|
ورحل عنّا البروفسير دومنيك أكيج محمد ... ياسر عرمان ينعيه
|
قدمه الرفيق ياسر عرمان إلى جمع المثقفين والمبدعين ضمن برنامج حملة الأمل والتغيير بموقع البجراوية وقال في تقديمه (اسمه يحمل سؤال الهوية ... دومنيك أكيج محمد)، وقدمه على أنه جاء خصيصاً من فلوريدا للمساهمة في حملة الأمل والتغيير (حملة ترشيح الاستاذ ياسر عرمان للرئاسة) هو الذي غادر السودان منذ العام 1964م إلى الولايات المتحدة الأمريكية وتخصص في الهندسة وردس في جامعاتها. في أعالي جنان الخلود يا بروفسير دومنيك
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: ورحل عنّا البروفسير دومنيك أكيج محمد ... ياسر عرمان ينعيه (Re: Murtada Gafar)
|
أدناه نص نعي الرفيق ياسر عرمان للبروفسير دومنيك أكيج محمد
http://www.sudaneseonline.com/?p=16368
Quote: كتب الاستاذ ياسرعرمان نعياً للبروفسير دومنيك أكيج محمد ، ولكنه يتجاوز (نعي المناسبات) ، ليكتب مقالاً مُفعماً بالمشاعر الانسانية ، وبتأملات حول آفاق ( الامل والتغيير) ، وفي كيف ينسجم الانسان مع اخيه الانسان ، ومع الحقيقة ، والطبيعة . ( نص المقال أدناه) : بروفسير دومنيك أكيج محمد يرحل ومن خلف صورته ازهار من وفاء والتزام 1943م – 2/3/2011 رحل الانسان صاحب السيرة الذاتية المتماهية مع قضية جنوب السودان ومع تقلبات السياسية السودانية علي نحو ما يقارب نصف قرن من الزمان الصعب .
اضاءة اولي :-
فى المرة الاولي اعطانى الدكتور جون قرنق دي مبيور فى 1988م على مشارف مدينة كبويتا فى شرق الاستوائية وثيقة خطها اعتراضاً وتحليلاً وتقييماً فى عام 1972 على اتفاقية اديس ابابا قبيل توقيعها ولم يحتفظ بنسخة منها واحتفظ بها الدكتور دومنيك اكيج محمد مع رسالة شخصية للبروفسير اكيج محمد وتم نشرالاخيرة فى احدى اعداد صحيفية أجراس الحرية فمنعتها الرقابة !! لانها إعتقدت انها كتبت حول قضايا اليوم رغم ان قرنق مبيور اتيم كتبها قبل مايزيد على الثلاثين عاماً وكانت محاولة نشرها بعد رحيله ! واسدي اكيج محمد خدمة مقدرة للباحثين عن شخصية قرنق مبيور اتيم ورؤيته السياسية بإحتفاظه بتلك الوثيقة. وحكى لى د . جون قرنق مطولاً عن دومنيك اكيج محمد وعن سر محمد الذى يبدو ملفتاً للنظر فى اسمه وان دومنيك اكيج هو اول ممثل للحركة الشعبية لتحرير السودان فى الولايات المتحدة الامريكية وعن نضالاتهم المشتركة منذ عصر الانيانيا الاولى فى الولايات المتحدة الامريكية .
إضاءة ثانية :-
فى عام 2009م وفى طريقي لمطار ((دلس )) بواسنطون للحاق بالطائرة المتجهة الى لندن اتصلت بمنزل دومنيك اكيج محمد استاذ الهندسة الكهربائية فى ميامى فلوريدا لأكثر من ثلاثين عاماً واتي صوته واهناً كانما كان نائماً وذكرت له اسمي فضحك وقال لى كان يجب ان نتقابل منذ زمن وانه يعرفني جيداً من الصحافة ومن قرنق مبيور اتيم وذكرت له انني قد عرفته بإمتياز من قرنق مبيور اتيم وتحدثت عن مواقفه الآسرة وعن مدي حب وتقدير قرنق مبيور له فبكي اكيج محمد ! وذكرت له انني اود دعوته ليكون ضيف شرف للاحتفاء بحياة الدكتور / جون قرنق دي مبيور فى ذكرى رحليه القادمة بالخرطوم وذكر لى بأن اجاك بول ديد سبق ان ذكر له ذلك من الخرطوم وحدثنى عن رحلته الى جوبا وزيارته لقبر قرنق مبيور اتيم كانت تلك الاضاءة قبل الاخيرة فى بهجة التعرف بأكيج محمد .
