كبير تجار قضيّة دارفور يشتري عربة مرسيدس آخر موديل و يشحنها لبلاده

Quote: (عبد الواحد نور رجل متشدد، ومطالبه غير موضوعية، فرنسا فعلت ما بوسعها لكنه لا زال متشدداً ومُصراً على مواقفه المتعنتة بشأن التفاوض، أما خليل إبراهيم فإذا أراد العودة إلى مفاوضات الدوحة فمرحباً به وإذا لم يرد فنحن مستمرون فيها).. هكذا كان الرجل الخمسيني الأصلع ذو النظارات المقعرة التي تطل من خلفها عيون متقدة والمسؤول عن الملف الدارفوري جبريل باسولي يتحدث من على منصة نادي الصحافة العربية بباريس، حيث كان يطلق أحكامه الإطلاقية هذه بفرنسية واضحة بطريقة متصلة، بصفته وسيطاً مشتركاً للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة لحل أزمة دارفور، وقد سبقته شهرته التي منحتها له الأزمة المتطاولة إلى باريس التي يحط فيها هذه الأيام ضيفاً وحليفاً سابقاً لا زال على عهده القديم لحلفاء بلاده بوركينا فاسو التي يدين رئيسها بالولاء الكامل للفرنسيين. بوركينا فاسو تعتبر إحدى دول الصحراء الكبرى؛ غربي القارة الأفريقية، وتحيطها ستة دول هي مالي من الشمال، النيجر من الشرق، بنين من الجنوب الشرقي، توغو وغانا من الجنوب وساحل العاج من الجنوب الغربي.. وفي بلدة كاديقو الصغيرة تلقى جبريل يبينى باسولي دراسة عسكرية أولية، ليلتحق بعدها بالأكاديمية الملكية العسكرية في مكناس بالمغرب العربي في عام تسعة وسبعين وتسعمائة وألف, ويمكث بها زهاء الثلاثة أعوام ليغادرها في العام ألف وتسعمائة اثنين وثمانين ملتحقاً بالكلية الحربية بكوت ديفوار في عاصمتها أبيدجان, والتي تخرج منها بعد عام واحد فقط ليلتحق بالقوات المسلحة لبلاده حسبما تشير إلى ذلك سيرته الذاتية المدرجة على شبكة المعلومات الدولية، مبيناً أن أول منصب تولاه في الجيش البوركيني هو أنه كان قائداً للمنطقة العسكرية في مدينة بوبو, والتي انتهت خدمته فيها بعد اثني عشر شهراً فقط ليصبح باسولي قائداً لفرقة عسكرية أخرى بالعاصمة واقادوقو لثلاثة أعوام, تمت بعدها ترقيته قائداً للواء العسكري الخامس بذات المدينة (واقادوقو)، وجاءت ترقيته بعد أن نجح ورفاقه من الانقلابيين في تدعيم الانقلاب العسكري الذي أراق دماء كثيرٍ من البوركينيين، حيث كان باسولي أحد قادته إلى جانب رئيس الجمهورية الحالي، حيث تمكن الانقلابيون من الإطاحة بنظام توماس سانكره في الخامس عشر من أكتوبر من العام سبعة وثمانين بعد أن أردوا سأنكره قتيلاً مضرجاً في دمائه، وإن كان الانقلاب خبراً غير سعيد بالنسبة لملايين البوركينيين الذين اشتهروا بالطيبة والنزاهة التي جسدها اسم دولتهم بوركينا فاسو, والذي يعني باللغة المحلية (بلد الناس النزيهين الطاهرين) حسب ويكيديا الموسوعة الحرة. فبينما كان هؤلاء الطيبون يفقدون أحبابهم نتيجة للسياسة الدموية التي انتهجها النظام الدموي الجديد, فإن الأمر كان مختلفاً تماماً بالنسبة لجبريل باسولي، حيث كانت الترقيات تنهال عليه من بين الدماء التي تسفكها حكومته، ليدخل الرجل القصر الرئاسي في العام 1995كمستشار للرئيس الجديد, ولم يترك مقعده في القصر الرئاسي بواقادوقو إلا في العام 1999ويصبح قائداً عاماً للجيش البوركيني ثم وزيراً للامن يتبع مباشرة لوزارة الدفاع البوركينية, ومن ثم وزيراً للخارجية. والرئيس البوركيني الجديد يضع أرجله في أول سلالم السلطة التي استمرت في ما بعد لعقدين من الزمان, لم ينس في بداية عهده أن يُطبِّع علاقاته مع مستعمريه السابقين الفرنسيين, للدرجة التي جعلته يتمتع بعلاقات طيبة معهم ومع مجموعة أخرى من الدول الأفريقية الأخرى التي تأتي الجماهيرية الليبية في أولها. وعندما كان الوضع هكذا بالنسبة للنظام الجديد لم يجد بداً من الانخراط في حلحلة مشاكل القارة الأفريقية، ليبدأ بمشكلة توغو المجاورة، والتي توسط فيها النظام الجديد وهو لم يزل بعد ابن الستة أعوام, حيث وقع ملف الوساطة على يد السيد جبريل باسولي الذي كلفه رئيسه بإدارة المفاوضات بين أطراف النزاع التوغولية في العاصمة واقادوقو في يوليو من العام ثلاثة وتسعين وتسعمائة وألف تحت إشراف مباشر من رئيس الجمهورية البوركيني، لتتمخض المفاوضات التي لم تستمر لأكثر من أسبوعين عن اتفاق سلام، الأمر الذي رفع من أسهم باسولي لدى رئيس حكومته ليقوم بتعيينه في لجنة الوساطة الإقليمية المكونة من عدة دول في غرب أفريقيا، للتوسط في مشكلة الطوارق في دولة النيجر المجاورة, وهكذا سلك العسكري الذي لم يتلق أي تعليم جامعي طريق (الجودية) والوساطات الإقليمية لتسفر مجهوداته عن اتفاق جديد في واقادوقو عام 2007, حيث تم التوقيع على اتفاقية سلام بين رئيس جمهورية كوت ديفوار الحالي ورئيس وزرائها الحالي (والذي كان وقتها زعيماً لحركة متمردة تدعى القوات الجديدة), وبوساطاته المتكررة تمكن باسولي من خلق مكانة مرموقة في منطقة غرب أفريقيا. وعندما كانت كل هذه الوساطات تتم بإيعاز من الرئيس البوركيني وحكومته, فإن ذات الحكومة لن تخرج بالطبع من الخطوة القادمة في مستقبل باسولي, الذي لعب ممثل بلاده في مجلس الأمن الذي كانت بوركينا فاسو عضواً غير دائم فيه في العام 2008، دوراً كبيراً في ان يتبوأ الرجل وظيفته القادمة حسب ما يورد ذلك الكاتب ثروت قاسم في مقاله (جبريل باسوليه.. في بلد العميان الأعور يصير ملكاً), المنشور على الشبكة الإلكترونية, مشيراً إلى أن باسولي قد تمكن من الحصول على وظيفته الجديدة كوسيط مشترك للامم المتحدة والاتحاد الافريقي في أزمة دارفور بعد مجهودات مكثفة قام بها السفير البوركيني في مجلس الامن, الذي شكل (لوبي) قوي مع الأمريكيين في سكرتارية الأمم المتحدة في بنيويورك لكي يتم تعيين باسولي في المنصب, ولم تقتصر مجهودات تعيين باسولي على نيويورك وحدها وفقاً لقاسم, فقد كانت هناك خيوط أخرى تنسج بليل في مباني رئاسة الاتحاد الأفريقي بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا, حيث صديقه الشخصي رئيس الاتحاد الأفريقي الحالي ووزير خارجية دولة الجابون السابق السيد جين بنق, والذي آثر أن يرد ديناً قديماً ومعروفاً كبيراً أسداه له السيد باسولي عندما قاد حملته الانتخابية لكي يصبح في موقعه الحالي رئيساً للاتحاد الأفريقي. إذاً هكذا كانت الأمور تسير في صالح البوركيني الذي أطلت صوره لأول مرة في وكالات الأنباء العالمية، كما وجدت مساحة كبيرة على صدر صحف الخرطوم الصادرة في صباح الأول من يوليو من العام 2008, حيث ظهر في تلك الصور برأس أصلع يتخلله شعر خفيف مصفف بعناية وقد كان يرتدي كارفتة بنية منقطة وبدلة دبلوماسية فارهه، بالاضافة إلى نصف ابتسامة كانت ترسم ضبابية ملامح مهمته الجديدة في أرض دارفور، كانت صورته هذه محل احتفاء من جميع الصحف التي تسابقت في الحصول عليها ونشرها مذيلةً بخبر, مفاده أنه قد تم تعيين البوركيني جبريل باسولي في الثلاثين من يونيو من العام 2008، كبيراً لوسطاء الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقى لإقليم دارفور، ليحل محل تيم الوساطة الثنائي المكون من السويدي يان الياسون، ممثلا للامم المتحدة, والتنزاني سالم احمد سالم، ممثلا للاتحاد الافريقي, حيث سيقود باسولي جهود الوساطة بصورة دائمة من مقر مكتبه بالفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور التي تستضيف المقر العام لبعثة الأمم المتحدة (يوناميد). وفيما تحفظت الحركات المسلحة في إقليم دارفور المضطرب إزاء تعيين الوسيط الجديد الذي بدأ مباشرة مهامه رسمياً من الفاشر يوم الاثنين الخامس والعشرين من ذات أغسطس, كان نظام الخرطوم يرحب بالرجل بتعميم صحفي نشرته الحكومة حينها. وعلى الرغم من أن باسولي الذي انخرط في مشاورات مكثفة عقب تعيينه مباشرة لا يجيد الحديث سوى باللغة الفرنسية, إلا أنه وبرغم هذا لا يؤمن كثيراً بجدوى المؤتمرات، والاجتماعات الموسعة لحلحلة مشكلة دارفور، ويفضل اللقاءات الثنائية، لردم هوة عدم الثقة بين الأطراف كافه، حسبما قال الرجل للصحفيين في المطار وهو يتجه صوب الخرطوم في أول زيارة له منذ تعيينه وسيطاً مشتركاً لحل أزمة دارفور. وما أن حطت طائرته في مطار الخرطوم حتى بدأ كثيرون يتحدثون عن عدم وجود مؤهلات له في فض النزاعات, حيث لم يتلق الرجل أي دراسات جامعية في هذا الأمر حسبما يمضي إلى ذلك ثروت قاسم, متسائلاً حول كيفية تنفيذ الرجل لاستراتيجيته الرامية لتعزيز الثقة بين الأطراف في ظل عدم وجود لغة تفاهم مشتركة بينه وبينهم، فهو لا يتحدث سوى الفرنسية التي لا يجيدها أي من أطراف النزاع حسب قاسم, الذي يتساءل أيضاً حول مقدرة الرجل على تجاوز مشكلة بحجم دارفور وهو مقيد بكل هذه السلاسل التي تنوء بها سيرته الذاتية, مضيفاً أنه سيكون له أجر المجتهد.. ولكن على حساب التعساء من أهل دارفور.. ويواصل قاسم قائلا: (البعض يصور معالي السيد جبريل وكأنه لا يملك في اياديه غير شاكوش يتيم. ولذلك فسوف يتخيل كل مشكلة أمامه وكأنها مسمار. إذ انه لا يستطيع استعمال شاكوشه اليتيم في أي ظرف أخر غير ضرب المسمار. لقد قيدت الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي معاليه وقذفت به في بحر دارفور المتلاطم، وقالت له إياك أن تبتل بالماء. ولكن القوم في الخرطوم، وحاملي السلاح في الشتات، جد سعداء بمعالي السيد جبريل). وفي ظل هذه السعادة الغامرة من الجميع التأم الشمل في عدة عواصم كانت أديس وأسمرا والقاهرة وطرابلس أولاها إلى أن وقع الملف وباسولي الاثنان في حبائل القطريين, الذين يستضيفون حتى هذه اللحظات منبراً تفاوضياً لحل الازمة المستعرة في إقليم دارفور, وبعد كل هذا المشوار الذي خاضه باسولي مع الفرقاء في دارفور يخلص كثيرون إلى أن الرجل قد فشل فشلاً ذريعاً في تحقيق سلام في دارفور، فحتى الاتفاقات الهشة التي أفلح في الوصول إليها مع الحكومة السودانية وحركة العدل والمساواة لم تكن كتلك التي أفلح الرجل في إخراجها بواقادوقو بعدما عمل على تجسير الهوة بين الفرقاء التوغوليين في مطلع تسعينات العام الماضي. حيث ما أن انهار اتفاق وقف إطلاق النار المبرم بين العدل والمساواة والحكومة في الدوحة مؤخراً تحت رعاية باسولي والوساطة القطرية، حتى وجهت الحركة نيرانها الكثيفة تجاه البوركيني الذي يدخل هذه الأيام عامه الحادي والخمسين، فالرجل وطوال العامين الذين قضاهما في(فاشر السلطان) لم يتحرك كوسيط محايد, وفقاً للناطق الرسمي لحركة العدل والمساواة أحمد حسين آدم, الذي أشار إلى أنه بدلا من أن يقوم باسولي بالضغط على الحكومة السودانية لاحترام الاتفاقيات الموقعة مع حركته يسارع بإلقاء اللوم على الحركة, محملاً إياها فشل محادثات السلام، ويمضي حسين مشيراً إلى أن باسولي لم يقم بإدانة العمل العسكري للقوات الحكومية في الإقليم المضطرب، كما أنه لم يندد بالنزوح الجماعي الذي تسببت فيه هجماتها برغم اتفاقات وقف العدائيات، ولم يتورع حسين في وصف باسولي بالفاشل في مهمته كوسيط مشترك للمنظمة الدولية والاتحاد الافريقي. وهو ذات ما يمضي له أستاذ العلوم السياسية بجامعة أم درمان الإسلامية والمحلل السياسي المعروف الدكتور صلاح الدومة الذي يبين لـ(الحقيقة) أن انحياز باسولي للحكومة انحياز (أعمى)، مشيرا إلى أن ثمة أسباباً كثيرة تقف وراء انحياز باسولي ووساطته للحكومة وإدارة ظهره للحركات المسلحة, دون أن تقوم بالدور المنوط بها كوسيط محايد لتفعيل عملية السلام وإسراعها. ويرى الدومة أن كل المؤشرات تشير إلى أن الرجل قد أضحى في جيب الحكومة السودانية التي بذلت الكثير لجيوبه الخاصة الأمر الذي جعله أفضل وسيط بالنسبة للحكومة لكونه أصبح ملكياً أكثر من الملك، ويبين الدومة أن باسولي لم يستطع مداراة هذا الامر لانه تصرف بغباء وأسلوب أصفه بغير المبلوع يتسق وهدف النظام الأساسي في ترك القضية معلقة وعدم حلها، لأن حل القضية يعني انهيار نظام الانقاذ حسب الدومة الذي يشير إلى أن وساطة باسولي تعد الأنسب لإبقاء الملف معلقاً في الهواء, بعد أن كشف عن انحيازه الصارخ للحكومة. ومع مرور الايام ######ط الحركات المسلحة على الرجل وتعنتها تجاه خوض مفاوضات تحت ظل وساطته, يرجح كثيرون أن العسكري الخمسيني سيعود أدراجه إلى حيث قواعده العسكرية في واقادوقو فيما يمضي آخرون بعكس ذلك, مشيرين إلى أن الرجل سيجدد له لما يجده من سند كبير من الولايات المتحدة الامريكية وفرنسا.