المثقف والعصاب الأيديولوجي

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-12-2024, 06:19 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2011م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-27-2011, 06:30 PM

عزالدين صغيرون

تاريخ التسجيل: 11-20-2009
مجموع المشاركات: 459

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
المثقف والعصاب الأيديولوجي

    في الأصل كان هذا تتمة لحلقات نشرت خلال الأسسابيع الماضية بصحيفة الأخبار الغراء
    وقد نشر منها سبع حلقات من عشر ، حاولت أن أرصد فيها مشكلة تواجه دائما المفكر العربي بشكل عام ، والسوداني خاصة
    وةقد اتخذت من الدكتور الفاضل عبد الوهاب الأفندي نموذجا ..
    لا لسبب سوى أنه يعتبر (أو على الأقل من وجهة نظر شخصية) من أصدق الكتّاب تعبيرا عن قناعاته
    وأكثرهم موضوعية ،
    ومن يطالع كتاباته الأخيرة التي أعلن فيها مواقفه الواضحة من الثورات العربية وتسلط الأنظمة العربية
    يدرك أن الأفندي يتميز بمرونة فكرية في مواقفه الفكرية السياسية قل أن يوجد لها مثيل بين كتابنا
    الا أنه لم يسلم من لعنة داء العصاب الأيديولوجي التي تسكن عقل المثقف السياسي والاجتماعي .
    ولما توقفت الأخبار (لأسباب لا أعلمها ) عن مواصلة نشر الثلاث حلقات الأخيرة ، فقد رأيت من واجبي ، ومن حق كل من يهمه الأمر نشرها هنا
    فهل يعذرني الأصدقاء جميعا ، من نتفق ، ومن نختلف في رؤانا وتصوراتنا .. على الاطالة
    رغم علمنا بأن المنبر ليس هو المكان المناسب ، أو دعنا نقول الأنسب ، لمثل هذا النوع من الكتابات المطولة ؟!.
                  

05-27-2011, 06:52 PM

عزالدين صغيرون

تاريخ التسجيل: 11-20-2009
مجموع المشاركات: 459

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المثقف والعصاب الأيديولوجي (Re: عزالدين صغيرون)


    [red ]المثقف وعقدة العصاب الأيديولوجي القهري (8/10)
    (العقل المؤدلج ..وعبثا يطارد ذيله )
    [/red

    عند حائط الأيديولوجيا يقف العقل المؤدلج حائرا عاجزا ، ولا يجد أمامه سوى أن يستدير على عقبيه محاولا العثور ، عبثا ، على مخرج – ولكن أيضا – عبر المخرج الأيديولوجي نفسه ، الأمر الذي يجعله يدور حول نفسه بلا جدوى !.
    يفعل المصاب بداء العصاب الأيديولوجي في حيرته المرتبكة هذي ما فعله (ديك عثمان) !.
    الديك الذي يخص جيراننا قفز عبر الحائط الذي يفصل بين بيتنا وبيت الجيران ، وكان شقيقي عثمان يتأهب للمغادرة إلى العمل ريثما ينتهي من كوب الشاي ، كان يجلس على مقعد يواجه الحائط عندما قفز الديك وأخذ ، شأن كل الديوك ، يبعثر التراب عله يجد شيئا يأكله ، ولما أراد العودة للبيت المجاور حيث يسكن ، اختار أن يعبر إلى مسكنه عبر فتحة في الحائط أظنها فتحت لتصريف مياه الأمطار ، وقف الديك غير بعيد عن الفتحة وهو يحدق بتركيز، ثم ركض نحوها ، ولما لم يتبقى بينه وبينها مقدار قدم أو ( ) بوصة توقف بقوة محدثا غبارا مزعجا ، ثم أخذ يكرر محاولته للعبور معتمدا على نفس الإستراتيجية ، أي أن يزيد من مسافة ابتعاده عن الحفرة كل مرة ، ثم يقف ويمد عنقه للأمام وكأنه يقيس المسافة ، وبعد أن يتأكد منها يركض بكل قوة ، ليتوقف بعنف ما أن يصل إلى الفتحة وقبل أن يحشر نفسه أو يصطدم بها ، وظل صاحبنا يكرر هذه العملية العبثية إلى أن وصل إلى حيث يجلس عثمان في منتصف الحوش ، فالتقطه هذا بقوة وغضب ، وقال يخاطبه وهو يحمله بيده قبل أن يقذف به من فوق سور الحائط (بليد) ، فسألته ما خطبه ؟، فلم يزد أن قال لي وهو حانق بغيظ " هذا أغبى ديك أشاهده في حياتي !" .
    هذا ما أحنق عثمان وأثار سخطه ، إصرار الديك على الخروج عبر هذا المنفذ وحده ، رغم أن محاولاته المتكررة أثبتت له استحالة ذلك !!.
    وهذا بالضبط هو السلوك النمطي للعقل الذي تتحكم فيه ، وتسيطر عليه المنظومة الأيديولوجية ، في عبثية مجهوده للإجابة على أسئلة تبدو في غاية الوضوح ، تجده كال###### في أمثال الانجليز ، يطارد ذيله !.
    حسنا .
    أظننا أسهبنا قليلا في الحديث عن قوى التغيير التي يراهن عليها عبد الوهاب الأفندي ، ونقول أسهبنا قليلا لأن لنا توسع أكثر قليلا في هذا الباب ، في مؤلف سيرى النور بعد حين "في نقد الحزب" .
    ولكن دعنا الآن نلقي نظرة – عاجلة أيضا – على الخطة أو برنامج العمل الذي يقترحه الأفندي لتلعب هذه القوى ، دورها المفترض في حركة التغيير ، والى أي درجة هي فاعلة أو مجدية هذه الخطة لانجاز هذه المهمة .
    ماذا فعل هو شخصيا ؟ ، ما هي المبادرة ، أو المبادرات التي قام بها؟ ، وماذا كانت نتيجتها؟.
