شاهد علي العصر:كِتاب ..(مدرسة كاب الجداد)..

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-12-2024, 00:15 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2011م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-14-2011, 06:01 PM

بشير أحمد
<aبشير أحمد
تاريخ التسجيل: 03-21-2008
مجموع المشاركات: 10017

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
شاهد علي العصر:كِتاب ..(مدرسة كاب الجداد)..

    لمٌولفه :الدكتور عوض الله محمد عوض الله.
    من خريجي مدرسة كاب الجداد الاميرية ؛اعلامي ومذيع لراديو وتلفزيون الرياض.
                  

04-14-2011, 06:03 PM

بشير أحمد
<aبشير أحمد
تاريخ التسجيل: 03-21-2008
مجموع المشاركات: 10017

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شاهد علي العصر:كِتاب ..(مدرسة كاب الجداد).. (Re: بشير أحمد)

    الشكر موصول للاخ/عوض الله احمد
    لارساله لي جزء من الكتاب.
                  

04-14-2011, 06:05 PM

بشير أحمد
<aبشير أحمد
تاريخ التسجيل: 03-21-2008
مجموع المشاركات: 10017

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شاهد علي العصر:كِتاب ..(مدرسة كاب الجداد).. (Re: بشير أحمد)

    بسم الله الرحمن الرحيم


    مدخل :

    هذه وقفات استرجاج لماضٍ جميل عشناه في ربوع مدرسة كاب الجداد الوسطى أولاً، ثم مدرسة كاب الجداد الثانوية العامة لاحقاً بعد تغيير السلم التعليمي في السودان، وتبدل المراحل الثانوية التي كانت سنواتها أربعاً كذلك، ونحن عندما قبلنا في المدرسة كانت تسير مثل كل مدارس الوطن، على المسار التعليمي القديم، أو السلم التعليمي المتوارث من الإدارة البريطانية على ما أظن واستمر حتى عام 1970م بعد ثورة مايو وإعلان السلم التعليمي الجديد على لسان ويدي ومتابعة الوزير العالم الراحل الدكتور محي الدين صابر وزير التربية والتعليم في تلك الفترة من حكم الرئيس نميري. ثم تبدّل وضعنا، فبعد أن كان المفترض حسب النظام القديم أن ندخل السنة الثانية الوسطى، حيث إننا التحقنا بالمدرسة عام 1969م، صرنا تلاميذ في الصف السادس الابتدائي، باعتبار أن المرحلة الابتدائية صارت ست (6) سنوات ونحن درسنا الصف الأول المتوسط فاعتبر الصف الخامس الابتدائي.
    وهكذا تجمعنا من قرى كثيرة في تلك المنطقة من أقصى شمال غرب الجزيرة، المنطقة المزدهرة بزراعة القطن، وكنا نحن من قري المنطقة التي تقع داخل الجزيرة وهي قرى متناثرة متقاربة، ويبعد أقصاها عن النيل الأزرق ثلاثين كيلا. وكان معنا طلاب من قرى على النيل الأزرق وأكثر هؤلاء كان من ألتي والتي كان تلاميذ مدرسة المسيد الأولية التي كانوا يدرسون فيها يلتحقون بمدرسة كاب الجداد الوسطى التي كانت المدرسة الوحيدة في المنطقة حيث لا توجد مدرسة أخرى إلا في الكاملين، ومدرسة ثالثة في "أبو عشر" وهي مدارس قديمة وعريقة، تخرج فيها الآلاف من أبناء المنطقة وكان يلتحق بها أبناء المناطق أو القرى القريبة منها. وهكذا تجمع طلاب منطقتنا ومعهم تلاميذ من المسعودية والتكينة وألتى والغابة وأم مغد، والجدايد؛ الجديد خليف الجديد عمران والجديد الدبب، والباقير القدامى وهذه القرى كلها واقعة على شاطئ النيل الأزرق وطريق الخرطوم ـ مدني، وهم يمتازون بالكثير من الانفتاح وأناقة اللبس، وفصاحة اللسان ربما لنشأتهم في تلك القرى القريبة من العاصمة الخرطوم، وربما يكون كذلك للتأثر بالعاصمة وأهلها وزيارات هؤلاء الاخوة إليها وترددهم عليها تأثير على شخصياتهم وتفتح أذهانهم، وقد تدرج كثيرون من أولئك في سلم التعليم العالي، وصـار منهم الطبيب والضابط ورجــل القانون، وخدموا بلادهم بما تأهلوا به من علم ومعرفة وتأهيل علمي في الجامعات التي درسوا فيها.
                  

04-14-2011, 06:07 PM

بشير أحمد
<aبشير أحمد
تاريخ التسجيل: 03-21-2008
مجموع المشاركات: 10017

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شاهد علي العصر:كِتاب ..(مدرسة كاب الجداد).. (Re: بشير أحمد)

    أما بقية الطلاب في مدرسة كاب الجداد في تلك السنوات فكان بعضهم من قرى الجزيرة الداخلية ومنها : أزرق قريتي، والسريحة، والمحريبات وهي مجموعة قرى متقاربة منها : المحريبا الفكي عمر، والمحريبا الشوتلاب والمحريبا أولاد يوسف. واللعوتة، والهبيكة، والخلوات، وهي التي أخذت اسمها من خلاوي القرآن التي أنشأها الخليفة حسب الرسول خليفة ود بدر، وكجَنةَ على وزن فَعَلةَ، وهي قرية تجاور الخلوات وسكانها من أصول ترجع إلى غرب إفريقية، إضافة إلى طلاب من قرى أصغر من هذه القرى مثل طيبة الخليفة التي كان الطلاب القادمون منها من أسرة واحدة، وهم عبد الرحمن سليمان وأخوه مصطفى سليمان وابنا عمهما سليمان المبارك وسليمان أحمد سليمان، وطلاب من قرى لم تكن نعرفها نحن مثل المتابير وأفطس، وطلاب من قرى عريقة مثل النِّخيرة وهي قرية الفكي عثمان ود بدر التي أقام فيها دهراً طويلاً يعلم القرآن قبل أن ينتقل رحمه الله إلى "أم ضواً بان" ليخلف الخليفة يوسف ود بدر حتى رحيله في عام 2003م. وهناك طـلاب أيضاً من قـرى ظاهـرة فـي المنطقـة كالسديرة وهمـا قريتان كبيرتان تحملان هذا الاسم السديرة الغربية والسديرة الشرقية وأغلب سكان هاتين القريتين من العسيلات شرق النيل الأزرق وهم من فرع من قبيلة رفاعة التي تقطن القرى الواقعة على النيل الأزرق، ويمتدون من الدندر وقرى نهره حتى مشارف الخرطوم ..
    ولما كانت المدارس الوسطى قليلة العدد في السودان بشكل عام فقد كانت بعض مدارس النيل الأبيض المتاخمة قراه لشمال غرب الجزيرة. يجلس طلابها للامتحان في مدرسة كاب الجداد ويلتحق الناجحون منهم بها، وأذكر طلاباً من بجيجة وقوز الناقة وهذه القرى تتبع للنيل الأبيض أو تقع عليه أو بالقرب منه, ولا غرابة في ذلك ربما بسبب أن مدرسة كاب الجداد الوسطى كانت تقع في مديرية النيل الأزرق وهي المديرية التي كانت ولاية النيل الأبيض جزءاً منها.
                  

04-14-2011, 06:12 PM

بشير أحمد
<aبشير أحمد
تاريخ التسجيل: 03-21-2008
مجموع المشاركات: 10017

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شاهد علي العصر:كِتاب ..(مدرسة كاب الجداد).. (Re: بشير أحمد)

    وأضيف إلى نوعية ومشارب ومواطن الطلاب الصغيرة إلى أن المدرسة استوعبت طلاباً من الخرطوم ومن الشمالية، وهؤلاء جاءوا إليها بحكم عمل آبائهم أو أولياء أمورهم، فكان يدرس أبناء المفتشين والمهندسين الزراعيين والمحاسبين والخفراء العاملين في إدارة مشروع الجزيرة وهؤلاء في أغلبهم من الخرطوم أو من الشمالية، وكان أهل الشمالية خاصة الدناقلة يعملون "خفراء" في قناطر مشروع الجزيرة، أما أبناء المفتشين والزراعيين من العاملين في مشروع الجزيرة من أبناء الخرطوم، فأورد منهم أسماء صديقي نادر نجم الدين حسن التوم وهم من حلفاية الملوك وكان أبوه العم نجم الدين نائبًا لمحافظ مشروع الجزيرة ويسكن في ري الترابي، وأذكر هشام مصطفى السيد وكان والده كذلك نائباً لمحافظ المشروع ويسكن في "ري كاب الجداد"، ومن أقاربه أسامة عبد الماجد. وكذلك أمين محمد عمر بشير، وهو ابن الأستاذ المعروف محمد عمر بشير رحمه الله. وهناك أبو بكر وعمر بشير شكور وكان والدهما المهندس الذي ساهم في إنشاء محلج الباقير، وكذلك حاتم عبد الغفار وكان أبوه يعمل مفتشاً في مشروع الجزيرة ويسكن في سراية بالقرب من اللعوتة وغير هؤلاء الزملاء عدد آخر أذكر منهم عليان الريَّح وهذا من الثورة وكان أحد أقاربه يعمل في ري كاب الجداد ويبدو أنه هو الذي توسط لإدخاله المدرسة وكان عليان أبيض البشرة، ألثغ، وكان لا يطيق الدراسة، ويتطلع دائماً للإجازات ويتمناها.
    لقد ارتبطت الحياة في كاب الجداد القرية، في جانب كبير من ازدهارها الاقتصادي في الخمسينيات من القرن العشرين، وهي فترة ازدهار اقتصادي كبير في مشروع الجزيرة بحكم ارتفاع أسعار القطن، والوضع الاقتصادي المتميز الناتج عن ذلك، ارتبطت تلك الحياة المزدهرة لردح من الزمن بأسرة كريمة بل بعدد كبير من أبناء مدينة الكاملين، وابرز هؤلاء أسرة "نبق" الذين كانوا هم التجار الأثرياء الذين أسسوا أو قل ساهموا في تأسيس سوق كاب الجداد، ذلك السوق الذي تشهد متاجره الكبيرة المتهدمة الآن، أو ما بقي منها على أيام دراستنا تشَهد على أنه كان سوقاً عامراً, ولقد ذهب كل أولئك التجار واختفى أولاد "نبق" وعادوا إلى الكاملين بعد أن أخذت الحالة الاقتصادية تتبدل، ولكن بقي من أهل الكاملين حتى أيامنا تاجر واحد وهو "سيد عريق"، وكان له ابن هو عثمان سيد وكان زميلاً لنا في الفصل حيث نقله أبوه من الكاملين إلى كاب الجداد ليكون معه، وأذكر أننا ذهبنا إلى بيتهم في الكاملين "فصلنا كله" للمشاركة في مواساته في وفاة والدته، وبعد تفرق شملنا بنهاية دراستنا لم أسمع عن عثمان سيد أو عن أبيه شيئاً.
                  

04-14-2011, 06:14 PM

بشير أحمد
<aبشير أحمد
تاريخ التسجيل: 03-21-2008
مجموع المشاركات: 10017

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شاهد علي العصر:كِتاب ..(مدرسة كاب الجداد).. (Re: بشير أحمد)

    إذن فهذه لمحة سريعة عن منابت هؤلاء الطلاب الذين شكلوا ذلك المجتمع الذي عشناه وفيه خمس سنوات كانت من سنوات التكوين الأكاديمي والفكري لنا، فرغم غضاضة السن، كانت تلك المرحلة هامة ومحورية في حياتنا تعلمنا فيها الكثير، وأعدتنا كي نتلقى الأكثر في المدارس العليا وكليات الجامعات بعد ذلك. والأهم هو أن تكون في نفس الطالب في تلك السن الرغبة في التعلَّم، وأن يجد الأجواء المهيأة، والوسائل المساعدة، وقبل ذلك أن يجد المعلم المخلص والكفء الذي يهتم بتعليم وتربية وإعداد أبنائه على أحسن ما يكون الإعداد العلمي وهذا ما أجزم بأننا وجدناه من معلمينا الأفاضل في تلك المدرسة، وفي تلك المرحلة. فجزاهم الله عنا خير الجزاء.
                  

04-14-2011, 06:15 PM

بشير أحمد
<aبشير أحمد
تاريخ التسجيل: 03-21-2008
مجموع المشاركات: 10017

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شاهد علي العصر:كِتاب ..(مدرسة كاب الجداد).. (Re: بشير أحمد)

    المعلمون في مدرسة كاب الجداد :
    كانت مدرسة كاب الجداد الوسطى مدرسة عريقة، وإذا كان التعليم العام في السودان في تلك السنوات من الستينيات الميلادية يهتم بالنوع لا الكم، فقد انعكس ذلك على المعلم من ثم على المعلمين، وبالتالي على الطلاب، وكانت النتيجة هي ذلك النوع الرائع من الخريجين من حيث العلم والكفاءة والإعداد، فالطالب المتكاسل – ولا أقــول ############ لأنه إن شاء الله ليس هناك إنسان بليد – الطالب المتكاسل لن يجد طريقًا يسلكه ولن يجد له مكانة تحت الشمس، ولن يستطيع التقدم في مساره التعليمي الأعلى، ولذلك كان النجاح والتميز صفة للطلاب الجادين، وهؤلاء ساروا على دروب النجاح حتى حققوا المراد. وعلى كل فقد كان المعلمون كذلك على تلك الدرجة العالية من الكفاءة وإتقان المادة، والالتزام الأخلاقي السلوكي، وكان المعلم متميّزاً في هندامه وزيّه ومظهره، وربما لأن الحالة الاقتصادية الجيدة وبحبوحة العيش التي كان يحياها الموظف الحكومي وكفاية الرواتب، وبساطة الحياة، كل هذه العوامل أدت إلى جعل مهنة التدريس مهنة جاذبة مريحة بل ومرغوبة تتغنى بها كل البنات :
    يا ماشي لـي باريس
    جيب لي معاك عريس
    شرطـاً يكـون لبيّس
    ومن هيـئة الـتدريس
    عندما التحقنا بمدرسة كاب الجداد الوسطى عام 1969م كان ناظر المدرسة هو الأستاذ عوض حسن أحمد، شاعر فينوس وصغيرتي، وكان رجلاً بوهيمياً، يعيش في عالم الشعر والشعراء، وكان قليل الكلام، لا يتحدث إلاَّ نادراً، وكان مدرساً للغة الإنجليزية، ومثلما أمضى أيامه في صمت رحل في صمت عن مدرستنا ليخلفه رجل عظيم كان له أبلغ التأثير علينا، وأظهر قدرات فائقة في التدريس وفي إدارة المدرسة، وفي ربطها بما حولها، وفي جعل الحياة المدرسية تسير على أحسن حال. ذلكم هو أستاذنا محمود عبد العال حسن. وهو من أبناء حلفاية الملوك، والذي أعطى المدرسة جهده ووقته وفكره، وبقى معنا حتى جلسنا لامحتانات الدخول للثانوي العالي عام 1974م، وكانت معه كوكبة منيرة من المعلمين الأكفاء على طول تلك السنين الخمس أذكر منهم : الخير أحمد الزبير، وهو من قرية المسيد، وترقى حتى صار مسؤلاً عن التعليم في محافظة الكاملين بعد سنين عدة في سلك التعليم، وكمال محمد هاشم، وهو من أبناء العليفون، وعثمان أحمد الفال وهو من سنجة رحمه الله. وكان "المشرف الرياضي بمدرسة كاب الجداد الوسطى وكان أستاذ الفال مميزاً، كان يُـدرِّسنا الجغرافية وكان يدخل الفصل وهو يحمل مسطرة كبيرة والأطلس وكتاب الجغرافية ويشرح لنا الدروس في هدوء ونظام، وكان لنا زميل اسمه عبد الدين، ويبدو أن الأستاذ الفال كان معجباً باسمه فكان يبدأ الحصة بجملة مشهورة : -
                  

