كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
|
|
 بقايا شاي
|
بقايا شاي
=========
لسهولة العثور عليها ستضل إليها السبيل إن وصفته لك و زحمته بأسماء الشوارع . من الأفضل أن تتجول وحدك , وتجدها وحدك ". قالت مجيبتي ومرشدتي إلى أطلال فيللا زحفت عليها النباتات بعد موت مالكها و ك ل ب ه في واقعة حريق غامض سنة 2003 .
إوالد مارخراف Ewald Marggraff. الإبن الوحيد لأبويه بين أربع بنات . لم يتزوج قط . بلغت حيازاته من الأراضي حوالى سبعمائة هكتار من بينها كابيلابوس Kappellebos ( ثمانية وعشرون هكتارا ) و إلزنبيرخ Elzenburg ( ثمانية هكتارات ) , وهما غابتان متجاورتان تقعان بقرية فوخت Vught , صارتا منذ عام 2005 محميتين طبيعيتين . تديرهما منظمة مارخراف Marggraff Stichting التي أنشأتها شقيقاته بعد موته . بإلزنبيرخ تقع الفيلا التي يعود تاريخ تشييدها إلى عام 1880 , والتي كان إوالد مارخراف مواظبا على زيارتها مرة في اليوم بصحبة ك ل ب ه , يتناول فيها الشاي و ينصرف .
كان الوقت عصرا في بواكير ربيع . سرت على شخيرلينق سترات Scheerlingstraat حتى بلغت نقطة تقاطعه مع بوتربم سترات Boterbemstraat لأدخل بعدها ممرا يفصل بين بيتين (يبلغ طوله نحو سبعة عشر متر و عرضه ثلاثة أمتار) . تحفه من الجانبين عشبات إكليل الجبل , تبدأ العشبات قصيرة عند المدخل ثم تتدرج في العلو كلما تقدمت بمقدار معلوم شاءته إرادة يد قابضة على مقص للشجر وخرطوم للمياه .
تقدمت بين الأعشاب مقتربا من منتصف الممر. ذهني مهيأ لكافة الإحتمالات . بدني ملتهب بحمى العزم على التحليق . ليس من قوة بقادرة على تسميره . صدري فياض بالأماني , رئتاي واسعتان كرئتي راع جبلي , وعلى ممر ندي زلق أندفع نحو نقطة الإقلاع فاردا يدي حتى تعاليت كالقشة في مهب الريح .
مذعورا مماجرى تشبثت بأطول العشبات قبل أن تميل نحو القصر في نهاية الممر الذي صب في كراينخاتفيخسترات Kraaiengatwegstraat وهي السكة الفاصلة بين حي فوخت زاود( Vught zuid ) ومحمية كابيلابوس .
المحمية على يساري . مشيت على سكة ترابية جيدة التعبيد مرصوفة بالحجارة الصغيرة , يفصلها عن نهايات بيوت الحي جدول مائي سائل ومجموعة من أشجار الكرز والتفاح , وعن الغابة المحمية جدولان يابسان . تشرف نهايتها في البعيد على مرج فسيح تسوده زهرة الهندباء .
بعد مائتي متر من السير إستوقفتني بوابة - واحدة من ست بوابات صادفتها في تجوالي - عبارة عن قوس من الحديد الصلب تتوسطه أشكال متعددة حجبت صفرة طلائها طحالب . يمتد منها إلى أعماق الغابة درب عرضه ثلاثة أمتار يخترق أشجارا يتجاوز طول بعضها أربعين مترا ميزت من بينها السنديان والبتولا و الزان و أنواع أخرى من الأشجار إبرية الأوراق يُظِل تلاحم ذؤاباتها الدربَ هنا وهناك .
ينفتح الدرب على أربعة دروب جانبية لايزيد عرض كل منها عن المترين ونصف المتر ( إلى مجاهيل تقودني أم إلى مخارج ? ) وهذا الطائر الغريب , له حجم قبرة , كحلي الريش و مصفر المنقار , إلى أين يسوقني و هو يسبقني بعدة قفزات رشيقة يتلقط أثناءها ديدانا من بين الأوراق والثمار المتعفنة(أم أنه يوهمني بذلك ?!) , يلتفت منتظرا إقترابي ليبتعد من جديد , وهكذا قطعت في صحبته نحو مائة متر قبل أن يختفى في بقعة تباعدت فيها المسافات بين الأشجار فظهرت الشمس , ولاح على يميني حقل ذرة شامية محصودة , تليه أرض بور يهدر على جانبها المحاذي لشارع هوفنساسترات تراكتور . طغى هدير الماكينة على صوصوة وحفيف أجنحة و نقر على جذوع و هديل .
سلكت الدرب المتعرج المستقيم الصاعد الهابط المستوي المنبسط المنكمش الفسيح المشمس الظليل وفقا لما تقتضيه أحوال الفجاج التي يشقها.
قريبا من البوابة الثانية التي تطل على شارع هوفنساسترات إنعطفت يساراهابطا منحدرا طوله
سبعة عشر مترا ينتهي إلى بركة آسنة عمقها نصف متر , تتمدد في منخفض مساحته حوالى ستمائة متر , تغص بالضفادع وكائنات مائية أدق حجما . و يرقد على حوافها عدد من الأشجار الإبرية الأوراق بدت لي بسوقها الظاهرة فوق الماء وأغصانها نصف الغارقة كمن تنقب عن شيء أضاعته في ماء يغذيه أحد عشر مجرى . يتناثر حول البركة حطام أغصان وسوق الأمر الذي يجرّد التجوال من عنصر المتعة في بقعة أحسب أن مصدر رطوبتها بقايا شاي تغلغلت في باطن الأرض من أطلال الفيلا الكائنة بمحمية إلزنبيرخ .
عثمان محمد صالح
(عدل بواسطة Osman M Salih on 04-26-2011, 08:00 AM)
(عدل بواسطة Osman M Salih on 04-27-2011, 11:16 AM)
|
|
  
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: بقايا شاي (Re: Osman M Salih)
|
عثمان محمد صالح
كتابة ممتعة ووصف جعلني ارافقك بالالوان!
ارقني قليلا جدا دقة قياساتك فكيف عرفت ان العمق نصف متر?
لماذا ذهبت لذاك المكان?
شكرا على الامتاع!
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: بقايا شاي (Re: Osman M Salih)
|
الأخ العزيز بدر الدين احمد موسى,
أحييك مجددا. سألتني أجبتك . عن لي سؤال ثلاثي الفروع أتمنى أن تجيب عليه :
لنفترض أن المحميّة مخترعة كلها من الألف إلى الياء, ماأهمية أمر كهذا?.
لنفترض أن قياساتي لتفاصيل عبورى للمكان دقيقة. أيقلق هذا ?ولماذا يقلق ?.
لنفترض أن المكان غير مخترع ـ و يحق للقاص إختراع أماكن جديدة ينفث فيها الروح فتحيا ـ لكن القياسات الواردة بعاليه تنقصها الدقة و يعوزها التحديد القاطع , فهل لهذا الأمر دلالة ? أرجو إفادتي و لك جزيل الشكر مقدما.
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: بقايا شاي (Re: Osman M Salih)
|
العزيز عثمان
سلام وكلام
اعترف اني لم أقرا نصك الحالي لضيق الوقت .. لكني أردت التعبير عن افتقادي لقلمك الرائع في هذا المنتدى
كن بخير .. تحياتي وأطيب أمنياتي
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: بقايا شاي (Re: singawi)
|
أستاذنا الأديب الأريب عثمان..
و أنا أقرأ استمتعت بالتنوع في الطقوس التي يتنقل بنا قلمك بينها.. بين كيس الدمورية و بقايا الشاي..
و مثل الأخ بدر الدين لفتت نظري دقة وصفك للأطوال و الأبعاد.. في البداية وجدت نفسي مستمتعة بمحاولة تخيل الأبعاد للشارع و لنباتات إكليل الجبل لأستطيع رسم المكان في خيالي كما أراد لي الكاتب.. و لكن كلما ازداد الوصف و القياس دقة.. كلما وجدتني أعاني بعض الرهق في رسم الصورة.. و رغم ذلك اجتهدت في متابعة الرسم بالقياس في خيالي ليقيني أن له دلالة ما في نفس الكاتب يرغب في إيصالها لي كقارئة.. أو على الأقل يرغب في إعادة اجترار تفاصيلها في ذاكرته هو.. كتابة.. أتيحت لي قراءتها..
يعجزني في غالب الأحيان إن صادفت رمزية استوقفتني .. في منشور أو تصوير .. أن أجد صاحبها لأسأله عن الدلالات لديه و إن كان يمكنه الإضاءة حولها..
غير أنني أظن نفسي محظوظة.. لتواجدك معنا في مساحة تتيح لي بجانب القراءة سؤالك عن شيء ما من الدلالة
تحياتي و تقديري
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: بقايا شاي (Re: Osman M Salih)
|
أختي العزيزة سناء خالد .
سلام متجدد ,
يبدو أن الطموح الذي دفعني لكتابة هذا العمل في الجمع بين الحسنيين :الدقة المفرطة والمخيلة الطليقة قد كبدك مشقة أبنتِ عنها بعاليه .
إن تطبيعة المادة التي إشتغلت عليها هي التي قيدتني بقيود أبعادها . فكما تعلمين من ردودي على من سبقوك أن المحمية قائمة بالفعل و ليست إختراعا , هذه المحمية بالذات لاغيرها , محددة الأبعاد , بواباتها ثابتة , دروبها مذروعة جيئة وذهابا و بها شجر معلوم الأنواع والأطوال إلخ و لهذا لم يكن أمامي مهرب من توخي الدقة في الوصف بقدر المستطاع .
أعتذر مجددا عن تأخري في الرد . وأيم الحق لم يكن مقصودا. لك مني صادق التقدير و الإحترام . عثمان
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: بقايا شاي (Re: singawi)
|
أخي العزيز سنجاوي . أسعدتني الحفاوة كما أعجبني صدق حديثك و صراحتك المقدرين عندي . كن دوما بخير .
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: بقايا شاي (Re: Osman M Salih)
|
الأخ العزيز عثمان محمد صالح
التحايا والأشواق
دوما رائع بكتابتك الأنيقة وفعلا بقايا شاي يعدل المزاج كشاي قهوة المتلقى بكسلا أوقهوة عبدمترجم بسوق حلفا .
لك التحية يا مبدع .
أحمد
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: بقايا شاي (Re: Osman M Salih)
|
عثمان محمد صالح
حياك الله
السرد يا عثمان فوق الممتاز, والوصف جميل, لذلك ما في مجال للمفاضلة بين ان كانت واقعية او خيالية!
ان كانت المحمية مخترعة من الالف للياء سيدل على خيال خلاق, واذا كانت حقيقية فقد وصفتها بشكل مبدع.
مصدر القلق في القياسات الدقيقة-لدي- انه يبرز الصنعة. وكما تعرف فان في الفن اعذبه ما ابتعد او تباعد عن الصنعة.
لاحظت من قرآت عديدة, ان الادباء يلجاوون للابعاد التقريبية بدلا من القياسات الدقيقة كأن يقول احدهم في وصف العمق:"تغوص فيها الرجل الي منتصف الساق او لحد الركبة", او في وصف المسافة يقولون :"حوالى نصف مربع-بلوك-", لابراز العفوية.
تقريبية القياسات والابعاد يعطيك انطباع ان الواصف يصف المنظر كما يراه لاول مرة في حين اعطاء قياسات دقيقة تعطي انطباع ان الكاتب كان هناك لاكثر من مرة-وليس في ذلك عيب اذا كان سياق القصة يقتضي ويتطلب ذلك- او انه يحمل مترا لقياس المسافات, وذلك غير مألوف من زوار الاماكن السياحية.
شوف الفرق بين ان تنظر للموناليزا كما هي الان, او ان تري بعض قياسات دافنشي على تفاصيل الوجه! على الرغم من ان كل الناس يعرفون ان دافنشي فعلا استعمل قياسات في اللوحة.
وكما قال Oscar Wilde :
"the true artist is a man who believes absolutely in himself,because he is absolutely himself"
في معرض وصفه لاراء الناس في اعمال اهل الفن والادباء وان ذلك غير ملزم للاديب والفنان, لان زاوية منظوره غالبا اوسع من خيال القارئ
في كل الاحوال القطعة اكثر من جميلة كما عودتنا لكن فقط وددت ان لا اكون طفيلي, اقرا واذهب بالجمال, من غير ان اعرفك باني مررت واستمتعت!
(عدل بواسطة بدر الدين احمد موسى on 04-27-2011, 05:27 PM)
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: بقايا شاي (Re: بدر الدين احمد موسى)
|
أشكرك يا بدر الدين على إهتمامك بالجواب . المحمية على كينونتها في عنوان معلوم هي صنيعة تمتد جذورها في تربة أوراق تصور تيهي حين دخلتها لأول مرة ,و قمم أشجارها في السماء .
ضللت الطريق إلى أطلال الفيلا وأغفلت ذكر ذلك مكتفيا بالعوض وهو القصة القصيرة التي بين يدي القاريء . ثم عرفت الطريق وأشقاني قياس المسافات , تصحيحها والتثبت منها . وهذا عمل شاق يبعث تكراره على السأم ويصرف فيه وقت ثمين . كل هذا لايراه القراء.
ثم واجهتني معضلة بركة آسنة مجهولة العمق ولا سبيل إلى مخاطرة الخوض في مائها الراكد حتى أصفه بما تفضلت به على . وقيض لي الحل في ما وصفته بعاليه . تحياتي .عثمان .