إضاءة ثالثة :-
فى ابريل عام 2010م من دون سابق انذار وبعد محادثه تلفونيه قصيرة من الخرطوم اتى بروفسير دومنيك اكيج محمد الى مكتبي فى الخرطوم ذلك الانسان الوديع والرزين الهادى النبرات وخلف صورته ازهار من وفاء والتزام بقضايا امن بها اخذت كل وقته فى الولايات المتحدة الامريكية هذا الانسان المعجون من ابوين يمتدان عميقاً من الدينكا والرزيقات وشرحت له ما نقوم فى حملة (( الامل والتغيير )) وشارك معنا فى الحملة وذهبنا معاً الى ندوة فى مدينة ومدنى وحيا جمهورها بخطاب قصير وابدى اندهاشه وسعادته للتأييد الكبير الذى تجده الحركة الشعبية فى شمال السودان وذهبنا معاً الى البجراوية فى رسالة للثقافة والمثقفين والمبدعين وفي زيارة لماضى السودان ولإستشراف مستقبله وكان ضيف الشرف واهديت خطابى له وللدكتور عثمان بليه مؤسس مؤتمر البجا وللنور عثمان ابكر والشيخ انتا ديوب العالم السنغالي واحد اهم المؤرخين الافارقة ولصديقه قرنق مبيور اتيم واستمتعت بالحوار معه الممتد على مدي سنواته فى عطبرة وعلاقته باليسار والمعهد الفنى وسنواته الطويلة فى الولايات المتحدة وعن الانيانيا وعن الحركة الشعبية وعن جون قرنق وعن تأسيس اتحاد الطلبة الجنوبيين فى الولايات المتحدة وقرنق مبيور اول رئيس له وعن الصراعات التى دارت فى داخل الحركة الشعبية وموقفه منها وعن ذكريات مولده وعن خروجه الدائم فى المظاهرات فى الولايات المتحدة وعن زوجته الاثيوبية وعن ابنائه . وفي البجراوية اهدي لى مواطن هرما نحته مثل اهرامات البجراوية فأهديته عبره لـ( ادار) ابنه اكيج محمد الامريكية التى لم تري السودان ومولعه بتاريخه وإلتقينا اكثر من مرة حتي غادر السودان واشبعنا اللقاءات حديثاً عن ذكريات الامس وتحديات اليوم وفرص الغد ثم ذهب اكيج محمد وبقت صورته مرسومة فى جدار الذاكرة تحمل معانى الوفاء والإلتزام المر على مر الايام والسنوات فوداعاً اكيج محمد رغم بعد المسافة والطريق والمشاق والمخاض العسير فإننا لا تزال نأمل فى وحدة السودان رضاً ورغبة وحباً وإختياراً واعياً لوحدة افريقيا وامتداد الجوار العربي وبلدان الجنوب وعالم افضل لجميع البشر والكائنات والانسجام بين الانسان والطبيعة وبين الانسان والحقيقة هذه احلامنا عند البركل ونمولي والامس واليوم . ياسر عرمان اركويت – الخرطوم 6/ مارس /2011م |
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ورحل عنّا البروفسير دومنيك أكيج محمد ... ياسر عرمان ينعيه (Re: Murtada Gafar)
|
يا سلالالالام... رحم الله البروفيسور دومنيك أكيج محمد
لقد عملت مع الدكتور دومنيك في أوائل التسعينات في تأسيس فرع التجمع الوطني الديمقراطي بأمريكا و كان حينها رئيسا لمكتب ال SPLA في أمريكا. تحدث كممثل للتجمع في الدوائر السياسية الأمريكية, على سبيل المثال, الكونجرس الأمريكي و وزارة الخارجية. كان يرافق الشهيد جون قرنق في كل لقاءاته عند زياراته العديدة لأمريكا. إشترك في كل مؤتمرات و نشاطات التجمع في واشنطون.
رحم الله دومنيك
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ورحل عنّا البروفسير دومنيك أكيج محمد ... ياسر عرمان ينعيه (Re: Murtada Gafar)
|
الأخ مرتضى جعفر.
أنه خبر محزن جدا أن نفتقد هذا الرجل الفذ.
دومنيك أكيج محمد من السودانين الذين حملوا معهم هم القضية السودانية الى المهجر ولقد أفنى حياته في العمل من أجلها . كان الراحل حاضرا في كل المناسبات السودانية المختلفة، ولقد تعرفت على الرجل في خلال التسعينيات،و لقد وجدت فيه رجل حسن الخلق وطيب المعشر ولم يكن يترفع على الاخرين أبدا رغم مكانته الاجتماعية والاكاديمية. أخر مرة ألتقيت به في الصيف الماضي، كان دومنيك أكيج محمد ضاحكا وباسما كعادته لأنه كان يلبس قميص مزركشا في القداس الذي أقيم من أجل الراحل العزيز منوت بول. لأن شنطة متاعه قد تخلفت من طائرته القادمة من ميامي ولم يكن لديه وقت كافي لكي يذهب للسوق. الله يرحم العم دومنيك أكيج محمد ويغفر له.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ورحل عنّا البروفسير دومنيك أكيج محمد ... ياسر عرمان ينعيه (Re: Deng)
|
الأخ دينق، تحياتي،،
Quote: دومنيك أكيج محمد من السودانين الذين حملوا معهم هم القضية السودانية الى المهجر ولقد أفنى حياته في العمل من أجلها . كان الراحل حاضرا في كل المناسبات السودانية المختلفة، ولقد تعرفت على الرجل في خلال التسعينيات،و لقد وجدت فيه رجل حسن الخلق وطيب المعشر ولم يكن يترفع على الاخرين أبدا رغم مكانته الاجتماعية والاكاديمية. أخر مرة ألتقيت به في الصيف الماضي، كان دومنيك أكيج محمد ضاحكا وباسما كعادته لأنه كان يلبس قميص مزركشا في القداس الذي أقيم من أجل الراحل العزيز منوت بول. لأن شنطة متاعه قد تخلفت من طائرته القادمة من ميامي ولم يكن لديه وقت كافي لكي يذهب للسوق. الله يرحم العم دومنيك أكيج محمد ويغفر له. |
هذه إضاءة ساطعة عن الراحل دومنيك أكيج الذي هو مع الخالدين
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ورحل عنّا البروفسير دومنيك أكيج محمد ... ياسر عرمان ينعيه (Re: طه كروم)
|
دومنيك أكيج محمد اول سفير "للانانيا" في واشنطن: طُلب مني دخول الإتحاد الإشتراكي لاصبح مديراً لجامعة جوبا !
