و زحف عم علي عطشا نحو الموت ( إهداء إلى النوبة بالضفة الغربية)

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-27-2024, 00:20 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2011م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-17-2011, 11:19 AM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22489

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
و زحف عم علي عطشا نحو الموت ( إهداء إلى النوبة بالضفة الغربية)

    سبعينيات القرن الماضي .
    شهر يوليو يلفظ أنفاسه ، ليبدأ شهر معروف عند أهل الشمال الأقصى ، شهر ( مِسْرى MISRA ) المعروف بحرارته التي تجعل حدود ( السراب ) تتقدم حتى تخوم المنازل الطينية فتحدها بعض ( طراوة ) تهب في كسل من جهة النيل المتململ في إنتظار زخم الدميرة و طميه الأسمر.
    تظلل غابات النخيل الممتد في شريط يتبع إنحناءات النهر فيتخذها القرويون متكئاً للمقيل .
    في هذا الشهر يتحاشى سائقو ( اللواري السفرية ) التحرك نهاراً تحاشياً لهذا القيظ المندلق من شمس كأنها تعانق صخور الطريق و رماله بدءاً من قهوة ( ود باهي ) شمالي مدينة دنقلا.
    فما أن تفارق اللواري موقع هذه القهوة ، تتلون الطبيعة بألوان متنافرة ما بين رمال بيضاء و صخور تبرز كأنياب وحش كاسر و تربة تخدع السائقين كأنها تترصدهم ليقعوا بين براثنها فلا شفيع إلا ( تلك الصاجات الصلبة ) يرشقها مساعدو السائق في براعة متناهية متتبعين حركة عجلات اللوري حتى يقف على أرض صلبة ...
    أيامها كان الركاب على اللوري يندرجون تحت الفئة الثانية ، ففي المرتبة الأولى تأتي ( شوالات التمور ) في المقام الأول إذا كانت وجهة اللوري جنوبا نحو أمدرمان. و يأتي الركاب في المقام الثاني أبضاً إن توجه اللوري شمالاً محملاً بإحتياجات ( الكناتين ) و الدكاكين في القرى المنثورة على جانبي الطريق. بينما يكون الركاب الثلاث أو الأربع في كابينة السائق يُعامَلون كركاب الدرجة الأولى في وسائل السفر الأخرى.
    جلس ( العم علي ) القرفصاء على شوال من السكر ، متلفحاً عمامته كما رجال ( الطوارق ) هو و ثلة من الرجال في مؤخرة اللوري ، بينما جلست النساء و الأطفال في مقدمة صندوق اللوري خلف ( كابينة ) السائق يتظللن بثوب مربوط بحواف اللوري إتقاء حرارة الشمس.
    وصل اللوري دنقلا قبيل المغرب ... بعد مسيرة يومين.
    فاللوري يعاني من الترهل في بعض أجزائه ، و الكل يعتمد بعد الله على حنكة السائق و طول تجربته في سبْر كُنْه هذا الطريق و مخاطره.
    يضبط السائقون زمن تحركهم ، قبل أن تتوسط الشمس كبد السماء و بحيث يكون المبيت في ( قهوة ود باهي ) شمالي دنقلا حتى يتمكنوا من التحرك صباحاً و الوصول لأولى قرى المحس بالضفة الغربية ( قرية أقولة أو عاقولة ) التي تشكل آخر قرى المحس شمالا بالضفة الغربية.
    حفاوة صاحب القهوة ( العم ود باهي ) بالمسافرين هو و أسرته تجعل هؤلاء المنهكين من وعثاء السفر يتناسون قليلاً من التعب و إستعداداً لمسيرة نصف يوم آخر.
    ( العم علي ) العائد من العاصمة بقطع غيار ( وابورالماء ) ، ظل يحادث رجلا ينام على ( عنقريب ) منسوج بالحبل عليه ( برش ) مهتريء .. يتحدث عن أسعار قطع الغيار و تقاوي الخضروات التي جلبها معه ، و الرجل بين نائم ومستيقظ يلتقط أجزاء من حديثه و يروح في غفوة نعاس ..
    يستيقظ المسافرون على الجلبة التي يحدثها ( العم ود باهي ) ، و رائحة ( الحليب المقنن ) تعطر أجواء المكان و بضع لقيمات على ( صواني الشاي ) توزعها إمرأة على إستحياء مع ( كبابي ) الشاي التي راح لونها من كثرة الإستعمال.
    يستحث السائق الركاب على سرعة الصعود على متن اللوري حتى يقطع المسافة المتبقية قبل إشتداد القيظ.
    ما أن يفارق اللوري القهوة و يترك على يمينه قرية ( أكد ) غرب جزيرة بدين من الناحية الجنوبية ، تبدأ سلسلة من الجبال في الظهور كقطيع من الأفيال العملاقة لتجعل النيل يبتعد رويدا رويداً من طريق اللواري الذي يسلكه السائقون بالخبرة و الفطرة المجردتين ، فالرياح تجرف كل آثار اللواري التي تتجه شمالا أو جنوبا ، و ما على السائق إلا أن يخمن إتجاهه في بحر الرمال و الأرض اللينة التي تشبه تربة صلبة و لكنها تقف كالمصيدة تتصيد إطارات اللواري.