04-14-2011, 07:00 PM

بشير أحمد
<aبشير أحمد
تاريخ التسجيل: 03-21-2008
مجموع المشاركات: 10017

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شاهد علي العصر:كِتاب ..(مدرسة كاب الجداد).. (Re: بشير أحمد)

    عبد الدين والكتاب صفحة كذا .. فكان عبد الدين يفتح الكتاب ويبدأ في القراءة بين همز ولمز وتعليقات الطلاب.
    من مدرسينا كان في كاب الجداد معلمو اللغة العربية والتربية الإسلامية "المولانات" حيث كان أستاذ الدين والعربي غالباً ما يكون متخرجاً في الأزهر أو الجامعة الإسلامية في أم درمان، وكان يرتدي الزي الوطني، الجلابية والعمامة ومن هؤلاء الأستاذ محمد علي دفع الله، رحمه الله وكان من ود الماجدي وهي قرية تجاور الكاملين، وكان الطلاب يهابونه يحبونه، ويطلقون عليه اسم "القاقا". ولا أدري من أين جاءوا بذلك الاسم ولكنه العقل الطلابي الجمعي الذي يألف ويؤلّف، ويعبّر بالكثير من اللمحات والإشارات إن رضىً أو سخطاً. ومن معلمي العربية الأفاضل الأستاذ محمد بابكر وكان الطلاب يطلقون عليه اسم "مولانا" والأستاذ محمد بابكر رحمه الله من قرية اللعوتة الحجاج وهي قريبة من كاب الجداد ربما على بعد تسعة أو عشرة أكيال، وأذكر أن الطلاب من أبناء اللعوتة كانوا هم الأكثر عدداً أي أكثر طلاب من قرية واحدة. ومن مدرسينا الأستاذ بابكر موسى فضل المولى وهو من البشاقرة شرق دَرَّسنا اللغة العربية في الصف الثالث الثانوي العام وهو رجل وقور هادئ منظم وأنيق الملبس وعلى خده شلخ مدقاق على حرف "T" الإنجليزي. وكان نعم المدرس ونعم المعلم. والقائمة طويلة : بابكر نور الدائم سليمان من شرق النيل الأزرق "قرية ود الفضل" وعلي يوسف محمدين "أم دقرسي"، وسفيان محمد المشرف رحمه الله. وعبد القادر بركات "السديرة شرق"، وصديق إبراهيم من دار السلام، وأستاذ عبد الرحمن أستاذ التاريخ وكان الطلاب يطلقون عليه اسم زوسر إشارة لأحد ملوك مصر القدماء "الفراعنة" لأنه أستاذ التاريخ فكان لقبه من ذلك التاريخ الذي يُدرِّسه. ولا ننسى أستاذ الرشيد عبد الكريم وهو من قرية عبد الحفيظ بالقرب من مدني وعبد الباقي النور مصطفى من الجريف شرق وعبد الله محمد محمود من الحليلة قرب الكاملين. وميرغني الوداعة، وهو من أبناء مدني، وإسماعيل الشيخ من قرية النوبة، ومعتصم بلولة من حلة بلولة أبو شمال وكان مدرساً للغة الإنجليزية والأساتذة الكرام محمد عجاج، محمد فزع السَّماني و محمد موسى عكاشة وهو من أبو روس وأستاذ عبد الله الحسن أستاذ الجغرافية. هؤلاء هم من تلقينا عليهم الدروس، وكانوا كما ما أشرت على درجة عالية من الكفاءة والانتظام والحرص. لم نجد في مادتهم العلمية ضعفاً، أو في التزامهم تراخياً أو في أخلاقهم منقصة، بل كانوا نعم المربين الأفذاذ الذين حملوا الأمانة وأدوا رسالتهم العلمية في كفاءة واقتدار، فبقيت أسماؤهم محفورة في الذاكرة، منذ عام 1969م وأنا أسجل هذه المذكرات في مايو عام 2003م أي أكثر من ثلاثة عقود من الزمان .. وهذا يؤكد مدى رسوخ هؤلاء الأماجد في الذاكرة، بسبب ما نقشوه في الوجدان من أثر طيب بقى طيلة هذه السنين ولن ينمحي في ما تبقى من عمر إن شاء الله.
                  

04-14-2011, 07:02 PM

بشير أحمد
<aبشير أحمد
تاريخ التسجيل: 03-21-2008
مجموع المشاركات: 10017

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شاهد علي العصر:كِتاب ..(مدرسة كاب الجداد).. (Re: بشير أحمد)

    كاب الجداد
    أشار د. عون الشريف قاسم في كتابه "قاموس العامية في السودان" إلى كاب الجداد بأنها بليدة .. أي أصغر من بلدة، والواقع أن كاب الجداد هي ثلاث قرى صغيرة الأولى حلة "ضَوَّا" والثانية "حلة السراج" والثالثة "حلة آمنة" ويقول أحد سكانها : إن السبب في تباعد البيوت هو أن غالبية السكان كانت تمتلك الكثير من الأبقار والضان والأغنام، فكان صاحب كل قطيع من هذه الأنعام يريد براحاً أو أرضاً خلاء ترتاح فيها هذه القطعان في المساءات بعد عودتها من المرعى، وبالقرب من ناظريه وتحت مراقبته الشخصية. والأرض في تلك المنطقة واسعة متسعة، في تلك الأيام، وربما لا تزال، فكان أن حصل هذا التباعد في المساكن ..
    أما كلمة "كاب" فلا ندري لها معنى في العربية، فكلمة كاب cape كلمة إنجليزية تعني اللسان من الأرض في البحر، والذي تعرَّف المياه من حوله بالخليج .. وهناك رأس الرجاء الصالح المعروف وغيره .. لكن ربما تعني هنا موطن أو مهجع الدجاج .. ربما وإن كانت الأسماء لا تُعلَّل في أغلب الأحيان لكن الملاحظ أن هناك الكثير من الأسماء في الجزيرة قد لا تدل على مسماها، فوادي شعير مثلاً لا يزرع أهله الشعير، بل هم زراع قطن في مشروع الجزيرة، وقس على ذلك .. أقول هذا وأنا لا أقطع جازماً بسبب التَّسمية أو معناها أو إشارتها، وربما يكون السبب غير ذلك، وعنه يسأل أهل الاختصاص من علماء اللغة والاجتماع.
    أما الموقع فكاب الجداد تقع في شمال غرب الجزيرة، وهي تبعد من شارع الخرطوم/مدني حوالي الخمسة وعشرين كيلاً حسبما قدرت المسافة عندما رأيت طريقاً جديداً "ردمية" مسافته من الجديد الثورة إلى قهوة الخشب تبلغ "13 كيلاً"، ومن قهوة الخشب إلى كاب الجداد قَدرَّتُ المسافة بـ 12 كيلاً. أما قهوة الخشب نفسها فقد رأيتها وقد ازدانت بأشجار باسقات تعانق السماء، ولم تكن كذلك في السبَّعينيات الميلادية من القرن الماضي عندما كنا نمر بها ونحن في طريقنا إلى شارع الخرطوم – مدني، أو نحن عائدين إلى المدرسة عبرها، كانت عبارة عن "كشك خشبي" جاف وباهت، ولا أدري نوع القهوة أو الشاي أو الطعام الذي كانت تقدمه للزبائن، فقد كان مرورنا بها دائماً على البصات، وهي بصات كانت تأتي من طابت والمحيريبة لتذهب إلى الخرطوم، وكنا نستقلها من القنطرة الواقعة على "الكنار" أو القنال الكبير الواقع جنوب غرب المدرسة، والقنطرة تلك كان بها كشك هاتف، وأذكر أن المسافرين المستعجلين كانوا يهاتفون القناطر التي تقع شرق قنطرة كاب الجداد يسألون عن البصات، وهل تحركت؟ وأين هي؟.. كان ذلك يحدث أيام الخميس وأيام العطلات الرسمية .. وأذكر أنه كانت هناك شجرة "سدر" خضراء باسقة أمام ذلك الكشك .. وفي عام 2003م زرت تلك القنطرة، ورأيت كشكاً جديداً في محل الكشك القديم أما السّدرة، فقد أشاخها الزمن، ورغم أنها بقيت إلا أن جزعها انقسم إلى قسمين واحد مستقيم والآخر مائل .. لقد أثر فيها الزمان.
                  

04-14-2011, 07:05 PM

بشير أحمد
<aبشير أحمد
تاريخ التسجيل: 03-21-2008
مجموع المشاركات: 10017

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شاهد علي العصر:كِتاب ..(مدرسة كاب الجداد).. (Re: بشير أحمد)

    إن القنطرة عبارة عن مسكن للخفير الذي يتابع مستويات ومناسيب المياه في قنوات مشروع الجزيرة، ولذلك هناك جهاز هاتف يتابع به المياه عندما تأتي دفعات منها .. كان ذلك يحدث في كل قنوات مشروع الجزيرة وأعتقد أنه لا يزال، والخفراء كان أغلبهم من أبناء الشمالية من الدناقلة على الأخص ..
    كاب الجداد القرية، كانت تعيش حياتها الخاصة، ولم تكن لها بالمدرسة صلات عميقة، لكن أهالي القرية كانوا لطيفين في تعاملهم مع الطلاب، و خاصة تجار السوق، وإذا كان هؤلاء التجار في أغلبهم من غير أهل القرية كعمر نَقَـاش وابنه فرح، وسيد عريق، وشيخ إدريس الذي هو من قرية النوبة، وكان يبيع طوابع البريد أيضاً، حيث كانت هناك لافتة البريد الزرقاء الشهيرة معلقة أمام دكانه ومكتوب عليها العبارة الشهيرة "توكيل بريد كاب الجداد"، إلا أن التجار من أبناء القرية كانوا على أدب ودماثة خلق، ومن هؤلاء عمك قسم الخالق وابنه عمر، وعَمَّك النقَّاي الذي كان يبيع قصب السكر والفواكه كالموز والبرتقال، وكان دكانه مجاوراً لدكان آدم الحلاق، وهو من الهوسا "الفلاتة" وللفلاتة قرية صغيرة جنوب شرق كاب الجداد، تجاور خط سكة حديد الجزيرة، وهو خط سكة حديد تابع لمشروع الجزيرة كان ينقل القطن من مزارعه إلى محالج الحصاحيصا وأمام فلاتة كاب الجداد كانت هناك قرية صغيرة جداً تتكون من بضعة بيوت من الحجر اسمها "الدريسة" ويقطنها عمال خط سكة حديد الجزيرة ويبدو أن اسمها يرمز إلى ذلك.
    كان هناك بَعْضٌ من شباب القرية يحضرون الجمعية الأدبية، وليالي السمر والاحتفالات التي تشهدها المدرسة، عند استقبال معلم جديد، أو لوداع مدرس منقول، أو عند انتهاء العام الدراسي، وهذا ما سنتطرق إليه بالتفصيل فيما يلي إن شاء الله. وكان "جنجا" الحكم المعروف واسمه بشير كان يحكم مباريات المدرسة، وهي تلك المباريات التي تقام بين الداخليات، أو تلك التي تقام بين المدرسة وفرق المدارس الأخرى، وكان يرتدي زي الحكام الأسود، وله صفارتُهم، وحزمهم. ويبدو أنه كان ميسور الحال فقد كانت له سيارة خاصة وهو أمر نادر الحصول في قرى السودان في تلك الأيام .. ولا ننسى "ود العمدة" فهو أيضاً من أبناء كاب الجداد بل هو ابن عمدتها الشهير "ود خير السيد" وود العمدة هو أحمد محمد خير السيد وكان متعهد المدرسة، فهو متعاقد مع وزارة التربية والتعليم، أو مع المدرسة كي يورد لها الطعام، الفول والخضروات والفواكه والخبز والحليب، وكان رجلاً ثرياً وقوراً، لا يتكلم كثيراً، وكانت له سيارة هايلوكس "بكس" آخر موديل، وهو كما أشرت رجل ثري يمتلك اللواري والمزارع، وقد بقي متّعهداً للمدرسة حتى ذهابنا منها، وبقي في الذاكرة بصمته ووقاره وهدوئه الشديدين.
    ومن أبناء كاب الجـداد الذين كانت لهم علاقة بالمدرسـة كذلك الفراشون .. العم حسن محي الدين رحمه الله، و عمر الدباسي، والنور يوسف، وبعض العمال كأبو القاسم وعبد الله دينمو رحمه الله ودردشة وأظن أن اسمه "عثمان حسن".
    بقى كل هؤلاء في الذاكرة، وأذكر الطيب علي موسى الذي كان كاتب المدرسة وهو أيضاً من أبناء كاب الجداد القرية .. وكان لكاب الجداد فريق كرة قدم شهير أبرز لاعبيه الحاج الطويل وود عَقَّار
                  

04-14-2011, 07:05 PM

بشير أحمد
<aبشير أحمد
تاريخ التسجيل: 03-21-2008
مجموع المشاركات: 10017

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شاهد علي العصر:كِتاب ..(مدرسة كاب الجداد).. (Re: بشير أحمد)

    إن القنطرة عبارة عن مسكن للخفير الذي يتابع مستويات ومناسيب المياه في قنوات مشروع الجزيرة، ولذلك هناك جهاز هاتف يتابع به المياه عندما تأتي دفعات منها .. كان ذلك يحدث في كل قنوات مشروع الجزيرة وأعتقد أنه لا يزال، والخفراء كان أغلبهم من أبناء الشمالية من الدناقلة على الأخص ..
    كاب الجداد القرية، كانت تعيش حياتها الخاصة، ولم تكن لها بالمدرسة صلات عميقة، لكن أهالي القرية كانوا لطيفين في تعاملهم مع الطلاب، و خاصة تجار السوق، وإذا كان هؤلاء التجار في أغلبهم من غير أهل القرية كعمر نَقَـاش وابنه فرح، وسيد عريق، وشيخ إدريس الذي هو من قرية النوبة، وكان يبيع طوابع البريد أيضاً، حيث كانت هناك لافتة البريد الزرقاء الشهيرة معلقة أمام دكانه ومكتوب عليها العبارة الشهيرة "توكيل بريد كاب الجداد"، إلا أن التجار من أبناء القرية كانوا على أدب ودماثة خلق، ومن هؤلاء عمك قسم الخالق وابنه عمر، وعَمَّك النقَّاي الذي كان يبيع قصب السكر والفواكه كالموز والبرتقال، وكان دكانه مجاوراً لدكان آدم الحلاق، وهو من الهوسا "الفلاتة" وللفلاتة قرية صغيرة جنوب شرق كاب الجداد، تجاور خط سكة حديد الجزيرة، وهو خط سكة حديد تابع لمشروع الجزيرة كان ينقل القطن من مزارعه إلى محالج الحصاحيصا وأمام فلاتة كاب الجداد كانت هناك قرية صغيرة جداً تتكون من بضعة بيوت من الحجر اسمها "الدريسة" ويقطنها عمال خط سكة حديد الجزيرة ويبدو أن اسمها يرمز إلى ذلك.
    كان هناك بَعْضٌ من شباب القرية يحضرون الجمعية الأدبية، وليالي السمر والاحتفالات التي تشهدها المدرسة، عند استقبال معلم جديد، أو لوداع مدرس منقول، أو عند انتهاء العام الدراسي، وهذا ما سنتطرق إليه بالتفصيل فيما يلي إن شاء الله. وكان "جنجا" الحكم المعروف واسمه بشير كان يحكم مباريات المدرسة، وهي تلك المباريات التي تقام بين الداخليات، أو تلك التي تقام بين المدرسة وفرق المدارس الأخرى، وكان يرتدي زي الحكام الأسود، وله صفارتُهم، وحزمهم. ويبدو أنه كان ميسور الحال فقد كانت له سيارة خاصة وهو أمر نادر الحصول في قرى السودان في تلك الأيام .. ولا ننسى "ود العمدة" فهو أيضاً من أبناء كاب الجداد بل هو ابن عمدتها الشهير "ود خير السيد" وود العمدة هو أحمد محمد خير السيد وكان متعهد المدرسة، فهو متعاقد مع وزارة التربية والتعليم، أو مع المدرسة كي يورد لها الطعام، الفول والخضروات والفواكه والخبز والحليب، وكان رجلاً ثرياً وقوراً، لا يتكلم كثيراً، وكانت له سيارة هايلوكس "بكس" آخر موديل، وهو كما أشرت رجل ثري يمتلك اللواري والمزارع، وقد بقي متّعهداً للمدرسة حتى ذهابنا منها، وبقي في الذاكرة بصمته ووقاره وهدوئه الشديدين.
    ومن أبناء كاب الجـداد الذين كانت لهم علاقة بالمدرسـة كذلك الفراشون .. العم حسن محي الدين رحمه الله، و عمر الدباسي، والنور يوسف، وبعض العمال كأبو القاسم وعبد الله دينمو رحمه الله ودردشة وأظن أن اسمه "عثمان حسن".
    بقى كل هؤلاء في الذاكرة، وأذكر الطيب علي موسى الذي كان كاتب المدرسة وهو أيضاً من أبناء كاب الجداد القرية .. وكان لكاب الجداد فريق كرة قدم شهير أبرز لاعبيه الحاج الطويل وود عَقَّار
                  

04-14-2011, 07:09 PM

بشير أحمد
<aبشير أحمد
تاريخ التسجيل: 03-21-2008
مجموع المشاركات: 10017

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شاهد علي العصر:كِتاب ..(مدرسة كاب الجداد).. (Re: بشير أحمد)

    أما نحن الطلاب فلم تكن لنا علاقة بالقرية إلا من خلال هؤلاء الاخوة الذين ذكرت، وربما يرجع السبب إلى تباعد المسافة بين المدرسة والقرية، وربما إلى تحفظ السكان عن فتح أبواب بيوتهم للطلاب، وربما بحكم قوانين المدرسة التي تمنع الطلاب من الخروج منها إلاَّ مرَّة في الأسبوع وهو يوم الاثنين للذهاب للسوق، ومرة كل أسبوعين عند "الخروج" لزيارة الأهل، وربما يعود السبب في عدم حرص الطلاب على الاختلاط بأهالي كاب الجداد، بحكم الانشغال بالدراسة، أو لأن الحياة المدرسية وفي تلك السن المبكرة لا تترك للمرء مجالاً كي يذهب هنا أو هناك، أو ربما لكلَّ تلك الأسباب مجتمعة .. وأذكر امرأتين من نساء القرية كانتا تأتيان للمدرسة الأولى هي حاجة المقوت، وكانت تبيع اللقيمات، والثانية هي "الدخرى" وكانت تبيع الكسْرة ..

    المدرسة المبنى والمعنى : -
    في تلك البقعة المتميزة من أرض كاب الجداد تشمخ المدرسة في مساحة معتبرة من الأرض، وهي مميزة بمبانيها الإنجليزية الطراز، مباني الداخليات الأربع وتقع في شمال المدرسة، والداخليات كانت أسماؤها على أسماء الكواكب البعيدة السابحة في الفضاء الواسع، كناية عن المعالي التي ترمز إليها المدرسة، والسمو الذي يسعى إليه طلابها بالعلم والمعرفة وإعداد الذات تربويًا وأخلاقيًا وعلميًا للمستقبل القادم من الأيام، وهو مستقبل يتمناه الطلاب، وتنتظره أسرهم، ووطنهم من بعدهم. هكذا نستقرئ مدلولات أسماء الداخليات في مدرسة كاب الجداد وهي على التوالي : زحل وعطارد وهاتان في أقصى الشمال ومتقاربتان متجاورتان، وتوازيهما في الناحية الجنوبية داخليتا المريخ والزهرة، ولا فاصل بين هذه الداخليات. وبعد الداخليات وفي وسط المباني كلها تقف السفرة (قاعة الطعام) ومعها المطبخ ومخازنه التي تخزن فيها أدوات ووسائل الطبخ وقدوره المتحركة وبعض المواد الغذائية كالفول والعدس والتمر والجبن والمربى وغير ذلك من مواد غذائية كالأرز والزيت والسكر والشاي وعلب الصلصة وكل ما يحتاجه المطبخ ..
    أما الطباخون أنفسهم فكانوا في أغلبهم من أهل الكاملين وهم عم حماد ومحمد طه والسماني وكابو وهناك طباخ من الشمالية مشهور ومحبوب واسمه الكَـدَّادي .. وكانوا بمثابة آباء واخوة كبار للطلاب وكان التعامل معهم على درجة عالية من الاحترام المتبادل.
    أما الطعام الذي كانوا يقدمونه للطلاب فهو : في الإفطار الفول أو العدس، وفي الغداء الخضروات المختلفة : الرجلة والملوخية والفاصوليا، وكان الغداء ليوم الاثنين من كل أسبوع يتغير من الخضروات المطبوخة المعروفة إلى فتة الأرز مع اللَّحوم، وكان الطلاب يقبلون على "الفتة" بنهم وشوق، وعلى لحمها المطبوخ بعناية، وهو لحم مشوي بالزيت، أو لحم مقلي بالزيت، وكان الدخول إلى السفرة يوم الاثنين لا يخلو من تدافع .. ربما للظفر بلحم "هُبَر" كما يقول المصريون أي أكثر حجما، وأقل عظمًا، وأقرب إلى إطفاء ذلك الشوق إلى لحم شهي ومستساغ الطعم.
    كانت السفرة على شكل ترابيز، وكل ترابيزة يأكل عليها 12 طالبًا وقوفًا وكل ستة في صحن طعام واحد. وكانت تتوسط السفرة "سفرة رؤساء الداخليات" وهؤلاء أحسن حظًا من غيرهم، حيث إنَّ كمية الطعام التي تعطى لهم أكبر من غيرهم. أقول هذا مع الإشارة إلى أن الطعام كان كافيًا مشبعًا وكان الطالب يخرج من السفرة وهـو على أحسن ما يكون من حـال الشبع والارتواء، هـذا عن الغداء، أمـا وجبة العشاء فتكون بعد المذاكرة، وهي تتكون من الفـول أو العدس مع الجبن والمربى والساردين والحليب، وفي بعض الليالي كان يوزع التمر والفول السوداني ..
    لا أدري منِ أين كان يُحضر الخبز إلى هذه الأعداد الكبيرة من الطلاب ساخنًا وطازجًا كل يوم، وأذكر أن الطلاب كانوا يتجنبون أكل لب الخبز، فقد كانوا يأكلون أوجه الخبز فقط. وكان البعض يعتبر هذا نوعًا من الترف، وكنت تشاهد أطفالاً يأتون في الليل، لحمل بقايا الخبز والفول، بعد وجبة العشاء، وكنت تراهم يلتقطون بقايا الخبز واللحوم والطبيخ بعد وجبات الغداء. وكان الطعام يتوفر أكثر أيام الخميس حيث يذهب كثير من الطلاب إلى قراهم في عطلة نهاية الأسبوع ويُحضَّر الطعام لعدد الطلاب كله دون حذف طعام الطلاب الغائبين، وكان هذا هو السبب في توفر الكثير من الطعام يومي الخميس والجمعة.
    لم تكن هناك ثلاجات ولا تعرف المدرسة الثلج إلا في شهر رمضان أو في أيام الاحتفالات التي كانت تقيمها وداعًا لمدرس، أو استقبالاً لآخر، أو عند انتهاء العام الدراسي، ووداع أولاد ثالثة، وهذا ما سنعود إليه بالتفصيل إن شاء الله في صفحات قادمات. كان للشاي نظام دقيق في سفرة مدرسة كاب الجداد .. فشاي الصباح يكون بعد شروق الشمس، وقبل طابور المدرسة، وكان كل تلميذ يحضر كوبه الخاص، ويأتي السفرجي يحمل كفتيرة كبيرة مملؤة بالشاي الحليب، ويصب لكل طالب في كوبه، كان البعض رغبة في زيادة الكمية يُحضر كوبين، مدعيًا بأن هذا الكوب الثاني لزميل مريض في الداخلية لم يقدر على الحضور إلى السفرة، وكثيرًا ما كان السفرجي يرفض، وكانت تقوم منازعات وطرائف ومواقف عند توزيع الشاي. وكان شاي الغداء يوزع بالطريقة نفسها. أما شاي العصر أو شاي العَشَاء، فكان يبيعه السفرجية خاصة الكدادي والسماني ومحمد طه. وكان الكَـدَّادي متخصصًا في بيع شاي العشاء، ويشاركه في البيع العم كابو وهو كما أشرت أحد سفرجية المدرسة المعروفين .. كان شاي الكَـدَّادي معتبرًا، لذيذًا، ومعدًا على أحسن ما يكون، وكان الكوب منه بقرش واحد فقط، وكان الطلاب يتحلقون حول الكدادي، مما قد يربكه في المحاسبة، وأذكر أن زميلي علي الخضر إبراهيم، عاد من إجازة مرضية، فحرصت على الترحيب به بدعوته لتناول كوب من شاي الكدادي على حسابي، وأعطيت الكدادي شلنا "خمسة قروش" وأعطاني الباقي، ثم خاطبته، كي يزيد من كمية الشاي ويملأ الكوب، كان هذا غرضي، إلا أنه أجابني قبل أن يسمع كلامي، بحكم ضجة الطلاب وتحلقهم حوله : اصبر يا عوض الله لك عندي ثلاثة قروش وسأعطيك إياها .. " فكان موقفًا لا نزال نذكره أنا والأخ علي الخضر كلما جمعتنا ظروف الحياة ..
    كانت للسفرة في مدرسة كاب الجداد قوانين صارمة أهمها عدم الإزعاج أو الكلام أثناء الطعام، وكان الإزعاج في السفرة يعد من الكبائر، ويعاقب فاعله بشدة وربما يكون الغرض هنا تربويًا بحتًا، فالكلام أثناء الطعام غير مرغوب فيه بالطبع، وكانت تحدث بعض الإشكالات، وتقوم الاضطرابات والإضرابات بسبب ما يعتبره الطلبة رداءة في نوعية الطعام وأذكر إضرابًا وقع عام 1971م، وكَوَّن الطلاب لجنة ذهبت للخرطوم كي تشتكي للمسؤولين، وأذكر أنني والأخ حسن العبيد تم اختيارنا لنمثل الصف السادس ومعنا كمال حمزة وهو رائد شرطة في الجمارك الآن والأمين محمد سعيد من الصف الأول، ومحمد خير الأمين، وأحمد عبد الله المساعد ومحمد صديق وهو من أبناء النيل الأبيض، جمع الطلاب الفلوس، وذهبنا نحن إلى الخرطوم، وعدنا دون أن نقابل أحدًا أو نحقق شيئًا، ثم اقتنع الطلاب بالواقع وعادت الدراسة إلى حالتها ..
    إذن فالسفرة كانت عالمًا له طقوسه وأدبياته وقوانينه في تلك المدرسة العريقة.
                  