حاوره: عبدالفتاح عرمان 2009
الدكتور دومنيك اكيج محمد، قليلون هم من يذكرون هذا الاسم، ولكن قادة حركة (الانانيا1) يذكرونه جيداً. فهو من دينكا (توج) ويعد من اوائل من درسوا الهندسة في واو، عطبرة و الخرطوم الي ان قدم الي الولايات المتحدة الامريكية في مطلع الستينيات من القرن الماضي. و بعد ان اكمل دارسته في امريكا اصبح اول سفيراً لحركة تحرر (جنوبية) في واشنطن، وهى حركة (الانانيا1). و تربطه كذلك صلة رحم بالقيادى في الحركة الشعبية، الدكتور جاستن ياك. و الان يعمل استاذاً و مسؤولاً عن قسم التعليم الحرفي و التقني بجامعة فلوريدا العالمية بمدينة ميامي. في هذا الحوار حاولنا ان نقلب معه بعضاً من اوراق ما بعد الإستقلال، و بداية حركة التحرر في الجنوب لكنه بدأ متحفظاً في الاجابة علي بعض الاسئلة، و اجاب علي البعض الاخر بكل صراحة، فالي مضابط الحوار:
د. محمد: إعتصرني الالم لمقتل التجار الشماليين في واو
في رحلة عودتي للخرطوم تم إبلاغي في القاهرة بالغاء رحلات الطيران من و الي الخرطوم
الجيش السوداني فتح النيران علي حفل عُرس في واو
كنت مذهولاً بتقدم الخرطوم عندما زرتها في العام الماضي
اجرى الحوار لاجراس الحرية و ترجمه للعربية: عبد الفتاح عرمان
* من هو دومنيك اكيج محمد؟
ولدت في نهاية الثلاثينات من القرن الماضي، في قرية صغيرة إسمها (ونكور)، قريبة من مدنية قوقريال التي كانت تتبع وقتها لولاية بحر الغزال. و ذهبت الي المدرسة في (تورالي)، وكنت من اوائل الطلاب الذين دخلوا الصف الاول في تلك المدرسة. و بعد ان اجتزت الصف الاول، تم إفتتاح الصف الثاني وواصلت الدراسة هناك. و كانت هذه المدرسة الوحيدة في تلك المنطقة فعليه ذهبت الي مدرسة (ايانق ابون) الابتدائية في قوقريال لاكمال دراستي هناك. و بعدها إنتقلت الي الدراسة في مدرسة (نامليل) و معظم من كانوا معي كانوا من منطقي التوج وهي بالطبع منطقتي. و بعد ان انتهيت من الدراسة الابتدائية تم فتح مدرسة واو الفنية حيث ذهبت الي واو.
- متي ذهبت الي مدرسة واو الفنية؟
في عام 1956م و كنت وقتها صغيراً و لكنني اذكر بعض الاحداث التي تمت في ذلك العام مثل التمرد الذى حدث في الاستوائية و مقتل التجار الشماليين.
- كيف كانت الاجواء السياسية في واو وقتها؟
كان الوضع مضطرباً و لذلك تم إغلاق جميع المدراس في واو تحسباً لاى طارىء. و الوضع وقتها كان خطيراً لكن ولاية بحر الغزال لم تحدث فيها اى إضطرابات ما عدا مدينة بور في غرب الاستوائية. و في جوبا كان الوضع قابل للانفجار في اى وقت، حسب ما كان يُنقل لنا من اخبار.
* هل شهدت حادثة مقتل التجار الشماليين في تلك الفترة، خصوصاً انك كنت مقيماً في واو وقتها؟
نعم، شهدت بام عيني تلك الحادثة، و كان وقتها يعتصرني الحزن لمقتل التجار الشماليين. وفي نفس الوقت قام المتمردين بنقل جثث هؤلاء التجار الي مطار واو لنقلهم الي الشمال فهذه كانت خطوة موفقة من جانبهم. لكن ذاكرتي ما زالت محتفظة بتلك المشاهد، وهي عندما تم نقل جثث هؤلاء التجار حيث كنت ارقب المشهد عن بعد و قلبي يعصره الحزن علي مقتلهم لانهم ابرياء و ما كان يجب ان يقتلوا بتلك الطريقة.
- في وجهة نظرك، لماذا تم قتلهم وهم مدنيون؟
اعتقد بان الجنوبيون كان يشعرون بالغضب لانهم كانوا يعتقدون بان الشماليون لم يلتزموا بوعدهم لهم باعطاءهم الحكم الذاتي. و الانجليز رحلوا و تركوهم في العراء. و الحكومة واجهت حركة التمرد بوحشية شديدة راح ضحيتها الالاف من الابرياء من ابناء الجنوب. و اعتقد ايضا،ً ان بعضاً منهم لم ينسي فترة الثورة المهدية و ما صاحبها من إستعباد للجنوبيين، فكل هذه العوامل جعلت البعض لا يميز ما بين الحكومة الشمالية و المواطن الشمالي.
* ماذا فعلت بعد إغلاق المدارس في واو؟
عدت الي قوقريال، وقضيت مع اسرتي حوالي العام، وبعدها صدر قرار بترحيل كافة طلبة المدرسة الفنية بواو الي الشمال، وبالفعل ذهبت مع بقية الطلبة الي الشمال.
