قـُبلتي الأولى

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-13-2024, 00:13 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2011م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-14-2011, 11:02 PM

محمد ادم الحسن
<aمحمد ادم الحسن
تاريخ التسجيل: 04-22-2009
مجموع المشاركات: 2177

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
قـُبلتي الأولى

                  

02-14-2011, 11:03 PM

محمد ادم الحسن
<aمحمد ادم الحسن
تاريخ التسجيل: 04-22-2009
مجموع المشاركات: 2177

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قـُبلتي الأولى (Re: محمد ادم الحسن)

    أركبني أخي الأكبر موحا في الخامس عشر من شهر مارس 1972 بمدينة "ليل" الفرنسية في حافلة متوجهة إلى هولندا. كنت في الحادية والعشرين من العمر. كانت لدي حقيبة سفر صغيرة. وكان بداخلها كل ما أملك من متاع: قميصين أبيضين، بعض الملابس الداخلية وإحدى بدلتيّ الاثنتين. أما البدلة الثانية فكنت أرتديها.

    طلب مني موحا أن أغادر فرنسا. قال لي أن رئتيّ ستتدمران، إذا اشتغلت في المناجم أطول من هذا، كما تدمرت رئتاه هو. قال موحا إن العمل في هولندا أنظف، وإن الهولنديين ألطف من الفرنسيين. فهؤلاء كانوا يشتموننا بقولهم "أيها العرب ال######ون". لقد سكنت مدة سنتين في (ليل) ولم أر من المدينة شيئا. وكان يومي يمضي كالتالي: البيت – المنجم – البيت. لذا لم يكن للرحيل من فرنسا في نفسي أي أثر.

    وصلت بي الحافلة إلى محطة "أمستل" في أمستردام. ولما نزلت رأيت أن موحا كان على حق؛ فكل شيء كان أنظف. كأن بساطا كبيرا كان ممدودا على كامل المدينة. وكان الناس الذين يمشون على ذلك البساط ينظرون بعيون ألطف. ففكرت: لإدريس أن يشعر الآن أنه في مكانه المناسب.

    في محطة الحافلات عانقني على حين غرة أحد الغرباء. للحظة ظننت أن أمرا كهذا شيء طبيعي هنا. ولما أطلقني، نظرت إلى وجهه. كان شعره كثيفا ملتويا وخداه كانتا غليظتين. لباسه زاهية ألوانه. وفجأة تكلم الشاب بلغتي الأم. "ألم تعد تعرفني، أيها الوغد الصغير؟ إنني أنا، ابن عمك مصطفى".

    وفعلا، لم أتعرف عليه. فقد غيرته الحياة هنا. كان في قريتنا، آيت أمان، صغيرا ونحيفا، وقد بدا لي هنا كبيرا وقويا كالحصان.

    أخذني مصطفى معه إلى النزل الذي كان يسكنه. وكان مليئا بأبناء قريتنا. في الترام، في طريقنا إلى هناك، سمعت اللغة الهولندية لأول مرة. كان يبدو وكأنهم يعانون طوال الوقت من مشكلة في حناجرهم. تكاد الكلمات لا تنطلق منهم إلا بصعوبة. سألت مصطفى ما إن كان يتحدث اللغة. فقال لي "طبعا! وأنت أيضا بعد كمية من الهاينكن". لم أفهم قصده. هل هاينكن دورة دراسية ما؟ قال إني سأكتشف ذلك في تلك الليلة.

    جددت اللقاء في النزل بكثير من الأصدقاء من قريتي. وكانوا يبدون برؤوسهم المسمّنة مثل مصطفى بالضبط. تناولنا الكسكس في المساء. ولم أكن قد تناولته منذ دهر من الزمان. بعد ذلك أردت أن ألوذ بالفراش، إذ كنت متعبا من السفر، لو لم يعترض مصطفى: "هيا بنا، فلنذهب لنتعلم الهولندية".

