إبراهيم الكوني .. الوجه الآخر لليبيا الفيتوري ...!!

Quote: رفع الجمل رأسه محاذيا (القنطور) ولم يكترث لتلك المخلوقات الصغيره التي انهمكت في نشاط في عملية البناء التي استغرقت عشرات (السنون) سقط خلالها كثير من النمل الأبيض ... وفي مخيلتها بناء مدن الصحراء ... كما بني الأولون برج (بابل) ... حك الجمل راسه بالقنطور ثم استطالت رقبته وبلغت عنان السماء ... وعم المكان وجوم وسكون مخيف ... وذهلت رمال الصحراء وزحفت نحو الحجاره المجاوره واحتضنتها في محاوله يائسه للإحتماء بها ... وانزوت شجرة (الكتر) المجاوره وغطت ساقيها بأغصانها المتدليه ايذانا بوحشة المكان وتمتمت بلحن (حزين) حينما لامستها الرياح اللافحه في اطرافها القادمه من عمق الصحراء .... اختلت الريح بشجرة (الكتر) برهه واخبرتها باخبار(صويحباتها) وسر العشاق المنتشرين في الفيافي والبيد ... وحدثتها عن سحر وجمال الصبايا ثم رفعت (سبابتها) متوعده: ان الامطاره قد لا تاتي هذه المرة ايضا .. وان عشاقا من شجر(السيال) ربما يشاركونها المكان في العام القادم ... وقبل ان تهم بالزوال استدارت اليها بحنيه قائله: سمعت بعض مخلوقات الصحراء يرددون بعض اخبار الاولين ان اسفل الوادي ربما يأتيه (السيل) من مكان بعيد... ودعت الريح شجرة (الكتر) وانصرفت تاركة الامانه التي حملتها من بحر (القلزم) وقبل الوداع لثمت فاها ... وتحدثت بصوت خافت قائله: ان الشر يكمن في المخلوقات التي تمشي علي ارجل ... فاحترسي ... اي مخلوقات! .... وكم عدد ارجلها !! صاحت شجرة الكتر خلفها ... ولم تدري ان (الريح) قد لم تسمع السؤال ... وربما سمعت وآثرت ان لا تجيب ... مضيفة لغزاً أخر من (الغاز) الصحراء ... ثم تمتمت بصوت متحشرج لا تسمعه الا أغصانها: وهل الصحراء تحتمل غموضاً أخر ... ثم رفعت رأسها بعد ذهاب الريح ... فلامست أغصانها الشوكيه مؤخرة(رقبة) الجمل فوجدتها كأنها جدار من جدران اهل المدن الذين يسكنون ناحية بحر (الملح) ... وسرت قشعريره بين أغصانها ... تقول الاسطوره: ان مخلوقات المدن هم مجموعه من الاشرار يقتلعون الحجاره ثم يصنعون منها الموت وفي بعض الاحيان يحتمون بها ... ويردد الاولون من اهل الصحراء: ان سكان المدن فيهم من الجن خلق كثير ...يلبسون السراويل السميكه ويقتطعون شعورهم من اطرافها وتختلط نسائهم العاريه مع رجالهم في (منتصف) الليالي .. ويتصايح بعضهم دون غرض .. ويشربون شراباً يذهب بعقولهم يطلقون عليه (عدة) اسماء ... وعندما يشربون يقتلون بعضهم (البعض) ... ويقال ايضا ان هذا (السائل) يساعدهم في التفكير لقتل الاخرين... ثم تقول الاسطوره: ان اهل المدن عندما تصيبهم معرة يهرع بعضهم الي الصحراء ليحتمي بها ... وهذا ما يخيف اهل الصحراء ... اذ ان اهل الصحراء يهابون الاغراب لانهم عدوانيون وبهم من الامراض ما يجعل الابل تنفق سريعا... وما يعتضد تلك المقوله .. ان رجلا من اهل الصحراء اتاه زائر غريب من اهل المدن وسكن معه في خيمته دون علم اهل الباديه ... وفي الصباح وجد الرجل واهل بيته (ميتون) وفي ركن الخيمه رجلا يلبس زجاجا شفافا حول عينيه ورائحه كريهه تنبعث من فمه ... ذهل (ابوصفيه) كبير القوم عندما راي ان الرجل يرتدي سروالا سميكا وحذاءاً جلدي مصنوع بعنايه ... ثم اومأ بسبابته ان لا يقترب احد ... ولكن ايماءته جاءت متأخره فقد لامس احد الصبيه (شعر) ذلك الكائن الغريب ... وزجره احدهم وجري الطفل ناحية امه واحتضنها ... جال ابوصفيه بنظره في قعر الخيمه ورأي شنطه جلديه تماثل حذاء المخلوق الغريب .. وعرف ان الغريب ينتمي الي سكان المدن الذين حذرتهم الاسطورة منهم ... وعض شفتيه حسرة وامتعاضا ... وجر عصاته المملؤه بالنتؤات ووضع منها خطا متعرج علي الرمال يعكس غضبه وحنقه ... ثم دسها تحت ابط الرجل الملقي علي الارض وقلبه فوجد ان سروال الغريب ممملؤاً بسائل ذو رائحه نفاذه ذكرته برائحة بول النوق (الحائله) وهي قادمه محملة بالعطرون من واحة النخيل ...ثم قلبه مرة اخري فتحسس جسما صلبا يشبه الشنطه ولكنه (اصغر) حجما ولونه يشبه (دم) الدجاج النافق ...هم احد الصبيه بملامسته ولكن كبير العقلاء رمقه بنظره ثاقبه ثم توعده بسبابته.. فسكن الصبي وتراجع ... بمهاره عاليه استطاع ابو صفيه ان يقتلع الشنطه الصغيره من جيب سروال الغريب بعصاته المملؤه بالنتؤات وسقطت الشنطه ارضا وانفتحت ... وبان شئ غريب داخل الشنطه الصغيره اشبه بالقرطاس ولكنه يحمل ملامح وصورة الرجل ... فجفل الصبيه وتعاركوا عند مدخل الخروج ... وتحوقل الرعاه وشهق بعضهم وصاح فيهم ابو صفيه ان يجلبوا شيئا من الماء ورمال وادي العطاش ...ولم تمضي ساعات حتي مات كل من في تلك الباديه ... فتناقلت الاخبار عبر الصحراء : ان احذروا سكان المدن فانهم اشرار يحملون الموت والدمار اينما حلوا .... لامست اغصان شجرة الكتر مؤخرة رقبة الجمل فوجدتها كانها جدران من تلك الجدر ... تحمل الموت فشعرت بالرهبه والخوف ... رمقها الجمل بقعر عينيه فرات غضب (الالهه) فيهما فسرت قشعريره عبر اشواكها النحيله... ثم ما لبث ان سقط سائل ابيض كثيف من فم الجمل علي اغصانها الشوكيه فغطاها ... واعقبه سائل اسود اللون يشبه (القطران) واختلط بالسائل الابيض وانتشرت رائحة الموت ... ففكرت شجرة الكتر في الهروب ... ولكن هيهات ونسيت ان الناموس وبعض (الالهه) قد اجتمعوا بعد معركة (ماو) في دار فزان القريبه من بادية المحاميد الغزلان ان يكافؤا جنود شجر الكتر الذين لم يهربوا من ارض المعركه (نوط) الثبات ولم يتحرك شجر الكتر بعد ذلك الاجتماع ابداً كما تقول الاسطوره سحبت شجرة الكتر اغصانها الشوكيه واحتضنتها وذبلت اطرافها في تلك اللحظه ... وراقبت الجمل في وجل ...وتحرك الجمل وارتجف جسدها كما ترتجف نساء الغواني في مدن بحر (القلزم) بعد ان (يشربن) سوائل الفرح واللهو والعشق والمجون .... مر الجمل بجوارها فاشتمت رائحة الانتقام تنبعث من بين شعرات جلده ... ولكن لدهشتها ان الجمل لم يعبأ بها ...وانصرف بعيداً عنها ومازالت رقبته تواصل في الاستطاله ... توقف الجمل فجأة وانفرجت رجليه الخلفيتين ورفع ذيله واسقطه بحركه سريعه خاطفه كانه يريد معاقبة تلك المخلوقات الصغيره التي تسكن ذيله في غفله من غفلات عدم اكتراثه ... فسقطت تلك المخلوقات الصغيره وتناثرت في عراء الصحراء فاستقبلتها الرمال الحارقه ... فشوت وجوهها المستديره و(كوت) اطرافها فتكورت وجمدت ... ثم مالبث الجمل ان رفع ذيله ببطئ فبدأ وكأنه احد زعانف حوت بحر الملح ... منتشره علي سطحه اشواك عظيمه ذات رؤوس مدببه كانها حراشف تماسيح ادغال ومجاهيل افريقيه ... ارتفع الذيل عن مؤخرة الجمل في شكل مستقيم ... ثم مالبث ان ادخله بين حراشف فخذيه مرة اخري ... تقول الاساطير ان الابل لا تبعر امام ناظري البشر او المخلوقات الاخري ... ولم يري احد من العالمين علي ظهر الارض (بعر) للإبل حتي بعد مضي مائة الف عام من نزولها من السماء او مكان ما داخل البحر ... وعندما رأى الناس بعرها اول مرة عبدوه وصنعوا منه الاحجبه والتمائم ... وحتي بعد عملية (الاستئناس) التي تمت علي عدة قرون اثرت الابل ان يكون بعرها جافا مثل الحجاره حتي لا يطأه احد ويفقأه فيكيشف عورتها ... لكن هذا الجمل قد بلغ من الغضب ما جعله يتخلي ويرمي ثقافة الاف السنين خلفه ويدخل ذيله بين ارجله الحديديه ... ثم يخلط البول والبعر معا ويضرب بها ظهره ...ثم يضرب بها الهواء تارة اخري ... ثم مط شفتيه المشقوقتين فنفرت منهما كرة حمراء اشبه بالبالونه ... ثم ما لبثت ان تكورت ففر منها زبد كثيف واختفي خلفها انياب زرقاء حاده مثل حجار جبل العوينات ... ثم زفر زفيرا عاليا مثل صوت الرجل المخنوق ... ولكنه كان عاليا ومخيفا ومبشرا بالموت ... ثم تدلت رقبته فاصبحت محاذيه لمنكبيه وغاصت مناخيره في راسه الذي صار اشبه برؤوس ثعابين الصحراء ونبتت فيه قروناً من الحجاره وانفردت اذنيه عن رأسه المستطيل وصارتا مثل رؤوس حراب ( الحداحيد) ثم عض الجمل انيابه ببعض في غضب وحنق فاصدرت شخيرا عاليا كانه سحق الحجاره ايام الزلازل ... وغاصت ارجله في رمضاء الرمال الساخنه ... ورفعهما الي اعلي في تسارع رهيب ... وهز راسه بعنف كانه اراد ان يتخلص من عظامه المشبوكه حول دماغه حتي انقطع الرسن المصنوع من حبل (الوجج) ... ثم تمايلت رقبته التي نشبت حولها شراشف مثل حراشف ضب الصحراء ... تمايلت تلك الرقبه في خطوط متعرجه ... وغاب عن عينيه البريق واختفي عنهما البياض والسواد وحل محلهما لون الغضب وضاقت في محجريهما واتسع لون الانتقام فيهما وركز خطوط ناظريه في مكان واحد حيث يقبع (جقدول) ثم عض الجمل انيابه ببعض في غضب وحنق فاصدرت شخيرا عاليا كانه سحق الحجاره ايام الزلازل ... وغاصت ارجله في رمضاء الرمال الساخنه ... ورفعهما الي اعلي في تسارع رهيب ... وهز راسه بعنف كانه اراد ان يتخلص من عظامه المشبوكه حول دماغه حتي انقطع الرسن المصنوع من حبل (الوجج) ... ثم تمايلت رقبته التي نشبت حولها شراشف مثل حراشف ضب الصحراء ... تمايلت تلك الرقبه في خطوط متعرجه ... وغاب عن عينيه البريق واختفي عنهما البياض والسواد وحل محلهما لون الغضب وضاقت في محجريهما واتسع لون الانتقام فيهما وركز خطوط ناظريه في مكان واحد حيث يقبع (جقدول) جقدول رجل من بادية المحاميد (حنطي) البشره في العقد الثالث من عمره قضي وقتا غير قصير في بلاد فزان من اهالي الصحراء في الجهه الشماليه الغربيه لبوادي المحاميد ... كما قضي وقتا اخر مع اقوام الصحراء من الطوارق علي جهة غدامس ووادي العناف في الجهة السفليه للصحراء ... يقال ان ثلاثه من رفاقه الطوارق الذين ذهب معهم لجهة بحر (القلزم) لم يعودوا ... ولم يحدث جقدول بقصته احد ... ولا يعلم الناس في الصحراء عنها غير الروايات ... في الصحراء تتناقل الاخبار بسرعه مذهله ... تقول الاساطير ان الجن يساعد في انتشارها كما تفعل الرياح كذلك ... فعرف الناس في صحراء المحاميد ان جقدول كان يعشق احدي حسناوات قبائل الطوارق بغدامس وكانت تلك الحسناء تبادله الود... وقيل ان معارك كثيره دارت في جوف الصحراء وعتاميرها بين جقدول وبعض العشاق المنافسين فكانت الغلبه لجقدول في كل الاوقات ... وتناقلت اخبار الصحراء ان احدي جنيات اهل المدن علي جهة بحر (القلزم) كانت تهيم عشقا بجقدول ... وان جقدول يحتفظ بصوره لتلك (الجنيه) وهي ترتدي سروالا سميكا مثل فرو الحيوانات وتنوره قصيره لا تكفي ان تغطي بعض اجزاء جسدها ... يقال ان رجلا مسنا من الباديه راي تلك الصوره وحمل (ابريق) وذهب الي الخلاء ولم يعد بعد ذلك ابدا ... كانت تلك الفتاه تهيم عشقا ب(جقدول) وكانت دائما ترتدي حذاءا له قعر مثل اوتاد الخيام ...وفي مشيتها غنج وتحدي وعلي صدرها تتكور برتقالتين ... وقيل ان عشيقها من (جنون) اهل المدن دخل عليها ذات يوم فوجد عندها جقدول ففر هاربا وعاد عند منتصف الليل متخفيا بعد ان شرب سائل الفرح واللهو ... عاد وهو يحمل في يده شيئا ثقيلا من الحديد اللامع ...وكان يردد بصوت خافت بعض الشتائم التي تمس الشرف ... هب جقدول واقفا عندما راي شبح العشيق ...ولكن الجني باغته فرفع في وجهه ذلك الحديد المعدني فخرجت منه ححمم الموت في شكل كور من اللهب مصدره فرقعات هائله .. فاخترقت احداها كتف جقدول ...وشعر بالدوار ... تبا لاهل المدن من الاشرار فهم يستطيعون (قتلك) دون ان تلامسك اياديهم او اسلحتهم البيضاء... فهم بلا شك اشر مما خلق ... شعر جقدول براسه تدور وتدور ... وسقط علي الارض ...وخرجت (الجنيه) من غرفتها صائحه ومرتعده ...