|
بن لادن شهيداً!
|
بن لادن شهيداً! راشد مصطفي بخيت
في أرض العجائب هذه، يستحيل أن تمضي شمس اليوم دون أن يصرعك تصريح لحزب ما أو مؤسسة دولة! فالسياسة السودانية تركب علي ظهر سلحفاء هرمت، لأجل انتظار لحظة التجديد المرتقبة دون أن تدركها ولو علي مستوي الأحلام! نعم سادتي فالحلم هو أوَّل البناء. وعندما تستحيل الأحلام بسيطة كطموح أصحابها، فذلك يعني بالطبع أن لا مخرج سوى الغوص في وحل حتى يستعيد الحلم عافيته! أو يتدني سقف الطموحات العالي ليشبه كثيراً سقف راكوبة مائل في أقصي الصعيد، تجبر صاحبها علي الانحناء كل مرةٍ وهو يهم لدخولها! ذلك بالضبط مشهد السياسة السودانية بعدسة غائب عن أحداثها لتسعة أيامٍ فقط، قضيتها أغسل أدران النفس بتأمل الطبيعة في أديس أبابا منقطعاً عن كل وسائل الاتصال، عدت بعدها لأطالع صحف الأيام التي قضيتها هناك، ولم أجد سوى باب الراكوبة ذاك، وهو يتقلص لمحض نافذة لم يصنعها صاحبها قاصداً، إنما جراء نقصان حجم (القش) المطلوب! بن لادن يسيطر علي المشهد السوداني في هيئة شهيد! برز إلي السطح فجأة أنصاره ومريدوه، ليملئوا سماء السياسة السودانية بالعويل علي شيخٍ مسن، قضي نصف عمره في كنف المؤسسة الرأسمالية، وقضي النصف الآخر في محاربتها بأبشع السُبُل! وهل كان بن لادن سودانياً؟! أقام عليه البعض صلاة الغائب ونعاه البعض الآخر بقلب محزون! ونصبه الفقهاء شهيداً بمن فيهم ذلك الإمام المعارض حسن الترابي! تذكرت كلمةً قديمة للمفكر المصري سيِّد محمود القمني وهو يصدر كتاباً مميزاً بإحصاءاته تحت عنوان: شكراً بن لادن! شكر القمني بن لادن وهو يرجوا أن تنتبه المؤسسة الأمريكية التي ترعي مثل هذه القنابل الموقوتة، لأنها من تذرعها في قلب العالم بصدر تكتيكات قصيرة العمر كبيرة الخطر إلا أن طالها الضرر في عقر دارها ولم تنتبه أيضا! القمني كتب في متن هذا الكتاب دراسة رصينة ملئي بالأسانيد النصوصية حول مفهوم الإرهابي والمعتدل! والمستنير في الفكر الإسلامي! قرر فيها وعبر دراسة متمكثة لموقف التيارات الإسلامية المصنفة بعالية، ممثلةً في شخوص بعينها من مثل (فهمي هويدي) باعتباره ممثل الاستنارة في هذا التيار، و (القرضاوي) ممثلاً جهة الاعتدال، و (بن لادن) بوصفه ممثل اتجاه الإرهاب! خرج القمني من بحثه حزيناً إزاء نتائجه التي لا تسر قلب، ولا تقنع من يرجوا خيراً بتصديق أوهام هذا التقسيم الكسيح! ففي نهاية الأمر، استوي عنده الجميع جهة قضايا العلمانية والدولة المدنية وحقوق الإنسان والديمقراطية والمرأة! كلهم سواء بحسب القمني إزاء هذه القضايا، وكلنا إلي نحبنا ماضون إن وقعنا في شراك تصديق هذه اللعبة السمجة. بن لادن شهيداً يا هؤلاء!! وتفسحُ قناة النيل الأزرق لأعضاء جماعته فرص الدفاع عن فكره في المولاة! ويمثل الاتهام ربما (مستنير) آخر هو الشيخ يوسف الكودة! ويفرح الطاهر حسن التوم لأنه وثق من ديمقراطيته الفذة في الاستماع حتى لغلاة الإسلامويين! فانظروا أي حالةٍ تلك التي ترزح تحت وطأتها راكوبتنا المائلة! الموضوع لذاته ليس خطيراً بقدر خطورة ما طفح معه إلي سطح المشهد، فقد أورثت حقبة الإنقاذ الزاهرة مجتمعنا، جماعات إسلامية متشددة كثيرة لم نعلمها، إلا بقتل بن لادن عندما همَّ الألوف لتأدية صلاة الغائب عليه بميدان المولد! وحتماً سيفاجئنا الأمر مستقبلاً عندما يشتد عود هذه الجماعات من فرط غفلتنا، ويصبح الحوار بالسيف هو السبيل الوحيد لدرء الخطر عن النفس! أمريكا أيضاً سقطت في ميدان حقوق الإنسان سقطة شنيعة، فهي الأخرى لم تلتزم بقوانين حقوق الإنسان التي تلوح بها دوماً عندما همَّت بقتل ذاك الرجل، والأجدى أن تقدمه لمحاكمة عادلة طالما استطاعت الوصول إليه في مخبأه حياً! حفظك الله يا وطني حتى لا تصل تلك المرحلة التي أشار لها مصطفي عبد العزيز البطل في مقاله ( مصر الفتنة نائمة)!
|
|
|
|
|
|