|
Re: جنوب الوطــن بعيون مُحِـــبَّة : القلـم يتبعُ حديث القـلب . (Re: عبدالله الشقليني)
|
(3)
التاريخ من بعد تسعة أشهر من توقيع اتفاق " أديس أبابا " الشهير . في جوبا أحسسنا أنا أبنا الضمير الحُر ، أبناء الأم التي رضعت من ثدي " البدائي النبيل " الذي كان يتحدث عنه صديقنا الشاعر والناقد " أسامة الخواض " عندما اصطادنا في قارعة الطريق في المدونة ، وتمهل مهنا في دراسة نابهة عن فكر الأستاذ / محمود محمد طه . كان سهمه هو الأعلى ، وليت الثقافة ذلك الوشاح الذي اكتسى .
*
| |
|
|
|
|
|
|
Re: جنوب الوطــن بعيون مُحِـــبَّة : القلـم يتبعُ حديث القـلب . (Re: عبدالله الشقليني)
|
(4)
رأينا الأريحية ، غير التي اعتدنا ، وأن الحياة الاجتماعية أكثر حرية ، يهب عليها نقاء المسلك ، واختفت تلك الجسور العالية التي اعتدناها من المجتمع المحافظ الذي انحدرنا من صلبه . جاء المهاجرون ضيوفٌ ، وفرضوا السلوك على أهله ما استطاعوا . كان مسلكهم التُقى بالنهار ، وبالليل يدبون دبيب الذي يخفي سوءته ، في أطراف القرى حيث يُعشش " الحَرام " !
*
| |
|
|
|
|
|
|
Re: جنوب الوطــن بعيون مُحِـــبَّة : القلـم يتبعُ حديث القـلب . (Re: عبدالله الشقليني)
|
(6)
جُبنا قرية جوبا الوادعة ، أو مدينتها التي ترمي بظلالها إلى المستقبل . الطرقات الملتوية بين المساكن ، تماماً كالتي تحدث عنها التاريخ في أم درمان القديمة قبل قرن ونيف . ليست الدنيا كما كنا نُحب أو نعشق ، ولكن مشاعر حركت الإرث القديم في الذاكرة البعيدة أنا أذهان وأجساد سرقها التاريخ من وداعتها . جاء الركبان بألف وجه ووجه . جاءت معهم التجارة وجاء معهم المكر ، واستوطنوا أرضاً ، فلحوها ، ونشروا خيامهم ، ونافحوا أهلها .
*
| |
|
|
|
|
|
|
Re: جنوب الوطــن بعيون مُحِـــبَّة : القلـم يتبعُ حديث القـلب . (Re: عبدالله الشقليني)
|
(7)
جُبنا سوق جوبا فرادا ، البقالات ، والمحال التجارية . أصحابها مهاجرون من الوطن الشمالي بسحناتهم المميّزة . وعلى الطرقات وأمام المحال يفترش الأهالي بضاعتهم ، وشتان ما بين الغنى والفقر . زرنا أكواخ الأهالي . خليط من الأسقف المخروطية من جذوع الأشجار بأنواعها ومن الطين. الطرق ثعبانية تنحدر وتصعد . ببساطة كانت المحبة سابقة تُطل علينا من أوجه جميلة التقاطيع ، كأن على أوجهنا بسطة مودة . فعلمنا أن العامة يحبوننا دون سابق معرفة . ربما توسموا فينا خير طبقة مثل الذين استوطنوا بلادهم بالتجارة ، وميّزهم الغنى ، ومسلك اجتماعي غير الذي اعتادته الغلبة الغالبة . خيط مودة يمد جسور محبة ، وجينة تتوق أن تتفجر من فرحٍ .
*
| |
|
|
|
|
|
|
Re: جنوب الوطــن بعيون مُحِـــبَّة : القلـم يتبعُ حديث القـلب . (Re: عبدالله الشقليني)
|
(8)
القلم يتبعُ حديث القلب .
لن يساورك شك ، من أنك ابن الأم الأولى التي تآلفت على محبتها الديانات الثلاثة الشرق أوسطية . شريكة آدم في أفعاله ، وغواياته ، وحب الممنوع . من هذه السلالة الأسطورية القديمة جئنا ، وأسسنا نسيج الأعراق وأمشاج الدفء يحنُّ إلى السكينة التي لا تعرف فصلاً عنصرياً ، ولا تعرف سياج الطبقات . ليس للإنسانية إلا جسور المحبة ، ومن يهدم سياجها فقد هدم النفيس الذي ليس له من ثمن . بيدك أيها الطبيب تعرف أن الطفولة تشتكي ، وأن العلم جاء ليكون الإنسان أولاً .
لست من بيئة تنظر إلى الحياة من علٍ ، كأن الفقراء ضيعة منهوبة من الأغنياء . هنا خيط لامع لن ننسى معه اختلاف العرق أو الثقافة أو العقائد .
*
| |
|
|
|
|
|
|
Re: جنوب الوطــن بعيون مُحِـــبَّة : القلـم يتبعُ حديث القـلب . (Re: عبدالله الشقليني)
|
تحياتى يا شقلينى وكيف الحال
دائما ما كانت دساتير ونواميس ومواثيق أهل البوليتيكا، تكتب ببقايا الأشلاء وبما سيأتى من آلاء
ونحن دستورنا المحبة
قديمة مثل ألواح صاحب الطور، وعتيقة كما البحر الأول
لا تغيرها شرائع ولا تفت فى عضدها دسائس
كانت وستبقى، حتى وان بتر عضو من جسد معناها الأصيل
ترى كيف يكون حال الجسد، أى جسد، حين يبترون عضوا منه؟
وحتى وان كان ذلك الجزء متعبا
سنجلس على شرفة الأسى ونغنى يا عبد الله
وتلت التلوت الأصلو واحد ما انقسم وطنا يجابد وما انكسر حلما يكابد ما فتر لون الكحل روح الحليب روح الكحل لون الحليب ممزوجة فى دم البلد والريد حداهن منسجم خت الحلم سواهو ضل لفحة هجيرك همبريب لون الكحل روح الحليب ولامن نشيدك ينصلب يزعل يفوت يختا الدرب يحرد يلون ليل صفاك الريشه أصبع غنيتك واللوحة تتحدى السكوت ترقص تصفق بى قفاك والمعنى شهقات الوتر فرح الوجيع البشتكى
سينوح طائر يجلس على غصن غريب
ويا طالع الأكوان جيب لى معاك وصال يربط يكفينا يا حارس الأحزان خلى الحزن ينشال من همنا الفينا أملا المخالى أمان وطنك بشاره وفال عرج على الحبان وأدى البلد شبال يا طالع الأكوان
وفى عمق الأرواح ستنصب سرادقات الوجع الممض
ولن نجد وطنا نأوى اليه ويعصمنا من الغرق
وستبقى المحبة
للجنوب ومن فيه وما فيه
ما بقينا
| |
|
|
|
|
|
|
Re: جنوب الوطــن بعيون مُحِـــبَّة : القلـم يتبعُ حديث القـلب . (Re: عبدالله الشقليني)
|
(10)
حللنا بالمدرسة الثانوية في جوبا . الداخلية كانت المقر ،وكانت صالة كبرى تم تخصيصها لنا . تم تجهيز الأسرّة حيث مقرنا . هنالك بيت من البيوت التي بناها الإنجليز كانت مقراً للأستاذة المشرفين ، وزميلتنا . بيت من الطراز الذي ابتناه المستعمر . صالة وغرف ودورة مياه بمغاسل وحوض بانيوم ومرحاض بمقعد غربي . الغرف أفسح مما نعرفه اليوم .
أما نحن في الطرف الآخر فأمرنا يختلف . الحمّام يبعد عنا بنحوٍ من عشرين متراً . غريب تصميمه . هو حمام جماعي مشترك .بناء أكثر حيرة . غرفة مستطيلة تمتد ستة أمتار طولاً وثلاثة أمتار عرضاً . من السقف الداخلي تهبط ستة مغاسل ، وعدة صنابير تتوزع على ارتفاعات لا تزيد عن المتر على الحوائط الجوانب . الحمّام المُخصص لنا ولغيرنا منشطٌ مُشاع . الجميع يغتسلون عراة وربما في زمن واحد . لا يحفل مُستحمٌ بغيره . تجولنا حول الحمام الجماعي نستوضح فلسفة تصميمه مقارنة بالمعارف والمقاييس . تأملنا صناعة البناء التي تؤاخي بين العادات والتقاليد . قصة لها في ذواكرنا وقع شديد الغرابة . لا هو بالتصميم الغربي ، ولا هو المُعرَّب ولا الشرقي يجسر هذه الهوة الكبيرة في فهمنا المتحفظ حول أن تكون عارياً وسط مجموعة تغتسل ولا يحفل مغتسل بآخر .
*
| |
|
|
|
|
|
|
Re: جنوب الوطــن بعيون مُحِـــبَّة : القلـم يتبعُ حديث القـلب . (Re: عبدالله الشقليني)
|
(11)
بعيدة تلك الحياة التي غيرت التصميم المعماري والمقاييس التي اتبعها صاحب موسوعة المقاييس المعمارية (أرنست نيوفرت ) عندما زار السودان في ستينات القرن الماضي ، يقيس كل الأثاثات والارتفاعات والأنشطة ، ويقيم المعادلات لأنسب المقاييس للأثاث ، والأسقف والأدوات والمقاعد والطاولات والأرفف وكل الأنشطة المعمارية . كانت المدرسة الوظيفية هي السائدة .
كنا نأتي للاستحمام فرادا . آخر الليل .عندما تدلهم الظلمة وتتلفح الليل بشدة سوادها . تجدكَ تدخل مُتسللاً ، وتستحم على عجل ، تتمنى ألا يفاجئك من يشترك معك الاغتسال . هذا وجه من الحياة الاجتماعية والثقافية المُغايرة . توقفنا عندها بكثير من الحيرة . وكانت محور حديث عن هذا الوجه الثقافي الذي تسلك فيها الإنسانية مسلكها الأول . لا ورق شجر تقصف به جسدك ، وليست هنالك سوءة إلا السوءة التي ورثناها في الصناديق التي حملناها فوق أكتافنا ، تنوء بأحجار ثقال .
*
| |
|
|
|
|
|
|
Re: جنوب الوطــن بعيون مُحِـــبَّة : القلـم يتبعُ حديث القـلب . (Re: عبدالله الشقليني)
|
(12) وقدمت " حامية جوبا " العسكرية لنا عوناً كبيراً ، الأسرّة القابلة للطي والفُرش ، وناقلتين من صناعة" الدملر "الأمانية الصنع . أسهمت جميعاً في تسيير قافلتين شرق الاستوائية وغربها . بدأنا بجوبا عاصمة الإقليم الجنوبي ، وفق ما كانت التسمية حينذاك . دراسة عن البيت في جنوب الوطن كانت هي المُستهدفة . تقاطعت فيها مفاهيم هندسة العمارة في الأرياف ، بتنوع تلك الأرياف السودانية بألوان طيفها ، وهي جانب من تأهيل طلاب هندسة العمارة بما يناسب البيئة الريفية من طرف ، وهندسة العمارة بما يناسب تطور العصر من طرف آخر . العام الدراسي الجامعي الثاني قبل هذه الرحلة بعام ،كان لمساكن الريف ، وكان أنموذجنا حينذاك إعادة تخطيط قرية " واوسي " شمال الخرطوم بحري .
وتلك قصة في الحياة الريفية لأهلنا لها طعم خاص سنورد لها باباً في حصيلة هذا التداعي .أنجزنا الدراسة حينذاك بإشراف أحد أستاذة علم الاجتماع من كلية الاقتصاد ، وأحد أساتذة هندسة العمارة المُختص في هندسة مساكن الأرياف وهو الدكتور " بدري عمر ألياس " . ذات الدكتور " بدري عمر ألياس " هو صاحب رؤية أن نقوم بدراسة للمسكن في جنوب السودان . تقاطعت تلك البادرة مع الإنجاز التاريخي للنظام العسكري آنذاك ، حيث كان الاتفاق الأول لإنهاء "حرب الجنوب" كما كانت تسميتها في لغة العامة . وبدأ التجهيز لرحلة الجنوب من الصفر .
*
| |
|
|
|
|
|
|
Re: جنوب الوطــن بعيون مُحِـــبَّة : القلـم يتبعُ حديث القـلب . (Re: عبدالله الشقليني)
|
(13) اشتركت القوات المسلحة بالدعم اللوجستي ، وسائل نقل ، وتأثيث قابل للنقل ، طائرة نقل ذهابا وإياباَ " من الخرطوم إلى جوبا وإلى الخرطوم عودة " . واشتركت وزارة الثقافة والإعلام في ذلك الزمان بالدعم الإعلامي ، التوثيق بالتصوير الضوئي بشقيه الأكاديمي الذي يهمنا ، والإعلامي والذي يوثق للحياة في الجنوب من بعد حرب طالت منذ الحكم العسكري الأول مطلع الستينات وإلى 1972 م ، كم هائل من الغياب التنموي ، بسبب الحرب وبأسباب أخرى منها الاقتصادي ومنها عدم وجود رؤيا ، وتلك تشمل الكثير من أطراف الوطن وليس الجنوب وحده .تآلف الجميع لمد الرسالة الأكاديمية الاجتماعية السياحية ، بشرايين الفعل ، لتذليل السفر .
*
| |
|
|
|
|
|
|
Re: جنوب الوطــن بعيون مُحِـــبَّة : القلـم يتبعُ حديث القـلب . (Re: عبدالله الشقليني)
|
(14) اقتطعنا نحن بوساطة الناشطين منا ، وتمت مراسلة " جامعة ماكرري " واتحادها الطلابي في " كمبالا " عاصمة يوغندا ، وكان الرد إيجاباً بتوفير سكن جامعي لنا ، والتنقل ، وضيافة محدودة . وكانت تلك أريحية خارج المؤسسة الرسمية وخارج نظم الدول . كنا نملك من خلال " جمعية طلاب العمارة " قدراً هائلاً من الحيوية ، تمكنا من مخاطبة كافة المؤسسات الخيرية التي تدعم الطلاب ، في المجر ، وألمانيا الغربية ويوغندا . تم تجهيز وثيقة سفر لنا جميعاً ، وتوثيقها . عليها تأشيرات الدخول ليوغندا ، بدون جوازات سفر . تلك تجهيزات أعددناها لنتمكن من الوفاء بالدراسة كاملة ، والعبور البري ليوغندا ، ثم العودة إلى الوطن من مدخل نمولي .
كانت العطلة نصف السنوية في تلك السنوات تقارب الثلاثة أسابيع .
*
| |
|
|
|
|
|
|
|