    خطة العمل التي يقترحها ، تتمثل في ما طرحه عمليا بتحركه ، الذي ذكره هو ، ولخصناه في بداية حديثنا هذا في الآتي :
    • في الثامن من يناير(2011م) نظم (مركز الجزيرة للدراسات) بالتعاون مع (معهد أبحاث السلام) بجامعة الخرطوم ندوة في الدوحة بعنوان " استفتاء جنوب السودان وتداعياته محليا وعربيا"، شاركت فيها مجموعة من السياسيين والمفكرين السودانيين ، وعلى هامش الندوة دارت نقاشات أخرى بين الحضور، كان من بينها نقاش بين مجموعة من المثقفين السودانيين طرحت فيه فكرة مبادرة تهدف إلى مساهمة فاعلة من قبل المثقفين في معالجة الأزمة.
    • " قبلنا التحدي، وقد قمت شخصياً في نفس ذلك اليوم بإعداد بيان أطلقنا عليه تسمية "نداء الدوحة في التاسع من يناير"، نستنفر فيه كل المثقفين السودانيين بمختلف مشاربهم إلى أداء واجبهم في طرح صيغة توافقية للتغيير في البلاد.
    • "وخلال الشهر الماضي قمنا بطرح البيان على نخبة مختارة من أهل الفكر والرأي بغية التفاكر حول محتواه أولاً، ثم التوافق على صيغته النهائية، ثم إقناع مجموعة تمثل أطياف الفكر المختلفة في البلاد لتبنيه والتوقيع عليه قبل أن يطرح للتوقيع عليه من قبل كل من يقبل. وكنا قد تشاورنا قبل صياغة البيان وبعده مع عدد من ممثلي التيارات السياسية ممن رحبوا بالفكرة وتحمسوا لها.
    • "ولكننا نعلن هنا للأسف أن الاستجابة من قبل العينة المختارة من المثقفين لم تكن بمستوى توقعاتنا، حيث أحجمت الغالبية عن المشاركة. وعليه قررنا صرف النظر عن هذه المبادرة" (20) .
    شيء ما في هذا "الأسلوب" لمقاربة القضايا الوطنية المصيرية الكبرى يثير التساؤل ، بل ويثير الشك حول الغايات والأهداف من المقاربة والمعالجة نفسها من وراء هذا الجهد وإذا أراد الإنسان أن ينأى بنفسه ، ويربأ بها أن تنقب في الضمائر والنوايا ، فان هذا النوع ، أو قل هذا الأسلوب في معالجة القضايا المصيرية الكبرى ، – وليس أكبر وأخطر من أمن واستقرار ووحدة الوطن وأهله – يكشف لك عن خلل خطير في الرؤية والتفكير ، يقود في نتائجه النهائية إلى نفس النتيجة المخيفة التي تحاول تجنبها ، والى المصير الكارثي الذي ينتظر الوطن .
    وهو نفس الأسلوب الذي كشف عنه الدكتور حسن مكي قبل أكثر من عقد ونصف تقريبا في حوار أجراه معه الصحفي النابه صبري الشفيع في مجلة (الملتقي) حيث جرى على لسانه تصوير كيفية تداول شأن السودان عبر مناقشات بين نخبة في التنظيم الاسلاموي في غرف مغلقة ، وقد كتبت وقتها تحليلا لما جاء في الحوار على حلقتين بعنوان "ليس أمام الحصان الوضع الصحيح للعربة" ، وقد نبهت إلى خطورة هذا النهج في تناول الشأن السوداني العام أو البت فيه بهذه الطريقة الماسونية ، وتنبأت بأن هذا الأسلوب سيعود بالسودان القهقرى إلى "مهدية الخليفة" عبد الله التعايشي !.
    والآن ، وفي الربع الأول من القرن الحادي والعشرين ، يحاول الدكتور الأفندي أن يجد حلا لقضية السودان ، التي ما تشابكت وتعقدت خيوطها إلا بسبب هذا الأسلوب في معالجتها ، ليدعو أيضا – وللمرة الكم لا ندري! – نفرا ممن يعرف ضمن دائرة علاقاته العامة والخاصة ، أو " نخبة مختارة من أهل الفكر والرأي بغية التفاكر" ، حول محتوى البيان الذي صاغه ليلة تناقش هو ، و " مجموعة من السياسيين والمفكرين السودانيين ، (تقابلوا في ندوة الجزيرة) وعلى هامش الندوة " .
    مع عميق احترامنا لمن اصطفاهم ليناقش الفكرة ، واحترامنا لمن انتوى إقناعهم ، وهم كما قال " مجموعة تمثل أطياف الفكر المختلفة في البلاد ، لتبنيه والتوقيع عليه قبل أن يطرح للتوقيع عليه من قبل كل من يقبل " ، كما ، ولمن كان قد شاورهم ، " قبل صياغة البيان وبعده ، (وهم ) عدد من ممثلي التيارات السياسية ممن رحبوا بالفكرة وتحمسوا لها " ، مع عميق ما هم جديرون به من الاحترام ، إلا أن السؤال عن هويتهم يبدو لي مهما .
    فمن هم ؟.
    في مثل هذه المواقف يستشير المرء خاصته في المقام الأول ..
    ثم يختار من يعنيهم الأمر في دائرة علاقاته الخاصة ليعرض عليهم ما يفكر فيه ..
    فهل تكفي دائرة علاقات الدكتور عبد الوهاب الأفندي ، وهو من هو ، من حيث توجهه الفكري وموقعه الاجتماعي وانتماءه السياسي ، مما يرشحه لأن يتبوأ مقعده اللائق بين نخبة النخبة ، لتشكيل نواة خلية مؤهلة بالفعل للعب دور ما في هذه المرحلة من تاريخ السودان ، أو على الأقل للعب الدور الذي "يريد" أن يلعبه ، وهو دور يتشرف به المرء على كل حال ، إن لم نقل واجب أخلاقي على كل واحد شرفه الله بنعمة الانتماء للسودان ؟ ، و نحن نطرح هذا السؤال مع يقيننا بنبل الدكتور الفاضل ونبل مقصده وصدق مسعاه ، ولا يريبنا في ذلك ظل شك .

    هوامش
    (20) عبد الوهاب الأفندي ، مستقبل السودان بين سيناريو تونس – مصر وسيناريو الصومال
    http://www.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=8290
    تأريخ الطباعة20 February 2011 at 7:50am



    ]
                  

05-28-2011, 05:07 PM

عزالدين صغيرون

تاريخ التسجيل: 11-20-2009
مجموع المشاركات: 459

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المثقف والعصاب الأيديولوجي (Re: عزالدين صغيرون)

    red المثقف وعقدة العصاب الأيديولوجي القهري (9/10)

    (الثورة المؤجلة والكهنوت السياسي!)

    لا يكفي فيما نظن هذا الشكل من "الكهنوت السياسي" .
    فغير كاف وغير مجد ، خاصة في المرحلة التاريخية الراهنة ، وفي ظل معطيات الواقع السياسي والاجتماعي الذي يعيشه العالم والمنطقة اليوم ، أن تُطبخ الثورات وحركات التغيير الجذرية الكبرى في غرف مغلقة على بضعة مثقفين ، أشبه بالكهنة ، يخططون في عزلتهم الباردة تلك ثورة ، أو خارطة طريق للتغيير ، لجموع "الرعاع" ، الذين يهيمون على وجوههم في الطرقات بذهول ، والمهمومون بالركض لاهثين وراء لقمة العيش ، والسكن ، والعلاج ، والتعليم ، لهم ولعيالهم ، أو الباحثون ، بلا أمل ، عن العمل أو الهجرة ، إذا تعثر العثور عليه .
    فنحن نعيش في عالم جديد وظروف تاريخية جديدة ، تمخض عنهما تغير نوعي في ميزان القوى الاجتماعية ، نتيجة تحولات في بنيتها ، وفي تكوينها على النحو الذي تمت صياغتها وفقه ، وبالتالي حدثت تغييرات ، وعمليات إبدال وإحلال ، في قدراتها وفاعلياتها السياسية ، وفي أدوارها ووظائفها التاريخية .
    إلا أن العقل المؤدلج يكشف عن تصلبه الذي يجعله عاجزا عن قراءة الواقع ، وذاهلا عن رصد ما يعتريه من تغييرات وتحولات – وهذا العجز يرجع في أساسه إلى تصلب بنية الأيديولوجية – في طرح الأفندي لإشكالية الثورة السودانية المؤجلة ، وذلك عندما طرح التساؤل المحير فعلا ، " عن سبب غياب السودان عن قائمة الدول العربية التي شهدت وتشهد ثورات شعبية ، خاصة وأن للشعب السوداني أكثر من سبب ليثور . فهو يشكو، مثل تلك الدول التي ثارت شعوبها، من احتكار السلطة في ظل ديمقراطية صورية وانتخابات طرحت أكثر من تساؤل، مع شكاوى متعالية من الفساد وسوء الإدارة. وفوق ذلك فإن السودان تعرض في مطلع هذا العام لأكبر هزة يمكن أن يتعرض لها بلد، ألا وهي خسارة وحدة الشعب والتراب الوطني عبر انفصال الجنوب، وما تزال أزمة دارفور بعيدة عن الحل، كما أنه يواجه أزمة اقتصادية متفاقمة لها علاقة بالانفصال." (21).
    فهو يستبعد الأسباب التي يروج لها المراقبون والمعارضة والنظام ، وهو محق في تحفظاته عليها ، فإذا كان النظام وأنصاره يعزون السبب إلى أنهم في الواقع "مع التيار" الثوري ، لأن الثورات العربية كانت ذات صبغة إسلامية معادية للغرب ، ولذا فان الثورة على نظامهم غير مبررة موضوعيا ، فان الأفندي – والحق معه – يرى بأن هذا الزعم يدحضه واقع أن" نسبة الإسلاميين الغاضبين على الحكومة أكثر بكثير من المؤيدين لها" (22) ، كما انه محق في تحفظه على من يرجعون غياب السودان عن طوفان الثورات الشعبية التي اكتسح مدها الدول العربية الأخرى إلى ضعف المعارضة وتهافت قياداتها ، وهو يقول في ذلك بأن " ضعف المعارضة كان في الواقع هو المحفز على الانتفاضات أكثر من نجاعتها " (23) .
    إذن كيف تقوم الثورات الناجحة ؟.
    الأفندي يقول لك موجزا بشكل قاطع جازم بأن الثورات الناجحة لا بد أن تتوفر لها إحدى " صفتين مميزتين : الأولى وجود قطب معارضة معروف وموحد يلقى دعماً شعبياً قوياً ، والثانية قيام منظمات المجتمع المدني ، وخاصة الجمعيات المهنية والنقابات والاتحادات الطلابية بدور رأس الرمح في العملية . الحالة الأولى تتأتى عادة عند وجود زعيم منتخب أو حزب معارض جامع يوحد غالبية قطاعات الشعب في وجه نظام معزول شعبياً ، وفي الحالة الثانية تقوم المؤسسات المدنية بدور التوحيد والتعبير عن الشارع " (24).
    وطالما كانت هذه هي رؤيته لإشكالية الثورة في السودان ، وهي رؤية تقف عند هذا الحد من الأفق التحليلي المغلق ، فانه لا يجد من طريق للخروج من هذا النفق سوى إطلاق التحذير بأن " الانتفاضة السودانية قادمة لا محالة إذا لم يقدم النظام على إصلاحات حقيقية وعاجلة وحاسمة تنهي احتكار السلطة، وتوحد السودانيين حول نظام سياسي جامع ترتضيه الغالبية " (25)
    فإذا كان شرطي نجاح الثورة يتمثلان حصرا في :
    • قطب معارضة سواء أن كان زعيم منتخب ( ولا أعلم كيف يكون الزعيم منتخبا وقائدا للمعارضة معا!) أو حزب جامع .
    • ومؤسسات مدنية تقود عملية الثورة والتغيير .
    والشرطان ، في الحالة السودانية ، كما رأينا مع الأفندي غير متوفرين ، وإذن فليس أمام هذا الشعب من سبيل سوى أن ينتظر يقظة ضمير هذه العصبة التي ما فتت تماسكها سوى الاقتتال على السلطة ، ليقدموا طائعين على إصلاحات تنهي احتكارهم للسلطة !!.
    أليست هذه هي الوصفة السحرية التي يقدمها لك منطق الأفندي التحليلي في نهاياته القصوى ؟.
    لولا داء العصاب الأيديولوجي الذي يعطب العقل لسأل الأفندي نفسه : كيف إذن نجحت الثورة في تونس وفي مصر ، وهي بصدد النجاح – ولو بعد حين – في اليمن وفي ليبيا وسوريا وفي غيرها من الدول العربية ، رغم عدم توفر أي من عاملي نجاح الثورات التي حددها ؟ . فكل الثورات التي ذكرناها تفتقر إلى القطب المعارض ، سواء أن كان زعيما وقائدا ملهما ، أو حزبا معارضا جامعا ، كما ولم تقودها منظمات مدنية ، من جمعيات مهنية ونقابات واتحادات طلابية ، ولكنها ، ورغم ذلك اتخذت مسارات واعية وكأنما هناك مركز تخطيط وراء تنظيمها ، وبإيقاع منضبط مدروس ودقيق!!.
    لقد (فات) عليه أن ينتبه إلى هذا المتغير الاجتماعي السياسي ..
    مثلما (فات) عليه أن يبحث من قبل ، كما رأينا ، و يعيد النظر ممحصا ومدققا في القوى الاجتماعية التي راهن عليها في إحداث التغيير ، حين أكتفي بثالوثه العتيد : الحزب الحاكم (السلطة) ، وأحزاب المعارضة ، والمثقفين أو النخبة .
    وقد قلنا وقتها إن المنطق الطبيعي والعقلاني والبديهي ، يقتضي ، بل ويفرض عليه ، طالما ثبت له عجز رهانه ، البحث عن قوى اجتماعية أخرى ، إما كـ"بديل" ، وإما كـ"رافعة مساندة" ومساعدة للقوى المعارضة الأخرى ، التي تسعى للتغيير هي أيضا .
    ولكنه لم يفعل ، وإنما راح يطارد ذيله الأيديولوجي ليمسك به ، عبثا ، عله يجد مخرجا .. وهيهات !.
    وما حدث ويحدث الآن في المنطقة ، والتي نحن جزء منها ، هو عملية تغيير جذرية في موازين القوى الاجتماعية ، ونحن أمام عملية إبدال وإحلال ، لقوى اجتماعية للتغيير مكان أخرى .
    وبالتالي فنحن أمام واقع اجتماع سياسي جديد ، يحتاج إلى مرونة فكرية تستوعبه .
    أسباب تأخر قيام الثورة السودانية عديدة ، وبعضها ما تفضل الدكتور بذكره متحفظا عليه ، مثل ضعف أحزاب المعارضة في السودان وتهافت قياداتها ، وقد تحدثنا عن الأسباب البنيوية لضعف هذه الأحزاب دون إسهاب فيما سبق .
    والواقع إن هذه الأحزاب ، كلها وبلا استثناء ، وطيلة تاريخها ، كانت جزء من متلازمة إجهاض الهبات والانتفاضات الشعبية في السودان ، وبالتالي فإنها جزء من الأزمة السياسية المستدامة التي ظلت تقف حجر عثرة أمام بناء "الدولة " السودانية ، هذه الدولة التي ظلت " الى الآن دولة افتراضية" .. والى حين إشعار آخر! .
    ولا يحتاج الأمر – أمر تأكيد هذا – إلى كثير عناء أو ذكاء . فقد ظل يتكرر في السودان ، ومنذ استقلاله ، سيناريو سياسي واحد ، أحزاب تأتي للحكم عبر ديمقراطية "ويست منستر" البرلمانية ، فتفشل في إدارة البلاد ، وأخطر من ذلك ، تفشل في إرساء أسس "دولة/ قومية" حقيقية ،وتتدهور الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية بالوطن ، فتهب مجموعة من المؤسسة العسكرية لإنقاذ الأوضاع عبر الانقلاب وتفرض نظام حكم عسكري متسلط ، يضيق به الشعب ذرعا ، فيثور مطالبا بحريته عبر منظمات المجتمع المدني من نقابات واتحادات طلابية ، والتي تشكل قوى المجتمع الحديثة المنتجة ، وقواه المهمشة معا ، ليطيح الشعب بالنظام ، وتأتي الأحزاب عبر هتافات الثورة المنتصرة لتستلم الحكم بانتخابات برلمانية ، وتعود لتمارس نفس اللعبة ، وكأنها لم تتعلم من تجربتها السابقة ، وتعود الكرة من جديد ، ليقفز إلى كرسي الحكم عسكري آخر يذيع بيانه لإنقاذ البلاد من العبث الحزبي الذي كاد أن يوردها موارد الهلاك ، ويتكرر السيناريو مرة أخرى ..وهكذا دواليك !.
    حدث هذا في عام (1958م) ، أي بعد عامين فقط من إعلان الاستقلال في عام (1956) ، ثم تكرر في عام (1967م) ، أي بعد ثلاثة أعوام من قيام ثورة أكتوبر (1964م) ، ثم تكرر في عام (1989م) أي بعد أربعة أعوام من انتصار الشعب في ثورة أبريل/مايو (1985م) .


    هوامش
    (21) عبد الوهاب الأفندي ، أين هي الثورة السودانية
    http://www.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=8462
    تأريخ الطباعة 10 April 2011 at 4:29pm
    (22) : السابق.
    (23) ، (24) ، (25) : نفسه .
                  

05-28-2011, 05:08 PM

عزالدين صغيرون

تاريخ التسجيل: 11-20-2009
مجموع المشاركات: 459

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المثقف والعصاب الأيديولوجي (Re: عزالدين صغيرون)

    red المثقف وعقدة العصاب الأيديولوجي القهري (9/10)

    (الثورة المؤجلة والكهنوت السياسي!)

    لا يكفي فيما نظن هذا الشكل من "الكهنوت السياسي" .
    فغير كاف وغير مجد ، خاصة في المرحلة التاريخية الراهنة ، وفي ظل معطيات الواقع السياسي والاجتماعي الذي يعيشه العالم والمنطقة اليوم ، أن تُطبخ الثورات وحركات التغيير الجذرية الكبرى في غرف مغلقة على بضعة مثقفين ، أشبه بالكهنة ، يخططون في عزلتهم الباردة تلك ثورة ، أو خارطة طريق للتغيير ، لجموع "الرعاع" ، الذين يهيمون على وجوههم في الطرقات بذهول ، والمهمومون بالركض لاهثين وراء لقمة العيش ، والسكن ، والعلاج ، والتعليم ، لهم ولعيالهم ، أو الباحثون ، بلا أمل ، عن العمل أو الهجرة ، إذا تعثر العثور عليه .
    فنحن نعيش في عالم جديد وظروف تاريخية جديدة ، تمخض عنهما تغير نوعي في ميزان القوى الاجتماعية ، نتيجة تحولات في بنيتها ، وفي تكوينها على النحو الذي تمت صياغتها وفقه ، وبالتالي حدثت تغييرات ، وعمليات إبدال وإحلال ، في قدراتها وفاعلياتها السياسية ، وفي أدوارها ووظائفها التاريخية .
    إلا أن العقل المؤدلج يكشف عن تصلبه الذي يجعله عاجزا عن قراءة الواقع ، وذاهلا عن رصد ما يعتريه من تغييرات وتحولات – وهذا العجز يرجع في أساسه إلى تصلب بنية الأيديولوجية – في طرح الأفندي لإشكالية الثورة السودانية المؤجلة ، وذلك عندما طرح التساؤل المحير فعلا ، " عن سبب غياب السودان عن قائمة الدول العربية التي شهدت وتشهد ثورات شعبية ، خاصة وأن للشعب السوداني أكثر من سبب ليثور . فهو يشكو، مثل تلك الدول التي ثارت شعوبها، من احتكار السلطة في ظل ديمقراطية صورية وانتخابات طرحت أكثر من تساؤل، مع شكاوى متعالية من الفساد وسوء الإدارة. وفوق ذلك فإن السودان تعرض في مطلع هذا العام لأكبر هزة يمكن أن يتعرض لها بلد، ألا وهي خسارة وحدة الشعب والتراب الوطني عبر انفصال الجنوب، وما تزال أزمة دارفور بعيدة عن الحل، كما أنه يواجه أزمة اقتصادية متفاقمة لها علاقة بالانفصال." (21).
    فهو يستبعد الأسباب التي يروج لها المراقبون والمعارضة والنظام ، وهو محق في تحفظاته عليها ، فإذا كان النظام وأنصاره يعزون السبب إلى أنهم في الواقع "مع التيار" الثوري ، لأن الثورات العربية كانت ذات صبغة إسلامية معادية للغرب ، ولذا فان الثورة على نظامهم غير مبررة موضوعيا ، فان الأفندي – والحق معه – يرى بأن هذا الزعم يدحضه واقع أن" نسبة الإسلاميين الغاضبين على الحكومة أكثر بكثير من المؤيدين لها" (22) ، كما انه محق في تحفظه على من يرجعون غياب السودان عن طوفان الثورات الشعبية التي اكتسح مدها الدول العربية الأخرى إلى ضعف المعارضة وتهافت قياداتها ، وهو يقول في ذلك بأن " ضعف المعارضة كان في الواقع هو المحفز على الانتفاضات أكثر من نجاعتها " (23) .
    إذن كيف تقوم الثورات الناجحة ؟.
    الأفندي يقول لك موجزا بشكل قاطع جازم بأن الثورات الناجحة لا بد أن تتوفر لها إحدى " صفتين مميزتين : الأولى وجود قطب معارضة معروف وموحد يلقى دعماً شعبياً قوياً ، والثانية قيام منظمات المجتمع المدني ، وخاصة الجمعيات المهنية والنقابات والاتحادات الطلابية بدور رأس الرمح في العملية . الحالة الأولى تتأتى عادة عند وجود زعيم منتخب أو حزب معارض جامع يوحد غالبية قطاعات الشعب في وجه نظام معزول شعبياً ، وفي الحالة الثانية تقوم المؤسسات المدنية بدور التوحيد والتعبير عن الشارع " (24).
    وطالما كانت هذه هي رؤيته لإشكالية الثورة في السودان ، وهي رؤية تقف عند هذا الحد من الأفق التحليلي المغلق ، فانه لا يجد من طريق للخروج من هذا النفق سوى إطلاق التحذير بأن " الانتفاضة السودانية قادمة لا محالة إذا لم يقدم النظام على إصلاحات حقيقية وعاجلة وحاسمة تنهي احتكار السلطة، وتوحد السودانيين حول نظام سياسي جامع ترتضيه الغالبية " (25)
    فإذا كان شرطي نجاح الثورة يتمثلان حصرا في :
    • قطب معارضة سواء أن كان زعيم منتخب ( ولا أعلم كيف يكون الزعيم منتخبا وقائدا للمعارضة معا!) أو حزب جامع .
    • ومؤسسات مدنية تقود عملية الثورة والتغيير .
    والشرطان ، في الحالة السودانية ، كما رأينا مع الأفندي غير متوفرين ، وإذن فليس أمام هذا الشعب من سبيل سوى أن ينتظر يقظة ضمير هذه العصبة التي ما فتت تماسكها سوى الاقتتال على السلطة ، ليقدموا طائعين على إصلاحات تنهي احتكارهم للسلطة !!.
    أليست هذه هي الوصفة السحرية التي يقدمها لك منطق الأفندي التحليلي في نهاياته القصوى ؟.
    لولا داء العصاب الأيديولوجي الذي يعطب العقل لسأل الأفندي نفسه : كيف إذن نجحت الثورة في تونس وفي مصر ، وهي بصدد النجاح – ولو بعد حين – في اليمن وفي ليبيا وسوريا وفي غيرها من الدول العربية ، رغم عدم توفر أي من عاملي نجاح الثورات التي حددها ؟ . فكل الثورات التي ذكرناها تفتقر إلى القطب المعارض ، سواء أن كان زعيما وقائدا ملهما ، أو حزبا معارضا جامعا ، كما ولم تقودها منظمات مدنية ، من جمعيات مهنية ونقابات واتحادات طلابية ، ولكنها ، ورغم ذلك اتخذت مسارات واعية وكأنما هناك مركز تخطيط وراء تنظيمها ، وبإيقاع منضبط مدروس ودقيق!!.
    لقد (فات) عليه أن ينتبه إلى هذا المتغير الاجتماعي السياسي ..
    مثلما (فات) عليه أن يبحث من قبل ، كما رأينا ، و يعيد النظر ممحصا ومدققا في القوى الاجتماعية التي راهن عليها في إحداث التغيير ، حين أكتفي بثالوثه العتيد : الحزب الحاكم (السلطة) ، وأحزاب المعارضة ، والمثقفين أو النخبة .
    وقد قلنا وقتها إن المنطق الطبيعي والعقلاني والبديهي ، يقتضي ، بل ويفرض عليه ، طالما ثبت له عجز رهانه ، البحث عن قوى اجتماعية أخرى ، إما كـ"بديل" ، وإما كـ"رافعة مساندة" ومساعدة للقوى المعارضة الأخرى ، التي تسعى للتغيير هي أيضا .
    ولكنه لم يفعل ، وإنما راح يطارد ذيله الأيديولوجي ليمسك به ، عبثا ، عله يجد مخرجا .. وهيهات !.
    وما حدث ويحدث الآن في المنطقة ، والتي نحن جزء منها ، هو عملية تغيير جذرية في موازين القوى الاجتماعية ، ونحن أمام عملية إبدال وإحلال ، لقوى اجتماعية للتغيير مكان أخرى .
    وبالتالي فنحن أمام واقع اجتماع سياسي جديد ، يحتاج إلى مرونة فكرية تستوعبه .
    أسباب تأخر قيام الثورة السودانية عديدة ، وبعضها ما تفضل الدكتور بذكره متحفظا عليه ، مثل ضعف أحزاب المعارضة في السودان وتهافت قياداتها ، وقد تحدثنا عن الأسباب البنيوية لضعف هذه الأحزاب دون إسهاب فيما سبق .
    والواقع إن هذه الأحزاب ، كلها وبلا استثناء ، وطيلة تاريخها ، كانت جزء من متلازمة إجهاض الهبات والانتفاضات الشعبية في السودان ، وبالتالي فإنها جزء من الأزمة السياسية المستدامة التي ظلت تقف حجر عثرة أمام بناء "الدولة " السودانية ، هذه الدولة التي ظلت " الى الآن دولة افتراضية" .. والى حين إشعار آخر! .
    ولا يحتاج الأمر – أمر تأكيد هذا – إلى كثير عناء أو ذكاء . فقد ظل يتكرر في السودان ، ومنذ استقلاله ، سيناريو سياسي واحد ، أحزاب تأتي للحكم عبر ديمقراطية "ويست منستر" البرلمانية ، فتفشل في إدارة البلاد ، وأخطر من ذلك ، تفشل في إرساء أسس "دولة/ قومية" حقيقية ،وتتدهور الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية بالوطن ، فتهب مجموعة من المؤسسة العسكرية لإنقاذ الأوضاع عبر الانقلاب وتفرض نظام حكم عسكري متسلط ، يضيق به الشعب ذرعا ، فيثور مطالبا بحريته عبر منظمات المجتمع المدني من نقابات واتحادات طلابية ، والتي تشكل قوى المجتمع الحديثة المنتجة ، وقواه المهمشة معا ، ليطيح الشعب بالنظام ، وتأتي الأحزاب عبر هتافات الثورة المنتصرة لتستلم الحكم بانتخابات برلمانية ، وتعود لتمارس نفس اللعبة ، وكأنها لم تتعلم من تجربتها السابقة ، وتعود الكرة من جديد ، ليقفز إلى كرسي الحكم عسكري آخر يذيع بيانه لإنقاذ البلاد من العبث الحزبي الذي كاد أن يوردها موارد الهلاك ، ويتكرر السيناريو مرة أخرى ..وهكذا دواليك !.
    حدث هذا في عام (1958م) ، أي بعد عامين فقط من إعلان الاستقلال في عام (1956) ، ثم تكرر في عام (1967م) ، أي بعد ثلاثة أعوام من قيام ثورة أكتوبر (1964م) ، ثم تكرر في عام (1989م) أي بعد أربعة أعوام من انتصار الشعب في ثورة أبريل/مايو (1985م) .


