|
Re: نشهد ولادة نمط وقح من المثقّف العربي التابع للغرب المحافظ (Re: Nazar Yousif)
|
الفارق بين الصور
> هل ثمّة قياس يمكن اعتماده للتمييز بين نموذجين مهجريين: الأول في الأميركتين الشمالية والجنوبية خصوصاً، والثاني الأوروبي؟
< المنفى هو ما رفد وما يزال يرفد بآلاف، بل وملايين، من العرب والمسلمين، بحساب نزيف الخروج العنيف من العراق وفلسطين والسودان وغيرها.
العرب والمسلمون المنفيون ظاهرة حديثة وفريدة، من حيث أنها غير مسبوقة، لا قياس بينها وبين تجربة المهجر العربي والإسلامي في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. تتمثّل تلك الظاهرة في محصلة شروط يختلف معظمها عن شروط المهجر.
هناك أيضاً فارق بينها وبين تنويعات أخرى باكرة، كمهجر البحث عن الفرصة ممثّلاً في المهاجرين إلى العالم الجديد، أميركا.
وإلى ذلك، والأهم والأخطر، فإن تجربة المهجر العولمي المعاصرة تختلف نوعياً وتاريخياً مع غيرها من التجارب الأخرى، فهي أشدّ وقعاً وعناداً ومثابرة، كونها هجرة أقوام يترحّلون ويستدعون لتنفيذ أجندة السيد العالمي المهيمن. وهؤلاء يتعيّنون على سيناريو وخطاب يخصّهم وحدهم دون سواهم، ذكرت طرفاً منه في كتاباتي الأخيرة، وهو ما ينبغي تفصيله في دراسة مطوّلة خاصة.
مصائر العرب
> هل يقيّض للمهاجر المعاصر إطلالة أكثر وضوحاً على سيرورة حياة العرب، وعلى مصائرهم في سياق العولمة؟
< المعاصرة المطلقة الطويلة وإمعان النظر والتجريب المرير، حريّ بأن يقيّض للمهاجر أو المنفى استبصاراً ما، فالاختيار بين خندقي الخضوع والمقاومة، يجعل الخندق الأول يؤبلس (والمفردة مهداة الى خلدون الشمعة) الخندق الثاني، فيصمه بالارهاب.
نحن عملياً بين خندقي المشروع الوحدوي، ومشروع الشرق الأوسط الجديد. والمشروع الآخر يكرّس شرط تبلور وجود دولة إسرائيلية يهودية نقيّة خصماً وتجريماً للقومية العربية ووصماً لها بالفاشية.
ويثابر مشروع الشرق الأوسط الجديد المخاتل، كما ثابر مشروع «سايكس ـ بيكو» على تفتيت الكيانات الوطنية الكبرى، وصولاً الى تشطير الأوطان العربية الى دويلات أو بوندوستانات، من طوائفية وقبائلية، ومن أثنيات وقوميات صغيرة، خصماً للقومية العربية ومشروعها الوحدوي، فتضيع القضية الفلسطينية بين شظايا تلك الكيانات الملفّقة بصورة لا متناهية، إلا بقدر ما تحافظ الأنظمة العربية على نفسها ومصالحها وتوريث سلطتها، قبل أن تتهاوى دفعة واحدة وإلى الأبد، كالدومينو أو كبيوت من الورق.
الخلل
> هل ثمّة ما يمكن أخذه على الكتاب في المهجر من تقصير أو تكريس للخلل، وهو ما يجعلنا نتحدّث عن عدم تمكّنهم من بناء مشروع تنويري عربي بعيد عن مشروعات «التنوير» السلطوية العربية؟ < أعيب على الكتاب في المهجر الثاني، وأنا منهم، عدم سعيهم للمّ شمل العرب والمسلمين في الخارج. فهم لا يتعيّنون على مشاريع تتّسم بالجماعية، وإن فعلوا تشتّتوا مجدّداً أو توقّف نموّ مشروعهم. وغالباً ما تُنمّى مشاعرنا في المنفى بما يشابه التكاثر بالانقسام على طريقة الكائنات الدنيا، بفعل كيمياء المنفى المسمّم بلغة ملغومة وبحصار منهجي، وإفقار منظّم للقدرات.
ربما كان أكثر ما لفت نظري من نقد، ذلك الذي عاب على ما يسمّى بالنخبة العربية في المهجر، عجزها عن إقامة «غيتو حداثي» للعرب.
لم يكن من مناص بالنسبة لي، من التأمل في هذا الاسقاط، أو تضمين لمفهوم الغيتو اليهودي، أو ما فعلته بضع طوائف من يهود أوروبا الغربية والشرقية على الحالة العربية المهاجرة.
رأيت في ذلك اللوم أمراً ملقى على عواهنه، وبعيداً عن المنطق، خصوصاً عن التحليل التاريخي للظواهر، كون العرب والمسلمين، على اختلاف طبقاتهم وأثنياتهم وقومياتهم، يجري العمل على انتهاك صورتهم وأبلسة هذه الصورة، استجابة للوازم كل من المشروع الأميركي الجديد، ومشروع الشرق الأوسط الجديد.
وما يجري ليس سرّاً.. فهناك من رصد هذا الفعل حتى لدى جزء من صحافة الغرب، ولدى قطاع من دارسيه الأكاديميين. واليوم يجري استقطاب المثقّفين والمفكّرين العرب بين خندقي الدفاع عن المشروعين، أو مقاومتهما.
إلى ذلك، فإن القياس بين العرب واليهود غير علمي. فالطوائف اليهودية التي انخرطت أو أجبرت على العيش في الغيتو، كانت في القرن السابع حتى القرن التاسع عشر طوائف متجانسة أثنياً. وليس ثمّة سبيل الى تجاوز حقيقة أن اليهودية عقيدة وأيديولوجية وهويّة وأثنية معاً.
وتعريف الغيتو بالحداثة هو ضرب من المصادرة على المفهومين. فالغيتو اليهودي ناكص ومتطلّع الى الوراء في حالة استرجاع للماضي، في حين أن الحداثة لم تكن سوى محطّة وجيزة لاستجماع أنفاس البرجوازية الصناعية الغربية، قبل أن تحلّ مكانها الرأسمالية ما بعد الصناعية، وتفرض على العالم كلّه لغة ما بعد الحداثة تباعاً، ذلك أن الحداثة سرعان ما انحسرت لتخلي مكانها لما بعد الحداثة. وهذا التصوّر ناقشته في دراستي بصورة موسّعة ومركّزة.
الفردية والجماعية
> هل ترين أن الفردية بالمعنى المطروح أميركياً معادية للجماعية؟
< يقوم اقتصاد السوق الحرّ، على الفرديّة والتفرّد. ويعتبر عصر الأسواق الحرّة والاستهلاكية عصر الأنا، ويعدّ من تمثّلات مبادئ وفلسفلة أنا فرويد، أو ما يسمّى بالفرويدية الجديدة. وتتعيّن مدرسة الفرويدية الجديدة على تكريس عصر الأنا، وصولاً الى توظيف ما يشبه السحر، لاستقطاب الناس في كل مكان إلى ما تستدعيه أجندة مشروع القرن الأميركي الجديد. وكانت الفرويدية الجديدة قد نجحت منذ سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، في تحقيق شرط نشوء ما يسمّى مجتمع الاقرار الذاتي الفوري في الولايات المتحدة، والعوالم السيارة في ركب الأمركة العولمي. ومع ذلك فليس ثمّة من هو أشد جماعية من الأميركان إبان الأزمات الوطنية وأوقات الشدّة القومية المفبركة والحقيقية.
يتصرّف الأميركيون مثل تلاميذ مدرسة كبيرة أو أعضاء الكشافة أو حتى فريق كرة البيسبول، عندما يمنى المجتمع بكارثة كأحداث الثلاثاء المشؤوم ١١ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠١، أو في مناسبة قومية أو في كارنافالات الحفلات الانتخابية.
انشقاق المهاجر
> هل كل هجرة كالأخرى أو كل مهاجر كآلاخر؟ وهل ترين أن رحلة الأفكار قد تحدّد مكانة المهاجر أو المنفى؟ < انطلاقاً من فرضية أن المنفى للمثقّف أو المفكّر هو رحلة أفكار، يهاجر المنفي بفكره كما يهاجر بين طواقم أفكار المنفى. قد لا يرتحل المثقّف أو المفكّر العربي ـ إن وجد بهذا الوصف ـ بين أي أفكار، بل يلتقط فتات الأفكار العارضة والطارئة والشائعة ككل، ويحتفل بها ويهلّل لها ويستعرضها من دون أن يهضمها أو يتمثّلها، فيصاب بسوء هضم أو عسر هضم فكري. وبالمقابل، قد يخرج المثقّف أو المفكّر العربي والمسلم بأفكار مؤلّفة من مزيج من الاثنين: أفكار المنفى وإفكاره التقليدية، أو المعاصرة لزمانه في وطنه الذي جاء منه. وقد يكرّس المثقّف أو المفكّر إحداهما خصماً على الأخرى كما يتّفق، فيتولّد ذلك التعرّض الفادح بين تطلّعات هذا المثقّف وواقعه، بل يصيب شيئاً من الانشقاق المؤلم في تكوينه الفكري والروحي..
