تحالفات غريبة .. عندما يهزّ الصمـــغ العربـــــــي أمريكا

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-06-2024, 07:44 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2011م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-28-2011, 00:16 AM

esam gabralla

تاريخ التسجيل: 05-03-2003
مجموع المشاركات: 6116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
تحالفات غريبة .. عندما يهزّ الصمـــغ العربـــــــي أمريكا

    عن لوموند ديبلوماتيك

    العلاقات الملتبسة بين الخرطوم وواشنطن

    غليوم بيترون *

    في حين يستعدّ جنوب السودان لاستقلاله وللتقاسم الحسّاس للثروة النفطيّة، هناك تجارة أخرى تزدهر في هذه المنطقة: هي تجارة الصمغ العربي. إذ تدخل هذه المادّة المستخرجة من السنط (أو الأقاقيا أو القرظ) كمركّب في منتوجات كثيرة، ومنها شراب الكوكا كولا. السودان هو المصدّر الأساسي لها، في الوقت الذي يخضع إلى حصار اقتصاديّ أمريكيّ. بالتالي تنشط اللوبيات والسفارات والتجّار للتلاعب عليه.

    نيويورك. عند ملتقى ساحة هانوفر وشارع بيرل ستريت، في قلب مانهاتن، يقوم مركزٌ تجاري قديم العهد تمّ تحويله إلى نادٍ للأعمال تحت اسم "بيت الهند" India House. في الطابق الأول، تحوّلت الصالونات، التي كانت مخصّصة في ما مضى لبيع وشراء منتوجات مستوردة من الهند، إلى مطعم فاخر. إلاّ أنّ أرواح تجّار المنتوجات الغريبة لا تزال تحوم في هذا المكان. ومن مخلّفات تلك التجارات القديمة، خزانة من التحف النادرة مرصّعة بالخشب الثمين، جاثمة بمنأى عن الأضواء الخافتة والمحادثات. تتألّف الخزانة من ثلاثين جاروراً يفيضون بتلك المواد الأوليّة الأساسية للاقتصاد الأميركي. ويحتوي الجارور الحادي عشر المخصّص لعروق الشجر على مجموعة من الحبيبات، ألصقت عليه تسمية: "القرظ" (الصمغ العربي).

    على بعد خطوات، يقع عند زاوية الشارع الرابع عشر، في عنوان4 Union Square South ، متجر كبير تابع لسلسة المتاجر الغذائية العضويّة Whole Food. دون علم منهم، يثقّل فيها الزبائن الدائمون أكياس مشترياتهم بكمّياتٍ ضئيلة من صمغ القرظ هذا. يشرح السيد فريدريك ألان، مدير شركة استيراد وتحويل الصموغ Alland & Robert، أنّه في غياب هذا المحلب المعروف أيضاً برمز E 414، "ستطفو المادة السوداء التي تُستخدم لتلوين الكوكا كولا على سطح القنيّنة. ولن يعود بإمكاننا تناول المشروبات الغازيّة"، ولا استهلاك السكاكر والأدوية التي يثبّت الصمغ تغليفتها، ولا تناول الألبان الذي يُستخدم في تكثيفها، أو شرب النبيذ الذي يخفّف من حموضته، أو طبع الصحف التي يسمح بتثبيت الحبر عليها.

    يشرح البروفسور السوداني حسّان عبد النور أن "غالبية الناس في العالم يستهلكون الصمغ العربي... يوميّاً". فمجالات واسعة كالأدوية، ومستحضرات التجميل، والأغذية، والمشروبات العطرية، والأقمشة، والطباعة والصناعات العصرية ترتكز على هذا المنّ المُرسل من السماء والذي استُخدم، بحسب الكتاب المقدّس والقرآن، لإطعام العبريين خلال ترحالهم في صحراء سيناء، واستخدمه المصريون، منذ 4500 سنة، لإلصاق الشرائط على مومياءاتهم.

    أما مصدره فهو "حزام الصمغ العربي"، وهو عبارة عن عقد من أشجار السنط يربط السنغال بالصومال، محصور بين الصحراء والغابة الاستوائيّة. هناك برز منتجون كبار أمثال التشاد ونيجيريا في الأسواق الدوليّة، لكن ديناميّتهم لا توازي ديناميّة السودان. إذ أنّ "بلد السود" هذا يصدّر نصف الإنتاج العالمي، وخصوصاً أفضل نوعية له معروفة بـ"الحشاب"، وهو منبع التموّن الأساسي للغرب. لدرجة أنّه بالرغم من الحصار القاسي الذي فرضته واشنطن على السودان منذ العام 1997، لم تتوقّف تجارة هذا الصمغ الاستراتيجي، بين ضفاف البحر الأحمر والشاطىء الشرقي للولايات المتّحدة، خفية عن المستهلكين الأميركيين.

    يعلّق رجل الأعمال السوداني عصام صدّيق قائلاً: "كلما فرضت علينا الولايات المتّحدة مزيداً من العقوبات التجاريّة، كلّما صدّرنا لها المزيد من الصمغ". الأمر بديهي: إذ يتّضح بأن الصمغ أساسي لتصنيع المشروبات الغازيّة (الصودا)، رمز الرأسمالية الأميركية بامتياز. يلخّص خبير أميركي في شؤون السودان الوضع قائلاً: "نحن لدينا أخلاقيّات، لكن لا تسلبوا منّا الكوكا كولا خاصّتنا!" وتصف صحيفة "واشنطن بوست" مكمن الضعف هذا للسياسة الخارجية الأميركية في السودان، بـ"دبلوماسيّة الصودا" Soda Pop Diplomacy. مدركاً لهذا التأثير، يحلم البلد الذي كان خاضعاً لحكمٍ مشترك إنكليزي-مصري بالتحالف مع التشاد ونيجيريا لخلق نوعٍ من منظمة الدول المصدّرة للصمغ. وقد وصل الأمر بالسفير السوداني السابق في واشنطن، السيد جون أوكيك لوث، إلى حدّ التهديد في العام 2007، ردّاً على إدانات واشنطن للمجازر التي ارتُكبت في دارفور، بوقف صادرات الصمغ، ملوّحاً بقنينة من الكوكا كولا أمام حشدٍ من الصحافيين المذهولين. وكانت "حرب الصودا" هذه لتشكّل كارثة على صناعة المشروبات الغازيّة التي تشكّل ركيزة "نمط العيش الأميركي" American way of life.

    فعلى بعد عشرة آلاف كيلومتر من نيويورك، وعند ملتقى إفريقيا السوداء مع العالم العربي، تبسط الخرطوم، التي تضمّ ستّة ملايين نسمة، أرجلها الأخطبوطيّة حول تعرّجات النيلين الأزرق والأبيض. وفي شهر آذار/مارس هذا، يزدحم السير في العاصمة السودانية بسبب الأعداد الكبيرة للريكشا (ناقلات الركّاب البالية) ولسيارات الدفع الرباعي الجديدة من نوع "هامر". غابات من الأبنية والرافعات والمنارات تنتصب تحت شمس الظهيرة، وتقتحم الأمواج المتعاقبة للضباب الرملي والحرّ. تجّار البهارات والسمسم يختبئون في ظلّ دكاكينهم، ويقاومون ببسالة تقلّبات الموسم الجاف. تصادف هذه الفترة حصاد الصمغ، المنتوج الزراعي الرابع للبلد وموضع المفخرة الوطنية. ويهتف تاجر: "لا يمكن حتّى تصوّر السودان دون الصمغ!" ويضيف زميله مؤمن صالح قائلاً بنبرةٍ شاعرية: "إنّه ذهــــــب السودان. ونحن نحرص عليها أكثر من النفط!"


    "نحن لا نقبل سوى الدفع نقداً"
    للالتحاق بالستّة ملايين مزارع الذين يعملون في الامتدادات الشاسعة الموتّدة بأشجار السنط في كردفان ودارفور، يجب السير غرباً ثمانمئة كيلومتر بالسيارة على طريق مستقيمة تقسّم السهوب إلى سهلين شاسعين متشابهين تماماً. قارعة الطريق مليئة بالأكواخ المتفرّقة والسبيل بخيّالة وحيدين. وشاحنات متعدّدة الألوان محمّلة بالأغذية والرجال تختلط بالجمال الهائمة. يميل لون الأرض إلى الاحمرار. وتنتصب أشجار البَوْباب فوق الأفق الصحراوي. وعند نهاية الطريق الإسفلتية، تنتصب قرية النهود، العاصمة السودانية للصمغ العربي.

    يعمل فيها المزارعون والتجّار على استخلاص لبّ النسغ. يبوح السيد عجب الدّور أن "السنط هنا هو الحياة!" فمنذ أربعين عاماً، يستعيد هذا الأب لخمسة أولاد، صاحب الجسم النحيل والنظرة المتواضعة، بواسطة ساطوره، الحركات التي يتناقلها الأبناء عن آبائهم منذ الأزمنة القديمة. فترة العصر هي الوقت المثالي لشقّ قشرة الشجر. وبعدها بخمسة عشر يوم، سيتدفّق الصمغ من الشقوق ويشكّل مكوّرات صغيرة لزجة.

    على غرار ملايين المزارعين، لا يعرف السيد الدّور شيئاً عن المطاف الأخير للصمغ. فبعد بيعه مقابل حفنة من الجنيهات السودانية إلى التاجر المحلّي، يصار إلى تنظيفه من الشوائب، وتجفيفه ومن ثم جرشه، فإرساله في أكياس من الجنفاص إلى بلدة العُبيد حيث يُعاد بيعه بالمزاد العلني. ويبقى على الصمغ اجتياز ألفي كيلومتر باتّجاه مرفأ بور سودان، على ضفاف البحر الأحمر، ومن هناك يتمّ نقله في مستوعبات باتّجاه مصانع التحويل الغربية. وبعد طحنه ومعالجته، يصبح المنتوج النهائي أشبه بمسحوق أبيض يُعاد بيعه إلى كافة أصقاع العالم.

    تجّار الصمغ العربي متفائلون في عام 2011 هذا: فالطلب العالمي الذي حفّزه نموّ الدول الناهضة إقتصادياً، قد تضاعف منذ العام 1985، وهو يزداد وفق وتيرةٍ سنوية بنسبة 3 في المئة. يلحظ السيد بول فلاورمان، رئيس شركة Pl Thomas التجارية، بأنّ "المصدر الأساسي للنموّ موجود في المشروبات الغازيّة، وكذلك المشروبات التي تحتوي على الفيتامينات والمكمّلات الغذائية". وبحسب تحليل السيد طوماس إيف كوتودييه، صاحب دراسة عن السوق أجراها لصالح البنك الدولي، "كلّ شيء يشجّع عودة الصمغ الطبيعي". ويزايد السيد صالح قائلاً "أضف إلى ذلك إيلاء الغرب أهميّة كبيرة للزراعات العضوية!" مذكّراً بأن صمغ القرظ يدرّ على بلده 40 مليون دولار سنوياً: "أضف أنّنا ننتج أفضل صمغ في العالم!"

    هذا يجعلنا نتناسى بأن السودان دولة منبوذة من قبل غيرها من الدول، ومُندرجة على كافّة اللوائح السوداء للدبلوماسية العالمية. وإن جنون العظمة الذي أصيب به النظام العسكري يفوح من شوارع خرطوم المليئة بصور الجنرال عمر حسن البشير. فرجال الشرطة والعسكريون منتشرون هناك على نواصي الأبنية والجسور الاستراتيجيّة. وقد تتسبّب صورة فوتوغرافيّة يأخذها صحافيون أجانب بالاعتقال. إلاّ أنّه على خلفية الازدهار النفطي المفاجىء، انفتحت الخرطوم على الخارج: فإلى جانب شركة النفط الصينيّة China National Petroleum Corporation، تتشارك مجموعات ماليزيّة وهنديّة الاستخراج اليومي لخمسمئة ألف برميل. لكن ما من أثرٍ لشركات النفط الغربية منذ انسحاب الشركة الكندية Talisman Energy في العام 2002. في مطاعم العاصمة التي يرتادها الصينيون والليبيون، لم يعد الأميركيون والأوروبيون يتواجدون إلاّ نادراً... وفي فندق كورال، يرفض الندلاء أيّ دفع بالبطاقات المصرفية ولسان حالهم: "نحن لا نقبل سوى النقود سيّدي. نحن خاضعون لحصار أميركي".

    أسباب هذا الحصار التجاري موجودة في واشنطن. هناك، في شهر كانون الأول/ديسمبر ذاك، كانت الشوارع التي تربط أجراس جامعة جورجتاون بقبّة الكونغرس تبدو مخدّرة تحت ثقل الثلوج. وكان مجرى نهر البوتوماك يبدو مجمّداً تحت جليدٍ ناعم يضيئه نور مصقع. لكن بالنسبة للأعضاء في جماعات الضغط، والدبلوماسيين، والصحافيين أو السياسيين الذين يترقّبون الاستفتاء الوشيك حول استقلال جنوب السودان، كانت حالة الغليان في أوجها. إذ قد يتوّج الإجراء السلمي للانتخابات، نهاية الشتاء الدبلوماسي الطويل الذي تشهده السودان مع الولايات المتحدة.

    ما من شكّ بأن السيد تيد دانيي، المتقوقع داخل مكتبه في الكابيتول الذي لا نوافذ له، يتابع الوضع عن كثب. فمنذ عشرين سنة، يُعتبر هذا الخبير في شؤون القرن الإفريقي، الملحق بمركز الأبحاث التابع للكونغرس، أحد أدمغة السياسة الخارجية التي تعتمدها الولايات المتّحدة إزاء الخرطوم. والعلاقات بين الدولتين كانت قد تداعت عقب انقلاب البشير في العام 1989، لكن "الحكومة الأميركية لم تبدِ اهتماماً فعلياً بالسودان إلاّ منذ العام 1992"، بحسب ما يذكّر به السيد دانيي. لماذا؟ في تلك الفترة، كان السودان يعتبر بلداً يروّج للإسلام المتطرّف، بعد قمعه الدامي للثورة النوبيّة، وإيوائه للإرهابيين كارلوس وأسامة بن لادن على أراضيه.

    يؤكّد السيد دانيي على أنّه شكّل، مع ثماني موظّفين رفيعي المستوى وسياسيين قلقين إزاء تصرّفات الخرطوم، شبكة سريّة عُرفت بـ"المجلس". ومنذ بداية التسعينات، كان هذا اللوبي الذي يتمتّع بصفةٍ غير رسمية يدفع باتجاه التشدّد التدريجي للمواقف الأميركية إزاء "بلد السود". ثمّ تحقّقت أمنيات السيد دانيي في العام 1993، عندما بادرت إدارة كلينتون، عقب تورّط خمس مواطنين سودانيين في الاعتداء الأوّل الذي استهدف مركز التجارة العالمي World Trade Center، إلى إدراج السودان على لائحة الدول الداعمة للإرهاب. في الوقت نفسه، كانت النزعة الانفصالية للمتمرّدين الجنوبيين، والتي أيّدها السيد دانيي، تحظى باهتمام نوّابٍ نافذين، وتجسّدت بمساعدة مالية ولوجستية.

    وفي العام 1997، أيّد إثنان من "الصقور"، سوزان رايس، مساعدة وزير الخارجيّة للشؤون الإفريقية، وجون برينديرغاست، الخبير في شؤون إفريقيا الشرقية في مجلس الأمن القومي، المواجهة مع السودان. هكذا تلمّس الرئيس وليم كلينتون "تهديداً غير اعتياديّ وخارج عن المألوف للأمن الداخلي وللسياسة الخارجية للولايات المتحدة"، ووقّع في 3 تشرين الثاني/نوفمبر 1997 على القرار التنفيذي رقم 13067، الذي ينصّ على عقوبات تجارية واسعة.

    تداعت العلاقات بين الدولتين خلال العقد التالي: فقد حملت حصيلة الـ000 300 قتيل والمليوني لاجىء في دارفور السيد جورج والكر بوش على فرض عقوبات جديدة، حافظ عليها السيد باراك أوباما: تجميد الممتلكات السودانيّة الموجودة على الأراضي الأميركية، منع استيراد وتصدير أيّة سلع أو خدمات من وإلى السودان، منع المبادلات المالية... منذ ذلك الحين تحوّل "بلد السود" إلى دولة منبوذة، رمز للشرّ المطلق، تعيش على هامش الاقتصاد الغربي.

    إلاّ أنه في سياق المرسوم الرئاسي، وكما تتذكّره جانيت ماك إيليغوت، العضو في مجموعة ضغط، "أدرك مختبر American Home Products، الذي يصنّع دواء Advil، أن الناس سيموتون في حال لم يعد من الممكن الحصول على هذا الصمغ". والمشكلة نفسها طُرحت بالنسبة للمشروبات الغازيّة، التي "يمكن الحصول على أفضل مُستحلب لها باستخدام الصمغ السوداني الجيّد، الحشاب". "إنّه عنصر أساسي في الوصفة"، بحسب السيد دينيس سايسون، رئيس مكتب IMR International لدراسات السوق. وبالنسبة لهذا الصمغ الثمين، صرّحت وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت: "إنّها المشكلة مع العقوبات: فنحن لا نفهم دائماً من الذي يعاقب من فعلياً" [1].

    وفي غياب بديل ذي نوعية مشابهة، أصبح تأمين الاستمراية في تموينات الصمغ السوداني مهما كلّف الأمر، ضرورة حيويّة. في نهاية العام 1997، كان التاجر السيد فلاورمان، هو نقطة الدخول الوحيدة للصمغ E 414 إلى الأراضي الأميركية. وكانت تجارته، المتمركزة في موريستاون، في ولاية نيوجيرسي، معرضّة جديّاً لخطر الحصار. السيدة ماك إيليغوت، التي كانت في تلك الفترة تقدّم النصائح إلى السفير السوداني في واشنطن مهدي إبراهيم محمّد، روت كيف أن السيد فلاورمان قصد منزل السفير الخاص، على عنوان 2800 وودلاند درايف في محاذاة غابة روك كريك بارك، عدّة مرّات للعشاء برفقة زبائنٍ متنوّعين كشركات American Home Products ، Coca-Cola، Fanta...

    وقد رأى السيد محمّد، وهو مناور محنّك، في إمكانية إخراج الصمغ من العقوبات صندوقاً سحريّاً سيفتح الطريق أمام ترتيبات أخرى تخترق الحصار. وتمّ الاتفاق على دفع الشركات الصناعية الأميركية إلى الواجهة، في حين يزوّدهم السفير السوداني بمعلومات تقوّي حججهم: فرص العمل المهدّدة، وخصوصاً خطر إخضاع الصناعات الغذائية الأميركية لرحمة تجّار الصمغ الفرنسيين، الناشطين جداً في السودان.

    لوبي المشروبات الغازية يعمل لنجدة السودان
    بطبيعة الحال، لجأ المستوردون الأميركيون، المقيمون في غالبيتهم في نيوجيرسي، إلى نائب ولايتهم، الديموقراطي روبرت مينينديز الذي توجّه بدوره إلى "البيت الأبيض، ومجلس الأمن الخاص بالرئيس كلينتون ووزارة الخارجية"، بحسب السيد دانيي. السيدة أولبرايت التي تلقّت اتّصالاً من السيد مينينديز، تتذكّر بأنّها سألته: "كيف يمكنكم المطالبة باستثناءات في الحصار على السودان، في حين تعارضون بضراوة أيّ استثناء مماثل لعقوباتنا على كوبا؟ (السيد مينينديز هو إبن لمهاجرين كوبيين). فأجابها: "صون فرص العمل".

    في النهاية حسمت إدارة كلينتون الموضوع، متخطّية اعتراضات السيدة أولبرايت، وحرصها على ترابط منطق الحصار: ففي تموز/يوليو 1998، أكّد قانون العقوبات المفروضة على السودان تطبيق الحصار على كلّ شيء... باستثناء الصمغ العربي. ولتثبيت هذا الأمر قانونياً بشكلٍ نهائي، أدرج السيد مينينديز بعد عامين هذا الاستثناء في قانونٍ خليطٍ لكلّ شيء يتعلّق بالتجارة الدولية. أفي الأمر مصادفة؟ تشير حسابات حملة النائب الديموقراطي الانتخابية أنّه تقاضى في العام نفسه تبرّعات من السيد كريس بيرلينر، نائب رئيس شركة تجارة الصمغ Import Service Corporation، وجمعيات تمثّل صناعة المشروبات الغازية، إضافة إلى مجموعة كوكا كولا. وبحسب ستيفن غلازر، الصحافي في صحيفة Urban Time News الأسبوعية الذي تفحّص حساباته، تقاضى السيد مينينديز، بين العامين 1997 و2002، 55669 دولار من الهبات من قبل شركات قطاع تصنيع المشروبات الغازية والصناعات الغذائية وصناعة الأدوية.

    السيد مينينديز، الذي لم يجب على طلباتنا الملحّة لمقابلته، برّر نهجه في العام 2000 في رسالةٍ مفتوحة إلى صحيفة Washington Post ، كتب فيها: "لا يجدر بأحد التورّط في علاقات تجارية مع حثالة القوم. لكن إن كان هؤلاء الحثالة يتحكّمون بمنتوج لا يمكننا الاستعاضة عنه، ستجد السوق وسيلة لإيصاله إلى رفوفنا" (28 أيلول/سبتمبر 2000). لكن في ذلك العام، كان بين صفوف الحثالة المعنيين: السيد أسامة بن لادن... وقبلها بأربعة أعوام، صدرت مذكّرة عن وزارة الخارجية الأميركية، تستند على مصادر وكالة الاستخبارات المركزية CIA، تؤكّد على أن الإرهابي السعودي بات يتمتّع بـ"شبه احتكار لغالبية صادرات الصمغ" السوداني [2]. انتفض السيناتور الجمهوري فرانك وولف أمام الكونغرس، قبل عام على اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر (7 أيلول/سبتمبر 2000) قائلاً: "لا يزال ممكناً أنّنا نساهم، في كلّ مرّة نشتري فيها مشروباً غازياً صنع في أميركا، في ملء صناديق بن لادن".

    طلبت الحكومة الأميركية، المكلّفة بالتحقيق حول العلاقات التي تربط الصمغ بتنظيم القاعدة، من السيد بول فلاورمان على وجه الخصوص، تسليمها أسماء المسؤولين عن شركات الصمغ العربي السودانية والمساهمين فيها. وقد نُقلت هذه المعلومات مباشرةً، بحسب رجل الأعمال، إلى السيدة أولبرايت وخلفائها.

    وبرهان على الأهميّة الحيويّة للصمغ، لم تنقطع الواردات بانتظار أن تبطل وزارة الخارجية تلك الشائعات. فما النفع إذاً من استدعاء السفراء، أو القصف الأميركي العشوائي على مصنع الشفى لصناعة الأدوية في آب/أغسطس 1998، أو من الاتهامات بارتكاب المجازر في دارفور وكافّة الأحقاد المتبادلة... يلحظ أحد التجّار أن "أميركا والسودان يكرهان بعضهما البعض، لكنّهما بحاجة الواحد للآخر". وبالرغم من التضييق على تجارة الصمغ عبر فرض نظام الكوتا، لطالما قاومت هذه التجارة تغيّرات الجغرافية السياسية وأثارت الدهشة بانتظامها ال######.

    مع ذلك، يسمّم اللعب الأميركي على الحبلين مرحلياً الحياة السياسية للولايات المتحدة. فمن جهة، تعبّر مجموعة Black Caucus (مجموعة البرلمانيين السود في الكونغرس) عن رغبتها الدائمة بإلغاء هذا الرابط التجاري المتبقّى مع نظامٍ منبوذ؛ وهذا ما حاولت النائبة الديموقراطية ماكسين واترز القيام به عبثاً في العام 2007 مع اقتراح القانون HR 3464. ومن جهة أخرى، يجهد لوبي الصمغ العربي، المتجسّد بالسيد مينينديز الذي أصبح اليوم سيناتوراً، لإبقاء العلاقات التجارية مع السودان، بغيّة المحافظة على العادات الاستهلاكية الأميركية. إلاّ أنّ تجاذبات القوّة العالمية الأولى تسيء على وجه الخصوص إلى مصداقيتها فيما يتعلّق بالملفّ السوداني. وقد حذّرت صحيفة Washington Post (10 أيلول/سبتمبر 2000) من أنّه "في حال تخلّت أميركا عن العقوبات على الصمغ العربي، ستُجرّد دبلوماسيتها الفاضلة من سلطتها". أمّا في الخرطوم، حيث يعرف الجميع عن هذا الاستثناء، فتتراوح ردّات الفعل بين التهكّم والاعتزاز نظراً لأنّهم لا غنى عنهم.

    لكن، بعيداً عن تهديدات دبلوماسييها، تعلم السودان بأنّها مرتهنة للغاية لزبونتها الأميركية كي تفرض عليها إجراءات إنتقاميّة تجارية. فمكتب وزارة المال الأميركية المكلّف بتطبيق الحصار يشير إلى تحرير 25 رخصة استيراد حتّى اليوم. ودائماً بحسب هذا المكتب، تم استيراد 8800 طنّ من الصمغ في العام 2009، و10450 طنّاً في العام 2010. يدحض السيد فلاورمان هذه الأرقام ويتحدّث عن خمس تراخيص فقط لما مجموعه 4000 طنّ. هكذا يمكن لاستمرارية هذه التجارة الاستناد على تكتّم تجّار الصمغ حالما يتم التطرّق إلى الموضوع السوداني. لكن لتقليص مخاطر الدعاية السيّئة لدى الأميركيين المُشبعين بصور جورج كلوني وأنجلينا جولي وهم يجولون في مخيّمات دارفور، بات التجّار يعملون مع وكالة الولايات المتّحدة للتنمية الدولية (USAID) لتنويع مصادر التموّن.

    وهذا وجه آخر لـ"دبلوماسيّة الصودا": إذ تستفيد الولايات المتحدة من مراكز نفوذ قويّة معنيّة بالمساعدة على التنمية بغيّة تلبية الحاجات الاستراتيجية لصناعتها الغذائية. فيتمّ اليوم تصدير كميّات كبيرة من الصمغ من السنغال، والتشاد أو نيجيريا، لدرجة أنّ السودان لم يعد يمثّل سوى 50 في المئة من الصادرات العالمية، مقابل 90 في المئة قبل عشرين سنة. ويضيف السيد سايسون أنّ "الصناعيين قد توجّهوا أيضاً نحو كينيا وأوغندا". أشجار سنط في فرنسا؟ يردّ السيد آلان قائلاً: "لن يكون الأمر مربحاً. الطقس ليس حارّاً بما فيه الكفاية، والمزارع ستتطلّب مساحات كبيرة".

    مجالٌ للخلافات أو مفتاح للسلام؟
    لا يفسّر هذا الاعتراض سبب بيع التجّار الفرنسيين للصمغ المحوّل مُرفقاً بعلامة "صُنع في فرنسا". وعندما سألناه، مع شرط عدم الإفصاح عن هويّته، شرح هذا الصناعي الفرنسي بأنّه يتموّن بالصمغ من أربعة عشر دولة إفريقيّة قبل تحويله: "نطبّق وصفاتنا عليه. فلا شيء يقارب بين الصمغ الخام والبضاعة التي تخرج من مصانعنا". ويُنهي حديثه قائلاً أنّه في الواقع، "يفقد الصمغ دمغة مصدره"، قبل أن يُعاد تصديره باتّجاه... الولايات المتحدة وسواها. لكن، إن كان الأميركيون يتموّنون من الفرنسيين والإيطاليين، "فإنّ الصمغ يبقى في النهاية سودانياً!"، يصدح السيد صدّيق.

    ويضيف هذا الرئيس السابق لمجلس إدارة شركة منصور خالد للصمغ العربي، بأنّ "مسار الصمغ بأكمله موارَب!"، بما أن إشاعات غير مؤكّدة تقول بأنّه يتمّ تمرير الصمغ أيضاً عبر جنوب السودان وإيريتريا وأثيوبيا، غير الخاضعة لعقوبات أميركية، لكي يُعاد تصديره بعد ذلك إلى الغرب. بناءً على ذلك، وإذا ما أضفنا الصمغ الذي يتمّ تمريره عبر مراكز النقل والتوزيع الأوروبيّة، إنّها كميّات كبيرة جداً من الصمغ (تذكر التخمينات 5000 طنّاً إضافياً) تلتحق بالشاطىء الشرقي للولايات المتحدة، عبر صناعيين أوروبيين يضمنون لزبائنهم ستاراً دخانياً.

    هكذا في حين صوّت جنوب السودان في كانون الثاني/يناير 2011 للحصول على استقلاله، يأمل الدبلوماسيون السودانيون بأن يترافق التقسيم السلمي للبلاد برفعٍ للعقوبات الأميركية وبتضاعف حسابيّ لصادرات الصمغ. ومع إخراج السودان من لائحة الدول الداعمة للإرهاب، يشكّل هذا الوعد إحدى الأوراق الرابحة العديدة التي يحملها السيد سكوت غراتيون، المبعوث الخاص لوزراة الخارجية الأمريكيّة إلى السودان، في جعبته بهدف تطويع "بلد السود" في الوجهة التي ترغب بها الولايات المتّحدة. من جهتهم، يترصّد التّجار الأميركيين الأوضاع في دارفور، التي ستساهم استعادة الاستقرار فيه في العودة إلى زراعة أشجار السنط، وستسمح بضمان أمن التموّنات بصمغ E 414. يشرح السيد جاك فان هولست بيليكان، بأنّ "السنط شجر خصب، وزراعته عبارة عن عمل بيئي"، يسمح بإعادة تشجير سهوب الساحل التي اكتسحها الجفاف. وبحسب هذا الاستشاريّ في البنك الدولي، المكلّف ببرنامج إعادة تشجير جنوب السودان، إن الشراكة بين الدول المنتجة للصمغ وزبائنهم الغربيين مربحة للطرفَين. هكذا، وفي تلاعبٍ حذق بالكلام متوجّهاً إلى زملائه السودانيين، تحدّث بول فاورمان حتّى عن الصمغ الثمين بوصفه "لاصقاً موحّداً"، وأنّه مادّة مناسبة أساساً لاستحلاب المصالح التجارية الأميركية السودانيّة...!

    وعند ذكر المنتوج المعجزة المخبأ في الجارور الحادي عشر لخزانة التحف النادرة في مطعم India House، يضيء وجه السيد فان هولست بيليكان. فالرجل مقتنع بالأمر: الصمغ العربي هي "مادّة أولية يمكن لها أن تصنع السلام".

    * صحافي

    [1] Madeleine Albright, Memo to the President Elect: How We Can Restore America’s Reputation and Leadership, Harper, New York, 2008.

    [2] « Usama Bin Ladin : Islamic Extremist Financier », State Department, Washington, 14/8/1996
                  

04-28-2011, 01:05 AM

Abobakr Shadad
<aAbobakr Shadad
تاريخ التسجيل: 01-26-2010
مجموع المشاركات: 1624

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تحالفات غريبة .. عندما يهزّ الصمـــغ العربـــــــي أمريكا (Re: esam gabralla)

    الاخ عصام

    تحياتى وشكرا لنقل هذا المقال المهم

    نتمنى ان يستفيد منه السودان لاعادة تعريف مفهوم الامن والامن القومى السودانى

    يعنى هذا العمل من صميم عمل البعثات الدبلوماسيه فى البلاد المختلفه ونرجو ان تجد هذه الرساله
    الاهتمام اللازم ....
                  

04-29-2011, 01:38 AM

Abobakr Shadad
<aAbobakr Shadad
تاريخ التسجيل: 01-26-2010
مجموع المشاركات: 1624

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تحالفات غريبة .. عندما يهزّ الصمـــغ العربـــــــي أمريكا (Re: Abobakr Shadad)

    .
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de