دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
السلطان علي دينار و حقيقة حكاية المحمل وكسوة الكعبة وارض "حوش علي دينار" بجدة
|
مواصلة لسلسة مقالاته التوثيقية يستعرض الاستاذ سيف الدين في الجزء الثاني حقيقة علاقة السلطان علي دينار بالمحمل وكسوة الكعبة وارض "حوش علي دينار" بجدة. ويناشد الاخ سيف الدين عيسى كل لديه معلومة حول هذا الامر الكتابة حتى يتم توثيق تاريخ هذا تاريخ السلطان خاصة تاريخ ما قام به السلطان علي دينار خدمة للحج والحجيج
Quote: السلطان علي دينار و حقيقة حكاية المحمل وكسوة الكعبة وارض "حوش علي دينار" بجدة /سيف الدين عيسى مختار/جدة
كان السلطان على دينار وطنيا بمعنى الكلمة، يستمد عظمته من مواقفه الكريمة، وبطولاته التي سطرها في ساحات الوغى.كان مسلما أقام سلطنته على هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم، استجلب العلماء والفقهاء، واستعان بذوي الفضل في إرساء دعائم سلطنته.فها هو القاضي إدريس الدنقلاوي يتولى القضاء، والشيخ عبد الماجد الفلاتي يتولى إمامة مسجد الفاشر , والعديد من العلماء من كافة انحاء السودان تستوعبهم الحياة الثقافية والاجتماعية في الفاشر .
إن الانجازات الكبيرة التي حققها هذا السلطان السوداني يجب أن نوثقها نبراسا للأجيال القادمة، وهي في نظري أكبر من أي انجاز آخر خارجي، وليس السلطان علي دينار في حاجة إلي أن نمجده أو ننسب إليه أعمالا هنالك شك في نسبتها إليه، فما لديه من الفضائل والمآثر يكفيانه لإحلاله موقعه اللائق في سجل الخالدين في ذاكرة الوطن. يكفيه أنه كان صاحب حس وطني مارس الوطنية في حكمه للسلطنة، يقول الدكتور الشيخ عبد الله عبد الماجد في كتابه القيم (الخرطوم الشعب والدعاة) ص (259) (نقلا من كتاب الدكتور مندور المهدي (تاريخ السودان من أقدم العصور) " إن قيام دولة باسم الإسلام في غرب السودان في دارفور تستمر أكثر من قرنين ونصف من الزمان في حكم متصل ومستمر، ونظام حكومي مستقر واضح لم يعرف له مثيل في في تاريخ ممالك الإسلام السودانية(الفونج) والعبدلاب وغيرهما، وكانت على استعداد لأن تعبر النيل إلي سنار بعد أن تم لها إخضاع كردفان نهائيا، وامتدت بقوتها المادية والبشرية في ربوع السودان وخارجه أدبيا وسياسيا، فاتصلت بالدول الإسلامية الأخرى اتصالا وثيقا وأطلق على سلطانها لقب الرشيد في الأستانة وأنشيء في مصر رواق في الأزهر الشريف عرف باسم رواق دارفور قائم إلى اليوم، كما عقدت الصلة بينها وبين الحجاز فألزمت دولة دارفور نفسها بأن تساهم بقدر كبير في ميزانية الحرمين الشريفين، مشاركة منها، وأرسلت بناء على ذلك ما يعرفه المؤرخون ب (صرة الحرمين ) ".
إن عظمة سلاطين الفور تكمن في أنهم استطاعوا ضم الكفاءات العلمية إلي سلطنتهم وإقامة دولة العلم والعلماء .
يقول الدكتور عبد الله عبد الماجد في كتابه الإعلام بالأعلام (ص 297) " القاضي إدريس عبد الله، والشيخ محمد السناري من الأسر العريقة التي قدمت من وسط وشمال السودان واستوطنت دارفور، فالأول دنقلاوي والثاني من السناهير، والتي ساهمت ولا تزال في كثير من أنشطة الحياة المختلفة من اجتماعية واقتصادية وثقافية في الفاشر، وهذا يدل على أن السلطان علي دينار كان قوميا في توزيع وظائف مملكته ولا يحصرها فقط في أبناء دارفور أو قبيلة واحدة).
لقد كان هدفنا من هذا المقال هو إزالة اللبس عن بعض الأمور المتعلقة بالسلطان على دينار ، والتوثيق للأعمال الجليلة التي قام بها، لذلك فان الذين تحدثوا عن عدم ملائمة الوقت لمثل هذه الموضوعات، قد أسروا حسوا في ارتغاء، لأنهم في الواقع إنما يهدفون إلى أن تظل الحقيقة غائبة، وليست لديهم القدرة على البحث والتقصي لإثبات صحة ادعاءاتهم ، لأنهم على أحسن تأويل لمواقفهم يريدون استثمار كل الظروف لخدمة أهدافهم ومصالحهم الخاصة.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا في مستهل هذا المقال هو: هل حج السلطان على دينار؟ إن كان قد فعل ففي أية سنة؟ هنالك إشارة غير واضحة في كتاب الدكتور بشير محمد سعيد " السودان من الحكم الثنائي إلى انتفاضة ابريل" الجزء الأول ص 15، حيث يقول " كانت علاقة السلطان علي دينار بالحكومة الجديدة في الخرطوم منذ خروجه من أم درمان عقب معركة كرري، واستعادته لعرش أجداده قائمة على أسس سليمة، يدفع للحكومة ضريبة سنوية ويقدم لها بعض الهدايا من منتجات مملكته، مما يحمله عندما يمر بالخرطوم في طريقه إلى مكة المكرمة في موسم الحج، ويتسلم منها الهدايا ، وكان في أول أمره يتبادل الخطابات الودية مع سلاطين باشا ويرد علي ما يصله من خطابات الحكومة ، ولكنه لم يكن يأذن لموظفي الحكومة من دخول سلطنته" ، ولقد أخبرني الشيح الدكتور عبد الله عبد الماجد بأنه قرأ في إحدى رسائل السلطان على دينار بأنه كان قد حج قبل أن يصبح سلطانا على دارفور عندما كان أميرا، وذلك ضمن قوافل الحج الدارفورية، وهنالك من يذهب إلى أنه لم يحج أصلا، فالظروف لم تكن مواتية خاصة أثناء توليه للسلطنة نظرا للاضطرابات العديدة التي شهدتها سلطنته في بدايتها، ثم دخوله في حروب مع المستعمر، وقد ذكر السلطان نفسه في رسالة له إلى الأستانة أن الانجليز قد هيمنوا على طرق الحج ومنعوه من أداء هذه الفريضة ، ولعل الذين اطلعوا على كتابه (العمران) من المؤرخين أو من أفراد أسرته قد يفيدوننا بالخبر اليقين عن السنة التي حج فيها والأعمال التي أنجزها في تلك الحجة إن ثبتت، وكان على دينار قد أرسل كتابه المذكور وهو يحتوي على سيرته الذاتية إلى مصر لطباعته، لكن الحاكم العام الانجليزي في السودان رفض طباعة ونشر الكتاب ولم يسمح إلا بطباعة ست نسخ منه فقط لاستخدامه الخاص سنة 1912م.
لقد كانت الدويلات والإمارات المختلفة التي حكمت أجزاء من العالم الإسلامي تشعر بواجباتها تجاه خدمة الحرمين الشريفين وترسل من ثم الهدايا والعطايا والمكرمات الملكية، ومن تلك الدول بالطبع سلطنة الفور التي كانت تقدم المساعدات المالية لأشراف مكة القائمين على أمر الحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة، وكانت تلك المساعدة الدارفورية تسمى (صرة الحرم) وتحتوي على المساعدات المادية التي يقدمها سلاطين الفور ومنهم السلطان على دينار، وهذه المساعدات كانت تنقل ، إما عبر جمهورية مصر وإما مباشرة عبر سواكن. وقد حدثني الدكتور عبد الله عبد الماجد بأن محمل (صرة الحرم) السلطان علي دينار كان يتكون من غالب منتجات دارفور إضافة إلى الذهب والفضة، وكانت هذه المنتجات تؤخذ إلى مصر وتباع في الأسواق المصرية ثم ترسل قيمتها نقودا وذهبا إلى الحجاز.
كانت مصر تنفرد بصناعة الكسوة حتى العام 1962م عندما بدأ المصنع السعودي في إنتاج الكسوة، والمحمل كمصطلح كان عبارة عن بعثة رسمية من الدولة صاحبة الهيمنة على أرض الحرمين الشريفين، وكان المحمل يحمل إضافة إلى الكسوة رواتب موظفي الشريف وزعماء القبائل الذين كانوا يستميلونهم بتلك العطايا تفاديا لغاراتهم على قوافل الحج، وفرمانات عزل الأشراف وتوليتهم، والمعونات لسكان الحرمين الشريفين.
من الكتب المهمة التي تناولت الكسوة كتاب الأستاذ أحمد السباعي عن تاريخ مكة المكرمة، وكتاب الأستاذ أحمد عبد الغفور عطار (الكعبة والكسوة من أربعة ألاف سنة وحتى اليوم) الصادر عن وزارة الحج والأوقاف السعودية سنة 1977م، وفيه تفصيل لتاريخ الكسوة ، من ذلك أن أول من كساها هو سيدنا إسماعيل عليه السلام بعد أن رفع القواعد من البيت مع أبيه إبراهيم عليه السلام، ثم أغفل التاريخ ذكر كسوتها إلى عهد عدنان بن أد أحد أجداد النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الجاهلية كان أول من كساها الملك أسعد الحميري وهو تبع الذي كان قد غزا يثرب فأشار إليه أحد الهذليين أن يغزو مكة وينهب ما بالكعبة من حلي وجواهر يريد بذلك إهلاكه ،ففطن تبع لذلك وجاء مكة فطاف بالبيت ونحر عنده وحلق رأسه وأقام بمكة ستة أيام ينحر ويطعم وكسا الكعبة وتنسب إليه هذه الأبيات:
وكسونا البيت الذي حرم الله مــلاء معضدا وبرودا
وأقمنا به من الشهـــر عشـــــــرا وجعلنا لبابـه اقليـــدا
والاقليد هو المفتاح، ويروى انه أري في المنام أن يكسو الكعبة فكساها الخصف وهو نسيج من الخوص والليف، وقيل ثياب غلاظ، ثم أري أن يكسوها أحسن فكساها برودا معافرية من نسج اليمن ، ثم أري أن يكسوها أحسن فكساها الملاء والوصايل ,والوصايل ثياب حمر مخططة يمنية، وهو أول من جعل للكعبة بابا ومفتاحا، ثم استمر خلفاؤه من بعده يكسونها بالقباطي وهي ثياب مصرية، ثم كان أن جمع قصي بن كلاب- واسمه زيد بن كلاب – القبائل العربية وطلب منها أن يترافدوا أي يتعاونوا فيما بينهم في كسوة الكعبة، فكانت الكسوة ثمرة تلك الرفادة، ثم كان أبو ربيعة بن المغيرة وهو جد الشاعر عمر بن أبي ربيعة رجلا موسرا صاحب تجارة فكان يكسو الكعبة عاما وقريش عاما، لذلك سمى العدل بخفض العين، ويذكر التاريخ أيضا أن نتيلة بنت حباب زوج عبد المطلب وأم العباس رضي الله عنه تفردت بكسوة الكعبة وذلك لأن العباس كان قد ضاع منها وهو صغير فنذرت أن تكسو الكعبة إن هي وجدته، فعاد العباس ووفت نتيلة بنذرها ، من هنا ندرك أن كسوة الكعبة كان عملا يتقرب به وكان مباحا لكل من يستطيع ولم تكن على نول واحد أو لون واحد بل كانت من نسيج وجلد، ومن ستائر تسدل و نمارق تعلق، وقد كساها المسلمون عام الفتح وذلك لأن امرأت جاءت تجمر الكعبة فاحترقت الكسوة فكساها المسلمون، وكساها الخلفاء الراشدون ومن مآثر سيدنا عمر رضي الله عنه أنه جعل الكسوة من بيت مال المسلمين، ثم أمر بأن تحاك الكسوة في مصر ، وقد روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت (كسوة الكعبة على الأمراء) وهكذا تولاها من كانت له الولاية على المسلمين، وقد اشترى الناصر قلاوون عدة قرى مصرية وأوقف ريعها لصناعة الكسوة حتى جاء محمد على باشا والحق الكسوة بخزينة الدولة المصرية
يقول الأستاذ أحمد عبد الغفور عطار في كتابه المشار إليه ص (154) " وكانت كسوة الكعبة من مصر حتى بعد دخولها سنة 923هـ تحت حكم العثمانيين الذين أخذوا على أنفسهم كسوة الحجرة النبوية وكسوة الكعبة من الداخل والطيب والعطور والشموع وزيت القناديل ، وبقى الأمر حتى تولى محمد على باشا حكم مصر وحل الوقف الخاص بالكسوة وتعهدت الحكومة المصرية بالإنفاق على صناعة الكسوة من خزينة الدولة .
مما سبق يتضح إن الكسوة كانت تمثل شكلا من أشكال السيادة على الحرمين، كما كانت سلاحا تشهره أحيانا ضد أشراف مكة إن هم أرادوا الاستقلال بحكم الحجاز كما حدث ذلك مع الشريف حسين، ونظرا لأن السياسة أصبحت تتحكم في الكسوة فقد قرر الملك عبد العزيز أن تتولى المملكة العربية السعودية الراعية للحرمين الشريفين كسوة الكعبة وذلك من موقف إيماني صادق حتى تبعد أمور الحرمين عن أية نزعات أو صراعات سياسية، وأنشأت مصنعا لذلك، وقد توقفت مصر عن إرسال الكسوة منذ العام 1962م ، من هنا يتضح بأن السلطان على دينار لم يقم بصناعة كسوة الكعبة.
كانت الكسوة تنقل إلى مكة في محفل مهيب، وقد جاء في موقع إسلام اون لاين أن الباحثة شيرين عبدالحليم القباني قد حصلت على درجة الماجستير ببحث حول 'المحمل المصري في العصرين المملوكي والحديث (648 ه 1372ه 1250 م 1952م)، حيث قالت أن بداية الظهور الفعلي للمحمل المصري في العصر المملوكي، واستمر طوال العصر العثماني إلي أن توقف عام 1962م وأكدت الباحثة أن المحمل لم يكن فقط عبارة عن جمل يحمل كسوة الكعبة وإنما كان رمزا لسيادة مصر علي الحجاز، تلك السيادة التي تمثلت في تقليد إرسال الكسوة المصرية للكعبة ومخصصات الحرمين الشريفين من غلال ومرتبات للإشراف وأموال لفقراء الحرمين، كما أن مرسوم تعيين شريفي مكة والمدينة كان يخرج من مصر بصحبة ركب المحمل، كما يمثل المحمل ظاهرة إنسانية حضارية، انعكست آثارها علي حياة المصريين مثلما انعكست علي حياة الحجازيين أيضا، وتمثل ذلك في الازدهار التجاري الكبير الذي كان يواكب فترة الحج وما ترتب عليه من هجرة الكثير من الجنسيات لمصر من شوام ومغاربة وحجازيين، كما ظهر عدة فنون شعبية ارتبطت بالحج والمحمل مثل جداريات الحج، التي كانت ترسم علي واجهات منازل الحجاج، وأغاني تحنين الحجاج.)
وفي ذات الموقع هنالك مقال جيد للكاتبة التركية نوزات صواش تصف فيه المحمل العثماني، والصرة العثمانية.
ويصف الأستاذ أحمد السباعي المحمل في كتابه ( تاريخ مكة المكرمة) ص 576 " وكانت المحامل قد منعت في عهد السعوديين الأول فلما عاد الحكم إلى العثمانيين في هذا العهد استأنف المحمل الشامي والمصري مسيرهما إلى مكة المكرمة ، ولعل الأتراك اكتفوا بإرسال المحمل الشامي الذي كان يحمل صرهم وصدقاتهم إلى مكة ، وكلا المحملان يستقبلان في جدة ومكة استقبالا رسميا ـ وكان إذا وصل ركب أحدهما إلى مكة المكرمة أناخ جمل المحمل بجوار باب النبي في حفل عام تعزف فيه موسيقى مكة والمحمل ثم ينقل على أكتاف الرجال من باب النبي إلى المسجد حيث يستقر كل محمل في مكانه المخصص بين باب النبي وباب فايتباي ويبقيان كذلك إلى يوم السفر فيخرج كل منهما في يومه المحدد ليحتفلوا بتوديعه بعد أن يطوف الجمل به عدة طوفات في الشارع أمام باب على " وقد ذكر السباعي أن مصر كانت تتفرد بصناعة الكسوة.ويبدو إن استقبال المحمل المصري في جدة كان حدثا سعيدا يستقبله الناس بالأهازيج، ويقال أن انطلاقته إلى مكة المكرمة كانت تتم من ذات المكان الذي يقام فيه الآن مركز المحمل التجاري بوسط جدة.
لقد كان المحمل والكسوة يحتلان مكانة عظيمة في نفوس المسلمين لارتباطهما بالركن الخامس للإسلام، وما من شك في إن مساهمة أية سلطنة أو دولة فيهما تعتبر مفخرة وطنية وعملا يجب أن تتناقله الأجيال جيلا بعد جيل. إن عظمة سلاطين الفور تكمن في أنهم وعوا منذ وقت مبكر الدور الوطني المناط بهم، وأنهم إنما يمثلون ذلك المجتمع المسلم الذي كان قد تشكلت هويته من مجموع تلك القيم الأفريقية العربية، فخلفوا ذلك التراث الإسلامي الذي يعتبر بحق مفخرة للسودان، ولا يعني حديثي عن المحمل والكسوة انتقاص من جهودهما، ولا ينبغي أن يفهم كذلك، وقد كانوا كغيرهم من عظماء هذا الوطن خلفوا أوقافا وأعمالا خيرية في أرض الحرمين الشريفين، بل نستطيع أن نقرر بشيء من الاطمئنان أنهم كانوا أكثر الناس خدمة لحجاج بيت الله الحرام، يدفعهم إلى ذلك إيمانهم العميق وصدق توجهاتهم، وخاصة السلطان على دينار الذي لم يكتف بدفاعه المستميت عن الإسلام والمسلمين بل خلف ديوانا كاملا في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم كما ذكر البروفسير عون الشريف قاسم عليه رحمة الله تعالي في موسوعته عن القبائل العربية في السودان، لقد كان لأهل دارفور نصيب كبير من الأوقاف بالمملكة العربية السعودية، منها أوقاف سلطانية وأخرى أهلية
ومن الأوقاف التي تحمل اسم هذا السلطان ما يعرف الآن بحوش السلطان على دينار في مدينة جدة، ويقع في حي الواسطة بباب شريف، وتبلغ مساحته حوالي 2500 متر مربع، وبداخله تسكن حوالي أربعين أسرة.
وهنالك اختلاف حول من الذي اشترى الحوش وأوقفه. فمستشار الشئون الدينية والأوقاف بالقنصلية العامة لجمهورية السودان بجدة يشير في خطابه إلى المحكمة بجدة في العام 1411 إلى أن الحوش كان قد اشتراه السلطان على دينار منذ العهد التركي، لكن لا يوجد صك يؤيد ذلك، أما الأخوة في رابطة أبناء الفور بجدة فيشيرون إلى أن الحوش كانت قد اشترته أميرة من الفور هي السيدة مريم شرف الدين وأوقفته على الحجاج القادمين من السودان وخاصة من الفور، وهذه الأميرة قدمت في عهد السلطان تيراب، أيضا لا يوجد صك شرعي يؤيد هذا الرأي يقول العم فضل عبد الرحمن أبو بكر وكيل أوقاف الفور:" الحوش وقف أوقفته مريم شرف الدين باسم الفور، وقد تم ذلك قبل السلطان علي دينار، علي دينار ليست له علاقة بالحوش، فهو لم يحضر إلى المملكة أصلا لكنه كان يرسل الحملات فتنزل في الحوش وتوزع من هناك الصدقات لذلك اشتهر الحوش باسم علي دينار ، أما مريم شرف الدين فهي من قبائل دارفور وهي أميرة من العائلة المالكة جاءت إلى الحج في عهد السلطان تيراب، ووجدت منطقة الحوش خارج سور باب شريف، وكانت هي محتاجة إلى فضاء لحرسها ومرافقيها ، فطلبت من الشريف إعطائها الحوش واشترته منه، وكان الحوش أكبر مساحة مما هو عليه الآن ، وكانت تنزل فيه القبائل التي ترد من كردفان ودارفور والمتمة وشندي. كل حاج يتخذ قطعة من الحوش ويقيم عليها خيمته ثم يغادر بعد الحج، وكان العم عبد الستار هو أول من أقام في الحوش بشكل مستمر وكان قد قدم من دارفور بعد وفاته جاء رجل يسمى عبد الرحمن أحمد ثم جاءت العجوز عشة فكه لأنهم لم يجدوا أحدا من الفور يستقر في المكان وقد مكثت عشة فكة حوالي خمسة عشرة عاما، بعدها جاء عبد الله إبراهيم كنجا واستلم إدارة الحوش وأوقفت عشة، وقد التقيت أنا بعبد الله وحصلت منه على كل هذه المعلومات، وبعد وفاته حدثت بعض المشكلات مع البلدية وبيت المال فذهبت إلى العمدة وأثبت وقفية الحوش للفور، ثم جاء محمد أحمد جداوي سعودي من أصل فوراوي وتولى الإشراف على الحوش وكان سور الحوش من الطين منذ أيام مريم شرف الدين ، محمد أحمد جداوي هو الذي بنى الحوش بالطوب، ومحمد أحمد جمر القايدة هذا كان والده وزير مالية السلطان علي دينار" وقد جاءت افادة العم فضل في الاجتماع الذي انعقد بالقنصلية بين رابطة ابناء الفور والقنصل العام والمنسقية العامة للحج والعمرة في 12 محرم 1421هـ.
مما سبق يتضح أنه لا توجد صكوك تثبت ملكية هذا الحوش، وعلى الرغم من تضارب الأقوال حول من الذي أوقف هذا الحوش، إلا انه من الأوقاف التي خلفها سلاطين الفور أيا كان الشخص الذي أوقفه. وقد حاول رجل يدعى العمري الاستفادة من عدم وجود صك شرعي للحوش فاستخرج صكا من محكمة جدة بملكيته للحوش وقام ببيعه بمبلغ ستة ملايين ريال، غير أن أبناء الفور نشطوا في الدفاع عن هذا الوقف حتى استطاعوا إلغاء ذلك الصك المزور، وقد ساعدتهم في ذلك وزارة الأوقاف السعودية، وعمدة الحي ، والمحامي أحمد بن مسلم الحربي الذي كان قد تلقى دراسته الشرعية في معهد أم درمان العلمي، وقد صدر أمر محكمة جدة بإلغاء ذلك الصك المزور، غير أن موضوع الحوش لم يحسم حتى الآن وما يزال لدى القضاء السعودي، وتبذل رابطة أبناء الفور جهودا مقدرة، والمؤمل أن تجد الدعم اللازم من الجهات الرسمية لحفظ هذا التراث السوداني، وهي مناسبة لنشكر الأخوة في المنسقية العامة لبعثة الحج السودانية بجدة وخاصة الأستاذ الخواض الخليفة المنسق السابق والذي اجتهد في تجميع وحفظ الصكوك الخاصة بالأوقاف السودانية، وأصدر عنها كتيبات مفيدة للغاية.
و نأمل من الأخوة في رابطة أبناء الفور بجدة ، والأخوة في رابطة أبناء السلطان على دينار إلقاء مزيد من الإيضاحات في هذا الخصوص حفظا لهذا التراث .
وفي المقال القادم سنتحدث عن الأوقاف السنارية في المملكة العربية السعودية.
سيف الدين عيسى مختار/جدة
[email protected]
|
علاء الدين صلاح محمد
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: السلطان علي دينار و حقيقة حكاية المحمل وكسوة الكعبة وارض "حوش علي دينار" بجدة (Re: علاء الدين صلاح محمد)
|
تلقيت الرسالة التالية من الاخ الاستاذ سيف الدين واعتقد ان الاستاذ سيف الدين اجتهد في جمع معلومات تاريخية مهمة ينبغي على كل من يود البحث و دراسة تاريخ السودان عامة وتاريخ السلطان معرفتها.
Quote: الأخ علاء الدين أرجو أن أقرر حقيقة هنا، وهي ان كل مداخلة في هذا الموضوع تشرنا جدا لأنها قد تعمق البحث في الموضوع، وفي النهاية سنخرج جميعا برؤية واضحة ومحددة، وقد يزال اللبس الكبير الحادث الآن فيما يتعلق بتاريخ السلطان على دينار، وحتى نتعمق أكثر ويتخذ حديثنا طابع التخصص والاستناد على المصادر الحقيقية، آمل من الجميع اعادة قراءة تاريخ هذا السلطان، وعدم الركون الى الأقوال والقصص التي يتناقلها الناس، والتي قد تفرضها أحيانا الاعجاب بالشخصية أو الخوف منه، هنالك قصص كثيرة عن السلطان على دينار لم نتطرق اليها لأنها ببساطة لا يسندها دليل أو منطق نحن لم نشكك في علم الدكتور صفوت حجازي، فقط قلنا أن حديثه عن آبار علي جاء في خطبة جمعة، ولم يكن هو الموضوع الرئيس للخطبة الطويلة التي قصد منها بعث رسالة نصح وارشاد الى عموم المسلمين عبر منبر الجمعة للأوضاع في دارفور بامل كسب تعاطف المسلمين في هذا الخصوص، لم يكن موضوعه الأساسي علي دينار حتى يتحقق من المصادر وعن صحة المعلومات التي ذكرها،ولم نناقشه كثيرا في المعلومات التي أوردها مثل ذكره بأنه حج عام 1898م ووقف على حالة الميقات المكاني قبل (200) سنة، هكذا جاء في الخطبة (قبل 200) مع العلم بأن الفترة منذ ذلك التاريخ وحتى الآن لم تتجاوز المئة سنة، نحن حملنا قوله على أنه يقصد أكثر من مائة سنة، كما أن السلطان في ذلك العام كان قد بدأ في تأسيس سلطنته، فهل حج قبل أن يصير سلطانا، أي هل حج أولا ثم أصبح بعد ذلك سلطانا، لأن الأمر لا يستقيم فبينما تجمع الروايات التاريخية كلها بأنه أسس سلطنته في ذلك التاريخ يأتي الدكتور صفوت ليقرر أنه حج في ذلك التاريخ ووقف على حالة الميقات. الخطأ الآخر أنه يسميه علي بن دينار، وكأنما دينار هو والده ، ومعلوم لدى كل من قرأ التاريخ أو كان ذا علاقة بتاريخ دارفور يعلم أن اسمه كان على دينار، وان اسمه الحقيقي كما جاء في الكتب التي تناولت سيرته وخاصة كتاب عون الشريف قاسم الذي نقل معلوماته عن أفراد أسرة هذا السلطان ان اسم على دينار أطلق عليه كلقب علي اسم السلطان علي دينار سلطان البرقو والذي عرف بالصرامة والحزم والمهابة، ولو رجع الدكتور صفوت حجازي الى المراجع لما وقع في ذلك الخطأ، لكننا عذرناه لأنه لم يكن يقصد التأريخ لعلي دينار بقدر ما كان هدفه الوعظ والارشاد، مع العلم بأن على أئمة المساجد التحقق من المعلومات التي يوردونها في خطبهم، لأن الناس دائما يتبعون أئمتهم ويجعلونهم قدوتهم، وقد ينتج عن تلك الأخطاء آثار سلبية، واعتقد بأننا نعاني بعض ويلاته، فلا ينبغي أن نغيب عقولنا ونأخذ المعلومة كمسلمة لا تحتمل المناقشة لمجرد أنها خرجت من دكتور، حتى وان كان متخصصا في التاريخ،ان احتفال بعض الناس بتلك الخطبة أعماهم عن تمحيص معلوماتها والتحقق من صحتها، ولكم أرجو صادقا أن يتفضل أحد أصدقاء هذا الشيخ بايصال هذه الملاحظات اليه، يبدو أن الدكتور صفوت في معرض بحثه عن معلومات عن دارفور التقى بأحد السودانيين فتبره له بتلك المعلومات، تماما كما فعل أحدهم وتبرع بارسال الخطبة اياها الى صحيفة الاقتصادية، لكن الصحفي بها كان حصيفا فذكر بأن الخطبة قدمها له أحد السودانيين، ونقل الحديث كله على ذمة ذلك السوداني، وأخرج نفسه من الموضوع ان احتفال بعض الناس بتلك الخطبة أعماهم عن تمحيص معلوماتها والتحقق من صحتها، ولكم أرجو صادقا أن يتفضل أحد أصدقاء هذا الشيخ بايصال هذه الملاحظات اليه، يبدو أن الدكتور صفوت في معرض بحثه عن معلومات عن دارفور التقى بأحد السودانيين فتبره له بتلك المعلومات، تماما كما فعل أحدهم وتبرع بارسال الخطبة اياها الى صحيفة الاقتصادية، لكن الصحفي بها كان حصيفا فذكر بأن الخطبة قدمها له أحد السودانيين، ونقل الحديث كله على ذمة ذلك السوداني، وأخرج نفسه من الموضوع لقد تناولت العديد من الكتب تاريخ السودان بصفة عامة وتاريخ دارفور بصفة خاصة، من هذه الكتب كتاب نعوم شقير الذي حققه الدكتور محمد ابراهيم أبو سليم، ومع أنه قدم معلومات وافية عن حكم السلطان علي دينار، فلن اعتمد عليه لأن البعض يشكك في مصداقيته باعتباره كان قد جاء مع حملة كيتشنر ومن ثم فانه لم يؤرخ الا ما أراد المستعمر تدوينه، سوف أضرب عن هذا الكتاب، مع أنه يعتبر المرجع الرئيس، بعد ذلك هنالك كتاب السيف والنار لسلاطين باشا، وقد عاصر علي دينار ، ثم كتاب مكي شبيكه عن تاريخ السودان، وكتاب ضرار صالح ضرار، وكتاب آلن ثيوبولد: علي دينار آخر سلاطين دارفور- ترجمة فؤاد عكود- العالمية للطباعة والنشر- السودان- الطبعة الأولى- 2005م. وكتاب يونان لبيب رزق: السودان في عهد الثنائي "1899-1924م"- معهد البحوث والدراسات العربية- 1976م، أحمد عبد القادر أرباب: تاريخ دارفور عبر العصور- الخرطوم- ، والعديد من الكتب، وأقدم فيما يلي مختصرا لتاريخ السلطان علي دينار من واقع الكتب التي تناولته، وعلى الجميع الرجوع الي أي منها، لنتفق أولا على عدة أمور نجعلها كمسلمات في مناقشاتنا التالية، نتحقق أولا هل حج على دينار ام لا؟ ان كان قد حج ففي أي سنة، وما هو المصدر الذي يؤكد ذلك؟ هل كان في وضع مستقر حتى يقوم بكل تلك الأعمال الكبيرة مثل الكسوة والمحمل والتان كانتا من اختصاص الدول التي يقع الحجاز تحت سيطرتها وادارتها المباشرة أي أنها كانت تولى عزل الشريف حاكم الحجاز وتنصيبه مثل تركيا ومصر؟ ولد السلطان علي دينار في قرية "شوية" بدارفور، ولا يوجد تاريخ محدد لولادته، لكن يمكن تقدير تاريخ مولده ما بين عام 1856م وعام1870م. أما أبوه فهو "زكريا بن محمد فضل" ولا يوجد شيء عن طفولته أو نشأته أو شبابه، إلا أن أول ظهور له كان في فبراير 1889م عندما ساند عمه السلطان "أبو الخيرات" في تمرد "أبو جميزة"، ثم هرب مع عمه بعد هزيمة التمرد.كان "الفور" الذين ينتمي إليهم "علي دينار" يقيمون جنوب غرب جبل مُرّة بعد سيطرة المهديين على دارفور، وعندما توفي السلطان "أبو الخيرات" في ظروف غامضة عام 1890م كانت المهدية تسيطر على دارفور وكردفان، فطلب أمير هاتين المنطقتين من "علي دينار" المثول بين يديه في مقر رئاسته في "الأُبَيْض"، والخضوع لأمير المهدية في "الفاشر" –عاصمة دارفور- "عبد القادر دليل"، إلا أن "علي دينار" كان قلقا من هذا اللقاء وآثر أن يُبدي الخضوع للمهدية دون أن يلتقي بأمرائها، غير أن هناك أخبارا تؤكد أنه التقى بخليفة المهدي "عبد الله التعايشي" في عام 1892م وبايعه. وهناك ارتباك ملحوظ في سيرته خلال هذه السنوات الست التي تلت تلك المقابلة، ومن الصعب حمل أي شيء فيها على اليقين التام. معظم الروايات التاريخية تذهب الى أنه غادر الى دارفور قبل أن تبدأ معركة كرري في سبتمبر 1898 والتي انتهت بهزيمة المهدية، حيث خرج من "أم درمان" خلسة مع 300 من أتباعه. عقب هزيمة المهدية كان هنالك شخص يسمى "أبو كودة" أعلن سلطانا عليها بعد انهيار المهدية، وقد كتب اليه على دينار شاكرا له صنيعه وطالبا منه التخلى عن الحكم لأحقيته في ذلك فانصاع "أبو كودة" لهذا المطلب بعد تمنع، ودخل علي دينار الفاشر دون قتال. الا أنه يبدو أنه كان هناك العديد من الطامعين في حكم دارفو بعد سقوط المهدية مثل السلطان "إبراهيم علي" الذي كان على علاقة طيبة مع الأنجليز فقد طلب أن يدعموه في مواجهة "علي دينار"، فقام السردار الإنجليزي "كتشنر" بدراسة الموقف في دارفور، والمقارنة بين "علي دينار" و"إبراهيم علي" أيهما يصلح للحكم، ورأى أنه من الحكمة عدم السماح بحدوث صراع في دارفور حفاظا على أمنها واستقرارها، وحتى لا تتورط حكومة السودان الخاضعة للإنجليز في صراع يحمل الخزينة تكاليف كبيرة نظرا لبعد دارفور وصعوبة مواصلاتها وندرة الطرق المعبدة للوصول إليها.ولذا كتب "كتشنر" إلى "علي دينار" يحذره من القيام بأي عمل يكون من شأنه حدوث ثورة أو اضطراب في دارفور، ويخبره بأن الإنجليز يعلمون أنه لم يقاتلهم في "أم درمان" وأنه ترك الميدان قبل المعركة بيوم، وأنه من أحفاد السلاطين الذين حكموا دارفور. كما كتب إلى "إبراهيم" يحذره من الاشتباك مع "علي دينار".هذا الحياد النسبي من الإنجليز في الصراع بين الرجلين كان فرصة ذهبية لعلي دينار لتدعيم سلطته في دارفور، وخوض معركة ضد "إبراهيم علي" والانتصار عليه في 26 يناير 1899م في منطقة "أم شنقة" داخل الحدود الشرقية لدارفور، وبعد هذا الانتصار سعى "علي دينار" إلى استمالة الإنجليز والتأكيد لهم أنه مخلص لحكومتهم في السودان وأنه يتمنى أن يعتبره حاكم السودان أحد موظفيه. كان مستقبل العلاقة مع "علي دينار" من الأمور التي تشغل الإدارة الإنجليزية في السودان، وتتم مناقشتها على مستويات عليا، وبنى الإنجليز موقفهم على أن "علي دينار" استطاع أن يوطد نفسه سلطانا على دارفور، وستتكلف الحكومة الكثير إذا أرادت تغييره، كذلك فإنه يصر على إعلان الإخلاص والرغبة في طاعة حكومة السودان، وأن من الأفضل لتلك الحكومة أن تدير دارفور من خلال "دينار" وليس من خلال حاكم مصري أو إنجليزي، وتم توصيف "دينار" على أنه "صديق في الوقت الحاضر"، وبذلك أعاد الإنجليز العمل بالسياسة التي اتبعها الحاكم الإنجليزي "غوردون باشا" عندما ذهب إلى السودان سنة 1884م والتي كانت ترتكز على تدعيم حكم السلاطين المحليين كوسيلة فعالة لحكم السودان، ولذا اعترف الإنجليز بـ"دينار" كأمر واقع من الضروري التعامل معه. في سنة 1900م تم تعيين البارون النمساوي "سلاطين باشا" –صاحب كتاب "السيف والنار في السودان"- مفتشا عاما للسودان، وكان من مسئولياته إقليم دارفور، وقد شددت الإدارة الإنجليزية في القاهرة برئاسة المعتمد البريطاني اللورد "كرومر" على "سلاطين" أن يحرص على إفهام "علي دينار" أن دارفور تقع ضمن منطقة النفوذ البريطاني-المصري، وأن الإدارة هي التي سمحت له بممارسة سلطات داخلية واسعة في دارفور، وكان الهدف من هذه السياسة تأكيد تبعية دارفور لحكومة السودان. وأثناء رحلة "سلاطين" في السودان أكد لشيوخ القبائل أنه تم الاعتراف بعلي دينار ممثلا للحكومة في دارفور، وأن على الجميع أن يتعامل معه وفق هذا التوصيف، ورغم ذلك فقد تهرب "علي دينار" من مقابلة "سلاطين" أكثر من مرة عام 1901م. كان وضع دارفور فريدا داخل السودان؛ فهي من الناحية الفعلية لم تكن كباقي أقسام السودان رغم اعتراف بعض المعاهدات الدولية بكون الإقليم قسما من السودان، مثل معاهدة 12 مايو 1894م مع الكونغو، أو تصريح 21 مارس 1899م مع الفرنسيين، وكذلك رغم اعتراف "علي دينار" بكون دارفور قسما من السودان وقيامه بدفع جزية سنوية لحكومة السودان حتى عام 1915م، ورغم التبعية التي أبداها "علي دينار" لحكومة السودان فقد رفض دائما دخول أي موظف حكومي إلى دارفور. وقد كانت السنوات الأولى لحكم على دينار مستقرة نسبيا وهي السنوات التي امتدت من 1902م حتى 1909م، ورغم أن علاقته بحكومة السودان لم تكن مستقرة نسبيا وكان عدم الثقة هو الأساس في التعامل، فإن هذه العلاقات كانت غير عدائية، وتتسم بالود الحذر، فكان "دينار" كلما حاول الاستزادة من مظاهر استقلاله الداخلي من خلال تعزيز مركزه داخل السودان أو إقامة علاقات خارجية بصفته الشخصية كسلطان لدارفور وقفت له حكومة السودان الخاضعة للإنجليز بالمرصاد. العلاقة مع السنوسية: كانت الحركة السنوسية ذات التوجه الديني والإصلاحي قد اجتاحت صحاري شمال إفريقيا حتى حدود دارفور، وكانت ذات زخم وقبول واسع في تلك المناطق، وتزامن صعود هذه الحركة مع بداية حكم "علي دينار" ولذا رأى ضرورة عدم الدخول معها في مواجهة، مع عدم السماح لها بالامتداد داخل دارفور. ولتحقيق هذه المعادلة الصعبة، لم يتجاوب "دينار" مع طلب الزعيم "محمد المهدي السنوسي" عندما طلب عام 1900م من السلطان "علي دينار" السماح له ولأتباعه بالعبور من الأراضي الدارفورية للذهاب إلى الحج، فتعلل بأن بلاده فقيرة جدا ولا تستطيع استضافة السنوسي ووفده الكبير، كما اعتذر عن عدم إقامة زاوية سنوسية في عاصمته "الفاشر"، ورغم ذلك رأى أن السنوسية ليست منافسة لدولته ويمكنه من خلال توثيق علاقاته بها الحصول على السلاح وبعض البنادق الحديثة. العلاقة مع سلطنة "واداي": وتقع هذه السلطنة الإسلامية في منطقة تشاد حاليا، وكانت من الممالك الإسلامية الشهيرة، وقد تعرضت في تلك الفترة لاضطرابات كثيرة أضعفتها وجعلتها مطمعا للاستعمار الفرنسي، حيث استطاع الفرنسيون الانتصار على سلطانها "رابح الزبير" في 22 من إبريل 1900م في منطقة "كوسري" على بعد خمسة أميال جنوب بحيرة تشاد، لكن سيطرتهم التامة على "واداي" لم تكتمل إلا عام 1908م عندما بسطوا سيطرتهم على المنطقة القريبة من الحدود مع دارفور، وهو ما أقلق "علي دينار" خاصة أن المنطقة الحدودية بين الجانبين كانت مسرحا للمناوشات. وقد طلب "علي دينار" من حكومة السودان أن تسانده ضد الفرنسيين، وعندما تقاعست حكومة السودان عن مساندته كتب أول احتجاج إلى تلك الحكومة في 1909م بشأن الانتهاكات الفرنسية الحدودية، ووجدت حكومة السودان نفسها في مأزق فتخطيط الحدود بين دارفور وواداي سيكون مستحيلا بدون جلاء الفرنسيين عن المنطقة الحدودية المتنازع عليها، والاعتراف بالادعاءات الفرنسية في تلك المناطق معناه نقض الهدنة مع "علي دينار"، بينما كان هناك اتجاه لعرض القضية على التحكيم، لكن حكومة السودان كانت ملتزمة ببقاء وضع "علي دينار" على ما هو عليه ورفضت رفضا قاطعا أن يقيم أية علاقات خارجية. العلاقة مع الجيوب المهدية: عندما سقطت الدولة المهدية في السودان بقي لها عدد من الجيوب في دارفور، وكان أبرز تلك الجيوب "عربي دفع الله" في المناطق الجنوبية من دارفور، و"الفكي سنين حسين" في الغرب، وقد شنت قوات "علي دينار" عدة هجمات على "دفع الله" ودفعته الخسائر التي مني بها إلى أن ينضم إلى "علي دينار" سنة 1903م وكان ذلك نهاية الجيب الأول. أما "الفكي سنين" في منطقة "كباكية" فقد استغرق وقتا وتضحيات من "علي دينار" لتصفيته نظرا لقوته وتأثيره الديني، حيث وجه إليه "دينار" جيشا مكونا من أربعة آلاف مقاتل سنة 1900م بقيادة خادمه "كيران" لكن المهدية هزمت ذلك الجيش، فأرسل جيشا آخر في العام التالي من ستة آلاف مقاتل لكن المهدية هزمته، فأرسل جيشا ثالثا سنة 1902م)من اثني عشر ألف مقاتل بقيادة "محمود ديدنجاوي" وهُزم أيضا. لم ييئس "علي دينار" من تصفية ذلك الجيب واتبع سياسة الإجهاد الحربي المتواصل لـ"الفكي سنين" حيث قام بغارات متواصلة على منطقة "كباكية" عدة سنوات دون أن يخوض قتالا كبيرا، وفي سنة 1907م وجه جيشا كبيرا وضرب حصارا على "الفكي" لمدة 17 شهرا وانتهى الأمر في 1909م بدخول جيش دارفور "كباكية" وقتل "الفكي". -العلاقات مع القبائل: شهدت الفترة الأولى من حكم "علي دينار" علاقات متوترة مع القبائل خاصة "المساليت" و"الرزيقات" و"الزيادية" و"المعالية" و"بني هلبة" وامتدت هذه الصراعات إلى نهاية حكمه، وكانت المشكلة الرئيسية هي انعدام الثقة بين الجانبين، فقد كان "علي دينار" يرغب في فرض سطوته عليهم، أما هم فكانوا خائفين منه ومن نمو قوته، وكان لهذه العلاقات المتوترة بينه وبين القبائل انعكاساتها في توتر العلاقة بينه وبين حكومة السودان، وفي استخدام الإنجليز للورقة القبلية ضد "علي دينار" أثناء الحرب ضده واحتلال دارفور بعد ذلك. كان "علي دينار" حريصا على الانفتاح نحو الخارج وخلق نوع من التواصل بين دارفور والعالم الخارجي رغم حرص حكومة السودان على الوقوف له بالمرصاد في أي خطوة يقوم بها في هذا الاتجاه، فقد رفضت حكومة السودان التجاوب مع رغبة "علي دينار" في نشر كتاب عن حياته بعنوان "العمران" في القاهرة سنة 1912م حيث رفض الحاكم العام للسودان هذا الأمر رفضا قطعيا، ولم يوافق إلا على طباعة ست نسخ فقط من الكتاب للاستخدام الشخصي للسلطان. وقد تابع الإنجليز محاولات "علي دينار" الانفتاح على بعض الصحف المصرية، وراقبوا اتصالاته بجريدة "العمران" التي كانت تصدر في القاهرة ويُديرها "عبد المسيح الأنطاكي"، والتي كان يدعمها "دينار" بالمال، ورغم ذلك ؛ فقد كانت بعض الصحف المصرية النزيهة تنظر باحترام إلى "علي دينار" مثل صحيفة "اللواء" التي كان يُصدرها الزعيم المصري "مصطفى كامل" وتعتبره بادرة طيبة على طريق التحرر من السيطرة الاستعمارية، ونشرت مقالا مهما عنه في 29 يوليو 1900م) عنوانه "علي دينار مسالم لا مستسلم"، ثم نشرت مقالا آخر بعد عامين بعنوان "محاولة التدخل الإنجليزي في شئون دارفور وفشلهم في ذلك". أما موقفه من دولة الخلافة العثمانية، فكانت علاقته بها أثناء الحرب العالمية سببا رئيسيا في تحرك الإنجليز ضده للقضاء عليه وتقويض سلطنته؛ فعندما اشتعلت الحرب العالمية الأولى ودخلتها تركيا ضد إنجلترا، تغيرت الأوضاع ؛ فقد كانت مصر تابعة من الناحية الاسمية لدولة الخلافة، في حين أنها خاضعة من الناحية الفعلية لسيطرة الاحتلال الإنجليزي، وكان خديوي مصر "عباس حلمي" مساندا للخلافة ضد الإنجليز، ولذا قام الإنجليز بعزله وتعيين عمه "حسين كامل" سلطانا على مصر، وفي 3 من فبراير 1915م أرسل وزير الحرب التركي "أنور باشا" خطابا إلى "علي دينار" يطلب منه مساندة تركيا في حربها ضد الحلفاء، وقد زاد من خطورة تلك الرسالة تحرك الأتراك مع السنوسية في ليبيا لتحريكهم ضد الوجود الفرنسي في بلاد المغرب ومنطقة تشاد، وضد الإنجليز في مصر والسودان. ويبدو أن "علي دينار" بنى موقفه على أن ألمانيا وتركيا هما المنتصران في الحرب ضد الحلفاء، وأن عليه تقديم العون لتركيا حتى يجني ثمار هذه المساعدة بعد انتهاء الحرب، وإن كان ذلك لا يمنع انطلاق "علي دينار" من عاطفة وحمية دينية لمساندة دولة الخلافة ضد أعدائها من الفرنسيين والبريطانيين الذين أطلق عليهم صفة "الكفار". أما البريطانيون فرأوا أن "علي دينار" قام بانقلاب في السياسة الدارفورية الخارجية نظرا لأنه كان يعاني من فقدان شعبيته فأراد أن يعوض ذلك باللجوء إلى الدين، وأيا ما كان الدافع وراء تمرد "علي دينار" على الإنجليز فقد وقعت الوحشة ثم القتال بين الجانبين، ورأى الإنجليز في البداية ضرورة تأليب القبائل عليه لإضعاف سلطته تمهيدا لحربه، فتم تسليح قبائل "الرزيقات" وتحفيزهم ضده، وتم استغلال شائعة أن السلطان "علي دينار" يجهز تعزيزات من الفور في منطقة جبل الحلة كذريعة لحربه؛ خاصة بعد تحسن الموقف العسكري للإنجليز في مصر ونجاحهم في القضاء على خطر السنوسية على الحدود الغربية لمصر. وقد بدأت الحرب بين الجانبين في مارس 1916م)، ووقعت عدة معارك داخل أراضي دارفور كان أهمها معركة "برنجيه" الواقعة قرب العاصمة الفاشر، وتمكن الإنجليز من تبديد جيش دارفور البالغ 3600 مقاتل بعد أربعين دقيقة من القتال، وقتل في المعركة حوالي ألف رجل من جيش دارفور، وعندما علم "علي دينار" بالهزيمة استعد للقتال مرة أخرى للدفاع عن الفاشر، لكن الجيش الذي كان تحت يديه لم يكن مدربا ولم يكن يمتلك أي أسلحة حديثة، كما أن الإنجليز استخدموا الطائرات لأول مرة في إفريقيا، وكانت هذه المرة ضد جيش "علي دينار"، وتم لهم السيطرة على الفاشر في 24 من مايو 1916م، فانسحب السلطان بأهله وحرسه نحو جبل مُرّة، وهناك تم اغتيال "علي دينار" أثناء صلاته الصبح على يد أحد أتباعه في 6 نوفمبر 1916م بعدما رفض الإنجليز قبول أي تفاوض معه للاستسلام. تلك هي أهم ملامح فترة السلطان علي دينار، وهي كما يبدو كانت فترات توتر وحروب داخلية وصراعات دولية عنيفة، في مرحلة حرجة للغاية، وهو ما يثير التساءل عن كيفية تمكن السلطان من مد خدماته الي خارج حدود سلطنته، وهو المحاصر من الخارج، المضيق عليه من الداخل ، ورعم ذلك فان عظمته تكمن في انه استطاع رغم تلك الظروف الصعبة أن يحفظ استقلال تلك لامنطقة الحبيبة من السودان لفترة تعتبر طويلة حسب معطيات الواقع الذي كان يعيش فيهمع أطيب تحياتي سيف الدين عيسى مختار جدة المملكة العربية السعودية |
Ala eldin Salah Mohamed Jeddah Saudi Arabia
| |
|
|
|
|
|
|
|