ويحدّد وضع المهاجر الفكري مكانته في المنفى وفي موطنه الأصلي على حد سواء. فالذين يكرّسون فكر الأوطان بلا زيادة أو نقصان قد ينكصون ويتخلّفون، حيث تتغيّر الأوطان التي تركوها وراءهم، سواء في سبيل التطوّر الناشئ أو على طريق التخلّف. كما يرتهن مثل ذلك المثقّف أو المفكّر نفسه بالرنوّ الى الماضي، وبما هو سالف عمّا يسمّى الحداثة. وقياساً يتحوّل من يكرّس فكر المنفى خصماً على فكره هو وطواقم قيمه الى ترس في آلة مراكمة الفكر الاستعماري المعادي لأوطان المهاجرين.
ولا بد من الانتباه هنا إلى أن الفكر الرأسمالي العالمي يحب هؤلاء الأخيرين ويرفعهم الى مصاف النجوم، فيشتهرون بالتشهير بأوطانهم مثلما يفعل سيد المشهّرين بوطنه وبالإسلام سلمان رشدي فارس الأمبراطورية البريطانية. فقد منحته الملكة في عيد ميلادها الأخير في ١٦ حزيران (يونيو) ٢٠٠٧ لقب فارس. فسلمان رشدي، كما نعرف جميعاً، هو كاتب مهاجر بطيب خاطره وليس مطارداً في وطنه يطلب الحرّيّة. يدرك رشدي وأمثاله أن للشهرة تاريخاً تنتهي عنده صلاحية النجم أو الشهير. عليه، يجدّد سلمان رشدي نفسه وأجندته ويلمّعها تيسيراً لعمليتي البيع والشراء في كل مرة. فيعمد إلى مواصلة رحلته التي بدأها في تشويه الإسلام والعصف بالحضارة الإسلامية، مجدّداً أجندة سادته.
فقد بات رشدي مدافعاً عن قيم الأمبراطورية الأميركية والاستعمار والرأسمالية والعولمة المتوحّشة، محارباً في صفوف جند الربّ ممن ينخرطون ارتزاقاً في تخريب الإسلام.
يدرك الغرب أن أشدّ من يدافع عن مصالحه وقيمه المدّعاة هم عبيد الغرب والرأسمالية الذين جرى عتقهم وترفيعهم، ومحظياتها الملكيات، سواء من المقيمين في أوطانهم أو في المنافي والقفار ممن يصبون إلى بلوغ الشهرة عن طريق التشهير بمجتمعاتهم وثقافاتهم. وبات أمثال سلمان رشدي وعيان هيرسي علي، تلك المرأة الصومالية عضو البرلمان الهولندي السابقة، وصديقة نيو فان غوخ الذي قتل في أيار (مايو) ٢٠٠٤، والتي تقدّم نفسها بصفتها مسلمة (سابقاً) وأمثالهما... أصبح هؤلاء أشدّ الناس حماسة لمشروع «إصلاح الإسلام» بمعنى تخريبه لحساب المشرّع الأميركي ـ الإسرائيلي الجديد.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: نشهد ولادة نمط وقح من المثقّف العربي التابع للغرب المحافظ (Re: Nazar Yousif)
|
نصوص الشرقيين
> بوصفك من أمناء «المركز العربي للأدب الجغرافي ـ ارتياد الآفاق» هلاّ حدّثتنا عن بعض مشاريع المركز المقبلة؟< أرجو أن لا يكون مبكراً القول إن «المركز العربي للأدب الجغرافي ـ ارتياد الآفاق» في أبو ظبي ولندن من المنتظر أن ينظّم الملتقى الدولي الثاني لرحلة الأفكار في المنافي والمهاجر التي يتضخّم فيها حضور العرب والمسلمين. وسيكون الملتقى الثاني، بطبيعة الحال، استكمالاً للملتقى الأول الذي انعقد في الجزائر، وشوطاً جديداً في رحلتنا الفكرية والأدبية عبر المهاجر والمنافي.
أرجح أن يعقد الملتقى الثاني في بلد أوروبي، وليس في بلد عربي.
الجدير ذكره أن المركز يواصل العمل الذي بادر إليه بدءاً من أبو ظبي ثم من لندن، في تحقيق نصوص أدب الرحلة العربي والشرقي، ومخطوطاته التي اضطلع بمهمّة الكشف عنها، ووضعها تحت ضوء البحث والكشف، بصفتها نصوص العرب والشرقيين في رؤيتهم لعالمهم ورؤيتهم للآخر عبر العصور.
وفي هذا السياق، ستشهد لندن في الشهور القليلة المقبلة ندوة عن اليوميات الشرقية، والمقصود بها نصوص الشرقيين في يومياتهم، إن في بلادهم أو في سفرهم وإقامتهم بعيداً عنها، وحيث تتعدّد منابر «المركز العربي للأدب الجغرافي»، فيصدر المركز مجلّة الرحلة. وقد تزامن صدور العدد الرقم صفر مع انعقاد الملتقى الأول في الجزائر. ومن المنتظر أن يصدر العدد الأول في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، إن شاء الله، لتكون أول مجلّة من نوعها في الثقافة العربية.
| |
|
|
|
|
|
|
|