- اين في الشمال؟
في عام 1965م ذهبنا الي مدرسة عطبرة الفنية، في مدنية عطبرة. و بعدها انتقلنا الي معهد الخرطوم الفني و الذى اصبح حالياً جامعة السودان للعلوم و التكنولوجيا. و قضيت هناك عامين تقريباً. و في تلك الفترة الاتحاد السوفيتي –سابقاً- مع بعض الدول الغربية مثل بريطانيا و الولايات المتحدة الامريكية كانوا يقدمون منحاً دراسية للطلاب السودانيون. كانوا يقدمون هذه المنح لانهم يريدون السودانيون ان يتدربوا للمساعدة في تنمية وطنهم، وكانت هنالك منافسة عالية. و معظم زملائي تم إعطاءهم منح الي يوغسلافيا، موسكو و لندن. تم اختيارى للذهاب الي يوغسلافيا للتدرب علي كيفية إدارة مصانع السكر ولكن تدخل العامل السياسي وقتها، وتم استبعادى من تلك المنحة، و تم إعطاءها لزميل لي من الشمال. وتم ذلك علي الرغم من اننا كطلبة جنوبيون كان عددنا قليل جداً. و ما حدث وقتها هو بان زميلي من مدنية ود مدني لم يتم إختياره، و لا داعي لذكر إسمه، غضب وقتها من اختيارى انا لتلك البعثة و قال لي: لا تفرح لن تذهب الي يوغسلافيا. و بالفعل لم اذهب، و ذهب هو بدلاً عني، غضبت وقتها لعدم وجود عدالة في توزيع الفرص و كانت هذه عنصرية واضحة تُمارس ضدنا كطلبة جنوبيون. وفي تلك الفترة العنصرية كانت واضحة خصوصاً في مؤسسات الدولة، فاذا لم يكن لديك شخص يعمل في الدولة فلن تُوظف او تُمنح اى منحة، تحديداً اذا كنت من الجنوب. و لم انسي هذه الحادثة مطلقاً لان من اخذ مكاني كان صديقي و كنا نقيم في داخلية واحدة في عطبرة، ولكننا في الخرطوم توزعنا علي داخليات متفرقة.
- ماذا فعلت عندها؟
في اواخر الستينيات، كانت هنالك منح امريكية للطلبة السودانيون، و من ضمن شروط تلك المنح إجتياز امتحان (التوفل)، فجلست لاخذ امتحان التوفل و اجتزته بتفوق، و حصلت علي منحة للذهاب للولايات المتحدة الامريكية. جئت الولايات المتحدة مع بعض زملائي، وتم توزيعنا علي مدارس و مدن مختلفة.
- اين كنت تقطن وقتها؟
كان علي الجميع الذهاب الي واشنطن اولاً لاخذ كورس في اللغة الانجليزية قبل بداية العام الدراسي في اغسطس من ذلك العام. ذهبت الي هناك و لغتي الانجليزية كانت جيدة و لم ادرس اللغة الانجليزية مع بقية الطلبة. كان من المفترض ان اذهب الي ولاية داكوتا الشمالية لدراسة الهندسة هناك ولكن قبل بداية العام الدراسي تم ابلاغي بانه لا يوجد طلبة اجانب في تلك المدرسة ما عدا طالب واحد من جاميكا لم يتسطع إكمال دراسته نسبة للبرد القارص هناك و عاد الي موطنه، فعليه ارسلوني الي مدنية مينابولس ولاية منيسوتا. و درست في معهد منيابولس الصناعي وهو كان من اعرق المعاهد في الولايات المتحدة. الدراسة هناك كانت جميلة حيث قضيت هناك قرابة العامين. و تدربنا علي كيفية تشغيل المحركات الكبيرة، و كذلك التكييف و التبريد. و تم تدريبنا كمهندسين لتشغيل المحركات الكبيرة لانه في ذلك الوقت و بعض خروج الانجليز، كان مشروع الجزيرة بحوجة الي مهندسين اكفاء و علي دراية بعمل المحركات الكبيرة ولذلك السبب تم تدريبنا علي كيفية تشغيل و عمل المحركات الكبيرة. اجتزت ذلك البرنامج بتفوق كبير، وكان ذلك في نهاية عام 1962م.
- هل عدت الي السودان بعدها؟
لم اعد الي السودان، لانه كما قلت لك باني اجتزت ذلك البرنامج بتفوق و تم إرسالي الي جامعة (ملواكي) للهندسة، وهي كانت جامعة خاصة و مشهورة علي نطاق امريكا. وفي عام 1962م حصلت علي دبلوم الهندسة في المحركات الثقيلة.
* ماذا فعلت بعدها؟
كان هنالك تعاقد ما بين الحكومتين السودانية و الامريكية يلزم الطلبة بالعودة الي السودان و العمل هناك لمدة عام ام عامين حتي يتم إعفاءهم من رسوم الدراسة في امريكا. عليه في نهاية عام 1964 كنت في طريقي الي السودان عبر مصر و عندما وصلت الي القاهرة تم إبلاغي بوجود مظاهرات في الخرطوم ادت الي الغاء حركة الطيرن من و الي الخرطوم. إقمنا في فندق (هيلتون) بالقاهرة لمدة اربعة ايام، وفي اليوم الخامس عدنا الي الخرطوم.
- كيف وجدت الخرطوم وقتها؟
الخرطوم كانت هادئة. وعلي الفور، عملت معلماً في مدرسة الخرطوم الصناعية. و قريباً من مطار الخرطوم كان يجرى بناء مدرسة تجارية اعتقد بانها كانت تسمي مدرسة الإمتداد التجارية.
- هل ذهبت الي زيارة اسرتك في قوقريال؟
لم اذهب الي هناك لاني كنت مشغولاً بالتدريس لقرابة الثلاثة اشهر، و الشيء الاخر السفر بالطيران الي الجنوب يكاد يكون معدوماً نسبة لتكلفة وقود الطائرات العالية، و الذهاب بالقطار كان مكلفاً. ووزارة المالية لم تكن دفع لنا مرتباتنا لعدم توفر المال الكافي لديها. بل في ذلك الوقت لم يتم إعطاءنا اى القاب اكاديمية لانه اذا تم منحك لقب اكاديمي فهذا يترتب عليه جانب مالي علي وزارة المالية ان تفيء به، و لذلك لم يفعلوا لعدم توفر السيولة الكافية لصرف مرتباتنا.و الاوضاع كانت سيئة خصوصاً في الجنوب. وفي نفس ذلك العام كان من المفترض ان اذهب لحضور زواج احد اقاربي، ولكني لم اتمكن من الذهاب الي هناك. و الذى حدث هناك هو ان الجيش السوداني فتح النيران علي اناس كانوا يقيمون حفل عُرس في مدنية واو، وكان معظم من راحوا ضحية ذلك الهجوم من اقاربي.
- ما الذى حمل الجيش لفتح النيران علي حفل عُرس؟
في الواقع، هنالك تضارب في الحقائق لان الجيش السوداني كان يقول بان بعض المتمردين كانوا متواجدين في ذلك العُرس، و اهلي اكدوا لي بان هذا الحديث غير صحيح بالمرة. و بعض اصدقائي اخبروني بان ما تم له علاقة بخطة للجيش السوداني لتصفية المتعلمين الجنوبين، ولكن الحقيقة الواضحة و المعروفة، هي بان الجيش السوداني فتح النيران علي ابرياء لم يكونوا يحملون السلاح، ولم تقم الحكومة وقتها بالتحقيق في تلك الحادثة، وهذه كانت إشارة سالبة بالنسبة لنا. ووقتها الجيش السوداني وضع حامية كاملة في مدرسة واو الفنية، و لم تكن تبعد كثيراً عن المنزل الذى كانت تتم فيه مراسم الزواج.
* ماذا فعلت حينها؟
ذهبت الي محطة القطار للذهاب الي واو، و لكن لحق بي احد اقاربي و طلب مني عدم الذهاب الي هناك لان الوضع غير مستقر و يشوبه التوتر. فعليه لم اذهب الي واو، وقررت التريث قليلاً حتي تهدأ الاوضاع.
- هل عدت الي التدريس مجدداً؟
الكثير من اصدقائي تركوا التدريس، و ذهبوا الي السعودية و الإمارات العربية المتحدة، اما بالنسبة لي، كان لدى بعض اصدقائي في امريكا استاذة في جامعة ويسكنسون طلبوا مني العودة الي امريكا للتحضير في الهندسة، لكن الحكومة السودانية رفضت ذهابي الي امريكا. وفي الواقع لم اكن لوحدى بل كل الطلبة الجنوبيون رفضت الحكومة إعطاءهم اى منح دراسية عقاباً لهم لما يحدث في الجنوب!. لكني راسلت اصدقائي في امريكا وعدت اليها في عام 1966م علي ما اذكر، و حصلت علي درجة البكالريوس في العلوم التقنية في 1968م. وفي عام 1969م اكلمت درجة الماجستير في ادارة المعاهد الحرفية و التقنية ثم الدكتواره. و عدت الي السودان في العام الذى تلاه لانه تم إفتتاح جامعة جوبا، و اخبرني بعض أصدقائي بانه بامكاني العمل مديراً لجامعة جوبا ولكن عندما وصلت الي هناك وجدت مدير الجامعة ابو زيد لا اذكر اسمه الاخير، كانت تربطته صلة رحم بنميرى و اصدقائي في حكومة الجنوب الاقليمية كانوا يخشون ان يطلبوا من نميرى ازاحة قريبه لاحل مكانه فطلبوا مني ان ادخل الاتحاد الاشتراكي حتي يقنعون نميرى باني مؤهل و عضواً في حزبه لنيل تلك الوظيفة، رفضت عرضهم و عدت مرة اخرى الي امريكا.
* كل هذا ولم تحدثنا بعد عن عملك سفيراً لحركة "الانانيا 1" في العاصمة الامريكية واشنطن؟
بعد تشكيل حركة "الانانيا " قمنا بتنظيم انفسنا كطلبة جنوبيون في امريكا و كندا، و انشأنا اتحاد الطلبة الجنوبيون في امريكا و كندا. و تم إختيارى ممثلاً للانانيا في الولايات المتحدة.
* كيف كنت ترى فكرة حركة الانانيا في المناداة بفصل الجنوب؟
لا اريد الحديث عن هذه النقطة بالتحديد، لكن عموماً مطالبة اى شخص بفصل الجنوب لها اسبابها و دوافعها. علي سبيل المثال، عندما كنت في الخرطوم كنت اذهب الي القهوة بجوار السكة حديد و كان المثقفون السودانيون و نواب البرلمان ياتون الي هناك. و كان النواب الجنوبيون ياتون الي تلك القهوة بعد إنتهاء جلسات البرلمان، و عندما ياتون الي جلسات البرلمان في الخرطوم كانوا يضطرون لتغيير لباسهم التقليدى باخر (افرنجي) و بعضهم كان يلبس ملابس افرنجية طويلة و اخرين تبدو عليهم هذه الملابس قصيرة، و الكثير منهم لا يتحدثون العربية او الانجليزية، و انما لغاتهم المحلية. كان الكثير من الشماليون في تلك القهوة عندما يرونهم علي تلك الشاكلة يضحكون عليهم، وما زلت اذكر انه عندما اتي نائب برلماني جنوبي كان يلبس (افرنجي) قال احدهم وهو من الشمال: شوف العب دا لابس ليه هدوم اغلي من ثمنه!. انا لا اريد نكأ الجراح ولكن هذه الاشياء و غيرها تعطي الاخرين دافعاً قوياً للمناداة بالانفصال لانه لا يوجد اى عمل لبناء امة واحدة.
