارى فى عرس وإذا جوار يغنين، فقلت: أى صاحبا رسول الله  ومن أهل بدر يُفعل هذا عندكم؟... فقالا: اجلس إن شئت فاستمع معنا، وإن شئت فاذهب، فإنه قد رخّص لنا فى اللهو عند العرس) النسائي.
    وعن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضى الله عنها أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار، فقال نبىالله: (يا عائشة ما كان معكم لهو؟ فإن الأنصار يعجبهم اللهو) وفى رواية شريك: أن رسول الله  قال: (فهل بعثتم معها جارية تضرب بالدف وتغني؟ قالوا: نعم، قال: ماذا تقول؟ قيل له نقول:
    آتيــناكم... آتينــاكـم فحيـونا نحييـــكــم
    ولولا الذهب الأحمـــر لم نحلل بـواديـكـــم
    ولولا الحنطة السـمـراء ما سمنت عـذاريـكــم
    الفرق بين التواجد فى ذكر الله وبين الرقص فى الغناء ظاهر لكل مسلم ، فان الباعث على التواجد هو الشوق الى الله تعالى والمحبة فى جماله وجلاله، والباعث على الرقص انما هو الشهوات النفسانية والاغراض الشيطانية فى الفسق والفجور. وذكر الله طاعة بالاجماع، ومن تواجد بالمعنى الذى ذكرناه على الغناء كان تواجده طاعة لأن الاعمال بالنيات ولكل امرىء ما نوى. ومن يقل بالحرمة فمراده ان التواجد على الذكر رقص فليست المسألة اجتهادية وانما هى مبنية على حسن الظن وسوئه، فمن رأى الحرمة المختلفة فى حال ذكر الله تعالى من السالكين، فحسن الظن بهم قال: هذا تواجد على ذكر الله تعالى وهو طاعة، ومن اساء الظن بهم ، قال: هذا رقص حرام باعثه معصية ، لأن الرقص لا يكون الا بالباعث النفسانى والشهوة الحيوانية.
    والحاصل ان الفرق بين التواجد والرقص لايخفى على المسلم المنصف الخالى من التعصب سواء كان من العوام أو العلماء، والرقص يكون بالتخلع والتكسير لاثارة الشهوة، والتواجد انما يكون بالشوق الالهى والمحبة الربانية، ولا يخفى ذلك على جميع الناس.
    فمن ساوى بين الرقص والتواجد بواسطة ان كلا منهما بحركة موزونة على نغمة موزونة كمن ساوى بين السجود للاصنام والسجود لله بواسطة ان كل منهما وضع الجبهة والانف على الارض فيكفر بلا خلاف.
    الجبل يهتز فرحاً برسول الله : ورد في صحيح البخاري أن النبي صعد جبل أحد يوماً ومعه أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فاهتز الجبل فرحاً وتحرك طرباً وزهواً بمن عليه فضرب رسول الله برجله وقال: اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان وقال : ( إن أحد جبل يحبنا ونحبه) البخاري ومسلم فالجبل وهو حجر أصم فرح فاهتز بوقوف رسول الله وصحابته الكرام رضوان الله عليهم فكيف الحال مع المؤمن الصادق الذي أحب ذكر ربه ومحمد نبيه فالروح تهتز طرباً بسماعها القرآن، وهناك حركة لا إرادية يصاب بها قارئ القرآن وإلا لما اهتزازه وهو يقرأ كتاب الله أو ما الداعي لهذا الاهتزاز. ذلك أن الروح الطاهرة التي خلقها الله ووضعها في الإنسان تفرح بكلام الله وبأسماء الله فتهتز وما لمنا يوماً على قارئ القرآن لاهتزازه..وقراءة القرآن ذكر فما بالنا نلوم على الذاكر في اهتزازه اللاإرادي. قال تعالى:( ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُون) .صدق الله العظيم.












    الفصل الخامس
    الاحتفال بالمناسبات الدينية
    لأتخلو أمة من الامم من أعياد ومناسبات تحتفل بها وتعلن فيها فرحتها وابتهاجها ، وتحفيزها الى نشيط ذاكرتها وترسيخ الثقة والاعتزاز بأمجادها وتقوية عزائمها على مواصلة السير نحو خير الامة وازدهارها ، وهذه كلها امور ايجابية تعبر عن حاجة الانسان الفطرية الى مثل هذه الاعياد والمناسبات لتحقيق التواصل بينه وبين غيره من افراد المجتمع ، ولتكون عونا له على التزود بطاقة جديدة ، لأستئناف السير ومواصلة المجاهدة.
    ومن هنا وجدنا ان الاسلام يلبي هذه الرغبة الطبيعية لدى الانسان في التواصل مع الاخرين ، ويتجاوب مع هذه الفطرة الانسانية ، فـالاسلام دين الفطرة، وهو دين اجتماعي يعلي من شأن اجتماع المسلمين وتواصلهم في الصلاة والحج ويعمل على توطيد العلاقات الاجتماعية وزيادة التقارب والتعارف فيما بينهم ، يقول عز وجل : (يأيها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقكم ان الله عليم خبير)(الحجرات13).
    ومن اجل ذلك ايضا رأينا النبي ،عندما قدم الى المدينة وجد لدى الانصار يومين يلعبون فيهما فقال: "ما هذان اليومان ؟". قالوا : يومان كنا نلعب فيهما في الجاهلية . فقال : ان الله ابدلكم بهما خيرا منهما : يوم الاضحى ويوم الفطر)- رواه ابو داؤد.
    كم تشتاق النفوس الى الاعياد ، لتهنأ وتسعد ، وتفرح بفضل الله عز وجل (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ) يونس 58، فهى تساعد على اقامة العلاقات الاجتماعية والانسانية بين افراد المجتمع والتي تضعف وتنزوي نتيجة لهاث الانسان الدائم لتحقيق متطلبات حياته ، وهذه العلاقات الانسانية لها اثارها الواضحة في سلوك الافراد وعلاقاتهم داخل المجتمع، والهدف الاساسي منها هو مساعدة الافراد على الاندماج السوي في الجماعة والتكيف مع الاخرين من افراد المجتمع .
    وقد ابتكر الناس كثيرا من الاعياد تحت العديد من المسميات وفي العديد من المناسبات التي قد تكون دينية أو وطنية أو غير ذلك ، فهناك مثلا في العديد من الشعوب أعياد تحت مسميات مختلفة مثل عيد الربيع أو عيد الشكر أو عيد الحصاد أو عيد الحب أوعيد الام، وهناك ايضا أعياد قومية للتحرير أو الاستقلال، اضافة الى الأعياد الدينية .
    درج الشيخ عبد الله أزرق طيبة على الاحتفال باحياء ذكرى مناسبات عظيمة بالاضافة لعيدى الفطر والاضحى وكلها مناسبات تتعلق بنبى هذه الامة المصطفى  تشمل مولده وهجرته واسراءه ومعراجه وكل مناسبة مرتبطة برسالته امتثالا لقوله تعالى: (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون) واذا بحثنا عن تعريف الرحمة نجدها فى القرآن الكريم تعنى صاحب رسالة هذه الامة.
    أعظم وأصدق ما قيل في حق سيدنا محمد  من التعظيم والتبجيل هو قول الله تعالى الحق:(إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما (أي إن ذكر الله لنبيه بالصلاة عليه إنما هي صفة أزلية أبدية له سبحانه، فقال : ( يصلون ) وجاء بالفعل المضارع المستمر أي إنه صلى وما زال يصلي وسيبقى يصلي ، وصلاته عليه إنما هي تعظيم واحترام، فحق لمن قال أن يقول:إن الله أمرنا أمراً بدأ فيه بنفسه وثنى بملائكة قدسه وثلث بالمؤمنين من عالمي جنه وإنسه ، فقال قولا كريماً ، تعظيماً لقدر نبينا وتفخيماً، وتفهيماً لنا وتعليما، فيريد من تعبيره أن يفهمنا؛ أن من صفات الله تعالى الصلاة على نبيه ، ونبيه هو رحمته المهداة للعالمين قال تعالى: )وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ).
    ونجد الشيخ عبد الله أزرق طيبة عندما يرشد المريد عقب البيعة بقوله:(ما تنقطع من زيارة طيبة........) وذلك لحضور هذه المناسبات التى تقوى العزائم على مواصلة السير نحو خير الامة لما فى هذه المناسبات من دروس وعبر ومواعظ وتتمثل هذه المناسبات فى:

    1- الاحتفاء بالمولد النبوي الشريف:
    إن الله جل في علاه قد ضم اسم حبيبه ونبيه إلى اسمه فلا تلج الإسلام إلا بنطقك اسم محمد ، ولا تلج الإيمان إلا بنطقك واعتقادك باسم محمد ، ولا تقيم أي عبادة لله من الوضوء إلى أكبر عبادة إلا بذكرك لاسمه الشريف ، فما بال المتقولين على الله يفهمون الناس ما لا يراد منهم؟ .
    روي أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه سمع بعد انتقال رسول الله  رجلا يبكي ويقول : بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد كان جذع تخطب الناس عليه فلما كثر الناس اتخذت منبراً لتسمعهم فحن الجذع لفراقك حتى جعلت يدك عليه فسكن فأمتك كانت أولى بالحنين إليك لما فارقتهم ، بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد بلغ من فضيلتك عنده أن جعل طاعتك طاعته فقال عز وجل (من يطع الرسول فقد أطاع الله (بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد بلغ من فضيلتك عنده أن بعثك آخر الأنبياء وذكرك في أولهم فقال عز وجل (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم ) بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد بلغ من فضيلتك عنده أن أهل النار يودون أن يكونوا قد أطاعوك وهم بين أطباقها يعذبون يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسول ، بأبي أنت وأمي يا رسول الله لئن كان موسى بن عمران أعطاه الله حجراً تتفجر منه الأنهار فماذا بأعجب من أصابعك حين نبع منها الماء صلى الله عليك ، بأبي أنت وأمي يا رسول الله لئن كان سليمان بن داود أعطاه الله الريح غدوها شهر ورواحها شهر فماذا بأعجب من البراق حين سريت عليه إلى السماء السابعة ثم صليت الصبح من ليلتك بالأبطح صلى الله عليك ، بأبي أنت وأمي يا رسول الله لئن كان عيسى بن مريم أعطاه الله إحياء الموتى فماذا بأعجب من الشاة المسمومة حين كلمتك وهي مشوية فقالت لك الذراع : لا تأكلني فإني مسمومة ، بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد دعا نوح على قومه فقال رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً ولو دعوت علينا بمثلها لهلكنا فلقد وطىء ظهرك وأدمى وجهك وكسرت رباعيتك فأبيت أن تقول إلا خيراً فقلت اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ، بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد اتبعك في قلة سنك وقصر عمرك ما لم يتبع نوحاً في كثرة سنه وطول عمره وآمن بك الكثير وما آمن معه إلا القليل ، بأبي أنت وأمي يا رسول الله لو لم تجالس إلا كفؤاً لك ما جالستنا ولو لم تنكح إلا كفؤأ لك ما نكحت إلينا ولو لم تؤاكل إلا كفؤاً لك ما واكلتنا فلقد والله جالستنا ونكحت إلينا وواكلتنا ولبست الصوف وركبت الحمار وأردفت خلفك ووضعت طعامك على الأرض ولعقت أصابعك تواضعاً منك صلى الله عليك وسلم.
    إذاً فلا تضق ذرعا – أخي الحبيب- بما تسمعه هنا وهناك، من الذين لم يشموا رائحة الحقيقة المحمدية فراحوا يبدعون الناس ويكفرونهم، ويسيئون الأدب مع الجناب الشريف ، فلا تحزن أخي الحبيب: فلابد في كل عصر من أبي بكر الصديق الأكبر رضي الله عنه يناصر الحق ويفديه بمهجته، ويبذل الغالي والنفيس في سبيل المحبة.
    ولابد في كل عصر من أبي جهل يعادي الحق والمحبة ويشن حربا ضروسا عليها وعلى أهلها...ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا...فالفلاح والنجاة والفوز العظيم لمن صبر على الابتلاء وعلى الأذى وبذل من نفسه ووقته في سبيل هذه المحبة...فلا شك أنه يعيش السعادة الأبدية في الدنيا والآخرة.
    فنحمد الله جل وعلا الذي أكرمنا بالرحمة المهداة والنعمة المسداة والسراج المنير، والحمد لله الذي أكرمنا بوراثه من بعده الذين يبعثهم ليجددوا الإيمان في القلوب.
    المولد من شعائر الإسلام:
    من الشبه التي يكثر إيرادها: قولهم: إن الاحتفال بذكرى المولد عبادة، وقولهم: المولد عيد، وليس في الإسلام إلا عيد الأضحى وعيد الفطر.. ونسبة لارتبارط المناسبات بنبى هذه الامة ونورد هذا البحث الذى اعده العلامة الدكتور أحمد محمد نور سيف يقدم فيه تأصيلاً شرعياً لكون المولد من شعائر الإسلام. قال فضيلته:
    يقول الله تعالى: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ الله ِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ) (الحج:30)، (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّه ِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) (الحج:32) .
    الحرمات: جمع حُرُمة - بضمتين - وهو ما يجب احترامه .
    والاحترام: اعتبار الشيء ذا حَرَم - كناية عن عدم الدخول فيه، أي عدم انتهاكه بمخالفة أمر الله في شأنه، تعظيماً كان أو تعظيماً وعبادة، إذ ليس كل معظم في نظر الشارع معبوداً، أمَّا المعبود أو المتعبد به فهو عند الشارع لا بد أن يكون معظماً - والحرمات يشمل كل ما أوصى الله بتعظيم أمره، فتشمل مناسك الحج كلها.
    والذي يظهر أن الحرمات يشمل الهدايا، والقلائد، والمشعر الحرام، وغير ذلك من أعمال الحج . كالغسل في مواقعه، والحلق ومواقيته ومناسكه .
    والشعائر: جمع شعيرة ؛ المعلم الواضح، مشتقة من الشعور. وشعائر الله لقب لمناسك الحج . جمع شعيرة بمعنى مشعرة، أي معلمة بما عينه الله .
    لذا فجملة (وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ) أخص من مضمون جملة (وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ)، وذكر الأخص بعد الأعم للاهتمام، فكل ما أمر الله به، بزيارته أو بفعل يوقع فيه فهو من شعائر الله، أي مما أشعر الله الناس وقرره وشهره، كما في قوله تعالى:(إِنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ الله) (البقرة:158)، وهي معالم الحج؛ الكعبة، والصفا والمروة، وعرفة، والمشعر الحرام، ونحوها من معالم الحج. (انظر التحرير والتنوير 17/256).
    والعبادة: فعل يدل على الخضوع أو التعظيم الزائدين على المتعارف عليه .
    وفي الشرع: فعل ما يرضي الرب من خضوع وامتثال واجتناب، أو فعل ما يحبه الله من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة.
    وهو بذلك يشمل:
    - ما كان الاستجابة فيه لأمر فرضاً كان أو مستحباً.
    - أو الامتناع عما كان النهي عنه تحريماً أو كراهة.
    - أو مباحاً انقلب بنية إلى مطلوب أو محظور.
    - أو دلَّ الدليل على تعظيمه من الشارع، وهذا الأخير لا تتحقق فيه صفة العبادة بملاحظة قصد الشارع من التعظيم لذاته، وإنما العبادة تأتي من جهة وجوب ارتباط التعظيم من العبد لما عظم الخالق. فإذا أشار الدليل إلى منزلة معتبرة ومعظمة عند الشارع لمكان، أو فعل فيه، أو زمان، أو ذات، طلب من العبد أن يلتزم بما التزم الشرع به من هذا التعظيم، فكان عبادة بهذا المعنى .
    وفارق هذا النوع غيره من الأنواع الأخرى التي هي مطلوبة من الشارع قصداً فعلاً أو تركاً، كالصلاة والزكاة وفعل النوافل، أو اجتناب الزنا والمسكرات أو المكروهات، فهذا الامتثال عبادة مقصودة من الشارع.
    ولذا فما روعي موقف الشارع منه لاعتبار من الاعتبارات، لا يصدق فيه صفة العبادة على الحقيقة، فليس تعظيمنا للكعبة مثلا لكونها حجارة مرصوصة في شكل من الأشكال، أو البُدْن لأنها لحيوان من لحم ودم، وإنما من جهة ارتباطها بتعظيم الشارع لها ، لارتباطها بمعنى معظم عند الشارع ، فلزم العبد تعظيمها وإن لم يكن عابداً لها.
    وهذه صفة الشعيرة المعظمة عند الشارع، فلم يأمر الشرع بعبادتها ولا التذلل لها، وإنما أمر بأن تكرم وتعظم لمعنى فيها أراده الشارع .
    فالكعبة، والصفا والمروة، والبُدْن من شعائر الله، ومن حرماته، ومن معالم الإسلام، جعل الشارع منها رموزاً للتكريم والإجلال لا لذاتها، وإنما لملاصقتها وملازمتها أمراً معظماً عند الله وهو العبادة .
    قال الإمام الفخر الرازي (23/24/32) في التفسير الكبير:
    والأصل في الشعائر الأعلام التي بها يعرف الشيء ويكون وسيلة إلى رحمة الله تعالى؛ فتعظيم شعائر الله تعالى أن يعتقد أن طاعة الله تعالى في التقرب بها، فإن تعظيمها من أفعال ذوي تقوى القلوب، فمولد رسول الله  طاعة لما يحتوي عليه الاحتفاء من تعريف الأمة بقدر هذا النبي صلى الله عليه وسلم، من خلال شمائله، وسرد سيرته نثراً أو شعراً، وغرس محبته وإجلاله في قلوب المسلمين، والدعوة إلى التأسي والاقتداء به .
    ومن هنا يتضح الفرق بين الشعيرة والعبادة، فالشعيرة أعم والعبادة أخص، فكل عبادة شعيرة، وليس كل شعيرة عبادة.
    فالشارع أمرنا بتعظيم البيت الحرام، وبناء المساجد، وتعظيم النبي  وتوقيره، ولم يأمرنا بعبادة الكعبة، ولا بعبادة الرسول ، ولا بعبادة المساجد، ولا بعبادة أصحابه والصالحين من عباد الله، مع أن توقيرهم واجب واحتقارهم كفر لأنهم يمثلون الدين، وكذلك طباعة المصحف، والتذلل للأبوين والمؤمنين، تعد من شعائر الله وليس ذلك عبادة لتلك الشعائر.
    فالمولد النبوي بهذا المقتضى يعتبر شعيرة من شعائر الدين، بل هو الدين؛ لأنه يحكي سيرة الأمين ، فالقرآن الكريم هو خُلُق رسول الله ، بل دستور الإسلام، وقد مثله رسول الله  أجل تمثيل في ذاته وفي حياته، وفي مجتمعه، فحينما نحتفل بمولد النبي  إنما نحتفل بالقرآن الذي يحمل قيم وأخلاق الإسلام العظيمة.
    وبهذا يعتبر مظهراً من مظاهر الدين، وشعيرة من شعائره، ووسيلة مشروعة لبلوغ محبة الله عز وجل (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله)، وقوله : «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله وولده والناس أجمعين» .
    فلا يكون الاتباع إلا بمعرفة، ولا تكون المعرفة إلا بالذكر والتذكير والتعريف والبيان، بأي وسيلة عرفها الإنسان بحسب مقتضى كل عصر ومجتمع، وليس في الشريعة ما يمنع من الاستفادة من وسائل التعريف والبيان المستجد في كل عصر ومصر، بحيث لا يصطدم بحكم أو نص شرعي مقرر، وقد جاءت القاعدة الأصولية في هذا البيان أن الوسائل لها حكم المقاصد، إذا كان المقصد شرعياً.
    أمَّا تشبيه المولد النبوي بالعيدين، وبما ورد عن النبي  من قوله: «لقد أبدلنا الله بعيدين: عيد الفطر، وعيد الأضحى» فتشبيه للشيء بغير جنسه، واستدلال في غير محله .
    وذلك أن الله أبدل الأمة الإسلامية بعيدين بدلا من عيدين أو أعياد كان المشركون وأهل الكتاب يتعبدون بها، فرحاً بتلك العبادة الشركية أو الكفرية التي كانوا يتعبدون بها ويقيمون الأفراح تعبداً بها، كعيد النيروز عند الفرس عبدة النار، والمهرجان، وغيرهما من طقوس العبادة والتقرب إلى غير الله.
    فاختار الإسلام بدلاً من ذلك فرحاً للمسلمين بعبادتين عظيمتين هما: ختام الصيام، وختام الحج، فكانا عيدين لا مثيل لهما، وكانا عبادتين تؤديان فيهما الصلاة ويعلن فيهما بأسباب الفرح .
    قال ابن حجر رحمه الله في كتاب العيدين، في شرحه لحديث الجاريتين المغنيتين في حضرة النبي ، وإنكار أبي بكر عليهما، وقوله  : «دعهما»: «عَرَّفه الحكم مقروناً ببيان الحكمة بأنه يوم عيد، أي يوم سرور شرعي، فلا ينكر فيه مثل هذا، كما لا ينكر في الأعراس».الفتح (116/3).
    فأين هذا الأمر من الفرح بمولد النبي ، أو الفرح بالأعراس، أو الفرح بعودة الحاج، أو الفرح بختم القرآن والاجتماع لذلك والفرح به، وبذل الخير والمعروف شكراً لله على تلك النعم، ولو لم تكن عبادة في ذاتها، إنما سبب للفرح بنعمة الله تعالى المتجددة (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا) .
    ولذا قررنا سابقاً أن هناك فرقاً كبيراً بين ما شرع في أصله عبادة، وبين ما عظمه الشارع وأمر بتعظيمه وإظهار الفرح به، وليس في أصله عبادة، وإنما يأخذ صورة العبادة في رضى الله سبحانه ومحبته لمن عظَّم ما عظَّم الله سبحانه، وفرح بما أمر الله أن يفرح به من محابه وتعظيم شعائره، وأن ذلك من تقوى القلوب .
    ولذا فلا مدخل للابتداع في مثل ذلك، ولا تتضح هذه الصورة لعقلاء القوم إلا ويذعنوا بصوابها، ويكفي هذا لمن ألقى السمع وهو شهيد، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل. (نشرة صدى الدار- العدد17- دبى).انتهى.
    2- ليلة الهجرة النبوية الشريفة:
    مع مطلع شهر المحرم من كل عام ، يقف أهل الصلاح والتقوى يأخذون العبرة ، ويسترشدون المعني ، ويستلهمون الدرس ، ويجدد فيهم النشاط ، ويثير فيهم الحماس ، ويزرع فيهم الأمل ، ويحثهم علي العمل ، ينير لهم الطريق ، ويبعث فيهم روح الفريق ، ويدفعهم إلي السير الحثيث إلي الله ، ويهون عليهم مشاق الدنيا وأهوال الحياة ..!!
    إن انتهاء عام من أعمارنا قربنا من لقاء الله خطوة ولا ندري كم بقي من أعمارنا ، بعض خطوة ، أم خطوة ، أم خطوات " يقول الحسن البصري رضي الله عنه : إنما أنت أيها الإنسان أيام مجموعة ، فاذا ذهب يومك فقد ذهب بعضك... إذا مر يوم من حياتك فقد وقعت ورقة من شجرتك ، وطويت صفحة من صفحاتك ، وهوي جدار من بنيانك..!! ويقول عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه : الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما ..نعم الليل والنهار يعملان فيك كيف؟.! يقربان كل بعيد ، ويبليان كل جديد، ويفلان كل حديد ...!! يقول الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه : حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ..ويقول أيضا .. لو قيل أن كل الناس يدخلون الجنة إلا واحد لظننت إني ذلك الواحد .. بينما يقول الصديق أبو بكر رضي الله عنه :والله لا امن مكر الله وان كانت احدي قدماي في الجنة .. اغتنم خمسا قبل خمس حياتك قبل موتك وصحتك قبل سقمك وفراغك قبل شغلك وشبابك قبل هرمك وغناك قبل فقرك.
    تثبت الهجرة أن المباديء لا تتجزأ ، وان الالتزام بها ضرورة لأهل العقيدة، رغم كل الظروف ، فالنبي  كان حريصا علي أداء الأمانات التي كانت مودعة لديه إلي أهلها ، وهو القائل: أد الأمانة لمن ائتمنك ولا تخن من خانك . فترك علي بن أبي طالب رضي الله عنه في فراشه ، وهو أمر عجيب، هؤلاء الناس استباحوا دمه و أرادوا قتله ، بل أدموه وأذوه وطردوه لكنه لم يشأ قتلهم ، ولم يستبح أموالهم ، ولو كلفه ذلك بالمخاطرة بابن عمه، وصدق الله " إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً "(النساء:58(
    لازلنا مع هجرة النبي  نتعلم الدرس والتطبيق ، ونحي بهذه المعاني الجميلة ..!! رحلة فريدة سطرها الإسلام ، وسجلها القران ، ونسج خيوطا هذا الجيل الفريد الذي طوع البلاد والعباد لرب البلاد والعباد ، في فترة من الوقت لا تساوي في عمر الزمن شيئا ..!! مع رسول الله  وصحبه أبو بكر رضي الله عنه سطر الصحابة ملحمة نتعبد بها لله في قوتنا وضعفنا ، في يسرنا وضعفنا ، في غنانا وفقرنا ، في حلنا وترحالنا ..!!
    لان ذلك هو دين وهو عقيدة وهو طريق مضروب إلي جنة عرضها السموات والأرض " وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ "(الأنعام:153)
    هذه وصية الله تعالي للأمة أن تترسم ذلكم الطريق الذي كان عليه النبي ، لا تبقي مع الظالمين او المنافقين او الكذابين .... أهجرهم ..!!. إنها الهجرة بمعناها الواسع . و لا تبقي مع أرباب الذنوب والآثام .. لا تستمر في كهف المعاصي بل انتقل فورا إلي كهف الطاعات تدركك من الله بركات ورحمات ..!! "وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقاً "(الكهف:16) والكهف هنا بمعناه الواسع أيضا .. أنت في غرفتك تذاكر لتتفوق وتخدم دينك فأنت مهاجر ..!! أنت في مصلاك تذكر ربك وتشكره ليهديك الطريق فأنت مهاجر ..!! أنت في عملك تتقنه لترفع من شان أمتك فأنت مهاجر ..!! أنت ترفع لواء الحق وتسقط راية الباطل وتغيظ أعوان الباطل فأنت مهاجر ..!! أنت تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر فأنت مهاجر ..!!
    وهذا ما عناه النبي  بقوله: (لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا (صحيح الجامع .. ليست الهجرة الانتقال من بلد ناء إلي بلد قريب ، أو من أرض مجدبة إلي أرض خصبة .. كلا إنها هجرة النفوس قبل البيوت .. إنها هجرة القلوب قبل القصور .. إن رجل هاجر وهو ضعيف مريض عاجز فأدركه الموت في الطريق فقال من قال لو وصل المدينة وأكمل الهجرة لحاز الأجر كله فانزل الله قرانا يهدي النفوس ويطمئن القلوب ويضع النقاط فوق الحروف يربط الأعمال بالنيات ابتداء ...(وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رَّحِيماً )النساء:100 .


