|
الفاتح التجانى وخوة زمان
|
الفاتح التجانى وخوة زمان
فى سنه1959 جلسنا لامتحان الشهاده فى ملكال لدخول المدرسه الثانويه ولأننا كنا من كل انحاء السودان فقد كان الوداع مهيباً لأننا كنا نعرف أن الأغلبيه لن يتلآقوا مرةً أُخرى . حموده كان يقول لى سنتقابل فى امدرمان. ولأننى كنت أعرف انه من كردفان فلقد بدأ الأمر غريباً . وبعد فتره بسيطه دخلت متجر اليمنى بالقرب من جامع الهاشماب وفجأه أشاهد حموده يقف مع الفاتح التجانى وشقيقه صلاح التجانى يجلس على عتبه الدكان. وعرفت ان حموده الذى هو حفيد الامير حموده فى المهديه يمت بالقرابه الى الفاتح وصلاح . ووالد الفاتح من شركيله أما والدته من البرام . وعمنا محمد التجانى سلوم كان يسكن فى نفس شارع جامع الهاشماب وهو جار للعم الصادق الطيب الذى كان مديراً للسجون. وبما إن صلاح كان صديق شقيقى الشنقيطى الذى لا يفترق عنه فلذا كنت أشاهد الفاتح يومياً لأننا كنا وقتها نسكن فى السرداريه على بُعد ثلاثمائه أو أربعمائه متر من منزل أهل الفاتح التجانى. وبما إن الفاتح قد سكن فى ملكال قبل حضورهم الى امدرمان فلقد كان يستفسر عن كثير من زملاء الدراسه والمدرسين وبعض ابناء التجار الذين ربطتهم به صله . الفاتح كان جاداً ويختلف عنا جميعاً ولكن لم يكن انطوائياً بل كان عميقاً وكأنه يشع حكمه ومعقوليه , فصلاح الذى كان أكبر من الفاتح كان محبوباً من الجميع يحب النكات والدردشه يجتمع الناس حوله ويخلق صداقات بسهوله . أما الفاتح فكان يعطى شعوراً بالثقه ويجبر الجميع على إحترامه . ويحمل دائماً الصحف والمجلات ويبحث عن كتاب ليستعيره , كما كان يقرض الشعر منذ صغره . وأذكر أنه مع بدايه حكم عبود قد نظم قصيده يحث فيها الحكومه الجديده على البناء وتعليم الشعب وتطوير البلد, هذه القصيده كان صلاح يحملها فى جيبه فخوراً . عندما إنتقل العم محمد التجانى سلوم إلى انزارا فى مشروع الزاندى كان التجانى يستعد للجلوس لامتحان الشهاده الجامعيه ولأننا صرنا بمثابه الاهل فلقد أقنع شقيقى الشنقيطى أهل التجانى بتركه فى امدرمان فى المنزل . صرنا نأخذ له الشاى فى الصباح والغداء وكل ما يحتاجه . وبما اننى الاخ الاصغر فقد كانت أغلب المراسيل مسئوليتى. الى أن نجح التجانى ودخل كليه التجاره . وهذه الفتره ساعدت كثيراً فى تكوين شخصيتى لأن التجانى الذى عُرف بتجنر كان عميقاَ مطلعاً والمنزل يمتلئ بمجموعه ضخمه من أصدقائه لكونه كابتن فريق المورده لكره السله ومن الاصدقاء ولاعبى كره السله الاخ بدوى المشهور بلون وشقيقه كوفاديس, وود اليمانى , عبد القادر الطيب وكان يتواجد معهم بإستمرار أخ يونانى . وصار التجانى بمثابه الاخ الاكبر لى نذهب سوياً لصيد السمك ويوجهنى, وفى بعض الاوقات يقراء على الشعر ويناقش معى السياسه والفلسفه . وفى الاجازه المدرسيه سافر الشنقيطى مع الفاتح والتجانى وصلاح الى الاستوائيه لقضاء الصيف . وبالرغم من اقتراب مواعيد المدرسه ورجوع والدى ووالدتى من انجلترا الا ان الشنقيطى وصلاح لم يظهرا فطلب منى والدى ان ارسل تلغراف وهذا التلغراف كان لسنين عديده مصدر ضحك وسخريه الفاتح كلما يلقانى يردد لى جملة التلغراف ( والدنا حضر أين الشنقيطى بدرى شوقى بدرى ) ويبدو ان هذا التلغراف كان مصدر فكاهه فى انزارا . وحضر الشنقيطى وصلاح بالطائره وبعد عده أسابيع حضر التجانى بالباخره وفى الطريق تعرف بإثنين من الهنود المسلمين من يوغندا أحدهم زاهر والآخر أمير. ثم حضر عبد اللطيف شقيق الفاتح الأكبر ومكث معنا لمده قصيره . وتلك الفتره كانت من أجمل فترات حياتى والفاتح كان وقتها يسكن عند أقربائه فى حى الضناقله فى الخرطوم بحرى ويحضر فى يوم الجمعه ( للمقيل ) أو أذهب اليه مع صلاح إلا انه كان يقول إن زيارتنا تخرب ميزانيته لانه كانت لى وصلاح شهيه خرافيه . تلك الفتره كنا نسكن بالقرب من ميدان الربيع ولنا منزل منفصل عن منزل الاسره لسكن الشباب أو الطلاب من الأقاليم ومن الساكنين حموده أبو سن إبن الناظر وعبد المجيد محمد سعيد العباسى إبن الشاعر محمد سعيد العباسى ومرغنى أبتر إبن عم والدتى والذى كان يعمل فى النقل الميكانيكى ومعتصم أحمد الحاج وشقيقه بدرالدين من الدويم وسليمان والطيب من اولاد المسلميه لصلتهم بكمال ابراهيم بدرى الذى كان يعمل بالجزيره ولفترات تطول أو تقصر عثمان عبد المجيد على طه إبن عمتى , محمد بشير الطيب , طه إمام عبد الله شقيق عبد المجيد إمام وسولومون ميخائيل بخيت شقيق جوزيف المدعى العام وكثير من زملائنا فى مدرسه الاحفاد والذين يسكنون فى الجوار مثل محمد المهدى مسعود الحلو , عز الدين مرجان اقور , صديقى فقوق نقور ( مصطفى ) وعبد الله فرح وشندى وعرفات على شريف . وأذكر ان الفاتح عندما كان يحضر كان يهز رأسه غير مصدقاً وكان يسألنا ( إنتو بتزاكروا بتين ) وكنا نكتفى بالضحك لانها لم تكن إحدى نشاطاتنا. والغريبه إن استاذنا وإبن عمتى فى الاحفاد الطيب مرغنى شكاك سكن معنا فى ذلك المنزل لفتره .ولم يكن يسلف سيارته الا لصلاح التجانى الذى كان نجم المنزل ولم يحدث ان أكل اى انسان منا أو جالس ابراهيم بدرى سوى صلاح التجانى . الفاتح كان وقتها يدرس فى المعهد الفنى فى الخرطوم وأذكره عادةً أنيقاً نظيف الثياب ويستطيع أن يتحدث فى أى موضوع ولا يحتد فى نقاشه ولكن لا يعطى أى فرصه لأى انسان فى اى وقت أن يتطاول عليه ويترفع عن المهاترات. ولا أذكره ابداً يستعمل أى كلمه نابئه أو فى غير مكانها . وكان لا يساوم أبداً فى كرامته ويقول الحقيقه . وعندما حضر الى براغ سنه 66 لكورس وحضر معه خاطر الذى كانت له وظيفه كبيره فى الاذاعه السودانيه كان يقول أمام الاستاذ أحمد النظيف الملحق الثقافى إن خاطر كان من المفروض ان يترك الفرصه لصحفى أصغر سناً للإستفاده من ذلك الكورس . وأذكر عندما تقابلنا فى براغ أن قال لى بعد التحيه مباشرةً ( والدنا حضر اين الشنقيطى بدرى شوقى بدرى ) وحاولت أن اشرح له إننى وقتها كنت فى الخامسه عشر من عمرى . فى سنه1996 أيقظنى صديقى عبد الله السفاح ونحن فى منزل الخال محجوب عثمان فى القاهره وطلب منى ان ارافقه الى البريد بمظروف الى جريده الاتحاد فى ابوظبى وعرفت إن الخال محجوب عثمان كان يكتب اسبوعياً لجريده الاتحاد فى الامارات وكنت أعرف ان الفاتح فى جريده الاتحاد وكانت تربطه بالخال محجوب صله حميمه . وإتصلت بالفاتح عدة مرات للتحيه وإجترار الزكريات. وتحدثنا عن اللقاء اذا سمحت الظروف . ثم اتصلت به مرةً اخرى فى نهايه التسعينات مزكياً الاخ الاديب احمد عبد المكرم , ثم اتصلت به مرةً اخرى لان شقيقه صلاح قد طلب منى الاتصال به لايجاد عمل فى الامارات وإن البنات كبروا والطلبات ذادت فشرح لى الفاتح صعوبه ايجاد العمل وان العمل فى الامارات لم يعد مجزياً وانه يفكر بالرجوع الى السودان وإن وجود صلاح فى السودان مهم لأن الوالد محمد التجانى سلوم قد تقدم العمر ويحتاج لمساعده صلاح فإقترحته انه فى حاله رجوع الفاتح ان يوصى احد الاخوان لايجاد عمل لصلاح وتنهد الفاتح وقال لي ( إنت يا شوقى قايل الدنيا ذى زمان والخوه والصداقه ذى خوتكم وصداقتكم انت وشنقيطى مع التجانى وصلاح , الدنيا اتغيرت والناس ما ذى زمان ) وربما لهذا غادرنا الفاتح . وآخر اتصال كان عندما اتصلت به لكى أعزيه لوفاة والده وكنت أحسب إننا سنتقابل مره أخرى فى السودان ونعيد الذكريات , وهذا وعد آخر أخلفته أنا . رحم الله اخى الفاتح . شوقى......
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الفاتح التجانى وخوة زمان (Re: shawgi badri)
|
عزيزي:
رحم الله تعالى الفاتح التجاني.. فقد تألمنا له كثيرا ولقد كان صديقا وزميلا لوالدي منذ زمن طويل في جريدة الاتحاد, ولقد قرأت عنه في الاسبوع الماضي في موضوع نشر بعد وفاته فكان شخصية تعتز بها كل سوداني في هذه الغربة, فالكل قد حزن وتالم , ولكن هنيئا له فقد توفى في شهر رمضان العظيم . رحمه الله تعالى واسكنه فسيح جناته.انا لله وانا اليه راجعين
وعد
| |
|
|
|
|
|
|
|