|
|
 45 يوماً على درب الوطن - علي عسيلات ؛ نقلاً عن الميدان
|
مفكرتي
45 يوماً على درب الوطن
علي عسيلات
كل الطيور لها وطن أوكارها أوطان
وأنا وطني سجتن يمتد من البحر إلى البحر
الزمان ١٧ يناير ٢٠١١ المكان سوق
الحاج يوسف شرق النيل كانت شمس النار تستعد للرحيل غرباً، كنا ثلاثة نحمل هماً مشتركاً يتعلق بالوطن الذي فقد عضواً غالياً بتروه بعد جراحة قاسية بلا تخدير وصار دولتين شمالاً وجنوباً على كف القدر بعد أن تبعثرت موارده وصار ماتبقى منها في يد من لايرحم فتحولت (مرتعاً) بلا رقيب بعد الإنفراد بالسلطة والثروة.
كنا في سوق محطة ٦ الناس يتحركون بتكاسل واضح يجرجرون أقدامهم كأنها مكبلة بالحديد السوق تشقه بعض شوارع الأسفلت (الجديدة) وعلى الجوانب الترابية يفترش الباعة الأرض- كل شيء على الأرض الخضار- السكر- الشاي- البهارات – الرغيف- الكسرة...الخ والذباب . السوق كأنه يوم الحشر زبائنه يزحفون نحو(كراتين الباعة) يشترون بالطريقة الجديدة قدر ظروفك في بعض الأسواق يمكن أن تشتري معلقة ملح+بصلة واحدة+ملعقة صلصة+رغيف قرقوش، وهكذا وجبة بصارة هناك على الأرض يعرضون – الجراد والكجيك (سمك ناشف) والمرس والكول ويعرض (الكساد) والتساهل في البيع بأقل ربح والناس يواجهون إرتفاعاً جنونياً في الأسعار.
وجوه الرجال والنساء السمراء والسوداء(مصرورة) كأن أصحابها مصابون ب(الإمساك) أكثرهم أتي من الشرق والغرب والجنوب والشمال قذفتهم الحرب والحاجة والإقصاء نحو المدن.
ماتت عندهم الزراعة والحيوانات _ لا أطيل عليكم فأنتم تعرفون التفاصيل أكثر مني.
أعود لثلاثتنا – الضي من حزب الأمة وحمزة من حزب البعث عملنا في التنسيق مع أحزاب المعارضة الأخرى على أيام الانتخابات( المضروبة ) في مدينة الحاج يوسف ثم وكما هو معروف قاطعنا الانتخابات مع كل الأحزاب الأخرى وتعرفون بقية القصة.
لم نعمل عمل مشترك أخر إلا في هذه الفترة حيث قررت قوى الإجماع الوطني القيام بحمله ضد غلاء الأسعار والفساد والإستبداد أعددنا بيان من القوى الإجماع الوطني بسيط وممكن أن تقرأه أو تجده حتى في الجريدة (الإنفصالية) المعروفة .
حملنا البيان (الكارثة) للتوزيع ركبنا (ركشة) للذهاب لمكان (آمن) حزب المؤتمر الوطني كانوا مجموعة كبيرة مسلحة تقافزوا سريعاً عن العربة التي كانوا (يمتطونها ) وصاحوا فينا صيحات الحرب-ثااااابت- أنزل تحت رأسك تحت- سلمهم سائق الركشة البيان ٢٠٠٠ نسخة – نفس البيان تم توزيعه مرة أخرى ونحن في السجن حسب ماورد في الصحف خاصة (الميدان) ضربوا الزميلين (الضي وحمزة) وسألني قائد القوة أنت العيان؟! العندك سكري وعملية البروستات؟! وأظن معلوماتهم حتى عن الأحوال الصحية – غضروف- انخفاض ضغط- فتاق- عين تحتاج إلى عملية وكل مايترك السكري والأمراض الأخرى من مضاعفات المهم رب ضارة نافعة فقد أكتفى أحدهم باجراءات تأديبية خفيفة ولله الحمد.
أدخلونا بالعربة لقسم الأمن (حاج يوسف) لندخل مباشرة بعد أن تقاسمونا تحت التهديد والوعيد والضرب نال (البعثي) نصيب الأسد – وعن التحقيق والأسئلة :أسمك –عمرك- أمك-أبوك -زوجاتك –أولادك - بناتك_
معرسات مطلقات- ساكن وين ؟جيت هنا ليه؟ماشي وين؟ومعاك مين؟ ماشي لي ناس مين؟حزبك شنو؟ رشحوك متين؟ الرشحك مين؟ مسؤولياتك التي توليتها من الحزب سابقاً؟ مسؤولياتك الحالية ؟الأعضاء الذين تعرفهم لماذا أنت عضو؟ كان استجواب للضمير – وخاتمته تعهد بأن لا تعمل ضد الحكومة أنها محاولة جادة للتركيع والتأديب ومحاربة الحزب والإلتزام الحزبي كان التحقيق لا يهتم (للبيان الجماهيري) كثيراً لأنه أي البيان حق دستوري كفله القانون كما الحزب نفسه فهو موجود في كل الصحف حتى في الجريدة (الإنفصالية) وكما ذكرت كان استجواب للضمير وإنحياز كامل للحزب الحاكم ومحاربة أي تفكير سواه.
مباني جهاز الأمن جميلة وفخمة والحقيقة أقول لكم أني قد أبديت لبعضهم إعجاباً بهذه المباني الفخمة بل وإقتناعاً مني بجدواها وأنا شخصياً وأكرر(شخصياً) مقتنع بأنّ فخامة مباني الدولة شيء ضروري لأنها واجهة الوطن يدخل عبرها (الزوار والوافدون) من الدول الأخرى ولجهاز الأمن الوطني كما ذكر قادته (علاقات طيبة) مع أجهزة اﻟﻤﺨابرات الأخرى في الدول الكبيرة ولهذا يجب أن يكون جهاز محترم.
أعتقد بأنه من المهم أن يكتب كل شخص إعتقل عن تجربته في الإعتقال فهذا حق للأجيال الحاضرة والقادمة وله فائدة حتى عندما يتطور الوطن نحو قوانين أكثر إنسانية وينتهي عهد قبض (الأفكار السياسية) والتحيز الأعمى من أي حزب كان واستغلال أجهزة الدولة وإنها الذي يصرف له من مال الدولة (المقطوع) من دم الشعب الذي يتحول الجهاز إلي (كرباج) فوق ظهر الذين يدفعون مرتباته وإمتيازاته من مالهم وحتى لا تتحول أجهزة الأمن مستقبلاً لوسائل لإرهاب المواطنين (مافي جوف مادخلوا خوف).
تم ترحيلنا في الساعة الثانية صباحاً إلى قسم (السياسة) يسمونها (الفندق)!! أجلسونا أرضاً وجوهونا صوب الحائط لمحنا اعداداً من المعتقلين طبعاً ممنوع الكلام مع أي انسان- ثم اقتادونا جميعاً (المعتقلون) في الساعة الثالثة صباحاً م######شون بالقيود وقد سامحوني من (ال######شة) ولكنهم عندما أركبونا حافلة جميلة وفخمة أمرونا بأن تكون رقابنا تحت الكرسي نحو الأرض وقد قال أحد حراسنا من أفراد الأمن بلغة تحذيرية نحن احترمناكم وانتو ناس كبار أوع تخلونا نتصرف معاكم بطريقة تانية!.
رضخنا للأوامر وجعلنا رؤوسنا مطاطأة قدر ما استطعنا حتى لا يتم التصرف معنا بطريقة تانية كما ذكر الشاب (المأمور) ماتمكنا نعرف إلى أين نساق وعندما أمرونا بالنزول إكتشفنا أننا في سجن كوبر نزلنا وقادونا أخذوا منا عينات من الدم لم أسأل حتى الآن ماهو الغرض من أخذها المهم أخذوها وخلاص.
