|
|
 قيامة أغسطس!
|
قيامة أغسطس!
راشد مصطفي بخيت
أكترث كثيراً، بالإضافة إلي متابعة الأخبار اليومية، تحرى سؤال شرائح متباعدة من المجتمع السوداني تختلف في طبيعة عملها ومستواها الاجتماعي وتختلف بالمثل في مصدر رزقها اليومي ما بين عامل أو حرفي وتاجر وسمسار وموظف حكومي! ذلك أن الأزمة غالباً ما تتمظهر في الشرائح الأضعف بشكل بائن! وتكتمل حلقاتها عندما تظهر في أكثر من شريحة مختلفة، وخصوصاً التجار!
لم تتوقف الأسعار عن الزيادة باضطراد منذ إعلانها المرة الأولي قبل اندلاع الثورات العربية، فجعل ذلك الحكومة تعيد النظر أكثر من مرة في موضوع الغلاء المعيشي وفي سياستها المتبعة تجاهه أوان الإعلان أوَّل مرة!
حيث لم تتوقف وتيرة الزيادات في السلع الاستهلاكية عن التوقف طيلة الفترة التي تلت تلك الزيادات الأولي، لكنها هذه المرة بدأت تزيد بلا إعلان! إذ أن أسعار السكر والغاز والزيت واللحوم تتواصل في ارتفاعها بشكل جنوني! إلي أن وصل كيلو اللحم العجالي لثمانية عشر جنيها بالتمام والكمال! عاد معها الجمعة الماضية إلي ستة عشر جنيهاً، وبلغ كيلو الطماطم خمس جنيه!
فضل الله السيَّد فضل الله، عامل بنسبة في سوق سعد قشرة؛ لا يَعُولُ أطفالاً لكنه ينوي الزواج! دخلت إليه بسؤال عن مستوي البيع هذه الأيام فأجابني مسرعاً أنه لم يبع (ثوباً نسائياً) واحداً من الأمس! وأن هذه الحالة مستمرة معه لأكثر من أسبوع علي التوالي! ومع ذلك يصرف فضل الله يومياً ما يزيد عن الخمسين جنيها كمصروفات ثابتة! غير الإيجار! فسألته ماذا تنتظر؟ أجابني: ننتظر أن نرى هل ستستمر هذه الأوضاع إلي ما بعد التاسع من يوليو أم سيتغير الحال!
لفضل الله جارٌ يعمل في بيع الشاي، حضر نقاشنا فزاد عليه من تجربته قائلاً أنه أصبح لا يكمل في يومه الفجر أكثر من (كفتيرة) واحدة كبيرة، بعد أن كان يبيع في اليوم الواحد ثلاث (كفتيرات)! لكنه أتفق مع فضل الله في أنه ينتظر وضوح الأمور بعد قدوم شهر أغسطس القادم!
قلت ربما يؤثر الركود الحالي علي بعض ممثلي المهن العمالية فحسب، لكنني تفاجأت عندما قابلت في نفس اليوم صديق عزيز يعمل (وكيلاً) لشركة زين فسألته ذات السؤال السابق. أجابني بحسرة أنه له أكثر من شهر أصبح لا يستطيع الرجوع لأسرته قبل الثانية عشر عند منتصف الليل! فسخرت من حديثه ذاك باعتبار أن (وكلاء) زين بالتحديد، يحصدون أموالاً خرافية مع كل صباح لمجرد بيعهم الهواء! لكنه أفحمني عندما أثبت لي من واقع دفاتره أن نسبة مبيعات الاسكراتش والشرائح انخفضت من شهر مايو الماضي إلي النصف تماماً، واضطر هو الدخول في ديون يحرك بها مطلوبات عمله اليومية أملاً في أن تنفرج الأمور بعد التاسع من يوليو القادم!
ضحكت من نفسي وهي تأبي تصديق كل هذه المؤشرات مجتمعةً علي ما وصل إليه حال المجتمع جراء الغلاء الطاحن الذي وجه اهتمامات الناس لما هو رئيسي فقط! فذهبت لورشة الصيانة القابعة قبالة ميدان عقرب ببحري راجياً استلام عربتي وهي عادة يستغرق اصلاحها أكثر من يوم فتفاجأت عندما وجدتها وهي مقفلة! فسألت الصنايعي لماذا هي كذلك؟ أجابني: انتهت يا أستاذ!
بعد نقاش طويل مع هذا الحرفي البارع، علمت منه أن العربة خرجت بسرعة هذه المرة لأن كل (أولاده) لا عمل لهم اليوم فهجموا عليها هجمة رجل واحد ولم تستغرق معهم أكثر من ساعة فحسب!
سألت نفسي إن كان هذا هو حال التجار والعمال والصنايعية ووكلاء زين القابضة، فما هو حال الموظف والمعدم ومحدود الدخل؟ أتتني الإجابة من تلقاء نفسها عندما تذكرت لتوي انني ربما أمثل شريحة الموظفين هذه وأنا لا أملك أكثر من مائة جنيه والشهر لا زال في بدايته! ضحكت من نفسي وعليها، إذ أنني لا أنتظر قيامة أغسطس هذه لأنني علي خلاف هؤلاء جميعهم، لا أرجو منها خيراً، بل علي العكس من ذلك، أعتبرها أسوأ ما تدخره الأيام لنا، وإن غداً لناظره قريب!
|
|
 
|
|
|
|
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست