طريق إلى بلد آخر

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-09-2024, 05:24 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2011م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-27-2011, 05:18 AM

عماد البليك
<aعماد البليك
تاريخ التسجيل: 11-28-2009
مجموع المشاركات: 897

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
طريق إلى بلد آخر

    طريق إلى بلد آخر
    رواية

    _ 1_

    مدثر النصري.. ذلك المغامر الجسور بلغة العصر القديم.. إنسان بسيط.. هكذا يسمي نفسه.. إنسان متعال مغرور هكذا يسميه الناس.. بالطبع ليس كل الناس.. لأن الذين يعرفونه جيدا يقولون إنه أطيب إنسان على وجه الأرض.. هذا إذا ثبت أن للأرض وجها بعقلية مدثر، الذي ومنذ سنوات فقد إدراك خواص الأشياء.. لذة المعاني.. وماتت في قلبه المجازات والبلاغة بوصفها عملا مدهشا.. قد يرى نفسه فيلسوفا أو مفكرا أو أي شي.. لكن لا أحد يهتم به.. وحتى أولئك الذين يعرفونه جيدا لا يهتمون.. ومدثر يعرف السبب أنه بات جزءا من عالم لا ينتمي لغير المصالح.. ربما هي لعنة المال.. أو لعنة قدر سيق منذ عقود في هذا الكوكب.. قدر لا ينظم الحياة وفق هواه.. هوى الغدر والمؤامرة.. الخيانة والنصب والاحتيال.. ورمي دعاة الأخلاق في مزبلته.
    ليست هذه المقدمة كافية للكتابة عنه.. عن ماضيه وحاضره وذكرياته المعلنة في صفحات الإنترنت والكتب التي نشرها في سنوات متفرقة دون أن يحقق منها صيتا ولا اسما ولا شهرة.. ولا أي من هذه المفردات المتهالكة.. وأيضا لا يمكننا الاقتراب جيدا من ذكرياته المندسة في دماغه وهواجسه وملاماته الطويلة اتجاه العالم بشكل عام.. العالم الذي يراه غريبا.. متمردا.. ربما هو عالمه هو الذي رسمه في مساحات من ذهنه العجوز، رغم أنه لم يتجاوز الأربعين بعد. يكفيه الاقتراب منها بفارق ضئيل من السنوات.
    ولست على أية حال مهتما بالكتابة عنه.. إلا لأنني عرفته.. أو اعتقد ذلك.. عرفته في يوم ليس بعيدا.. وهو يقترب مني في معرض تشكيلي في وسط المدينة.. في الجاليري الذي افتتحه أحد الدبلوماسيين القدامى، بعد أن فاض به كيل الحياة وأنهى كل الإنجازات البائسة له وهو يتنقل من بلد أفريقي لآخر إلى أوروبي، يدافع عن هوية وطن لا هوية له..
    كان مدثر النصري بزيه السوداني.. طاقية غير معممة، وجلباب أبيض لا لمعان فيه كأنه ليس مغسولا منذ شهور.. لكن رائحته طيبة.. كأنه قد مسح جسده بالدلكة السودانية، غير أنني أعرف أنه ليس متزوجا ولم يعاقر امرأة في حياته ولا يعرف الكثير عن ذلك النوع من العطور البلدية التي تستخدم في مواسم العسل بعد أن يأخذ العريس الجديد فتاة أحلامه ويسافر بها، أو معها – ليس ثمة فرق – إلى مدينة داخل أو خارج البلد، المهم أنها مدينة أخرى، بشرط أن العروس هي التي لم تسافر لها من قبل.
    هناك تبدأ الحياة الحقيقة ما بعد الزواج والتي أعرف عنها الكثير.. لكن النصري لا يهتم.. ربما يهتم ولا يقر بذلك..
    توقف عند لوحة واقعية دون أدنى مبالغة.. فيها فتاة تحمل جرة ماء.. ربما هي صورة استشراقية.. أي كتلك اللوحات التي رسمها الأوروبيون الذين جاءوا بلادنا قبل قرون وهم يحاولون فهم ذواتهم من خلال فهمنا..
    أشار إلى نهدي الفتاة.. تبدو في السادسة عشرة من عمرها.. ربما أقل أو أكثر.. وضع أصبعه الإبهام الأيسر على حلمة أحد النهدين وضغط بعصبية جارفة.. كأنه شبق.. لست متأكدا.. ولا تهمني تصرفات الآخرين المتعلقة بالنزوات.. ورفع الإصبع وقال كمن يكلم نفسه: "لعنة.. لعنة" كررها مرتين.. ثم شرع في البكاء.. كانت دموعه قد غرقت في البلاط الأسود والأبيض.. ذلك النوع الراديكالي الرديء والذي لا يصلح لغير عنابر المستشفيات التي بناها الإنجليز قبل أن يتركوا لنا بلدا مفتوح لإحتمالات شرسة وضليلة.
    كان الدبلوماسي يلبس جاكيت رمادي وقبعة ويمارس دور معلم في بزينطة يحاول أن يغرق تلامذته بمعنى الفن، وهو لا يعلم عنه شيئا.. كانت اللوحات بتقديري رديئة من حيث المحتوى وسوء استخدام أدوات الرسم وأيضا الأفكار.. لكن المجاملة ضرورية أحيانا.. كان هناك صحفي شاب يقترب من الرجل ويسأله عدة أسئلة لم أسمعها جيدا.. والدبلوماسي العجوز يثرثر.. وكان هناك في ركن قصي قريبا من الباب امرأة بالثوب السوداني وشعرها المصبوغ يتدلى وشلوخها ذات اليمين والشمال مرسومة بوهج شمس ظهيرة لزمن طواه الغيب.. ربما جاءت من مدن الشمال أو من وسطه، لم أهتم.. لم أركز في سوى تلك الدموع التي رسمت في البلاط هياكل عظيمة أو هكذا تخيلت..
    الهياكل.. المجاعات.. جنون بلد ينزف في كل بقعة.. تمازج في ذهني مع خريطة كبيرة معلقة على الجدار فيها مدن البلاد.. ونقاط حمراء معلمة بقلم شيني، أرادت منها زوجة الدبلوماسي العجوز ذات الشلوخ، أن تثبت للجميع أنها بطلة حقيقة في وطن لا يعترف بالأبطال.. كانت تشير إلى كل نقطة وهي تتغنج.. غنج النساء كبار السن اللائي لا يسر بالا ولا يفتح مزاج الأشقياء مثلي.. طالما أظن أنني ما زلت شابا قادرا على القفز والجري في ميادين قاحلة في مدينتي البعيدة التي جئت منها ذات يوم، ليس يمكنني تحديده الآن.. أنا سيء الذاكرة ساعة يتعلق الأمر بالأيام القديمة..
    توقفت عند نقطة حمراء.. تتحدث عن ما قامت به هناك.. كيف أنها دفعت عشرات الفتيات إلى التحلي بالقيم الوطنية.. وكيف دربتنهن على الاختيار الصحيح في الحياة.. أي نوع من الاختيارات لم أسمع جيدا.. كانت تكرر هذه الكلمة كثيرا.. وأخيرا سمعتها تتحدث عن عملها.. كموظفة في محو الأمية.. كانت فخور بما فعلت.. وكان الدبلوماسي العجوز فخورا وقد بدا ذلك من أسنانه المتبقية التي كشفت عن ابتسامة بالغة الانزعاج.. كأنه يغار من عجوزه المتصابية.
                  

03-27-2011, 05:41 AM

عماد البليك
<aعماد البليك
تاريخ التسجيل: 11-28-2009
مجموع المشاركات: 897

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: طريق إلى بلد آخر (Re: عماد البليك)

    _ 2_

    كان لحظات غامضة، كأنها خارج فكرة الزمن قد جمعتنا، وليس لدي تفاصيل مغرقة في التيه عن كيف كانت الحميمة التي جمعتنا.. فالنفوس البشرية هي الأخرى غامضة ومن الصعب فهم كيف يفكر الناس وكيف يمشون في دروب خطرة أو كيف يختارون الأصدقاء. وجلسنا بزاوية من مقهى ليس بعيدا عن ذلك الجاليري.. وشربنا قهوة حبشية ودخنا وتحدثنا عن أشياء كثيرة لم تكن النساء من بينها.. ولا هموم البلد الذي كان يغلي دون أن نفهم سببا..
    بالنسبة لمدثر وحتى ذلك اليوم الأول.. أي بالنسبة لي بالأحرى.. كان الرجل شخصا يجمع بين النكتة والجدية.. أحيانا كان مرحا بشوشا وتارة يبدو عصبيا.. ومرات رايته غير محدد الملامح.. أعني شكله.. تقاطيع وجهه.. ذلك الوجه الذي يعكس صورة لإنسان قادم من كهف في عمق التاريخ.. بدت لي الصورة هكذا، وأنا أراقبه وهو يرتشف القهوة بلا مزاج.. وفيما بعد أنه لا يستمتع بأي شيء.. أي شيء مطلقا في العالم.. حتى هواه وعشقه للكتابة والفلسفة والتفكير المطلق كان بنظره أكذوبة، نوع من التماسك اللحظي في حياة مزلزلة أصلا..
    "في عالم لا تعريف له.. أبسط شيء أن تجعل الأشياء من حولك تتحكم فيك"، قال لي وهو يمد رجله اليمني بعيدا حتى اهتزت الطاولة وارتجت معها الأكواب والفناجين.. كان هناك كوب به ماء شرب النصري نصفه.. وترك النصف الباقي ليتحول بعد دقائق إلى طفاية للسجائر.
    كائن عبثي بكل الصفات.. هكذا تخيلت من الوهلة الأولى.. لكن قررت ألا استعجل في الحكم عليه.. لأنني ربما رأيت فيه بإحساس فقط.. لا أدلة ملموسة عليه.. أنه يشبهني في أمور ما.. لا يمكنني تحديدها أو تفسيرها.. إنه الغموض يجب أن يجر أذياله وأن يصبغ كل ما حولنا في هذا العالم.

    (عدل بواسطة عماد البليك on 03-27-2011, 05:44 AM)

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de