داخل السجن الإدارة كلها من أفراد الأمن أدخلونا السجن في عنابر العنبر الذي أدخلوني فيه ومعي حمزة من البعث وجدنا فيه مجموعة مكونة من 14 شخص بعضهم نيام كانت الساعة الرابعة صباحاً سألونا عن أخبار البلد كلهم ماعارفين أن زين العابدين بن علي هرب من تونس وترك أفراد جهاز أمنه وقياداته تطاردهم الجماهير فوق رؤوس الجبال وتفش (غبينتا) عمرها 61عام هي فترة (البورقيبة) منها زين العابدين ٣١ سنة (بنات حفرة) العنبر الذي أدخلونا فيه كان سابقاً أسمه (الكرنتينة) وكان عنبر كبير تم تقسيمة لعنابر تسع بالجلالة في حالة وجود سراير لعشرة أشخاص ولكنهم يحملونها ب ١٦ رأس (العنابر) مقسمة بطريقة لا ترى من الداخل ومن الخارج ثم أنّ العنبر نفسه مقفول خلال ال ٢٤ ساعة لا تخرج منه إلا لزيارة إذا تم منحك إياها أو أنت متخارج طبعاً الزيارة لا تمنح إلا للأولاد والزوجة وهناك قائمة من المحظورات أولها الأخبار حيث أنه يمنع عنك تلقي أي خبر طبعاً التلفون ممنوع الراديو ممنوع التلفزيون ممنوع والجرايد تكة السروال ممنوع وأي مشروب في زجاج ممنوع الأكل المطبوخ من خارج السجن ممنوع أمواس الحلاقة وممنوع الحلاقة نفسها إلا بعد ٤٠ يوم تقلصت إلى ٣٠ يوم ممنوع الخروج خارج العنبر للرياضة حتى المرضى ممنوع خروجهم العنبر به ثلاجة الطعام عدس أو فول كمية كافية الغذاء رجلة أو فاصوليا أو بطاطس أو دمعة دجاج أو بامية، العشاء رز أو شعيرية عنبرنا تم منحه
٣ كاسات زبادي صغيرة تمت زيادتها إلى ٥ كاسات صغيرة لعدد ١٤ يمكن منح المعتقل فرشاة أسنان إذا صادف يوم التوزيع أي إذا كان المعتقل صادف وجود الشخص اﻟﻤﺨصص لتوزيع الفرش والمعجون والصابون وإذا جاء المعتقل بعد نهاية وردية صاحب الشأن فعليه الانتظار يومين بدون سواك حتى حضور الشخص اﻟﻤﺨتص بالتوزيع ثم الإقامة عندك لحاف ٣ملي ومعه بطانية ولا تلتزم جهات الاعتقال بالسرير ولا ملاية ولا مخدة (نعلاتك) تحت رأسك أو كيس به غياراتك ،العنبر به حمام داخلي قالوا لنا إنّ العنبر الذي نسكنه هو أحسن من العنابر الأخرى لأنّ به حمام داخلي أما العنابر الأخرى فيوجد حمام خارج العنبر وأن العنبر يقفل من الساعة العاشرة حيث تم منح المعتقلين جردل داخلي لمثل هذه الأشياء.
الطبيب يمر على المعتقلين مساء الاثنين من كل أسبوع والعلاج تحت الضغط النفسي سيئ جداً والمتابعة ضعيفة وإذا تم تحويل المعتقل لمستشفى الأمل فأنه يكره اليوم الذي تمّ فيه تحويله حيث أنه وبمجرد خروجه من العنبر يتم عصب عينه بعصابة سوداء ثم يتم قيد المعتقل ويظل في قيوده و عماه حتى دخوله على الطبيب المعالج بإمكان جهاز الأمن توفير حياة أقل شفاء للمعتقل لكن في تقديري أن الغرض ليس فقط حفظ المعتقل وإنما تكديره وكسر آدميته وهناك من الروايات وتجارب المعتقلين ما يجعلنا نثني على هذا الكرم طبعاً لم تكسر هذه المعاملة الشعوب التي تنادي بالحرية والانعتاق وخاصة في السودان أن تجربة بيوت الأشباح التي كتب عنها الكثير ومات فيها كثيرون تحت التعذيب منهم د/علي فضل وإبراهيم بدوي وعبد المنعم رحمة وعبد المنعم سلمان وغيرهم وتعرض للتعذيب من الشرفاء في العالم ولازال شعبنا يطالب من كل المنظمات وكل القوى الخيرة بأن تواصل دورها الإنساني وتخاطب السلطة بأن ترفع يدها عن تعذيب المعتقلين ووضعهم تحت الضغط البدني والنفسي وأن تطالب المنظمات الإنسانية في الأمم المتحدة بأن تسجل زيارات لأماكن الاعتقالات وأن تسجيل زيارات للمعتقلين وأسرهم لتعرف مدى الدمار الذي تفعله الاعتقالات في هذه الأسر وكيف تعرضها لأوضاع إنسانية قاسية وهي تخلق في نفوس أطفالها
الخوف والرهبة والتردد والكراهية، إنّ قوى الإجماع الوطني تهمل أحوال منسوبيها داخل المعتقلات أو مقاضاة الأفراد الذين يقومون بالتعذيب وإنتهاك حقوق الإنسان المضمنة في المواثيق الدولية يعتبر السودان أحد الموافقين عليها.
لقد عشت ٤٥ يوماً من العزلة تحت ظل أسوأ اعتقال وتحت ظروف صحية سيئة ولازلت الآن أسعى للعلاج من المرض الذي فاقمه المعتقل وبتجربتي الشخصية أطالب بأن يشرف على أمراض المعتقلين أطباء يحترمون القسم الذي أدوه لعلاج المريض وحمايته بدنياً ونفسياً وعلى القوى السياسية أن تكشف لشعبنا الموقف الذي تتخذه منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الأخرى التي تغض الطرف عن الجرائم التي تحدث ضد المعتقلين وأن تتوجه بالشكر للمنظمات الإنسانية الأخرى التي وقفت وتقف مع شعبنا المناضل ضد كل أشكال التعسف والإعتقالات اﻟﻤﺨالفة لكل الشرائع.
هنا لايسعني أن أتقدم بالتقدير والعرفان للأهتمام الذي وجدته من الزملاء وخاصة في اللجنة المركزية للحزب وأقدر ذهاب الزملاء نقد وسليمان ومناقشتهم لمدير جهاز الأمن والتقدير لصحيفة الميدان وربانها التجاني الطيب وكوكبة التحرير المناضلة لاحقاً وشكري للزملاء والأصدقاء والوطنيين بدول المهجر الذين تضامنوا معي وظلوا يسألون أسرتي دائماً والشكر لموقع العسيلات والأشراف أبناء القبيلة الحبيبة بكل اتجاهاتهم السياسية الذين طالبوا بإطلاق سراحي والذين تضرعوا لله سبحانه وتعالى بأن يفرج كربتي الشكر للزملاء الذين تضامنوا مع أسرتي وللذين زاروني بالمنزل في العسيلات ولكل الرجال والنساء من كل الاتجاهات السياسية وشكري للخليفة الطيب الجد خليفة الشيخ ود بدر وأسرته الكريمة للزيارة الكريمة وعلى نيته للتدخل لإطلاق سراحي وأبنائي وأحفادي والشكر لأبناء العسيلات وأهلي بالدبيبة في الداخل والخارج وفي الخاتمة تقدير (للشبل من ذاك الأسد) راشد سيد أحمد الشيخ ابن المناضل النقابي سيد أحمد الشيخ الذي حمل السودان وقضياه شاباً ومشيخاً حتى رحل وترك لنا راشد واخوانه وكلماتك ياود أخوي زادي ومعنوياتي حين يقل الزاد وتنعدم المعنويات.
صحيفة الميدان : العدد رقم 2343 - الثلاثاء 22 مارس 2011م
|
|
 
|
|
|
|
صديق عبد الجبار
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست