|
حركة حق.. تفاكير وتحية!
|
حركة حق.. تفاكير وتحية! راشد مصطفي بخيت
لا شك أن خبر انعقاد مؤتمر لحزب سياسي معارض في ظل الظروف السياسية المتردية التي يعيشها السودان راهناً، هو خبر مفرح للغاية. ففي بلادي ذات الثمانين حزباً ونيِّف! تعجز أحزابنا جميعها عن الوفاء بفرض عقد مؤتمراتها بانتظام إلا حزب المؤتمر الوطني! لذا تستحق حركة (حق) الإشادة. المؤتمر مثابة جيدة للتفكير في قضايا سياسية تلقي بظلالها الكثيفة علي مستقبل السودان، وقد أوفت حركة حق هذه القضايا حقها في التدارس بحثاً عن مخرج ملائم من عنق الزجاجة الذي أدخلتنا فيه سياسة الأحادية منذ سنوات! لكن من جانبنا، رأينا أن نتخذ هذه المناسبة للتفكير بصوت عال حول ظاهرة الأحزاب السياسية المنقسمة من أحزاب أخرى! خصوصاً وأنا لا أخفي رأيي القاسي حول عدم ضرورة وصول أحزابنا السياسية السودانية لهذا الرقم المهول من الأحزاب – أكثر من ثمانين حزباً ونيِّف – في ظل عدم وجود فوارق بائنة في البرامج السياسية لها، وفي ظل التفاف هذه الأحزاب نفسها حول حزمة مهام سياسية عامة يتفق حولها الجميع من مثل الديمقراطية، الدولة المدنية، ... الخ. فمن جهة نجد أن هذه الأحزاب لم تفرضها ظروف التطور الطبيعي للمجتمع كأحدي حاجاته الرئيسية، إنما امتدت من نسل خلافات فكرية لأحزاب أخرى، رأت بموجبها أن خيار تأسيس حزب منفصل هو الخيار الأكثر ملائمة لها من خيار الإصلاح من الداخل. ولهذا ظلت هذه الأحزاب ومن ضمنها حركة (حق) تعاني واقعياً سياط عزلة جماهيرية ساخنة تلهب ظهر وجودها السياسي! ومن جهة أخرى أسهمت هذه الأحزاب باعتبارها أحزاب صفوة، في رفد الفكر السياسي والعمل العام بكوادر مميزة ومساهمات قيمة في مجال النظر لمستقبل البلاد. من ناحيتنا، نرى أن هذه العوامل التي نشأت فوق أرضها هذه الأحزاب، لا تبشر كثيراً بمستقبل واعد لها كأحزاب سياسية وحركات تغيير سياسي فكري اجتماعي في نهاية المطاف، ذلك لأن ظروف الانشقاقات الحزبية التي أسفرت عنها هذه الأحزاب، تعود في جزء كبير منها لأزمة في بناء المجتمع السوداني وتركيبة الذات السياسية التي لم تنفصل ذاتها الاجتماعية والقبلية بعد، عن ذاتها السياسية – الموضوعية – إلا بمقدار المحاولة فقط! لذا فإن أي انشقاق حزبي جرجر في أذياله انشقاقاً آخر حتى داخل الفئة المنشقة نفسها! هذا الأمر يقودنا لضرورة التفكير في مستقبل هذه الأحزاب نفسها، هل هي قادرة علي أن تضع مهامها وتحققها مع حصار كل هذه الظروف السابقة، أم أن (المزاج السوداني) قائلٌ قولته فيها أن تربض خلف ترسانة من الأمراض الفكرية والتنظيمية إلي أبد الدهر؟ لم يكن صراع د. الباقر عفيف، وأ. هالة عبد الحليم بمنأى عن هذه المسببات، مثلما لم يكن صراع الخاتم عدلان والحاج وراق بمنأى عنها إلي صراع الحاج والخاتم معاً مع الحزب الشيوعي نفسه! مشكلة هذه الظاهرة أنها تبدوا في ظاهرها كتجلٍ صحي لما نسميه في أدبياتنا السياسية زوراً ديمقراطية! لكنها في حقيقة الأمر ليست أكثر من إعلان عجز دامغ لعدم قدرتنا علي تحمل الديمقراطية نفسها وتوطينها في أرض الجماعة التي ننتمي لها! فبمجرد خلافنا الفكري أو السياسي ننقسم، وبمجرد انقسامنا تبدأ لعنات الأميبيا مطاردتنا إلي أن تورثنا حالة التطابق مع ما انقسمنا هرباً منه! أفكر كثيراً في عقد دراسة لم يتسن لي الوقت بعد لبدايتها، أفكر فيها إثبات فرضية أن أحزابنا السياسية جميعها لا تستطيع أن تقيم بينها فوارق (جوهرية) علي مستوي الفكر والبرامج، إلا باستدعاء (ونسات) الخلاف الافتراضي بينها وبين آخر في عمق التاريخ! ذلك لأن برامج هذه الأحزاب جميعها تشترك في أكثر من ثمانين بالمائة من أهدافها ومع ذلك يزيد عددها عن الثمانين حزباً ولا تقوى علي اقتلاع نظامٍ هش كنظام الإنقاذ الراهن! فهل نعقل الدرس ونمضي في اتجاه البناء الحقيقي، أم ننزوي بمشكلاتنا قصداً في طريق الانقسامات الذي لا نهاية له؟
|
|
|
|
|
|