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: بقايا شاي (Re: Osman M Salih)
|
وتتواصل كتابة عثمان محمد صالح عن الامكنة. مسرد هولندي نراه الآن. قرية عثمان الهولندية "فوخت" بطلة السرد. وبطلة الطبيعة التي تسم الاسلوب بهذه الحيوية والوصفية التي تبدو ككتاب مدرسي.
ماذا ترى؟
سؤال تتعدد اجاباته بتعدد المجيبين والمجيبات. من عيي تضطرب اجابته/ الى وصّاف ينحو الى الاطناب. العلاقة بين السرد والمدرك بالعين وبالعقل/ وبين قدرة الانسان اللغوية، وبين الخيال علاقة جدلية، وكذا ثراء اللغة بالمفردات، من ثراء المكان والبيئة بالاشياء والظواهر والانشطة.
يقولون إن للاسكيمو في بيئتهم الثلجية ، المتجمدة، المضجرة، آلاف الاسماء - في لغتهم المحدودة - للثلج والجليد. وللعرب في بيئتهم الموسومة بالصحراء، وفقر النبات والحيوان، اسماء عديدة للرمل، وللغزال.
عثمان محمد صالح المجيد للغة العربية، وللغة الهولنديين، استطاع أن ينقل لنا صورة قلمية ، كما يقولون، للقرية التي يعيش بها, ولما حولها من غابات وبحيرات وطبيعة.
نظرت في قووقل ايرث للشوارع والمحمية الطبيعية فوجدت عجبآ. قلم عثمان محمد صالح استطاع، باجادة، أن يشركنا فيما رآه وما يراه. بحيوية تفوقت على الصور الفضائية، والفوتوغرافية.
خضرة وشجر ومياه وغابات وشوارع نظيفة، وحدائق غنّاء، وبيوت صغيرة حميمة وتحمل شخصيات ساكنيها، من لون طلاء حيطها، الى ابوابها، وورود حدائقها، وانواع عرباتها، والآرتيفاكتس المختلفة artifacts، من التماثيل، الى تمائم الحظ، وواقيات العين الحاسدة.
عثمان في هذه القطعة السردية الرائعة، يكتب عن مكان حقيقي، وشوارع حقيقية/ وتاريخ حقيقي للفيللا الغامضة التي احترقت ذات يوم. وعن ساكنها الاعزب الغنيان. انظروا حكايتها ,وحكايته في ويكيبيديا كي تتعرفوا على تاريخ اسرة نبلاء، لها دور في تأسيس المكان والدولة والامبراطورية. عثمان صنع لنا من بقايا شاي هذا الاعزب الغنيان سردآ رائعآ، وختامآ غرائبيآ يعزو رطوبة الارض الى بقايا الشاي الاسطورية التي تغلغلت في باطن الارض من الفيللا الاشبه بالاسطورة. ما قصة هذا الاعزب الغنيان؟ لماذا لم يتزوج؟ ولماذا امتلك فيللا، اقصى ما كان يفعله فيها شراب الشاي بصحبة ك ل ب ه؟
كل الاسماء هنا حقيقية. ما عدا هذا الاسم إلزنبيرخ Elzenburg الأمر الذي يطرح سؤالآ: لماذا؟
هذا شئ. الشئ التاني والذي يهمنا هنا، احساس الكاتب بما يكتب عنه. وفضول الكاتب، ورغبته في التعرف على ما يحيط به من طبيعة وتاريخ وبشر وبيئة.
عثمان "الآوتصايدر" outsider، امتلك المكان وعاشه وكتب عنه. فهو ليس اجنبيآ منعزلآ، وخائفآ، بل هو كاتب يونيفيرسالي universalist، جنسيته الابداع، وبطاقة هويته العين المدركة والقلم المطاوع.
شكرآ يا عثمان على حفزنا للقراءة والبحث. وشكرآ طبعآ للتكنولوجيا التي يسّرت الحصول على المعلومات، وعلى نقلنا، بطريقة أو بأخرى، الى اجواء وبيئة ومدركات البصر والعقل في السرد الجميل.
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: بقايا شاي (Re: Adil Osman)
|
عزيزي عادل عثمان . سلامات . لم إستبدل شيئا , فللأعزب الثري أطيان متفرقة و فيلتان هما : زيونسبيرخ Zionsburg التي جلبت مشكورا صورتها وهي بعيدة عن المكان الموصوف فوق , و إلزنبيرخ Elzenburg .
| |
|
|
|
|
|
|
| |
Osman M Salih
بدر الدين احمد موسى
ولياب
Adil Osman
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست