مدخل من رواية - مهداء إلى عزة وإشراقة وحمزة والشرنوبي وكل الرائعين بالبورد

دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-13-2024, 08:18 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة عاطف عبدالله(عاطف عبدالله)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-21-2003, 06:09 AM

عاطف عبدالله
<aعاطف عبدالله
تاريخ التسجيل: 08-19-2002
مجموع المشاركات: 2115

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
مدخل من رواية - مهداء إلى عزة وإشراقة وحمزة والشرنوبي وكل الرائعين بالبورد

    جزء من مقطع من الرواية
    البقع السوداء أو ذكر ما جرى في البر الآمن

    تنويــــــه

    إن شـخوص وأحداث هذه الرواية من وحـي الخيال .. فإن تطابقت في الكثير من أحداثها مع الواقع فهـــذا أمر متعمد.. أما لو تطابقت بعض الأســـــماء فيكون هـــــذا قد جرى بمحض الصدفة.
    فكل ما فعلته في سردي لأحداث هذه الرواية هو أنى كتبت ما أملاه علي الواقع الحقيقي .. لكنى أضفيت عليه بعض الخيال لا لأجمله ولكن حتى أهيئه ليصبــــــح فناً ..

    ع . ع






    إنه وطــــــــــــــــن جميــــــــل
    رغـم التناقــــــض في أزقتــــــه
    ولكــن كيــف يمكن أن أعــود
    إلى الســــماء ؟!
    فأنا غريـــب عن دمـــــــي
    إنــــــــي غريــب


    الصادق الرضي





    المقطــع الأول

    شـــهادة تكـــوين

    نحــن أبنـاء الزمن المشـــروخ .. ولدنا .. كما تلد القطط العميـاء قططــاً عمياء ،..نشأنا علي ما جبلنا عليه،.. تعودنا أن نأخذ أقل مما نشتهي،.. نذكر الفرقة عند اللقاء، .. والعذاب عند لحظات الخفقان الأول،.. إذا وجدت البسمة طريقها إلى شفاهنا ، نسارع بطلب المغفرة .. ثم نعبس ثانيــةً ...




    - لماذا لا تتقدم لها وتصارحها بشعورك قبل أن يأتي أحد آخر ويسبقك إليها وهي تخصك وحدك بمعاملة يحسدك عليها كل فتيان الحي !!
    - لست في جاهزية تؤهلني لذلك
    - إذن لماذا لا تدعها وشأنها .. لماذا تنسج خيوطك العنكبوتية حولها .. دعها لتختار وهي حرة، دعها تواجه واقعها وتستكشف الحلول بعيداً عن إجاباتك المطاطية الجاهزة التي تصلح لكل الأسئلة ولا تجيب على أي سؤال !!
    - أولاً ما يربطني بها ليس خيوطاً عنكبوتية كما تصفها ، بل وشائج فكرية وعاطفية ، ثانياً ليس لي في تركها خيار فهي معي وحولي أينما أكون، وأخيرا هي ليست حرة حينما تختار أو بالأصح عندما يختارها أحد والظروف الموضوعية التي يتم فيها هذا الاختيار تكون مشروطة تحول بينها وبين الحرية المزعومة ،ثم لا تنس وضع المرأة في مجتمعنا ومعاناتها من الاضطهاد المزدوج ، الاضطهاد الطبقي و الاضطهاد الـ…………..
    - اصمت .. بالله عليك .. يكفي هذا ..

    ما دار كان جزءا من الصراع الذي يمزقني من الداخل ، كنت أراقبها وأرغبها وأدفن رغبتي بين القراطيس والكتب، أسعى لإثبات وجودي في ميدان انشغل الفرسان عنه، ما بين كتب التاريخ والفلسفة .. والأدب والفن أجد ضالتي في المقولات المفخمة والعبارات الطنانة .. أتخذ منها درعي الذي أنازل به بعد أن تنازلت عني أدوات الفرسان الأخرى حيث أعاني من إعاقة في ساقي اليمنى أداريها بحذاء طبي، وهزال في بنيتي حتى تكاد الريح إن هبت تتلاعب بى كالريشة والأوراق المهملة، وأعاني أكثر ما أعاني من ضيق المجتمع بأصلي، لن أكذب وأدعي بأني فخور به، فلو كنت أدرك كنهه لافتخرت به ولكن أنا وأمثالي كمن يرقص على السلم فلا العلويون رأونا ولا شاركنا التحتيون الغناء.
    كلمة ملتصقة بي مزحاً كانت أو جَدّاً .. عند الضيق والغضب أو عند التسامح والفرح كلمة "عبد " أصبحت اختصارا لاسمي إزيك يا عبد .. تعرف يا عبد .. وينك يا عبد .. تعال يا عبد .. أمشي يا عبد .. وتختصر الدال وتنطق ( عب ) عندما كنت صغيراً ظننتها لقبا أو اسما آخر لي ولم أكن أعير الأمرَ أهمية وعندما تفتح وعيي أدركت كم هذا المجتمع قاس علي وعلى أمثالي الذين ولدوا خلاسيين من أب شمالي وأم جنوبية، حتى ولو كان هذا الأمر قد تم من قبل الجد الثاني أو الثالث أو حتى الجدّ الرابـع تظل الكلمة سـبة تلاحق الأحفـاد، فالمهن والأعمال الوضيعة نصيبهم ومهمـا علا مقامهم وارتقى شأنهم فهناك حدود اجتماعية لا يمكنهم تجاوزها.
    عندما ألتقي بسارة أحس برعشة غريبة ويتصبب من إبطي عرق كريه الرائحة ويعتريني ارتباك سرعان ما أخفيه خلف موضوع الحديث وكان يكفيني بضعة ثوان لألملم أشلاء ذاتي وأستحضر أيا من أيقوناتي وأســتعرض تلك النظريات المعقدة بحــديث صفـوي ، قال هيجل ... يقــول سارتر ... بريخت قال ... وأستنفر العبارات والكلمات باللغة الإنجليزية من أقاصي المعاجم والقواميس العتيقة .. وأستشهد بآلهة الأولمب وأجد راحتي التامة بما أثيره من انتباه وإعجاب .. ومهما صعب الأمر علي كنت أخرج راضياً لإصراري لتصديق نفسي بعد أن يصدقني الآخرون ، فهذا ميداني وأنا فارسه الذي لا يشق له غبار.
    كانت العبارات جاهزة واستنباط الإجابات أكثر جاهزية وحتى أريح نفسي من عناء البحث، كان يكفي عنوان ومقدمة لاستغفال الجميع، لكن الأسئلة كانت تتسع وتتشعب كخلايا الأخطبوط حتى سقط القناع
                  

01-21-2003, 06:35 AM

sharnobi
<asharnobi
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 4414

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مدخل من رواية - مهداء إلى عزة وإشراقة وحمزة والشرنوبي وكل الرائعين بالب (Re: عاطف عبدالله)

    عاطف
    التقيك رغم الاسى
    فى ركن تتجمع فيه كل المعانى .. فيك بعض منى .. زمن كل فى زقاق والحوارى.. نفس الشبهه

    والقدله
    ذاتها



    عاطف
    اعزمك فى لحظة وفى دواخلى تتلاشى المعانى
    نحن من بعض



    سكت عنى الكلام المباح
    وقررت غصبنا عن ارداتى
    ان اكمم

    حق ان افصح


    ولكنك هزمت فىّ هذه الرغبة


    ولانك جمعت
    بين
    عزه واشراقة
    وحمزة

    وانا لم اكن بين هذه الشلة المبدعة

    هم من بدايات تكوين

    وانا
    من بقايا

    فلا تجمع
    يا فتى بين

    البدايات
    والنهايات

    قصة
                  

01-21-2003, 09:55 AM

عاطف عبدالله
<aعاطف عبدالله
تاريخ التسجيل: 08-19-2002
مجموع المشاركات: 2115

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مدخل من رواية - مهداء إلى عزة وإشراقة وحمزة والشرنوبي وكل الرائعين بالب (Re: sharnobi)

    الأخ الحبيب الشرنوبي
    أن كنت أنت نهايات وخاتمة
    لا املك إلا أن أردد قول محجوب شريف
    أريتو حلك يابا حالي
    وأريتو حسن الخاتمة فالي

    أيها الرجل المتجدد الشرنوبي أتمنى أن نلتقي يوما ونتبادل نخب تلك الأيام القادمة والجديدة
                  

01-21-2003, 07:12 AM

azza

تاريخ التسجيل: 12-16-2002
مجموع المشاركات: 606

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مدخل من رواية - مهداء إلى عزة وإشراقة وحمزة والشرنوبي وكل الرائعين بالب (Re: عاطف عبدالله)


    استاذ/ عاطف عبدالله لك الف تحية و كيف حالك؟؟
    انني مشدوهة منذ المقدمة و قد صدق حمزة سليمان في عنوان بوسته
    اني انتظر البقية
    عندما تكون الهدية منك تكون مختلفة عن كل الاهداءت
    لانك حقا مختلف (كنت اود ان اقول من عالم اخر) و لكنك من قلب العالم الحقيقي
    انتظرك و ننتظرك ياقادم

    (عدل بواسطة azza on 01-21-2003, 08:25 AM)

                  

01-21-2003, 10:00 AM

عاطف عبدالله
<aعاطف عبدالله
تاريخ التسجيل: 08-19-2002
مجموع المشاركات: 2115

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مدخل من رواية - مهداء إلى عزة وإشراقة وحمزة والشرنوبي وكل الرائعين بالب (Re: azza)

    عزة
    إليك جزء من بقية المقطع الأول



    سارة هي أجمل بنات الحي .. سمراء كحقل الحنطة أوان الحصاد .. هيفاء ممشوقة القوام .. نمت بيننا علاقة غريبة فهي تري فيَ النموذج والإنسان القادر على تفهم وضعها ، الإنسان الذي يملك مفتاح الحل لكل الأشياء ، القــادر على كل الأشياء .. وأنا أرى فيها تلك الأشياء .. فهي الخيال والجمال والمثال الذي يتراءى لي أينما أنظر. أمها أورثتها هذا الجمال الأخاذ أما أبوها فلم يورثها سوي القامة الفارعة و الأسرة التي تربت على كنفها بعد موته . توفى قبل أن تولد، وكان مغضوبا عليه من أسرته لانفلاته و زواجه من أمها التي كانت سيرتها غامضة، لا أحد يذكر عنها شيئاً سوي أنها كانت جميلة وضيئة ذات قوام متسق، أتت وهي دون الثلاثين وحيدة من أقصى مدن الشمال وكانوا يقولون بأنها هربت بسبب أن أهلها يريدون تزويجها من كهل ثري وفي رواية أخرى من رجل لا تحبه، ويروي الكبار أنها أتت الفاحشة وكان أهلها ينوون التخلص منها بقتلها فهربت منهم ، لذا لم يبذلوا أي جهد في ملاحقتها أو البحث عنها. أتت الأم و ارتمت حجراً في ماء حينا الراكد فحركته وصارت الشغل الشاغل لشباب الحي، قبلها كان جُل اهتمامهم منصبا على كرة القدم والسياسة وإرهاصات الاستقلال ووحدة وادي النيل،و تحول مثار اهتمامهم إليها، الكل يسعى لكسب ودها، عدا نساء الحي فكان أن اعتبرن حلولها بينهن بمثابة الكارثة .. رفضن دون استثناء إقامة أية علاقة معها في العلن، فقد كانت جرأتها وخروجـها عن المألوف أكبر من أن يتقبلنها من بنت البلد (1)، وما تأتي به من جديد يتجاوز حدود تفكيرهن، رفضن استيعابها ضمن مجتمعهن عدا فوزية الحولاء التي آوتها.
    ادعت فوزية في البدء بأن المرأة الوافدة من قرابتها البعيدين وذلك لتبرير استضافتها لها، ولكن الكل كان يعلم أنها وحيدة لم يعرف لها أهل، ومهما ادعت عن نسبها إلا أن الجميع كان يعاملها كخادم أصلها من الرقيق.

    كانت فوزية تغني للنساء في بيوت الأفـراح ونسـاء الـحي يستخدمنها في قضاء حوائجهن والمسـاعدة في إنجاز الأعمـال المنـزلية وهي على علاقة غريبة بـ ( سليمان الأخرس ) الذي يعمل سروجياً .. أغرته بالزواج منها ولكنه اشترط عليها أن تسجل بيتها المهدم باسمه ورفضت و كان يتسلل إليها ليلاً ويقضي ليلته معها ونوادرهم كثيرة يتبادلها ســكان الحي لكن لا أحد يعطيها أهمية تذكر .. وليس ثمة أحد كان يبالي بما يجري بينهم.

    أغرتها المرأة الوافدة بأخذها لتغني خارج أسوار هذه المدينة القرية مقابل إيوائها معها فقبلت، ضرب نساء الحي سياجا حول المرأة الوافدة ولكن بعض الفتيات كن يسعين إليها في الخفاء ليتعلمن منها كيفية التجمل والتبرج وطريقة الحديث الذي كانت بارعة فيه، كانت تحدثهم عن السينما والمسرح والموسيقى والباليه..مواضيع ليس لهن بها سابق إلمام، مست شغاف أفئدتهن وأثارت فضولهن لما هو جديد.كانت البودرة والعطور الأجنبية والشعر المستعار والملابس الضيقة من الأشياء النادرة في تلك البقعة وفي ذلك الزمن أشياء لم يروا إحداهن تستعملها من قبل، البعض يذكر أنها كانت تلبس كما نساء الفرنجة دون الثوب السوداني المعروف ,تخرج مكشوفة الرأس، بل البعض يذهب أكثر من ذلك يصفها بأنها لم تكن أصلاً سودانية بل مصرية وأهلها من الإسكندرية ، ويقول البعض أنها غجرية لا أهل لها، ولكن فوزية دائماً تؤكد أنها سودانية بنت سوداني من أم سودانية ولم يعرف عنها أحد أنها تحدثت بلسان غير سوداني.
    أما والد سارة واسمه خالد فكان من أسرة ميسورة ، وسيما فارع الطول ذا شعر ناعم ملفت للنظر حيث الغالبية شعورهم خشنة ( تكسر المشط ) وكان كثير الاهتمام بمظهره وهو أكبر أخوته - أبوه تاجر معروف كان ينوي أن يرسله ليدرس علوم الدين بالأزهر الشريف في مصر، وعندما رفض مواصلة تعليمه أخذه ليعمل معه في تجارته بالسـوق، إلا أن خالداً كان يهوى الغناء وحاول الأب أن يردعه عن هذا الطريق حيث كان المغنون يعرفون بالصياع أي الصعاليك ولم يكن يريد لابنه أن يكون صعلوكاً ، وباء ت كل محاولاته بالفشل وفي يوم من الأيام عاد خالد إلى البيت ثملاً غير قادر علي السير .. يترنم ببقايا لحن من ذلك الزمان ، وكان الأب يسـتعد لصلاة الفجـر ولم يحتمل الحالة التي رأى فيها ابنه .. وعند الظـهر بعد أن عاد من السوق اسـتدعى خالداً أمام أمه وسـلمه مبلغا من المال وطلب منه مغادرة البيت دون عــودة .. بكت الأم وتوســلت ولكن الأب لم يلتفت إليها وحمل إبريقه ليتوضأ لصلاة الظهر.
    كانت الأم تعلم أن ابنها علي علاقة بالمرأة الوافدة ، بل تقسـم بأنها هي التي أفسدته .. وتجزم أنها هي التي سعت إليه وعملت له عملا عن طريق السحرة والدجالين حتى تمكنت منه، ودفعها ذلك لتقود حملة معارضة نساء الحي لهذه المرأة الوافدة، دون أن تتجرأ على تصعيد الأمر إلى حد المطالبة بطردها من الحي خوفاً من أن تحرم رؤية ابنها الذي كان يتسلل إليها في غياب أبيه ليتزود منها بالمال والطعام.
    أفتتن خالد بهذه المرأة الوافدة مثله مثل بقية شباب الحي، وكان يظنها سهلة المنال وأن وضعه العائلي وأناقة مظهره كفيلان بفتح قلبها وفخذيها له، بل كان يراهن بأنه سيكون أول من يحظى بها،وقد كان .. ولكن ليس بالسهولة التي ظنها، بل كان الطريق إليها وعراً كلفه حياته بعد أن رهن صحته وعمره لها.

    بعد أن استضافت فوزية الحولاء المرأة الوافدة صار بيتها المتهدم قبلة يؤمها أصحاب الهوى والسـمار ليلاً ، أدخلت عليه تحسينات رغم بساطتها إلا أنها أثارت الدهشة بما صبغته على البيت من روعة .. وأصبح لا يخلو من مطربين كبار في ذلك الزمن وسياسيين وصحفيين يتنادمون ويتناولون حال البلد والطرب في ذلك المنتدى الذي لم يؤسسه أحد، ولم يوثق له أحد من رواده.
    اعتزلت فوزية الخدمة في البيوت وتغيرت طريقة لبسها وزينتها وهجرت عشيقها سليمان الأخرس ، وكانت أسعد ما تكون بهذا التغيير الذي طرأ على حياتها بوجود هذه المرأة الوافدة التي صارت لها بمثابة النظارة الطبية التي وضحت لها الرؤية.
    كان خالد قد التقى بأم سارة في هذا البيت ، في البدء كان يؤم دار فوزية مثله مثل الآخرين وهو يحمل زاده وشرابه كأحد نجوم هذه الدار، تودد إلى المرأة الوافدة وصدته كما فعلت بكل من تقرب إليها بمنتهى الأدب، أخذ حبها يتسلل إلي قلبه شيئاً فشيئاً أحبها وهام بها، ولكنها ظلت تصده وتدهورت حالته بعد أن طرده والده ،أدمن الخمر، وصار ينام في حظيرة كانت مأوى للبهائم وهمت فوزية بطرده إلا أن المرأة الوافدة أقنعتها بألا تفعل ، وعدلت فوزية عن فكرتها خاصة بعد أن صار خالد يقوم بخدمة زوار الدار ليلاً ، وذلك مقابل أن يأكل ويشرب وينام .
    استمر هذا الحال لعدة أشهر وظلت حالته تتدهور وصحته تتلاشى وحبها يكبر في قلبه حتى صار موضع تندر لكل ضيوف الدار، إلا أن المرأة الوافدة ظلت تعطف عليه وعندما ينام ويكون البرد قارساً تأتي إليه وتغطيه وتطمئن عليه ،وعندما تدهورت حالته الصحية وأخذ يسعل دماً ، ذهبت به إلى المركز الصحي، ونصحها الباش ممرض بأخذه إلى المستشفي الميري (1) الكبير وفعلت، وحجز بالمستشفى وظلت تعـوده كل يوم .. وذهبت إلى والدته وأخبرتها عن ابنها، فعلت ذلك من وراء الباب حيث أن الأم لم تدعها إلى الدخول للبيت، بقي خالد في المستشفي لعدة أيام ، رفض والده أن يزوره ولكنه لم يحرم أمه من رؤيتــه بالمستشفى، وظل يتسقط أخباره ويتمنى في داخله أن يعود إليه تائباً مستغفراً، يقف معه ويعاضده في السوق، ولكن خالد كان قد ملَ حياة المستشفى وحن إلى رؤية محبوبته التي حرمتها أمه من زيارته بالمستشفى، فهرب إليها والي حياة الليل والخمر والغناء في دار فوزية.

    في ذات يوم والندامى يتبادلون السخرية والضحكات على خالد الذي كان يرقص و يترنح ولا يقوى علي الوقوف علي قدميه طويـلاً ويسقط،وكان خلال ذلك يترجى المرأة الوافدة كي تقبل الزواج منه وقد كان يقوم بذلك يومياً عن ثمالة أو ليكسب عطف الحاضرين ويستجدي ضحكاتهم ، علّ أحداً منهم يجود عليه بكأس أو سيجارة، عندها فاض الكيل بالمرأة الوافدة ووقفت وزجرته بنبرة حادة .
    - أقيف عديل وخليك راجل..
    وصمت الحاضرون وخرج خالد مطأطأ الرأس إلى عشته والدموع تملأ عينيه.
    في اليوم التالي تزوجت منه وسط دهشة جميع أهل المنتدى! وبعد زواجهما توقف خالد عن تناول الخمر وتبدل حاله، وبدأ يستعيد صحته وعاد إلى أبيه يطلب غفرانه والي أمه يطلب رضاها ، طلب منه والده أن يطلق المرأة الوافدة كشرط لقبوله ابناً له مرة أخرى،كذلك فعلت الأم ورفض خالد ذلك العرض ولم يرهما منذ ذلك اليوم.

    عاد خالد كسابق عهده نظيفاً، مرتباً ومهندما، واستطاع أن يستعيد ود واحترام أهل المنتدى ..وخطط ليرحل بزوجته بعيدا عن هذا الحي بعد أن رفض أهله قبولها كفرد منهم، وفي الشتاء وقبل أن ينفذ ما خطط له أصيب بوعكة أعادت له علة داء الصدر ولم يشفع له العلاج ومات علي حضن زوجته وهو يسعل دماً.

