دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
صفحات طمرها تُراب النِسيان- مؤتمر الخريجين-الصراع الفكرسياسي- اسرار وخفايا-توجد صور.
|
مقدمة: لان المشهد الثقافي امسى مجرد تابع للسياسي، اصبح الهم السياسي هو المُلاح الطاغي في كل صغيرة وكبيرة على مائدة الوعي السوداني، ولقد لعب الاعلام وبلا حدود، دورا رياديا في تمكين ذلك وازاحة الملمح الثقافي خصوصا للطليعة الاولى في تاريخ الفكر السوداني، لذلك قلما نجد صفحات متخصصة في الصحف السودانية تخصصت في نبش هذا التاريخ واعادت اليه الاحيائية من جديد.
مدرسة ابي رووف،مدرسة الهاشماب،الصراع الفكري داخل مؤتمر الخريجين،الصفوية،النخبوية، الوصوليين، وغيرها من القضايا التي تحتاج الى اعادة نظر وقراءة بعقل مفتوح محايد ومستقل ومتحرر من الجلباب الطائفي والقبلي والحزبي، وضرورة التشريح واعمال مباضع النقد الموضوعي في مكوناتها وفسيفسائها الموزاييكي.
اذن البوست او البحث الذي بين ايديكم ما هو الا محاولة تحتمل الصواب والخطاء في استحضار تاريخية مؤتمر الخريجين والمدارس التي ساهمت في تكوين امشاجه وطبيعة الصراع بين دعاة الافريقاينية والعروبية فيه، لاسيما وان كلمتي العروبة والافرقة تم طمسها علميا وموضوعيا، واقام البعض بدلا منها اصنام سموها الغرابة والجلابة، ليتحول الوعي السوداني من هم وطني يشتغل في الهوية الوطنية الى صراع ديكة عقيم وسقيم فضل-بتشديد اللام- دُعات هذه الثنائية البلهاء واضلو -تشديد اللام ايضا- لنصل للحالة التي وصلنا اليها.
والمدهش في الامر عدم وجود مراكز تنوع ثقافي متخصصة تقوم بتحشيد البحوث والمقالات والدراسات الميدانية الاحصائية بغية لملمة ما تبقى لنا من تراث، لينحشر الجميع في صراع طائفي اثني متعفن، قام بقضم مفهوم الوطنية وسيادتها وحشرها في انتماء عرقي عنصري قبلي، ستزداد الدهشة لو علمنا ان مؤتمر الخريجين ذات نفسه كان النواة والاساس الذي قامت عليه اسس العنصرة والطائفية الرعناء وهذا احدى سلبياته الفاقعة، كلمة اخيرة في مقدمتنا هذه سنذكر المصادر والمراجع لاحقا بعد الانتهاء من الدراسة.
الطرق الصوفية: منحة ام محنة؟
الطرق الصوفية لعبت دورا مهما في الحفاظ على جغرافية السودان والتعبير عن التسامح الاثني بين مكونات السودان المختلفة، ولعل السلطنة الزرقاء خير مثال لذلك على ما شابها من شوائب لاحقا، عهد بادي الاحمر، ثم انحسر دورها تدريجيا ابان المستعمر البريطاني او الحكم الثنائي وتورطت في المشروع السياسي السوداني لجهة طائفة الختمية التي تشكل الوعاء الجامع لحدِ ما للحزب الاتحادي الديمقراطي، وطائفة الانصار التي تشكل -تشديد الكاف- مداميك حزب الامة، لذلك نجد ان الوعي الثقافي كان ايضا مخفورا لزعيم الطائفة الدينية، غض النظر عن موقف الزعيم الطائفي الوطني كان ايجابا وسلبا لتتحول الطرق الصوفية- لا الفكر الصوفي- من مرشد اجتماعي للانسان السوداني الى مضلل وبامتياز، مثال عندما قامت بريطانيا بتكريم الميرغني زعيم الختمية وسام بدرجة فارس knight وكان الزعيم الميرغني مبسوطا بهذا التكريم فيما روى ذلك اللورد كرومر، كذلك قامت ملكة بريطانيا بتكريم السيد عبدالرحمن المهدي وسام لكن بدرجة اقل (رسالة اللورد كرومر للملكة فكتوريا-وثائق الخارجية البريطانية، 29-12-1900(203)
لذلك وجد خريجي كلية غردون عندما طرحوا انفسهم كمنقذيين للمشهد السياسي وقتذاك انهم متورطين في ذات المستنقع الطائفي الحزبي، خصوصا اذا اخذنا بعين الاعتبار ان مؤتمر الخريجين في الاصل كان نتيجة موضوعية لجهود طلبة كلية غردون، السؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما هي العلاقة بين ارتماء زعيمي الطائفتين اعلاه في حضن المستعمر البريطاني ومؤتمر الخريجين؟؟ الاجابة بداهة ان مؤتمر الخريجين كما سنعرف لاحقا لم يستطيع الانفكاك من اسر هاتين الطائفتين او الحزبين او الكيانين، بالرغم من محاولته الانفكاك.
بالعودة للحظة مخاض مؤتمر الخريجين حريا بنا الوقوف مليا عند مدرستين فكريتين اسمهمتا وبشكل مباشر في تشكيل الوعي الثقافي والبنيوي للهوية الثقافية والسياسية والوطنية السودانية ، مدرستين غطاهما التراب نهائيا ولم نعد نسمع بهما لا من قريب او بعيد، مدرسة ابي رووف ومدرسة الهاشماب. *مدرسة ابي روف:
مدرسة نحت منحى العروبة والتقارب مع مصر والتأثر بالتيار العروبي بشكل عمومي واخذت تشتغل عليه وترى ان الوجه الحقيقي للسودان هو وجه عروبي مستزودين باللغة العربية التي تشكل لسان حال ومقال السواد الاعظم من من السودانين، وكانت ذات جزر ختمي حتى النُخاع، ويتكون اعضاءها في اغلبهم من ابناء قبائل متحدرين من اصول عربية قحة، او هكذا كانوا يريدون لها، ومن ابرز قياداتها حسن وحسين الكد، مكاوي اكرت، ابراهيم يوسف سليمان، التجاني ابو قرون، وغيرهم، وكان لها فرع بمدينة ود مدني، وعلينا ذكر خضر حمد احد رواد الاستقلال ومؤلف نشيد للعُلا..للعُلا، حيث اورد في مذاكرته انه عندم كان امير للحجيج السوداني عام 1954م قصة سعيه ان يوضح للسعوديين الفرق بين السودانيين ابناء العروبة والتكارنة، ولكنه اسقط بين ايديه عندما لم يلاحظ السعوديين اي فرق بين المستعربين والتكارنة(خضر حمد- الحركة السودانية للاستقلال وما بعدها-الشارقة-1980م).
ابرز ملامح هذه المدرسة كانت شديدة العداء للانجليز، وكانت مدرسة ابي رووف هذه مختلفة اختلافا جذريا مع مدرسة الهاشماب، وامعانا في عروبتهم وتمسكهم بالعروبة اصدرو مجلة محلية اسموها (النهضة) تتصدرها صورة الزبير باشا (لمرحوم والمغفور له في جنات الخلد) نكاية في مدرسة الهاشماب (المنبتين افريقيا) اكثر من ذلك اخذو يعددون ماثر الزبير مثل اهداءه الف عبد من الرقيق الى خديو مصر كون ان مدرسة الهاشماب اغلبهم مواليد ضباط عملوا بجانب جيش الخديوي اسماعيل وبالتالي مشكوك في نسبهم كما اورد الدكتور منصور خالد في كتابه (السودان قصة بلدين). *مدرسة الموردة-الهاشماب:
طرحت هذه المدرسة نفسها على اساس قومي بحت، وان كان مؤسسيها ينحدرون من اصول افريقية واشهر شخصياتها محمد وعبدالله عُشري الصديق، ومحمد احمد المحجوب، وعرفات محمد عبدالله، واحمد يوسف هاشم، يوسف عبدالغني، السيد الفيل، يوسف مصطفى التني، وغيرهم..
وكانت تدعو للسودنة، وايلاء الهامش الافريقي نصيب في التعبير عن ذاته وهي اي (الموردهاشمابيوين) مقربين لحد كبير من طائفة الانصار وسيدي عبدالرحمن المهدي، لكن بشكل عام نجد منتقدي هاتين المدرستين المرحوم خالد الكد مثالا، قد نعى عليهما الترف الفكري، والانحياز العرقي، والتقرب السياسي الطائفي اكثر من طرح افكار قومية ذات مضامين واضحة (انظر كتابه: الافندية ومفهوم القومية ص 70).
لاحاقا انخرطت الجماعتين واصبح مثقفيها وروادها دهاقنة في السياسة، على حساب المشهد الثقافي الكلي للبلد، وتاهت بذلك دروب الابداع والصراع الفكري الثقافي.
فمن كان متعاطفا مع الفكر العروبي المصروي ذهبا الى الاتحاد الديمقراطي وطائفة الختمية، ومن زعم انه قومي حتى شعيرات راسة هرع الى طائفة الانصار، باستثناء الزعيم محمد احمد المحجوب الذي طرح نفسه ومشروعه الفكري والسياسي كفرد مستقل ثم ما لبس وان اصبح تابع لحزب الامة لاحقا، بينما الزعيم الازهري كان متارجحا بين انصار المهدي والختمية نقصد حزبه –الاشقاء- حتى استقر به الترحال اخيرا مع الختمية كما اورد ذلك احمد خير في كفاح جيل ص 93.
المدرستين اعلاهما كانت العمود الفقري لمؤتمر الخريجين، بخيباته ونجاحاته،الالامه، واماله، عروبييه ومستفريقيه. لكن بشكل او باخر لعبت، المدرستان دورا رياديا في المشهد السوداني بشقيه، وكان يمكن ان يتم تأريخهما ونبش اعمالهما وابداعتهما ومحصولهما الفكري في سماء الهوية الثقافية والسياسية او الهوية الوطنية لو توفرت ارادة حقيقة للجميع.
2-ميلاد مؤتمر الخريجين وظروف المخاض:
|
|
|
|
|
|
|
|
|