ذاكرتنا ليست متثقوبة ولسنا فى عصر المشافهة! من الذى فرط فى الارض والعرض!

Quote: جبلٌ يجثم على صدري ، يوسف هل تسمعني ...؟ نعم أنا خنتُ الصداقة ...خنتها وأنا أبكي كلما كنت أشاهد شقيقك اسماعيل وهو يخطو نفس خطاك ..بالكربون نحو التلاشي ....خنتك عندما كنت اختبئ بين العامة لكي لا يراني اسماعيل وأنا بدمعي اقترف خطيئة جديدة اضيفها للائحة عذاباتي ..... خنتك يوم ودعتك وبعد ان أغلقتُ باب المنزل لعنتك مرات ومرات وتمنيتُ ما تمنيتَ .... كحال كثير من أصدقاء الطفولة جمعنا الحي و ( ميدان الكورة ) ... كان يوسفُ أملحنا وأكثرنا أدباً .. وأذكانا و(أحرفنا في الكورة ) ، لذلك كانت العين عليه منذ المرحلة المتوسطة ... عندما كنا في المرحلة الثانوية اتفقنا ( انا ويوسف ) على أن لا نتجادل في شئين ( الكورة و السياسة ) فقد كنا على طرفي نقيض ...نجتمع ونبحث عن المغامرات ولكنا مختلفين في ( تلك الأشياء ) ...... الجبناء استغلوا ذكائه لإقناعه بطريقهم ويا لها من حيلة .. فقد سار في دربهم ولكنا لم نفترق ...كنا قد اتفقنا في المرحلة المتوسطة على خطة ( للمستقبل ) يوسف كان يحلم بأن يصبح مهندساً لا يهم ماذا ( يهندس ) ولكنه كان يحب الهندسة .....عني كنت احلم بأن اصبح شاعراً كان يسخر مني وهو يقول ( ودي يخشوا ليها ياتو كلية ؟) ...كنت اضحك وارد عليه ( كلية الفلسفة وعلم النفس ) ويسألني لماذا ؟ فاجيب حتى اعرف كيف اكتب شعراً منمقاً ومقنعاً لكل مواطن .. ونضحك سوياً ..... التفاهم كان ما نتقنه عندما نتقابل ... فقط (الكورة والسياسة ) ما لا نتخطاهما ..... ثم ..... حدث ما حدث وبدلاً من ان يتم استيعابه في كلية الهندسة نفذ امر (ساسته ) ودخل بطوعه - الكلية الحربية - عندما علمتُ بالخبر كنت غير مصدق فوقتها كنت اتبع حلمي ودخلتُ كلية الآداب ... كنت أتذكر عندما كنت اردد له مقولة الكاتب البريطاني جورج برنارد شو والتي يقول فيها ( تسع من عشرةُ جنود يولدون أغبياء ) كان أيضاً يكره العنف والسلاح ولكنه ... رضخ لمشيئة ( الساسة ) وهنا بدأتُ خيانته ... لم أنصحه ولم أقدم له المشورة بل لم أتحدث معه مطلقاً حتى أفقت ذات يوم وهو يدعونني لتخرجه ...... ذهبت ولكن رغم أنه كان ( أول الدفعة ) إلا انني تألمتُ تألمت وانا اراه يتبختر بالسلاح و يفرح بقوة عزيمته وجلده بالوقوف لساعات طوال تحت اشعة الشمس الحارقة .... وكالعادة كنت أكثر الناس فرحاً بما حققه فخططتُ لحفل في منزلنا في نفس اليوم استقدمتُ له بعض اصدقائي المطربين من الجامعة ... أذكر انني سألته يومها ( هل أنت مقتنع بما تفعله ؟) فأجابني بسخريته المعهودة ( لا ... ولكني انتظر صدور ديوانك الأول ..) حدث اخر وهو ... تم نقله لمنطقة الحرب ....لم أكن اتوقع أنه وبعد تخرجه المشرف سوف يتم رميه لأتون الحرب المشتعل آنذاك ... رضخ للأمر وذهب ولكنه قبل سفره حضر إلي وهو يحمل حقيبة السفر وقال لي ( قرأتُ كل قصائدك ونصيحتي لك أن تكتب على النمط القديم رغم اجادتك للتفعيلة ) كنتُ احبس الدمع في عيني عندما قال لي ( مهما حدث لا تخرج من هذا البلد ..أبدأ..! قيمتك الفعلية هنا رغم أن الجو العام لا يبشر بأن - جماعتنا حا يفكوها - لكن حاول ان تبقى هنا وعارضهم من هنا ونل شرف المصادمة ) ثم أخذ يداعبني بأن عبث بياقة قميصي وقال لي ( الملكي دايماً ملكي ....ياخ قميصك ما قادر تنظمو ؟؟هههه) ودعته ببرود عجيب وأغلقتُ باب المنزل وبدأت في لعنه وسبه حتى حضرت والدتي وهدأتْ من روعي ... تخرجت من الجامعة بعد تلك الحادثة بقليل وعملتُ كمعلم للمرحلة الثانوية .... ذات يوم مشمس حرُه كان يجامل حتى الظل والمستظلين ...عدت الى المنزل الساعة الثالثة بعد منتصف الظهيرة لأجد والدتي وهي تنتظرني على باب المنزل سالتني ان كنت بخير فاجبتها بالايجاب سألتني ( انت جيت بي شارع ناس يوسف ؟) اجبتها بالنفي ثم رمت الخبر كالصاعقة (يوسف مات في الحرب وناس الجيش جابو الخبر الليلة الصباح ) ما اذكره انني اغلقت باب غرفتي لمدة ثلاثة ايام ....بعد اليوم الأول تعبت من البكاء فأخرجت دفتر الشعر الذي قرأه قبل ان يسافر سفرته المشئومة وقرأت تعليقه (مشروع نزار قباني سوداني او.... محجوب شريف ) ... بكيت حتى اليوم الثالث وبعدها خرجتُ ابحث عن طعام .... لم استطع ان ابكيه شعراً ... خنته في اكثر شيئ احبه فيّ ... كنت بعدها كفاقد دليل ..اذكر انني وفي لحظة جنون أحرقت كل صوره بالبزة العسكرية .... ثم بدأت بعدها الهروب من اسرته، شقيقه الأصغر اسماعيل طالب الطب ذهب يقتفي طريق اخيه ولكن متطوعاً مع القوات ... وكان ان لقي مصير يوسف بعد ست اشهر من وفاته ... وبعدها توفى والدهم والذي كان مريضاً لفترة طويلة من الزمن وبعد وفاة والدهم توفيت والدتهم بشهر فقط... الاسرة لم يتبقى فيها سوى التيمان خالد ووليد واختهم والتي آلت اليها مسئولية تربية التيمان ولكن للحق اعمامها ساعدوهم بشكل خيالي ... عني بدأت الخيانة يوم ان عجزتُ عن كتابة بيت يوصف حزني وواصلت الخيانة بعدم السؤال عن اسرته ثم ختمتها بالهجرة خارج البلاد ولم يصدر ديوان شعري الأول حتى الآن ....