    مساعدو السائق و ( الصاجات ) في عراك مع التربة ، و العرق يتصبب من الجميع ...
    و اللوري الذي يكتم المساعدون صوت ( العادم) بعلبة فارغة حتى يضخم الصوت و يجعل له موسيقى يطرب لها المساعدون في تلك السهول فيتردد الصوت بصدى لا ينتهي ..فيختلط مع بكاء الأطفال و ثرثرة النساء و تشجيع الرجال للمساعدين.
    فجأة يصمت هدير اللوري تماما ، و يسكن ضجيجه ..
    يحاول السائق جاهدا أن يجعل الحياة تدب في اللوري من جديد
    و لكن اللوري كان قد آثر الصمت المطبق.
    وقفوا جميعا أمام اللوري و هو يفغر فمه للجميع و كأنه يقول لهم : لقد تعبت ، آن أوان الراحة ..
    و الشمس تتوسط كبد السماء لترسل شواظاً من حرارة لاهبة تجعل الكل يرشف الماء عقب كل زخة عرق.
    السائق و المساعدون في سباق مع الزمن لتحريك ماكينة اللوري
    و لكن لا حياة لمن تنادي
    و برميل الماء يتناقص.
    هنا قرر السائق أمراً
    نبه الرجال بأن الماء المتبقي لا يكفي إلا لفترة محدودة و لبضعة أشخاص حتى تصلهم نجدة لا يعرف متى و كيف ؟؟؟
    نظر الرجال بعضهم إلى بعض
    إتفقوا على أن يذهب جزء منهم صوب الجبال و إعتلاء قممها لينظروا إن كان هناك ثمة قرية أو إن كان النيل قريباً.
    تطوع ( العم علي ) دون تردد ، و تبعه ثلاثة رجال ..
    أخذوا قليلا من الماء و توجهوا صوب الجبال تملأ قلوبهم رهبة و تتبعهم دعوات القابعين على اللوري بأن يسخر لهم الله فرجاً قر يبا.
    عندما وصلوا أول قمة ، كان الماء الذي بحوزتهم قد نفد .
    واصلوا السير و قد أنهكهم السير على قطع الصخور المدببة و الرمال الحارة ..
    خيم الليل على المكان
    إتفق الأربعة على أن يتفرقوا في مجموعتين.
    ( العم علي ) و رفيقه إتجها نحو الشمال الغربي بينما إتجه الفريق الآخر نحو الجنوب الغربي
    ودعوا بعضهم البعض على أمل اللقاء مرة أخرى قرب اللوري.
    أكبرهم سناً هو ( العم علي ) .. و لكن رغما عن ذلك كان أكثرهم نشاطاً ، يحث السير قبل أن تغيب الشمس خلف الجبال بالضفة الغربية ، و الليل هناك محفوف بالزواحف و الذئاب.
    العرق يتصبب غزيرا
    الشفاه جفتْ و الحناجر أصبحت لا تستطيع إخراج كلمة ، حتى الريق أصبح معدوماً
    و الشمس رغم إقتراب وقت العصر إلانها لا تزل ترسل سياطا من قيظ
    إلتفت رفيق ( العم علي ) ليجده جاثيا على ركبتيه واضعا كلتا يديه على رأسه
    ثم تمدد على الرمال الملتهبة غير عابيء بنتوءات الصخور المدببة التي تنغرز في جسده النحيل
    حاول رفيقه أن يجعله يقف على رجليه ، و لكن ضعُفَ الطالب و المطلوب.
    بدأ ( العم علي ) يزحف على غير هدى ، يقبض بكفيه المهترئتين حفنة من الرمال سرعان ما يفلتها عندما تحرقه.
    أشار لرفيقه بأن يتقدم ..
    خيم الظلام الدامس
    عواء الذئاب يتردد صداه بين راسيات الجبال فيدخِل في النفوس رهبة زيادة على رهبة الموت الجاثم جراء العطش.
    من على قمة جبل إنزلاقاً إلى بطن وادٍ ..
    ثم تلةً إثْر تلة.
    حتى صار لا يفرق بين سماء أو أرض.
    و أحس بحرقة في جوفه و كأن سكاكين محماة في النار يبتلعها إبتلاعاً.
    و راح في هذيان يخلط ما بين القديم و الجديد ، و ما بين ما كان يؤمل و ما فقد.
    عندما لامست شفتيه جرعات من حليب دافيْ و فتح نصف عين و رأى وجه الرجل يتمتم بدعوات السلامة ، حاول أن يصرخ بأن ( العم علي ) هناك يقاوم الموت و سكراته.
    و لكن الرجل أسكته بكلمات حزينة : لقينا زولك الله يرحمه.
    جرعات الماء المندلقة رأساً من ( القِربة ) لم يحس لها بأي طعم غير أنها أسكتتْ وخزات الألم التي تجولتْ معه طوال الليل.
    عندما عاد مع منقذيه لـلوري و ركابه ، أحس بأنهم يرمقونه بنظرات عتاب و لكنه في قرارة نفسه كان يركن إلى أنه كان السبب في نجاتهم.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de