* دعنا ننتقل للحركة الشعبية لتحرير السودان، كيف ترى رؤية الراحل الدكتور جون قرنق دى مبيور "السودان الجديد"؟
تعرفت علي الدكتور جون قرنق دى مبيور عندما كان طالباً في امريكا هنا، وكان دوماً يتحدث عن حلمه ليس بوحدة السودان بل بوحدة افريقيا. و كنت اسمع به منذ ان كنت طالباً في مدنية واو لانه منذ الصغر كانت لديه اراء و افكار ضد انفصال الجنوب و ينادى بالوحدة علي اسس جديدة. و استطاع الراحل الدكتور جون قرنق توحيد ابناء الجنوب في حركة سياسية عسكرية واحدة، و بل انتقل من الجنوب الي كل السودان و كون الحركة الشعبية لتحرير السودان من كافة قبائل السودان، وكان يتصل بي كلما زار الولايات المتحدة.
* متي كانت اخر مرة زرت فيها السودان؟
زرته في العام الماضي، و كنت مذهولاً من الاعداد الكبيرة من الجنوبيون الذين يعيشون في العاصمة الي جانب إخوانهم الشماليون، لانه علي ايامنا لم تكن هنالك اعداد كبيرة من ابناء الجنوب يعيشون في العاصمة. و تقدمت الخرطوم كثيراً في مجال البناء و الطرق و المواصلات.
- ماذا عن الجانب السياسي؟
هنالك مشاكل في الغرب، الشرق و الجنوب، منذ الاستقلال و حتي الان لم يتم العمل لبناء امة واحدة. صحيح نحن نقول بان السودان دولة واحدة، لكن هذا علي المستوى النظرى اما علي المستوى العملي فالسودان مقسم، و ليس هنالك اى عمل لبناء الامة، في غياب تام للاحساس بالانتماء و القومية، وكل ما يحدث الان اتي كنتيجة حتمية لغياب عملية بناء الامة. وانا اتمني ان يظل السودان موحداً بارادة اهله لان قوة السودان تكمن في وحدته و ضعفه يكمن في تشرزمه.
* رسالة اخيرة، لمن توجهها؟
اوجهها لقادتنا في حكومة الجنوب، واقول لهم بان هنالك من اعطوا لهذا الوطن و تم إهمالهم، و يجب الإلتفات لهم و تكريهم علي ما بذلوه من اجل الجنوب و كل السودان، وهنا لا اقصد شخصي لاني اعمل استاذاً في جامعة فلوريدا العالمية، و لست في حوجة الي وظيفة او غيرها، ولكني اريد منهم ان لا ينسوا اسهامات من سبقوهم.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ورحل عنّا البروفسير دومنيك أكيج محمد ... ياسر عرمان ينعيه (Re: Ahmed Elmardi)
|
هنالك مذابح كثيرة قام بها جيش الحكومة بجنوب السودان ولكن المذبحة التي حدثت في مناسبة الزواجين والتي تم التخطيط لها بواسطة الجيش الحكومي بكل عناية، كانت الاسواء ولقد علقت في أذهان أهل الجنوب حتى اليوم. لأنها حفلة واحدة جمعت عرسين، ومعظم المدعوين كانوا من خيرة متعلمي أبناء الجنوب. بعد نهاية المذبحة، أكتشف الناس مقتل عريس وعروس من كل جانب. والدي كانوا من ضمن الحضور ولكنهم غادرا مقر الحفل نسبة لأرتباطهم برحلة سفر فجر اليوم التالي لموقع عمل الوالد. الاستاذ بونا ملوال كتب تقرير صحفي شامل عن تلك الحادثة عندما كان صحفي شاب ولكنه تم أعتقاله وأتهامه بدعم التمرد بسبب ذلك التقرير.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ورحل عنّا البروفسير دومنيك أكيج محمد ... ياسر عرمان ينعيه (Re: عبد المنعم ابراهيم الحاج)
|
يا منعم تحياتي..،،
استمعت إلى دومنيك قبل عام بالضبط من الآن في موقع البجراوية أثناء توجيه مرشح الرئاسة (حينها) ياسر عرمان رسالته إلى المثقفين والمبدعين في إطار حملته الانتخابية (الأمل والتغيير) التي أحدثت-في تصوري- تغييراً هائلاً في المشهد السياسي السوداني. تحدث دومنيك عن تطلعاته بسودان جديد، ولا أبالغ إن قلت أن حياته كانت تجسيداً لفكرة السودان الجديد والتي ما بخل باستعراضها علينا وكانت سيرة عطرة، ياسر عرمان قال أن اسمه يحمل سؤال الهوية (دومنيك أكيح محمد). إنه فقد عظيم لكن عزاءنا أنه في الخالدين. مودتي
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ورحل عنّا البروفسير دومنيك أكيج محمد ... ياسر عرمان ينعيه (Re: Kostawi)
|