04-14-2011, 07:09 PM

بشير أحمد
<aبشير أحمد
تاريخ التسجيل: 03-21-2008
مجموع المشاركات: 10017

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شاهد علي العصر:كِتاب ..(مدرسة كاب الجداد).. (Re: بشير أحمد)

    أما نحن الطلاب فلم تكن لنا علاقة بالقرية إلا من خلال هؤلاء الاخوة الذين ذكرت، وربما يرجع السبب إلى تباعد المسافة بين المدرسة والقرية، وربما إلى تحفظ السكان عن فتح أبواب بيوتهم للطلاب، وربما بحكم قوانين المدرسة التي تمنع الطلاب من الخروج منها إلاَّ مرَّة في الأسبوع وهو يوم الاثنين للذهاب للسوق، ومرة كل أسبوعين عند "الخروج" لزيارة الأهل، وربما يعود السبب في عدم حرص الطلاب على الاختلاط بأهالي كاب الجداد، بحكم الانشغال بالدراسة، أو لأن الحياة المدرسية وفي تلك السن المبكرة لا تترك للمرء مجالاً كي يذهب هنا أو هناك، أو ربما لكلَّ تلك الأسباب مجتمعة .. وأذكر امرأتين من نساء القرية كانتا تأتيان للمدرسة الأولى هي حاجة المقوت، وكانت تبيع اللقيمات، والثانية هي "الدخرى" وكانت تبيع الكسْرة ..

    المدرسة المبنى والمعنى : -
    في تلك البقعة المتميزة من أرض كاب الجداد تشمخ المدرسة في مساحة معتبرة من الأرض، وهي مميزة بمبانيها الإنجليزية الطراز، مباني الداخليات الأربع وتقع في شمال المدرسة، والداخليات كانت أسماؤها على أسماء الكواكب البعيدة السابحة في الفضاء الواسع، كناية عن المعالي التي ترمز إليها المدرسة، والسمو الذي يسعى إليه طلابها بالعلم والمعرفة وإعداد الذات تربويًا وأخلاقيًا وعلميًا للمستقبل القادم من الأيام، وهو مستقبل يتمناه الطلاب، وتنتظره أسرهم، ووطنهم من بعدهم. هكذا نستقرئ مدلولات أسماء الداخليات في مدرسة كاب الجداد وهي على التوالي : زحل وعطارد وهاتان في أقصى الشمال ومتقاربتان متجاورتان، وتوازيهما في الناحية الجنوبية داخليتا المريخ والزهرة، ولا فاصل بين هذه الداخليات. وبعد الداخليات وفي وسط المباني كلها تقف السفرة (قاعة الطعام) ومعها المطبخ ومخازنه التي تخزن فيها أدوات ووسائل الطبخ وقدوره المتحركة وبعض المواد الغذائية كالفول والعدس والتمر والجبن والمربى وغير ذلك من مواد غذائية كالأرز والزيت والسكر والشاي وعلب الصلصة وكل ما يحتاجه المطبخ ..
    أما الطباخون أنفسهم فكانوا في أغلبهم من أهل الكاملين وهم عم حماد ومحمد طه والسماني وكابو وهناك طباخ من الشمالية مشهور ومحبوب واسمه الكَـدَّادي .. وكانوا بمثابة آباء واخوة كبار للطلاب وكان التعامل معهم على درجة عالية من الاحترام المتبادل.
    أما الطعام الذي كانوا يقدمونه للطلاب فهو : في الإفطار الفول أو العدس، وفي الغداء الخضروات المختلفة : الرجلة والملوخية والفاصوليا، وكان الغداء ليوم الاثنين من كل أسبوع يتغير من الخضروات المطبوخة المعروفة إلى فتة الأرز مع اللَّحوم، وكان الطلاب يقبلون على "الفتة" بنهم وشوق، وعلى لحمها المطبوخ بعناية، وهو لحم مشوي بالزيت، أو لحم مقلي بالزيت، وكان الدخول إلى السفرة يوم الاثنين لا يخلو من تدافع .. ربما للظفر بلحم "هُبَر" كما يقول المصريون أي أكثر حجما، وأقل عظمًا، وأقرب إلى إطفاء ذلك الشوق إلى لحم شهي ومستساغ الطعم.
    كانت السفرة على شكل ترابيز، وكل ترابيزة يأكل عليها 12 طالبًا وقوفًا وكل ستة في صحن طعام واحد. وكانت تتوسط السفرة "سفرة رؤساء الداخليات" وهؤلاء أحسن حظًا من غيرهم، حيث إنَّ كمية الطعام التي تعطى لهم أكبر من غيرهم. أقول هذا مع الإشارة إلى أن الطعام كان كافيًا مشبعًا وكان الطالب يخرج من السفرة وهـو على أحسن ما يكون من حـال الشبع والارتواء، هـذا عن الغداء، أمـا وجبة العشاء فتكون بعد المذاكرة، وهي تتكون من الفـول أو العدس مع الجبن والمربى والساردين والحليب، وفي بعض الليالي كان يوزع التمر والفول السوداني ..
    لا أدري منِ أين كان يُحضر الخبز إلى هذه الأعداد الكبيرة من الطلاب ساخنًا وطازجًا كل يوم، وأذكر أن الطلاب كانوا يتجنبون أكل لب الخبز، فقد كانوا يأكلون أوجه الخبز فقط. وكان البعض يعتبر هذا نوعًا من الترف، وكنت تشاهد أطفالاً يأتون في الليل، لحمل بقايا الخبز والفول، بعد وجبة العشاء، وكنت تراهم يلتقطون بقايا الخبز واللحوم والطبيخ بعد وجبات الغداء. وكان الطعام يتوفر أكثر أيام الخميس حيث يذهب كثير من الطلاب إلى قراهم في عطلة نهاية الأسبوع ويُحضَّر الطعام لعدد الطلاب كله دون حذف طعام الطلاب الغائبين، وكان هذا هو السبب في توفر الكثير من الطعام يومي الخميس والجمعة.
    لم تكن هناك ثلاجات ولا تعرف المدرسة الثلج إلا في شهر رمضان أو في أيام الاحتفالات التي كانت تقيمها وداعًا لمدرس، أو استقبالاً لآخر، أو عند انتهاء العام الدراسي، ووداع أولاد ثالثة، وهذا ما سنعود إليه بالتفصيل إن شاء الله في صفحات قادمات. كان للشاي نظام دقيق في سفرة مدرسة كاب الجداد .. فشاي الصباح يكون بعد شروق الشمس، وقبل طابور المدرسة، وكان كل تلميذ يحضر كوبه الخاص، ويأتي السفرجي يحمل كفتيرة كبيرة مملؤة بالشاي الحليب، ويصب لكل طالب في كوبه، كان البعض رغبة في زيادة الكمية يُحضر كوبين، مدعيًا بأن هذا الكوب الثاني لزميل مريض في الداخلية لم يقدر على الحضور إلى السفرة، وكثيرًا ما كان السفرجي يرفض، وكانت تقوم منازعات وطرائف ومواقف عند توزيع الشاي. وكان شاي الغداء يوزع بالطريقة نفسها. أما شاي العصر أو شاي العَشَاء، فكان يبيعه السفرجية خاصة الكدادي والسماني ومحمد طه. وكان الكَـدَّادي متخصصًا في بيع شاي العشاء، ويشاركه في البيع العم كابو وهو كما أشرت أحد سفرجية المدرسة المعروفين .. كان شاي الكَـدَّادي معتبرًا، لذيذًا، ومعدًا على أحسن ما يكون، وكان الكوب منه بقرش واحد فقط، وكان الطلاب يتحلقون حول الكدادي، مما قد يربكه في المحاسبة، وأذكر أن زميلي علي الخضر إبراهيم، عاد من إجازة مرضية، فحرصت على الترحيب به بدعوته لتناول كوب من شاي الكدادي على حسابي، وأعطيت الكدادي شلنا "خمسة قروش" وأعطاني الباقي، ثم خاطبته، كي يزيد من كمية الشاي ويملأ الكوب، كان هذا غرضي، إلا أنه أجابني قبل أن يسمع كلامي، بحكم ضجة الطلاب وتحلقهم حوله : اصبر يا عوض الله لك عندي ثلاثة قروش وسأعطيك إياها .. " فكان موقفًا لا نزال نذكره أنا والأخ علي الخضر كلما جمعتنا ظروف الحياة ..
    كانت للسفرة في مدرسة كاب الجداد قوانين صارمة أهمها عدم الإزعاج أو الكلام أثناء الطعام، وكان الإزعاج في السفرة يعد من الكبائر، ويعاقب فاعله بشدة وربما يكون الغرض هنا تربويًا بحتًا، فالكلام أثناء الطعام غير مرغوب فيه بالطبع، وكانت تحدث بعض الإشكالات، وتقوم الاضطرابات والإضرابات بسبب ما يعتبره الطلبة رداءة في نوعية الطعام وأذكر إضرابًا وقع عام 1971م، وكَوَّن الطلاب لجنة ذهبت للخرطوم كي تشتكي للمسؤولين، وأذكر أنني والأخ حسن العبيد تم اختيارنا لنمثل الصف السادس ومعنا كمال حمزة وهو رائد شرطة في الجمارك الآن والأمين محمد سعيد من الصف الأول، ومحمد خير الأمين، وأحمد عبد الله المساعد ومحمد صديق وهو من أبناء النيل الأبيض، جمع الطلاب الفلوس، وذهبنا نحن إلى الخرطوم، وعدنا دون أن نقابل أحدًا أو نحقق شيئًا، ثم اقتنع الطلاب بالواقع وعادت الدراسة إلى حالتها ..
    إذن فالسفرة كانت عالمًا له طقوسه وأدبياته وقوانينه في تلك المدرسة العريقة.
                  

04-14-2011, 07:14 PM

بشير أحمد
<aبشير أحمد
تاريخ التسجيل: 03-21-2008
مجموع المشاركات: 10017

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شاهد علي العصر:كِتاب ..(مدرسة كاب الجداد).. (Re: بشير أحمد)

    مبنى المدرسة :
    إلى الجنوب الغربي من السفرة يشرئب مبنى المدرسة الأنيق والمهيب والجميل، ولا يزال المبنى يحتفظ ببهائه ورهبته القديمة وهو مبنى من الطوب الأحمر، أو المونة الحرة، المبنى يدل على معمار قوي صامد ومتين، وهو يميل في لونه إلى بياض مشرب بالحمرة، أو هو إلى اللون البيج أقرب، نوافذه من زجاج، وردهاته من بلاط صقيل، ونوافذه وأبوابه قوية ومتماسكة، تدل على كفاءة المصممين والمهندسين، وهو يتكون من فصول أربعة، ومكتبين، ومخزنين، ومزيرتين، تواجهان بعضهما، وهما متباعدتان، المزيرة الغربية, وتفتح على صالة المدرسة التي تمتد مارة بالصفين الأول والثاني، وفي المنتصف هناك صالة كبرى مفتوحة على مدخلين، ويتواجه في هذه الصالة مكتبان : مكتب المدير في الجهة الغربية، ومكتب المدرسين "الغربي" مواجهًا تمامًا لمكتب الناظر أو مكتب المدير، وكان يعمل في هذا المكتب إضافة إلى المعلمين الكرام، كاتب المدرسة على الآلة الكاتبة، وكان على عهدنا "الطيب علي موسى وهو من أبناء كاب الجداد، كان شابًا وسيمًا مهذبًا قليل الكلام، يعاملنا بقدر كبير من التهذيب، والمودة المتحفظة‍.
    بعد هذا المكتب هناك فصلان، ثم المخزن.
    وإذا ما وقفت أمام الصالة الرئيسة ونظرت شرقًا لوجدت "المكتب الشرقي"، وهو مكتب للمعلمين، وتلتصق به غرفة الأعمال، وهي غرفة لحصص الرسم، وإذا ما اتجهت بعد ذلك إلى الغرب لرأيت "المعمل". وهو قاعة تدريس العلوم، وهو مصمم بطريقة المدرجات، كأنه قاعة محاضرات في إحدى الكليات الجامعية، وله باب خلفي يقودك إلى مخزن فيه مواد كيماوية لا تعد ولا تُحصى. وأدوات العلوم من دوارق، ووسائل مساعدة متعدّدة.
    وبعد الفصل الرابع مكان مخزن المدرسة وهو ملتصق بذلك الفصل وينفتح على المزيرة الشرقية، أما جوار المزيرة الغربية فكان هناك مخزن آخر. كان يستعمله العم حسن محي الدين فراش المدرسة. وكان المخزن الشرقي هو مستودع المدرسة الرئيس حيث الكتب والدفاتر والأقلام وكل الأدوات المدرسية المتوفرة بكثرة في تلك الأيام ..
    أما باحة المدرسة وساحتها، فهي على شكل نجيلة تنبسط في استحياء، وكانت هذه الباحة هي مكان طابور الصباح، والساحة التي يخاطب فيها المدير الطلاب عند حدوث أمر جلل كما حدث يوم 28/9/1970م عندما، دق الجرس فجأة وطلب منا جميعًا الوقوف في تلك الساحة ليعلن أستاذنا محمود عبد العال مدير المدرسة المحبوب، في أسى وحزن عن وفاة الرئيس جمال عبد الناصر، وأن يوم غد سيكون عطلة تجاوبًا مع هذا الحدث، الذي أثر على المنطقة العربية كلها بعد ذلك.
    كانت باحة المدرسة هي المكان الذي تنعقد فيه الجمعية الأدبية مساء كل يوم اثنين، وكان الدكتور عبد اللطيف البوني الأستاذ الجامعي المعروف الأن رئيسًا لها عندما دخلنا المدرسة في عام 1969م، وكان هو في السنة الرابعة الوسطى، وقد آلت إليّ الرئاسة بعد ذلك وأنا في أولى ثانوي عام 1972م مع الأخ كمال حمزة الرائد بشرطة الجمارك الآن، حيث إخترت رئيسياً معه رغم أنني من الدفعة التي تلي دفعته. ثم رافقني في السنة الأخيرة في رئاستها الأخ حسن العبيد الصديق.
    الجمعية الأدبية : -
    كان يوم الاثنين من أحب أيام الأسبوع لطلاب مدرسة كاب الجداد الثانوية العامة في تلك الأيام، فهو يوم الفتة حيث اللحم المشوي والأرز والتغيير في وجبات الغداء، وهو يوم الخروج إلى سوق القرية، حيث يخرج الطلاب زرافات ووحدانًا إلى السوق، لشرب الشاي والقهوة، أو لشرب المرطبات، أو لشراء الحلوى والتسالي، إذن فهو يوم للترويح عن تلك النفوس الغضة، وانعتاق لها لسويعات من أسر الروتين المدرسي الصارم، كما أن أمسية الاثنين هي أمسية الجمعية الأدبية، حيث يتحلق الطلاب في ساحة المدرسة لعرض المواضيع الأدبية والثقافية والاجتماعية والسياسية والفنية، وكان الطلاب يقبلون على الجمعية في شوق واهتمام وكان لها نجوم بارزون منهم : الطيب البشير الصديق، وعمر يوسف حسن دكين "عرقلة"، وحسن العبيد، وفائز الطيب، وشخصي، والفضلي علي الجاك، وعليان الريح الذي كان يقدِّم فقرات فكاهية، وغير هؤلاء من الزملاء، ولا زلت أحتفظ ببعض من الموضوعات التي كان يعرضها الزملاء في الجمعية في تلك السنين .. ذهبت أصواتِهم، وبقى صداها الحميم في النفس والوجدان ..
    كان يشرف على الجمعية أستاذ اللغة العربية، وكان المدير والأساتذة جميعًا يحضرونها، وكانت تجد اهتمامًا من الجميع، وكان يمتزج فيها الفن بالفكر بالأدب على رغم بساطتها، وبساطة الطلاب الذين كانوا يشاركون فيها، إلا انها كانت علامة بارزة من علامات الحياة المدرسية آنذاك، ولا شك في أنها أفادت الجميع، المتحدثين والمستمعين، بما كان يطرح فيها من مواضيع، وبما تشكله من مدرسة لتدريب الطلاب على الإلقاء والمحاورة، والنقاش. فهي وسيلة تربوية ناجعة، فاعلة ناجزة، سقى الله أيامها بوابل المزن الخيِّر .. كان الَفضلي علي الجاك يُنشِد مع بكري البشير وهما من السريحة :
    جيفارا في بوليفيا
    وكان السماني حميدة، وهو من أم دقرسي يُغني :
    اللول اللول .. شيء بديع يا زول.
    وكـان فائز الطيب وهـو رائد شرطـة الآن، ومن قرية أزرق يُردِّد في أسى :
    حلفا .. يا عروس النيل
    نبكيك، بدموع كالسيل
    يا حليل، العجوة والقنديل
    هذه أصداء أصواتِهم في الجمعية الأدبية تتردد على مر تلك الأيام في الذاكرة حتى اللحظة .. لقد ذهبوا، ونأوا عن تلك الدار، ولن يعود جمعهم إليها أبدًا، بحكم طبيعة الحياة، ولكن ظلالهم الشاردة، وخيالاتِهم الغَضَّة، وأصواتهم الريَّانة، لا تزال تكسو ذلك الأفق الراحل، وترن بين تلك الأطلال الواقفة، وتتردد بين أمسيات الحاضر .. ذكرى، ولا مثيل ..
    وعند ذكر الجمعية الأدبية في مدرسة كاب الجداد، تقفز إلى الذاكرة صور ومواقف الأساتذة الكرام، وعلى رأس هؤلاء الأستاذ سفيان محمد المشرف رحمه الله، الذي كان يحضر ابنته الوحيدة – مشاعر – وكان يشاركنا ويغني لها مرِّددًا أغنية الكابلي الشهيرة : حسنك فاح مشاعر، وعَمَّ الطِّيب فريقنا.
    إذن فقد كان الأساتذة الاماجد يشاركون الطلاب في هذا العرس الثقافي الأسبوعي، مما أعطى الجمعية بعدًا وزخمًا كبيرين ..
    وهكذا كانت مدرستنا على ذلك التصميم الرائع هندسيًا ومعماريًا، ولو أنك وقفت أمام المدرسة واتحهت ببصرك شرقًا، لوجدت بيوت المدرسين التي تبدأ ببيت الناظر، ثم ثلاثة بيوت أخرى للمدرسين، وهذه البيوت خارج سور المدرسة، ويقودك إليها الطريق الترابي الممتدة على جانبه أعمدة الكهرباء. وقد تتساءل : ما هو مصدر تلك الكهرباء؟ والواقع أن الكهرباء تأتي عن طريق مولِّد كهربائي نسميه "الدينمو" وله غرفة خاصة كبيرة شرق السفرة والمطابخ، وله عامل خاص هو عبد الله دينمو. كما يعرفه الطلاب، وأظن أن اسمه هو عبد الله عبد الباقي، وهو من سكان كاب الجداد، كان عمله هو هذا "الدينمو". تشغيله وصيانته. كان عبد الله دينمو فاتح اللون، نحيلاً له شعر غزيز، وعروق جسمه ظاهرة بارزة، كانت له "عجلة" يحضر بها عند المساءات المبكرة قبل أن تغيب الشمس كي يختبر الدينمو، ويزوده بالجاز أو الوقود الذي يحركه، وكانت غرفة الدينمو هي عالمه الخاص، لا يختلط بأحد من حوله، ولا علاقة له بالطلاب، إلاَّ أنه رجل ودود، صامت يعيش في ذلك العالم الخاص به عالم الدينمو، الذي يبدأ في تشغيله عند الغروب، وبعد حلول الظلام، ويستمر الدينمو بصوته الذي يشق سكون الليل حتى التاسعة والنصف عند "الإنذار الأول" حينما ينطفئ الدينمو فجأة إيذانًا باقتراب موعد نهاية التشغيل لذلك اليوم، فكان الجميع يحتاط ويستعد للظلام الذي سيطبق بعد قليل على المدرسة وداخلياتها ..
    والمدرسة سارت على نظام جرس النوم، فهناك بعد العشاء وقبل إنذار الدينمو جرس النوم الأول، ثم جرس النوم الثاني وجرس النوم معناه أن يلتزم كل طالب سريره ولا يتحرك منه مهما كانت الأسباب، وتعود الجميع على هذا النظام، وساروا عليه، في رضي وطاعة وانتظام. فما أن يدق جرس النوم الأول، وربما قبله حتى يكون جميع الطلاب في مهاجعهم .. ولا شك في أن اليوم الدراسي ونشاطاته الطويلة، وما يبذله الطلاب فيه من نشاط وجهد واستذكار، والاستعداد لليوم التالي، تجعل الواحد منهم في أقصى درجات الإنهاك وفي حاجة إلى راحة الجسد والعقل، وساهم تنظيم جرس النوم في دفعهم إلى النوم بكلِّ طمأنينة وبرغبة في إراحة تلك الأجساد الصغيرة ..
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de