    هوامش
    (21) عبد الوهاب الأفندي ، أين هي الثورة السودانية
    http://www.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=8462
    تأريخ الطباعة 10 April 2011 at 4:29pm
    (22) : السابق.
    (23) ، (24) ، (25) : نفسه .
                  

05-28-2011, 05:09 PM

عزالدين صغيرون

تاريخ التسجيل: 11-20-2009
مجموع المشاركات: 459

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المثقف والعصاب الأيديولوجي (Re: عزالدين صغيرون)

    red المثقف وعقدة العصاب الأيديولوجي القهري (9/10)

    (الثورة المؤجلة والكهنوت السياسي!)

    لا يكفي فيما نظن هذا الشكل من "الكهنوت السياسي" .
    فغير كاف وغير مجد ، خاصة في المرحلة التاريخية الراهنة ، وفي ظل معطيات الواقع السياسي والاجتماعي الذي يعيشه العالم والمنطقة اليوم ، أن تُطبخ الثورات وحركات التغيير الجذرية الكبرى في غرف مغلقة على بضعة مثقفين ، أشبه بالكهنة ، يخططون في عزلتهم الباردة تلك ثورة ، أو خارطة طريق للتغيير ، لجموع "الرعاع" ، الذين يهيمون على وجوههم في الطرقات بذهول ، والمهمومون بالركض لاهثين وراء لقمة العيش ، والسكن ، والعلاج ، والتعليم ، لهم ولعيالهم ، أو الباحثون ، بلا أمل ، عن العمل أو الهجرة ، إذا تعثر العثور عليه .
    فنحن نعيش في عالم جديد وظروف تاريخية جديدة ، تمخض عنهما تغير نوعي في ميزان القوى الاجتماعية ، نتيجة تحولات في بنيتها ، وفي تكوينها على النحو الذي تمت صياغتها وفقه ، وبالتالي حدثت تغييرات ، وعمليات إبدال وإحلال ، في قدراتها وفاعلياتها السياسية ، وفي أدوارها ووظائفها التاريخية .
    إلا أن العقل المؤدلج يكشف عن تصلبه الذي يجعله عاجزا عن قراءة الواقع ، وذاهلا عن رصد ما يعتريه من تغييرات وتحولات – وهذا العجز يرجع في أساسه إلى تصلب بنية الأيديولوجية – في طرح الأفندي لإشكالية الثورة السودانية المؤجلة ، وذلك عندما طرح التساؤل المحير فعلا ، " عن سبب غياب السودان عن قائمة الدول العربية التي شهدت وتشهد ثورات شعبية ، خاصة وأن للشعب السوداني أكثر من سبب ليثور . فهو يشكو، مثل تلك الدول التي ثارت شعوبها، من احتكار السلطة في ظل ديمقراطية صورية وانتخابات طرحت أكثر من تساؤل، مع شكاوى متعالية من الفساد وسوء الإدارة. وفوق ذلك فإن السودان تعرض في مطلع هذا العام لأكبر هزة يمكن أن يتعرض لها بلد، ألا وهي خسارة وحدة الشعب والتراب الوطني عبر انفصال الجنوب، وما تزال أزمة دارفور بعيدة عن الحل، كما أنه يواجه أزمة اقتصادية متفاقمة لها علاقة بالانفصال." (21).
    فهو يستبعد الأسباب التي يروج لها المراقبون والمعارضة والنظام ، وهو محق في تحفظاته عليها ، فإذا كان النظام وأنصاره يعزون السبب إلى أنهم في الواقع "مع التيار" الثوري ، لأن الثورات العربية كانت ذات صبغة إسلامية معادية للغرب ، ولذا فان الثورة على نظامهم غير مبررة موضوعيا ، فان الأفندي – والحق معه – يرى بأن هذا الزعم يدحضه واقع أن" نسبة الإسلاميين الغاضبين على الحكومة أكثر بكثير من المؤيدين لها" (22) ، كما انه محق في تحفظه على من يرجعون غياب السودان عن طوفان الثورات الشعبية التي اكتسح مدها الدول العربية الأخرى إلى ضعف المعارضة وتهافت قياداتها ، وهو يقول في ذلك بأن " ضعف المعارضة كان في الواقع هو المحفز على الانتفاضات أكثر من نجاعتها " (23) .
    إذن كيف تقوم الثورات الناجحة ؟.
    الأفندي يقول لك موجزا بشكل قاطع جازم بأن الثورات الناجحة لا بد أن تتوفر لها إحدى " صفتين مميزتين : الأولى وجود قطب معارضة معروف وموحد يلقى دعماً شعبياً قوياً ، والثانية قيام منظمات المجتمع المدني ، وخاصة الجمعيات المهنية والنقابات والاتحادات الطلابية بدور رأس الرمح في العملية . الحالة الأولى تتأتى عادة عند وجود زعيم منتخب أو حزب معارض جامع يوحد غالبية قطاعات الشعب في وجه نظام معزول شعبياً ، وفي الحالة الثانية تقوم المؤسسات المدنية بدور التوحيد والتعبير عن الشارع " (24).
    وطالما كانت هذه هي رؤيته لإشكالية الثورة في السودان ، وهي رؤية تقف عند هذا الحد من الأفق التحليلي المغلق ، فانه لا يجد من طريق للخروج من هذا النفق سوى إطلاق التحذير بأن " الانتفاضة السودانية قادمة لا محالة إذا لم يقدم النظام على إصلاحات حقيقية وعاجلة وحاسمة تنهي احتكار السلطة، وتوحد السودانيين حول نظام سياسي جامع ترتضيه الغالبية " (25)
    فإذا كان شرطي نجاح الثورة يتمثلان حصرا في :
    • قطب معارضة سواء أن كان زعيم منتخب ( ولا أعلم كيف يكون الزعيم منتخبا وقائدا للمعارضة معا!) أو حزب جامع .
    • ومؤسسات مدنية تقود عملية الثورة والتغيير .
    والشرطان ، في الحالة السودانية ، كما رأينا مع الأفندي غير متوفرين ، وإذن فليس أمام هذا الشعب من سبيل سوى أن ينتظر يقظة ضمير هذه العصبة التي ما فتت تماسكها سوى الاقتتال على السلطة ، ليقدموا طائعين على إصلاحات تنهي احتكارهم للسلطة !!.
    أليست هذه هي الوصفة السحرية التي يقدمها لك منطق الأفندي التحليلي في نهاياته القصوى ؟.
    لولا داء العصاب الأيديولوجي الذي يعطب العقل لسأل الأفندي نفسه : كيف إذن نجحت الثورة في تونس وفي مصر ، وهي بصدد النجاح – ولو بعد حين – في اليمن وفي ليبيا وسوريا وفي غيرها من الدول العربية ، رغم عدم توفر أي من عاملي نجاح الثورات التي حددها ؟ . فكل الثورات التي ذكرناها تفتقر إلى القطب المعارض ، سواء أن كان زعيما وقائدا ملهما ، أو حزبا معارضا جامعا ، كما ولم تقودها منظمات مدنية ، من جمعيات مهنية ونقابات واتحادات طلابية ، ولكنها ، ورغم ذلك اتخذت مسارات واعية وكأنما هناك مركز تخطيط وراء تنظيمها ، وبإيقاع منضبط مدروس ودقيق!!.
    لقد (فات) عليه أن ينتبه إلى هذا المتغير الاجتماعي السياسي ..
    مثلما (فات) عليه أن يبحث من قبل ، كما رأينا ، و يعيد النظر ممحصا ومدققا في القوى الاجتماعية التي راهن عليها في إحداث التغيير ، حين أكتفي بثالوثه العتيد : الحزب الحاكم (السلطة) ، وأحزاب المعارضة ، والمثقفين أو النخبة .
    وقد قلنا وقتها إن المنطق الطبيعي والعقلاني والبديهي ، يقتضي ، بل ويفرض عليه ، طالما ثبت له عجز رهانه ، البحث عن قوى اجتماعية أخرى ، إما كـ"بديل" ، وإما كـ"رافعة مساندة" ومساعدة للقوى المعارضة الأخرى ، التي تسعى للتغيير هي أيضا .
    ولكنه لم يفعل ، وإنما راح يطارد ذيله الأيديولوجي ليمسك به ، عبثا ، عله يجد مخرجا .. وهيهات !.
    وما حدث ويحدث الآن في المنطقة ، والتي نحن جزء منها ، هو عملية تغيير جذرية في موازين القوى الاجتماعية ، ونحن أمام عملية إبدال وإحلال ، لقوى اجتماعية للتغيير مكان أخرى .
    وبالتالي فنحن أمام واقع اجتماع سياسي جديد ، يحتاج إلى مرونة فكرية تستوعبه .
    أسباب تأخر قيام الثورة السودانية عديدة ، وبعضها ما تفضل الدكتور بذكره متحفظا عليه ، مثل ضعف أحزاب المعارضة في السودان وتهافت قياداتها ، وقد تحدثنا عن الأسباب البنيوية لضعف هذه الأحزاب دون إسهاب فيما سبق .
    والواقع إن هذه الأحزاب ، كلها وبلا استثناء ، وطيلة تاريخها ، كانت جزء من متلازمة إجهاض الهبات والانتفاضات الشعبية في السودان ، وبالتالي فإنها جزء من الأزمة السياسية المستدامة التي ظلت تقف حجر عثرة أمام بناء "الدولة " السودانية ، هذه الدولة التي ظلت " الى الآن دولة افتراضية" .. والى حين إشعار آخر! .
    ولا يحتاج الأمر – أمر تأكيد هذا – إلى كثير عناء أو ذكاء . فقد ظل يتكرر في السودان ، ومنذ استقلاله ، سيناريو سياسي واحد ، أحزاب تأتي للحكم عبر ديمقراطية "ويست منستر" البرلمانية ، فتفشل في إدارة البلاد ، وأخطر من ذلك ، تفشل في إرساء أسس "دولة/ قومية" حقيقية ،وتتدهور الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية بالوطن ، فتهب مجموعة من المؤسسة العسكرية لإنقاذ الأوضاع عبر الانقلاب وتفرض نظام حكم عسكري متسلط ، يضيق به الشعب ذرعا ، فيثور مطالبا بحريته عبر منظمات المجتمع المدني من نقابات واتحادات طلابية ، والتي تشكل قوى المجتمع الحديثة المنتجة ، وقواه المهمشة معا ، ليطيح الشعب بالنظام ، وتأتي الأحزاب عبر هتافات الثورة المنتصرة لتستلم الحكم بانتخابات برلمانية ، وتعود لتمارس نفس اللعبة ، وكأنها لم تتعلم من تجربتها السابقة ، وتعود الكرة من جديد ، ليقفز إلى كرسي الحكم عسكري آخر يذيع بيانه لإنقاذ البلاد من العبث الحزبي الذي كاد أن يوردها موارد الهلاك ، ويتكرر السيناريو مرة أخرى ..وهكذا دواليك !.
    حدث هذا في عام (1958م) ، أي بعد عامين فقط من إعلان الاستقلال في عام (1956) ، ثم تكرر في عام (1967م) ، أي بعد ثلاثة أعوام من قيام ثورة أكتوبر (1964م) ، ثم تكرر في عام (1989م) أي بعد أربعة أعوام من انتصار الشعب في ثورة أبريل/مايو (1985م) .


    هوامش
    (21) عبد الوهاب الأفندي ، أين هي الثورة السودانية
    http://www.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=8462
    تأريخ الطباعة 10 April 2011 at 4:29pm
    (22) : السابق.
    (23) ، (24) ، (25) : نفسه .
                  

05-28-2011, 05:16 PM

صلاح شعيب
<aصلاح شعيب
تاريخ التسجيل: 04-24-2005
مجموع المشاركات: 2954

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المثقف والعصاب الأيديولوجي (Re: عزالدين صغيرون)

    استاذنا وصديقنا عز الدين صغيرون

    جميل أنك عدت لهذه الكتابة الفكرية التي عهدناها لك منذ الثمانينات ومنذها باعدت بيننا الأيام ولا زالت أذكر كشوفاتك النقدية المعمقة التي كنا نستزيد بها في طريقنا البض نحو إجادة الفهم وتسمين المفردة.
    ولقد قرأت بعض هذه المقالات بصحيفة الأخبار. وجميل، ثانيا، أنك تعرضها هنا للحوار وآمل أن يقف الزملاء عليها، وخصوصا أن كثيرا منهم لم يقرأ لك إسهاماتك الثقافية والنقدية والتي كنت تجمل بها الملاحق الثقافة والمنتديات حين عرفناك ناقدا مميزا.
                  

05-28-2011, 05:26 PM

عزالدين صغيرون

تاريخ التسجيل: 11-20-2009
مجموع المشاركات: 459

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المثقف والعصاب الأيديولوجي (Re: صلاح شعيب)

    الصديق الرائع
    والصحفي المتميز ،
    والمثقف المرابط في الخطوط الأمامية في كتيبة التنوير
    سلام ومليون سلام.. ومشتاقين
    يا صديقي لم أتوقف أو أكف يوما عن الكتابة..
    ولكنك أدرى بمشكلة النشر في دول العالم الثالث بوجه عام ..وفي سودان الانقاذ بوجه خاص
    دائما هناك حدود وحواجز و (أسلاك شائكة) ..
    ثمة أفكار لكسر هذا الحصار ..ومعا جميعا يمكن أن نفعل شيئا بهذا الخصوص
    لك الشكر أجزله ..وأجمله .
                  

05-28-2011, 05:27 PM

عزالدين صغيرون

تاريخ التسجيل: 11-20-2009
مجموع المشاركات: 459

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المثقف والعصاب الأيديولوجي (Re: صلاح شعيب)

    الصديق الرائع
    والصحفي المتميز ،
    والمثقف المرابط في الخطوط الأمامية في كتيبة التنوير
    سلام ومليون سلام.. ومشتاقين
    يا صديقي لم أتوقف أو أكف يوما عن الكتابة..
    ولكنك أدرى بمشكلة النشر في دول العالم الثالث بوجه عام ..وفي سودان الانقاذ بوجه خاص
    دائما هناك حدود وحواجز و (أسلاك شائكة) ..
    ثمة أفكار لكسر هذا الحصار ..ومعا جميعا يمكن أن نفعل شيئا بهذا الخصوص
    لك الشكر أجزله ..وأجمله .
                  

05-29-2011, 10:11 PM

عزالدين صغيرون

تاريخ التسجيل: 11-20-2009
مجموع المشاركات: 459

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المثقف والعصاب الأيديولوجي (Re: عزالدين صغيرون)

    فووووووووووق
                  

05-31-2011, 09:13 PM

عزالدين صغيرون

تاريخ التسجيل: 11-20-2009
مجموع المشاركات: 459

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المثقف والعصاب الأيديولوجي (Re: عزالدين صغيرون)

    المثقف وعقدة العصاب الأيديولوجي القهري (10/10)
    (أسئلة واضحة .. وإجابات مفخخة)

    يلاحظ أي دارس أو باحث في تاريخ السودان السياسي الحديث و المعاصر ، بأن هناك ثلاث قوى اجتماعية ظلت تتداول فيه "الفعل السياسي" بصورة مباشرة :
    • فهناك قوى التغيير والتحديث المتمثلة في منظمات المجتمع المدني ، والمهمشين اجتماعيا في المدن .
    • والأحزاب السياسية المختلفة.
    • والمؤسسة العسكرية.
    إلا أن الدور الأكبر في الحركة الوطنية كان ، كما هو متوقع ، يقع على هذه الشريحة (الطبقة الوسطى) ، في إقامة التوازن ، في حال تبلورها و تمظهرها الحزبي السياسي ، وفي التحريض ، وقيادة الانتفاضات والثورات ، في حال توزعها بين مختلف المنظمات المدنية . وفي كل الأحوال كان التعويل عليها هو حجر الزاوية كقوة محركة عظمى .
    وليس هنا ، فيما نظن، مقام دراسة وتشريح طبيعة هذه الطبقة وبنيتها .
    وما لم ينتبه إليه الأفندي ، أو قل – وللمرة الثالثة – ما (فاته) ، هو دراسة ، أو إمعان النظر ، في التجربة الثالثة للسيناريو الذي أشرنا إليه قبل قليل ، ونعني بها تجربة "الإنقاذ" ، التي ينتمي أيديولوجيا إليها.
    فبفعل التراكم المعرفي من التجارب السابقة تفرد "انقلاب" الإنقاذ الاسلاموي بمزايا اكتسبها من التجارب الانقلابية السابقة ، فقام بعملية إفراغ وتدمير منهجي في البنيات الثلاث المشار إليها سابقا ، وهي الخدمة المدنية والنقابات والاتحادات والإعلام ، فقام بأكبر عملية إفراغ وتبديل أحل فيها عناصره الاسلاموية الموالية ، ثم قام بنفس العملية في المؤسسة العسكرية ، بل واستحدث أجهزة أمنية ومليشيات مسلحة حزبية اسلاموية خاصة بالتنظيم "لصقها" لصقا بمؤسسات الدولة لتكتسب مشروعية دستورية بذلك ، أما الأحزاب التي لم تكن لتشكل هاجسا له ، فانه لم يدعها لشأنها ، وإنما قام باختراقها واصطياد عناصرها الرخوة ليكسبها إلى جانبه ، محدثا فيها انشقاقات كبيرة ، ويكفي أنه استطاع اختراق ، حتى حزب الأمة ، ليجند أبناء زعيم الحزب في أجهزته الأمنية .
    والآن ما هي النتيجة النهائية لهذا، على مستوى ما نناقشه في شأن تأجيل الثورة السودانية؟.
    النتيجة كانت هي :
    تمزق نسيج الطبقة الوسطى ، وهذا كما (فات) الأفندي الالتفات إليه ، وهو ما لم يحدث في الطبقات الوسطى في كل من مصر وتونس وفي غيرهما . فما حدث في تلك الدول كان في أسوأ الأحوال هو أن النظام استطاع أن يوجه لهذه الطبقة ضربات سياسية واقتصادية ، زحزحتها إلى الهامش ، ولكنها لم تخترقها من الداخل مثلما حدث في سودان الإنقاذ .
    ما حدث في تلك الدول إن النظام ، وعبر سياسات اقتصادية محددة استطاع أن يضعف نسيج هذه الطبقة ، وأن يضعف هياكلها المدنية (النقابات والأحزاب والاتحادات) ، ولكنها ظلت هناك حية وموجودة تمارس فعلها ، وتغلغل التيار الاسلاموي المصري بل وسيطرته على نقابات المحامين والأطباء ، بل وقدرته على العمل من خلال الجمعيات الخيرية خير مثال على هامش الفعل والمناورة الذي كان متاحا أمام القوى الاجتماعية المعارضة في مصر ، وهذا ما لم يتح لمثيلاتها في السودان .
    في الثورات السودانية السابقة كان بإمكان القوى الحديثة أن تلعب دورها في التغيير السياسي ،إلا أنها لم تسطع أن تطرح بديلها الديمقراطي التحديثي لأن الأحزاب كانت تستولي على ثمار التغيير ونظامها الانتخابي الديمقراطي الزائف ، ولا يستطيع إلا مكابر أن ينكر بأن ذلك الشكل من الديمقراطي وفي ظل مجتمعات تقليدية تتحكم في تحديد خياراتها السياسية الميول والانتماءات القبلية والطائفية ، إنما هو عبارة عن ديمقراطية زائفة.
    ويجب أن لا نغفل عاملا محوريا في نجاح تلكم الثورات ، ألا وهو إن السودان لم يخبر في تاريخه البعيد والوسيط صيغة الدولة المركزية ، ونعني السودان بشكله الإداري السياسي الذي تبلور واقعا منذ استقلال السودان في عام 1956م ، وبالتالي فان "مركزية السلطة" فيه – دع عنك "الديكتاتوريات الشمولية" – والتي جاءته متأخرة ، لم تترسخ بعد ، لا في وجدانه السياسي ، ولا في ثقافته الاجتماعية ، لذا كان من السهل عليه أن يشعلها ثورة على أي نظام فيه شبهة "مركزية" خانقة أو حتى شبهة "سلطة " متعالية تعلو على انتماءات "ما قبل الدولة " المتجذرة في عقله الجمعي .
    ولذا فان ثورات السودان ضد الشموليتين الديكتاتوريتين في أكتوبر وأبريل/ مارس كانت في جوهرها أقرب ما تكون إلى "ردة الفعل" على المركزية الخانقة للدولة ، وظلها الإداري الثقيل ، وهذا كما ترى حراك سياسي ، أو ثورة "ضد" ..وليست "ثورة "لـ.." .
    لهذا السبب – ضمن أسباب أخرى – كانت تنجح ثوراتنا ، وبسهولة تدهش الآخرين قبل أن تدهشنا نحن ، لهذا السبب ، لا لعبقرية سياسية أو وعي استثنائي يميزنا عن غيرنا من الشعوب ، كما نحب ندعي ونزعم لأنفسنا .
    فالثورات ، كما ينبغي أن نفهم جيدا ، هي مثل غيرها ، بنتائجها ، وليس لمجرد حدوثها دون أي نتائج تتمخض عنها ، تغييرا في معادلات الواقع وميزان القوى الاجتماعية ، وإلا فإنها مجرد نرجسية سياسية .
    وإذن ، ما هي آفاق الثورة السودانية الثالثة؟.
    ما هي القوى المرشحة لإشعال فتيلها وقيادتها ؟.
    وما هي الوسائل التي تملكها لإحداث ثورتها ؟.
    وما هي أجندتها ؟.
    وما هي المهمة التاريخية التي عليها انجازها؟.
    لا يسعك إلا أن تستشف بأن هذه أسئلة شائكة ومعقدة تحتاج إلى كتاب يتناول تفصيلاتها بتأن وترو ، إلا أن السؤال الملح والسابق قبل الخوض في تفصيلاتها والذي يؤطر الإجابات التي ستقترح كان بالحق هو السؤال الذي طرحه عبد الوهاب الأفندي كعنوان لمقاله " هل آن أوان استقالة الحكومة السودانية؟" (26) ، وهو يطرح سؤاله بعد مسوقات لا يمكنك إلا أن تتفق عليها معه عبر خطاب نقدي صادق وموضوعي وواقعي ، إلا أن السؤال بحد ذاته فخ محكم بإتقان ، وذلك عبر المسوقات والمبررات التي يجمع عليها الجميع .
    وهو يفصّل رؤيته على النحو التالي منطلقا من أزمة أبيي مؤكدا بأن ما حدث فيها يعكس النهج الإنقاذي " فشل سياسي يحاول البعض التغطية عليه بتحرك عسكري، ثم الانحدار إلى فشل سياسي آخر(..) لكل هذا لم يعد من الممكن التحدث هنا عن خلل جزئي هنا أو هناك، أو تقصير من مسؤول تصلح الأمور بإقالته. بل إن الخلل هو في النظام من قمته إلى قاعدته، وبالأخص في قمته(..) لم يعد هناك إذن من أمل في أن يؤدي إصلاح جزئي إلى تفادي الكارثة" .
    وتسأله بعد هذا : ما الحل إذن؟ ، فيجيبك (لا فض فوه) ، وفي إجابته الفخ :
    " لا بد عليه من تغيير جذري في أشخاص الحكم وأسلوبه معاً(..) فمن الحكمة أن يسارع الرئيس فوراً بإعلان موعد جديد قريب لانتخابات عامة رئاسية وبرلمانية، والتمهيد لذلك بإطلاق الحريات واتخاذ إجراءات لضمان حيادية ونزاهة المؤسسات القومية من قضاء وجيش وشرطة وأجهزة أمنية وخدمة مدنية، والفصل الكامل بين الحزب الحاكم والدولة. هذه الانتخابات ضرورية لإعادة دمج المعارضة في النظام السياسي، وبناء إجماع وطني متجدد تلح الحاجة إليه لمواجهة التحديات الماثلة " (27).
    يقول لك هذا ، رغم أن الحيثيات التي أوردها تؤكد بأن بداية الحل ، أو قل أن الإطار العام لحل المشكلة السودانية ، ينبغي أن يكون ، واقعيا ، هو إسقاط نظام الإنقاذ ، ثم تفكيك "النظام السوداني" الذي ظل قائما منذ ممالك وسلطنات سنار والفور وتقلي والمسبعات .
    أولا لأن المشاكل التي يعانيها السودان اليوم لم تجيء مع الاسلامويين تحديدا وإنما هي متوارثة قديمة ، وبالتالي فان حلها لا يكمن في حل هذه الحكومة ، سواء ترشح البشير أو لم يترشح للرئاسة .
    أرأيت كيف يعمل ويشتغل العقل المصاب بداء العصاب الأيديولوجي القهري؟!! .

    هوامش
    (26) عبد الوهاب الأفندي :
    http://www.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=8568
    تأريخ الطباعة: 27 May 2011 at 6:12p

    (27) : سابق .

    [email protected]
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de