    ذهبنا إلى مقهى. وكان مكانا صغيرا خافت الإضاءة. أخذنا أمكنتنا إلى طاولة صغيرة. طلب مصطفى المشروبات من امرأة شقراء. أخذت جرعة وتذوقت مرارة ما. قال مصطفى: "هذه هي هاينكن". وفعلا، في آخر الليل أصبحت قادرا أن أتكلم الهولندية. جلست المرأة الشقراء على فخدي وصرت أحكي لها عن حياتي. كانت تطأطئ برأسها طوال الوقت وتتلمس شعري الملتوي. وبغتة وطأت بشفتيها على فمي. يومي الأول في هولندا، والقبلة الأولى في حياتي، وفكرت من جديد: لإدريس أن يشعر الآن أنه في مكانه المناسب.
                  

02-14-2011, 11:05 PM

محمد ادم الحسن
<aمحمد ادم الحسن
تاريخ التسجيل: 04-22-2009
مجموع المشاركات: 2177

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قـُبلتي الأولى (Re: محمد ادم الحسن)

    حلقات من كتاب "أنا إدريس" من تأليف عزيز أينان وحسن بحارة بعد ترجمة قصص مختارة منه إلى اللغة العربية وتقديمها مسموعة خلال فعاليات المعرض الدولي للكتاب في الدار البيضاء يوم 12 فبراير الجاري. يحكي الكتاب قصة الجيل الأول من المهاجرين المغاربة المقيمين في هولندا.
                  

02-15-2011, 00:01 AM

قاسم المهداوى
<aقاسم المهداوى
تاريخ التسجيل: 11-26-2004
مجموع المشاركات: 8640

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قـُبلتي الأولى (Re: محمد ادم الحسن)
                  

02-15-2011, 02:12 PM

محمد ادم الحسن
<aمحمد ادم الحسن
تاريخ التسجيل: 04-22-2009
مجموع المشاركات: 2177

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قـُبلتي الأولى (Re: قاسم المهداوى)

    رواية 'أنا إدريس'... عندما تبدع هولندا مغربيا!!


    إسمه حسن بحارة، وقد قام مؤخرا بإصدار رواية بعنوان: "أنا إدريس".
    لحد الآن يبدو هذا عنوانا عاديا طبيعيا، تقرأ مثله في كافة المنابر الإعلامية بشكل شبه يومي.

    لكن المختلف في هذا الخبر هو أن رواية "أنا إدريس" صدرت باللغة الهولندية، وكتبها شاب من أصول مغربية عاش في هولندا وترعرع في هولندا.. ويفكر بالهولندية أيضا.

    أي نوع من الإبداع يمكن أن نحصل عليه وسط كل هذا الخليط؟
    يقول حسن بحارةأنه غادر المغرب وهو بعـــد ُ في الخامسة أو السادسة من عمره. لكنه تجرع حتى الثمالة تاريخ الرعيل الأول وتفاصيل حياته في الأراضي المنخفضة. ولأن حسن شاب، ولأنه مسكون بهوس الإبداع، فقد شرب كل تلك الذكريات جرعة جرعة وحولها إلى إنتاج أدبي راق كل من قرأ روايته.. سواء عندما صدرت على شكل أعمدة في جريدة هولندية أو عندما تم جمعها في كتاب.

    الحقيقة أن حسن لم يبدع لوحده، بل اشترك معه في العمل الكاتب عزيز أينان، الذي يشترك معه في أمور كثيرة أخرى مثله مثل باقي أبناء الجيل الثالث الذي ولد في هولندا أو سافر إليها مبكرا ليجد نفسه أمام وضع يصعب جدا أن تتماسك دون أن تفرز على شكل انفعالات إبداعية.

    بطل القصة إدريس تفارسيتي، حسب الرواية، كان عاملا في منجم في فرنسا، قبل أن ينتقل إلى أمستردام في هولندا ليبدأ حياة وصفها بأنها "جديدة تماما".

    تفاصيل اليومي.. المعاناة.. التجارب الأولى.. لذة الاكتشاف.. كل هذه المعاني تلمسها بقوة في رواية "أنا إدريس" التي قامت إذاعة هولندا العالمية بإدراجها على شكل حلقات مسموعة بصوت رخيم يجعلك تعيش الرواية وكأنك أنت نفسك إدريس، خصوصا وأنت تستمتع بذلك المزيج اللذيذ الذي تم صبه في قالب مغربي/هولندي يصعب أن تجد له مثيلا في أي إبداع آخر.

    هذا المزيج وهذا السؤال حول الأدب والهوية، كان هو موضوع الندوة التي نظمتها إذاعة هولندا في المعرض الدولي للكتاب يوم السبت الفارط، والتي استضافت الكاتب عبد اللطيف اللعبي الذي يبدع باللغة الفرنسية والذي ألح في مداخلاته على " أنه لاداعي لتحويل الإبداع إلى عقدة نفسية حول اللغة". الإبداع لا لغة محددة له.. ومن الخطأ أن نحشره في قالب جامد من هذا النوع وإلا حكمنا على المبدعين بالإعدام. هذا ما خلصت إليه الندوة التي استضافت أيضا الكاتب الهولندي/المغربي حسن بحارةوقدمت عرضا بالفيديو لكاتبين آخرين من جيل حسن بحارة وهما حسناء بوعزة وسعيد الحاج.
    الندوة خلصت أيضا إلى أن الإبداع الحقيقي يبقى موجها للإنسان بشكل عام، أيا كان جنسه أو لونه أو أصله.

    الدار البيضاء: عبد الواحد استيتو – عدسة: محمد النكري
                  

02-15-2011, 06:01 PM

محمد ادم الحسن
<aمحمد ادم الحسن
تاريخ التسجيل: 04-22-2009
مجموع المشاركات: 2177

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قـُبلتي الأولى (Re: محمد ادم الحسن)

    أنا إدريس باللغة العربية


    تقرير: إذاعة هولندا العالمية- حظيت مشاركة القسم العربي بإذاعة هولندا العالمية في الدورة 17 للمعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء بتغطية واسعة، من وسائل الإعلام المغربية، حيث قدم فريق القسم العربي برنامجا يوميا بعنوان "أنا إدريس"، يتناول تجربة المهاجرين المغاربة إلى هولندا، وذلك من خلال قصص كتبها أبناء الجيل الثاني منهم الذي يحكي عن تجربة آبائهم، وكانت القصص المكتوبة باللغة الهولندية قد نشرتها صحيفة إن ار سي هاندلسبلاد، ولاقت رواجا حسنا، ولكن في الدار البيضاء قدمت للجمهور بعد ترجمتها إلى اللغة العربية، وكانت إذاعة هولندا العالمية قد حولت هذه القصص إلى يوميات إذاعية مصحوبة بالموسيقى والمؤثرات الصوتية.


    إدريس تفارسيتي

    وتولى الزميل محمد امزيان موفد الإذاعة إلى المعرض، والزميلة لمياء المقدم تنشيط الندوة التي اقيمت يوم السبت الماضي في قاعة محمد عابد الجابري، بحضور السيدة اردي بوفرس، مديرة تحرير الإذاعة، وكانت الصحف المغربية قد نشرت تغطيات خبرية عن مشاركة إذاعة هولندا العالمية في فعاليات المعرض، قبل افتتاح المعرض وبعد افتتاحه، ويذكر أن الكاتب الهولندي من أصل مغربي، حسن بحارة قام مؤخرا بإصدار هذه القصص بعنوان "أنا إدريس" باللغة الهولندية، والتي شارك في كتابتها صديقه عزيز اينان واستقبلت المجموعة القصصية من قبل الأوساط الأدبية في هولندا بالترحاب، نظرا لفرادتها ولأنها تتناول شريحة من المجتمع الهولندي تصفها بعض الأوساط الهولندية بأنها غير قادرة على الاندماج في المجتمع، وكان حسن بحارة قد هاجر مع عائلته وهو في الخامسة من عمره، وعاين عن قرب تجارب الجيل الأول، وهو في معظمه من البسطاء الذين لم ينالوا قسطا جيدا من التعليم، ولا يجيدون اللغة الهولندية، وكانوا في البداية يفكرون في العمل في هولندا عدة سنوات قبل أن يعودا إلى عائلاتهم في الريف المغربي، فاغلب المهاجرين إلى هولندا هم من امازيغ منطقة الريف، والمميز في رواية أنا إدريس قدرتها على سبر أعماق هذا الجيل، والكشف عن معدنهم الإنساني، ذلك المعدن الذي لم يتمكن الهولنديون من اكتشافه بسبب عدم القدرة على التواصل بين الطرفين.
    بطل القصة في رواية "أنا إدريس"، هو إدريس تفارسيتي الذي عمل في مناجم فرنسا، قبل أن يجرب حظه في أمستردام، حيث أقام هناك وتحصل على الجنسية الهولندية.

    عبد اللطيف اللعبي

    يوم السبت الماضي نظم فريق إذاعة هولندا العالمية ندوة في المعرض الدولي للكتاب، استضافوا فيها الكاتب والشاعر المغربي عبد اللطيف اللعبي، الذي يكتب باللغة الفرنسية، والذي قال في مداخلته "لا داعي لتحويل الإبداع إلى عقدة نفسية حول اللغة". فالإبداع وفقا للعبي لا لغة محددة له "ومن الخطأ أن نحشره في قالب جامد من هذا النوع، وإلا حكمنا على المبدعين بالإعدام، كما تحدث في الندوة الروائي حسن بحارة عن روايتهن وعن العالم الذي انتقل إليه، كما قدمت عرض بالفيديو لكاتبين آخرين من اصل مغربي، ومن جيل حسن بحارة، وهما الكاتبة حسناء بوعزة، التي تواظب على كتابة الأعمدة على موقع إذاعة هولندا العالمية، وأيضا في الصحف الهولندية، بالإضافة إلى الكاتب سعيد الحاج، كما حضر الندوة الكاتبة المغربية سناء العاجي التي لها مساهمة قيمة على الموقع الالكتروني لإذاعة هولندا العالمية، وشارك في النشاطات التي نظمها الفريق الصحفي الهولندي من أصل مغربي نورالدين العمراني، الذي تستضيفه إذاعة هولندا العالمية من حين إلى آخر، وخاصة في برنامج جسور.
    واختتمت الندوة بطرح الأسئلة من طرف الجمهور وأيضا الإعلاميين، وتوزيع بعض الهدايا البسيطة على المشاركين، وستسعى إذاعة هولندا العالمية للمشاركة في المعرض الدولي للكتاب في الدار البيضاء، وتعريف الجمهور المغربي بالكتاب والأدباء الهولنديين من أصل مغربي، وذلك لأن الأدب والإبداع والفنون، هي أمتن الجسور للتفاهم بين الشعوب.
                  

02-18-2011, 10:32 AM

محمد ادم الحسن
<aمحمد ادم الحسن
تاريخ التسجيل: 04-22-2009
مجموع المشاركات: 2177

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قـُبلتي الأولى (Re: محمد ادم الحسن)

    أنا إدريس (2) : نـُزل الجنرال فرانكو


    كنت أسكن في "ليل" مع أخي موحا في شقة صغيرة. كانت لنا غرفتان. وكان موحا ينام في غرفة النوم بينما أنام أنا على الكنبة في الصالون. كان ذلك وضعا مرفهاً مقارنة بالنزل في أمستردام. فهنا كنا نسكن بما لا يقل عن عشرين شخصا في منزل لا يحوي أكثر من أربع غرف نوم. وكنا أحيانا بأعداد تفوق ذلك عندما يتوافد علينا أناس من المغرب أو ألمانيا أو فرنسا. وكان هؤلاء ينامون آنذاك في الصالون إلى أن يجدوا في مكان آخر مكان نوم أفضل.
    كان النزل في ملك السيد لو&#64345;يز. كنا نسميه الجنرال فرانكو لأنه كان صارما جدا. فمن تأخر يوما واحدا عن أداء واجب الإيجار الأسبوعي، يجد أمتعته في الشارع. كما إن الأنوار كانت تُطفأ على الساعة الحادية عشرة مساء. كان يوقف المحوّل بكل بساطة.
    كان الجنرال فرانكو بدوره من العمال الوافدين، مثله مثل أي واحد منا. إلا أنه كان أذكى من الآخرين، حيث اشترى منزلا كبيرا يؤجره للعمال الوافدين الآخرين. وكان يسكن هو نفسه مع سيدة هولندية في الشارع نفسه، في منزل لا يقل حجما عن نزلنا.

    في أحد الأيام اشترى مصطفى سمك السردين من السوق. أردنا أن نحتفل يوم الجمعة بالسردين المشوي. وهو ما كنا نفعله دائما في قريتنا في المغرب أيضا. حذرنا أحدهم من أن نشوي السردين في الشرفة لأن الجنرال فرانكو سيكتشف ذلك على الفور. لم يكن يروقه أن نكون فرحين أكثر من اللازم. فذلك في رأيه سيجذب فقط انتباها أكثر. وقد تأتي الشرطة لتأخذ نظرة على المكان وتكتشف أن ثمة من يقيم في النزل دون رخصة عمل.
    أخذ مصطفى من المطبخ أكبر طنجرة عثر عليها ووضعها على قطعة خشب وسط الصالون. أفرغ في الطنجرة كيساً من قطع الفحم وأوقدها. ووضع فوقها شبكة شواء الفرن. فتحت الشبابيك قليلا وأمسك شخصين آخرين من القاطنين ببطانية، يدفعون بها الدخان باتجاه النافذة. وخلال دقائق قليلة اسْودّت الغرفة من أثر الدخان وبدأ صوت الأزيز ينبعث من سمكات السردين على المشواة. بقيت أنا بالقرب من النافذة أترقب الشارع. لم أعد أرى من كثرة الدخان شيئا. سمعت آخرين ينسحبون خلسة. بدأ القلق عند الناس يتنامى. صار مصطفى يصيح: "استمر في التلويح، فإنها قاربت النضوج!"
    لما سمعنا صفارات الإنذار في الشارع، غادر صاحبا البطانية بدورهما. دُهِست الباب أسفل المبنى وداهم ستة عمالقة بخوذاتهم الغرفة. ألقوا بنا على أك########م وحملونا إلى الخارج. وقف الملأ في الشارع يتفرجون. وكان ذلك اليوم أكثر أيام حياتنا حظا؛ لم نجد للجنرال فرانكو أي أثر. كان العمالقة يصيحون إلينا بأقوال شتى، إلا أننا لم نكن نفهم شيئا. وفي الأخير غادروا المكان وانصرف الناس من الشارع.
    قلت لمصطفى: "ماذا سنفعل بالباب المكسور؟". فقال: "اترك ذلك لوقت لاحق، السردين أولا". كنا ندرك أن ساعاتنا في نزل الجنرال فرانكو معدودة. فهو سيكتشف الأمر في كل الأحوال. أكلنا إلى أن امتلأت بطوننا وأخذنا في نفس اليوم نبحث لنا عن نزل جديد.

    (عدل بواسطة محمد ادم الحسن on 02-18-2011, 10:34 AM)

                  

02-20-2011, 08:05 PM

محمد ادم الحسن
<aمحمد ادم الحسن
تاريخ التسجيل: 04-22-2009
مجموع المشاركات: 2177

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قـُبلتي الأولى (Re: محمد ادم الحسن)

    إلى (آيماودن)



    لم أسكن في أمستردام إلا أشهراً قليلة. وكنت قد شرعت في اليوم الثالث بعد وصولي مباشرة في العمل بمعمل لتعليب الخضر والفواكه. كل زملائي القاطنين في النزل كانوا يشتغلون هناك، بمن فيهم مصطفى. ولأنني لم أكن متمكنا من اللغة، لم يكن يُسمح لي أن أشتغل على الحزام السيار. فلم أكن أفهم أي شيء من عبارات مثل "ماكينة قطع" و"خطر الحريق" و"الشحن والإفراغ". لذا، فقد غرز رئيسي مكنسة في يدي وطلب مني أن أحافظ على نظافة الأرضية. لم يكن لي من العمل إلا القليل. زملائي العمال الأجانب كانوا يشتغلون بصورة نظيفة، لأنهم كانوا يخشون أن يفقدوا وظائفهم.


    وكان يَقلّ العمل لدي أحيانا لحد أن رئيسي كان يرسلني إلى البيت قبل الأوان. وكنت أستقل حينها الترام إلى مركز مدينة أمستردام. وكانت لي طريق واحدة أمشيها، كانت تبدأ في (ساحة لايدن) وتمر عبر (شارع لايدن) إلى (شارع كالفر)، ثم على (ساحة الدام) فنتتهي إلى المحطة المركزية، حيث أستقل الترام من جديد متوجها إلى البيت.

    كنت أعشق مركز المدينة. فهي كانت تزخر بالأولاد والفتيات من عمري. كانوا يرتدون أغرب الملابس، ولهم أغرب قصات الشعر و ينظرون من أعينهم وكأن لا هموم لهم. كان بودي أن أتعامل مع هؤلاء، إلا إني لم أكن أتكلم اللغة. كان مصطفى يسميهم "الهيبي"، ويرفق قوله ذلك بوجه عابس. " المتسولون فقط يجلسون على الأرض طوال اليوم." لا يهمني إن كانوا متسولين أم لم يكونوا. كنت أراهم أناسا متميزين. كنت أفرح لما أراهم. ولما أتمشى في مركز المدينة، فإنني كنت أصير "هيبي" أيضا بعض الشيء.
    إلا إنني لم أفلح في أن أصير هيبي بالفعل. فبعد حادث السردين كان علينا أن نغادر أمستردام. نزحنا إلى بلدة "آيماودن". كان مصطفى يعرف هناك أحد الشباب ممن اشتغلوا معه سابقا في أمستردام. وهو الذي ساعدنا على إيجاد بيت في آيماودن. وساعدنا أيضا على الحصول على عمل في مستودع الأسماك..

    كانت آيماودن تختلف عن أمستردام. كان يبدو وكأن آيماودن يعمِّرها الفلاحون، ليس إلا. فهؤلاء لم يكونوا يرتدون ملابس غريبة ولا كانت لهم تسريحات شعر غريبة. وأبدا لم يكونوا يجلسون على الأرض وينشدون الأغاني. فكان علي أن أتأقلم مع التغيير. كانت آيماودن تذكرني بمدينة ليل. لم يكن هناك الكثير مما يمكن أن يُعاش. فحتى البحر كان رماديا. لكن ربما كان ذلك أمرا جيدا. ففي آيماودن المملة كانت لي أخيرا فرصة أن أفكر مليا.

    كان عمري إحدى وعشرين سنة. وفي خلال سنتين رحلت من المغرب إلى ليل و من ليل إلى أمستردام ومن أمستردام إلى آيماودن. وكنت قد سكنت قبلها تسع عشرة سنة في آيت أمان. لم تكن هنالك كهرباء في القرية ولم تكن السيارات موجودة إلا في القصص. لم أدخل المدرسة أبدا. ولم تكن حياتي تتكون من أكثر من رعي الخرفان وزراعة البطاطس وقطف ثمار التين. فصرت أعيش في أوربا وأرتدي أحذية بسيور وصارت لي خمسة قمصان ومذياع محمول. كثيرا هي الأشياء التي تغيرت.
                  

03-03-2011, 10:06 AM

محمد ادم الحسن
<aمحمد ادم الحسن
تاريخ التسجيل: 04-22-2009
مجموع المشاركات: 2177

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قـُبلتي الأولى (Re: محمد ادم الحسن)

    أنا إدريس (4).. منضدو أسماك البلايس



    كان لي ومصطفى في آيماودن بيت من ثلاث غرف، كله لنا نحن الإثنين فقط. كان الوضع مثاليا، فكان البيت يبعد بعشر دقائق مشيا عن مستودع الأسماك، حيث كنا نشتغل فيه كـ"منضدين للأسماك". عبارة جميلة عن عمل بسيط. ما كنا نفعله، نحن منضدي الأسماك، هو إفراغ السفن من الصيد الموجود على متنها. كنا ننهض على الساعة الخامسة صباحا، نتناول الفطور، ثم نرتدي زي العمل الذي كان يتكون من ثلاث طبقات من لباسنا الخاص تليها بدلة العمل المزدوجة لرب العمل. وكان ذلك ضروريا إذ إن قلب السفينة الذي كان يحوي السمك عبارة عن قفص ثلاجة كبير. وقد تنزل فيه درجات الحرارة إلى ما تحت الصفر بكثير. وكان قعر السفينة مليئا بالجليد.


    كنا ننتظر مع منضدي الأسماك الآخرين في المقصف إلى أن ترسو السفن في الميناء. كان يجلس منضدو الأسماك الأتراك في زاوية والمغاربة في زاوية أخرى، بينما كان للهولنديين مكانهم الخاص. وحتى خلال العمل كان يستمر مفعول التفريق بين الجنسيات. الهولنديون هم من كانوا يستخدمون الرافعات و يسوقون الرافعات ذات الشوكات. أما نحن الأجانب فكنا ندخل قلب السفينة. وهناك كنا نراكِم صناديق السمك على المنصات الخشبية، حيث كانت تُرفع وتُساق بالرافعات ذات الشوكات إلى قاعات السمك.