Dominic A. Mohamed January 1, 1943 – March 2, 2011 Public Viewing - Sunday, March 6, 2011 2:00 p.m. – 8:00 p.m. Caballero Rivero Woodlawn South 11655 S.W. 117th Ave, 33186 Memorial Service – Monday, March 7, 2011 11:00 a.m. – 12:00 p.m. Lord of Life Lutheran Church 9225 S.W. 137th Ave, 33186 Burial Service – Monday, March 7,2011 12: 30 p.m. (Procession from viewing site to crypt) Caballero Rivero Woodlawn South 11655 S.W. 117th Ave, 33186 In lieu of flowers, donations may be made to
http://dominicmohamed.chipin.com/education-in-sudan
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ورحل عنّا البروفسير دومنيك أكيج محمد ... ياسر عرمان ينعيه (Re: Murtada Gafar)
|
ودومنيك محمد ... بقلم: محمد موسى جبارة
أناس يمرون عليك عابرين لبضع لحظات من سنوات عمرك، لم تواعدهم او تتفق معهم على لقاء او يستأذونك في الدخول إلى قلبك...تلقيهم الصدف في طريقك فيسكنون اعماق قلبك دونما مسوق معروف...قد يكون بعضهم زملاء طفولة أو رفقة دراسة او اناس التقيتهم في مكان ما، لكنهم حاضرون في عقلك دوما... دومنيك محمد الذي اخبرنا الأخ ياسر عرمان برحيله الاسبوع المنصرم، كان أحدهم... على مدى اربعة عقود من الزمان كنت اتمنى أن أسمع شيئا عنه، ولم يكن من بين الانباء التي كنت أود سماعها نبأ رحيله...سألت عنه كثيرين وجاء من يخبرني بأنه ربما كان دومينيك كاسينو عضو مجلس إنقلاب الإنقاذ، تسلل للقوات المسلحة عبر بوابة اتفاقية اديس ابابا... استكنت لتلك الحقيقة إلى أن جاء عرمان بالخبر اليقين... هلسنكي، فبراير 1971، ومقياس الحرارة يشير إلى 25 درجة تحت الصفر...في أحدى جلسات مؤتمر الطلاب وحركات التحرر الإفريقية همس في أذني أحد الطلاب الفنلنديين المنظمين للمؤتمر بأن هناك طالب سوداني يريد المشاركة في أعمال المؤتمر...خرجت من الجلسة وكان هناك دومنيك محمد... قال أنه يمثل حركة تحرير إفريقية...في جعبته كانت منشورات مكتوبة بلغة إنحليزية رصينة ومطبوعة طباعة أنيقة ملوّنة...كنت أعرف أنه ليس هناك سوى اتحاد طلاب جامعة الخرطوم في ذلك المؤتمر، وكنت ممثله الوحيد...إلى جانب فتحي فضل السكرتير العام لإتحاد الطلاب العالمي IUS الذي تم إنتخابه في المؤتمر العاشر لذلك الإتحاد المنعقد في يناير 1971 بمدينة براتسلافا في جمهورية تشيكوسلوفاكيا وقتذاك. والده محمد فضل أول مدير عام سوداني لسكك حديد حكومة السودان SR ... فتحي من ذلك الجيل من ابناء عطبره الروائع الذين أمتلأ حسهم بالثورة وانحازوا لقضايا الطبقة العاملة...من منزلهم الأنيق المطل على ضفاف النيل بعطبره، تماهى فتحي مع قضايا العمال والعاملين متضامنا مع قيادات الحزب الشيوعي السوداني وقتذاك، الحاج عبد الرحمن، محمد ابراهيم كبج، وحسن عثمان وعبد الرازق خميس ومكي سيد احمد وسيد عبد الفراج وسمير جرجس وبخيت مساعد وموريس سدرة وغيرهم من مناضلي المدينة...ترك دراسته الجامعية عقب انتخابه لسكرتارية اتحاد الطلاب العالمي ممثلا لإتحاد طلاب جامعة الخرطوم...كنت اتوقع له شأن كبيرا في العمل السياسي السوداني، فقد كان يدير ذلك الإتحاد بإمكانيات عقليه تفوق عمره...غير أن ذلك قدر السودان، يحكمه مطلقو عبارات لحس الكوع والبل والموص وينأى عنه ذووالعقول النيّرة والبصائر المستنيرة... أخبرني دومنيك بانه قادم من الولايات المتحدة الإمريكية حيث يدرس الهندسه هناك... لأول مرة اسمع كلمة genocide إذ كانت المنشورات التي حملها دومنيك للمؤتمر تطالب بوقف الإبادة الجماعية التي يرتكبها السوفيت في جنوب السودان stop soviet genocide in south Sudan. تجاذبنا أطراف الحديث فعرفت أنه يدرس الهندسة في جامعة أمريكية وقد تلقى تعليمه الثانوي بمدرسة عطبرة الصناعية على زمان ناظرها جيمس طمبره في ستينات القرن المنصرم... كلمة عطبره تفتح مغاليق قلبي أمام كل من أتى منها أو انتمى إليها، حتى أولئك الذين اختلف معهم في الفكر والرأي والتوجه السياسي، أحس بحميمية نحوهم...سقط فجأة ذلك الحاجز الوهمي الذي قام بيني وبين الرجل القادم من أمريكا، الشيطان الذي كنا نستعيذ بالله منه حين يأتي ذكره... أمريكا جون فوستر دالاس وباري قولد ووتر وروبرت ماكنيمارا والجنرال وست مور لاند وحمم النابالم التي كانت تسقط على رؤوس مناطلي الفيتكونج وأجسامهم العارية...لذا لم أجد معضلة في منعه من مخاطبة المؤتمر... إذ أن كل اوراق إعتماده كانت تشي بعدم قبوله في مؤتمر تنظمه جهة دافعت عن الإتحاد السوفيتي في غزوه لتشيكوسلوفاكيا في ربيع براغ 1968. المؤتمر حضره معظم زعماء حركات التحرر الافريقية التي كانت تلقى الدعم والمساندة من الإتحاد السوفيتي، وكان عدوها اللدود الإمبريالية العالمية من حيث أتى دومينيك محمد بمنشوراته التي تدين الاتحاد السوفيتي، فكان من المؤكد أن لا يجد آذان صاغية من أعضاء المؤتمر من طلاب العالم الذين احتشدوا على مدى اسبوعين كاملين في براغ وبراتسلافا يدينون الأمبريالية العالمية وأعمالها الإجرامية في فيتنام وبقية دول العالم الثالث... في المساء رايته على شاشة التلفزيون الفنلندي يوصف عدوان حكومة السودان على أهله في الجنوب، وكيف أن الطائرات السوفيتية التي جلبها الجيش السوداني كانت تقذف السكان الآمنين بحممها، فتسقط على نساء وشيوخ وأطفال أتى بصورهم إلى قاعة المؤتمر وبثها التلفزيون الفنلندي... موقفي كان مناهضا لما قاله للتلفزيون، فلم تكن الانانيا في عرفنا السياسي الشمالي سوى مجموعة من عملاء الامبريالية العالمية التي كنا نزدريها...لم نكن ندري أن من بين مقاتليها وقتذاك كان الراحل جون قرنق دي مبيور بكل ميوله وأفكاره الثورية... سألت دومنيك في عشاء في منزل شاب تنزاني يمتهن التصوير، يعيش في فنلندا ومتزوج من أحدى حسناواتها، كيف اتفق لك وانت القادم من عطبره أن لا يكون لك حس مناهض للإمبريالية العالمية؟ بل تقع في احضانها وتعمل على تنفيذ أغراضها في استغلال الشعوب المستضعفة؟ كيف لم تؤثر فيك كل تلك الأغاني الثورية التي كنا نتمايل طربا لسماعها من الفنان حسن خليفة العطبراوي؟ "لن أحيد"... وغدا نعود للقرية الغناء والكوخ الموشح بالورود؟ كيف اتفق أن لا تعني لك شيئا: لا لن يكون، لن يفلح المستعمرون، لن يغرقوا مستقبل الأجيال في بحر الجنون، لن يحرقوا في الموقد الذري أحلام القرون، لن يطمسوا القيم القديمة والحضارة والفنون، لن يغرقونا في الظلام لأننا مستيقظون، عاش السلام؟ أو لم تنتش طربا للرائع العطبراوي حينما يشدو "يا دخيل بلدك"؟ من قناعتي التي لم أحيد عنها منذ ذلك الوقت وإلى يومنا الراهن أن عطبرة تترك أثرا ثوريا لدى كل من عاش فيها، بمن في ذلك الذين انضموا للفكر الظلامي، أمين حسن عمر والشوش وقيقم. قال لي ما زلت رجل ثوري، لكن ثوريتي تختلف عن ثوريتكم المترفه، فأنتم لا تتعاطفون مع شعب يعيش خارج التاريخ، رغم ذلك لا تدعونه وشأنه، لذا لا تلمني أن انتميت إلى الذين يريدون إنقاذ أهلي منكم.... لم يقنعني بما قال فقد كنا وقتذاك حديثي التجربة السياسية بل نجهل ما يحدث في جنوب السودان الذي ما كنا نعتقد أن لإهله قضية تستحق التعاطف معها... أفترقنا ولم اسمع عنه إلا في هذا النعي الذي كتبه الأخ ياسر عرمان... عدت إلى السودان حاملا معي بعض تلك المنشورات ورسالة من أحد قيادات حركة فرليمو للأستاذ أحمد عبد الحليم وكيل وزارة الشباب وقتذاك، الذي طلب مني أن اسلم تلك المنشورات للمرحوم ابوبكر عباس بوزارة الداخلية... كان السودان مكفهر الوجه في تلك الشهور الأولى من العام 1971...وبدأت غيوم المواجهة بين النميري والحزب الشيوعي السوداني تتلبد في سماء الخرطوم... ثم كان حادث الدبابات الشهير في 11 مارس 1971 والذي يصادف اليوم ذكراه الأربعين، وإغلاق جامعة الخرطوم، ثم الاعتقال ونسيان دومنيك محمد واللحظات القصيرة التي قضيناها معا ولم تنمح عن ذاكرتي... فطوبى لك حيث أنت بروفسير دومينيك محمد ولتغفر لي في عليائك، بعد اربعة عقود من الزمان، كل كلمة شاطة قلتها لك في ذلك الشتاء الفنلندي القارص في منزل ذلك الشاب التنزاني الذي ما عدت أذكر اسمه مع كثرة اللقطات التي أخذها لي في ذلك المؤتمر وما زلت احتفظ ببعض منها...
11 مارس 2011
http://www.sudaneseonline.com/index.php?option=com_content&view=article&id=24986:2011...9-17-34-12&Itemid=55
| |
|
|
|
|
|
|
|