|
من حكايات الشلك - المحاكمة - يحي فضل الله
|
أستميح الأستاذ يحي فضل الله العذر وأنا أورد جزء من إنتاجه في هذا المنبر بعد أن أطلعت عن أعمال تصور الجنوبيين على غير حقيقتهم رأيت بأن بأنه من الضروري إعادة نشر هذه الأعمال
من حكايات الدينكا المحاكمة
يحي فضل الله
إفتقد رجل صديقا عزيزا لديه وهذا الصديق كان قد سافر بعيدا مع أقاربه ،فاشتاق الرجل إليه كثيرا فكان يفكر في كيف يلتقي بذلك الصديق :"آه أيها الصديق العزيز،لقد طالت غيبتك عنا ،فمتى نراك". مكث الرجل أيام وليالي وهو يفكر في حالة صديقة ذاك ،وفي نهاية الأمر قرر أن يلحق بصديقة فحمل زاده وحرابه وأتجه صوب الخلاء باحثا عنه أيام وليالي حتى عثر عليه فتصافحا كثيرا وبكيا أكثر. وبعد ذلك قام صديق الرجل الذي هو سيد "المراح" وذبح بقرة لصديقة إكراما وتقديرا له وتم إيقاد النار التي وضعت عليها اللٌحوم،فبدأ اللحم يغلي ويغلي وهما يتسامران ،ويتذكران القرية تلو الأخرى وبعد ذلك بدأ يغنيان أغاني الحماسة والحب وبينما هما كذلك جاء كلب وأقعى بجوارهم في إنتظار اللحم. وعندما نضج اللحم قام سيد "المراح" لتقديمه لضيفه وصديقه العزيز ، وبدأ الضيف يأكل ويأكل ويرمي بالعظام إلى الكلب الذي أزعج سيد "المراح" فصرخ في الكلب قائلا :-"أذهب من هنا أيها الكلب الأحمق" ولكن الكلب عاد مرة أخرى وبدأ يخطف العظام فأثار هذه المرة غبارا مزعجا كاد أن يغطي قدح اللحم الذي يأكل منه الضيف فاحتار الضيف ماذا يفعل وأخيرا أخذ عظما كبيرا ورمى به بعيدا ، بعيدا عن مكان الأكل ، فجرى الكلب نحو العظام المقذوف بعيدا عنه ولكنه وجد أن الدجاجة سبقته للعظم وبدأت تنقر فيه بمنقارها "كت كت كت"فلما رأى الكلب ذلك "هو هو" فيها "هو هو هو" وهجم عليها ليقضم رقبتها ولكن الدجاجة طارت من الخوف وحطت على راس أحد العجول ، والعجل التي حطت عليه الدجاجة فزع وقفز عاليا من هول المفاجأة وسقط على طفل صغير ،الطفل الصغير كان قد جاء ليتفرج على الضيف وكانت المصيبة فقد مات الطفل بسبب سقوط العجل عليه. في اليوم التالي تجمع أهل الطفل- الطفل الذي مات بسبب العجل الذي سقط عليه، تجمع أهل الطفل من كل حدب وصوب وكادت أن تحدث حرب بينهم وبين سيد "المراح" وصديقه لولا أن تدخل بعض العقلاء وعقدت محكمة لمحاكمة الجاني . في المحكمة ، محكمة الجاني الذي قتل الطفل – إشتد الجدال فها هو صاحب العجل يقول:"إن المسئول عن قتل هذا الطفل هو صاحب الدجاجة لأن الدجاجة هي التي أفزعت العجل وجعلته يقفز هكذا ويسقط على الطفل ويقتله" لكن ، صاحب الدجاجة يرمي باللوم على صاحب الكلب ويقـول: إن دجاجته ما كان لها أن تطير هكذا وتحط على العجل لولا أن الكلب هاجمها "ولكن صاحب الكلب رفض أن يدفع لأهل الذي مات بسبب سقوط العجل عليه محتجا بقوله "شيء طبيعي أن يأخذ الكلب العظم لأنه يحرس المراح وأن الكلب عادة ما يأكل العظام ولكن الضيف هو الذي تسبب في هذه المأساة لأنه رمى بالعظام بعيدا" وهنا تحدث السلطان واتهم الضيف قائلا:"أنت إذن المسؤل عن قتل الطفل وعليك أن تدفع الدية" ولكن الضيف رفض ذلك محتجا وقال:"بذمتكم أيها الناس هل رأيتم إنسانا يأكل العظام؟،فالعظام يا جماعة تأكلها الكلاب ولذلك فإن المسؤل عن قتل الطفل هو الكلب فأذهبوا إلى صاحبه " وهكذا تنقل الاتهام بقتل الطفل بين صاحب الكلب وصاحب الدجاجة وصاحب العجل ، فاحتدم النقاش بين الحضور والكل جهز حرابه وأقواسه إستعدادا للحرب و سلطان المحكمة يلتفت يمينا ويسارا مستشيرا بعض من مساعديه بينما الصمت ساد الحضور والأنفاس تعلو ونهبط ، تعلو ،تهبط وحتى شرع أحد من أهل الطفل في قذف حربة نحو صاحب العجل ، صاح السلطان في الناس قائلا :" إن الكلب طعامه العظام وإن الكلب من أوجب واجباته أن يحرس المراح ولكن ما علاقة الدجاج بمكان المراح وأكل العظام؟" وهنا همهم الناس وتصايح الناس قائلين: "فعلا أن الخطأ يقع على صاحب الدجاجة لأنه لا يوجد سبب لأن تكون دجاجته في مكان المراح" ولكن صاحب الدجاجة رفض دفع الدية. وهنا خاطب السلطان الحضور سائلا:"أيها الحضور لو حكمتم في هذه القضية ، فعلى من تحكمون؟" فأجب الحضور:"سنحكم على صاحب الدجاجة لأن الدجاج لا يأكل العظم" فقال السلطان:"فعلا ، لقد صدر الحكم على صاحب الدجاجة لأن المراح مكان لا يحضر فيه إلا الإنسان الذي يرعى البقر ، ثم البقر التي يرعاها الإنسان والكلب الذي يحرس الأبقار ، أما الدجاج فمكانه البيوت".
عن دورية ثقافات سودانية المركز السوداني للثقافة والإعلام-القاهره
|
|
|
|
|
|