حاتم الياس وجائزة الطيب والمنح الايدلوجي والعلاقات العامة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-06-2024, 05:55 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2011م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-01-2011, 02:49 PM

د.نجاة محمود


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
حاتم الياس وجائزة الطيب والمنح الايدلوجي والعلاقات العامة

    سلامات
    المتتبع للحركة الادبية في السودان يلاحظ ان اسا سها علاقات عامة وتحزب وشللية

    والعمل الادبي يقوم لا على اسس نقدية بل على اسس ايدلوجية وشللية

    فأحيانايسير الركبان بقصيدة لا حظ لها من الادب والتادب فقط لان فلان دا كاتبها
    وفلان دا زول ظريف ولطيف ويجيد التشبيك اكثر من انه موهوب..
    وللذك اذا قمنا بتقويم كثير من الاداب على اسس نقدية لن نجد الا القليل القليل
    الذي يمكن يصنف على انه ادب..ز


    اهتم كثيرا بالادب بعامة والادب السوداني بخاصة في حجاتنا المتتالية للسودان
    انا وزوجي نشتري كل ما يقع في ايدينا من كتب خاصة الروايات بالنسبة لي
    ثم ننفق السنة في قراءتها ..
    الملاحظ ان هناك كثير من المنشورات الان وهذا كان غير متوفر لجيلنا
    حيث ضاعت مخطوطات اعمال كثيرة كانت تستحق النشر والقراءة.

    (عدل بواسطة د.نجاة محمود on 06-01-2011, 02:51 PM)

                  

06-01-2011, 02:54 PM

د.نجاة محمود


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حاتم الياس وجائزة الطيب والمنح الايدلوجي والعلاقات العامة (Re: د.نجاة محمود)

    Quote:
    ثمة إحساس انتابني وأنا أتابع ندوة روايتي فركة وقونقليز الفائزتان بجائزة الطيب صالح للرواية، والتي يرعاها مركز عبد الكريم مرغني سنوياً ويفتح أبواب التنافس للمتبارين لها، وكانت هذا العام من نصيب الكاتبين طه جعفر وهشام أدم.

    رواية فركة التي منعتها السلطات وأفرجت عنها لاحقاً كانت هي محور الحدث الاحتفالي الذي أتخذ مظهر الندوة النقدية، ولم يكن في رأيي سوي مهرجان صغير عند منحني زائف من من مسارات الصراع السياسي المتنفس عنه ثقافياً. حين عدت (بفركة) للمنزل _(فركة)الرواية وليست فركة الأخري بطلة الرواية وصاحبة العنوان التي صممها الكاتب بموصفات لا تستدعي سوي الرغبات والشبق (للنهاضة) تجار الرقيق والجلابة الدائرة أمانيهم في فلك من الرغبات الجسدية كما تخبرنا الرواية_ بدأت بقراءتها من موقعي كقارئ فقط لا أكثر، ثم رغماً عني لم ينفتح حواري وسؤالي مع النص علي متنه السردي وتقنيات الحكي عند الراوي، والتي كانت وحسب وجهة نظري عادية جداً (ومدفوسة) بعجلة مسافر تهم راحلته بالانطلاق بين ظلال أخيلة السياسي الكثيفة؛ لا في ذلك البعد الجمالي المحض والمتعلق ببنية العمل السردية ولكن في الوصف العادي واليومي لتحديد مفاصل القول السياسي كخطاب ومفرده مغموسة في الأيدلوجيا والتناول المباشر أو إن شئت قل اللون السياسي كممارسة تنتظم في حوار اليومي كنشاط ممارسة وشعار منحازة لموقفها بنفس بساطة أسئلة التصنيف العادية للانحياز والانتماء ( اللون السياسي) .

    يمني العيد الناقدة اللبنانية الكبيرة كانت تقول في أحدي مقالاتها النقدية بمجلة الطريق الأدبية والتي حولتها لاحقاً لكتاب، أن الأدب وفي حقيقته هو إزاحة دلالية للغة من سياق القول العادي الي مستوي الجمالي تضمر فيه الأيدلوجيا إلى أقصى حد داخل سياقاته ولغته الشعرية المزاحة عن موضعها وهي العملية التي تقدمه كنص أو رواية أو قصيدة، محايد ومكتفي بصنعته الجمالية وحدها دون سواها، ولكنها في نفس الوقت تقول بأن فضاء النص هو فضاء العبارة وان فضاء العبارة يحوم في فضاء أيدلوجي لا ينفك من أسرها، حيث أن عملية صناعة الأدب نفسه تقوم علي إزاحة الأيدلوجيا عنه شكلياً لا موضوعياً، لذا بحثت عن موقع الراوي في الشكل وفي تجليات ذاته الكاتبة في النص المختفية خلف النصوص وهو تحديد لا يتم إلا بمنهج؛ باعتبار أن المنهج هو نسق الأدوات المفاهيمية المستثمرة لإنتاج المعرفة بالأدب، واٍن كان خطاب النقد نفسه لا يفلت ربق النوايا فهو دائماً مشروط بظروف الصراع المجتمعي وبإشكال وصور ممارسة هذا الصراع في الحقل الأيدلوجي، ولا يعني ذلك أن النقد يعكس أو يلخص لحظات التناقض والصراع السياسي ولكنه جزء منها فاعل فيها قائم ضمن علاقاتها، ويقرأ مادته من النصوص التي يشتغل عليها وفقاً لموقعه، ويمكن له في ذلك أن يشحذ منهجه بشكل يجنبه مخاطر هذه الانحياز، متى ما تسلح بالموضوعية المطلوبة التي تعطيه هويته المعرفية، المستندة علي حقائق المنهج لا غيرها.

    ومن هنا بدأت افهم معني هذه الاحتفالية العارمة وحماسة ذلك الناقد الفصيح الذي يحاول أن يخفي غبطته بهذا النص الذي صادف هواه وأشواقه، في تراكيب الخطاب السياسي والفكري الجديد الذي أفرزته الأزمة التاريخية في السودان وأسئلتها في السياسة والسلطة والثروة والبعد العرقي لتركيبة النخب الحاكمة وعلاقة ذلك بسيادة وهيمنة الثقافة العربية الإسلامية، وما يدور حول ذلك من جدال، فبدأ الأخ الناقد مثل طالب في ركن نقاش جامعي، يعيد تكرار كلامه حول البنية المهيمنة ومرارة الرق الذي حاولت الرواية أن تعالجه ادبياً، وبين لحظة وأخري يستدرك في غمرة استعراضه (الأنسكلوبيدي) للمراجع والمؤلفين أن يحدثنا عن المفهوم (الأبستيمي) لقوله، والذي يعني به السلطة كموضوع معرفة لا مجال متعين، وتُهنا معه في تلك الفوضى المنهجية خصوصاً وأن الورقة نفسها لم يقم مركز عبد الكريم يمرغني بطباعتها وتوزيعها علي الحضور حتى نعرف مقصده، والناقد الذي كان يتحدث من ورقة أمامه، ولم يكن في كلامه يختلف كثيراً عن نبرات الخطاب السياسي، ألفناه في تعابير القراءات الثقافوية المحتدة والجامحة في التفسير، بفعل الشطط التاريخي السياسي والاجتماعي القائم في مفاصل السلطة، والذي لم يفسح مجالاً للتعدد الثقافي والعدالة في الحقوق الاجتماعية والاقتصادية أن يعبر عن نفسه؛ بفعل سياق اجتماعي تاريخي صاحب تكون الدولة السودانية وطبيعة القوي الاجتماعية التي أدارت شؤونها، فشحذ هذا التيار الثقافوي سهامه باتجاه خاطئ للمكون الثقافي العربي في السودان، في تنميط سطحي وساذج دون أن ينتبه الي المواقع المختلفة للأفكار والتيارات في البنية السياسية والاجتماعية ومواقفها (إزاء) ذلك يتاجر بالعرقي والثقافي ، ونسي صاحبنا وهو يتحدث عن البني المهيمنة بماركسية (مشي حالك) تلك أن يُلزم منهجيا وموضعياً المصطلح المفهومي لفكرة البني المهيمنة إطارها المنهجي الضروري لفهمها وهو السياق التاريخي الذي يحمل أللأطر القيمية والأيدلوجية للرق كعلاقة اقتصادية في أسسها المادية، ومستوي آخر أيدلوجي يحمل سمة الزمان التاريخي للحالة في شكلها الاجتماعي. بمعني ان السيد الزبير باشا لم يكن مقدراً له في ذلك الوقت ان يعمل بتجارة (الشنطة) بين دمشق والخرطوم!! أو يفتح مكتباً للعقارات مثلاً بشارع الستين؛ ولكن ماذا نفعل مع الغرض حين يختلط بالمنهج في ضعفه ويصير مرضاً يُسقم حقل إبداعي مهم نراهن أن يضعنا في أفق جمالي وأنساني يجعلنا أكثر ثقة بالقادم ونبحث له عن عافية القراءة.

    أما عن رواية فركة نفسها المحتفي بها أيدلوجيا لا جمالياً للكاتب (طه جعفر) فهي رواية متوسطة الأداء بغض النظر عن موضوعها الذي يحاول أن يسلك مسلكاً أدبياً فكم أضحكني حقاً في فصلها الأول أن تعود بطلة الرواية بعد وقت قليل من اختطاف النهَّاضة لها (تجار الرقيق) بالذاكرة والحنين إلي قريتها والي طفولتها هناك وتسترجع ذكرياتها الحبيبة بين الأهل والأمهات وأترابها؛ مدهش جداً، في خضم هذه الحالة النفسية من الهلع والخوف وأسي الأسر والمصير المجهول وهذه الورطة الحقيقة سيكون كل تفكير الإنسان منصب علي مخرج له،أو معطلاً بالكامل بفعل الفزع من هذه الورطة التي ألمت به ، بينما هذا الحنين إلي الطفولة والأتراب لا يحدث غالباً علي المستوي النفسي إلا إذا استقرت في غربة بعيدة وانفصلت في المسافة والمكان لزمن طويل؛ ثم ينشط حنينها الاسترجاعي للطفولة والذكريات.

    ولكن كاتب الرواية يبدو أنه كان يركض ركضاً للوصول لشندي وملاقاة (مكَّها) وعينه علي أحداث المكان هناك. ثم نجد أنه وفي نفس الطريق تتعرض البطلة المسترقة لمحاولة اغتصاب من الحراس ليلاً؛ وهي وسط هذه المحنة النفسية القاسية كان عليها في خضم محاولة انتهاك جسدها أن تقارن وتفكر! يقول الكاتب علي لسان البطلة (فركة لم تكن تدرك ما يريد لم تعرف من قبل مثل هذه الأمور ثم ضمت فخذيها حينما أحست انه يستهدف عريها)!! وكاتبنا مره أخري يحاول أن يقيس بمقياس من اللامعقول والسذاجة المفرطة معاً في ضبط لحظة انفعالية حساسة في المشاعر الإنسانية تدرك بغريزة اللحظة والحال، فحين يهاجم رجلاً ما فتاة بقصد اغتصابها عنوة؛ في مثل هذا الوضع بالتأكيد لا يكون لهذه المرأة أو الفتاة تفسيراً آخر لهذا الهجوم سوي أنه يريد أن ينال جسدها، فلا يمكن أن يكون مثلاً قاصداً نشلها مبلغاً من المال. ولكن فركة التي لم تعرف هذه الأمور بحسب الراوي ولم تشهد مثلها في بيئتها البريئة والطاهرة، لم يكن أمام القارئ سوي الحل البسيط والسحري هو أن يدمغ هذا السلوك المشين للنهاضة تجار الرقيق، باعتباره سياق ثقافي موروث ومجلوب من قيمهم، بمعني أن الاغتصاب كفعل قبيح مجلوب أيضاً إلي وعيهم من المجال الثقافي والقيمي الذي جاؤوا منه (كجلابة) جبلوا علي الكبت الجنسي وطابوهات التحريم، والمقطع لا يخلو من ظلال سياسية وطرافة أيضا، ومن مراجع أفكار طًرحت من قبل ومازالت تنافح بخيالات أيدلوجية هاربة، قدمتها اتجاهات أدبية حديثة كمدرسة الغابة والصحراء، التي بحثت بشغف في شعريتها عن مكان متوهم في الجمالي لهويتنا الثقافية كانت فيه خلاصاتنا القديمة ترتع في براءة وطهر وتنسجم مع طبيعتها الإنسانية، وبأي حال لم تكن سوي تلفيق حضر بقيمته الأدبية المبدعة والعالية كخيال ونزوع بين نصوصه الشعرية ناضج في الجمالي وفقير الرؤى في حقائق الواقع السياسي.

    ثم في الطريق إلي شندي نرافق (فركة) وأترابها وخاطفيها وسرد الكاتب (البوليودي) حتى تظهر أمامنا أهرامات البجراوية ومره أخري لن يدهشنا إن البطلة المسترقة فركة ستدخل مع هذه الأحجار والمنقوشات المروية القديمة في حوار داخلي يريده الكاتب كي يؤكد من خلال تبني بسيط وغر لأطروحة الأصل والهوية أن يعيدها كمعضلة تاريخية وسياسية إلى جذرها الأفريقي السعيد، وفي هذا الأمر تحضرني بعض مقولات السياسي اليومي الطريفة التي حاولت في جزافيتها وترقيعها لخطاب الأصل العرقي أن تداهم دراسات التاريخ القديم وتسقط علي الماضي بعض أوهامها مثل الحديث عن ان بناة الأهرام كانوا سودانيين وان أنف أبو الهول تم أزالته لأنه كان أفطساً يشبه أنوف أهل الجنوب من السودان وتقاسيم وجوههم؛ وكأن في ذلك التاريخ الغابر عرفنا كسودانيين وعرف المصريين كمصريين بعواصم رسمية وعلم ونشيد وطني وحدود وعملة وفريق قومي!! ففي صفحة (51) تشاهد (فركة) أهرامات البجراوية وتحس أن شيئاً ما يربطها بهذه الأبنية وبدا الاقتراب من هذه البنية لفركة كأنه سفر في الروح سفراً من القلب إلي القلب، حتى أنها نسيت نفسها ونسيت تفاصيل العذاب المر الذي أذاها وألم بجسدها ومزق روحها، هذه الأهرامات الأثرية بصورها ونقوشها ستدخل مع فركة في حوار عجيب داخل صفحات الرواية وتتحدث معها كائناتها المرسومة من قرود وطيور؛ حتي أنها قالت أن صور الناس المنقوشة تشبه صور أهلها في تفاصيل أجسادهم وعضلاتهم المفتولة وراقصي (الكمبلا) تري ماذا لو كان تجار الرقيق من أهل مصر أو أن (فركة) المسترقة أرسلت لأسواق الفسطاط قطعاً ستري في أبو الهول جدها لأمها أو خالها القريب بحسب حيثيات كاتبنا الموغلة في بساطة الوصف وضعف الفكرة التي تشد حبال السياسي أكثر من نسجها علي منوال من الحكي والسرد.

    ثم نأتي (لحسان ود المك ) في شندي الذي يقول عنه الكاتب واصفاً شخصيته أن بها (سفالة الرغبات العارمة نشأ بليدا وكبر بجهله وغباوته يهتم بمظهره وفراشه وركوبته وطريدته من عواهر شندي الأرقاء يبذل المال علي ملذاته ويعتقد أن المال يشتري له كل شي حتى قلوب العذراى) حسان بن المك سيداهم فركة في فراشها (تمدد في الفراش متبذلاً عن ملابسه وعن شرفه الشخصي ومنحطاً كخراء حمار يدردقه ابو درداق في رمال ساقية ) ويبدو أن كاتبنا وهو يوسع حسان بن المك بهذه الشتائم لم يجد مجالاً في دروب التعبير الكثيرة غير هذا البعد وهو ينتحل في مقام الكتابة دور الراوي الذي يقف بين شخصياته مفصلاً لأدوارها في بنية العمل المحكي ، لم يجد سوي هذه الجمل المنتقاة من قاموس الشتائم، لا من تدابير الكتابة الروائية الناضجة والمستبصرة بأدواتها الإبداعية، والمعنية في عملها بتحقيق قيمة جمالية وإبداعية ومتعة يغنمها القارئ لما تقوم به، ويعكس نظرتها للوجود في هذا الحقل بأدواته وتقنياته فقط لا بالرغبة في تسجيل موقف مكشوف علي باحة السياسي الأيدلوجي. وفي هذا الأمر أي المبسوط للقارئ في العمل الفني الراوي القائم علي وصف الشخصيات. وفي البناء الحكائي الروائي لا يمكن أن يختزل في السرد بهذا التبسيط ولا يمكن أن تكون الشخصية في العمل أو في الحياة ملقاة علي بسيط في التوصيف يختزل حالتها الوجودية لهذا الحد . ولكن سعي الكاتب القائم علي الثنائية البسيطة بين الخير والشر، أو الجلابة والعرب، وهم بين محض الخير ومحض الشر ، ولهاثه لتسجيل موقف لنصرة فريق علي فريق ليس إلا!

    ثم أن رمال الساقية! هنا يبدو وصف عجيب ينقل الساقية من الضفة الطينية لصحراء تحوطها الرمال.كان من حظ كاتب هذا المقال أنه وفي طفولته الباكرة قد شاهد ساقية أو ساقيتين في قرية والدي (الجول) بجهة الباوقة ينجزان مهامها في العمل قبل الزوال وطغيان عصر(البوابير والطلمبات) ولم أشاهد أبو الدرداق قريبا من ضفة النهر ولم اسمع بذلك ولم أري رمال بالقرب من السواقي؛ ولكن لا حدود للوصف وصنعة الخيال في اختيارات الكاتب وشخصياً أجدها منسجمة مع الوصف بخراء حمارها الذي يدردقه أبو الدرداق وبالطبع لا نطالب الأدب بأن يمثل الواقع تمثيلاً يكون فيه بدقة كاميرا، ولكن الكتابة عن بيئة محدده يتطلب أن تملك معرفة معقولة علي الأقل بهذه البيئة تمكنك من تجويد صورتك.

    وهنا يحضرني مشهد آخر في رواية قونقليز لهشام أدم التي هي الآن بين يدي .. فحين يتحدث في صفحة (11) علي لسان البطل عن حادثة غرق قديمة شارك فيها في غسل الضحايا ولنا عودة لرواية هشام ادم ولكن لما كانت بيني وبين النهر علاقة قديمة ومسافة مرمي حجر من منازل عشيرتي ورأيتُ الجثث الطافية وهي تجر بكلابات المتطوعين من منتصف النهر الي الشاطئ وغصت مع آخرين لأعماق بعيده في ظلمة النهر مسلحين بالشناكل والهلب بحثاً عن غريق مازال سوائله متشبثة بالقاع ..سيعرف حتماً أن العرقى لا يتم غسلهم حسب ثقافة ساكني الأنهار ومعتقداتهم وسنعود لرواية قنقليز لهشام آدم إن مد الله في أعمارنا.

    ومع راوية فركة نتجول في خيال الراوي، يموت حسان ود المك ويكون موت هذه الشخصية السريع مفاجئاً لنا لكن الكاتب أراد أن يستفيد من هذا الغياب روائياً !! يبكين عليه النادبات من النساء المسترقات وينشدن له المراثي (ما هو الفافنوس ما هو الغليظ البوص) وغيرها مثل (يا هو الكريم أجواد ..ألخ)وهنا يتدخل صوت الراوي بوضوح نافياً عن حسان هذه الصفات التي لا يستحقها في المرثيات النادبة له والمسجلة لمآثره قائلاً أنه لا يستحق ذلك؛ وقصة ما هو الفافنوس ما هو الغليظ البوص كما حمل إلينا التراث الشفاهي قالوا أنها قيلت في عماره ود المك نم، وأن صاحبة القصيدة شقيقته بنت المك نمر، حينما مات بالجدري؛ وكثير من المرثيات نظمنها نساء مسترقات في أسيادهن. ويبدو أن الكاتب في وجه هذا التراث الشفاهي من المرثيات الجميلة دخل في حيرة، فكيف يخرج فضاء الرق القاتم هذه الصورة من الانتماء العاطفي الحميم بين المرأة المسترقة وسيدها، فلم يجد سوي تجريد حسان من من مآثره وجريان سؤاله علي لسان البطلة فركة المستغربة لعويل المسترقات علي حسان ودموعهن بأنها متناقضة مع وضعيتهن كمسترقات، وهذا السيد الذي أذل ظهورهن بالقهر وهو سؤال نشكر الكاتب عليه، لا علي تفسيره المتواضع، وهو ينفتح علي الفضاء التاريخي لعلاقة الرق في السودان والبحث العميق في مضامين تلك المرثيات التي نظمنها نساء كن في وضعية الاسترقاق، حول الوظيفة الاجتماعية والثقافية لهن كصوت دعائي تبجيلي معبر عن ملاكهن في الأفراح والأحزان، وبالتالي فأن هذه الوظيفة الاجتماعية، التي تحتاج فعلاً إلي بحث ومعمق، كان يتبعها بالضرورة موقع اجتماعي خطير موازي لها، يحوطه التبجيل والتقدير كصوت معبر ومنافح عن مسترقيها، وبالتالي تصبح مرجعاً في ضبط القيم التي يجب أن يتحلي بها الجميع، من كرم وشجاعة وبذل للمال، وبالتالي تكون جزءاً أصيلا في أنتاج هذه القيم وحارساً أميناً يخشي جانبه بامتلاكه لأدوات النظم والوصف في المدح والمراثي معاً.

    وفي وصف شندي نفسها مكان الحدث الروائي نجد نفسنا في ماخور كبير يعتمد علي تجارة الرقيق، وحتي أن المك كما يطلق عليه الكاتب، والأمر لا يحتاج لذكاء كبير حتى تعرف أنه المك نمر، كان يستخدم جواريه في تجارة الجسد ويرسل عبيده لمراقبتهن وتحصيل ريع أجسادهن، وهنا نذكر طيب الذكر المبدع والدكتور أبكر أدم إسماعيل في أحدي قصائده التي أثارت لغطاً شديداً في بداية التسعينات وسط فضاء سياسي كانت أطروحة الهامش والمركز وتمفصلات العرقي في الطبقي كما في أطروحة أبكر نفسها تعلن عن نفسها، وأبكر أدم إسماعيل روائي وشاعر مجيد وعظيم له روايات غنية قي عمقها ومفرداتها ومادة حكيها؛ ظهرت لأبكر في ذلك الوقت قصيدة تحاول أن تصادم الراسخ في الوعي التاريخي لصور إبطال وطنيين تمت رعاية صورهم بكثير من التبجيل والتعظيم، فكتب أبكر ليعيد صياغة تاريخهم بالصورة التي يراها هو شعرياً، فكتب أن مهيرة بائعة مريسة، والمهدي نخاس غيرها من الأوصاف التي أزعجت أولاد البحر حين نال علي غُرة من تاريخ رعوه بالأغنيات والمآثر. والقصيدة عن حق كانت قصيدة ركيكة ولا تتناسب مع تجربة أبكر الكبيرة وقصائده الأخرى التي لم تتوسل في نظمها رائحة أخري غير رائحة الكتابةِ الشيقة، ولكن يبدو أن قصيدة أبكر أوحت للراوي أن ينصب المك نمر مكاً و########اً في نفس الوقت، بإيحاء من قصيدة أبكر أدم إسماعيل، ولن نقول في تناص لأن التناص أجراء ذهني معقد يتم علي مستوي النصوص المقروءة ثم يعاد تقديمها ضمن أفق الرؤية الخاصة التي يتناولها الكاتب؛ ولو كان هنالك ثمة تناص بهذا المفهوم المعقد فسنجد الكثير من الذي يمكن أن يدلنا علي قراءات كثيفة وجادة ونوعية لكاتبنا؛ فقط إيحاءات قصيدة أبكر ادم إسماعيل وموضوعها الذي قامت عليه وما سبق أن اشرنا أليه من نذُر رشته علي الباحة الواقعة بين سؤال السياسي والأدبي الذي خلفه مسار مدرسة الغابة والصحراء، ثم تأتي مع الخاتمة العجيبة حين تعود البطلة المسترقة فركه لديارها عبر توظيف أسطورة (ابو لمبه) شيطان الصحاري الذي يقود المسافرين إلى التيه والهلاك والموت بتضليلهم بضوئه الذي يتبعونه في الفلوات وحرف مسارهم عن مضاربهم. ويبدو أن (ابولمبه) كان رحيماً بفركة حينما قادها عبر تضاريس ومسافات بعيدة لموطنها كان بوصلتها بدلاً من رحلتها للتيه في الصحاري وتري في مسافتها بين اليقظة والحلم والرؤيا كل طريق الآلام التي قطعته في أسرها تعود وتتزوج من ابن عمها (عجبنا) سيناريو خيالي للعودة يفوق احتمال أي قارئ صبور.

    إذاً؛ فازت الرواية بجائزة الطيب صالح، وكان تناولها لموضوع الرق هو مصدر احتفال لجنة مركز عبد الكريم ميرغني، دون المعاينة التقنية والفنية والحكائية للعمل موضوع التنافس، والتي هي في غاية الضعف، ولكن يبدو أن ثلة نقاد مركز عبد الكريم ميرغني، وسط حالة الشح وفقر المشهد الثقافي من نقاد جادين ومرتكزين علي قدرات معرفية نقدية محترفة، وفي ظل أجوا سياسية أفقرت الوسط الثقافي بعوامل الهجرة والرحيل، وتعليقه كنشاط هامشي في الحياة العامة، كماالنظر إليه بحذر وطغيان فكرة العلاقات العامة علي المجال الثقافي نفسه الذي يعتمد في تقييمه علي المعارف والصداقات بدلاَ من الإنتاجات الفكرية النقدية الجادة، والتي تكاد ان تخلو منها أرفف مكتبات الخرطوم، يجعل كل ذلك جائزة الطيب صالح تعيش أسوأ أوقاتها، وتنداح علي مناقشاتها سطحية كبري بدلا من النقاش العميق والتقييم الجاد للمكتوب، كما ترتبط بأهواء أيدلوجية علنية لا تفصل بين قراءة الأدب كأدب وسهولة السقوط في حبائل اليومي السياسي المرتبط بتحديد المواقف من قضايا فكرية وسياسية عامة كموضوع الهوية الثقافية.

    لن أقول أن الطيب صالح في قبره الآن سيكون حزيناً، لكنه قطعاً سيضحك بسخرية علي اسمه الذي يفصل الأن علي مقاس ضيق الفكرة خفيف القيمة في الكيف والكم والمعني، والطيب صالح وهو الروائي الكبير الذي أمتد بمتعته المحكية والمشهدية في كل أرجاء اللغات، مقدماً المناخ الإنساني لقرية صغيرة عند منحني النيل في السودان بكل حياتها وشخوصها العبقرية حية تسعي بين كل ركن في العالم ، بمتعتها المقروءة وفلسفتها التي تختزل الوجود في حوار أو وصف ينبض حياً بين الصفحات، لا يمكن أن تنتهي جائزته لهذه الصيغ الركيكة من التناول والاحتفاء. لذا وكما كتبت في العنوان اكرر مطلوب تأهيل نقاد سودانيين حتى ننقذ الرواية، وننقذ الطيب صالح نفسه، من شغيلة التدابير اليومية وتكنوقراط النقد. وهي رسالة صادقة أوجهها لنقادنا أن يجعلوا من المعرفة النقدية مسؤولية واهتمام وأن لايبددوها بوهم التواجد في الندرة فقطعاً هو تواجد خادع. بينما اقول عن صدق أن الرواية لا تخلو من إشراقات أدبية، وإن كانت قليلة ومهدره في سعار الكاتب ولهفته في إبراز التناقضات البسيطة بين خيرنا الإفريقي والزنجي العميم وشرورنا العربية المستطيرة المتمثلة في الجلابة. هذه الإشراقات ستفسح له المجال مستقبلاً كي يستوي عوده علي درب الرواية، ويحجز مقعده كراوي سوداني أصيل وخلاق في إبداعه، دون أن يجعله هذا الفوز الذي هو ثمرة أزمة حقيقية وضاربة في الحقل الثقافي بكل إضلاعه، أن يظن أن هذه هي الصورة المطلوبة والوضع الطبيعي لاكتشاف الموهوبين كي يكون الراوي راوياً. وله شكري الخاص علي إهداء كان قد سطّرَه لي في مقدمة روايته ممهوراً بتوقيعه الكريم..ولكن تهادوا تحابوا وأيضاً قيل...... (أكتبوا واختلفوا).
    ______
    [size=10]هوامش

    (1) يمنى العيد..(مقالات متفرقة بمجلة الطريق اللبنانية)
    (2) محمد الأزدى..مناهج النقد العربى الحديث
                  

06-01-2011, 02:55 PM

د.نجاة محمود


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حاتم الياس وجائزة الطيب والمنح الايدلوجي والعلاقات العامة (Re: د.نجاة محمود)

    Quote: سلامات ياوليد وأشكرك على القراءة وأرجو أن لاتنسى خيط حوارى جميل عن ملكة الطرب الزنزبارية حاولنا أن نتناول فيه التاريخ الأجتماعى للغناء فى السودان وكنت قد طرحت مداخلة مميزة أحس بان هذه المحاولة لها علاقة قوية بحوارنا هناك المعنى بالنظر للظواهر الأجتماعية فى سياقاها التاريخى وعلاقة ذلك بالثقافة وقل عموماً تخليص مناهج التحليل والنقد من تبعات السياسى..

    سيف النصر..لايمكن للرواية بالطبع أن تفلت أو تغادرأو تهرب من مجابهة الواقع لكن ذلك محكوم بقدرتها الأبداعية فى أن تخلق حواراً ذو قيمة أدبية وجمالية مع هذا الواقع بحيث لايبدوا أنعكاساً فجاً لتصوراتها السياسية وفى هذه المسافة بين الصيغة الجمالية من سرد وتقنيات كتابة وفضاءات حكي وشخوص تكمن (حرفنة) الراوي فى تقدير المسافة بين الواقع والمحكي وهى مسافة يمسك فيها بزمام أدوات كتابته ويسرح بها كراعي فى مروج الخيال دون أن تتلبسه روح الناقد السياسى المباشر فى نقده للواقع الأجتماعى

    الأستعلاء العرقى وواقع الرق والتهميش الأجتماعى كلها موجودة ولاأحد يجرؤ على نكرانها , لكن يبقى سؤال علاجها هو المهم ومعالجتها أدبياً أو سياسياً..لاأظن أن الصفحات الأخيرة من كتاب محمد ابراهيم نقد علاقات الرق فى السودان فاتت عليك وقطع شك (هبشتك مثلما هبشتنى) تلك الوثيقة التى كتبها مستر (دوقل) بضم الدال على طريقة أهلنا ناس الباوقة أو (ضقل).. والتى يتحدث فيها عن وضعية الرق فى الباوقة ومعاملة الأرقاء السيئة من أسيادهم وهؤلا الأسياد تعلم من فيهم نحن أحفادهم الأن الذين نكتب فى سودان فور أول ونقف مع قيم العدالة الأجتماعية والمساواة و(نبشر) ونعرض فى دلوكة المسكوت عنه..هل تعرف ياقريبى أن مستر دوقل هذا ذلك الرجل الذى كان يرسل خطابه للجنة مكافحة أسترقاق السكان الأصليين بعصبة الأمم مقدماً نفسه فى صورة روايات ذلك القرن وأفلامه المستوحاة من خيالات أستعمارية لشخصية الأبيض المتحضر النبيل الذى رمته الظروف وسط المتوحشين مجتهداً فى أن يقدم لهم رسالة التحضر النبيلة, كان فى الأصل مفتش زراعى بمنطقة الباوقة وفى ذلك الوقت الذى كانت الحكومة تسعى فيه لتحديث الزراعة عبر نزعها لملكية الأراضى بأتجاه المشاريع الكبيرة المروية .. و النزاع اصلاً لم يكن فى وضعية الرق بقدر ماكان نزاع على ملكية الأرض بين الحكومة وبين سكان المنطقة كما تعلم فان للأرض قيمة رمزية واقتصادية عالية . لم يفهم سكان الباوقة وقتها كيف أنهم سيتحولون من ملاك لأراضى ورثوها وتدور سواقيهم فيها وتعكس مجدهم وعزهم لمجرد شغيلة زراعة فى (واطات) الحكومة ....والحكومة الأستعمارية كانت تقوم بتجارب مؤلمة وأثارها الأجتماعية فادحة سكت عنها التاريخ ولم يتاناولها البحث التاريخى حيث كانت تنتزع الأراضى لصالح تجارب زراعة القطن تلك الزراعة التى حاولت الأدارة الأستعمارية توطينها هناك (كسلعة) وهى أصلاً كانت تحاول أن توطن نمط أنتاجى تابع بكلياته لأطار سوقها الستعمارى الواسع الممتد فى أرجاء العالم بما يتناسب مع شروط السوق العالمى وليس الظروف الأجتماعية للبيئة المستعمره (بضم الميم) ثم تقوم هى بأدارة فوائض ريعه الأقتصادية وتلغى بأسس الملكية القديمة التى ترتبط بقيم أجتماعية وثقافية متجذره..هنا وبزريعة الرق ومعاملة الأرقاء الذين يحتاج مستر دوقل لتحريرهم حتى يذهبوا نحو نحو مشاريعه الجديدة أو بأتجاه (أتبرا) لينتظموا مع أخرين فى سلك أقتصادى جديد اسمه (الطبقة العاملة)...
    هذا لايعنى أننى أدافع عن موقف أجدادى بالباوقة لكن فى تحليل الظاهرة الأجتماعية التاريخية يجب أن لانقف فى صف شهادة المستعمر مجردنه من نزعات الهوى ونحرم الأخرين من عمل السياقات وظروفها الموضعية..حكى لى العم الدكتور يوسف حسن سعيد ابو شعر وهو باحث ضليع فى تاريخ المسالة الزراعية فى السودان والصراعات التى نشبت فيها بين رغبات الأدارة الأستعمارية والسكان أن السيد دوقل كان قد تلقى علقة ساخنة من أهل الباوقة وكان فى مقدمة الذين قاموا بجلده الناس الذين يسعى لتحريرهم أى من يدعونهم بالأرقاء انفسهم.. لذا أعتقد أن محمد أبراهيم نقد كان فرحاً بالوثيقة أكثر من تحليلها وربما نجد له العذر فى الظروف السياسية الأستثنائية العصيبة التى اصدر فيها كتابه (علاقات الرق فى السودان)..على فكره يبدو أن الكتاب ايضاً كان أحد مراجع كاتب رواية فركة

    أخيراً ..لاأعتقد بأننى كنت أنطباعى بقدر ماأستطيع حاولت أن أكون موضوعياً والموضوعية تعنى قدرتك على معالجة المنهج والمنهج هو مجموعة الحقائق التى تراكمت فى حقل معرفى معين ...أيدلوجى ربما!!..ولك كل المساحة فى أن ترانى فى الموقف الأيدلوجى الذى أمثله وتكشف عن ذلك لمصلحة الموضوعية أيضاً[/size]
                  

06-01-2011, 02:58 PM

طارق جبريل
<aطارق جبريل
تاريخ التسجيل: 10-11-2005
مجموع المشاركات: 22556

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حاتم الياس وجائزة الطيب والمنح الايدلوجي والعلاقات العامة (Re: د.نجاة محمود)

    يا قريبتي كيفنك

    متابع معاك












    تليشة:
    بالله عندي ود اخوي بدرس جنبك اسمه مهند ابراهيم جبريل
    مرة مرة اديهو لكزة
                  

06-01-2011, 03:12 PM

د.نجاة محمود


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حاتم الياس وجائزة الطيب والمنح الايدلوجي والعلاقات العامة (Re: د.نجاة محمود)

    قبل فترة التقيت بشاب سوداني يدرس بايومديكال
    في الجامعة الاسلامية بماليزيا
    اخبرني ان له راوية يريد وجهة نظري فيها
    بالفعل زودته باميلي وارسل لي نسخة ثم ارفقها بنسخة ورقية
    قرات الرواية التي شدتني واعجبت بها جدا وسعدت ان هذا الشاب الموهوب
    اختارني انا دون الناس ان اقرا روايته هذه
    بالفعل ابديت بعض الملاحظات فيها قام بتنقيحها ثم ارسلتها لعدد منهم هشام آدم
    الذي ابدى ايضا بعض الملاحظات..
    ميزة هذا الشاب انه متواضع جدا وحقا يريد ان يجود صنعته

    ومستمع جيد بدون اي غرور مثل غيره من كتاب بني كجة
    المهم
    اخبرت هذاالشاب ان يشترك في مسابقة الطيب صالح وكنت انتظر نتيجة المسابقة
    لاني كنت اظن ان هذا الشاب اذا الموضوع موهبة ورواية ممتازة ستكون من نصيبه الجائزة
    وفوجئت بانه لم يعطى اي جائزة حتى شككت انه قدم او لم يقدم.
    مشكلة شاب مثل محمد مختار في حوش الادب السوداني او غابة الادب السوداني ان شئت
    تحتاج لعلاقات عامة وتشبيك وحزب يلمعك وفرقة حسب الله من الاصحاب
    ابان حلاقيم .. الموهية الحقيقية في السودان هي موهبة العلاقات العامة
    التي لا يجيدها اديب مثل محمد مختار اوحافظ حسن او منعم الجزولي
    ولذلك لن ياتي اليوم الذي نرى اي جائزة تعطى لهم او اي جهة تعمل
    ندوة مناقشة اعمال الاديب فلان. يترص ليها نقاد نص كم ولكن اصحاب كاملو الدسم
    يتحدثون عن عمل ادبي بصورة تظن ان من كتبه عبقري من عباقرة القصة
    نقد انطباعي غير موضوعي.
    يرفع من يشاء ويحط من يشاء

    (عدل بواسطة د.نجاة محمود on 06-01-2011, 03:42 PM)

                  

06-01-2011, 03:44 PM

د.نجاة محمود


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حاتم الياس وجائزة الطيب والمنح الايدلوجي والعلاقات العامة (Re: د.نجاة محمود)

    ندي القارئ بصة على عوالم محمد مختار وننتظر رده بشأن نشرها كلها ام
    ثم اتمنى ان نحضر القصص الفائزة وندي الجمهور حق التصويت

    Quote: بسم الله الرحمن الرحيم


    روايــة
    أغْصَانُ الشَجَرِ المُتْعَب

    محـمد مـختـار







    1

    فَتَحَتْ مُتَثاقِلَةً عيناها. أيقظها صوت طيور القماري التي حَطَّتْ على فناء المنزل. ظلَّتْ لوهلةٍ برقدتها تلك، تَطْرُدُ عن جسدها بواقي نعاسٍ قديم. ما زالت الشمس غائبة، تدفع ظلام الدنيا أمامها قبل أن تظهر من جديد. اليوم هو الخميس، ثم غداً الجمعة، فيبدأ بعد ذلك إسبوعٌ جديد. السماء صافية، سيكون الجو ناراً عند الظهيرة في المدرسة، تماماً كالأمس. لا بد وأن أكياس الداردمة (الآيسكريم) التي وضعتها البارحة في الثلاجة قد تَجَمَّدَتْ الآن. قالت ذلك في نفسها. طيور القماري تأكل من فُتَاتٍ كان على الأرض. لا بد أن تزيد من السكر. وعدها صاحب الدكان، عبد الجليل، بخمسة عشر كيلوات من السكر. كانت تُحَادِثُ نفسها بأن كمية السكر تلك لن تكفيها حتى لثلاثة أيام. قد ذهبت قبل الأمس إلى السوق الكبير وأحضرت كميةً كبيرةً من الأكياس الفارغة، وكميةً أخرى من (الكركدي)، والقليل من (العرديب)، الذي وجدته رخيصاً عندها. كمية الأكياس هذه ستكفيها لإسبوعين على الأقل. سَمِعَتْ أنين سريرها الخشبي القديم (العنقريب) عندما هَمَّتْ بالإنقلاب على ظهرها. كان يئنَّ حتى وهي ساكنة. يزدادا أنيناً مع الأيام. إنقطعت الكهرباء ليلاً زُهَاء الساعتين، لكنها لن تؤثر على أكياس الداردمة التي في الثلاجة. نظرت إلى أعواد السعف وأطراف (القنا) والخشب القديم الذي تدلى من سقف الراكوبة (المظلة الكبيرة). كانت تَئنُّ أيضاً كلما هَبَّتْ الريح، أمَّا الآن، فنسمةٌ عابرةٌ تكفي لسماع مآسيهما. أخبرت جارها عوض الله أنَّ راكوبتها سَتَخِرُّ على رأسها في يومٍ من الأيام، فوعدها أن يأتي لترميمها قريبا. قد جَهَّزها لها أبو حسن قديماً وسط الفناء الواسع لتقيها شمس النهار؛ فكانت تطهو تحتها الطعام، وتجلس هناك للراحة أثناء الظهيرة، وتستضيف النساء عصراً تحتها لشرب الشاي والقهوة. حتى عند مجيئ أبو حسن من الورشة، كانت تَرُشُّ أرضها بماءٍ خفيف، وتُخْرِج السرائر هناك، ويجلسونَ ويتحدثون. كان النسيم في تلك الأيام يَهُبُّ تحتها عليلا. أصبحت الآن تجلس تحتها أغلب الأوقات، حتى أنها لا تنام في الغرفة الوحيدة إلَّا إذا لسعتها برودة الليل. رفعت سعاد نصفها العلوي وقَعَدَتْ. تدلَّت أرجلها لِتُلامِسَ الأرض القريبة. قفزت طيور القماري عنها قليلاً ثم عادت بعد حينٍ تُنَقِّبُ عن الفتات أمامها. فَرِحَتْ فجأةً عندما تذكرت أنَّ خالها علي سيخرجُ من المستشفى اليوم، بعد أن أُزيلت له الزائدة الدودية. خالها علي سيقضي سبعة أيامٍ معها في المنزل للراحة كما أمره الطبيب. هي تعلم أيضاً أن أفراد الأسرة كلهم آتون للسلام عليه؛ لذلك غَسَلَتْ الملاءات الجديدة وكَوَتْهَا منذ البارحة لتفرشها فوق السرائر. غَسَلَتْ كذلك الأواني منذ ليل البارحة. نساء الأسرة القريبات منها كُنَّ قد وعَدْنَها بأن يأتين باكراً ليساعدنها قبل أن يصل البقية لكنها تعلم أنهنَّ دوماًَ ما يأتين متأخرات بعد أن يَصِلَ الكثير من أفراد الأسرة. بحثت بقدميها عن حذائها البلاستيكي المُهَلْهَلْ. لَبِسَتْهُ ووقفت على قدميها. ذَهَبَتْ إلى الماسورة في الجانب الآخر من حوش المنزل وهي تأمل أن تجد ماءً يتدفق منها. تركت خلفها أشياءً كثيرةً ورحلت. فتحت الصنبور لِيَتَقَطَّرَ الماء مُتَلاصِقاً، يَصْحَبُهُ صفيرٌ غاضب. أغلقته وحمدت الله، ثم مَدَّت يدها إلى خُرْمٍ أعلى الجدار الذي ظلَّ يتمزق شيئاً فشيئا. أخرجت فرشاة أسنانٍ صغيرة وعبوة معجونٍ شبه فارغة، وعصرتها بقوةٍ حتى خرج منها أخيراً ما ملأ سطح الفرشاة. إسْتاكِتْ، وفتحت الماء ليتدفق ويغسل، لكنه لم يَغْسِلْ إلَّا القليل. توضأت وعادت إلى راكوبتها. حملت برَّاد الشاي العتيق الذي إسْوَدَّ مع الأيام، بعد أن وضعت فيه القليل من الشاي وكوب ماء. إتجهت إلى مَوْقَدِها (كانونها) الصغير المُتَهالِكْ. أفرغت عنه رماداً كان بالأمس، وبقايا أوراقٍ لم تحترق، وقطعٌ من الكرتون بَقِيَتْ سالمة. أشعلت النار في جوفه بعد أن وضعت عليه القليل من الفحم. وضعت بَرَّادَ الشاي وسط الجمر المُلْتَهِبْ. تَرَكَتْهُ لمصيره، وعادت إلى عنقريبها، وقَعَدَتْ هناك تُصَلِّي.

    حاولتْ إقناعهم أن هذا لم يكن حُلُمَا. أخبرتهم مراراً أنها حقيقة. لم يُصَدِّقَها أحدٌ في ذلك الحين، ربما لأنها كانت صغيرة. جدتها العجوز هي فقط من صَدَّقَها. إستمعت إليها بإهتمام. دوماً تفعل هذا. قد يكون هذا ملاكا، هكذا قالت لها، أو نبي الله الخضر عليه السلام: (دي بُشَارَة يا بت)، لكنها ظَلَّت خائفة. لم تذهب مع خالها بعد ذلك إلى المولد أبداً. ذهبوا بها إلى شيوخٍ فقرأوا عليها. ألبسوها حجاباً ما، لكنهم لم يُقْنِعوها أبداً أنه كان حُلُمَا. كانت ترتاح لجدتها رقية كثيرا. تقضي معها أوقاتاً طويلة، فهي جارتهم لا يفصلها عنهم إلَّا جدارٌ قصير. تنادي عندما تريد شيئا: (يا بت يا سعاد). تُطْلِقُ سعاد حينئذٍ ساقيها وهي ترفع صوتها: (جاية يا حبوبة). تجتاز باب المنزل المفتوح بخطواتٍ سريعةٍ وتدخل أول بابٍ عن يمينها، لِتَجِدَها في ظِلِّ راكوبتها البارد، تجلس على (البنبر) العتيق، تضع أمامها قدراً يغلي على نار كانونها الكبير. تُسْرِعُ سعاد إلى الزير عن يسارها، وتَصْعَدُ بركبتيها على حاملته الصدئة، بعد أن تتناول كوز الماء. تغوص بيدها التي تحمل الكوز النحاسي الكبير في جوف الزير الممتليء؛ لِتُخْرِجُهُ وقد مُلِىءَ بماءٍ باردٍ عذب. (يا بت مش قلت ليك تاني ما تدخلي يدك في الزير كده؟)، تُوَبِّخُها الجَدَّةُ بقولها ذلك، دون أن تلتفت عن القدر. تَقَفُ الجَدَّةُ على قدميها بشيءٍ من الصعوبة: (هاكِ جيبي لي ماجي من الدكان)، وتَتَّجِهُ إلى المَخَدَّة. تكون سعاد قد نَزَلَتْ وفي يدها كوز الماء البارد، تشرب منه جرعتين، ثم تَصُبُّ ما تبقى منه فوق شتلة الجوافة الصغيرة بجانب الجدار. تسرع إلى جدتها فتخطف من يدها النقود، فتستديرنحو الباب مُسْرِعة: (واشتري بالباقي حلاوة). تصيح الجَدَّةُ وقد إسْتَوَتْ على بنبرها من جديد: (جَرِي). ثم أخذها خالها علي معه إلى قرية (أُمْ ضَوَّاً بانْ)، كعادته كل عام. كانت تستمتع هناك بالمولد، بدقات الطبول والتمايل على ألحان المديح والذكر، بذبح الخراف والإبل. يشتري لها خالها قصب السكر وحلاوة مولد. إختارتها هذه المرة على شكل فرس. لم تأكل منها شيئا، بل أرادت الإحتفاظ بها. فعلت ذلك السنة الماضية، لكن السفينة وقعت وتَحَطَّمَتْ بعد إسبوعٍ كامل. حَزِنَتْ كثيرا حينها، ثم إسْتَمْتَعَتْ بطعمها اللذيذ. هبط الليل. خالها يجلس مع مجموعةٍ من رفاقه الصوفية، يحملون الطبول في أيديهم، يُرَدَّدُون بِتَنَاغُمٍ خلف شابٍ صغيرٍ ذي صوتٍ جهوريٍّ طروب كلماتٍ لا تَفْقَهُ منها شيئا. يتوقفونَ بين الحين والآخر لِيَذْكُرُوا الله ويُصَلُّوا على النبي صلى الله عليه وسلم. يجلسونَ في مَصْطَبَةٍ بُنِيَتْ عند حائط إحد المساجد، ضريحُ شيخٍ جليل. وهي ليست ببعيدةٍ عنهم، تستلقي وقد وضعت عمامة خالها الكبيرة تحت رأسها. ما زالت جموع الناس تتدفق. بدأ نعاسٌ يتناثر على جفونها. طوال النهار ظَلَّتْ تلعب وتركض مع الصغار. وضعت فرسها على مقربةٍ منها، تراقب عيناها المتعبتان خالها وجماعته الصوفية، تنقلهما إلى طفلٍ وقع وهو يجري وسط الساحة المليئة. تراقبه، بضحكةٍ صغيرةٍ، وهو يقوم مُغَبَّراً عن الأرض. أحَسَّتْ بيدٍ تمسح رأسها، إلتفتت إلى الخلف، وجدت رجلاً عجوزاً تطفو الطيبة على وجهه، كَسَتْهُ إبتسامةٌ حنون، غطَّت وجهه لحيةٌ بيضاء كَثَّة. لم يتكلم معها. ظَلَّتْ هي تنظر إليه. رفع عباءته الخضراء السميكة، وغطَّاها من رأسها وحتى قدميها. كانت تنبعث منها رائحةٌ كالبخور، فهجم عليها نعاسٌ قوي. لم تعلم كم من المدة قد مرَّت عليها وهي نائمة. رفعت الغطاء عنها بسرعة. وجدت نفسها في ذلك المكان وحيدة. وقفت على قدميها مذهولة. لم يكن هناك أحدٌ حولها على الإطلاق، يخيم المكان صمتٌ رهيب. وجدت فرسها على الأرض بالقرب منها. حملتها، وقد أصابها خوفٌ شديد. نزلت من تلك المصطبة وسارت هائمةً على وجهها. سارت وسط بيوتٍ صامتة. تجد من حينٍ إلى آخر قبةَ شيخٍ مضيئة، تدخلها فلا تجد أحدا. سارت في طريقٍ غريب. قلبها يرتعش خوفاً ورهبة. وصلت إلى ساحة المولد الكبيرة. كانت الأنوار معلقةً في السماء، وفوق أسطح البيوت البعيدة. تتناثر الطاولات ملآى بالحلوى والألعاب الصغيرة. هناك طاولاتٌ عليها أعواد قصب السكر، وحلاوة مولد بأشكالها الجميلة، والمكان خالٍ من البشر. كانت تسير وهي تَضُمُّ فرسها بين ذراعيها، ترتعش دمعةٌ خائفةٌ في عينها. وجدت قبةً بيضاء كبيرة، ينطلق من قمتها ضوءٌ لامعٌ ليعانق عنان السماء. إتجهت إلى هناك بخطىً مبعثرة لاهثة. أطَلَّتْ برأسها داخل القبة. وجدت في صدر المكان رجلا ًكهلاً يجلس متربعاً على الأرض. أسرعت إليه فرفع رأسه ينظر إليها. كان هو ذلك الشيخ، نفسه، الذي غطَّاها بعباءته هناك. كان بنفس نظرته الحنون وإبتسامته، يلفُّ بعمامةٍ صغيرةٍ بيضاء رأسه. كان يحمل مصحفاً في يده، يضع عن يمينه عكازةً غليظة. أغلق المصحف في حمَّالته الخشبية ووضعهما بجانبه. أشار لها بالإقتراب: (تعالي يا سعاد). إتجهت إليه دون تَرَدُّدْ، فأجلسها بين يديه. أحَسَّتْ براحةٍ كبيرةٍ تغمرها، بطمأنينةٍ تتدفق في قلبها الصغير. أرقدها بجانبه على السجادة. أخرج عباءته الخضراء من خلفه وغطَّاها من جديد. رفعت العباءة حتى ذقنها. شعرت بدفءٍ يسري في كامل جسدها. سمعته، بصوتٍ حنون، قبل أن تغيب عن الوعي من جديد: (خليها يا سعاد وما تخافي... خليها والدرب طويل).

    أسرعت إلى بَرَّاد الشاي فوق الكانون، وقد إنْكَفَأ غطاؤه على الجنب. رفعته عن النار بقطعة قماشٍ بالية، وقد تعالى منه البخار. صَبَّتْ الشاي في كوبها الزجاجي الكبير، وجلست على السرير تشربه، وهي شاردة. حادثها إبنها عمر قبل إسبوعين لأول مرةٍ منذ أن غادر. ما زالت تُصيبُها نشوةٌ كلما تذكرت ذلك. أخبرها أنه قادمٌ في القريب العاجل. لطالما تمنت أن تراه قبل أن تَصْعَدَ الروح إلى بارئها. أما حسن، فلم يُحادِثها منذ وقتٍ طويل، ربما لانقطاع الهاتف عند (ناس عوض الله)، لكنه قد أرسل خطابا يُخبِرُها فيه أنه عائدٌ في القريب أيضا، وقد شارف على إنهاء دراسته. لقد غادرهم صغيراً في الثامنة عشر من عمره، وأتمَّ الآن في غيابه ثمان سنوات. كان هو أكثرهم غيابا. أمَّا عمر، فقد غادر وهو في التاسعة عشر من عمره، وإمْتَدَّ غيابه لستِ سنواتٍ كاملة. أمَّا إبنتها الوحيدة منى، فلم تَصِلْها أخبارها منذ وفاة أبو حسن. كان ذلك منذ خمس سنوات. ما زالت تذكرُ حين حادثتها في الهاتف، وكيف كان صوتها يومئذٍ واهيا. أحَسَّ قلبها أن منى ليست على ما يرام، حيث ظَلَّتْ تبكي على الهاتف لزمنٍ طويل. تبكي وتَشْهَقُ بالبكاء، ولم تَتَكَلَّمْ إلَّا قليلا. حاولوا إقناعها أنه الحزن على وفاة والدها، لكنها كانت تعلم أن ما خَفَيَّ عنها كان أعْظَمْ. ظَلَّتْ تلك الحرقة في قلبها تأتي كلما فَكَّرَتْ بأنهم قد تَسَرَّعوا في تَزْويجِهُا من سيد، فهي قد كانت في ذلك الوقت صغيرةً في السابعة عشر، ولم يَبْدُ لها سيد بالرجل السوي، لكنها أخفت ذاك الإحساس عنهم بعد أن وافق الجميع. أخفت إحساسها ذاك حتى عن إبنتها منى، ثم باتت تلومُ نفسها بعد ذلك كثيرا. تسأل المولى، في دعائها، أن يجعلَ لإبنتها منى مخرجاً من كل ضيق، ويُيَسِّرَ لها كل عسير. حتى أهل سيد لم يكونوا على عِلْمٍ بأحوال إبنهم في السعودية، ولم يجدوا لإبنتها طريقاً منذ ذاك الحين. أمَّا إبنها أحمد، توأم منى، فقد كان هو آخر الراحلين. أمسكت به الشرطة قبل عامين، وقد كان طالباً في أواخر سنته الجامعية الأولى آنذاك، ولم يجدوا له طريقاً بعد ذلك. كان خالها علي يحاول جاهداً، هو وإبنه عبد الرحمن، أن يَصِلا إليه ولكن دون جدوى. أخبرهم أحد الضُبَّاط الكبار، في آخر مرة، أن يَكُفُّوا عن محاولات إيجاده؛ فهؤلاء المعتقلون السياسيون لا سبيل لأحدٍ معرفةَ مصيرهم إلَّا جهات الدولة العليا، وأوصاهم بالدعاء أن يَفُكَّ الله أسره. أمَّا بلال، أصغر أبنائها، فكان أكثرهم تمزيقا لقلبها. لم يكن قد تجاوز الخامسة عشر حين إختفى. كان ذلك بعد وفاة والده بأسابيع قلائل. لم يتركوا مكاناً إلَّا وبحثوا فيه، وإمْتَدَّ غيابهُ الآن خمس سنواتٍ كاملة. كان أكثرهم لدموعها باعثا؛ فكم يَسْهُلُ عليها البكاء كلما تَذَكَّرَتْهُ. أتاها أبو حسن أيضاً في خيالها حيناً من الزمن. رأتْهُ، وقد كان يُحِبُّ الشاي بالحليب كثيرا. تَنَهَّدَتْ وفي عينيها نظرةٌ ذاهلة. قالت بصوتٍ حنونٍ مُرَنَّم: (يا... حليلك يا أبو حسن).

    (الأولاد ناموا يا سعاد؟) كان يجلس على سريره داخل الغرفة، مُدَلِّيا رجليه إلى الأرض القريبة. وضعت هي الشمعة بحذرٍ فوق الطاولة، وهي تقول أنهم ما زالوا يتحدثون، لكنهم يستلقون على أسِرَّتِهم في الحوش. أخذت تَتَفَحَّصُ علبة الدواء في يدها على ضوء الشمعة الخافت: (أسامة جا قبيل سأل منك وانت نايم). قال، وقد شَدَّتْ إنتباهه فجأة: (متين الكلام ده؟)، أجابته بلا مبالاة: (بعد المغرب بشوية). حَكَّ مؤخرة رأسه بشيءٍ من الحيرة وهو يقول: (أن شاء الله يكونوا انتهوا من دواليب المدرسة دي). بدأت تَصُبُّ الدواء في الملعقة الصغيرة، فأخبرها أن موعد التسليم سيكون بعد غد: (الليلة السبت). إقتربت بملعقة الدواء، وأودعتها بلطفٍ فاهه: (بالشفا إن شاء الله). ناولته كوب الماء، فشرب منه جرعتين، ثم أعطاه لها، فوضعته فوق الطاولة قرب علبة الدواء. قالت وهي تَشُدُّ ملاءة سريره إلى الحافة: (أسوي ليك كباية شاي؟). تساءل، وقد جاءت من الشُبَّاك نسمةٌ باردة: (في لبن؟)، قالت بتهور: (أيوة في... أسوي ليك شاي بلبن؟)، أجابها، وهو يبحث عن طاقيته البيضاء المُخَّرَّمة تحت الوسادة: (لو في طريقة سوي لينا لبن مَقَنَّنْ). قال بصوتٍ رَفَعَهُ عندما وصلت إلى الباب خارجة: (جيبي الكانون هنا). كان الجو بارداً في الحوش، والسماء تجوبها قطعٌ من السحاب داكنة. تختفي تلك النجوم عن صفحتها ساعةً، ثم تعود فتظهر من جديد. البدر كان منيراً في جوفها وهم يتحدثون. نسائم الهواء الباردة كانت تَهُبُّ من الشباك كل حينٍ؛ فيتراقص لهب الشمعة، وتُوشِكُ حينئذٍ أن تنطفيء. تجلس سعاد وقد وضعت الحليب في الإناء المخصص له، ووضعت ذاك الإناء فوق الكانون المُتَّقِدْ: (الكهربا قاطعة من المغرب) قالت ذلك وهي تنظر من الشباك الكبير إلى الأولاد الراقدين. (بلال الليلة مشا الورشة؟)، فأجابته بأنَّهُ قد ذهب لكنه عاد باكراً في المساء: (قال داير يعمل عربية جديدة من الصباح)، قالت ذلك وهي تبتسم، وتَصُبُّ الحليب في الكوب، بعد أن غلى وتصاعد في ذاك الإناء. (كَسَّر عربيته القديمة؟). ناولته كوب الحليب الممتلىء، وقالت أنها لم تَتَكَسَرْ، لكنه يريد عربةً أكبر. تناول شربةً من الحليب وقد كان طعمه جيداً، لكنه خالٍ من السكر. قال، وقد عمَّتْ رائحة الحليب المحروق أرجاء المكان: (عمه عبد الدائم ده فاضي وما عنده موضوع). سألها من جديد: (اللبن ده حق شاي الصباح بكرة؟)، أجابته بالنفي سريعاً، وقد إرتبكت، وقالت: (ده الباقي من العصر). أخذ يشرب من كوبه في هدوء الليل. ترتجف يده برعشةٍ صغيرةٍ كلما رفع كوب الحليب إليه. تراه الآن وقد أعياه مرض السكر. تصيبه نوبات المرض، فتُلْزِمُهُ الفراش لأيامٍ طوال، لكنه يعود إلى طبيعته، ويخرج إلى الورشة بعد مدةٍ من الزمن. دخل بلال وهو يجري، ويقول بأنه هو أيضا يريد كوباً من الحليب. دعاه أبوه وناوله الكوب، فإرتشف منه رشفةً، ثم أرجع الكوب إلى والده وقال بأنه (حار). أسرعت سعاد تقول: (تعال هاك... حقي أنا بارد). تناول منها الكوب وعاد يجلس بجانب أبيه. (صلِّيت العشاء ولا لسه؟)، فأجاب والده بأنه قد صلى العشاء في المسجد القريب. مسح أبوه على رأسه وهو يخاطب سعاد: (أنا ما صليت العشاء لحدي أسي). نام الأولاد في أسِرَّتِهِمْ، وإختفت أصواتهم، وقد حَلَّ السكون. ما زالت الكهرباء مقطوعةٌ، ونامت سعاد، فأطفأ أبو حسن تلك الشمعة. أطفأ أيضاً بواقي الجمر فوق الكانون برَشَّةٍ من الكوب الذي كان في الطاولة قرب علبة الدواء. توضأ وصلَّى العشاء، وما تَيَسَّرَ له بعد ذلك. ونام بلال في سرير والده، وما زال النسيم يَدْخُلُ عليلاً من الشباك الكبير المفتوح.

    وضعت كوب الشاي فارغاً على الأرض، قُرْبَ رِجْلِ سريرها المُتَهالِكْ، تكسوها إبتسامةٌ ما. بصوتٍ هزيلٍ بعيد، قالت: (الله يرحمك يا أبو حسن). مسحت عينيها بطرف ثوبها، ثم قامت وأحضرت أدوات الداردمة، لتُعَبِّيءَ الأكياس. إناءان كبيران، أحدهما قد مُلِىءَ بعصير الكركدي، والآخر بعصير العرديب، كوزٌ صغيرٌ من النحاس، وأكياس البلاستيك الصغيرة، التي تَتَخِذُ شكل الأصابع الطويلة حين تُمْلأُ بالعصير، وأخيرا الحَلَّة الكبيرة، التي تضع فيها الأكياس بعد أن تمتلىء. جلست، وما زال هناك وقتٌ كافٍ قبل أن يُدَقَّ جرس الفسحة في مدرسة الأولاد الإبتدائية القريبة. تملأ الكوز من العصير، ثم تأخذ كيساً جديداً من الأكياس بجانبها. تفتح فم الكيس كبيراً، وتُمْسِكُهُ بيسراها، ثم تتناول الكوز الممتلىء بيمناها، ثم تَصُبُّ منه داخل الكيس حتى يمتلىء. تعقده عقدةً صغيرة، وتتفحصه أن كان مثقوباً يَتَسرَّبُ العصير منه. تضعه في الحَلَّة الكبيرة بجانب قدميها، ثم تحمل كيساً آخراً لتملأه. تأخذ الحَلَّة الممتلئة، بعد ذلك، إلى الثلاجة وتضعها هناك لِتَتَجَمَّدْ الأكياس. يكون ما تركته بالأمس مساءً قد تَجَمَّدَ، فتخرجه في الحافظة، وتذهب به إلى المدرسة القريبة لتبيع الدارمة للتلاميذ في الفسحة. هكذا أصبحت حياة سعاد منذ سنين. أحياناً، عندما تكون الأمور جيدة، تصنع داردمة بالحليب. يحِبُّها الصغار كثيراً عندئذ. يحبونها أيضا عندما تكون من المنجا. تأتي بالمنجا والجوافة، فتصنع عصيراً، فتُعَبِّئُهُ في الأكياس. داردمة المنجا دوماً ما تنفد أولا. أحياناً تذهب إلى المدرسة المتوسطة البعيدة، عندما تتأخر في الخروج من المنزل ويفوتها زمن الفسحة. تذهب أيضاً إلى مدرسة البنات في طرف الحي. يكون البيع جيداً كلما ذهبت هناك. تنفدُ أكياس الداردمة كلها، مهما كانت كثيرة العدد، عندما تبيع في مدرسة البنات البعيدة في طرف الحي، لكنها لم تكن تذهب هناك إلَّا قليلا، فالحافظة تكون عليها ثقيلة الحمل حتى تَصِلْ. أمَّا يوم الجمعة، فتأخذ حافظتها الممتلئة إلى السوق الكبير، الذي لم يكن بعيداً جداً عن المنزل. هذا إن لم يأتيها خالها علي، أو أحدٌ من أفراد الأسرة، أو إن لم تذهب هي لزيارة أحدهم. تَتَّخِذُ لها مكاناً تحت شجرةٍ في السوق. تجلسُ هناك قبل صلاة الجمعة بساعةٍ تقريبا. تذهب للصلاة في ساحة النساء في المسجد القريب، ثم تواصل جلستها حتى تفرغ الحافظة. يكون ذلك قرب صلاة العصر. أحياناً، عندما يُصيبُها التعب تحت شمس الظهيرة، تجلس حتى تبيع القليل؛ فَيَخِفَّ حمل الحافظة عليها قليلا، ثم تحملها عائدةً إلى الدار. كان التلاميذ يُحِبُّونها كثيراً، والصغار منهم على الأخص. حتى أساتذة المدرسة يعرفونها. أستاذ صبري، أستاذ الحساب، لا يذهب إلى منزله إلَّا بعد أن يشتري منها. يأتيها بصوته الجهوري الضاحك: (المنجا خِلْصَتْ يا خالة سعاد؟). بعضهم يأخذ منها بالدين حتى نهاية الشهر. كان أستاذ العلوم، أنس، مرحاً خفيف الظل، نحيلاً، تَدَلَّتْ نظارته على أنفه. على مَسْمَعٍ من الأساتذة المُتَجَمِّعينَ في الجوار، يقول رافعا صوته، وهو يمسك بكيساً من الداردمة، ليُسْمِعَ سعاد: (الداردمة زاتها عملوها ليكم بالبلح). مع أن هناك الكثير من البائعات الأخريات، إلَّا أنها تَمَيَّزَتْ عنهنَّ بطيبتها، كما هي دوماً. تُعْطي من ليس معه نقودٍ إلى أجلٍ غير مسمى، وأحياناً تُوَزِّعُ ما تبقى دون مقابل. حتى في أيام الإجازة، كان الصغار يتهافتونَ عليها في المنزل. يدفعونَ الباب الخشبي ويدخلون ليشتروا. يكون المكسب في بعض الأحيان جيداً جدا، حتى أنها إسْتَبْدَلَتْ ثلاجتها القديمة بأخرى جديدةٍ في يومٍ من الأيام. إحْتَشَدَتْ طيور القماري تَلْقُطُ ما عَلِقَ أمامها. جَرَّتْ كيساً من الحبوب، تحت العنقريب حيث تجلس. رَشَّتْ القليل منه على الأرض لتتجمع الطيور هناك. أنْهَتْ مجموعةً لا بأس بها من أكياس الداردمة. ما زال الوقت مبكراً على الفسحة في المدرسة. كان سجع القماري هذا حنوناً يُرِيحُها. لم يكن هناك شيءٌ في الدنيا يُؤثِّرُ فيها أكثر من هذا الصوت. لطالما ذَكَّرها بأيامٍ خلت، لطالما أبحر بها في عالمٍ آخر، عالمٍ قديمٍ بعيد.

    *************
                  

06-01-2011, 03:52 PM

د.نجاة محمود


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حاتم الياس وجائزة الطيب والمنح الايدلوجي والعلاقات العامة (Re: د.نجاة محمود)

    حاتم إلياس و مازن مصطفي ناقدان من طراز فريد!

    بعد فتحت هذاالبوست لفت نظري احدهم لهذا البوست
    وعرفت في السودان يحتاج الناقد عضلات تبش و لسان فلقة حتى يرد ويدحر المنقودين
    حينما لا يعجبهم النقد..
    ولذلك يبقى النقد من المهن القاتلة

    الموضوع دا ذكرني حروب الرابار من الويست كوست والايست كوست

                  

06-01-2011, 04:19 PM

د.نجاة محمود


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حاتم الياس وجائزة الطيب والمنح الايدلوجي والعلاقات العامة (Re: د.نجاة محمود)

    Quote: طاف بخاطرى " ماكسيم غوركى " وكل السابقين والتابعين باحسان يا طه ..
    ليس لى أن أحاكم ما قال به حاتم الياس ولسبب بسيط جدا .. انا لم أقرأ فركه ولكن ..
    " علنيه الاهواء الايدولجيه" مالها؟!
    وما الذى تخصمه من " الادب " بالتحديد ..

    حبيت ارد على المشرف في بوست طه جعفر

    الادب المؤدلج ادب يفقد النكهة الادبية(وجهة نظري الخاصة)
    ووهذه النقاشات دارت كثير في اروقة الادب

    تحت قضية الالزام والالتزام في الادب
    و يمكن تقوقل هذا الموضوع وستجد الاف الكتابات عنه

    اقوليك الاهواء الايدولوجية مالها
    الادب هو شكل جمالي اذا احضر المؤدلج شخصية وبدا يستخدم هذه الشخصية ليبثنا
    افكاره الخاصة جدا التي قد تكون غير صحيحة تأريخيا وحدثيا وقد تكون افكار سايكوباتية
    ..
    ولكن يريد ان يتحدث من خلالها لنا يبقى كتابات تراجي عن الجلابة والهامش كتابات ابداعية
    في فرق كبير بين الكتابات الابداعية والايدلوجية العاملة ابداعية

    مااي موضوع يتكلم عن حاجات يقال انها مسكوت عنها بيكون رواية
                  

06-02-2011, 00:49 AM

د.نجاة محمود


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حاتم الياس وجائزة الطيب والمنح الايدلوجي والعلاقات العامة (Re: د.نجاة محمود)

    في الالتزام بايدلوجية محددة
    ايضا يجب ان يكون هناك صدق فني لي الشخصيات
    ما ممكن مثلا اجيب زول في رواية ما درس ولا حضر القرن الواحد وعشرين يتكلم عن

    حاجات انتلكشوال وكأنه بقرأ في سوداينزاولاين ولا صحف والستنق حق الرواية في القرن
    الثامن عشر
    اي شخصية لازم تتحرك في اطارها الاجتماعي والتأريخي
    والا فقدت القصة مقوماتها كعمل ابداعي..

    زمان قريت قصة عن عاهرات بيتكلمن عن الوجودية
    ودي بتوريك انه دا لسان حال الكاتب وليس الشخصية الابداعية
                  

06-02-2011, 01:32 AM

د.نجاة محمود


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حاتم الياس وجائزة الطيب والمنح الايدلوجي والعلاقات العامة (Re: د.نجاة محمود)

    كتب محمد سعيد

    Quote: حاتم الياس
    الرؤية الايديولوجية
    تحكم كل ما يكتب


    فتلقف طه جعر القفاز ورد

    Quote:
    الاستاذ محمد سيد احمد
    شكرا علي المرور و التعليق
    لم اقرأ شيئا لحاتم الياس غير ما كتبه عني بالاسم حول رواية كان حاضرا في الندوة القراءة التي اعدها مركز عبد الكريم ميرغني لها و اختار ان يصمت ثم يكتب هناك في سودانفورال.
    و يبدو ان لكم خبرة فيما يكتب
    بذلك يكون كل اناء بما فيه ينضح

    طه جعفر


    المضحك ان الاناء الذي ينضح بما فيه هو ذات الاناء لطه جعفر

    والمحضك اكثر ربما طه افتكر حاتم كوز كمان...

    ما كتبه حاتم كتابة محكمة وثرة جدا وقد عرض فكرته كاملة

    ولكن هناك مشكلة كبيرة في النقد في السودان
    نحتاج ان نقوم بعمل ورش لكتاب حتى يفهموا ان النقد لا يعني النبيشة
    بل يعني التقويم ..

    ما مضحكاني الى الحنبكة دي
                  

06-08-2011, 05:36 AM

د.نجاة محمود


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حاتم الياس وجائزة الطيب والمنح الايدلوجي والعلاقات العامة (Re: د.نجاة محمود)

    التحية لحاتم الياس
    الذي هو نموذجا حيا للمؤدلج حين يقول لا
    يتنكر حطب

    طلعت كوز يا صاحبي عشان كتبت وجهة نظرك في راوية؟

    عجب عجاب
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de