    2- الاسراء والمعراج:
    لقد كان هذا الدين بعثاً للحياة فى دنيا تموج بأسباب الفناء وتمزق فناء أوصالها عوامل الإنحلال وكانت صيحته القوية لطمة أقضت مضجع الباطل والمبطلين فتصدوا لهذا الدين وتربصوا به الدوائر وقعدوا له كل مرصد وأنزلوا أفدح الضربات به وبالمؤمنين به خاصة بعد وفاة أبي طالب عم النبى الكريم وخديجة زوجه . وقد كانا قوة فى جانب الرسول تعرف لها قريش وزنها وتحسب حسابها وتوليها إحترامها . الأمر الذى جعل الرسول الكريم يلتمس التغيير فى ثقيف ويرجو عونها على تبليغ رسالة ربه ، ولكنه وجد أهلها أشد عناداً وأسوأ معاملة فعاد وقد قلاه البعيد والقريب يرفع أكف الضراعة لله خالقه يبثه ما لقى ، وأن أقصى ما لديه من جهد وطاقة قد بذله . والله أعلم بكل ذلك وتمثل ذلك فى هذه الكلمات الضارعة : [ اللهم إنى أشكو إليك ضعف قوتى وقلة حيلتى وهوانى على الناس با أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربى إلى من تكلنى ؟ إلى بعيد يتجهمنى أم إلى عدو ملكته أمرى إن لم يكن بك غضب على فلا أبالى ] .
    إن سلاح الإيمان لا يفل وصاحبه موصول بالسماء والمستمسكون به على عين من الله خالقهم يبارك أعمالهم ويحقق أمالهم ويثبت بأنواع التثبيت قلوبهم وكانت نعمة الإسراء والمعراج المظهر الصادق لذلك كله لقد كانت نعمة علوية هبت نسماتها على قلب رسول الله الكريم وقلب أصحابه فى مكة فنعمت بها نفوسهم وأطمأنت أفئدتهم وأزداد المؤمنون بها إيماناً وتسليماً .
    لقد أسرى الله تبارك وتعالى بحبيبه سيدنا محمد  من مكة المكرمة إلى بيت المقدس بجسده وروحه معاً ثم عرج به كذلك إلى السموات العلا فقد ذكر فى القرآن الكريم بقوله: ( سبحان الذى أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله لنريه من آياتنا أنه هو السميع البصير) الإسراء .
    وذكر المعراج فى سورة النجم قال تعالى : ( والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى علمه شديد القوى ذو مرة فاستوى وهو بالأفق الأعلى ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى ) 1-9 النجم، ويمعن فى كلمة [ بعبده ] ولم يقل بروح عبده أو غير ذلك ولكن قال بعبده والعبد جسد وروح وهناك الأحاديث الكثيرة التى منها ما ذكره إبن عباس وغيره أن الرسول  رأى ليلة أسرى به وذكر الجنة والنار وبعض أحوالهم .
    وحيث كان الإسراء والمعراج وهو قمة التكريم من الله لحبيبه ليسرّى عنه ما ألم به من مشاق فى سبيل الدعوة ، فإن ذلك يحتاج من الرسول أن يبذل طاقته فى تصفية نفسه ، وذلك بتطهير ذلك القلب الذى هو من الإنسان محط نظر الرب سبحانه وتصفيته من كل الأغيار التى تحجب عنه أنوار الحق وترمى به فى موارد الهلكة والخسران المبين وشاء الله هذا وكان شق الصدر بين يدى الإسراء والمعراج إمارته وعلامته .
    وإن ذلك ليوحى إلى المرء المسلم قبل أن يشرع فى أى عمل دينى أو دنيوى بأن أول ما يجب أن تتجه همته إلى طهارة قلبه ليكون موصولاً بالله خالقه وحتى يزود روحه بطاقة تدفعه إلى الخير وتمنعه أن يزل ويسلك طريق الشر .
    لقد تفضل الله على نبيه محمد  برحلة الإسراء والمعراج فأراه مشارق الأرض ومغاربها ، وتمت نعمة ربك برحلة المعراج التى تدل على كمال قدرة الله إذ إطلع نبيه على ملكوت السموات وأوصله إلى مستوى كان فيه ( قاب قوسين أو أدنى )، كى يعلمه أن أهل الأرض الذين أذوه وعذبوه يجهلون منزلته عند ربه الذى أشهده كل شئ وأعلمه أن رفع ذكره فلا رتبة لأحد فوقه !! ويا لها من منزله تلك التى يعطيها الله لمصطفاه فى أعلى عليين.
    4- ليلة النصف من شعبان:
    من لطف الله بنا أن جعل لنا فى أيام دهرنا نفحات من رحمته ، فمن تعرض لها أصابته نفحة منها ، وفاز بمغفرة الله تعالى ورضوانه ، فرمضان شهر ميزه الله بالصوم ، وجعل ثواب الأعمال فيه مضاعفاً ، أما شعبان فهو مدخل لرمضان ، فيه يستعد المؤمنون لأيامه ، ويقومون لياليه ، وهل يكون الإستعداد إلا بصيام أيام من شهر شعبان فى كل عام ، لتهيئة النفوس والأجسام لتقبل الصيام ، وتتحمل جوعه وعطشه ، وتذوق لذته ، والتحليق فى أفاق روحانيته .
    عن على بن أبى طالب ( كرم الله وجهه ) قال : قال رسول الله  (إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها ، وصوموا نهارها ، فإن الله ينزل فيها لغروب الشمس ، إلى سماء الدنيا ، فيقول ألا من مستغفر لى ، فأغفر له ألا من مسترزق فأرزقه ، ألا مبتلى فأعافيه ، ألا كذا ، ألا كذا ، حتى يطلع الفجر – أخرجه بن ماجه ) .
    وعن أبى موسى الأشعرى - رضى الله عنه - عن رسول الله  قال : (إن الله ليطلع فى ليلة النصف من شعبان ، فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن. أخرجه ابن ماجه )، وفى رواية الإمام أحمد، عن عبد الله بن عمرو رضى الله عنه : ( فيغفر لعباده إلا لأثنين ، مشاحن وقاتل نفس ) .
    إن الله لا يغفر للإنسان إذا أشرك بعبادته لله شيئاً من خلقه ، حتى يتوب ويعود مخلصاً لله بعبادته وحده ، وما وقع فيه من الذنوب الأخرى ، فقد جعل للمؤمنين ، أبواب التوبة مفتوحة ، ووسائل الإستغفار فى متناول أيديهم ، التى منها تحرى ساعاتها فى أيامها ، كما أخبرنا بذلك رسول الله  وحثنا على الإكثار من العمل الصالح فى كل زمان ومكان ، وخاصة فى أيام مخصوصة ، كأيام رمضان وشعبان ، وليلة النصف منه ، فإن لها فضلاً عند الله تعالى ، فما أحرى بالمؤمنين ، وهم يعيشون عصراً ، كثر فساده ، وقل أخياره ، وكثرت فتنته، وأصبح اللجوء إلى الله فى أيام مباركات وفاضلات ، أحوج ما يكون إليه المؤمن فى هذا العصر والعصور التالية ، ففيها الملجأ الأمين لمن أصابته الفتن، وكثرت عليه الذنوب ، ليمد يديه إلى علام الغيوب ، لعله يجد عنده المغفرة والرحمة ، والأمن والسكينة والطمأنينة .
    روى عن عائشة - رضى الله عنها - قالت : كنت إلى جنب النبى  ففقدته، فاتبعته فإذا هو بالبقيع رافعاً يديه يدعو فقال : ( يا إبنة أبا بكر ، أحسبت أن الله يحيف عليك ورسوله ، إن الله ينزل فى هذه الليلة النصف من شعبان فيغفر فيها من الذنوب أكثر من عدد شعر معز ###### ). رواه الإمام أحمد .


    5- غزوة بدر الكبرى:
    إن معارك الإسلام في مواجهـة الجاهليات وملل الكفر عامرة بالدروس والمواعظ لاسيما التي وقعت منها في عهد الرسول الاعظم محمد  . وقد إمتازت معركة بـدر عن سائر المعارك بدروس متعددة لاتحدها حدود زمان لا مكان الي يوم يـرث الله الأرض ومن عليها ومن خصوصيات معركة بدر وقوعها في شهر رمضان المعظم، وحضـور النبي  بصفته البشرية وقيادته للقتال ، وتنزل الملائكة فيها وقتالهم مع الفئة المؤمنـة ، وحضـور الشياطين وغوايتهم للمشركين وعدم التكافؤ البين بين الفئة الكافرة والمؤمنة ، فضلا عن تنزل القرآن الكريم بشأنها وتخصيصها بسورة كاملة من السور الطوال هي سورة الانفال التي سمي فيها الخالق جل وعلا يوم بدر يوم الفرقان يوم التقي الجمعان . وقد تعلقت مواقف ومواعظ يوم بدر بعالمي الغيب والشهادة ومما نستفيده بالنسبة لعالم الغيب ونأخذ منه العبر والدروس:
    (أ) الجانب القدري:
    يتمثل الجانب القدري في تصريـف الأمور وان كل التقاء أوإفتراق إنما هو مقـدر تقديرا سواء ونحن نقف علي حال أمر في الماضي أو في المشهود أو المستقبل . فلا تذهب بنا الأماني أو الحسرات إلي ما ينقص الحال أو ما يكون مدخلا للشيطان فتصرفنا وساوسه عن الوجهة المطلوبة إلي مناح لاترضي الخالق . والإيمان بالقضاء والقدر من الأمور الغيبية التي حجب الله علمها عن البشر وأوجب على المسلم الإيمان الجازم والتسليم الكامل بهما لما يرتبه ذلك من السعادة للعبد في الدنيا والأخرة فإنه إذا علم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطاه لم يكن ليصبه أطمان قلبه وهدأت نفسه ورضى بتقدير مولاه فتخفف عليه وطأة المصائب ويتعلق القلب بالرب عزوجل وهذا مقتضى الإيمان . والشيخ عبدالقادر الجيلاني يذكر ان متطلبات الإيمان الصادق أن يؤمن الإنسان بالقضاء والقدر فيقول في كتابه [الغنية] : (وينبغي أن يؤمن بخير القدر وشره وحلو القدر ومره . وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه بالحذر وما أخطاه من الأسباب لم يكن ليصيبه بالطلب ، وأن جميع ما كان في سالف الدهور والأزمان ، وما يكون إلى يوم البعث والنشور بقضاء الله وقدره المقدور وأنه لا محيص لمخلوق من القدر المقدور الذي خط في اللوح المسطور) . وعلى هذا درج سلف هذه الأمه في الإيمان بالقضاء والقدر بإعتباره ركناً من أركان الإيمان لايتم إلا به .
    (ب)تأثير الشيطان:
    والشيطان أيضاً من المسلمات الغيبية عند المسلمين وجودا وهو لا يؤثر في الانسان نفسيا فحسب او يجري منه مجرى الدم فقط كما اخبر عنه رسول الله  ولكن قد يتجسد للانسان فيغويه بالسوء، وقد تشكل الشيطان لمشركي قريش في صورة سراقة بن مالك المدلجي من بني مالك ابن كنانة ليغريهم بالخروج من مكة لحرب المسلمين وقد كانوا متحفظين من هذا الخروج لاسباب عدة منها ان لقبيلة بني بكر بن عبد مناف من كنانة ثأر عندهم . فكانت قريش تتوجس من غزوّة لبني بكر فأمنهم الشيطان علي ذلك في صورة سراقة المدلجي وفي ذلك يقول الخالق جل وعلا: ( وإذ زين لهم الشيطان اعمالهم وقال لاغالب لكم اليوم من الناس واني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبية وقال اني برئ منكم اني أرى ما لا ترون اني أخاف الله والله شديد العقاب ).
    (ج) فعل الدعاء:
    يلاحظ هذا في غزوة بدر من خلال فعل النبي  حتي ولو انه اخذ بكل ما امكنه من أسباب مادية لخوض المعركة فأنه استمر يدعو ربه بل استمر على الدعاء بالرغم من أن جبريل عليه السلام قد نزل من عند الخالق سبحانه يبشره بالنصر وقد توجه الي ربه يومئذ بالدعاء ، وقد وردت الاشارة الي الدعاء والاستغاثة في قوله عز وجل ( اذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم ) . وحتي أن أبابكر الصديق قد أشفق على النبي  وهو يدعو ربه ويقول :( اللهم ان تهلك هذه العصابة اليوم لاتعبد في الارض ) فقال له ابو بكر : ( يانبي الله بعد مناشدتك ربك فأن الله منجز لك ما وعدك ) . وحينما استقبلهـم النبي  ( أي المشركين ) أخذ حفنة من الحصباء فرماها تجاههم وهو يقول : ( شاهت الوجوه) .
    ليعلم الكل مدى قرب الله من عباده وعلمه بأحوالهم ويكفى أنه سمى نفسه بالسميع فهو لا يشغله سمع عن سمع ولا تختلط عليه اللغات ولا تتشابه عنده الأصوات ، وقد جاء فى قوله الحديث ( …. وأما التي بيني وبينك فعليك الدعاء والمسألة ، وعلىّ الإستجابة والعطاء ) وأما قوله تعالي :( أجيب دعوة الداعي ) تقرير للقرب ووعد الداعي بالإجابة – فجعل إجابة الداعي مناطة به سبحانه وتعالي ومشيئته وسابق علمه وشرطها [ إذا دعان ] أى توجيه العبد إلي خالقه ومولاه وحده بدون شريك متيقناً من أنه لا قادر علي إجابته إلا هو سبحانه وتعالي والإجابة هنا غير مشروطة بل هي مطلقة فلم يقل الداعي منهم ولم يقل أجيب دعوتهم إذا دعوني .
    فَأكثرُوا الدعاءَ ولا سِيَّمَا فِي الثُّلُثِ الأَخِيرِ مِنَ الليلِ فَإِنَّها سَاعَةٌ مُبارَكَةٌ وَلْيَبْقَ لِسَانُكَ رَطْبًا بذِكرِ اللهِ. ومن أسبابِ إجابَةِ الدعاءِ أن يَكونَ الطَّعامُ حلالاً، عن أَبِي هريرةَ رضيَ الله عنه قالَ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ المؤمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ المرسَلِينَ فَقَالَ: ﴿يا أيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا﴾ وَقالَ: ﴿يا أيُّها الذينَ ءامَنُوا كُلوا مِنْ طَيِّباَتِ مَا رَزَقْنَاكُم﴾ ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفرَ أَشْعَثَ أَغبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السماءِ يا رَبُّ يا رَبُّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حرامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِيَ بِالحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ رواهُ مُسلِمٌ.
    (د)الحياة البرزخية :
    وهي المرحلة بين الموت والبعث يوم القيامة وهي من المسلمات في عقيدتنا الاسلامية وقد ورد في شأنها الكثير من أحاديث رسول الله ونحن ملزمون بالتسليم بذلك والايمان به علمنا الكيف أم لم نعلمه . وقد نبه الرسول الكريم  إلي هذا فى يوم بدر حينما أشرف على القتلي من المشركين الذين وضعوا في القليب فتحدث اليهم امام الشهود من المسلمين وقد روى البخاري و روى مسلم نحوه ان رسول الله  قام على شقة البئر فجعل يناديهم بأسمائهم واسماء آبائهم : يا فلان و يا فلان بن فلان أيسركم انكم اطعتم الله ورسوله ؟ فانا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا فقال عمر : يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا ارواح لها ؟ فقال رسول الله  :(و الذي نفس محمد بيده ما انتم بأسمع لما أقول منهم ) .
    الفصل السادس
    خصائص الارواح وزيارة القبور
    الأرواح كلها لطيفة ، ليست ثقيلة ولا كثيفة كالأجسام ، تسرح وتمرح حيث شاء الله ، إن كانت مأذونة ولم تكن مسجونة ، فعلى هذا تكون هذه الأمة كسائر الأمم في ذلك المعنى . ولا شك أن لها اختصاصاً أيضاً بزيادة تصرفات لأرواحها، ليس لغيرها من الأمم السابقة مشاركة معها فيه ، كما خصها الله تعالى - دون سائر الأمم - بخصائص لا تكاد تحصى .
    وإذا كان الأمر كذلك ، فلعلمائها العاملين، وأوليائها العارفين : زيادة مزيّة ومزيد اختصاص في تلك المنقبة العلية، ويتزايد الحال بمزيد العلم والصحبة الشريفة إلى أن ينتهي الشرف الأعلى والمجد الأسنى - كما بدأ - إلى نبي هذه الأمة سيدنا محمد ، نبي الشفاعة والرحمة ، فإن له اختصاصاً في خصوص ذلك المعنى على سائر أولي العزم من المرسلين .
    إن الروايات عن طريق العامة والخاصة تؤكد أن رسول الله  كان يزور أهل القبور ويترحّم عليهم ويسلّم. وكذلك مضى على هذه السيرة الصحابة والتابعين حيث كانوا يزورون المقابر ويذكرون أهلها. وعلى ذلك سار الشيخ عبد الله أزرق طيبة فهو يقوم بزيارة القبور ويترحم على من فيها ويعمل على تجديد البناء عليها.
    إنّ المتتبّع لسنّة رسول الله  يرى الأمر بالنسبة إلى زيارة القبور أنّه مرّ بثلاث مراحل في عهد الرسالة .
    المرحلة الأولى:
    جواز زيارة القبور، وذلك استمراراً لما كانت عليه الشرائع السابقة. وخير مثال ـ والأسبق تاريخياً ـ في ما ذكره القرآن الكريم لاحترام مراقد الأولياء وتعاهدها بالزيارة، هو مرقد فتية أصحاب الكهف، إذ قال تعالى: )إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً( ، وتُشعر الآية بذكرها المسجد بأنّ هؤلاء الذين غلبوا على أمرهم هم الموحّدون، فالآية فيها دلالة على جواز البناء على القبور وزيارتها، والمسجد إنّما يُتخذ ليؤتى على الدوام ويقصده الناس ليذكروا اسم الله فيه.
    المرحلة الثانية:
    المنع لعلل يأتي ذكرها، ويستنبط ذلك من قوله : )كنت نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزوروها (، ويتّضح من هذه الرواية أنّ المسلمين كانوا يزورون القبور، ثمّ ورد عن رسول الله  فيها المنع، ثمّ أذن لهم بعد ذلك في الزيارة. ففي رواية ابن عباس عن النبيّ : ) نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، ولا تقولوا هجرا ( ، والهُجر هو الكلام القبيح المهجور لقبحه، وهذا الحديث كأنّه يتضمّن علّة النهي أو بعضها، وهي أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم أراد إلغاء عادات الجاهليّة وتأسيس آداب إسلاميّة للزيارة.
    ولعلّ نهي رسول الله في الفترة التي منع فيها زيارة القبور كان لكثرة قبور المشركين، وحيث أنّ الزيارة للقبر تزيد وتعمّق أواصر الارتباط بين الزائر والمزور، وتجدّد في النفوس روح الاقتداء بهم وإحياء آثارهم، أمر بعدم زيارة القبور، ولما كثر المؤمنون بينهم وقوى الإسلام رخص  الزيارة باذن الله.
    ولهذا ورد في قوله تعالى النهي عن القيام عند قبور المنافقين )وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَد مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ( ، ففي هذه الآية دلالة واضحة على جواز ذلك في شأن من مات على الإسلام، وأنّ ذلك معهود بين المسلمين، وأنّ الآية إنّما نزلت لتستثني الكفار والمنافقين، كما هو في ذيل الآية )إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ(.
    المرحلة الثالثة :
    تجويز زيارة القبور ورفع الحظر والمنع، فقد ثبت في الصحيح عن النبيّ  أنّه كان يخرج مراراً إلى البقيع لزيارة قبور المؤمنين، وورد أنّه زار قبر أمّه وبكى وأبكى من حوله. وقال :(نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها فإنّ في زيارتها تذكرة(
    وقال  :(إنّي نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها فإنّ فيها عبرة(
    وإنّ من أبرز العبر في زيارة القبور، إنّها توفّر للزائر أجواء يستوحي منها ذكر الموت والزهد في الدنيا والعمل للآخرة والإقبال على الله، فيشد عزيمته لمواصلة درب الصلحاء والأولياء، فالزائر يستلهم من منهجهم الوعي المحفز لمواصلة ركب الإيمان.
    والإنسان في وقوفه أمام هذه المراقد لا ينشد سوى الحق والحقيقة، ومثل هذه الوقفات تبعث أثراً روحياً عميقاً في النفوس، ويكون لها جذوات مؤثرة تشد الإنسان لجمال الحق وتجذبه إلى الحقيقة التي تتجلى أمامه في مظهر متكامل.
    والأحاديث تأمرنا بالزيارة لأنها ـ في حقيقتها ـ بيعة يبايعها الزائر للمزور، فأنت حين تزور النبي  طائعاً مؤمناً بأنه رسول الله، فهذه بيعة منك وطاعة لله ورسوله وتجديد للعهد وتثبيت للإيمان، وهكذا هي زيارة أي صالح من المؤمنين وليس من صالح إلا في خط النبي  .
    قال النبي  وهو على فراش الموت يستعد للقاء الرفيق الأعلى قال:) لست الشرك أخاف عليكم ولكن أخاف عليكم الدنيا أن تنافسوها كما تنافسها من كان قبلكم فتهلككم كما أهلكتهم).
    تساؤولات وردود:
    قال النبي : ( اللهم لا تجعل قبري وثنا يصلى عليه ) ؟ أو ( وثنا يعبد ) الحديث، وفي الخبر الثاني : ( لا تجعل قبري عيدا ...) الحديث، وبهذا تَرِد تساؤولات ، نجدها مع ردودها فى اجابة الشيخ عيسى بن مانع الحميري عليها فى كتاب (بلوغ المأمول في الاحتفاء والاحتفال بمولد الرسول) يقول ومما فتح الله به على العبد الضعيف بفضل الله تعالى من قول المصطفى  نجيب وبالله التوفيق بالاتى:
    التساؤل الأول: لم قال النبي : ( اللهم لا تجعل قبري وثنا يصلى عليه ) ؟ أو ( وثنا يعبد) هل كشف له حال الأمة من بعده أنها ستتخذ قبره وثنا أم رأى من تعظيم أصحابه له أنه يصل بهم إلى الحد أن يتخذوا قبره وثنا ، فدعا بهذه الدعوة؟؟
    فهذا التساؤل مجاب عليه ضمنا بأنه  لم يخص زيارته بيوم معين ولم يكلف الأمة عناء ذلك وتخصيص ذلك اليوم لأن فضله  إنما استمد من صلاة الله المتكررة عليه في كل لحظة فلا يليق بما تكرر فضله أن يخصص بيوم معين لأنه هو الممد للفضائل كلها وهو عين الأعيان الإمدادية . وكما أن المراد من زيارته توطن محبته في القلوب وتطبع النفوس بالصلاة عليه كذلك الاحتفال به ما هو إلا توطين محبته في القلوب وتطبيع النفس بإدمان الصلاة عليه .
    والحديث وإن كان لفظه النفي فمعناه وجوب المواصلة الدائمة ، أي لا تجعله عيدا مرة في السنة بل اجعله معراجا متصلا ... لذا ترك الابتهاج به مرة واحدة لوجوبه في كل لحظة .
    أضف إلى ذلك البيان الذي جاء في عجز الحديث:( ولا تجعلوا بيوتكم قبورا... ) يعني بل عيدا ... أي أن الابتهاج به لا يختص بالمكان ليوافق ذلك قوله سبحانه : ( واعلموا أن فيكم رسول الله ) الحجرات 7، ولا يعني ذلك نفي منزلة المكان وفضله ولكن على قدر الكمال يضاعف الأجر .
    وهذا دليلنا لتخصيص ليلة المولد النبوي الشريف بالابتهاج بالنسبة إلينا ، فالمناسبات جرس لتنبيه الغافل لا لتحكي ما في نفس الأمر . فللرسول  رحمة دائمة وحضور دائم ... وما المناسبات إلا تنبيه للعوام في تفسير المطلق ... فالحضور والشعور به إنما هو للعبد المكلف لا حضور رسول الله  إذ هو إرسال دائم لا ينقطع ورحمة دائمة لا تنفد .
    و الدليل الثانى وهو قدر الإسلام وقدر القرآن وقدر الرسول  المتحقق في كل زمان ومكان ، حيث أكد على ذلك القرآن في آيات كثيرة منها قوله: ( إنا أنزلناه في ليلة القدر )– القدر :
    1- فإذا كان قد تحقق فضل الزمان والمكان في الأبعاض والفروع أي بالنسبة إلى ملاحِظِه ، فمن باب أولى أن يتحقق ذلك في الأصول . وهذا الأمر قد تحقق بناموس الفطرة التي فطرها الله ، فالخير إذا عم شاع ، كمثل اشتهار بلد بشيء ما كثمر أو صنعة ... فانتشارها في العالم يحقق فائدتها ولكن يبقى لها في موطنها تمييز خاص له أثره ... فهذا حال كل عظيم .
    أضف إلى ما تقدم أن النبي  قال في هديه : ( إن الشيطان أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ) رواه مسلم 2812. وقال أيضا : ( إن هذه الأمة مرحومة ) أخرجه أحمد في المسند 4/408 وإسناده لا بأس به وله شواهد تقويه .
    فإذا لم يخش النبي  من الشرك وإنما خشي عليها من الاختلاف في جهل فقه الاختلاف ... وقد استجيبت دعوته .
    أما احتمال أن يرى أصحابه وقد اتخذوا قبره وثنا فهذا احتمال باطل لقوله: ( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ... ) الحديث . أخرجه البخاري 2652 ومسلم 2533 وقوله : ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين فتمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ... ) أخرجه الترمذي 2676 وصححه هو وابن حبان ، واللفظ له . أي : سنته ومنهج آل بيته وأصحابه أجمعين .
    التساؤل الثاني : هل يقصد النبي  بالعيد : الابتهاج والفرح أم التعظبم والتوقير لقبره ؟ وهل التوقير يؤدي إلى العبادة ؟!
    يقصد النبي  بالعيد : الابتهاج والفرح لأنهما مظهر من مظاهر التوقير والتعظيم فمن عظم شيئا ابتهج له ووقره .
    فابتهاجنا بعيد الفطر مظهر تعظيمنا لشهر رمضان المبارك ، وابتهاجنا بعيد الأضحى مظهر لمشاركتنا بهجة الحجيج في تعظيمهم لأيام الله المشهورة . وعيد الأضحى هو عيد الأعياد ففيه فرحة آدم وحواء ، وفيه فرحة إبراهيم بفداء ابنه عليه السلام ، وفيه فرحة رسولنا الكريم  بتمام الرسالة ... ولذلك سمي بالعيد الأكبر . ودعاء النبي  قد استجيب ، فليس أحد من المسلمين يعبد محمدا ، إنما هو التوقير والتعظيم له .
    التساؤل الثالث : ما السبب في نهي النبي  عن اتخاذ بيته عيدا واتخاذ بيوت المؤمنين مقابر ، وما هي المناسبة لهذا الربط ، وما العيد الذي عناه ، وما المقابر التي عناها ، وإلى ماذا يرشد الحديث ؟
    لقد تبين من الجواب المتقدم طرف من محصل هذا التساؤل ، وبقي بيان مناسبة الارتباط بين بيته  وبيوت المؤمنين .
    لاشك أن المناسبة هي أن وجود روحه  غير مقتصرة على مسجده بل إن روحه حاضرة جوالة في بيوت المؤمنين وذلك لكثرة ذكرها ، إذ أن الرحمة متحصلة حيثما تعرض لها بالذكر وجدا أو تواجدا ، ودليله الحديث : ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ، ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ) أخرجه مسلم، والرحمة هنا هي روح سيد المرسلين قال سبحانه وتعالى ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) وأرواح أولياء الله الصالحين، وقد ثبت عن الإمام الجليل سفيان بن عيينة أنه قال : "عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة" أخرجه أبونعيم في حلية الأولياء.
    ولا يمنع النبي  البهجة حين رؤية مرقده أو زيارة مسجده بهذا الحديث ، وكأني به  يقول : "لا تقصروا الفرحة بي عند مجيئكم مسجدي بل افرحوا بي حيثما كنتم وحيثما حللتم ..." فكل موطن لا يظهر فيها الابتهاج والفرح برسول الله  – والذي من أجلى مظاهره الصلاة والسلام عليه – إنما هو حسرة وندامة كما قال  ذلك في هديه الشريف : ( ما قعد قوم مقعدا لا يذكرون الله فيه ولا يصلون على النبي  إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة وإن أدخلوا الجنة للثواب ) أخرجه ابن حبان .
    فالعيد الذي عناه  هو الفرح والبهجة به حيثما وجد المؤمن ... والمقابر التي عناها هي عدم الابتهاج به وذلك من عدم الصلاة عليه  والتي يترتب عليها موت القلوب والأرواح وبقاؤها في سجن الأشباح ، لا تعرف للنور سبيلا ، وهذا معنى اللعن والطرد من رحمة الله ، فقد أخرج مسلم في صحيحه : ( مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت ) والحديث يرشد إلى الآتي :
    1- الحض على الابتهاج بزيارته ومولده  وأنهما يتحدان في تأصيل الإيمان وتثبيت القلوب وتطبيعها على التوقير والتعظيم له .
    2- أن الصلاة عليه أعظم مظهر من مظاهر الابتهاج وهي متحققة في توقيره وتعظيمه والاحتفاء برفعة شأنه .
    3- إظهار النبي  لقدره ، وأن قدره غير محصور في بقعة من البقاع أو مكان من الأمكنة بل هو ممتد في جميع مناحي الحياة ، للبر والفاجر ، للكافرين رحمة إيقاظ وتأجيل عذاب في الحياة الدنيا ، وللمؤمنين رحمة إرشاد وإمداد ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) وقوله : ( وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا) . فالبشارة هي النعمة التي حظي بها المؤمنون .
    4- التيسير على المسلمين لزيارة قبره المكرم في أي وقت دون تحديد وقت معين
    5- توضيح النبي  للأمة بأن الصلاة عليه وزيارته عيد لا كالأعياد، بل هو سيد الأعياد ، والسيد بابه مفتوح ، لا يفتح في وقت دون وقت .
    6- تبيين مقام الصلاة عليه .
    7- الحديث يدعو إلى استمرار التعلق به  وأن التعلق لا يتوقف على الزمان والمكان بل هو في كل وقت وحين .
    8- العيد مظهر من مظاهر الشكر لله سبحانه وتعالى .
    والصلاة على رسول الله  مظهر من مظاهر المنة، والمنة تحتاج لحفاوة مطلقة وابتهاج مطلق وتوقير وتعظيم مستمر لأن المنة تكون بما يصدر منه إليك ، وأما الشكر فيما يصدر منك إليه تعالى . فالشكر مظهر من مظاهر المنة وهو بمنزلة الفرع من الأصل ... وصدق الله إذ يقول:( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ... )
    التساؤل الرابع : هل يعني بالعيد إظهار زينة مخصوصة كما يعمل في الأعياد ، وهل يكتفى في الزيارة بالسلام والدعاء فقط ؟
    لا شك أن الزينة مظهر اتفقت عليه الأعراف لكل ابتهاج كالفرحة بالزواج ، وقد حضت على إظهاره الشريعة الغراء لقوله  :( أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدفوف ) أخرجه ابن حبان والحاكم .
    ويسن فيه ضرب الدف والغناء المهذب ، ووضع مظاهر الزينة ، فما دامت هذه الأشياء معتبرة عرفا وشرعا فمن باب أولى أن تستعمل في الابتهاج بمنة الله العظمى وليس ثمة مسوغ في المنع بل التحذير من منعها لقوله سبحانه : ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ... )
    فالنهي منصب إذن على تخصيص يوم معين والغفلة عن ذلك في سائر الأيام ، لأن توقيره وتعظيمه  والابتهاج به دين وأي دين .
    ولا يكتفى عند الزيارة بالسلام والدعاء فقط دون الابتهاج والتوقير والتعظيم واستحضار قداسة المكان لأجل أن يتحقق رجاء العبد من المنان عند وقوفه بباب كعبة الإحسان .
    التساؤل الخامس : هل في الحديث نهي للصحابة من توقير وتعظيم قبره ؟ وهل يأمرهم بالابتهاج في دورهم وينهاهم عن ذلك في مسجده ؟ وهل الاحتفال مقصور على البيوت دون المسجد ؟
    ليس في الحديث نهي عن توقير وتعظيم قبره ، بل في الحديث أمر وحض على توقيره وتعظيمه  لما قررنا سلفا ، ويؤيده قول سبحانه: ( وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا ) فاعتبر الصلاة عليه بمنزلة التسبيح والتهليل بل هي أعظم لأنها ذكر الله وملائكته .
    نعم ، يأمرهم بالابتهاج في دورهم ولم ينههم عن ذلك في مسجده إلا إذا اقتصر عليه دون سواه كما تقدم ، ولا يعني كونه أمر به في البيوت ، ومنعه في مسجده ، فالمنع منصب إذا خصص بيته قيدا للابتهاج دون سواه كما تقرر سابقا ، والله أعلم .
    الحديث الآخر : ( اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد ) قال الخفاج في نسيم الرياض 3/513 : "أي كالوثن وهو الصنم من الحجارة ... أي بعد وضعي فيه ، وقيل : الفرق بين الوثن والصنم ... الأول ما كان نحتا من حجارة وغيرها ، والثاني ما كان صورة مجسمة، وقيل : هما بمعنى ، فيطلقان عليهما" انتهى .
    قال الإمام الألوسي عند قوله سبحانه وتعالى:( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) قال : محمد . وقال في تفسيره عند قوله سبحانه: ( والسابقات سبقا ): أي أرواح الصالحين ممن تقضى بهم الحوائج، وتنال بهم الرغائب .انتهى.
    قال الشيخ عبدالله بن النعمان في كتاب المستغيثين بخير الانام حديث حنين الجذع الذي كان يخطب عليه النبي  حنين العشار متواتر رواه من أصحاب النبي  العدد الكثير والجم الغفير منهم جابر بن عبدالله وابن عمر ومن طريقهما أخرجه البخاري وانس بن مالك وعبدالله بن عباس وسهل بن سعد الساعدي وأبو سعيد الخدري وخلافهم .
    قال جابر في روياته فصاحت الخشبة فضمها إليه، في حديثه أيضا سمعنا لذلك الجذع صوتاً كصوت العشار وفي رواية أبن عمر رضي الله عنهما ، لما أتخذ رسول الله  المنبر تحول اليه، فبكي الجذع فاتاه فمسح بيده عليه وفي بعض الروايات قال رسول الله  والذي نفسي بيده لو لم التزمه لم يزل هكذا الي يوم القيامة تحزنا عليّ .وقد نظم صالح الشافعي في ذلك فقال:
    وحن اليه الجذع شوقاً ورقة
    ورجع صوتاً كالعشار مرددا
    فبادره ضما فقرّ لوقته
    لكل امرىء من دهره ما تعودا
    قال تعالى:(قل إن كان أباؤكم وأبناؤكم وإخوتكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال إقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهادٍ فى سبيله فتربصوا حتى يأتى الله بأمره والله لا يهدى القوم الفاسقين) التوبة 24 .
    فكفى بهذا حضاً وتنبيهاً ودلالة وحجة على إلتزام محبته ووجوب فرضها وعظم خطرها وإستحقاقه لها  إذ قرع الله تعالى من كان ماله وأهله وولده أحب إليه من الله ورسوله وأوعدهم بقوله تعالى: (فتربصوا حتى يأتى الله بأمره) ثم فسقهم وأعلمهم أنهم ممن ضل ولم يهده الله .







    خاتمة:
    إن الإنسان الذي بدأ يحس بوطأة الحياة المادية المفرطة ، وحالات الفوضى على حساب القيم والمعايير الاجتماعية النبيلة ، و مجموعة الأعراف ، والروابط بين الفرد والمجتمع التي كان يتحلى بها ، وأخذته الحياة المادية المعاصرة من حيث لا يدري ، فبات فيه الإنسان إلى تحقيق روحانيته ، وفي حاجه إلى ما يرضي عقله ، ويشبع روحه ويعيد إليه ثقته بنفسه ، وطمأنينته التي بدأ يفقدها في زحمة الحياة المادية ، وما فيها من أشكال الصراع الفكري ، والعقائدي، وبهذا يحقق مع التصوف إنسانيته، فإذا كان انخراط الإنسان في الحياة المادية بشكل كامل ، وابتعاده عن الروحية سيفقده كل إنسانيته ، ويجعله ينخرط في شرائح للكائنات الأخرى ، وهذا ما يمكن تسميته بالتطرف ، و هو الأساس في كل المشاكل الإنسانية على وجه الأرض وفي المقابل هناك المغالاة كثيرا في حالات الزهد والتصوف التي قد تكون تطرفا عند ما يصبح هذا التصوف والزهد حالة تقاعس عن العمل وانخراط في عالم الروحانيات ، وهو ليس هروبا من الواقع ، ولا انزواء ، أو خلوة فحسب ، وليس زهدا ولبس الصوف فقط ، وإنما هو محاولة للإنسان للتسلح بقيم روحيه جديدة تعينه على مواجهة الحياة المادية ، وتحقق له التوازن النفسي حتى يواجه مصاعبها ومشكلاتها، وبهذا يصبح التصوف ايجابيا لا سلبيا ، ما دام يربط بين حياة الإنسان ومجتمعه ، ويوازن بين رغباته الروحية والمادية.
    نستطيع أن نقول في خاتمة رسالتنا، هذه، أن الشيخ عبد الله كرّس كل ما تعنيه الحياة الطُرقية لخدمة الفرد، وتحقيق تواصله مع الجماعة. وبالتالي، طلب من مريديه ترجمة العبادة والنظريات الفكرية إلى تعايش واقعي، ينصبّ على التكافل الاجتماعي، وخدمة الجماعة. معتبراً أن إطعام الجوعان، وكسوة العريان يوصلان إلى المقام المحمود.
    وهذا الفكر لم يبق أسير كتب فلسفية أو أشعار وجدانية، بل سعى الشيخ عبد الله إلى تحقيقه على أرض الواقع، من خلال طريقة صوفية قادرية المسار، عركية المنهج، محمدية المشرب. حملها أبناء وخلفاء الشيخ ، وانتشر أتباعها ينشرون المحبة والأخوة والتعاون وعمق المفهوم الديني، في البلاد.
    تمكن الشيخ عبد الله من المحافظة على خطٍ تطبيق متميّز، حتى لا تتحجر الإرادة الصوفية داخل القوالب الجاهزة؛ وبالتالي، حتى ينطلق الفكر الصوفي الخلاق في صياغة الواقع، ضمن معطيات عصره الحاضر، انطلاقاً من المقولة الصوفية "الفقير ابن وقته".
    اختط الشيخ لتلاميذه منهجاً واضحا، وجعل تجربته اليقينية تقوم على أسس ثابتة وصحيحة، تنطلق، أولاً، من قواعد النصوص الدينية، أعني القرآن والحديث، فسارعلى نهج ابائه فدعوته تحمل ملامح الأصول، وملامح التحديث الذي يتوسع في فهم النص الديني، بالاستناد إلى الباطن، أو الكشف الصوفي (الإلهام). لم يتجاوز المنهج الذي رسمه الشيخ الجيلانى، والمعتدلون من أتباعه. ونحن إذ لا ننكر، هنا، تجارب توفيقية أخرى، فإن الشيخ عبد الله، قدم لنا منظومة صوفية ترقى إلى كمال الرؤية.
    إذن، فما يريد الشيخ أن يجمع جهود مريديه للوصول إليه، إنما هو عدم الفصل ما بين الشريعة والحقيقة، وبالتالي ما بين العبادة والفكر، وما بين العمل والتأمل فمفاهيم الوجود تجتمع كلها في الإنسان، والإنسان كله مجموع في القلب. ودور العقيدة: شريعة وحقيقة، هو تصفية هذا القلب، وتحقيق التوازن ما بين الإنسان والوجود؛ الإنسان بشقيه: المادي والروحي، والوجود بشقيه: المشهود والغيبي؛ إذ إن كمال الرؤية المحمدية، وكمال الوراثة المحمدية، يتطلب أن لا يظل هذا الكمال حبيس نظرة روحية مجرّدة، بل هو كمال إسلامي شامل لجميع نواحي الحياة، ترجمته سيرة النبي، .
    ومن هذا المنطلق، لم يتعامل الشيخ عبد الله مع الشريعة، على أنها مجرد رادع وضابط لتصرفات المتصوف، بقدر ما هي صعود بالمتصوف من دائرة ضيّقة إلى دائرة أوسع، من دائرة (فقه الأحكام) إلى دائرة (إحكام الفقه)، أو من دائرة التعلق بالرسوم إلى دائرة طلب الكنوز التي تحت الرسوم، دون أي فصام بين الدائرتين. فالطريقة القادرية تبنّت خطاً أخلاقياً يوحّد بين الشريعة والحقيقة، بمعنى أن "الشريعة إجمال والحقيقة تفصيل، أو الشريعة استدلال والحقيقة كشف، أو الشريعة غيب والحقيقة شهادة" .
    حين نتعمق في مواقف الشيخ عبد الله من الشريعة، نجده قد تعامل معها بمنظارين: المنظار الأول، باعتبار الشريعة ليست مجرد ظاهر لباطن، بل هي عمق يحتاج إلى أدوات الحقيقة لكشف كنهه. وهو ينظر للشريعة، ضمن هذا الإطار، على أنها تمثل عقلانية الإسلام، كما أن التصوف يمثل روحانيته. ومن خلال المنظار الثاني، تعامل الشيخ مع الشريعة، باعتبارها تمثل الوجه الاجتماعي للطريقة من جانب، كما أنها القاعدة العامة التي تجمع أكبر عدد ممكن من الفئات الاجتماعية، من جانب آخر، لأن الشريعة قوانين اجتماعية وأنظمة اقتصادية ثابتة.
    لقد حقق الشيخ عبد الله، بفكره، وبطريقته القادرية العركية، تلك المعادلة الوسطية، التي ما عاد العقل فيها مواجهاً للنقل، ولا الشريعة مواجهة للحقيقة، ولا الفرد منسلخاً عن الجماعة، ولا الجسد منافياً للروح، ولا الفلسفة الفردية مواجهة للطرقية الجماعية؛ بل تآلفت جميعاً في معادلة واحدة. فقد حاول الشيخ عبد الله – بكل ما أمدّته به تجربته الصوفية؛ وما أمدّه به التراث الصوفي والواقع المعاصر من مُكنات – أن ينظم نسيجاً متآلفاً، متجانساً، في التجربة الصوفية.
    تبيّن حقيقة العلاقة بين الطريقة والشريعة الخطأ الكبير الذي وقع فيه كل من زعم بان الطريقة والشريعة هما نهجان مختلفان .
    فقد ظهر على مر التاريخ افراد وجماعات ادعوا بان نهج الطريقة هو طريق للوصول إلى معرفة الله سبحانه وتعالى من غير الحاجة للالتزام بإقامة فروض الشريعة ، وأرادوا بذلك أن يجعلوا هنالك فرقا بين الدين بعبادته التقليدية والطريقة .. كما ظهر من يدعي بأن سلوك نهج الطريقة يمكن أن يصل بالإنسان إلى مرحلة من المعرفة بربه سبحانه وتعالى تسقط عندها فروض الشريعة عنه . الا أن مشايخ الطريقة كانوا على مر الزمان يؤكدون بالقول والفعل بان هذه الدعوات هي انحراف تام عن المعنى الحقيقي للطريقة .
    فعندما سمع الشيخ الجنيد البغدادي رجلا يدّعي بأن (اهل المعرفة بالله يصلون إلى ترك الحركات [يقصد العبادات] من باب البر والتقرب إلى الله استنكر قوله وقال رداً عليه: (أن هذا قول قوما تكلموا بإسقاط الاعمال وهو عندي عظيمة [أي من الذنوب العظيمة] ، والذي يسرق ويزني أحسن حالا من الذي يقول هذا ، فان العارفين بالله تعالى اخذوا الاعمال عن الله تعالى واليه راجعون فيها ولو بقيت الف عام لم أُنقِصَ من اعمال البر ذرة الا أن يحال بي دونها)القشيري. فأصحاب الطريقة ما فارقوا النهج الذي اختطه الرسول  قال أبو عثمان : (خلاف السنة يا بني في الظاهر علامة رياء في الباطن) القشيري.
    هنالك وجه اخر للنظر إلى العلاقة بين الشريعة والطريقة انطلاقا من الحديث النبوي الشريف :(الشريعة أقوالي والطريقة أفعالي) . فكون الشريعة هي أقوال الرسول والطريقة أفعاله فان الشريعة إذاً هي تفسير الطريقة ، وبهذا فان الأفعال التي لا تشهد لها الشريعة بالحق هي ليست من أفعال الطريقة ، أي ليست من أفعال الرسول  .
    يقول الشيخ ابن عطاء الله السكندري : (من استرسل من اطلاق التوحيد ورأى أن الملك لله وان لا ملك لغيره معه ولم يتقيد بظواهر الشريعة فقد قذف به في بحر الزندقة وعاد حاله بالوبال عليه ، ولكن الشأن أن يكون بالحقيقة مؤيدا وبالشريعة مقيدا ..... الانطلاق مع الحقيقة من غير تقييد بالشريعة تعطيل) .
    وصف مشايخ الطريقة سلوك طريق النوافل اللامحدودة من العبادات بما يسمى في مصطلحات الطريقة بـ (العزم) مقارنة بالوقوف عند فروض الشريعة الذي يعرف بـ (الرخصة) . يقول الشيخ عبد القادر الجيلاني: (عليكم بحفظ الصوم والصلوات الخمس في أوقاتها ، وحفظ حدود الشرع جميعها . إذا أديتم الفرض فانتقلوا إلى نفل . عليكم بالعزيمة والأعراض عن في الأخذ بالرخصة خطر كبير يهدد استمرارية وثبات الإنسان على الصراط المستقيم فقد قال الرسول (من حام حول الحمى أوشك أن يقع فيه( ، لذلك حذر أصحاب الطريقة من ترك العزم والأخذ بالرخصة يقول الشيخ عبد القادر : (من لزم الرخصة وترك العزيمة خيف عليه من هلاك دينه ، العزيمة للرجال لأنها ركوب الأخطار والأشق الأدق . الرخصة للصبيان والنسوان لأنها الأسهل). أن الأخذ بالعزم لا يكون في العبادات المعروفة مثل الصلاة فحسب ، ولكن في كل تصرفات وسلوك الإنسان . فالزهد عند اهل العزم ليس زاهدا في المحرمات فقط ولكنه أكثر من ذلك بكثير ، فهو كما يصفه الشيخ عبد القادر الجيلاني )الترك للمحرمات ، ثم ترك الشبهات [أي ما لا يستطيع الإنسان أن يكون متأكدا من انه مما قد حلل أو حرم] ، ثم ترك المباحات ، ثم ترك الحلال المطلق في جميع الحالات حتى لا يبقى متروك في الجملة). وكمثال على اختلاف زهد اهل الطريق عن اهل الرخصة يمكن الاستشهاد بقول الشيخ عبد القادر الجيلاني حول الزهد في الطعام (احبس نفسك عن أكل الحرام وأطعمها الحلال الطاهر حتى يزول لحمها الذي تربى على الحرام. وجنبها اكل الحرام ثم جنبها الحلال) .
    أن زهد اهل العزم لا يكون في الطعام فقط أو في جوانب معينة من جوانب الحياة دون غيرها ، وإنما وهو سلوك يطول جميع تصرفاتهم وكل دقائق حياتهم. لما سأل رويم الشيخ الجنيد البغدادي عن الزهد أجابه بأنه )استصغار الدنيا ومحو أثارها من القلب). وينصح الشيخ عبد القادر الجيلاني المريد بالزهد في الطعام قائلا عن النفس : (هي عبد سوء لا تعمل الاشغال الا بالعصا . لا تشبعها الا إذا علمت أن الشبع لا يطغيها وأنها تعمل في مقابل شبعها). وعلى نفس القياس يـجب على المريد ان لا يأخذ من الحظوظ من حلال الدنيا ألا ما علم أن ما تناول ما كان لينقلب ضده .
    قال تعالى : ( ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ) دلت هذه الآية على أن الغاية فى القدرة على الهداية هو الولى المرشد ( الشيخ ) إذ الآية تبين أن الولى المرشد نفسه لا يخرق مراد الله إذا أراد إضلال إنسان ومن ثم نعلم أن الدعوة إلى الله والسير إليه بالطريق المستقيم تكون أكمل ما تكون عندما يضع الإنسان يده بيد الشيخ العارف يكون ذلك أجود ما يكون فى باب الهداية إلى الله وإلى طريقة الرسل عليهم السلام فى الأصل هم الهداة الحقيقيين إلى الله عز وجل فالأولياء المرشدون هم الوراث الكاملون للأنبياء فى باب الدعوة إلى الله عز وجل .
    ومن هنا تتمثل الحاجة إلى التصوف فى أنه لا يتأتى الوصول إلى الله تعالى إلا فى أخذ الطريق ( البيعة ) من شيخ عارف بالله داعياً إليه على بصيرة أى معرفة شرعية وحقيقة ومقتدياً برسول الله  فى أقواله وأفعاله وله التأسى برضاء الله تعالى على الصحابة وعلى التابعين لهم بإحسان بسبب إتباعهم للصحابة الكرام.
    وهنا يجب أن نوضح المقصود بممارسة الشيخ للسياسة، يقول الشيخ عبدالله:(السياسة ليست بدين وانما هى عمل اجتماعى لخير الناس) قال رسول الله : (الخلق عيال الله فأحبهم لله أنفعهم لعياله)، فإذا كانت السياسة تعني الاهتمام بالشأن العام وبما يهم المسلمين فهو يهتم بهذا على نسق ابائه الشيخ يوسف ابوشرا ومناصحاته لملوك الفونج والشيخ احمدالريح حين أجلى القبائل والعربان ومواشيهم الى تخوم أرض الحبشة ولم يعد بهم الا بعد ان حصل على اعفاء الضرائب الباهظة الذى فرضت من قبل الاتراك. والشيخ عبد الباقى فى وقفته أمام مفتشي الإنجليز لرفضه ظلمهم الأهالي ورفضه أن يكون عوناً للمستعمر على أبناء المسلمين . ولكن إذا كان المقصود بها العمل السياسي في الإطار الحزبي فهذا له مؤسساته وهيئاته وقنواته ونذكر فى هذا المقام مساندة الشيخ عبدالباقى للزعيم اسماعيل الازهرى وهو يقود حركة الاستقلال. والطريقة تؤمن بعمل المؤسسات، ونشير هنا الى مبادرة أزرق طيبة لتوحيد الحركة الاتحادية لاسترداد دولة المواطنة وتوطين الديقراطية والحرية والعدالة . إن الشيخ عبد الله أزرق طيبة لم يحمل سلاحاً ضد الدولة ولم يشترك في أي عمل تخريبي ولا يطمح في موقع سيادي أو تنفيذي أو تشريعي، ولكن له رؤاه وعلاقاته الواسعة الممتدة وبهذا فإن له رمزيته، والطريقة لها نهجها الروحي كما يصفها الشيخ عبدالله بقوله:(الطريقة نهج تعبدى يوصل السالك الى ربه)، ولا يمكن أن تتحول إلى حزب أو أي هيئة مماثلة؛ لأن أصولها ومقاصدها مرتبطة بالعمل التربوي والأخلاقي، الذي يساهم مع باقي المكونات المختلفة في بناء الفرد والمجتمع.
    فإن شريعة الله تعالى كاملة، حاوية لكل شؤون الحياة، فلا تجد أمراً من أمور الدنيا التي يحتاجها الناس إلا وجدت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم العلاج الأمثل الناجح الذي يعالج تلك الأمور، قال تعالى:[الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً] المائدة:3.
    شريعة الله العظيمة التي تبين الحق من الباطل، والصواب من الخطأ، وتدل على ما ينفع ولا يضر، ومن أجلِّ نعم الله تعالى علينا أن جعل ميزانه بينه وبين عباده هو العدل، وما قامت السماوات والأرض إلا به، قال تعالى: [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ](النحل:90) وإذا كان الله تعالى يأمر به وجب على الناس أن يطبقوه بينهم، وأن يعملوا على تمكينه في جميع شؤون حياتهم.
    ومن حكمة الله تعالى أن أوجد لعباده طرقاً يسلكونها من أجل إقامة وجوه الحق بينهم، وعندما يخالف البشر أوامره، ويعملوا بما يناقض شريعته نجدهم أوقعوا أنفسهم في حرج عظيم، وظهرت بينهم بوادر الظلم والطغيان، وانتشرت بينهم العداوة والبغضاء.
    (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا..)(رواه مسلم)، وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" (متفق عليه)
    والإسلام أوجد القواعد الضرورية لحفظ التوازن بين الفرد والمجتمع، والحاكم والمحكوم عن طريق النصوص القرآنية والأحاديث النبوية التي تنهى عن الظلم والفساد والغش والاحتكار، وتنهى عن الإفراط والتفريط.
    وقواعد الشريعة قد جاءت بالعدل والتيسير على الناس، ونفي الحرج والمشقة، ورفع الضرر عنهم.
    الرقعاء السخفاء سبوا الخالق الرازق جل في علاه ، وشتموا الواحد الأحد لا إله إلأ هو ، فماذا أتوقع أنا وأنت ونحن أهل الحيف والخطأ ، إنك سوف تواجه في حياتك حربا! ضروسا لا هوادة فيها من النقد الآثم المر ، ومن التحطيم المدروس المقصود ، ومن الإهانة المتعمدة مادام أنك تعطي وتبني وتؤثر وتسطع وتلمع ، ولن يسكت هؤلاء عنك حتى تتخذ نفقا في الأرض أو سلما في السماء
    يقول الشيخ الجيلاني: ( ... فالعبد إذا كان من المختارين للولاية ، فلا بد له من البلاء ليصفي مابه من خبث الهوي والميل إلي الطباع وشهوات النفس والوقوف من الخلق ، فيبتليه الله حتي يذوب ذلك كله ويخرج من قلبه ولا يبقي غير الله تعالي) .
    ولا يجب أن نفهم مطلق الابتلاء علي أنه افساح لظهور حقيقة الولي ، فما ذلك إلا احد ضروب الابتلاء الثلاثة التي يعددها الشيخ الجيلاني في (1) الابتلاء عقوبة المعصية (2)الابتلاء تكفيراً وامتحاناً (3) الابتلاء لارتفاع الدرجات وبلوغ المنازل العاليات.
    هذه الثلاث علامات ، فعلامة ابتلاء العقوبة ( عدم الصبر والشكوي للخلق) أما الابتلاء وعلامة الابتلاء تكفيراً وتمحيصاً ( وجود الصبر من غير شكوي ) أما الابتلاء لارتفاع الدرجات وبلوغ المرتبة فعلامته( الرضا والموافقة لفعل الله) . واستدل بقوله  ( أشد الناس ابتلاء الانبياء ثم الامثل فالامثل ).
    فالابتلاء كيرُ العبد ومحكّ إيمانه: فإمَّا أن يخرج تِبراً أحمر، وإما أن يخرج زَغَلاً محضاً، وإما أن يخرج فيه مادتان ذهبية ونحاسية، فلا يزال به البلاءُ حتى يخرج المادة النحاسية من ذهبه، ويبقى ذهبا خالصا.
    ولنا أسوة حسنة بما لاقى الانبياء والرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام فى سبيل الدعوة الى الله )قَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ (الأحزاب 21.
    اللهم انا نحبك ونحب نبيك وال بيته الاطهار وصحابته الميامين فارزقنا حبك وحبهم.
    وصلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه وسلم.

    تم بحمد الله وتوفيقه فى ايوم العاشر من شهر المحرم 1432 هجرية.








    المراجع:
    1- القرآن الكريم
    2- تفسير الجلالين – السيوطى.
    3- كتاب الأذكار- الإمام النووي
    4- البداية والنهاية في التاريخ - للإمام الحافظ المفسر المؤرخ إسماعيل بن كثير
    5- حلية الاولياء وطبقات الاصفياء - أبو نعيم الاصبهانى.
    6- مدخل الى التصوف الاسلامى- د. أبو الوفاء.
    7- مجلة طيبة / العدد الثاني / ابريل 2003م ص 3
    8- كتاب المحبة - للمحاسبي.
    9- بهجة المجالس وأنس المجالس- الامام ابى عمر يوسف القرطبى
    10- بلوغ المأمول - الشيخ عيسى الحميري .
    11- الشفاء بتعريف حقوق المصطفى-القاضى عياض بن موسى.
    12-كتاب الفوائد - للشريف مالك الامين
    13-كتاب فيض المنان – الدكتور الشيخ ابوادريس
    14- مجالس الشيخ عبدالله الشيخ أحمدالريح الشيخ عبدالباقى.
    15- كتب الطبقات – ود ضيف الله.
    16- الحكومة الباطنية- الشرقاوي حسن.
    17- (1)الغنية- (2)فتوح الغيب –(3) الفتح الربانى الشيخ عبدالقادر الجيلانى
    18- نظرات فى التصوف الاسلامى – الشيخ عبدالمحمود الشيخ الجيلى
    19- الرسالة القشيرية- عبدالكريم بن هوازان القشيرى.
    20- الاوسط- ابن المنذر.
    21- الموطأ- الامام مالك بن أنس.
    22- فتح البارى- ابن حجر العسقلانى.
    23- أحياء علوم الدين- الغزالى(أبوحامد).
    24- الموسوعة اليوسفية فى بيان أدلة الصوفية- يوسف محمد.
    25 - التراتيب الادارية- عبد الحى الكتانى.
    26- اللمع فى التصوف- السراج الطوسى.
    27- بحث شعائر الاسلام- د. أحمد محمد نور.
    28- طهارة القلوب والخضوع لعلام الغيوب – الشيخ ضياء الدين عبدالعزيز الدرينى
    29- الفتاويه الكبرى - الشيخ ابن حجر الهيتمي
    30- المعيار (فتاوى فقهاء المغرب)- الشيخ أحمد بن يحيى المالكي
    31- تنبيه الغافلين- الشيخ نصر بن محمد السمرقندى



    السيرة الذاتية للمؤلف
    الاسم: الباقر مالك الامين أحمدالبدوى
    الميلاد : القضارف 20 أبريل 1957م.
    الدراسة: درس المرحلة الاولية والوسطى بين القضارف وشندى. – والثانوى بالقضارف القديمة درس ادارة الاعمال بكلية الاقتصاد والدراسات الاجتماعية جامعة الخرطوم وتخرج فى العام 1983م.
    العمل: التحق بسلك الضباط اداريين فى العام 1984م.
    الطريقة الصوفية: سلك الطريقة القادرية على يد الشيخ أبوعاقلة الشيخ أحمدالريح الشيخ عبدالباقى وهو شيخ مجاز منذ العام 1999م.
    مؤلفاته: له عدد من المؤلفات منها كتاب الولاية والاولياء وكتاب القائد للفوائد- دراسة لكتاب ولده الشرف مالك المسمى ب(الفوائد) وكتاب الاشراف أولاد مشيلعيب لم تطبع. وهذا الكتاب (عابد الله أزرق طيبة – المنهج والتطبيق).
                  

06-10-2011, 00:29 AM

Magdi Ahmed Elsheikh
<aMagdi Ahmed Elsheikh
تاريخ التسجيل: 03-11-2008
مجموع المشاركات: 7720

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كتاب عابد الله أزرق طيبة (2)/تأليف الباقر مالك الامين (Re: بكرى ابوبكر)

    ياحبيب
    سلام
    ده يقروه كيف بالطريقة دي
    مافي طريقة احسن لعرضة اجمل من دي..!
                  

06-11-2011, 09:45 AM

محمد عثمان الحاج

تاريخ التسجيل: 02-01-2005
مجموع المشاركات: 3514

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كتاب عابد الله أزرق طيبة (2)/تأليف الباقر مالك الامين (Re: Magdi Ahmed Elsheikh)

    التحية للشيخ عبد الله الشيخ أحمد الريح الشيخ عبد الباقي أزرق طيبة شيخ السجادة العركية صاحب التاريخ الناصع والمواقف المشرفة ضد الظلم والشكر الجزيل للأستاذ الباقر مالك الأمين على هذا الجهد وما احتوى عليه من معلومات، ولك الشكر أخي بكري أبو بكر على إتحافنا بهذا العمل الهام.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de