    كنا نشكل قي قلب السفينة مجموعتين: الأتراك والمغاربة. كل واحدة من المجموعتين كانت تأخذ نصفا من قلب السفينة على عاتقها. وكان الهولنديون يصرخون من الأعلى بأوامر في اتجاهنا. فبالتركية يصرخون "ﭼابوك!" (بسرعة!) وبالمغربية "يالاّه!" (بسرعة!).


    كان علينا وفقا لعقد العمل أن نشتغل لفترة ثماني ساعات في اليوم، إلا أن الجميع كان يود أن يعمل ساعات إضافية. وإذا لم يكن هناك من العمل ما يكفي لشغل ساعات إضافية، فإن التوتر كان يبدأ فعليا في التصاعد. الرئيس هو الذي كان يقرر من يُسمح له بالاشتغال لساعات إضافية. ودائما كانت كل مجموعة من المجموعتين تشعر بأن هناك انحيازا لصالح المجموعة الأخرى. وخصوصا نحن المغاربة كان لنا إحساس بأن الرئيس كان يتجاوزنا في كل مرة.


    وقد أفضى مشكل اشتغال الساعات الإضافية في الأسبوع الثالث الذي اشتغلنا فيه أنا ومصطفى بمستودع الأسماك إلى عراك. نادى الرئيس قائلا إن الأتراك هم الذين يُسمح لهم بالعمل ساعات إضافية. ولم نقبل نحن ذلك، فقد سبق أن سُمح لهم بذلك في اليوم السابق. شتم مصطفى أحد الأتراك مسميا إياه حمارا. وردّ عليه التركي بكلام ما. وصرنا في لحظة تبادل الصراخ في ما بيننا. أخذ أحد الزملاء المغاربة سمكة من الصندوق ولطم بها أحد الأتراك. بعدها بدأت الأسماك تتطاير في الهواء وبدأت اللكمات تُوزّع من الجانبين. وكانت الأسماك تصل كالعِصيّ. بقي الهولنديون يتفرجون إلى أن انتهينا من العراك. في ذلك اليوم لم يُسمح لأي أحد بساعات عمل إضافية.


    تم إدخال نظام جديد للعمل الإضافي. فكنا، إذا كان هناك عمل زائد، نُفرز المجموعة تلو الأخرى. كان نظاما مثاليا، إذ لم يعد أحد يتذمر بعد ذلك. بقي الفصل بين الجنسيات قائما. إلا أنه لم يعد يسبب في أية مشاكل. فكنا نشبه في ذلك تلك السمكات الموجودة في قاعة الأسماك، مستلقية في تناغم تام مع شبيهاتها في النوع في صندوق واحد.



    * "أنا إدريس" كتاب صدر باللغة الهولندية للكاتبين من اصل مغربي حسن بحارة وعزيز عينان. لكن الكتاب حمل اسماً مستعاراً هو "إدريس تفرسيتي". يحكي الكتاب تجارب مهاجري الجيل الأول من العمال المغاربة في هولندا في السبعينيات. قامت إذاعة هولندا العالمية بترجمة جزء من الكتاب، وسجلت الحلقات بصوت ممثل مغربي، وعرضت الترجمة على شكل "كتاب مسموع" في معرض الدجار البيضاء للكتاب 2011.

    http://www.rnw.nl/arabic/article/313931
                  

03-20-2011, 12:05 PM

محمد ادم الحسن
<aمحمد ادم الحسن
تاريخ التسجيل: 04-22-2009
مجموع المشاركات: 2177

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قـُبلتي الأولى (Re: محمد ادم الحسن)

    الجزء السادس- المرة الأولى التي ذهبت فيها إلى حانة في "آيماودن"، كنت بمعية صديقي الجديد المفضل كمال، ومصطفى. وكان ذلك مساء أحد أيام السبت، وكنا قد انتهينا لتونا من العمل. كان مصطفى يرى أن الوقت قد حان مرة أخرى لرؤية أحد المقاهي من الداخل. اقترحت عليه أن نطلب من كمال أن يذهب معنا.


    فقال مصطفى بازدراء: "أوه نعم، فلتأخذ تركيك ذاك معك أيضا. ولا تنسى أن تذكِّره بالساز". كان مصطفى مختلفا عني بعض الشيء. فهو لم يكن يرى الأتراك بعد كأناس عاديين.
    عندما طلبت من كمال بإشارات اليدين والقدمين أن يأتي معنا إلى الحانة، بسط كمال يديه على صدره وانحنى عميقا وقال: "تشكرلر، آبي". فهمت في وقت لاحق أن ذلك معناه "شكرا، يا صديقي".

    ذهبنا إلى أحد المقاهي على الميناء. عند دخولنا، رأينا أن المكان كان ممتلئا بزملائنا الهولنديين من مستودع الأسماك. لما رأونا بدا وكأن البكم قد ألمّ بهم. الظاهر أن الغار الحالك الوحيد الذي يمكنهم أن يتخيلوننا فيه هو قلب سفينة صيد الأسماك.
    تصرف مصطفى وكأنه من الزبناء المألوفين في المقهى. اتجه مباشرة الى الطاولة الوحيدة الفارغة بالقرب من مدخل المرحاض، ورفع ثلاثة أصابع إلى الأعلى وهتف: "هاينكن، رجاءً!"، ثم ضرب بيده على الطاولة. تطلع من حواليه مبتسما وقال: "Ies agt lauk hier" ("الشوّ هنا هكيكة لتيف شِدّا"). "Iegt waar" ("بشدّ صهيه.").

    شيئا فشيئا بدأ الصمت يتحول إلى ضوضاء، ولم يمض بعد ذلك من الوقت الكثير حتى بدأ يُسمع الضجيج كما كان عليه قبل دخولنا. الكل عاد يهتم بما يعنيه هو.
    كنا أنا ومصطفى وكمال نطلب الجعة، الدورة تلو الأخرى. أما لغتنا المستعملة فكانت مزيجا من التركية والأمازيغية وبعض كلمات من الهولندية والكثير من الإشارات. بدأ مصطفى يحبذ لطافة كمال بعد كل دورة جعة، لدرجة أنه أمسك في لحظة من اللحظات بكتفيه وأعطاه أربع قبلات غليضة على وجنتيه. وقال له مصطفى "أنا أحبك، يا كمال". "أنت مثل أخ لي". تأثر مصطفى من وقع كلماته عليه ووقع في أحضان كمال يعانقه. وقد استغرق عناقهم الحميمي دقائق من الزمن.
    بعد بضع ساعات كانت طاولتنا الصغيرة مليئة بزجاجات الجعة الفارغة. كنا سكارى حتى الثمالة وكان بإمكاننا أن نستمر الليلة كاملة، ولكن فجأة أُشعِلت الأنوار في المقهى. كان وقت الإغلاق قد حان. على الجميع أن يغادر.

    ونحن في الشارع نظر بعضنا إلى البعض الآخر ورأينا في وجوه بعضنا ان الحفلة لم تنته بعد. إلا أنه لم يعد هناك في هذا الوقت ما يُمكن القيام به في(آيماودن). تسكعنا في فضاء الميناء، سكارى، ضاحكين وضاربين بأذرعنا على أكتاف بعضنا البعض.
    "الماكريل!"، صاح كمال بدون سبب. لم نستطع أن نتوقف عن الضحك.
    "الرنغة!"، صرخ مصطفى بدوره.
    "البلايس!" صرخت أنا.
    "البياض!"
    "القد!"
    "سمكة موسى!"

    ثم ركضنا بعد ذلك متعرجين في ربوع الميناء ونحن نصيح بكل الأسماء الهولندية التي كنا نعرفها للأسماك. كنا كصغار الكلاب تطارد بعضها البعض. لم يسبق لي أن صرخت بتلك القوة ولا سبق لي أن ضحكت بتلك الغزارة. صار صوتي مبحوحا وقدماي متعبتين من شدة الركض. قلت لنفسي: اذا كانت هذه ليلة خروج في"آيماودن"، فإني آمل أن أعيش مزيدا من مثل هذه الأمسيات.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de