    بعد عدة أشهر على رحيل خالد بدأت آثار الحمل تظهر على المرأة الوافدة، ورغم الفستان الأسود الذي توشحت به وبطنها التي تكورت إلا أنها لم تفقد جمالها الأخاذ ولم يقعدها الحمل ولا الحداد عن ممارســة دورها في المنتدى الذي توسع وتفرخ حيث قامت منتديات وصوالين أدبية مشابهة له في شتى المدن السودانية والتف حولها الكثير من المثقفين الذين استظلوا بها من قحط الثقافة السائدة وجدب الإعلام الرسمي لديكتاتورية عبود التي أطلت برأسها والبلاد تحبو على أعتاب الاستقلال.
    وفي ذات صباح مشرق ندي والمرأة الوافدة تتحدث لبعض فتيات الحي اللاتي تحلقن حولها عن المسرح وكيف أن المرأة في مصر والشام قد إعتلت خشبته وهناك نجمات يشار إليهن بالبنان، وكانت فوزية الحولاء مستلقية على مقربة منهن تستمع للمرأة الوافدة وبعد ذهاب الفتيات إلى بيوتهن رنت فوزية طويلاً إلى المرأة الوافدة وقالت لها بامتنان عميق وابتسامة عذبة
    - شكراً لك.
    وكانت تلك آخر كلماتها بعدها أستوت في رقدتها وأغمضت عينيها وراحت في سبات الموت وابتسامتها على وجهها، لم تفارق محياها. هكذا رحلت فوزية الحولاء.. وعجز من غسلوا جثمانها أن يعيدوا وجهها إلى طبيعته وصحبتها الابتسامة حتى القبر. وبالرغم من أن صفة الحولاء ظلت مرادفة لإسمها حتى بعد رحيلها إلا أن الكثيرين يشهدون بأن الحول كان قد أختفي من عينيها بعد أن صار بيتها منتدىً للأدباء والمفكرين ، ويروي أهل الحي مذهولين أن جنازتها قد أمها خلق لا قبل لهم به ولا سابق عهد .. أمم وأناس من كل حدب وصوب لا أحد يعلم من هم ؟ أو من أين أتوا ؟ ساروا خلف نعشها حتى واروه التراب.. وأقاموا لها مأتماً يليق بعلية القوم، وخرجت الصحف تنعاها في صفحاتها الأولى .. ولم يدرك أهل الحي أنه كانت بينهم امرأة بهذا القدر والأهمية إلا بعد وفاتها، وبعد موتها انفض سامر دارها وخرجت المرأة الوافدة من الحي وعاد السكون إليه وعاد إلى رتابته المعهودة.
    أما بيت فوزيه فقد ظل مهجوراً .. تهدمت حوائطه بفعل الزمن وصار خرابا تتكاثر فيه القطط الضالة، لم يقطنه أحد بعد أن سرت الشائعات بأنه مسكون بالجن والشياطين وذلك لأنه كان بيت مغني والموسيقي كانت تصدح فيه كل ليلة قبل موت صاحبته، وكثيرون من أهل الحي أقسموا بأنهم شاهدوا الجن في داخله ليلاً وأن شبح فوزية الحولاء يسـكنه .. وآخرون قالوا إنهم يسمعون أصواتا تخرج منه كلما مروا به قبل الفجر، كنا ونحن صغاراً نخاف أن نعبر من أمامه إذا جن الليل . لم يسمع أحد عن المرأة الوافدة لأكثر من عام ونيف إلي أن شوهدت يوماَ وهي تلج الحي ،في البداية لم يتعرف عليها أحد ، كانت تحمل طفلة نحيفة علي جنبها الأيمن وحقيبة ملابس سوداء صغيرة بيدها اليسرى ، ترتدي ثوباَ أزرق وهالة سوداء تلتف حول عينيها، وبدت كأنها كبرت عشـرات الأعوام، وفقدت كثيرا من وزنها .. شاحبة هدها المرض ، تعرف عليها السر صاحب الكنتين ، وهمس إلى المرأة التي كان يكيل لها البن وهي بدورها همست إلى المرأة التي بجوارها وأخذ النسـاء أمام الكنتين يتهامسن عن المـرأة الوافـدة وكيـف تبدل حالها، أما هي عندما رأتـهن رفعـت رأسـها كأنها تستعيد ذلك البريق الذي خبا ولم تلتفت إليهن وشقت طريقها كأنهن غير موجودات. ذهبت إلى منـزل ( أبو خالد ) وطرقت الباب وفتحت لها الباب شابة سمراء في العشرين من العمر مشعثة الشعر تبدو كإحدى خدم البيت وإن كانت غير ذلك اسمها زهرة تقيم مع جدتها صافي النية ، وعندما فتحت الباب تعرفت على المرأة الوافدة وكانت من أشد المعجبات بها، وقبل أن تبدأ بالحديث والاندهاش وطرح الأسئلة التي تدفقت في ذهنها ناولتها المرأة الوافدة الطفلة بعد أن قبلتها طويلا ثم كفكفت دموعها وأعطتها الحقيبة السوداء مع مظروف مرسل إلى رب الدار.وقبل أن تستجمع زهرة شتات ذهنها وتستدرك ما يحدث والطفلة تبكي وتتلوى بين ذراعيها، كانت المرأة الوافدة قد اختفت من ناظريها وخرجت من الحي ولم يرها أحد بعد ذلك إلى الأبد
    .
                  

01-21-2003, 10:00 AM

azza

تاريخ التسجيل: 12-16-2002
مجموع المشاركات: 606

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مدخل من رواية - مهداء إلى عزة وإشراقة وحمزة والشرنوبي وكل الرائعين بالب (Re: عاطف عبدالله)


    استاذي الرائع عاطف عبدالله
    رفضت ان اعقب على تعقيب استاذ شرنوبي الى ان تعقب انت
    اود ان انسل من بين هذا العقد الذي ...ساعود
    و لكن صدق شرنوبي ليس لانه نهاية كلا بل لانه...................ساكمل هذه النقاط فيما بعد
    و انا امراة من جيل الوهم من جيل العقم
    فكيف نكون سويا
    لس عودة
                  

01-21-2003, 02:45 PM

sympatico

تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مدخل من رواية - مهداء إلى عزة وإشراقة وحمزة والشرنوبي وكل الرائعين بالب (Re: azza)

    الأخ الاستاذ عاطف عبدالله

    كل سنة وانت طيب
    وعقبال 106 شمعة
    ( بس ما عارف 106 ليه)

    كنت في نهاية نوبة الحمى
    صباح الجمعة فجرا
    وكانت معي البقع السوداء
    ولم استطع تركها الا بعد اكمالها
    في جلسة واحدة
    رغم ان من عادتي ان استبقي الصفحات الاخيرة لوقت آخر قد يطول
    الا انني مع البقع السوداء لم استطع
    ما اروعها من رواية
    اضافة مميزة للمكتبة السودانية
    شكرا على الاهداء

    ====
                  

01-21-2003, 11:16 PM

Ishraga Mustafa
<aIshraga Mustafa
تاريخ التسجيل: 09-05-2002
مجموع المشاركات: 11885

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مدخل من رواية - مهداء إلى عزة وإشراقة وحمزة والشرنوبي وكل الرائعين بالب (Re: sympatico)

    لن افسد ليلتى هذه بالتعليق على هذا التسلسل البديع والقلم الاكثر ابداعا، شكرا للاهداء ولهذا الابداع، سأنام الليلة دون كوابيس غربه فهذا النص سوف يدثرنى ولى عودة

    وياشرنوبى ياعزيزى البدايات والنهايات يتقطعان فى جدليه هرمونية التحيه ليك ولتواضعك


    شكرا ياعاطف
    ولى طلة تانى


    اشراقه
                  

01-22-2003, 09:26 AM

أبنوسة
<aأبنوسة
تاريخ التسجيل: 03-15-2002
مجموع المشاركات: 977

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مدخل من رواية - مهداء إلى عزة وإشراقة وحمزة والشرنوبي وكل الرائعين بالب (Re: Ishraga Mustafa)

    الأخ عاطف عبدالله

    شكرا لهذا الإبداع فقد وجدنا هذه الرواية في معرض الدوحة، وقد تناقشنا أنا والعزيز نادوس عن من هو عاطف، هل هو صاحبنا الفي البورد؟،
    وحيث كان هذا الإحتمال وارد، قررنا الحصول على نسخة منها إلتهمت نصفها في نهار اليوم الثاني،
    وساعتها قلت لنادوس " إنها رواية رائعة ..وهكذا تؤكد حواء السودانية المبدعة أنها ولود،

    فأجابني نادوس مداعبا: وهكذا يعود الأمر لحواء مرة أخرى
    وقررت أن أفرد لها بوست للتعليق عليها وقد كتبت مسودته ولكن هكذا أنت سبقتني، وسألحق بك

    سعيدة جدا بهذا الإبداع النابع من هذه الأسرة ، أسرتنا جميعا أعضاء البورد

    والتحية لك أخ عاطف وفي إنتظار بقية المبدعين
    وتبا للشفاهة التي تحكم إبداعنا
    وتبا للظروف القاهرة التي تلقي بإبداع إخوتي وأخواتي وتجعلها حبيسة الأدراج
                  

01-22-2003, 07:54 PM

عاطف عبدالله
<aعاطف عبدالله
تاريخ التسجيل: 08-19-2002
مجموع المشاركات: 2115

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مدخل من رواية - مهداء إلى عزة وإشراقة وحمزة والشرنوبي وكل الرائعين بالب (Re: أبنوسة)

    الأخت ابنوسة
    تحياتي
    سعدت جدا لوصول الرواية إليك وشكرا وفي إنتظار تناولك النقدي لها
                  

01-22-2003, 08:46 PM

Modic
<aModic
تاريخ التسجيل: 12-19-2002
مجموع المشاركات: 872

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مدخل من رواية - مهداء إلى عزة وإشراقة وحمزة والشرنوبي وكل الرائعين بالب (Re: عاطف عبدالله)

    عزيزي عاطف
    كنت حأجيك زيارة قبيل .. لكن و الله عيان لدرجة اني ما قدرت أقعد في أبوظبي .. رجعت العين قبل شوية
    غايتو أنا متلهف حد الثمالة لي اني أقراها ..
    بس لما الاقيك لينا كلام كتير
    كل الخير

    محمد
                  

01-24-2003, 12:33 PM

عاطف عبدالله
<aعاطف عبدالله
تاريخ التسجيل: 08-19-2002
مجموع المشاركات: 2115

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مدخل من رواية - مهداء إلى عزة وإشراقة وحمزة والشرنوبي وكل الرائعين بالب (Re: Modic)

    العزيز موديك
    وحتى نلتقي لك أجمل تحية وأهداء خاص لهذا المقطع من الرواية

    كان المنـزل الذي يعرف بحوش ودسلمان كبيراً، بل كان أكبر بيوت الحي ، يشكل مربوع الحاله حيث المنازل الأخرى رغماَ عن اتسـاعها تتجمع أربعة وأحيانا ستة لتشكل معاَ ما يعرف بالمربوع في تقسيمات المدينة، وكان لحوش ود سلمان ثلاثة مداخل الأول مصنوع من الحديد الصلب ضرب في المنطقة الصناعية بأمد رمان، وباب كبير مصنوع من أشجار السنط غير مستخدم منذ زمن بعيد، تراكمت الأتربة تحته وأصبح كأنه جزء من الحائط لا يفتح ولا يغلق، أما الباب الأخير فكان صغيراَ و مصنوعا من الزنك وهو خاص بالنساء والخدم ويؤدى إلى حوش (النسوان) و(التكل) حيث إعداد الطعام من كسرة وملاح.
    وهذا البيت وإن كان كبيراً في مساحته إلا أنه كباقي بيوت الحي شيد من الطين وكسيت حوائطه بتلك التركيبة المدهشة المكونة من التراب الأحمر والقش وروث البهائم تحميه من الأمطار وتقلبات الطقس وتكسبه رونقاً وبهاء خاصة عندما يطلى بالجير الأبيض قبل عيد الفطر، وكان مقسما من الداخل إلى ثلاثة أجزاء تتوسطه شجرتا نيم ودومة تناطح السماء و تطل على كل الحي، و نجد في القسم الأمامي المقابل لاتجاه السوق عند مدخل الباب الحديدي، الصالون الكبير وغرفتين للضيوف والقسم الثاني حوش الأولاد وغرفهم ، أما الجزء الأخير وهو الأكبر فهو حوش النساء وغرفة صافي النية والراكوبة وهي بناء من القش وأعواد الحطب ثم غرف البنات وأمهم حليمة، كما توجد به أيضا زريبة للبهائم حيث الأغنام والخراف وحمار أصهب خاص بالحاج عثمان رب الدار.
    هناك الكثيرون الذين يؤمون هذه الدار لفترات قصيرة لقضاء حاجة في المدينة من تجارة أو علاج وقد تمتد أحيانا لبعض الطلاب الدارسين الذين قدموا من قرية ود سلمان بالمنطقة الشمالية وذلك للالتحاق بالمدرسة الثانوية أو بالجامعة المجاورة ، أما أهل الدار الحقيقيون فهم أسرة الحاج عثمان ود الفكي أحمد من قبيلة الجعليين، وكان الحاج عثمان رجلاً مربوع القامة في نهاية العقد الخامس من العمر .. لحيته الصغيرة البيضاء أكسبته هيبة ووقاراً مع ثيابه البيضاء والملفحة، وكانت السبحة والكريزة (1) لا تفارقانه، له محل عطارة بالسـوق الكبير وزوجته الكبرى بنت عمه سـت النفر التي لم يكتب لها الإنجاب ولكن كل من بالبيت يدعوها " يمه " أي أمي وهي التي زوجته من فهيمة التي رزق معها بستة أبناء ثلاثة ذكور وثلاث إناث أكبرهم خالد وأصغرهم نعيمة التي تكبر سارة بأقل من عام واحد، وفهيمة تم تزويجها للحاج عثمان في قرية ود سلمان .ويقال بأن الحاج عثمان لم يكن يرغب في ذلك الزواج وكان قانعاَ بابنة عمه ست النفر وكان يؤمن بأن الإنجاب أمر بيد الله ، ولكن تحت إصرار والده وزوجته ست النفر تقبل الأمر وتزوج فهيمة وكانت دون الخامسة عشرة من عمرها وهو في بداية عقده الثالث ، في البداية كان الموت يخطف أجنتها قبل أن يولدوا، وقد أخذت لزيارة أهل الله وأضرحة الصالحين إلا أن القابلة الأوروبية التي تعرف بـ "السوره" وهي من الراهبات اللائى يعملن ضمن الإرسالية بالكنيسة، أعطتها بعض الأدوية وطلبت من حاج عثمان أن يتريث بالبنت لأنها مازالت صغيره ونحيفة وقالت له دون حياء بعربية مكسرة، أوسمان شويه شويه أنت تعرف البنت لسه تفله " تعنى طفله " ولازم يرتاح بعد يحصل همل "تعنى حمل" أحسن انتظار أتين أوتلاته سنه عشان يحصل همل تاني البنت دي زول مش أرنب.
    تقبل الحاج كلامها بصدر رحب وعمل بنصيحتها ورزق منها بخالد وبعده الصادق ثم نفيسة المتخلفة عقلياً وتدعى " نفيسة الهبله" وبعدها سعاد ثم أحمد وأخيرا نعيمة التي بينها وبين خالد الابن البكر فارق عمر يمتد لأكثر من خمس وعشرين سنة.

    أما العجوز صافي النية والتي تعرف أيضاً ببنت السرية (1)عجوز سوداء نحيفة في عقدها الثامن ولكنها تبدو وكأنها لم تتجاوز الستين، كانت مسترقة اشتراها والد الفكي أحمد في زمن المهدية هي وأمها، وأتخذ من أمها سرية له أما صافي النية فقد كانت صغيرة فأهداها ســيدها إلى إحدى زوجاته الشرعيات لتعمل خادمة لديها وبعد أن كبرت قام بتزويجها من مرزوق وهو أحد الأرقاء الذين تم عتقهم بعد مجيء المسـتعمر الإنجليزي، وكان مرزوق قد فضل البقاء بحوش ود سلمان والزواج من صافي النية على الالتحاق بالجيش والعمل بالجهادية، وبعد وفاة زوجها كثر أبناؤها وأحفادها وتفرقوا في أنحاء المدينة ، عدا زهرة حفيدتها التي تلازمها وهي تعمل في البيت مثل الخدم ولكن دون أجر وإن كانت أعلى منهم درجة وقد ظلت صافي النية مع حفيدتها يقيمان بالبيت ولم تغادراه.
    صافي النية رغم عمرها المديد الذي عاشته بالمدينة إلا أنها احتفظت بلكنة في لسانها تنبئ بمنبتها وجذورها, لهجة أهلها المساليت في الجنوب الغربي للسودان،
    كل من بالدار يدعوها حبوبه (2) النية، أما الاسم ـ ( بنت السرية) فقد سقط بتقادم الزمن وحركة التاريخ.
    بعد أن وهن منها العظم وأصبحت غير قادرة علي حلب الغنم وعمل الكسرة، تجد صافي النية مستلقية تحت ظل شجرة النيم التى تتوسط صحن الدار وهي تراقب (ضل الضحى) وتشغل نفسها بجمع الأوراق الصفراء المتساقطة عليها من الشجرة وتترنم بلحن حزين يحكي عن كيفية خطفهما هي وأمها من قريتهما عند ذهابهم لجلب الماء وسبيها حريتها .. وهو لحن ظلت تردده حتى آخر عمرها.
    ماشيين للبحر .. ما بندري بالمكتوب
    لاقونا الكجر .. خطفونا متل الحوب
    لقيت روحي مسبية والتمن ريال مضروب
                  

01-24-2003, 12:42 PM

Modic
<aModic
تاريخ التسجيل: 12-19-2002
مجموع المشاركات: 872

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مدخل من رواية - مهداء إلى عزة وإشراقة وحمزة والشرنوبي وكل الرائعين بالب (Re: عاطف عبدالله)

    عزيزي عاطف
    شكرا كثيفا علي الاهداء
    و أنا فعلا متلهف لاقتناء الرواية كاملة
    كل الخير

    محمد
                  

01-24-2003, 02:19 PM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 38115

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مدخل من رواية - مهداء إلى عزة وإشراقة وحمزة والشرنوبي وكل الرائعين بالب (Re: عاطف عبدالله)

    الا خ العزيز عاطف
    تحية طيبة
    رغم نحن مش من ضمن الاهداء لكن عارفين حنلقى مشروع روائى جيد وهادف. كنت قد اقترحت للاخ بكرى ان يعمل مكتبة الالكترونية فى الموقع بحيث توضع الاعمال كاملة لمزيد من التواصل الثقافى والاستعانة بتشكيلين سودانيين فى تصميم الغلاف لكل عمل



    نموزج للمكتبة الالكترونية فى هذا الموقع
    www.ofouq.com
                  

01-24-2003, 03:03 PM

عاطف عبدالله
<aعاطف عبدالله
تاريخ التسجيل: 08-19-2002
مجموع المشاركات: 2115

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مدخل من رواية - مهداء إلى عزة وإشراقة وحمزة والشرنوبي وكل الرائعين بالب (Re: adil amin)

    الأخ والصديق والكاتب المبدع عادل أمين
    كيف لا اهديك وأنت ضمن الرائعين بالبورد
    صديقي أقتراحك جميل بخصوص المكتبة أثنيه
    ولك أهدي بقية المقطع الأول


    عندما ولجت زهرة إلى قلب الدار يسبقها صراخ الطفلة ( التي كانت تصرخ وتتلوى كمن يعلم ما ينتظرها من شقاء داخل أسوار هذا البيت حيث سرقت منها الطمأنينة ونهبت طفولتها باكراً ) بادرتها فهيمة وهي مستلقية أمام مدخل حوش النساء قائلـة:
    - ده جنا منو الببكي يا زهرة
    فردت زهــرة:
    - ده رزق من الله
    فأعقبتها فهيمة متهكمة :
    - رزق شنو يا سجمانة(2) ؟.. جنا الناس ده لفحتيه من وين ؟
    - ده جنا خالد ولدك ... أمه جابتو ومشت
    وهنا هبت فهيمة ناهضة كأنما لدغتها أفعى وصرخت فيها:
    - خالد منو يا مسنوحة (1) ؟
    ودنت منها قليلا وتبينت أنها بنت وأخذت تهذي بصوت مسموع ..
    - أمها الممسوخة(2) تسوي البطال وتجى ترميه فينا ... عاد متنضره و متيمنه بت الحرام دي ما بتتربى مع وليداتي .
    بادرتها الحاجة ست النفر
    - يا فهيمة استغفري الله البت بتكم .. دمكم ولحمكم عاد تنكريها كيف؟
    عندها ظهر الحاج عثمان قادماً من الداخل :
    - مالكن يا حريم صوتكن طالع لي بره .. والجنه ده ببكي مالو.. وين أمه !؟
    ولم تمهله فهيمة حتى يصل إليهن فنادت عليه وهي ترتج من الانفعال
    - تعال .. تعال يا حاج شوف المره مقطوعة الطاري (1).. القتلت وليدنا خالد مرسله لينا شنو!!
    عندها تغيرت ملامح الحاج ودنا من الطفلة التي لم يتوقف صراخها .. وناولته زهرة المظروف .. وقام بفضه علي عجل .. وعندها لم يجد شيئاً سوى الأوراق .. أخذ يقلبها بين يديه ثم تذكر أميته فاستدعى الصادق ابنه الذي حضر مهرولاً.
    - هاك شوف لينا الورق ده فيه شنو؟
    وفض الصادق الأوراق التي بين يديه وقال :
    هذه شهادة ميلاد باسم سارة خالد عثمان وهذا عقد زواج أخي المرحوم خالد و الورقة الأخيره رساله ليك يا أبوي
    - طيب بطل الرجفي وأقرأ لينا فيها شنو ؟
    وأخذ الصادق يقرأ :
    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحاج الموقر أبو خالد

    السلام عليكم ورحمة الله
    بكل مشاعر الأمومة الصادقة أترك لكم أبنتي سارة وهي ثمرة زواجي من ابنكم المرحوم خالد، الذي لم يدم طويلاً بعد أن خطفه الموت باكراً، كنت أتمنى أن تنشأ بين أحضاني ولكن الظروف أجبرتني على تركها.
    لقد قررت أن أتركها بين يديك الطاهرتين، وهذا أفضل من أن تنشأ في ملجأ وأنتم أهلها وعزها على قيد الحياة ... هي أمانة في أعناقكم، وأتمنى أن تكون خير عوض لكم عن فقدكم خالد، وأن تكونوا خير عوض لها عن حرمانها من أبويها. أرجو حينما تكبر أن تغفر لي هجري لها وأن تعلم بأني أحبها أكثر من نفسي .

    المخلصة ..أم سارة
    - يا حاج اوع تصدق الكلام ده ) قالت فهيمة ( دي مصيبة عايزه الفاجرة تغطي عارا بينا.. وبيت فوزية العوراء كان مفتوح للماشى والغادي و...
    أخرسها الحاج عثمان بنظرة حادة ثم بسمل وحمل الطفلة التي كان قد ازداد بكاؤها والقي عليها نظرة ملؤها الحنان وربت عليها وهدهدها حتى استكانت وهدأ بكاؤها ثم رفع الآذان أمام أذنها بصوت خافت حتى غفت الطفلة بين يديه.
    ثم قـــال:-
    - البت بتنا ومن اليوم عايزها تتعامل زي بناتى .. وإياك .. إياك يافهيمه أسمع منك أو من أي زول في البيت ده متل هذا الكلام الفارغ.
    وعهد بها إلى ست النفر زوجته الكبرى لترعاها وتهتم بشأنها.
    وجدت فيها ست النفر العوض عن الأمومة التي حرمت منها وشملتها بحنانها ورعايتها وحمتها من كيد جدتها وعماتها الصغار والكبار، وإن لم يمهلها الزمن حتى تكمل فيها رسالتها إذ خطفها الموت وسارة دون الخامسة، ولكن مأساتها الحقيقة بدأت بعد وفاة جدها الحاج عثمان.
    كانت فهيمة ترى فيها صورة المرأة الوافدة التي غزت الحي ذات يوم، المرأة التي انتصرت عليها وهزمتها مرتين مرة بالزواج من ابنها خالد ولم تستطع أن تفعل شيئاً حيال ذلك ومرة بتحميلها مسئولية رعاية ابنتها، والآن أيضا ليس أمامها إلا القبول بالأمر الواقع حسب مشيئة زوجها، أفرغت حقدها على تلك المرأة في طفلتها سارة، ولم يراودها الشك قط بأنها قد تكون حفيدتها و أن خالداً أبوها وهي جدتها الحقيقة، وظلت تكيل لها السباب والشتائم كلما رأتها ، دون أن تأخذها بها رأفة . وبعد وفاة الجد لم يعد هناك من رادع لفهيمة من أخذ ثأرها وتنفيس غضبها في هذه الطفلة التي لم تشفع لها براءتها، وكانت تبدع في قاموس شتائمها والأمثال التي تستخدمها كلما وقعت عينها فيها ... جنى الكعب يشبع في التعب .. الفي والدك يقالدك، جنى الحرام ما بودي لي قدام .. وسارة تتجرع من هذه الكأس يوميا دون أن تدرك ماذا فعلت وما هي الجريمة التي اقترفتها أمها لكي تدفع هي ثمنها .. وكلما كبرت أخذ جمالها يكبر ويتفتح كما الوردة، لكن دون شوك يحميها من قدرها
    .
                  

01-24-2003, 05:45 PM

solara

تاريخ التسجيل: 10-28-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مدخل من رواية - مهداء إلى عزة وإشراقة وحمزة والشرنوبي وكل الرائعين بالب (Re: عاطف عبدالله)

    تحياتي و احتراماتي يا استاذ عاطف....

    اعجبت بالروايه جدا.. جدا..واملي اني اتابعا الى النهايه.....عنصر
    التشويق موجود .... و منتظرين البقيه.....

    تحياتي
    Solara...
                  

01-24-2003, 05:57 PM

عاطف عبدالله
<aعاطف عبدالله
تاريخ التسجيل: 08-19-2002
مجموع المشاركات: 2115

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مدخل من رواية - مهداء إلى عزة وإشراقة وحمزة والشرنوبي وكل الرائعين بالب (Re: solara)

    سولارا
    لك التحايا
    إليك جزء من المقطع الثاني وأتمنى أن ينال رضاك


    المقطــع الثاني

    اللقـــــــاء


    لعشرين عاماً نلتقي ونحن نتدثر بخرقة الخوف من اللقاء …. الرعشة لاتستر شوقنا للحظة التقاء السحاب بالجبل وإنهطال المطـــــر "






    في مطلع الستينات كانت المدينة رغم كبرها واتساع رقعتها تحكمها أخلاق وعلاقات القرية، كل خلاف فيها يحل بواسطة الكبار، وهم يتولون تربية وتأديب الصغار .. وإذا ذهبت للبيت باكياً لأن العم فلانا قد ضربك بالسوط أو الخيزرانة تجلد وتعاقب مرة أخري لأنه لابد أن تكون جنيت خطأ ما كي يعاقبك العم فلان أو علان .. وهذا العم قد لا تربطك به أي صلة رحم أو دم ، يكفي أن يكون من الكبار في الحي ليمارس هذا الحق عليك وعلي جميع عيال الحي دون استثناء .. وكذلك يفعل المعلمون في المدرسة فهم يتولون أمرك حتى خارج أسوار المدرسة .. فلو ذهبت للسوق وحيدا أو كنت تتسلق البص وتركب علي السلم .. هواية الصغار في ذلك الزمن، ورآك المدرس فيا ويلك في طابور صباح اليوم التالي .. كان تفوقي في المدرسة يشفع لي وإعاقتي تستدر عطف الكبار عليَ فنادراً ما أجلد أو أعاقب مثل الآخرين في سني.
    ومجتمع المدينة والحي والبلاد كافة تسيطر عليه الغيبيات والخرافة، اختلطت الأديان بالأعراف السائدة، أهلها يؤمنون بالحظ والنصيب، وأعمال الدجل والسحر . كرامات الأولياء والسادة حقائق مؤكدة لايرقى إليها الشك ولهؤلاء مقام مقدس يتضرع إليهم وتقدم لهم النذور وتشيد لهم القباب والأضرحة.
    معظم رجال المدينة من الحرفيين،والمهن تتوارث من الآباء إلى الأبناء.. نجارون .. بناؤون .. سروجيه .. نقاشون .. عجلاتيه .. وترزيه .. وباعة بالسوق وعمال بالمنطقة الصناعية في ضاحية المدينة، وقلة لا تذكر يعملون في الوظائف الحكومية ويدعون بالأفندية، أما التجار فهم أهل المدينة المقتدرون ، حيث كان الأقباط والشاميون والأغاريق والطليان واليهود والهنود يحتكرون التجارة والمهن الرفيعة.. كان أبي يعمل ميكانيكياًً .. وقد تعلم مهنته من الإنجليز حيث خدم معهم وتنقل في أصقاع السودان الشاسعة ..واستقر في بقعة لون ناسها كالفحم المصقول، ويعدون الأكثر سواداً وأشد حلكة في العالم، مدينة أويل بالجنوب، معقل قبيلة الدينكا. التقي بأمي هناك وتزوجها، عاش معها لأكثر من عشرة أعوام، وكنت أصغر ولديه، حيث لي شقيق واحد هو حسان يكبرني بسبعة أو ثمانية أعوام.
    في تلك المرحلة وأنا في الثانية من عمري، أتى بنا والدنا بعد أن أشتعلت حرب الجنوب وخرجت البنادق من الغابة ومعسكرات الجيش لتهدد حياة الآمنين في القرى والمدن ، أتى بنا إلى هذه المدينة لكي نبقى مع أهله في الشمال حتى تنتهي الحرب، وكان يقول لنا إن هي إلا عدة أشهر ويقضى على التمرد ونعود بعد أن يستتب الأمن والسلام في الجنوب، ولم ينتظر معنا إلا لعدة أيام عهد بنا إلى شقيقه إبراهيم وحمل حاله وعاد مرة أخرى للجنوب وبعد عام أو أقل أتانا خبر موته متأثرا بداء الكبد، وبعد ذلك انقطعت صلتنا بأمنا وبالجنوب .. وأصبحنا من أهل هذه المدينة.
    أحياء المدينة مقسمة حسب الأجناس والقبائل، فتجد الفلاته والهوسا لهم حي مميز والأقباط والأرمن يتمركزون جوار الكنيسة والهنود قرب السوق .. وهناك مواقع خاصة للأنادي التي تبيع الخمور البلدية مثل المريسة والعسلية أما العرقي (1) فله بيوت خاصة يصنعه أهل جبال النوبة والجنوبيون داخل الأحياء الشعبية وهناك بيوت أخرى مرخصة و مخصصة لممارسة الدعارة .. وهكذا .. وحينا معظمه يقطنه الدناقلة الذين ينسبون إلى مدينة دنقلا بالشمالية، ولكن لا يعني ذلك أن هذه الأحياء مناطق مغلقة أمام الأجناس والقبائل المتنوعة، فكل حي من أحياء المدينة به خليط من هذا التنوع القبلي والديني والعرقي الذي يعج به السودان، فحينا مثلاً رغم أن معظم أهله دناقلة إلا أن أكبر بيوته حوش ود سلمان ينتسـب أصحابه لقبيلة الجعليين، وهذا التمازج والتنوع يحمل في داخله تسامحا وتوحدا مدهشا خاصة عندما تحل المصائب والمحن فلا تفرق بين الجعلي أو الدنقلاوي أو النقادي ، ومن هو من جبال فنقر أو جبال فرتيت ، فالكل يد واحدة والكل سودانيون .. عدا في التزاوج فهناك خطوط حمراء يصعب تجاوزها.

    جلُّ بيوت الحي شيدت من الطين (الجالوص) أو الطوب الأخضر النيئ وهو حقيقة لا يوجد فيه شئ من الخضرة بل طوب بني بلون الأرض.. حتى مسجد الحي شيد من الجالوص عدا المئذنة فقد بنيت من الطوب الأحمر .. والبيوت متداخلة والأزقة بينها ضيقة وتجد كثيراً من البيوت مفتوحة على بعضها من الداخل بـ ( طاقة ) وهي كوة في الجدار بين بيتين تختصر المسافة بين الجيران .. وتكون أحيانا بابا صغيرا يعرف بـ ( النفاج ) فلا يحتاجون من أجل التواصل لأن يخرجوا من منازلهم مما يجعل كل الحي بمثابة بيت واحد كبير وكان بيتنا أقرب البيوت إلى حوش ود سلمان .
    كانت العلاقات بين الجيران حميمة ومتداخلة، أذكر وأنا طفل صغير أنه ذات يوم وكان أربعاء وفي أواخر الشهر .. ندهتني زوجة عمي عبد الوهاب وكانت في حاجة لمبلغ خمسة وعشرين قرشا، طلبت مني أن أذهب لجارتها نفيسة بنت عبد الله كي تسلفها المبلغ.. عدوت لمنـزل نفيسة فوجدتها معدمة هي الأخرى ولكنها لم تشأ أن تردني خائبا .. فطلبت مني الانتظار وأرسلت أبنها إلى جارتها الحاجة عائشة زوجة الأوسطى كامل كي تستدين منها مبلغ ألخمسة والعشرين قرشا، ولكن لعدم توفر المبلغ لديها أرسلت ابنتها إلى جارتها تريزا القبطية كي تستدين منها المبلغ ولكن هي الأخرى أيضا كانت مفلسة في ذلك اليوم فقامت بدورها بإرسال أبنها تادرس إلى زوجة عمي عبد الوهاب كي تسـلفها ربع الجنيه حتى تقضي حاجة جارتها الحاجة عائشة زوجة الأوسطى كامل .. وعندما اجتمع شملهن في المساء حول موقد الفحم يحتسين القهوة في منـزل نفيسة بنت عبد الله أخذن يضحكن من سخرية الموقف .. و هكذا كان حال المدينة في ذلك الزمان.
    أدخل شقيقي حسان المدرسة فور قدومنا وكان مبرزاً في دراسته وماهرا في فك وتركيب الأشياء كأنه ساحر، كما كان أيضاً مبدعاً في لعبة كرة القدم و تميز بقوة جسمانية وجسارة جعلته مهاباً وسط أولاد الحي، ويعمل له الصبية ألف حساب ليس في الحي فحسب بل حتى في الأحياء المجاورة.
    بعد فترة قصيرة من هجرتنا للشمال بدأت ساقي اليمنى تضمر .. يكاد نموها أن يتوقف وقد أخذنى عمي إبراهيم للتطبيب الذي عجز عن تشخيص حالتي وحار الأطباء في أمري وكانوا على قناعة بأن ساقي لا تعانى من أي خلل عضوي، كأن بقية جسمي هو الذي يفرض عليها هذا الضعف والقصور في النماء.
    نصح البعض عمي بأخذي للبصير الذي شهد بأن مثل حالتي لم تمر عليه من قبل. وفي ليل بهيم أخذتني زوجـة عمي إلى أحد الدجالين الذي لم تشفع حجاباته أو محاياته (1) في مداواتي، فلجأ للعلاج بالكي فكوى ساقي بالنار فالتهبت وتشوهت حتى كاد الطبيب يبترها لولا عناية الله.
    هكذا نشأت وأنا أعرج بساق لست أدري هل هي جزء منى وأنا جزء منها أم نحن غريبين في جسد واحد
    .
                  

01-24-2003, 06:07 PM

HAMZA SULIMAN
<aHAMZA SULIMAN
تاريخ التسجيل: 04-20-2002
مجموع المشاركات: 3278

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مدخل من رواية - مهداء إلى عزة وإشراقة وحمزة والشرنوبي وكل الرائعين بالب (Re: عاطف عبدالله)

    شكرا ايها الحميم
    عاطف على الاهداء
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de